تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

المساكين ، وأنصاره قوم آخرون. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي الخرائج والجرائح (١) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه ، فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : أنت ، يا جاثليق ، آمن في ذمّة الله وذمّة رسوله. لأنّك لا يبدأك منّا شيئا يكره ممّا تخافه وتحذره.

فقال : أنا إذا آمنتني ، فإنّ هذا النّبيّ اسمه أحمد. وهذا الوصيّ الّذي اسمه عليّ. وهذا البنت الّتي اسمها فاطمة. وهذان السّبطان اللّذان اسمهما الحسن والحسين ، في التّوراة والإنجيل والزّبور.

وفي كتاب التّوحيد ، وعيون الأخبار (٢) ، في باب مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع أصحاب الملل والمقالات. قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ لرأس الجالوت : لتسألني أو أسألك؟

فقال : بل أسألك. ولست أقبل منك حجّة إلّا من التّوراة ، أو من الإنجيل ، أو من زبور داود ، أو ممّا في صحف إبراهيم وموسى.

قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : لا تقبل منّي حجّة إلّا بما تنطق به التّوراة على لسان موسى بن عمران ، والإنجيل على لسان عيسى بن مريم ، والزّبور على لسان داود.

فقال رأس الجالوت : من أين تثبت (٣) نبوّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : بنبوّة موسى (٤) بن عمران ، وعيسى بن مريم ، وداود خليفة الله في الأرض.

فقال له : أثبت (٥) قول موسى بن عمران.

قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : هل تعلم ـ يا يهوديّ ـ أنّ موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم : إنّه سيأتيكم نبيّ هو من إخوانكم ، فبه فصدّقوا ، ومنه فاسمعوا؟ فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل ، إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل والنّسب الّذي بينهما من قبل إبراهيم ـ عليه السّلام ـ؟

فقال رأس الجالوت : هذا قول موسى ، لا ندفعه.

فقال له الرّضا ـ عليه السّلام ـ : هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبيّ غير محمّد

__________________

(١) عنه تفسير نور الثقلين ٢ / ٧٩ ، ح ٢٩٥.

(٢) التوحيد / ٤٢٧ ـ ٤٢٩ ، والعيون ١ / ١٦٤ ـ ١٦٦.

(٣) هكذا في المصدرين. وفي النسخ : ثبت.

(٤) المصدران : شهد بنبوّته.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : ثبت.

٢٠١

ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

قال : لا.

قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : أفليس قد صحّ هذا عندكم؟

قال : نعم ، ولكنّي أحبّ أن تصحّحه (١) لي من التّوراة.

فقال له الرّضا ـ عليه السّلام ـ : هل تنكر أنّ التّوراة تقول لكم : جاء النّور من جبل طور سيناء ، وأضاء للنّاس (٢) من جبل ساعير ، واستعلن علينا من جبل فاران؟

قال رأس الجالوت : أعرف هذه الكلمات ، وما أعرف تفسيرها.

قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : أنا أخبرك به. أمّا قوله : جاء النور منا جبل طور سيناء فذلك وحي الله ـ تبارك وتعالى ـ الّذي أنزله على موسى على جبل طور سيناء.

وأمّا قوله : وأضاء للناس (٣) منك جبل ساعير فهو الجبل الّذي أوحى الله ـ تعالى ـ إلى عيسى بن مريم ، وهو عليه. وأمّا قوله : واستعلن علينا من جبل فاران فذلك جبل من جبال مكّة ، بينه وبينها يوم.

وقال شعياء (٤) النّبيّ فيما تقول أنت وأصحابك في التّوراة : رأيت راكبين أضاء لهما (٥) الأرض : أحدهما [راكب] (٦) على حمار ، والآخر على جمل. فمن راكب الحمار ، ومن راكب الجمل؟

قال رأس الجالوت : لا أعرفهما ، فأخبرني بهما.

قال : أمّا راكب الحمار ، فعيسى. وأمّا راكب الجمل ، فمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. أتنكر هذا من التّوراة؟

قال : لا ، ما أنكره.

قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : هل تعرف حيقوق النّبيّ؟

قال : نعم ، إنّي به لعارف.

[قال ـ عليه السّلام ـ : فإنّه] (٧) قال وكتابكم ينطق به : جاء الله بالبيّنات (٨) من

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : تصحّه.

(٢) المصدر : لنا.

(٣) المصدر : لنا.

(٤) أ : شعيا ، ور : شعيبا.

(٥) العيون : لهم.

(٦) من التوحيد.

(٧) من المصدرين. وفي النسخ : له و.

(٨) المصدران : بالبيان.

٢٠٢

جبل فاران ، وامتلأت السّموات من تسبيح أحمد وأمّته. تحمل خيله في البحر ، كما تحمل في البرّ. يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس. يعني بالكتاب : القرآن.

أتعرف هذا وتؤمن به؟

قال رأس الجالوت : قد قال ذلك حيقوق [النبيّ] (١) ، ولا ننكر قوله.

قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : وقد قال داود في زبوره ، وأنت تقرأه : اللهم ابعث مقيم السّنّة بعد الفترة. فهل تعرف نبيّا أمّام السّنّة بعد الفترة غير محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

قال رأس الجالوت : هذا قول داود نعرفه ولا ننكره. ولكن عنى بذلك : عيسى.

وأيّامه هي الفترة.

قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : جهلت. إنّ عيسى لم يخالف السّنّة ، وقد كان موافقا لسنّة التّوراة حتّى رفعه الله إليه. وفي الإنجيل مكتوب : إنّ ابن البرّة لذاهب ، والفارقليطا جاء من بعده. وهو الّذي [يخفّف الآصار] (٢) ويفسّر لكم كلّ شيء ويشهد لي ، كما شهدت له. أنا جئتكم بالأمثال ، وهو يأتيكم بالتّأويل. أتؤمن بهذا في الإنجيل؟

قال : نعم ، لا أنكره.

وفي كتاب التوحيد (٣) ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن الأسود : عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ـ عليه السّلام ـ قال : كان لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ صديقان يهوديّان ، قد آمنا بموسى رسول الله ـ صلّى الله على نبيّنا وعليه ـ. وأتيا محمّدا [رسول الله] (٤) ـ صلّى الله عليه وآله ـ وسمعا منه. وقد كانا قرءا التّوراة وصحف إبراهيم وموسى ـ عليهما السّلام ـ. وعلما علم الكتب الأولى.

فلما قبض الله ـ تبارك وتعالى ـ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أقبلا يسألان عن صاحب الأمر بعده.

وقالا : إنّه لم يمت نبيّ قطّ إلّا وله خليفة يقوم بالأمر في أمّته من بعده ، قريب القرابة إليه ، من أهل بيته ، عظيم القدر ، جليل الشّأن.

فقال أحدهما لصاحبه : هل تعرف صاحب هذا الأمر من بعد هذا النّبيّ؟

__________________

(١) من العيون.

(٢) من المصدرين. وفي النسخ : يحقّق الأخبار.

(٣) التوحيد / ١٨٠ ـ ١٨١.

(٤) من المصدر.

٢٠٣

قال الآخر : لا أعلمه إلّا بالصّفة الّتي أجدها في التّوراة. وهو الأصلع المصفّر (١).

فإنّه كان أقرب القوم من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فلمّا دخلا المدينة وسألا عن الخليفة ، أرشدا إلى أبي بكر.

فلمّا نظرا إليه ، قالا : ليس هذا صاحبنا. ثمّ قالا له : ما قرابتك من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

قال : إنّي رجل من عشيرته ، وهو زوج ابنتي عائشة.

قالا : هل غير هذا؟

قال : لا.

قالا : ليست هذه بقرابة. فأخبرنا أين ربّك؟

قال : فوق سبع سموات.

قالا : هل غير هذا؟

قال : لا.

قالا : دلّنا على من هو أعلم منك. فإنّك لست بالرّجل الّذي نجد صفته في التّوراة ، إنّه وصيّ هذا النّبيّ وخليفته.

[قال : فتغيّظ من قولهما وهمّ بهما] (٢). ثمّ أرشدهما إلى عمر. [وذلك أنّه عرف من عمر أنّهما إن استقبلاه بشيء ، بطش بهما] (٣).

فلمّا أتياه ، قالا : ما قرابتك من هذا النّبيّ؟

قال : أنا من عشيرته ، وهو زوج ابنتي حفصة.

قالا : هل غير ذلك؟

قال : لا.

قالا : ليست بقرابة ، وليست هذه الصّفة الّتي نجدها في التّوراة.

ثمّ قالا له : فأين ربّك؟

قال : فوق سبع سموات.

قالا : هل غير هذا؟

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الأضلع المصقر.

(١ و ٣) ـ من المصدر.

٢٠٤

قال : لا.

قالا : دلّنا على من هو أعلم منك.

فأرشدهما إلى عليّ ـ عليه السّلام ـ.

فلمّا جاءاه فنظرا إليه ، قال أحدهما لصاحبه : إنّه الرّجل الّذي نجد صفته في التّوراة. إنّه وصيّ هذا النّبيّ ، وخليفته ، وزوج بنته ، وأبو السّبطين ، والقائم بالحقّ من بعده.

ثمّ قالا لعليّ ـ عليه السّلام ـ : أيّها الرّجل ، ما قرابتك من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

قال : هو أخي ، وأنا وارثه ووصيّه ، أوّل من آمن به ، وزوج ابنته فاطمة.

قالا له : هذه القرابة الفاخرة ، والمنزلة القريبة. وهذه الصّفة الّتي نجدها في التّوراة.

قال اليهوديّان : فما منع صاحبيك أن يكونا جعلاك في موضعك الّذي أنت أهله؟ فو الّذي أنزل التّوراة على موسى ، إنّك لأنت الخليفة حقّا. نجد صفتك في كتبنا ، ونقرأه في كنائسنا (١).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت هذه الآية في اليهود والنّصارى. يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ) ، يعني : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) (٣) لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قد أنزل عليهم في التّوراة والإنجيل والزّبور صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وصفة أصحابه ، ومبعثه ، ومهاجره.

وهو قوله ـ تعالى ـ : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ، تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً ، سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) (٤). فهذه صفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في التّوراة والإنجيل ، وصفة أصحابه.

فلمّا بعثه الله ـ عزّ وجلّ ـ عرفه أهل الكتاب ، كما قال ـ جلّ جلاله ـ :

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : كتابنا.

(٢) عنه تفسير نور الثقلين ٢ / ٨٤ ـ ٨٥ ح ٣٠٣.

(٣) البقرة / ١٤٦.

(٤) الفتح / ٢٩.

٢٠٥

(فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (١).

(يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) : ممّا حرّم عليهم ، كالشّحوم.

(وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) ، كالدّم ولحم الخنزير. أو ، كالرّبا والرّشوة.

(وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) : ويخفّف عليهم ما كلّفوا به من التّكاليف الشّاقة ، كتعيين القصاص في العمد والخطأ ، وقطع الأعضاء الخاطئة ، وقرض موضع النّجاسة.

وأصل الإصر : الثّقل الّذي يأصر صاحبه ، أي : يحبسه من الحراك لثقله.

وقرأ (٢) ابن عامر : «إصارهم».

(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ) : عظّموه بالتّقوى.

وقرئ (٣) ، بالتّخفيف. وأصله : المنع. ومنه : التّعزير.

(وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) ، أي : مع نبوّته.

قيل (٤) : يعني : القرآن. وإنّما سمّاه : نورا ، لأنّه بإعجازه ظاهر أمره مظهر غيره.

أو لأنّه كاشف الحقائق مظهر لها.

ويجوز أن يكون معه متعلّقا «باتّبعوا» ، أي : واتّبعوا النّور المنزل مع اتّباع النّبيّ.

فيكون إشارة إلى اتّباع الكتاب والسّنّة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن أبي بصير ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : «النّور» عليّ ـ عليه السّلام ـ.

وفي أصول الكافي (٦) : عليّ بن إبراهيم ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «النّور» في هذا الموضع عليّ [أمير المؤمنين] (٧) والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

(أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١٥٧) : الفائزون بالرّحمة الأبديّة. ومضمون الآية جواب دعاء موسى ـ عليه السّلام ـ.

__________________

(١) البقرة / ٨٩.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٢.

(٣) نفس المصدر ، والموضع.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٢.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٣١ ، ح ٨٨.

(٦) الكافي ١ / ١٩٤ ، ح ٢.

(٧) من المصدر.

٢٠٦

وفي تأويل هذه الآية ، روى في أصول الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبيدة الحذّاء قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن الاستطاعة وقول النّاس. فقال ـ وتلا هذه الآية (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (٢) ـ : يا أبا عبيدة الناس مختلفون في إصابة القول وكلّهم هالك.

قال : قلت : قوله (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ)؟

قال : هم شيعتنا ولرحمته خلقهم. وهو قوله (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) ، يقول : لطاعة الامام ، الرحمة التي يقول : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) ، يقول : علم الإمام ووسع علمه الذي هو من علمه كلّ شيء هم شيعتنا.

ثمّ قال : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) ، يعني : ولاية غير الامام وطاعته.

ثمّ قال : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) ، يعني : النّبيّ والوصيّ والقائم. (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) إذا قام. (وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ). [والمنكر] (٣) من أنكر فضل الإمام وجحده. (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) أخذ العلم من أهله. (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) والخبائث ، قول من خالف. (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) وهي الذّنوب الّتي كانوا فيها قبل معرفتهم فضل الإمام. (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) والأغلال ، ما كانوا يقولون ممّا لم يكونوا أمروا به من ترك فضل الإمام. فلمّا عرفوا فضل الإمام ، وضع عنهم إصرهم. والإصر : الذّنب. وهي الإصار.

ثمّ نسبهم فقال : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) ، يعني : النّبيّ (٤). (وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) وهو أمير المؤمنين والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ (٥). (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

محمّد بن يحيى (٦) ومحمّد بن عبد الله [عن عبد الله] (٧) بن جعفر ، عن الحسن بن

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٢٩ ، ح ٨٣.

(٢) هود / ١١٨.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : الإمام.

(٥) هذه العبارة الموجودة وسط الآية ليست في المصدر.

(٦) الكافي ١ / ٥٢٨.

(٧) من المصدر.

٢٠٧

ظريف (١) وعليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن بكر بن صالح ، عن عبد الرّحمن بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أنّ أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ قرأ اللّوح الّذي أهداه الله إلى رسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. الّذي فيه اسم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأسماء الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

في آخره ، بعد أن ذكر عليّ بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ : أخرج منه الدّاعي إلى سبيلي ، والخازن لعلمي الحسن ، وأكمل ذلك بابنه «م ح م د» رحمة للعالمين. عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيّوب. فيذلّ أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم ، كما تتهادى رؤوس الدّيلم والتّرك. فيقتلون ويحرّقون ، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين.

تصبغ الأرض بدمائهم ، ويفشوا الويل والرّنّة (٢) في نسائهم. أولئك أوليائي حقّا. بهم أدفع (٣) كلّ فتنة عمياء حندس (٤) ، (٥) وبهم أكشف الزّلازل وأرفع (٦) الآصار والأغلال.

(أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (٧).

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) : الخطاب عام. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مبعوثا إلى كافّة الثّقلين ، وسائر الرّسل إلى أقوامهم.

(جَمِيعاً) : حال من «إليكم».

في أمالي الصّدوق (٨) : عن الحسن المجتبى ـ عليه السّلام ـ قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقالوا : يا محمّد ، أنت الّذي تزعم أنّك رسول الله ، وأنّك الّذي يوحى إليك ، كما أوحي (٩) إلى موسى.

فسكت النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ساعة. ثمّ قال : نعم ، أنا سيّد ولد آدم ولا فخر. وأنا خاتم النّبيّين ، وإمام المتّقين ، ورسول ربّ العالمين.

قالوا : إلى من ، إلى العرب أم إلى العجم أم إلينا؟

__________________

(١) المصدر : طريف. وهو غلط.

(٢) الرنّة : الصيحة.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أرفع.

(٤) الحندس : المظلم.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : مرّ.

(٦) المصدر : أدفع.

(٧) البقرة / ١٥٧.

(٨) الأمالي / ١٥٧ ، ح ١.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يوحى.

٢٠٨

فأنزل الله هذه الآية.

(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : صفة لله ، وإن حيل بينهما بما هو متعلّق المضاف إليه ، لأنّه ، كالمتقدّم عليه.

أو مدح منصوب ، أو مرفوع.

أو مبتدأ خبره (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).

وهو على الوجوه الأول بيان لما قبله. فإنّ من ملك العالم ، كان هو الإله لا غيره.

وفي (يُحيِي وَيُمِيتُ) : مزيد تقدير لاختصاصه بالألوهيّة.

(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) : ما أنزل عليه ، وعلى سائر الرّسل من كتبه ووحيه.

وقرئ (١) «وكلمته» على إرادة الجنس أو القرآن ، أو عيسى. تعريضا لليهود ، وتنبيها على أنّ من لم يؤمن به لم يعتبر إيمانه. وإنّما عدل عن التّكلم إلى الغيبة ، لإجراء هذه الصّفات الدّاعية إلى الإيمان والاتّباع له.

(وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٥٨) : جعل رجاء الاهتداء أثر الأمرين ، تنبيها على أنّ من صدّقه ولم يتابعه بالتزام شرعه فهو يعدّ في خطط الضّلالة.

(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى) ، يعني : بني إسرائيل.

(أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) : يهدون النّاس محقّين ، أو بكلمة الحقّ.

(وَبِهِ) : وبالحقّ.

(يَعْدِلُونَ) (١٥٩) : بينهم في الحكم.

قيل (٢) : هم مؤمنو أهل الكتاب.

وقيل : المراد بها : الثّابتون على الإيمان ، القائمون بالحقّ من أهل زمانه. أتبع ذكرهم ذكر أضدادهم على ما هو عادة القرآن ، تنبيها على أنّ تعارض الخير والشّرّ وتزاحم أهل الحقّ والباطل أمر مستمرّ.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن عبد الله بن سنان ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : قوم موسى ، هم أهل الإسلام.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٣.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٣.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٣١ ـ ٣٢ ، ح ٨٩.

٢٠٩

وقيل (١) : قوم وراء الصّين. رآهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ليلة المعراج ، فآمنوا به.

عن المفضّل بن عمر (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إذا قام قائم آل محمّد ، استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلا ، خمسة عشر من القوم الّذين يهدون (٣) بالحقّ وبه يعدلون ، وسبعة من أصحاب الكهف ، ويوشع وصيّ موسى ، ومؤمن آل فرعون ، وسلمان الفارسيّ ـ رضي الله عنه ـ ، وأبا دجانة الأنصاريّ ، ومالك الأشتر.

عن أبي الصّهبان (٤) البكريّ (٥) قال : سمعت عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ ودعا رأس الجالوت وأسقف النّصارى فقال : إنّي سائلكما (٦) عن أمر وأنا أعلم به منكما [فلا تكتماني] (٧). يا رأس الجالوت ، بالّذي أنزل التّوراة على موسى ، وأطعمكم المنّ والسّلوى ، وضرب لكم في البحر طريقا [يبسا] (٨) ، وفجّر لكم من الحجر الطّوريّ أثنتي عشرة (٩) عينا لكلّ سبط من بني إسرائيل عينا ، إلّا ما أخبرتني ، على كم افترقت بنو إسرائيل بعد موسى؟

فقال : [لا و] (١٠) فرقة واحدة.

فقال : كذبت. والّذي لا إله غيره ، لقد افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، كلّها في النّار إلّا واحدة. فإنّ الله يقول : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [فهذه الّتي تنجو] (١١).

وفي الكافي (١٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ. وقال بعده ، وبهذا الإسناد قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول وسئل عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، أواجب هو على الأمّة

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٣.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٣٢ ، ح ٩٠.

(٣) المصدر : من قوم موسى الّذين يقضون ...

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أبي الصهباء وهو غلط.

(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ٩١.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «قال : سألتكما» بدل «فقال إنّي سائلكما».

(١ و ٨) ـ من المصدر.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : حجر الطور اثنتي عشر.

(١٠) ليس في المصدر.

(١١) من المصدر.

(١٢) الكافي ٥ / ٥٩ ـ ٦٠ ، ح ١٦.

٢١٠

جميعا؟

فقال : لا.

فقلت له : ولم؟

قال : إنّما هو على القويّ المطاع ، العالم بالمعروف من المنكر. لا على الضّعيف الّذي لا يهتدي سبيلا إلى أيّ من أيّ ، يقول من الحقّ إلى الباطل. والدّليل على ذلك كتاب الله ـ تعالى ـ [قوله : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (١). فهذا خاصّ غير عامّ ، كما قال الله ـ تعالى ـ :] (٢) (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ). ولم يقل : على أمّة موسى ، ولا على كلّ قوم. وهم يومئذ أمم مختلفة. والأمّة واحدة فصاعدا ، كما قال الله ـ تعالى ـ : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ) (٣). يقول : مطيعا لله والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي مجمع البيان (٤) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّ هذه الأمّة قوم من وراء الصّين.

بينهم وبين الصّين واد جار من الرّمل ، لم يغيّروا ولم يبدّلوا.

[قالوا و] (٥) ليس لأحد منهم مال دون صاحبه. يمطرون باللّيل ، ويضحون بالنّهار ، ويزرعون. لا يصل إليهم منّا أحد ، ولا منهم إلينا. وهم على الحقّ.

قال (٦) : وقيل (٧) : إنّ جبرئيل انطلق بالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ليلة المعراج إليهم. فقرأ عليهم من القرآن عشر سور نزلت بمكّة ، فآمنوا به وصدّقوه. وأمرهم أن يقيموا مكانهم ، ويتركوا السّبت. وأمرهم بالصّلاة والزّكاة ، ولم يكن نزلت فريضة غيرهما ، ففعلوا.

قال (٨) : وروى أصحابنا ، أنّهم يخرجون مع قائم آل محمّد ـ عليهم السّلام ـ.

وروي : أنّ ذا القرنين رآهم. قال : لو أمرت بالمقام ، ليسرّني أن أقيم بين أظهركم».

__________________

(١) آل عمران / ١٠٤.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في المتن.

(٣) النحل / ١١٩.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٤٨٩.

(٥) من المصدر.

(٦) أي صاحب مجمع البيان.

(٧) مجمع البيان ٢ / ٤٨٩.

(٨) نفس المصدر والموضع.

٢١١

ويمكن الجمع بين الرّوايتين ، بالحمل على عموم الفريقين.

وفي كتاب الاحتجاج (١) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ ، بإسناده إلى الإمام محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه السّلام ـ : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل في خطبة الغدير.

وفيها : معاشر النّاس ، أنا الصّراط المستقيم ، الّذي أمركم الله باتّباعه. ثمّ عليّ من بعدي. ثمّ ولدي من صلبه ، أئمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون.

وفيه (٢) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه : لم يخل أرضه من عالم بما يحتاج الخليقة إليه ومعلّم (٣) على سبيل النّجاة. أولئك هم الأقلّون عددا. وقد بيّن الله ذلك من أمم الأنبياء ، وجعلهم مثلا لمن تأخّر ، مثل قوله فيمن آمن من قوم (٤) موسى : (وَمِنْ قَوْمِ) (٥) (مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).

(وَقَطَّعْناهُمُ) : وصيّرناهم قطعا متميّزا ، بعضهم عن بعض.

(اثْنَتَيْ عَشْرَةَ) : مفعول ثان «لقطّع» ، فإنّه متضمّن معنى : صيّر. أو حال ، وتأنيثه للحمل على الأمّة أو القطعة.

(أَسْباطاً) : بدل منه ، ولذلك جمع. أو تمييز له ، على أنّ كلّ واحدة من اثنتي عشرة أسباط. أو كأنّه قيل : اثنتي عشرة قبيلة.

وقرئ (٦) : بكسر السّين (٧). وإسكانها.

والأسباط : أولاد الأولاد.

والأسباط في ولد يعقوب ، بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل.

وفي كتاب التّوحيد (٨) : عن عبيد الله بن عبد الله بن الحسن بن جعفر بن الحسن [بن الحسن] (٩) بن عليّ قال : سألت عليّ بن موسى بن جعفر ـ عليهم السّلام ـ عمّا يقال في بني الأفطس.

فقال : إنّ الله أخرج من بني إسرائيل ، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ـ عليه السّلام ـ اثني عشر سبطا ، [وجعل فيهم النّبوّة والكتاب] (١٠). وأنشر من الحسن والحسين

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٧٨ ـ ٧٩.

(٢) الاحتجاج ١ / ٣٦٨.

(٣) هكذا في ر. وفي المصدر : متعلّم. وفي سائر النسخ : معمّا.

(٤) المصدر : امّة.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أمّة.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٣.

(٧) المصدر : الشين. (٨) بل في الخصال ٤٦٥ ـ ٤٦٦ ح ٥ ، وعنه تفسير نور الثقلين ٢ / ٨٧ ح ٣١٣.

(٩ و ١٠) من المصدر.

٢١٢

ابني أمير المؤمنين لفاطمة بنت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ اثني عشر سبطا.

ثمّ عدّد الاثني عشر من ولد إسرائيل فقال : زيلون (١) بن يعقوب ، وشمعون بن يعقوب ، ويهودا بن يعقوب ، [ويشاجر بن يعقوب] (٢) وريكون (٣) بن يعقوب ، ويوسف بن يعقوب ، وبنيامين بن يعقوب ، ونشاحن (٤) بن يعقوب ، وتفشال بن يعقوب (٥) ، وداني (٦) بن يعقوب. وسقط عن [أبي] (٧) الحسن النّسابة ثلاثة منهم.

ثمّ عدّد الاثني عشر من ولد الحسن والحسين ـ عليهما السّلام ـ فقال : وأمّا الحسن ، فانتشر منه ستّة أبطن : بنو الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ ، وبنو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ ، وبنو إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن عليّ ، وبنو الحسن بن الحسن بن عليّ ، وبنو داود بن الحسن بن الحسن بن عليّ ، وبنو جعفر بن الحسن بن الحسن بن عليّ. فعقب الحسن ـ عليه السّلام ـ من هذه السّتّة الأبطن.

ثمّ عدّ بني الحسين ـ عليه السّلام ـ فقال : بنو محمّد بن عليّ الباقر بن عليّ بن الحسين بن عليّ (٨) ، وبنو عبد الله الباهر (٩) بن عليّ ، وبنو زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ ، وبنو الحسين (١٠) بن عليّ بن الحسين بن [عليّ ، وبنو عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ ، وبنو عليّ [بن عليّ] (١١) بن الحسين بن] (١٢) عليّ. فهؤلاء السّتّة الأبطن نشر الله منهم ولد الحسين (١٣) بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ.

__________________

(١) المصدر : روبيل.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : زيلون. قال مصحّح المصدر في الهامش : الصواب : زبولون.

(٤) المصدر : نفتالي.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر : دان.

(٧) من المصدر.

(٨) المصدر : «بطن» بدل «بن عليّ».

(٩) المصدر : بنو عبد الله بن الباهر. وهو غلط.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الحسن.

(١١) من المصدر.

(١٢) من الهامش.

(١٣) المصدر : نشر الله من الحسين ...

٢١٣

(أُمَماً) : على الأوّل ، بدل بعد بدل ، أو نعت «أسباط». وعلى الثّاني ، بدل من «أسباط».

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ) : في التّيه.

(أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ) ، أي : فضرب ، فانبجست. [وحذفه للايماء على] (١) أنّ موسى لم يتوقّف في الامتثال ، وأنّ ضربه لم يكن مؤثّرا يتوقّف عليه الفعل في ذاته.

(مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ) : سبط.

(مَشْرَبَهُمْ ، وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ) : ليقيهم حرّ الشّمس.

(وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا) ، أي : وقلنا لهم : كلوا.

(مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١٦٠) :

مضى تفسيره في سورة البقرة.

وفي أصول الكافي (٢) : عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الماضي ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

فقال : إنّ الله أعزّ وأمنع من أن يظلم ، أو ينسب نفسه إلى ظلم. ولكنّ الله خلطنا بنفسه ، فجعل ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته. ثمّ أنزل بذلك قرآنا على نبيّه ، فقال : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

بعض أصحابنا (٣) ، عن محمّد بن أبي عبد الله ، عن عبد الوهّاب بن بشر ، عن موسى بن قادم ، عن سليمان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

قال : إنّ الله أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أن يظلم. ولكنّه خلطنا بنفسه ، فجعل ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته. حيث يقول : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٤)

__________________

(١) هكذا في أنوار التنزيل ٣ / ٣٠. وفي النسخ : وفي الحديث إيماء إلى.

(٢) الكافي ١ / ٤٣٥.

(٣) الكافي ١ / ١٤٦ ، ح ١١.

(٤) المائدة / ٥٥.

٢١٤

[يعني الأئمّة منّا] (١). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الاحتجاج (٢) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه : وأمّا قوله : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فهو ـ تبارك وتعالى اسمه ـ أجلّ وأعظم من أن يظلم. ولكنّه قرن أمناءه على خلقه بنفسه ، وعرّف الخليقة جلالة قدرهم عنده ، وأنّ ظلمهم ظلمه [بقوله :] (٣) «وما ظلمونا» ببغضهم أولياءنا وبمعونة أعدائهم عليهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ، إذ حرموها الجنّة وأوجبوا عليها خلود النّار.

(وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) : بإضمار «اذكر».

و «القرية» بيت المقدس.

(وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً).

قيل (٤) : معناه مثل ما [مرّ] (٥) في البقرة. غير أنّ قوله : «فكلوا منها» بالفاء ، أفاد تسبّب سكناهم للأكل منها. ولم يتعرّض له ها هنا اكتفاء بذكره ثمّة ، أو بدلالة الحال عليه. وأمّا تقديم «قولوا» على «وادخلوا» فلا أثر له في المعنى ، لأنّه لا يوجب التّرتيب.

وكذا «الواو» العاطفة بينهما.

(نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ ، سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) (١٦١) : وعد بالغفران ، والزّيادة عليه بالإثابة. وإنّما أخرج الثّاني مخرج الاستئناف ، للدّلالة على أنّه تفضّل محض ليس في مقابلة ما أمروا به.

وقرأ (٦) نافع وابن عامر ويعقوب : «تغفر» بالتّاء والبناء للمفعول. و «خطيئاتكم» بالرّفع والجمع. غير ابن عامر ، فإنّه وحّد.

وقرأ (٧) أبو عمر : «وخطاياكم».

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الاحتجاج ١ / ٣٧٩.

(٣) من المصدر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٣.

(٥) من المصدر.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٣.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٣.

٢١٥

(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) (١٦٢) : مرّ تفسيرها فيها.

(وَسْئَلْهُمْ) : سؤال تقريع بتقديم كفرهم وعصيانهم ، إعلاما بما هو من علومهم الّتي لا تعلم إلّا بتعليم أو وحي. ليكون ذلك معجزة عليهم.

(عَنِ الْقَرْيَةِ) : عن خبرها ، وما وقع بأهلها.

(الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) : قريبة منه.

قيل (١) : هي إيلة ، قرية بين مدين والطّور على شاطى البحر.

وقيل (٢) : مدين.

وقيل (٣) : طبريّة.

(إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) : يتجاوزون حدود الله ، بالصّيد يوم السّبت.

و «إذ» ظرف «لكانت» أو «حاضرة». أو للمضاف المحذوف ، أو بدل منه بدل الاشتمال.

(إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ) : ظرف «ليعدون» ، أو بدل منه.

وقرئ (٤) «يعدون». وأصله : يعتدون. ويعدّون من الإعداد ، أي : يعدّون آلات الصّيد يوم السّبت ، وقد نهوا أن يشتغلوا فيه بغير العبادة.

(يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) : يوم تعظيمهم أمر سبتهم. مصدر سبتت اليهود : إذا عظّمت سبتها بالتّجرّد للعبادة.

و «الشرع» جمع ، شارع. من شرع عليه : إذا دنا منه وأشرف ، أي : ظاهره على وجه الماء.

وقيل (٥) : السّبت اسم لليوم ، والإضافة لاختصاصهم بأحكام فيه. ويؤكد الأوّل أن قرئ : «يوم إسباتهم». وقوله : (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ).

وقرئ (٦) : «لا يسبتون» من أسبت. و «لا يسبتون» على البناء للمفعول ، بمعنى : لا يدخلون في السّبت.

(كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١٦٣) ، أي : مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم بسبب فسقهم.

__________________

(١ و ٢ و ٣) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٧٤.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٤.

(١ و ٦) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٧٤.

٢١٦

وقيل (١) : «كذلك» متّصل بما قبله ، أي : لا تأتيهم مثل إتيانهم يوم السّبت.

والباء متعلّقه «بيعدون».

(وَإِذْ قالَتْ) : عطف على «إذ يعدون».

(أُمَّةٌ مِنْهُمْ) : جماعة من أهل القرية ، يعني : صلحاءهم الّذين اجتهدوا في موعظتهم ، حتّى أيسوا من إيقاظهم.

(لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) : محترمهم في الدّنيا.

(أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) : في الآخرة ، لتماديهم في العصيان. قالوه مبالغة في أنّ الموعظة لا تنفع فيهم ، أو سؤالا عن علّة الوعظ ونفعه وكأنّه تقاول بينهم ، أو قول من ارعوى (٢) من الوعظ لمن لم يرعو منهم.

وقيل (٣) : المراد طائفة من الفرقة الهالكة أجابوا به وعّاظهم ردّا عليهم ، وتهكّما بهم.

(قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) : جواب للسّؤال ، أي : موعظتنا إنهاء عذر إلى الله ـ تعالى ـ حتّى لا تنسب إلى تفريط في النّهي عن المنكر.

وقرأ (٤) حفص : «معذرة» بالنّصب على المصدر أو العلّة ، أي : اعتذرنا به معذرة أو وعظهم معذرة.

(وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١٦٤) : إذ اليأس لا يحصل إلّا بالهلاك.

(فَلَمَّا نَسُوا) : تركوا ترك النّاسي.

(ما ذُكِّرُوا بِهِ) : ما ذكّرهم به الواعظون.

(أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) : بالاعتداء ومخالفة أمر الله.

(بِعَذابٍ بَئِيسٍ) : شديد. فعيل ، من بؤس يبأس بأسا : إذا اشتدّ.

وقرأ (٥) أبو بكر : «بيئس» على فيعل ، كضيغم.

وابن عامر : «بئس» بكسر الباء وسكون الهمزة ، على أنّه «بيس» ، كحذر ،

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٤.

(٢) رعا عنه يرعو رعوا ، ورعوى : كفّ وارتدع. ارعَوى عنه : رعا.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٤.

(٤) نفس المصدر ، والموضع.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٤.

٢١٧

كما قرئ به ، فخفّف عينه بنقل حركتها إلى الفاء ، ككبد في كبد.

ونافع : «بيس» على قلب الهمزة ياء ، كما قلبت في ذئب. أو على أنّه فعل الذّم وصف به ، فجعل اسما.

وقرئ (١) : «بيّس» ، كريّس ، على قلب الهمزة ياء ثمّ إدغامها. و «بيس» على التّخفيف للبيس ، كهين ، وبائس.

(بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١٦٥) : بسبب فسقهم.

(فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) : تكبّروا عن ترك ما نهوا عنه ، كقوله : «وعتوا عن أمر ربّهم». أو تكبّروا عن النّهي.

(قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (١٦٦) : مطرودين مبعدين من كلّ خير ، كقوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

قيل (٢) : الظّاهر يقتضي أنّ الله ـ تعالى ـ عذّبهم أوّلا بعذاب شديد ، فعتوا بعد ذلك ، فمسخهم.

ويجوز أن تكون الآية الثّانية تقريرا وتفصيلا للأولى.

وعن مجاهد : مسخت قلوبهم ، لا أبدانهم.

وفي تفسير الإمام (٣) في سورة البقرة عند قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ).

قال عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ : كان هؤلاء قوم يسكنون على شاطئ بحر ، نهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السّمك في يوم السّبت. فتوصّلوا إلى حيلة ، ليحلّوا بها لأنفسهم ما حرّم الله. فخدّوا أخاديد وعملوا طرقا تؤدّي إلى حياض تتهيّأ للحيتان الدّخول فيها من تلك الطّرق ، ولا يتهيّأ لها الخروج إذا همّت بالرّجوع [منها إلى اللّجج] (٤) فجاءت الحيتان يوم السّبت جارية على أمان لها ، فدخلت الأخاديد وحصلت في الحياض والغدران.

فلمّا كانت عشيّة اليوم ، همّت بالرّجوع منها إلى اللّجج لتأمن من صائدها.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٤.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٧٥.

(٣) تفسير العسكري / ١٠٧ ـ ١٠٨ وعنه تفسير البرهان ٢ / ٤٢ ، ح ٣.

(٤) من المصدر.

٢١٨

فرامت الرّجوع فلم تقدر. وبقيت ليلها في مكان يتهيّأ أخذها [يوم الأحد] (١) بلا اصطياد ، لاسترسالها فيه وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها. فكانوا يأخذونها يوم الأحد ، ويقولون : ما اصطدنا في السّبت ، بل اصطدنا في الأحد. وكذب أعداء الله ، بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم الّتي عملوها يوم السّبت. حتّى كثر من ذلك مالهم وشراؤهم ، وتنعّموا (٢) بالنّساء وغيرهم لاتّساع أيديهم به.

وكانوا في المدينة نيفا وثمانين ألفا ، فعل هذا منهم سبعون ألفا وأنكر عليهم الباقون ، كما قصّ الله : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) (الآية).

وذلك أنّ طائفة منهم وعظوهم وزجروهم ، ومن عذاب الله ـ تعالى ـ خوّفوهم ، ومن انتقامه وشدائد بأسه حذّروهم.

فأجابوهم عن وعظهم : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) بذنوبهم هلاك الاصطلام ، (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً). أجابوا القائلين لهم هذا : (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ).

هذا القول منا لهم معذرة إلى ربّكم ، إذ كلّفنا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. فنحن ننهى عن المنكر ، ليعلم ربّنا مخالفتنا لهم وكراهتنا لفعلهم. قالوا : (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).

ونعظهم (٣) ـ أيضا ـ لعلّهم تنجع فيهم المواعظ ، فيتّقوا هذه الموبقة ويحذروها عقوبتها.

قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : «فلمّا عتوا» حادوا وأعرضوا وتكبّروا عن قبول الزّجر (عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ). مبعدين من الخير ، مقصين (٤).

فلمّا نظر العشرة آلاف والنّيف أنّ السّبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم ولا يخافون بتخويفهم إيّاهم وتحذيرهم لهم ، اعتزلوهم إلى قرية [أخرى قريبة] (٥) من قريتهم. وقالوا : نكره أن ينزل بهم عذاب ونحن في خلالهم.

فأمسوا ليلة ، فمسخهم الله كلّهم قردة. وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منه أحد ، ولا يدخله أحد. وتسامع بذلك أهل القرى ، فقصدوهم وتسلّقوا حيطان البلد.

فاطّلعوا عليهم ، فإذا هم كلّهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض. يعرف هؤلاء النّاظرين معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم ، يقول المطّلع لبعضهم : أنت فلان ، أنت فلانة.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : تمتّعوا.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : تعظهم.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : مبغضين.

(٥) من المصدر. وفي النسخ : أخر [أخسر ـ أو ب] وانتقلوا إلى قرية.

٢١٩

فتدمع عينه ويؤمئ برأسه ، أو بفمه (١) بلا ونعم. فما زالوا كذلك ثلاثة أيّام ، ثمّ بعث الله ـ تعالى ـ عليهم مطرا وريحا فجرفهم إلى البحر. وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيّام. وإنّما الّذين ترون من هذه المصوّرات بصورها ، فإنّما هي أشباهها لا هي بأعيانها ولا من نسلها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : وجدنا في كتاب عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّ قوما من أهل إيلة من ثمود ، وأنّ الحيتان كانت سيقت إليهم يوم السّبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك. فشرعت إليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدّام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم ، فبادروا إليها فأخذوا يصطادونها.

فلبثوا في ذلك ما شاء الله ، لا ينهاهم عنها الأحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها. ثمّ إنّ الشّيطان أوحى إلى طائفة منهم : إنّما نهيتم عن أكلها يوم السّبت ولم تنهوا عن صيدها. فاصطادوها يوم السّبت ، وأكلوها فيما سوى ذلك من الأيّام.

فقالت طائفة منهم : الآن نصطادها. فعتت.

وانحازت طائفة أخرى منهم ذات اليمين ، فقالوا : ننهاكم من عقوبة الله أن تتعرّضوا لخلاف أمره.

واعتزلت طائفة منهم ذات الشّمال (٣) ، فسكتت فلم تعظهم ، فقالت للطّائفة الّتي وعظتهم : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً).

فقالت الطّائفة الّتي وعظتهم : (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَ) (٤) (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).

قال : فقال الله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) ، يعني : لمّا تركوا ما وعظوا به ، مضوا على الخطيئة.

فقالت الطّائفة الّتي وعظتهم : لا والله ، لا نجامعكم ولا نبايتكم اللّيلة في مدينتكم هذه الّتي عصيتم الله فيها ، مخافة أن ينزل بكم البلاء فيعمّنا معكم.

قال : فخرجوا عنهم من المدينة ، مخافة أن يصيبهم البلاء. فنزلوا قريبا من المدينة ، فباتوا تحت السّماء. فلمّا أصبح أولياء الله المطيعون لأمر الله ـ تعالى ـ ، غدوا

__________________

(١) ليس في المصدر : أو بفمه.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥.

(٣) المصدر : اليسار.

(٤) سقط الواو من المصدر.

٢٢٠