تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

ثم نظر إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فقال له : قم ، يا عليّ ـ وكان أصغر القوم (١) ـ فاطلبوا بحقّكم الّذي جعله الله لكم. فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها ، تريد أن تطفى نور الله ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره.

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا عبيدة ، عليك بعتبة. وقال لحمزة : عليك بشيبة. وقال لعليّ : عليك بالوليد بن عتبة.

فمرّوا حتى انتهوا إلى القوم.

فقال عتبة : من أنتم؟ انتسبوا لنعرفكم.

فقال [عبيدة] (٢) : أنا عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب.

فقال : كفو كريم. فمن هذان؟

فقال : حمزة بن عبد المطّلب ، وعليّ بن أبي طالب.

فقال : كفوان كريمان. لعن الله من أوقفنا وإيّاكم هذا الموقف.

فقال شيبة لحمزة : من أنت؟

فقال : أنا حمزة بن عبد المطّلب ، أسد الله وأسد رسوله.

فقال له شيبة : لقد لقيت أسد الحلفاء. فانظر كيف تكون صولتك ، يا أسد الله.

فحمل عبيدة على عتبة ، فضربه على رأسه ضربة فلق هامته.

وضرب عتبة عبيدة على ساقه ، فقطعها وسقطا جميعا. وحمل حمزة على شيبة ، فتضاربا بالسّيفين حتى انثلما. وكلّ واحد منهما يتّقي بدرقته. وحمل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ على الوليد بن عتبة ، فضربه على حبل عاتقه ، فأخرج السّيف من إبطه. فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : فأخذ يمينه المقطوعة بيساره ، فضرب بها هامتي ، فظننت أنّ السّماء وقعت على الأرض.

ثمّ اعتنق حمزة وشيبة ، فقال المسلمون : يا عليّ ، أما ترى الكلب قد بهر (٣) عمّك.

فحمل إليه عليّ ـ عليه السّلام ـ. ثمّ قال : يا عمّ ، طأطئ رأسك. وكان حمزة أطول من شيبة. فأدخل حمزة رأسه في صدره ، فضربه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ على رأسه فطير (٤) نصفه. ثمّ جاء إلى عتبة وبه رمق ، فأجهز عليه. وحمل عبيدة بين حمزة وعليّ حتّى

__________________

(١) المصدر : وكان أصغرهم فقال ...

(٢) من المصدر.

(٣) بهر : غلب. وفي المصدر : أبهر.

(٤) إلى هنا ليس في نسخة «أ».

٣٠١

أتيا به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فنظر إليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فاستعبر.

فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمّي ، ألست شهيدا؟

قال : بلى ، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي.

فقال : أمّا لو كان عمك حيّا ، لعلم أني أولى بما قال منه.

قال : وأيّ أعمامي تعني؟

قال : أبو طالب ، حيث يقول :

كذبتم وبيت الله نبرى محمدا

ولما نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه حتى نصرّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : أما ترى ابنه : كاللّيث العادي بين يدي الله ورسوله ، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة؟

فقال : يا رسول الله ، أسخطت عليّ في هذه الحالة؟

فقال : ما سخطت عليك ، ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك.

وقال أبو جهل لقريش : لا تعجلوا ولا تبطروا ، كما عجل وبطر أبناء ربيعة.

عليكم بأهل يثرب ، فاجزروهم جزرا. وعليكم بقريش ، فخذوهم أخذا حتّى ندخلهم مكّة فنعرّفهم ضلالتهم التي كانوا عليها.

وكان فئة (١) من قريش أسلموا بمكّة فأجلسهم (٢) آباؤهم. فخرجوا مع قريش إلى بدر وهم على الشّكّ والارتياب والنّفاق ، منهم قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكهة ، والحارث بن ربيعة ، وعليّ بن أمية بن خلف ، والعاص بن المنبّه. فلمّا نظروا إلى قلة أصحاب محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ قالوا : مساكين هؤلاء ، نحرهم (٣) دينهم فيقتلون الساعة. فأنزل الله على رسوله (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٤).

وجاء إبليس ـ عليه اللّعنة ـ إلى قريش في صورة سراقة بن مالك ، فقال لهم : «إني جار لكم» (٥) ادفعوا إليّ رايتكم. فدفعوها إليه. وجاء بشياطينه يهول بهم على

__________________

(١) المصدر : فتية.

(٢) المصدر : فاحتبسهم.

(٣) المصدر : غرّهم.

(٤) الأنفال / ٤٩.

(٥) المصدر : أنا جاركم.

٣٠٢

أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ويخيل إليهم ويفزعهم. وأقبلت قريش يقدمها إبليس معه الرّاية.

فنظر إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فقال : غضّوا أبصاركم ، وعضّوا على النّواجذ ، ولا تسلّوا سيفا حتّى آذن لكم. ثمّ رفع يده إلى السّماء ، فقال : يا ربّ ، إن تهلك هذه العصابة لم تعبد. وان شئت أن لا تعبد ، لا تعبد.

ثمّ أصابه الغشي ، فسرى عنه وهو يسكب العرق عن وجهه وهو يقول : هذا جبرئيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين.

قال : فنظرنا ، فإذا سحابة سوداء فيها برق لائح وقد وقعت على عسكر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ. وقائل يقول : أقدم حيزوم ، أقدم حيزوم (١). وسمعنا قعقعة السّلاح من الجوّ.

ونظر إبليس إلى جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فراجع (٢) ورمى باللّواء. فأخذ منبه بن الحجاج بمجامع ثوبه ، ثمّ قال : ويلك ، يا سراقة ، تفتّ في أعضاد النّاس.

فركله إبليس ركلة في صدره ، وقال : إني بريء منكم (٣) ، إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله. وهو قول الله : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ ، فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٤). ثمّ قال ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (٥).

وحمل جبرئيل على إبليس ، فطلبه حتّى غاص في البحر. وقال : ربّ ، أنجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم القيامة (٦).

روي في خبر : أنّ إبليس التفت إلى جبرئيل وهو في الهزيمة ، فقال : يا هذا ، بدا (٧) لكم فيما أعطيتمونا؟

__________________

(١) حيزوم : اسم فرس جبرئيل. أي : أقدم يا حيزوم.

(٢) المصدر : فتراجع.

(٣) ليس في المصدر : «إنّي بريء منكم».

(٤) الأنفال / ٤٨.

(٥) الأنفال / ٥٠.

(٦) المصدر : يوم الدّين.

(٧) المصدر : أبدا.

٣٠٣

فقيل لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أترى كان يخاف أن يقتله؟

فقال : لا ولكنّه كان يضربه ضربة يشينه منها إلى يوم القيامة.

وأنزل الله على نبيّه (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ، فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) (١). قال : أطراف الأصابع. فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله ، ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره.

وخرج أبو جهل من بين الصّفين ، فقال : اللهم (٢) ، إن محمّدا قطعنا الرّحم وأتانا بما لا نعرفه ، فأهنه (٣) الغداة.

فأنزل الله على رسوله (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ ، وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ، وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ ، وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (٤).

ثم أخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كفا من حصاة ، فرمى به في وجوه قريش وقال : شاهت الوجوه. فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش ، فكانت الهزيمة. ثمّ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : اللهم ، لا يغلبنّك (٥) فرعون هذه الأمة ، أبو جهل بن هشام.

فقتل منهم سبعين وأسر منهم سبعين.

والتقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل ، فضرب عمرو أبا جهل على فخذه ، وضرب أبو جهل عمروا على يده فأبانها من العضد فتعلّقت بجلدة. فاتكأ عمرو على يده برجله ، ثمّ تراخى (٦) في السّماء حتّى انقطعت الجلدة ورمى بيده.

وقال عبد الله بن مسعود : انتهيت إلى أبي جهل وهو يتشحّط بدمه ، فقلت : الحمد لله الّذي أخزاك.

فرفع رأسه ، فقال : إنّما أخزى الله عبد بن أمّ عبد. لمن الدين (٧) ، ويلك؟

قلت : لله وللرّسول ، وإنّي قاتلك ، ووضعت رجلي على عنقه.

__________________

(١) الأنفال / ١٢.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر : فأحنه ، أي : أهلكه.

(٤) الأنفال / ١٩.

(٥) المصدر : لا يفلتن.

(٦) المصدر : نزا.

(٧) الدين هنا : القهر والغلبة والاستعلاء.

٣٠٤

فقال : لقد (١) ارتقيت مرتقى صعبا ، يا رويعي الغنم. أما إنّه ليس شيء أشدّ من قتلك إيّاي في هذا اليوم. ألّا تولّي قتلي رجلا من المطلبيين ، أو رجلا من الأحلاف؟

فانقلعت (٢) بيضة كانت على رأسه ، فقتلته. وأخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ. فقلت : يا رسول الله ، البشرى. هذا رأس أبي جهل بن هشام.

فسجد لله شكرا.

وأسر أبو بشير الأنصاريّ العبّاس بن عبد المطّلب وعقيل بن أبي طالب ، وجاء بهما إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال له : هل أعانك عليهما أحد؟

قال : نعم ، رجل عليه ثياب بيض.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذاك من الملائكة.

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للعبّاس : أفد نفسك وابن أخيك.

فقال : يا رسول الله ، قد كنت أسلمت ولكن القوم استكرهوني.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أعلم بإسلامك إن يكن ما تذكر حقّا ، فإنّ الله يجزيك (٣) عليه. فأمّا ظاهر أمرك ، فقد كنت علينا.

ثمّ قال : يا عبّاس ، إنكم خاصمتم الله ، فخصمكم.

ثمّ قال : أفد نفسك وابن أخيك.

وقد كان العبّاس أخذ معه أربعين أوقيّة من ذهب.

فغنمها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فلمّا قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للعبّاس : «أفد نفسك» قال : يا رسول الله ، أحسبها من فدائي.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا ، ذاك شيء أعطانا الله منك. فأفد نفسك وابن أخيك.

فقال العبّاس : ليس لي مال غير الّذي ذهب منّي.

قال : بلى ، المال الّذي خلّفته عند أمّ الفضل بمكّة. وقلت لها : إن حدث عليّ حدث ، فاقسموه بينكم.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر : فاقتلعت.

(٣) المصدر : يجزك.

٣٠٥

فقال له : تتركني وأنا أسأل النّاس بكفي.

فأنزل الله على رسوله في ذلك (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). ثمّ قال الله : (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ) [في علي] (١) (فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢).

ثمّ قال رسول الله لعقيل : قد قتل الله ، يا أبا يزيد ، أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومنبّه ونبيه ، ابني الحجّاج ونوفل بن خويلد. وأسر سهيل بن عمرو والنضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط وفلان وفلان.

فقال عقيل : إذا لا تنازعوا في تهامة. فإن كنت قد أثخنت القوم ، وإلّا فاركب أكتافهم.

فتبسم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من قوله.

وكان القتلى ببدر سبعين ، والأسرى سبعين. قتل منهم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ سبعة وعشرين ، ولم يؤسر أحدا. فجمعوا الأسارى ، وقرنوهم في الحبال ، وساقوهم على أقدامهم ، وجمعوا الغنائم. وقتل من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ تسعة رجال ، فيهم (٣) سعد بن خيثمة ، وكان من النّقباء. فرحل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ونزل الأثيل عند غروب الشّمس ، وهو من بدر على ستّة أميال. فنظر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى عقبة بن أبي معيط وإلى النضر بن الحارث بن كلدة ، وهما في قرآن (٤) واحد.

فقال النّضر لعقبة : يا عقبة أنا وأنت مقتولان.

قال عقبة : من بني (٥) قريش؟

قال : نعم. لأنّ محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد نظر إلينا نظرة ، رأيت فيها القتل.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا عليّ ، عليّ بالنّضر وعقبة.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الأنفال / ٧٠ و ٧١.

(٣) المصدر : فمنهم.

(٤) المصدر : قرن. والقرن ـ محرّكة ـ الحبل يجمع به البعيران.

(٥) المصدر : بين.

٣٠٦

وكان النّضر رجلا جميلا ، عليه شعر. فجاء عليّ ـ عليه السّلام ـ فأخذ بشعره فجرّه إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال النضر : يا محمد ، أسألك بالرّحم الّذي بيني وبينك إلا أجريتني ، كرجل من قريش. إن قتلتهم ، قتلتني. وإن فاديتهم ، فاديتني. وإن أطلقتهم ، أطلقتني. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا رحم بيني وبينك ، قطع الله الرحم بالإسلام. قدّمه ، يا عليّ ، فاضرب عنقه.

فقال عقبة : يا محمّد ، ألم تقل : لا تصبر قريش ، أي : لا يقتلون صبرا؟

قال : وأنت (١) من قريش؟ إنّما أنت علج من أهل صفوريّة. لا أنت في الميلاد أكبر من أبيك الّذي تدعى له ، ليس منها. قدّمه ، يا عليّ ، فاضرب عنقه.

فقدّمه ، فضرب عنقه. فلمّا قتل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ النضر وعقبة ، خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلّهم. فقاموا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقالوا : يا رسول الله ، قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين. وهم قومك وأساراك. هبهم لنا ، يا رسول الله ، وخذ منهم الفداء وأطلقهم. فأنزل الله عليه (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ، وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) (٢). فأطلق لهم أن يأخذوا الفداء ويطلقوهم ، وشرط أنّه يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذون منهم الفداء. فرضوا منه بذلك. وتمام الحديث مضى في سورة آل عمران.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) : كثيرا. بحيث يرى لكثرتهم كأنّهم يزحفون ، أي : يدبّون.

وهو مصدر زحف الصبيّ : إذا دبّ على مقعده قليلا. سمّي به. وجمع على زحوف. وانتصابه على الحال.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) ، أي : يدنوا بعضهم (٤) من بعض.

(فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) (١٥) : بالانهزام ، فضلا أن يكونوا مثلكم أو أقلّ

__________________

(١) المصدر.

(٢) الأنفال / ٦٧ ـ ٦٩.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٧٠.

(٤) المصدر : بعضكم.

٣٠٧

منكم.

والأظهر أنّها محكمة ، مخصوصة بقوله : (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) (الآية).

ويجوز أن ينتصب «زحفا» على الحال من الفاعل والمفعول ، أي : إذا لقيتموهم متزاحفين يدبّون إليكم وتدبون إليهم ، فلا تنهزموا. أو من الفاعل وحده ، ويكون أشعارا بما سيكون منهم يوم حنين حين تولّوا ، وهم اثنا عشر ألفا.

(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) : يريد الكر بعد الفرّ وتغرير العدوّ ، فانّه من مكائد الحرب.

(أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) ، أي : منحازا إلى طائفة أخرى من المسلمين على القرب ، ليستعين بهم.

ومنهم من لم يعتبر القرب ، لما نقل (١) ابن عمر أنّه كان في سريّة بعثهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ففرّوا إلى المدينة.

فقلت : يا رسول الله ، نحن الفرّارون؟

فقال : بل أنتم العكارون ، وأنا فئتكم.

وانتصاب «متحرّفا» و «متحيزا» على الحال ، وإلّا لغو لا عمل لها. أو الاستثناء من المولين ، أي : إلّا رجلا متحرفا أو متحيزا.

ووزن «متحيّز» «متفيعل» لا «متفعّل» ، وإلا لكان متحوزا ، من حاز يحوز.

(فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٦).

قيل : هذا إذا لم يزد العدوّ على الضعف ، لقوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) (الآية).

وقيل (٢) : الآية مخصوصة بأهل بيته (٣) ، والحاضرين معه في الحرب.

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن أبي أسامة ، زيد الشّحام قال : قلت لأبي الحسن ـ عليه السّلام ـ : جعلت فداك ، إنّهم يقولون : ما منع عليا ، ان كان له حقّ ، أن يقوم بحقّه؟

فقال : إنّ الله لم يكلّف هذا أحدا إلّا نبيّه ـ عليه وآله السّلام ـ قال له :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨.

(٣) ح : بدر.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٥١ ، ح ٣١.

٣٠٨

(فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) (١). وقال لغيره : (إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) (٢). فعليّ لم يجد فئة. ولو وجد فئة ، لقاتل.

ثمّ قال : لو كان جعفر وحمزة حيّين ، إنّما هما رجلان (٣). قال : (مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ). قال : متطرّفا (٤) يريد الكرة عليهم. «أو متحيزا» ، يعني : متأخرا إلى أصحابه من غير هزيمة. فمن انهزم حتى يخوض (٥) صفّ أصحابه ، (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ).

عن زرارة (٦) ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : قلت : الزّبير شهد بدرا؟

قال : نعم ، ولكنّه فرّ يوم الجمل. فإن كان قاتل المؤمنين ، فقد هلك بقتاله إياهم. وان كان قاتل كفّارا ، (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) ، حين ولّاهم دبره.

[سئل] (٧) عن أبي جعفر (٨) ـ عليه السّلام ـ ما شأن أمير المؤمنين حين ركب منه ما ركب ، [لم يقاتل] (٩).

فقال : للّذي (١٠) سبق في علمه أن يكون. ما كان لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أن يقاتل وليس معه إلّا ثلاثة رهط (١١) ، فكيف يقاتل؟ ألم تسمع قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ـ إلى ـ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). فكيف يقاتل أمير المؤمنين بعدها ، وإنّما هو يومئذ ليس معه [مؤمن] (١٢) غير ثلاثة رهط.

وفي كتاب الخصال (١٣) ، في مناقب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وتعدادها : وقال ـ عليه السّلام ـ : وأمّا الثّالثة والسّتّون ، فاني لم أفرّ من الزّحف قطّ ، ولم يبارزني أحد إلّا سقيت الأرض من دمه.

وفي عيون الأخبار (١٤) ، في باب ما كتب به الرضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمد بن سنان

__________________

(١) النساء / ٨٤.

(٢) الانفال / ١٦.

(٣) للعلامة المجلسي ـ رحمه الله ـ بيان فيه. راجع البحار (ط. الكمباني) ٨ / ١٥٢.

(٤) المصدر : «متطرّدا» ، أي : متباعدا.

(٥) المصدر : يجوز.

(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٥١ ، ح ٢٩.

(٧) ما بين المعقوفتين منّا.

(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ٥١ ، ح ٣٠.

(٩) من المصدر.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الله من ، بدل : للّذي.

(١١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : برهط. (١٢) من المصدر. (١٣) الخصال / ٥٨٠.

(١٤) العيون ٢ / ٩٢.

٣٠٩

في جواب مسائله في العلل : وحرّم الله ـ تعالى ـ الفرار من الزّحف لما فيه من الوهن في الدّين ، والاستخفاف بالرّسل والائمّة العادلة ـ عليهم السّلام ـ وترك نصرتهم على الأعداء ، والعقوبة لهم على انكار ما دعوا إليه من الإقرار بالرّبوبيّة وإظهار العدل ، وترك الجور ، وإماتته والفساد (١) ، لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين ، وما يكون من السّبي والقتل وإبطال من دين الله ـ عزّ وجلّ ـ وغيره من الفساد.

وفي الكافي (٢) : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أبي حمزة ، عن عقيل الخزاعيّ ، أنّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ كان إذا حضر الحرب ، يوصي المسلمين بكلمات يقول : تعاهدوا الصّلاة ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ : ثمّ أنّ الرعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد والمؤازرين على الضّلال ضلال في الدين ، وسلب للدّنيا مع الذّلّ والصّغار ، وفيه استيجاب النّار بالفرار من الزحف عند حضرة القتال. يقول الله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ)

أحمد بن محمّد الكوفيّ (٣) ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن مفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وعن عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ لأصحابه : إذا لقيتم عدوكم في الحرب ، فأقلّوا الكلام واذكروا الله ـ عزّ وجلّ ـ (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) فتسخطوا الله ـ تبارك وتعالى ـ وتستوجبوا غضبه.

محمّد بن يحيى (٤) ، عن احمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن صالح ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان يقول : من فرّ من رجلين في القتال من الزحف ، فقد فرّ. ومن فرّ من ثلاثة في القتال من الزّحف ، فلم يفرّ.

(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) : بقوّتكم.

(وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) : بنصركم وتسليطكم عليهم ، وإلقاء الرّعب في قلوبهم.

نقل (٥) : انّه لمّا طلعت قريش من العقنقل ، قال ـ عليه السّلام ـ : هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك. اللهم ، انّي أسألك ما وعدتني.

__________________

(١) المصدر : وإماتة الفساد.

(٢) الكافي ٥ / ٣٦ و ٣٨.

(٣) الكافي ٥ / ٤٢ ، ح ٥.

(٤) الكافي ٥ / ٣٤ ، ح ١.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨.

٣١٠

فأتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ وقال له : خذ قبضة من تراب ، فارمهم بها.

فلمّا التقى الجمعان ، تناول كفّا من الحصباء فرمى بها في وجوههم وقال : شاهت الوجوه. فلم يبق مشرك الّا شغل بعينيه. فانهزموا ، وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم. ثمّ لمّا انصرفوا ، أقبلوا على التّفاخر. فيقول الرجل : قتلت وأسرت. فنزلت.

و «الفاء» جواب شرط محذوف ، تقديره : إن فخرتم (١) بقتلهم فلم تقتلوهم ، ولكن الله قتلهم.

(وَما رَمَيْتَ) : يا محمّد ، رميا توصله إلى أعينهم ولم تقدر عليه.

(إِذْ رَمَيْتَ) : أي : أتيت بصورة الرّمي.

(وَلكِنَّ اللهَ رَمى) ، أي : أتى بما هو غاية الرّمي ، فأوصلها إلى أعينهم حتى انهزموا وتمكنتم من قطع دابرهم.

وقد عرفت أنّ اللّفظ يطلق على المسمّى ، وعلى ما هو كماله ، والمقصود منه.

وقيل (٢) : معناه : ما رميت بالرّعب إذ رميت بالحصباء ، ولكنّ الله رمى بالرّعب في قلوبهم.

وقيل (٣) : انّه نزل في طعنة طعن بها أبي بن خلف يوم أحد ، ولم يخرج منه دم ، فجعل يخور حتّى مات. أو رمية سهم رماه يوم حنين نحو الحصن ، فأصاب لبابة بن الحقيق (٤) على فراشه.

وفي تفسير (٥) علي بن ابراهيم ، يعني : الحصى الّذي حمله رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورمى به في وجوه قريش ، وقال : شاهت الوجوه.

وفي كتاب الاحتجاج (٦) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. وفيه قال في هذه الآية : سمّي فعل النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فعلا له. ألا ترى تأويله على غير تنزيله.

__________________

(١) المصدر : افتخرتم.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.

(٤) المصدر : كنانة بن أبي الحقيق.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٧٠ ـ ٢٧١.

(٦) الاحتجاج ١ / ٣٧٢.

٣١١

وفي تفسير العياشيّ (١) : عن محمّد بن كليب الأسديّ ، عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).

قال : عليّ ناول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ القبضة التي رمى بها.

وفي خبر آخر (٢) عنه : أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ ناوله قبضة من تراب ، رمى بها.

عن عمرو بن أبي المقدام (٣) ، عن عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ قال : ناول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليّ بن أبي طالب قبضة من تراب [القبضة] (٤) التي رمى بها في وجوه المشركين. فقال [الله] (٥) : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).

وفي كتاب الخصال (٦) ، في مناقب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وتعدادها. قال ـ عليه السّلام ـ : وأمّا الخامسة والثّلاثون ، فإن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجهني يوم بدر فقال : ائتني بكف حصيات مجموعة في مكان واحد. فأخذتها ثمّ شممتها ، فإذا هي طيّبة تفوح منها رائحة المسك. فأتيته بها ، فرمى بها وجوه المشركين. وتلك الحصيات أربع منها كن (٧) من الفردوس وحصاة من المشرق ، وحصاة من المغرب ، وحصاة من تحت العرش. مع كلّ حصاة مائة ألف ملك مداد لنا. لم يكرم الله ـ عزّ وجلّ ـ بهذه الفضيلة أحدا قبلنا ولا بعدنا.

(وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) : ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ، ومشاهدة الآيات.

(إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) : لاستغاثتهم ودعائهم.

(عَلِيمٌ) (١٧) : بنيّاتهم وأحوالهم.

(ذلِكُمْ) : إشارة إلى البلاء الحسن أو القتل ، أو الرّمي.

ومحلّه الرّفع ، أي : المقصود ، أو الأمر «ذلكم».

(وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) (١٨) : معطوف عليه ، أي : المقصود إيلاء المؤمنين ، وتوهين كيد الكافرين وإبطال حيلهم.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٥٢ ، ح ٣٢.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٥٢ ، ح ٣٣.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٥٢ ، ح ٣٤.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) من المصدر.

(٦) الخصال / ٥٧٦.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : كان.

٣١٢

وقرأ (١) ابن كثير ونافع وابو عمرو : «موهن» بالتّشديد. وحفص : «موهن كيد الكافرين» بالإضافة والتّخفيف.

(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) قيل (٢) : خطاب لأهل مكّة على سبيل التّهكم. وذلك أنّهم حين أرادوا الخروج ، تعلّقوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهمّ ، انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين.

وفي مجمع البيان (٣) ، في حديث أبي حمزة : قال أبو جهل : اللهم ربّنا ، ديننا القديم ودين محمّد الحديث. فأي الدّينين كان أحبّ إليك وأرضى عندك ، فانصر أهله اليوم.

وروي أنّه قال : أيّنا أهجر وأقطع للرّحم ، فأهنه اليوم فأهلكه.

وقيل (٤) : خطاب للمؤمنين ، وكذا القولان فيما بعده.

(وَإِنْ تَنْتَهُوا) : عن الكفر ، ومعاداة الرسول.

(فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) : لتضمنه سلامة الدّارين وخير المنزلين.

(وَإِنْ تَعُودُوا) : لمحاربته.

(نَعُدْ) : لنصره.

(وَلَنْ تُغْنِيَ) : ولن تدفع.

(عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ) : جماعتكم.

(شَيْئاً) : من الإغناء ، أو المضارّ.

(وَلَوْ كَثُرَتْ) : فئتكم.

(وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٩) : بالنّصر والمعونة.

وقرأ نافع (٥) وابن عامر وحفص : «وأنّ» بالفتح. على تقدير : ولأنّ الله مع المؤمنين كان ذلك.

وقيل (٦) : الآية خطاب للمؤمنين. والمعنى : إن تستنصروا ، فقد جاءكم النصر.

وإن تنتهوا عن التّكاسل في القتال والرغبة عمّا يستأثره الرّسول ، (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ). «وإن تعودوا إليه ، نعد» عليكم بالإنكار أو تهييج العدوّ. «ولن تغني» حينئذ كثرتكم ، إذا لم

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٥٣١.

(٤) تفسير الصافي ٢ / ٢٨٨.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.

(٦) نفس المصدر ، والموضع.

٣١٣

يكن الله معكم بالنّصر. فإنه مع الكاملين في إيمانهم. ويؤيّد ذلك : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) : ولا تتولوا عن الرّسول. فإنّ المراد من الآية : الأمر بطاعته والنهي عن الإعراض عنه.

وذكر طاعة الله ، للتّوطئة ، والتّنبيه على أنّ طاعة الله هي طاعة الرّسول لقوله : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ).

وقيل : الضّمير للجهاد ، أو للأمر الّذي دلّ عليه الطّاعة.

(وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (٢٠) : القرآن والمواعظ ، سماع فهم وتصديق.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا) ، كالكفرة والمنافقين ، الّذين ادّعوا السّماع.

(وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (٢١) : ينتفعون به ، فكأنّهم لا يسمعون رأسا.

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ) : شرّ ما يدبّ على الأرض ، أو شرّ البهائم.

(الصُّمُ) : عن الحقّ.

(الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (٢٢) : إيّاه. عدّهم من البهائم ، ثمّ جعلهم شرّها لإبطالهم ما امتازوا به وفضّلوا لأجله.

(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) : سعادة كتبت لهم ، أو انتفاعا بالآيات.

(لَأَسْمَعَهُمْ) : سماع تفهم.

(وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) : وقد علم أن لا خير فيهم.

(لَتَوَلَّوْا) : ولم ينتفعوا به ، وارتدّوا بعد التصديق والقبول.

(وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٣) : لعنادهم.

وقيل (١) : كانوا يقولون للنبيّ : أحي لنا قصيا. فإنّه كان شيخا مباركا ، حتى يشهد لك ونؤمن بك.

والمعنى : لأسمعهم كلام قصيّ.

وفي مجمع البيان (٢) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : نزلت في بني عبد الدار. لم يكن أسلم منهم غير مصعب بن عمير ، وحليف لهم يقال له : سويط (٣).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) : بالطّاعة.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٠.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٥٣٢.

(٣) المصدر : سويبط.

٣١٤

(إِذا دَعاكُمْ).

وحدّ الضّمير فيه لما سبق. ولأنّ دعوة الله تسمع من الرّسول.

نقل (١) : أنّه ـ عليه السّلام ـ مرّ على أبي وهو يصلي. فدعاه ، فعجل في صلاته ثمّ جاء.

فقال : ما منعك عن إجابتي؟

قال : كنت أصلي.

قال : ألم تخبر فيما أوحى الله إليّ (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)؟

(لِما يُحْيِيكُمْ).

قيل (٢) : من العلوم الدّينية. فإنّها حياة القلب ، والجهل موته. قال : لا تعجبنّ الجهول حلّته فذاك ميت وثوبه كفن.

أو ممّا يورثكم الحياة الأبديّة في النّعيم الدائم ، من العقائد والأعمال. أو من الجهاد ، فإنّه سبب بقائكم. إذ لو تركوه ، لغلبهم العدوّ وقتلهم. أو الشّهادة لقوله ـ تعالى ـ : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٣).

وفي روضة الكافي (٤) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن عبد الله بن مسكان ، عن زيد بن الوليد الخثعميّ ، عن أبي الربيع الشاميّ قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية.

قال : نزلت في ولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : قال : «الحياة» الجنة.

حدثنا أحمد بن محمّد ، عن جعفر بن عبد الله ، عن كثير بن عيّاش ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول في هذه الآية : ولاية عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ فإنّ اتباعكم إيّاه وولايته ، أجمع لأمركم وأبقى للعدل فيكم.

وفي شرح الآيات الباهرة (٦) ، تأويله أورد من طريق العامّة نقله ابن مردويه ، عن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٠.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) آل عمران / ١٦٩.

(٤) الكافي ٨ / ٢٤٨ ، ح ٣٤٩.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٧١.

(٦) تأويل الآيات الباهرة / ٧١.

٣١٥

رجاله مرفوعا إلى الإمام محمّد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ).

قال : الى ولاية عليّ بن أبي طالب.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ).

قيل (١) : تمثيل لغاية قربه ـ تعالى ـ من العبد ، كقوله (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٢). وتنبيه على أنه ـ تعالى ـ مطلع على مكنونات القلوب ما عسى يغفل عنه صاحبها. أو حثّ على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها ، قبل أن يحول الله بينه وبين قلبه بالموت أو غيره. أو تصوير وتخييل لتملّكه على العبد قلبه ، فيفسخ عزائمه ويغيّر مقاصده ، ويحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته ، وبينه وبين الإيمان إن قضى شقاوته.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) ، أي : يحول بينه وبين ما يريد.

وفيه (٤) ، بالسّند السّابق : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : يحول بين المؤمن ومعصيته أن تقوده إلى النّار. وبين الكافر وبين طاعته أن يستكمل به الإيمان. قال واعلموا أنّ الأعمال بخواتيمها.

وفي كتاب التّوحيد (٥) : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال : حدثنا محمّد بن الحسن الصّفار وسعد بن عبد الله جميعا قالا : حدثنا أيّوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية قال : يحول بينه وبين أن يعلم أن الباطل حقّ.

وفي مجمع البيان (٦) : وروى يونس [بن عمّار] (٧) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ معناه : لا يستيقن القلب ، أنّ الحقّ باطل أبدا. ولا يستيقن القلب ، أنّ الباطل حقّ أبدا.

وفي تفسير العيّاشيّ : عن حمزة بن الطّيار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : هو

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٠.

(٢) ق / ١٦.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٢٧١.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) التوحيد / ٣٨٥ ، ح ٦.

(٦) مجمع البيان ٢ / ٥٣٤.

(٧) من المصدر.

٣١٦

أن يشتهي الشيء بسمعه وبصره ولسانه ويده. أما أنّه لا يغشى شيئا منها. وان كان غشي شيئا مما يشتهي ، فانه لا يأتيه إلّا وقلبه منكر لا يقبل الذي يأتي ، يعرف أنّ الحق ليس فيه.

وعن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : هذا الشيء يشتبه الرّجل بقلبه وسمعه وبصره لا تتوق نفسه إلى غير ذلك ، فقد حيل بينه وبين قلبه إلّا ذلك الشيء.

(وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٢٤) : فيجازيكم بأعمالكم.

(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) : اتّقوا ذنبا يعمّكم أثره كإقرار المنكر بين أظهركم ، والمداهنة في الأمر بالمعروف ، وافتراق الكلمة ، وظهور البدع والتّكاسل في الجهاد.

على أن قوله : «لا تصيبنّ» إمّا جواب الأمر على معنى : إن أصابتكم لا تصب الظّالمين منكم. وفيه أنّ جواب الشّرط متردد ، فلا يليق به النّون المؤكّدة. لكنّه لما تضمّن معنى النهي ، ساغ فيه ، كقوله : (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ).

وإمّا صفة «لفتنة» و «لا» للنفي. وفيه شذوذ ، لأن النّون لا تدخل المنفي في غير القسم. أو للنهي على إرادة القول ، كقوله : حتى إذا جنّ الظّلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذّئب قط.

وإمّا جواب قسم محذوف ، كقراءة من قرأ : «لتصيبن» ، وإن اختلفا في المعنى.

ويحتمل أن يكون نهيا بعد الأمر باتّقاء الذّنب عن التّعرض للظّلم ، فإنّ وباله يصيب الظالم خاصّة ويعود عليه.

و «من» في «منكم» على الوجه الأول ، للتّبعيض. وعلى الأخيرتين للتّبيين.

وفائدته التّنبيه ، على أنّ الظّلم منكم أقبح من غيركم.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن عبد الرّحمن بن سالم ، عن الصادق ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية قال : أصابت الناس فتنة بعد ما قبض الله نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، حتّى تركوا عليا وبايعوا غيره. وهي الفتنة الّتي فتنوا بها. وقد أمرهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ باتّباع عليّ والأوصياء من آل محمّد ـ عليهم السّلام ـ.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٥٣ ، ح ٤٠.

٣١٧

عن إسماعيل السريّ (١) ، عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ (٢) في هذه الآية قال أخبرت ، أنهم أصحاب الجمل.

وفي مجمع البيان (٣) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وأبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّهما قرءا : «لتصيبنّ».

وعن ابن عبّاس : (٤) : أنّهما لمّا نزلت ، قال [واتقوا فتنة] (٥) ، قال النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من ظلم عليّا مقعدي هذا بعد وفاتي ، فكأنّما جحد نبوتي ونبوّة الأنبياء قبلي.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : نزلت في طلحة والزبير لمّا حاربوا (٧) أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وظلموه.

وفي شرح الآيات الباهرة (٨) :

وذكر أبو عليّ الطبرسيّ ، عن السّيد أبي طالب الهرويّ ، بإسناده : عن علقمة وعن الأسود قالا : أتينا أبا أيّوب الأنصاريّ فأخبرنا ، إن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال لعمّار : إنّه سيكون من بعدي هنات ، حتى يختلف السيف فيما بينهم ، وحتّى يقتل بعضهم [بعضا ، وحتّى يبرأ بعضهم] (٩) من بعض. فإذا رأيت ذلك ، فعليك بهذا الأصلع عن يميني ، عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ فإن سلك الناس كلّهم واديا وسلك عليّ واديا ، فاسلك وادي عليّ وخلّ النّاس ، يا عمّار. إنّ عليّ لا يردّك عن هدى ، ولا يدلّك على ردى. يا عمّار ، طاعة عليّ طاعتي ، وطاعتي طاعة الله.

وذكر صاحب كتاب نهج الإيمان (١٠) قال : قال : ذكر أبو عبد الله ، محمّد بن علي [بن] السراج في كتابه في تأويل هذه الآية. حديث يرفعه ، بإسناده إلى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا ابن مسعود ، إنه قد نزلت في عليّ آية (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً). وأنا مستودعها ، ومسلم لك الظّلمة فكن لما أقول واعيا ، وعني مؤديا. من ظلم عليا مجلسي هذا ، كان كمن جحد نبوتي ونبوة الأنبياء

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٥٣ ، ح ٤١.

(٢) المصدر : عن البهي ...

(٣) مجمع البيان ٢ / ٥٣٢.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٥٣٤ ـ ٥٣٥.

(٥) من المصدر.

(٦) تفسير القمي ١ / ٢٧١.

(٧) المصدر : حاربا.

(٨) تأويل الآيات الباهرة / ٧٢.

(٩) ليس في المصدر. (١٠) نفس المصدر والموضع.

٣١٨

من قبلي.

فقال له الرّاوي : يا أبا عبد الرّحمن ، أسمعت هذا من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

قال : نعم.

فقلت له : فكنت (١) للظّالمين [ظهيرا] (٢)؟

قال : لا جرم ، حلّت بي عقوبة على أن (٣) لم أستأذن إمامي ، كما استأذن جندب وعمار وسلمان. وأنا أستغفر الله وأتوب إليه.

وفي أصول الكافي (٤) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ حديث طويل وفيه : ثمّ قال في بعض كتابه : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) في إنّا أنزلناه في ليلة القدر (٥). ويقول : إنّ محمّدا حين يموت يقول أهل الخلاف لأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ : مضت ليلة القدر مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فهذه فتنة أصابتهم خاصة.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) قيل (٦) : أرض مكّة ، يستضعفكم قريش. والخطاب للمهاجرين. وقيل : للعرب كافة ، فإنّهم كانوا أذلاء في أيدي فارس والرّوم.

(تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) : كفّار قريش ، أو من عداهم. فانّهم جميعا معادين مضادّين لهم.

(فَآواكُمْ) : إلى المدينة. أو جعل لكم مأوى تتحصّنون به عن أعدائكم.

(وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) : على الكفار ، أو بمظاهره الأنصار ، أو بإمداد الملائكة يوم بدر.

(وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) : من المغانم.

__________________

(١) المصدر : فكيف وكنت.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : «عملي اني» بدل : «على أن».

(٤) الكافي ١ / ٢٤٨ و ٢٤٩ ، ضمن ح ٤.

(٥) الحديث في «باب شأن (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وتفسيرها» من كتاب أصول الكافي (الحديث ٤) ، يعني : هذه الآية نزلت في إنّا أنزلناه في ليلة القدر. وتفسيره يعرف من كلامه ـ عليه السّلام ـ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٩١.

٣١٩

(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢٦) : هذه النّعم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : نزلت في قريش خاصة.

وفي كشف المحجة (٢) لابن طاوس : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه : فأمّا الآيات التي في قريش ، فهي قوله : «واذكروا ـ إلى قوله ـ لعلّكم تشكرون».

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) : بتعطيل الفرائض والسّنن. أو بأن تضمروا خلاف ما تظهرون. أو بالغلول في المغانم.

وأصل الخون : النّقص ، كما أن أصل الوفاء : التّمام. واستعماله في ضد الأمانة ، لتضمنه إيّاه.

(وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) : فيما بينكم.

وهو مجزوم بالعطف ، على الأوّل. أو منصوب على الجواب ، بالواو.

(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٧) : أنّكم تخونون. أو أنتم علماء ، تميّزون الحسن من القبيح.

وفي مجمع البيان (٣) : عن الباقر والصّادق ـ عليهما السّلام ـ : نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاريّ. وذلك أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حاصر يهود بني قريظة (٤) إحدى وعشرين ليلة. فسألوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الصّلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النّضير ، على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات وأريحا من أرض الشّام. فأبى أن يعطيهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. إلّا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ.

فقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة.

وكان مناصحا لهم ، لأنّ عياله وماله وولده كانت عندهم فبعثه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأتاهم.

فقالوا : ما ترى ، يا أبا لبابة ، أننزل على حكم سعد بن معاذ؟

فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه : إنّه الذّبح ، فلا تفعلوا.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢٧١.

(٢) كشف المحجّة / ١٧٥.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٥٣٥ ـ ٥٣٦.

(٤) المصدر : يهود قريظة.

٣٢٠