تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

وقالت الملائكة : بلى. فقال ـ تبارك وتعالى ـ : أنا ربّكم و] (١) محمّد نبيّكم وعليّ أميركم.

وروى الشّيخ محمّد بن يعقوب ـ رحمه الله ـ : عن عليّ بن إبراهيم ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي الرّبيع الفرّاز ، عن جابر ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : لم سمّي عليّ ـ عليه السّلام ـ : أمير المؤمنين؟

قال : الله سمّاه ، وهكذا أنزل الله في كتابه. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : «وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم وأنّ محمّدا نبيّكم رسولي وأنّ عليّا أمير المؤمنين قالوا بلى».

وممّا ورد في تسميته بأمير المؤمنين ـ صلّى الله عليه وعلى ذرّيته الطّيبين ـ ما روى الشّيخ المفيد ـ رحمه الله ـ ، بإسناده إلى أنس بن مالك قال : كنت خادم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فلمّا كانت ليلة أمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، أتيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بوضوء.

فقال : يا أنس ، يدخل عليك السّاعة من هذا الباب أمير المؤمنين وخير الوصيّين ، أقدم النّاس إسلاما (٢) وأكثرهم علما وأرجحهم حلما.

فقلت : اللهمّ اجعله من قومي. [قال] (٣) فلم ألبث أن دخل عليّ بن أبي طالب من الباب ، ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يتوضّأ. فرمى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الماء على وجهه حتّى امتلأت عيناه منه.

فقال : يا رسول الله ، أحدث فيّ حدث؟

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما حدث فيك إلّا خير. أنت منّي ، وأنا منك. تؤدّي عنّي [أمانتي] (٤) ، وتفي بذمّتي ، وتغسّلني ، وتواريني في لحدي ، وتسمع النّاس عنّي ، وتبيّن لهم ما يختلفون فيه بعدي.

وذكر ـ أيضا ـ حديثا أسنده إلى ابن عبّاس : أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال لأمّ سلمة : اسمعي واشهدي ، هذا عليّ أمير المؤمنين (٥) وسيّد المسلمين (٦).

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : سلما.

(٣) من المصدر.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : هذا عليّ بن أبي طالب.

(٦) المصدر : الوصيّين.

٢٤١

وروى ـ أيضا ـ حديثا مسندا إلى معاوية بن ثعلبة (١) قال : قيل لأبي ذرّ ـ رضي الله عنه ـ : أوص.

قال : أوصيت.

قيل : إلى من؟

قال : إلى أمير المؤمنين.

قيل : عثمان؟

قال : لا ، ولكنّه أمير المؤمنين حقّا ، عليّ بن أبي طالب. [إنّه لربّ هذه الأرض وربّ هذه الأمّة] (٢). لو فقدتموه ، لأنكرتكم (٣) الأرض ومن عليها.

وروى حديثا مسندا ، [عن أبي بريدة بن الخصيب] (٤). الأسلميّ ـ وهو المشهور بين العلماء ـ قال : قال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أمرني في سابع سبعة ، فيهم أبو بكر وعمر وطلحة والزّبير ، فقال : سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين. فسلّمنا عليه بذلك ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حيّ بين أظهرنا.

وفي تفسير مجاهد ، من طريق العامّة قال : ما في القرآن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلّا ولعليّ ـ عليه السّلام ـ سابقة في ذلك. لأنّه سبقهم إلى الإسلام. فسمّاه الله ـ سبحانه ـ في تسعة وثمانين موضعا : أمير المؤمنين ، وسيّد المخاطبين إلى يوم الدّين.

وروى الحسين بن جبير (٥) ، صاحب كتاب النخب (٦) ، في كتابه حديثا مسندا إلى الباقر ـ عليه السّلام ـ [قال : سئل الباقر ـ عليه السّلام ـ] (٧) عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) من هؤلاء؟

فقال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لمّا أسري بي إلى السّماء الرّابعة ،

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : تغلب.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : وفي النسخ : بربّ هذه الأرض وربّ هذه الآية.

(٣) لأنكرتم.

(٤) من المصدر ، وفي النسخ : أنّ الحصب.

(٥) المصدر : الحسين بن حبر.

(٦) كذا في المصدر ، وفي النسخ : البخت.

(٧) ليس في المصدر.

٢٤٢

أذّن جبرئيل وأقام ، وجمع النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والملائكة ، وتقدّمت وصلّيت بهم.

فلمّا انصرفت ، قال جبرئيل : قل لهم : بم تشهدون؟

قالوا : نشهد ، أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وأنّ عليّا أمير المؤمنين.

وروى أخطب خوارزم حديثا مسندا ، يرفعه إلى سعيد بن جبير : عن ابن عبّاس قال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في بيته ، فغدا عليه عليّ بن أبي طالب بالغداة ، وكان يحبّ أن لا يسبقه إليه أحد. فدخل ، فإذا النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في صحن الدّار ، وإذا رأسه في حجر دحية.

فقال : السّلام عليك ، كيف أصبح رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

فقال له دحية : وعليك السّلام ، أصبح بخير ، يا أخا رسول الله.

فقال له عليّ : جزاك الله عنّا أهل البيت خيرا.

فقال له دحية : إنّي أحيّيك (١) وإن لك عندي مدحة أزفّها إليك ، أنت أمير المؤمنين ، وقائد الغرّ المحجّلين. وأنت سيّد ولد آدم ما خلا النّبيّين والمرسلين. لواء الحمد بيدك يوم القيامة ، تزفّ أنت وشيعتك مع محمّد وحزبه إلى الجنان. قد أفلح من تولّاك ، وخسر من قلاك (٢). محبّو محمّد محبّوك ، ومبغضوه مبغضوك. لن تنالهم شفاعة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ادن منّي ـ يا (٣) صفوة الله ـ وخذ رأس ابن عمّك ، فأنت أحقّ به منّي.

فأخذ رأس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فانتبه ، وقال : ما هذه الهمهمة؟

فأخبره الخبر.

فقال : لم يكن دحية ، وإنّما كان جبرئيل. سمّاك باسم سمّاك الله. وهو الّذي ألقى محبّتك في صدور المؤمنين ، ورهبتك في صدور الكافرين.

وروى الشّيخ الفقيه محمّد بن جعفر ـ رحمه الله ـ حديثا مسندا : عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ : يا عليّ ، طوبى لمن أحبّك

__________________

(١) المصدر : أحبّك.

(٢) المصدر : تخّلاك.

(٣) ليس في المصدر.

٢٤٣

وويل لمن أبغضك وكذّب بك. يا عليّ ، أنت العلم (١) لهذه الأمّة. من أحبّك ، فاز. ومن أبغضك ، هلك. يا عليّ ، أنا مدينة العلم ، وأنت الباب. يا عليّ ، أنت أمير المؤمنين ، وقائد الغرّ المحجّلين. يا عليّ ، ذكرك في التّوراة وذكر شيعتك قبل أن يخلقوا بكلّ خير ، وكذلك ذكرك في الإنجيل ، وما أعطاك الله من علم الكتاب. فإنّ أهل الإنجيل [يعظّمون عليّا] (٢) وشيعته ، وما يعرفونهم ، وأنت وشيعتك مذكورون في كتبهم. يا عليّ ، خبّر أصحابك ، أنّ ذكرهم في السّماء أفضل وأعظم من ذكرهم في الأرض. فليفرحوا بذلك ، وليزدادوا اجتهادا. فإنّ شيعتك على (٣) منهاج الحقّ والاستقامة. (الحديث).

وفي كتاب [حلية الأولياء لأبي نعيم] (٤) ، من الجمهور ، روى حديثا رفعه إلى أنس بن مالك قال : قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا أنس ، اسكب لي (٥) وضوء. ثمّ صلّى ركعتين. ثمّ قال : يا أنس ، يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين وخاتم الوصيّين.

قال أنس : فقلت : اللهم ، اجعله رجلا من الأنصار. وكتمته إذ جاء عليّ ـ عليه السّلام ـ.

فقال : من هذا ، يا أنس؟

قلت : عليّ.

فقام مستبشرا ، واعتنقه. ثمّ جعل يمسح عرق وجه عليّ بوجهه.

فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : يا رسول الله ، رأيتك صنعت شيئا لم تصنعه من قبل.

قال : وما يمنعني وأنت تؤدّي عنّي ، وتسمعهم صوتي ، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي.

وروى الشّيخ الفقيه محمّد بن جعفر ـ رحمه الله ـ حديثا مسندا إلى أنس بن مالك وعبد الله بن عبّاس. قال : قالا جميعا : كنّا جلوسا مع النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذ جاء عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

فقال : السّلام عليك ، يا رسول الله.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : تعلم.

(٢) من المصدر. وفي النسخ : يفرطون.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) من المصدر. وفي النسخ : جيد الأولياء لأبي تميم.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : يا أنس ائت في.

٢٤٤

قال : و (١) عليك السّلام ، يا أمير المؤمنين ، ورحمة الله وبركاته.

فقال عليّ : وأنت حيّ ، يا رسول الله؟

قال : نعم ، وأنا حيّ. إنّك ، يا عليّ ، مررت بنا أمس يومنا وأنا وجبرئيل في حديث ولم تسلّم. فقال جبرئيل : ما بال أمير المؤمنين مرّ بنا ولم يسلّم؟ أما والله لو سلّم ، لسررنا ورددنا عليه.

فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : يا رسول الله ، لقد (٢) رأيتك ودحية قد استخليتما في حديث ، فكرهت أن أقطعه عليكما.

فقال له النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّه لم يكن دحية ، وإنّما كان جبرئيل.

فقلت : يا جبرئيل ، كيف سمّيته أمير المؤمنين؟

فقال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أوحى إليّ في غزاة بدر أن اهبط إلى محمّد ، فمره أن يأمر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ يجول بين الصّفّين. فإنّ الملائكة يحبّون أن ينظروا إليه (٣) وهو يجول بين الصّفين. فسمّاه الله في السّماء أمير المؤمنين.

فأنت (٤) ، يا عليّ ، أمير من في السّماء ، وأمير من في الأرض ، [وأمير من مضى] (٥) ، وأمير من بقي. ولا أمير قبلك ، ولا أمير بعدك. إنّه لا يجوز أن يسمّى بهذا الاسم من لم يسمّه الله ـ تعالى ـ به.

وروى الشّيخ محمّد بن يعقوب ـ رحمه الله ـ : عن محمّد بن يحيى ، عن جعفر بن محمّد ، بإسناده إلى عمر بن أبي نصر ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال ، وقد سأله رجل عن القائم ـ عليه السّلام ـ : يسلّم عليه بإمرة المؤمنين؟

قال : لا. ذاك اسم سمّى الله به أمير المؤمنين ، ولم يتسمّ (٦) به أحد قبله ، ولم (٧) يتسمّ (٨) به أحد (٩) بعده [إلّا كافر] (١٠).

قال : قلت : فكيف نسلّم على القائم ـ عليه السّلام ـ؟

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر : و.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر : وأنت.

(٥) ليس في المصدر.

(١ و ٧) ـ كذا في المصدر : وفي النسخ : يسمّ.

(٨) المصدر : من.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) من المصدر.

٢٤٥

قال : تقول : السّلام عليك ، يا بقيّة الله.

قال : ثمّ قرأ : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١).

وروى ـ أيضا ـ عن (٢) سهل بن زياد ، بإسناده : عن سنان بن ظريف ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّا أهل بيت نوّه الله بأسمائنا لمّا خلق السّموات والأرض ، وأمر مناديا ينادي : أشهد أن لا إله إلّا الله ، ثلاثا. [أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، ثلاثا.

أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين حقّا ، ثلاثا.] (٣)

وروى الكراجكيّ ـ رحمه الله ـ في كنز الفوائد حديثا مسندا إلى ابن عبّاس قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : والّذي بعثني بالحقّ مبشّرا (٤) ونذيرا ، ما استقرّ الكرسيّ والعرش ولا دار الفلك ولا قامت السّموات والأرض إلّا بأن كتب عليها : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ أمير المؤمنين. إنّ الله ـ تعالى ـ لمّا عرج بي إلى السّماء واختصّني بلطيف ندائه قال : يا محمّد.

قلت : لبيّك وسعديك.

قال : أنا المحمود ، وأنت محمّد. شققت اسمك من اسمي ، وفضّلتك على جميع بريّتي ، فانصب أخاك عليّا [علما] (٥) لعبادي يهديهم إلى ديني. يا محمّد ، إنّي قد جعلت عليّا أمير المؤمنين. فمن تأمّر عليه ، لعنته. ومن خالفه ، عذّبته. ومن أطاعه ، قرّبته.

يا محمّد ، إنّي قد جعلت عليّا إمام المسلمين. فمن تقدّم عليه ، أخّرته ، ومن عصاه ، استخففته (٦). إنّ عليّا سيّد الوصيّين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وحجّتي على الخلائق أجمعين. انتهى ما في شرح الآيات الباهرة.

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) ، أي اليهود.

(نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا).

قيل (٧) : هو أحد علماء بني إسرائيل. أو أميّة بن أبي الصّلت. فإنّه كان قد قرأ الكتب ، وعلم أنّ الله ـ تعالى ـ يرسل رسولا في ذلك الزّمان ، ورجا أن يكون هو. فلمّا

__________________

(١) هود / ٨٦.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر : بشيرا.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : استخفته.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٧.

٢٤٦

أوتي علم بعض كتب الله.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : نزلت في بلعم بن باعوراء ، وكان من بني إسرائيل.

[أوتي علم بعض كتب الله] (٢).

وفي مجمع البيان (٣) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : الأصل فيه بلعم. ثمّ ضربه الله مثلا لكلّ مؤثر هواه على هدى الله من أهل القبلة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن سليمان النّبّال قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : أتدري ما مثل المغيرة بن سعيد (٥) مثل؟

قال : [قلت :] (٦) لا.

قال : مثله ، مثل بلعم الّذي أوتي الاسم الأعظم ، الّذي قال الله ـ تعالى ـ : (آتَيْناهُ آياتِنا).

(فَانْسَلَخَ مِنْها) : من الآيات ، بأن كفر بها ، وأعرض عنها.

(فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) : حتّى لحقه.

وقيل (٧) : استتبعه.

(فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) (١٧٥) : فصار من الضّالّين.

قيل (٨) : روي أنّ قومه سألوه أن يدعو على موسى ومن معه.

فقال : كيف أدعو على من معه الملائكة؟! فألحّوا عليه ، حتّى دعا عليهم ، فبقوا في التّيه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٩) : حدّثني أبي ، عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : أنّه أعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم. فكان يدعو به ، فيستجاب (١٠) له. فمال إلى فرعون. فلمّا مرّ (١١) فرعون في طلب موسى وأصحابه ، قال فرعون

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢٤٨.

(٢) لا يوجد في المصدر.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٥٠٠.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٢ ، ح ١١٨.

(٥) المصدر : شعبة. والصحيح ما في المتن.

(٦) من المصدر.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٧.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٧.

(٩) تفسير القمّي ١ / ٢٤٨.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيستجيب. (١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : أمر.

٢٤٧

لبلعم : ادع (١) الله على موسى وأصحابه ، ليحبسه علينا.

فركب حمارته ، ليمرّ في طلب موسى ـ عليه السّلام ـ [وأصحابه] (٢) فامتنعت عليه حمارته. فأقبل يضربها ، فأنطقها الله ـ عزّ وجلّ ـ فقالت : ويلك ، على ما تضربني!؟

أتريد أن أجيء معك لتدعو على نبيّ الله وقوم مؤمنين!؟

فلم يزل يضربها حتّى قتلها. وانسلخ الاسم [الأعظم] (٣) من لسانه. وهو قوله : (فَانْسَلَخَ مِنْها).

(وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ) : إلى منازل الأبرار من العلماء.

(بِها) : بسبب تلك الآيات وملازمتها.

(وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) : مال إلى الدّنيا ، أو إلى السّفل.

(وَاتَّبَعَ هَواهُ) : في إيثار الدّنيا واسترضاء قومه ، وأعرض عن مقتضى الآيات.

قيل (٤) : وإنّما علّق رفعه بمشيئة الله ثمّ استدرك عنه بفعل العبد ، تنبيها على أنّ المشيئة سبب لفعله الموجب لرفعه ، وأنّ عدمه دليل عدمها ، دلالة انتفاء المسبّب على انتفاء سببه. لأنّ (٥) السّبب الحقيقيّ هو المشيئة ، وأنّ ما نشاهده من الأسباب وسائط معتبرة في حصول المشيئة ، من حيث إنّ المشيئة تعلّقت به كذلك. وكان من حقّه أن يقول ولكنّه أعرض عنها ، فأوقع موقعه (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ) مبالغة ، وتنبيها على ما حمله عليه. وأنّ حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة.

(فَمَثَلُهُ) : فصفته الّتي هي مثل في الخسّة.

(كَمَثَلِ الْكَلْبِ) ، كصفته في أخسّ أحواله. وهو (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) ، أي : يلهث دائما ، سواء حمل عليه بالزّجر والطّرد أو ترك ولم يتعرّض له ، لضعف فؤاده. بخلاف سائر الحيوانات ، فإنّه إذا هيّج وحرّك لهث وإلّا لم يلهث.

و «اللهث» إدلاع اللّسان من التّنفّس الشّديد.

والشّرطيّة في موضع الحال ، والمعنى : لاهثا في الحالتين.

وخلاصة المعنى : إن وعظته ، فهو ضالّ. وإن لم تعظه ، فهو ضالّ في كلّ حال.

__________________

(١) المصدر : ادعو.

(٢) من المصدر.

(٣) من المصدر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٧.

(٥) المصدر : وأنّ.

٢٤٨

والتّمثيل واقع موقع لازم التّركيب ، الّذي هو نفي الرّفع ووضع المنزلة ، للمبالغة في البيان.

وقيل (١) : لمّا دعا على موسى ـ عليه السّلام ـ ، خرج لسانه فوقع على صدره.

وجعل يلهث ، كالكلب.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) ، في الحديث السابق (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) وهو مثل ضربه الله (٣).

فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : فلا يدخل الجنّة من البهائم إلّا ثلاث (٤) : حمارة بلعم ، وكلب أصحاب الكهف ، والذّئب. فكان سبب الذّئب ، أنّه بعث ملك ظالم رجلا شرطيّا ليحشر قوما من المؤمنين ويعذّبهم. وكان للشّرطيّ ابن يحبّه. فجاء ذئب ، فأكل ابنه ، فحزن الشّرطيّ عليه. فأدخل الله ذلك الذّئب الجنّة لما أحزن الشّرطيّ.

(ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) : المذكورة على اليهود. فإنّها ، نحو قصصهم.

(لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١٧٦) : تفكّرا ، يؤدّي بهم إلى الاتّعاظ.

(ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ) ، أي : مثل القوم.

وقرئ (٥) : «ساء مثل القوم» على حذف المخصوص بالذّمّ.

(الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) : بعد قيام الحجّة عليها ، وعلمهم بها.

(وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) (١٧٧) :

إمّا أن يكون داخلا في الصّلة معطوفا على «كذّبوا» ، بمعنى : الّذين جمعوا بين تكذيب الآيات وظلمهم أنفسهم. أو منقطعا عنها ، بمعنى : وما ظلموا بالتّكذيب إلّا أنفسهم ، فإنّ وباله لا يتخطّاها. ولذلك قدّم المفعول.

(مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (١٧٨) :

فيه تصريح بأنّ الهدى والضّلالة مطلقا من الله ، لأنّ الموصول تضمّن معنى الشّرط.

والمعنى : إن يهد الله شخصا ، فهو المهتدي. وإن يضله ، فهو الخاسر.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩.

(٣) لا يوجد في المصدر.

(٤) المصدر : ثلاثة.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٨.

٢٤٩

وليس فيه ، أنّه يهديه ويضلّه قطعا. ولكنّ هداية الله بمعنى : الإيصال إلى الحقّ. قد يختصّ ببعض دون بعض ، وأنّها مستلزمة للاهتداء ، وإن لم تكن في تلك الآية دلالة على ذلك فتبصر.

والإفراد في الأوّل والجمع في الثّاني ، باعتبار اللّفظ. والمعنى : تنبيه على أنّ المهتدين ، كواحد ، لاتّحاد طريقهم ، بخلاف الضّالّين.

والاقتصار في الإخبار عمّن هداه الله بالمهتدي ، تعظيم لشأن الاهتداء ، وتنبيه على أنّه كمال في نفسه كمال جسيم ونفع عظيم. لو لم يحصل له غيره ، لكفاه ، وأنّه المستلزم للفوز بالنّعم الآجلة ، والعنوان لها.

(وَلَقَدْ ذَرَأْنا) : خلقنا.

(لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ، يعني : المصرّين على الكفر في علمه ـ تعالى ـ.

(لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) : إذ لا يلقونها إلى معرفة الحقّ ، والنّظر في دلائله.

(وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) ، أي : لا ينظرون إلى ما خلق الله ـ تعالى ـ نظر اعتبار.

(وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) : الآيات والمواعظ سماع تأمّل وتذكّر.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وفي رواية أبي الجارود ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ [في قوله :] (٢) (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها).

يقول : طبع الله عليها ، فلا تعقل. (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ) عليها غطاء عن الهدى. (لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) ، أي : جعل في آذانهم وقرا فلم يسمعوا الهدى.

(أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) : في عدم الفقه ، والإبصار للاعتبار ، والاستماع للتّدبّر. أو في أنّ مشاعرهم وقواهم متوجّهة إلى أسباب التّعيّش ، مقصورة عليها.

(بَلْ هُمْ أَضَلُ) : فإنّها تدرك ما يمكن لها أن تدرك من المنافع والمضارّ وتجتهد في جذبها ودفعها (٣) ، وهم ليسوا كذلك ، بل أكثرهم يعلم أنّه معاند فيقدم على النّار.

(أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (١٧٩) : الكاملون في الغفلة.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢٤٩.

(٢) من المصدر.

(٣) أوب : رفعها.

٢٥٠

وفي كتاب علل الشّرائع (١) ، بإسناده إلى عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصّادق ـ عليه السّلام ـ فقلت : الملائكة أفضل أم بنو آدم؟

فقال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله ركّب في الملائكة عقلا بلا شهوة ، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل ، وركّب في بني آدم كليهما. فمن غلب عقله شهوته ، فهو خير من الملائكة. ومن غلبت شهوته عقله ، فهو شرّ من البهائم.

(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) قيل (٢) : لأنّها دالّة على معان هي أحسن المعاني. والمراد بها : الألفاظ. وقيل : الصّفات.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : قال : الرّحمن الرّحيم.

(فَادْعُوهُ بِها) : فسمّوه بتلك الأسماء.

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن الرضا ـ عليه السّلام ـ قال : إذا نزلت بكم شدّة ، فاستعينوا بنا على الله. وهو قول الله : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها).

وفي أصول الكافي (٥) : الحسين بن محمّد الاشعريّ ومحمّد بن يحيى جميعا ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها).

قال : نحن ، والله ، الأسماء الحسنى الّتي لا يقبل الله من العباد عملا إلّا بمعرفتنا.

وفي كتاب التّوحيد (٦) ، بإسناده إلى الحسين بن سعيد الحزّاز : عن رجاله ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : الله غاية من (٧) ما غيّاه ، والمغييّ غير الغاية ، توحّد بالرّبوبيّة ، ووصف نفسه بغير محدوديّة. فالذّاكر الله ، غير الله. والله ، غير أسمائه. وكلّ شيء وقع عليه اسم شيء سواه ، فهو مخلوق. ألا ترى إلى قوله : العزّة لله ، العظمة لله.

وقال : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها). وقال :

__________________

(١) العلل / ٤ ـ ٥ ، ح ١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٨.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٤٩.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٤٢.

(٥) الكافي ١ / ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٦) التوحيد / ٥٨ ـ ٥٩ ، ح ١٦.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : ما.

٢٥١

(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (١). فالأسماء مضافة إليه ، وهو التّوحيد الخالص.

(وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) : واتركوا تسمية الزّائغين فيها ، الّذين يسمّونه ويصفونه بما يوهم معنى فاسدا ، كقولهم : يا أبا المكارم ، يا أبيض الوجه.

أو لا تبالوا بإنكارهم ما يسمّي به نفسه ، كقولهم : ما نعرف إلّا رحمن اليمامة.

أو ذروهم وإلحادهم فيها بإطلاقها على الأصنام واشتقاق أسمائها منها ، كالّلات ، من الله. والعزّى ، من العزيز. ولا توافقوهم عليه.

أو أعرضوا عنهم. فإنّ الله مجازيهم ، كما قال : (سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٨٠).

وقرأ (٢) حمزة هنا وفي حم السّجدة : «يلحدون» بالفتح. يقال : لحد ، وألحد : إذا مال عن القصد.

وفي أصول الكافي (٣) : أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى قال : سألني أبو قرّة المحدّث ، أن أدخله على أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ.

فاستأذنته ، فأذن لي.

فدخل ، فسأله عن الحلال والحرام. ثمّ قال له : أفتقرّ أنّ الله محمول؟

فقال أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : كلّ محمول مفعول به ، مضاف إلى غيره ، محتاج ، والمحمول اسم نقص في اللّفظ. والحامل فاعل ، وهو في اللّفظ مدحة. وكذلك قول القائل : فوق ، وتحت ، وأعلى ، وأسفل. وقد قال الله : (لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) (٤) ولم يقل في كتبه ، أنّه المحمول. بل قال ، أنّه الحامل في البرّ والبحر والممسك السّموات والأرض أن تزولا. والمحمول ما سوى الله. ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قطّ قال في دعائه : يا محمول.

عليّ بن إبراهيم (٥) ، عن المختار بن محمّد المختار ومحمّد بن الحسن ، عن عبد الله بن الحسن العلويّ جميعا ، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : إنّ الخالق لا يوصف ، إلّا بما وصف به نفسه. وأنّى يوصف ، الّذي تعجز الحواسّ

__________________

(١) الإسراء / ١١٠.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٨.

(٣) الكافي ١ / ١٣٠ ، ح ٢.

(٤) الإسراء / ١١٠.

(٥) الكافي ١ / ١٣٨ ، ح ٣.

٢٥٢

أن تدركه والأوهام أن تناله والخطرات أن تحدّه والأبصار عن الإحاطة به. جلّ عمّا يصفه الواصفون ، وتعالى عمّا ينعته النّاعتون.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب التّوحيد (١) ، بإسناده إلى حنان بن سدير : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه : وله الأسماء الحسنى ، الّتي لا يسمّى بها غيره. وهي الّتي وصفها (٢) في الكتاب ، فقال : (فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) جهلا بغير علم. فالّذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم ، ويكفر به وهو يظنّ أنّه يحسن. ولذلك (٣) قال : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (٤). فهم الّذين يلحدون في أسمائه بغير علم ، فيضعونها غير مواضعها.

وإذ قد عرفت ممّا روي من بطون الآية ، أنّ المراد بأسمائه الحسنى : الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ ، عرفت بقرينة المقابلة أنّ المراد بالّذين يلحدون في أسمائه : هم الّذين يعدلون عنهم إلى أعدائهم الظّالمين لهم ، الغاصبين لحقّهم. فإنّهم سيجزون بما كانوا يعملون.

(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (١٨١) :

ذكر ذلك ، بعد ما بيّن أنّه خلق للنّار طائفة ضالّين ملحدين عن الحقّ ، للدّلالة على أنّه ـ أيضا ـ خلق للجنّة أمّة هادين بالحقّ عادلين في الأمر. واستدلّ به على صحّة الإجماع. لأنّ المراد منه : أنّ في كلّ قرن طائفة بهذه الصّفة. إذ لو اختصّ بعهد الرّسول أو غيره ، لم يكن لذكره فائدة فإنّه معلوم.

أقول : وفي الآية دلالة على وجود المعصوم في كلّ قرن. إذ لو لم يكن في قرن معصوم ، لم يصدّق أنّ فيهم من (يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ). إذ فيه تصريح بأنّ الهادين والعادلين بعض الخلق ، لا كلّهم. وكلّ بعض لم يكن معصوما ، ما لم يكن هاديا وعادلا كلّيّا. وصحّة الإجماع لو كان ، فباعتبار دخوله.

وفي أصول الكافي (٥) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ :

__________________

(١) التوحيد / ٣٢٤.

(٢) أوب وج : وضعها.

(٣) المصدر : فلذلك.

(٤) يوسف / ١٠٦.

(٥) الكافي ١ / ٤١٤ ، ح ١٣.

٢٥٣

(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).

قال : هم الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : هذه الآية لآل محمّد وأتباعهم.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن حمران ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).

قال : هم الأئمّة.

وقال (٣) محمّد بن عجلان [عنه : نحن هم] (٤).

عن يحيى بن الصّهباء (٥) البكريّ (٦) قال : سمعت أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يقول : والّذي نفسي بيده ، لتفترّقنّ هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة. كلّها في النّار إلّا فرقة (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ). فهذه الّتي تنجو من هذه الأمّة.

عن يعقوب بن يزيد (٧) قال (٨) : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).

قال : يعني : أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

عن زيد بن أسلم (٩) ، عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : تفرّقت أمّة موسى على إحدى وسبعين فرقة ، سبعون ملّة (١٠) منها في النّار ، وواحدة في الجنّة. وتفرّقت أمّة عيسى على اثنتين وسبعين فرقة ، إحدى وسبعون فرقة (١١) في النّار ، وواحدة في الجنّة. وتعلوا أمّتي على الفريقين (١٢) جميعا بملّة ، واحدة في الجنّة ، واثنتان وسبعون في النّار.

قالوا : من هم ، يا رسول الله؟

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢٤٩.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٢ ، ح ١٢٠.

(٣) نفس المصدر والموضع ، ح ١٢١.

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر : أبي الصهبان.

(٦) نفس المصدر : ٢ / ٤٣ ، ح ١٢٢.

(٧) المصدر : يعقوب بن زيد.

(٨) نفس المصدر والموضع ، ح ١٢٣.

(٩) نفس المصدر ١ / ٣٣١ ، ح ١٥١.

(١٠) ليس في المصدر.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ملّة منها بدل فرقة.

(١٢) المصدر : الفرقتين.

٢٥٤

قال : الجماعات ، [الجماعات] (١).

قال يعقوب بن يزيد : كان عليّ بن أبي طالب إذا حدّث هذا الحديث عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ تلا فيه قرآنا : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ ـ إلى قوله : ـ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) (٢). وتلا ـ أيضا ـ : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) ، يعني : أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وفي مجمع البيان (٣) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : هذه لكم ، وقد أعطى الله قوم موسى مثلها.

[وروى ابن جريح (٤) عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : هي لأمّتي.

بالحقّ يأخذون وبالحقّ يعطون. وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها] (٥) (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (٦).

وفيه (٧) : عنه ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ من أمّتي قوما على الحقّ ، حتّى ينزل عيسى بن مريم.

أقول : والجمع بين تلك الأخبار ، الدّالّ بعضها على أنّ المراد : الأئمّة ، وبعضها على أنّ المراد أعمّ منهم إن خلص اتّباعهم ، لا يفارقهم في تينك الصّفتين. فكأنّهم نفسهم ، وليسوا سواهم. والمراد : شدّة المتابعة.

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) : سنستدنيهم إلى الهلاك ، قليلا قليلا.

وأصل الاستدراج : الاستصعاد. أو الاستنزال ، درجة بعد درجة.

(مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (١٨٢) : ما نريد بهم. وذلك أن تتواتر عليهم النّعم ، فيظنّوا أنّها لطف من الله بهم ، فيزدادوا بطرا وانهماكا في الغيّ حتّى تحقّ عليهم كلمة العذاب.

وفي أصول الكافي (٨) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن سماعة بن مهران قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المائدة / ٦٥.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٤٩٠.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٥٠٣.

(٥) من المصدر.

(٦) الأعراف / ١٥٩.

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) الكافي ٢ / ٤٥٢.

٢٥٥

عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ).

فقال : هو العبد يذنب الذّنب فتجدّد له النّعمة معه ، تلهيه تلك النّعمة عن الاستغفار من ذلك الذّنب.

عدّة من أصحابنا (١) ، عن سهل بن زياد ، وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، جميعا عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن بعض أصحابه قال : سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الاستدراج.

فقال : هو العبد يذنب الذّنب ، فيملى له ويجدّد له عندها النّعم ، فتلهيه عن الاستغفار من الذّنوب. فهو مستدرج من حيث لا يعلم.

عليّ بن إبراهيم (٢) [عن أبيه] (٣) ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان المنقريّ ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كم من مغرور [بما] (٤) قد أنعم الله عليه. وكم من مستدرج يستر (٥) الله عليه ، وكم من مفتون بثناء (٦) النّاس عليه.

عدّة من أصحابنا (٧) ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد الله بن جندب ، عن سفيان بن السّمط قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله إذا أراد بعبد خيرا ، فأذنب ذنبا ، أتبعه بنقمة ويذكّره الاستغفار. وإذا أراد بعبد شرّا ، فأذنب ذنبا ، أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى (٨) بها. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) بالنّعم عند المعاصي.

وفي روضة الكافي (٩) ، خطبة طويلة مسندة إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. يقول ـ عليه السّلام ـ فيها : إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ، ليس في ذلك الزّمان شيء أخفى من الحقّ ، ولا أظهر من الباطل ، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

... إلى أن قال : يدخل الدّاخل لما يسمع من حكم القرآن ، فلا يطمئنّ جالسا حتّى يخرج من الدّين. ينتقل من دين ملك إلى دين ملك ، ومن ولاية ملك إلى ولاية

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(١ و ٤) ـ من المصدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : بشر.

(٦) ج : بغى.

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : يتمارى.

(٩) الكافي ٨ / ٣٨٧ و ٣٨٨.

٢٥٦

ملك ، ومن طاعة ملك إلى طاعة ملك ، ومن عهود ملك إلى عهود ملك. فاستدرجهم الله من حيث لا يعلمون ، وأنّ كيده متين بالأمل والرّجاء.

وفي نهج البلاغة (١) : إنّه من وسع عليه في ذات يده ، فلم ير (٢) ذلك استدراجا ، فقد أمن مخوفا.

(وَأُمْلِي لَهُمْ) : وأمهلهم. عطف على «سنستدرجهم».

(إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (١٨٣) ، أي : أخذي شديد.

وإنّما سمّاه : كيدا ، لأنّ ظاهره إحسان وباطنه خذلان.

(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ) ، يعني : محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(مِنْ جِنَّةٍ) : جنون.

نقل (٣) : أنّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ علا (٤) الصّفا ، فدعاهم فخذا فخذا يحذّرهم بأس الله.

فقال قائلهم : إنّ صاحبكم لمجنون ، بات يهوّت (٥) إلى الصّباح. فنزلت.

(إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (١٨٤) : موضح إنذاره بحيث لا يخفى على ناظر.

(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) : نظر استدلال.

(فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) : ممّا يقع عليه اسم الشّيء من الأجناس ، الّتي لا يمكن حصرها. ليدلّهم على كمال قدرة صانعها ، ووحدة مبدعها ، وعظم شأن مالكها ومتولّي أمرها. ليظهر لهم صحّة ما يدعوهم إليه.

(وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) : عطف على «ملكوت». و «أن» مصدريّة ، أو خفيفة من الثّقيلة. واسمه ضمير الشّأن ، وكذا اسم «يكون».

والمعنى : أو لم ينظروا في اقتراب آجالهم وتوقّع حلولها ، فيسارعوا إلى طلب الحقّ والتّوجّه إلى ما ينجيهم قبل معاينة الموت ونزول العذاب.

(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) : بعد القرآن.

(يُؤْمِنُونَ) (١٨٥) : إذا لم يؤمنوا به وهو النّهاية في البيان ، كأنّه إخبار عنهم

__________________

(١) نهج البلاغة / ٥٣٧.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم يرد.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٩.

(٤) المصدر : صعد على.

(٥) هوّت به : صاح. وفي المصدر : يهوث.

٢٥٧

بالطّبع والتّصميم على الكفر بعد إلزام الحجّة والإرشاد إلى النّظر.

وقيل (١) : هو متعلّق بقوله : «عسى أن يكون» ، كأنّه قيل : لعلّ أجلهم قد اقترب.

فما بالهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن ، وما ذا ينتظرون بعد وضوحه؟ فإن لم يؤمنوا به ، فبأيّ حديث أحقّ منه يريدون أن يؤمنوا به؟

وقوله : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) ، كالتّقرير والتّعليل له.

(وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) : بالرّفع على الاستئناف.

وقرأ أبو عامر وعاصم ويعقوب ، بالياء ، لقوله : «من يضلل الله». وحمزة والكسائيّ به وبالجزم ، عطفا على محلّ «فلا هادي له» ، كأنّه قيل : لا يهده غيره ويذرهم.

(يَعْمَهُونَ) (١٨٦) : حال من «هم».

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : يكله إلى نفسه.

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) : عن القيامة. وهي من الأسماء الغالبة. وإطلاقها عليها ، إمّا لوقوعها بغتة ، أو لسرعة حسابها ، أو لأنّها على طولها عند الله ، كساعة.

(أَيَّانَ مُرْساها) : متى إرساؤها ، أي : إثباتها واستقرارها.

ورسوّ الشّيء : ثباته واستقراره. ومنه : رسا الجبل ، وأرسى السّفينة.

واشتقاق «أيّان» من «أيّ» ، لأنّ معناه : أيّ وقت. وهو من : أويت إليه ، لأنّ البعض آو إلى الكلّ متساند إليه.

(قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) : استأثر به. لم يطلع عليه ملكا مقرّبا ، ولا نبيّا مرسلا.

(لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها) : لا يظهر أمرها في وقتها.

(إِلَّا هُوَ) :

والمعنى : أنّ الخفاء بها مستمرّ على غيره إلى وقت وقوعها.

و «اللّام» للتّوقيت ، كاللّام في قوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ).

(ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : عظمت على أهلها ، من الملائكة والثّقلين لهولها. وكأنّه إشارة إلى الحكمة في إخفائها.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٢٤٩.

٢٥٨

(لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) : فجأة على غفلة.

في الجوامع (١) : قال ـ عليه السّلام ـ : إنّ السّاعة تهيج بالنّاس والرّجل يصلح حوضه ، والرّجل يسقي ماشيته ، والرّجل يقوّم سلعته في سوقه ، والرّجل يخفض ميزانه ويرفعه.

(يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) : عالم بها. فعيل ، من حفى عن الشّيء : إذا سأل عنه. فإنّ من بالغ في السّؤال عن الشّيء والبحث عنه ، استحكم علمه فيه. ولذلك عدّي «بعن».

وقيل (٢) : هي صلة «يسألونك».

وقيل (٣) : هو من الحفاوة ، بمعنى : الشّفقة. فإنّ قريشا قالوا له : إنّ بيننا وبينك قرابة ، فقل لنا متى السّاعة. والمعنى : يسألونك عنها ، كأنّك حفيّ تتحفّى بهم ، فتخصّهم لأجل قرابتهم بك بتعليم وقتها.

وقيل (٤) : معناه : كأنّك حفيّ. بالسّؤال عنها تحبّه من حفي بالشّيء : إذا فرح. لا أنّك تكره. لأنّه من الغيب الّذي استأثره الله بعلمه.

(قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) : كرّره لتكرير «يسألونك» ، لما نيط به من هذه الزّيادة ، وللمبالغة.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (١٨٧) : أنّ علمها عند الله ، لم يؤته أحدا من خلقه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : أنّ قريشا بعثت العاص بن وائل السّهميّ والنّضر بن الحارث بن كلدة وعقبة (٦) بن أبي معيط إلى نجران ، ليتعلّموا من علماء اليهود مسائل يسألوا بها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وكان فيها : سلوا محمّدا : متى تقوم السّاعة؟

فإن ادّعى علم ذلك ، فهو كاذب. فإنّ قيام السّاعة لم يطلع الله عليه ملكا مقرّبا ولا نبيّا مرسلا.

فلمّا سألوه ، نزلت.

__________________

(١) جوامع الجامع / ١٦٢.

(١ و ٣) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٨٠.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٠.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٢٤٩ ، باختصار لذيل الحديث.

(٦) المصدر : عتبة.

٢٥٩

وفي عيون الأخبار (١) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : ولقد حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قيل له : يا رسول الله ، متى يخرج القائم من ذرّيّتك؟

فقال : مثله ، مثل السّاعة (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) : جلب نفع ودفع ضرّ. وهو إظهار للعبوديّة ، والتّبريّ عن ادّعاء العلم بالغيوب.

(إِلَّا ما شاءَ اللهُ) : من ذلك ، فيلهمني إيّاه ويوفّقني له.

(وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) : ولو كنت أعلمه ، لخالفت حالي ما هي عليه ، من استكثار المنافع واجتناب المضارّ حتّى لا يمسّني سوء.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : يعني : الفقر.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : قال : كنت اختار لنفسي الصّحّة والسّلامة.

(إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) : وما أنا إلّا عبد مرسل للإنذار والبشارة.

(لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١٨٨) : فإنّهم المنتفعون بهما.

ويجوز أن يكون متعلّقا «بالبشير» ، ومتعلّق «النّذير» محذوفا.

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) : هو آدم ـ عليه السّلام ـ.

(وَجَعَلَ مِنْها) : من فضل طينتها. أو من جنسها ، كقوله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً).

(زَوْجَها) : حوّاء.

(لِيَسْكُنَ إِلَيْها) : ليأنس بها ، ويطمئنّ إليها اطمئنان الشيء إلى جنسه.

وإنّما ذكر الضّمير ، ذهابا إلى المعنى ، ليناسب (فَلَمَّا تَغَشَّاها) ، أي : جامعها.

(حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) : خفّ عليها ، ولم تلق منه ما تلقى منه الحوامل غالبا من الأذى. أو محمولا خفيفا ، وهو النّطفة.

__________________

(١) عنه تفسير نور الثقلين ٢ / ١٠٧.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٤٣ ، ح ١٢٤.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٢٥٠.

٢٦٠