يقال : عفا النّبات : إذا كثر. ومنه : إعفاء اللّحى.
(وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) : كفرانا لنعمة الله ، ونسيانا لذكره ، واعتقادا بأنّه من عادة الدّهر يعاقب في النّاس بين السّرّاء والضّرّاء. وقد مسّ آباءنا منه ، مثل ما مسّنا.
(فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) : فجأة.
(وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٩٥) : بنزول العذاب.
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) ، يعني : المدلول عليها بقوله : (ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍ).
وقيل (١) : مكّة وما حولها.
(آمَنُوا وَاتَّقَوْا) : مكان كفرهم وعصيانهم.
(لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) : لوسّعنا عليهم الخير ، ويسرّناه لهم من كلّ جانب.
وقيل (٢) : المراد : المطر والنّبات.
وقرأ (٣) ابن عامر : «لفتّحنا» بالتّشديد.
(وَلكِنْ كَذَّبُوا) : الرّسل.
(فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٩٦) : من الكفر والمعاصي.
وفي الخرائج والجرائح (٤) ، عن الحسن بن عليّ (٥) ـ عليه السّلام ـ حديث طويل في الرّجعة. وفيه : ولتنزلنّ البركة من السّماء والأرض ، حتّى أنّ الشّجرة لتصيف بما يريد الله فيها من الثّمرة ، وليؤكل ثمرة الشّتاء في الصّيف وثمرة الصّيف في الشّتاء. وذلك قوله : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا).
(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) : عطف على قوله : (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).
وما بينهما اعتراض.
والمعنى : أبعد ذلك أمن أهل القرى.
__________________
(١ و ٢ و ٣) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٦٠.
(٤) تفسير نور الثقلين ٢ / ٥٢ ، ح ١٩٩.
(٥) المصدر : الحسين بن عليّ.
(أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً) : تبييتا ، أو وقت بيات ، أو مبيتا ، أو مبيتين. وهو في الأصل مصدر ، بمعنى : البيتوتة. ويجيء بمعنى : التّبييت ، كالسّلام بمعنى : التّسليم.
(وَهُمْ نائِمُونَ) (٩٧) : حال من ضميرهم البارز ، أو المستتر في «بياتا».
(أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) وقرأ (١) ابن كثير ونافع وابن عامر : «أو» بالسّكون على التّرديد.
(أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) : ضحوة النّهار. وهو في الأصل ضوء الشّمس إذا ارتفعت.
(وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (٩٨) : يلهون من فرط الغفلة. أو يشتغلون بما لا ينفعهم.
(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) : تقدير لقوله : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى).
و «مكر الله» استعارة ، لاستدراج العبد وأخذه من حيث لا يحتسب.
(فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) (٩٩) : الّذين خسروا بالكفر ، وترك النّظر والاعتبار. وفيه تنبيه على ما يجب أن يكون عليه العبد من الخوف لعقاب الله واجتناب معصيته.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قوله : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ).
قال : المكر من الله ، العذاب.
وفي نهج البلاغة (٣) : وقال ـ عليه السّلام ـ : لا تأمننّ على خير هذه الأمّة عذاب الله ، لقوله ـ سبحانه ـ : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ).
وفيه (٤) : قال ـ عليه السّلام ـ : الفقيه كلّ الفقيه ، من لم يقنّط النّاس من رحمة الله ، ولم يؤيسهم من روح الله ، ولم يؤمنهم من مكر الله.
وفي تفسير العيّاشيّ (٥) ، عن صفوان الجمّال قال : جلست خلف أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ. ثمّ قال : اللهم ، لا تؤمنّي مكرك. ثمّ جهم فقال : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ).
(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها) ، أي : يخلفون من خلا قبلهم
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٠.
(٢) تفسير القمّي ١ / ٢٣٦.
(٣) نهج البلاغة / ٥٤٢ ـ ٥٤٣ ، صدر حكمة ٣٧٧.
(٤) نفس المصدر / ٤٨٣ ، حكمة ٩٠.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم يؤمنهم.
ويرثون ديارهم. وإنّما عدّي «يهدي» باللّام ، لأنّه بمعنى : يبيّن.
(أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) : أن الشّأن لو نشاء أصبناهم بجزاء ذنوبهم ، كما أصبنا من قبلهم. وهو فاعل «يهد».
ومن قرأه بالنّون ، جعله مفعولا.
(وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) : عطف على ما دلّ عليه «أو لم يهد» ، أي : يغفلون عن الهداية. أو منقطع عنه ، بمعنى : ونحن نطبع. ولا يجوز عطفه على «أصبناهم» على أنّه بمعنى : وطبعنا. لأنّه في سياقه جواب «لو» لإفضائه إلى نفي الطّبع عنهم.
(فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (١٠٠) : سماع تفهّم واعتبار.
(تِلْكَ الْقُرى) : قرى الأمم المارّ ذكرهم.
(نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) : حال ، إن جعل «القرى» خبرا ، ويكون إفادته بالتّقييد. وخبر ، إن جعلت صفته. ويجوز أن يكونا خبرين.
و «من» للتّبعيض ، أي : نقصّ بعض أنبائها ، ولها أنباء غيرها لا نقصّها.
(وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) : بالمعجزات.
(فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) : عند مجيئهم بها.
(بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) : بما كذّبوه من قبل (١) الرّسل ، بل كانوا مستمرّين على التّكذيب. أو فما كانوا ليؤمنوا مدّة عمرهم بما كذّبوا به أوّلا حين جاءتهم الرّسل ، ولم يؤثّر فيهم قطّ دعوتهم المتطاولة والآيات المتتالية (٢).
و «اللّام» لتأكيد النّفي ، والدّلالة على أنّهم ما صلحوا للإيمان لمنافاته لحالهم في التّصميم على الكفر والطّبع على قلوبهم.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : قال : لا يؤمنون في الدّنيا بما كذّبوا في الذّرّ. وهو ردّ على من أنكر الميثاق في الذّرّ الأوّل.
قال : حدّثني أبي (٤) ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى). قلت معاينة كان هذا؟
__________________
(١) ليس في ب : بما كذّبوه من قبل.
(٢) ب : المتتابعة.
(٣) تفسير القمّي ١ / ٢٣٦.
(٤) نفس المصدر والمجلّد / ٢٤٨.
قال : نعم ، فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه. ولولا ذلك ، لم يدر أحد من خالقه ورازقه. فمنهم من أقرّ بلسانه في الذّرّ ولم يؤمن بقلبه ، فقال الله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ).
وفي أصول الكافي (١) : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمّد الجعفريّ ، عن حفص (٢).
وعن عقبة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله خلق الخلق. فخلق من (٣) أحبّ ممّا أحبّ ، وكان ما أحبّ أن خلقه من طينة الجنّة. وخلق من (٤) بغض ممّا أبغض ، وكان ما أبغض أن خلقه من طينة السّجين. ثمّ بعثهم في الظّلال.
فقلت : وأيّ شيء الظّلال؟
قال : ألم تر إلى ظلّك في الشّمس ، شيء وليس بشيء؟ ثمّ بعث الله فيهم (٥) النّبيّين ، فدعوهم إلى الإقرار بالله. وهو قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (٦).
ثمّ دعاهم إلى الإقرار بالنّبيّين ، فأقرّ بعضهم وأنكر بعض. ثمّ دعوهم إلى ولايتنا ، فأقرّ بها ـ والله ـ من أحبّ وأنكرها من أبغض. وهو قوله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ).
ثمّ قال ـ عليه السّلام ـ : كان التّكذيب [ثمّ] (٧).
وفي تفسير العيّاشي (٨) : إنّ الله خلق الخلق وهم أظلّة. فأرسل إليهم رسوله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ فمنهم من آمن به ، ومنهم من كذّبه. ثمّ بعثه في الخلق الآخر ، فآمن به من آمن به في الأظلّة وجحده من جحده يومئذ. فقال : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ).
وعن الصّادق (٩) ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : بعث الله الرّسل إلى الخلق ، وهم في أصلاب الرّجال وأرحام النّساء. فمن صدّق حينئذ ، صدّق بعد ذلك. ومن كذّب
__________________
(١) الكافي ١ / ٤٣٦ ـ ٤٣٧ ، ح ٢.
(٢) المصدر : «أبي جعفر» بدل «حفص».
(١ و ٤) ـ المصدر : «ما» بدل «من».
(٥) كذا في المصدر. وفي ب : بعثه فيهم. وفي أ ، ر : بعث فمنهم. وفي سائر النسخ : بعثهم منهم.
(٦) الزخرف / ٨٧.
(٧) من المصدر. ثمّ : هناك.
(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ١٢٦ ، ح ٣٥.
(٩) نفس المصدر والصفحة ، ح ٣٦.
حينئذ ، كذّب بعد ذلك.
(كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) (١٠١) : فلا تدين شكيمتهم بالآيات والنّذر.
(وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ) : لأكثر النّاس. والآية اعتراض. أو لأكثر الأمم المذكورين.
(مِنْ عَهْدٍ) : وفاء عهد ، فإن أكثرهم نقضوا ما عهد الله إليهم في الإيمان والتّقوى بإنزال الآيات ونصب الحجج. أو ما عهدوا إليه حين كانوا في ضرّ ومخافة ، مثل (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
(وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ) ، أي : علمناهم.
(لَفاسِقِينَ) (١٠٢) : من وجدت زيدا ذا الحفاظ. لدخول «أن» المخفّفة و «اللّام» الفارقة. وذلك لا يجوز إلّا في المبتدأ والخبر والأفعال الدّاخلة عليهما.
وعند الكوفيّين «إن» للنّفي ، و «اللّام» بمعنى : «إلا».
في أصول الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحسين بن الحكم قال : كتبت إلى العبد الصّالح ـ عليه السّلام ـ أخبره أنّي شاكّ ، وقد قال إبراهيم : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) (٢). وأنا أحبّ أن تريني شيئا.
فكتب ـ عليه السّلام ـ إليه : إنّ إبراهيم كان مؤمنا ، وأحبّ أن يزداد إيمانه.
وأنت شاكّ ، والشّاكّ لا خير فيه. وإنّما الشّك ، ما لم يأت اليقين. فإذا جاء اليقين ، لم يجز (٣) الشّكّ.
وكتب : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ). قال : نزلت في الشّاكّ.
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى) :
الضّمير للرّسل ، في قوله : (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ). أو للأمم.
(بِآياتِنا) ، يعني : المعجزات.
(إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها) : بأن كفروا بها مكان الإيمان الّذي هو من
__________________
(١) الكافي ٢ / ٣٩٩ ، ح ١.
(٢) البقرة / ٢٦٠.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم يخبر.
حقّها لوضوحها. ولهذا المعنى وضع «ظلموا» موضع «كفروا».
«وفرعون» لقب لمن ملك مصر ، ككسرى لملك فارس ، وقيصر لمن ملك الروم ، وكان اسمه قابوس.
وقيل (١) : الوليد بن مصعب بن الرّيّان.
(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (١٠٣).
في كمال الدّين وتمام النّعمة (٢) ، بإسناده إلى محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه : ثمّ أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أرسل الأسباط أثني عشر بعد يوسف. ثمّ موسى وهارون إلى فرعون وملائه إلى مصر وحدّها (٣).
وفي تفسير العيّاشي (٤) ، عن عاصم المصريّ رفعه قال : إنّ فرعون بنى سبع مدائن يتحصّن فيها من موسى ـ عليه السّلام ـ وجعل فيما بينها آجاما وغياظا (٥) ، وجعل فيها الأسد ليتحصّن (٦) بها من موسى.
قال : فلمّا بعث الله موسى إلى فرعون فدخل المدينة ، فلمّا رآه الأسد تبصبصت (٧) وولت مدبرة.
قال : ثمّ لم يأت مدينة ، إلّا انفتح له بابها حتّى انتهى إلى قصر فرعون الّذي هو فيه.
قال : فقعد على بابه ، وعليه مدرعة من صوف ومعه عصاه. فلمّا خرج الآذن قال له موسى : استأذن لي على فرعون. فلم يلتفت إليه.
[قال : فقال له موسى : إنّي رسول ربّ العالمين.
قال : فلم يلتفت إليه] (٨).
قال : فمكث بذلك ما شاء الله ، يسأله أن يستأذن له.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٦١.
(٢) كمال الدين / ٢٢٠ ، ضمن ح ١.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : وحدودها.
(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٣ ـ ٢٤ ، ح ٦١.
(٥) الآجام : الشجر الملتفّ. والغياض ـ جمع غيضة ـ : مجتمع الشجر في مغيص ماء.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : لتحصّن.
(٧) بصبص الكلب : حرّك ذنبه. والتبصبص : التملّق.
(٨) من المصدر.
قال : فلمّا أكثر عليه ، قال له : أما وجد ربّ العالمين من يرسله غيرك؟
قال : فغضب موسى. فضرب الباب بعصاه ، فلم يبق بينه وبين فرعون باب إلّا انفتح حتّى نظر إليه فرعون وهو في مجلسه.
فقال : أدخلوه.
قال : فدخل عليه وهو في قبّة له مرتفعة كثيرة الارتفاع ثمانون ذراعا.
قال : فقال : إنّي رسول ربّ العالمين إليك.
قال : فقال : فأت بآية إن كنت من الصّادقين.
قال : فألقى عصاه ، وكان لها شعبتان.
قال : فإذا هي حيّة ، قد وقع إحدى الشّعبتين في الأرض والشّعبة الأخرى في أعلى القبّة.
قال : فنظر فرعون إلى جوفها وهو يلتهب نيرانا.
قال : وأهوت إليه ، فأحدث وصاح : يا موسى ، خذها.
(وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠٤) : إليك.
(حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ، كأنّه جواب لتكذيبه إيّاه في دعوى الرّسالة ، كأنّ أصله : حقيق عليّ أن لا أقول. فقلب «لا» من الالتباس. أو لأنّ ما لزمك ، فقد لزمته. أو للإغراق في الوصف بالصّدق ، يعني : أنّه حقّ واجب عليّ القول الحقّ أن أكون أنا قائله ، لا يرضى إلّا بمثلي ناطقا به. أو ضمّن حقيق معنى : حريص. أو وضع على مكان الباء ، كقولهم : رميت على القوس.
وقرئ : «عليّ» على الأصل.
وعن ابن أبيّ ، أنّه قرأ : بالباء.
وقرئ ، بحذف «على».
(قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٠٥) : فخلّهم ، حتّى يرجعوا معي إلى الأرض المقدّسة الّتي هي وطن آبائهم. وكان قد استعبدهم واستخدمهم في الأعمال الشّاقّة.
(قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ) : من عند من أرسلك.
(فَأْتِ بِها) : فأحضرها عندي ، ليثبت بها صدقك.
(إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (١٠٦) : في الدّعوى.
(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) (١٠٧) : ظاهر أمره لا يشكّ في أنّه ثعبان. وهو الحيّة العظيمة.
(وَنَزَعَ يَدَهُ) : من جيبه ، أو من تحت إبطه.
(فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) (١٠٨) ، أي : عليه يغلب نوره شعاع الشّمس. أو بيضاء للنّظّار ، لا أنّها كانت بيضاء في جبلتها.
نقل (١) : أنّ موسى كان [آدم] (٢) شديد الأدمة. فأدخل [يده] (٣) في جيبه أو تحت إبطه ثمّ نزعها ، فإذا هي بيضاء نورانيّة غلب شعاعها شعاع الشّمس.
وفي عيون الأخبار (٤) ، بإسناده إلى [أبي] (٥) يعقوب البغداديّ قال : قال ابن السّكيت لأبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : لما ذا بعث الله ـ تعالى ـ موسى بن عمران بيده البيضاء والعصاء وآلة السّحر ، وبعث عيسى بالطّبّ ، وبعث محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالكلام والخطب؟
فقال له أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله لمّا بعث موسى ـ عليه السّلام ـ ، كان الأغلب على أهل عصره السّحر. فأتاهم من عند الله بما لم يكن من عند القوم وفي وسعهم مثله ، وبما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجّة عليهم. (الحديث).
وقد مضى عند قوله ـ تعالى ـ : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (٦).
وفي باب (٧) ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في جامع الكوفة. حديث طويل. وفيه : وسأله عن شيء شرب وهو حيّ ، وأكل وهو ميّت.
فقال : تلك عصا موسى.
وفيه (٨) وقال : أخبرنا عن أوّل شجرة غرست في الأرض.
فقال : العوسجة ، ومنها عصا موسى ـ عليه السّلام ـ.
(قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) (١٠٩).
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٢.
(١ و ٣) ـ من المصدر.
(٤) العيون ٢ / ٧٩ ـ ٨٠ ، صدر ح ١٢.
(٥) من المصدر.
(٦) البقرة / ٢٣.
(٧) العيون ١ / ٢٤٥.
(٨) نفس المصدر / ٢٤٤.
قيل (١). قاله هو وأشراف قومه على سبيل التّشاور في أمره ، فحكي عنه في سورة الشّعراء [بقوله : «قال للملإ حوله» وعنهم ها هنا.] (٢) (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ) (١١٠) : تشيرون في أن نفعل.
(قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) : أخّرهما وأصدرهما عنك ، حتّى نرى رأيك فيهما.
و «الإرجاء» التّأخير. وأصله : أرجئه ، كما قرأ أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب.
وقرأ (٣) حمزة وحفص : «أرجه» بسكون الهاء.
وقرأ (٤) بن كثير وهشام ، عن ابن عامر : «أرجئهوه».
وقرأ (٥) نافع في رواية ورش وإسماعيل والكسائيّ : «أرجهي».
وقرأ (٦) ابن عامر : «أرجئه» بالهمزة وكسر الهاء.
وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : يونس بن ظبيان قال : قال : إنّ موسى وهارون حين دخلا إلى فرعون ، لم يكن في جلسائه يومئذ ولد سفاح. كانوا ولد نكاح كلّهم. ولو كان [فيهم ولد سفاح] (٨) ، لأمر بقتلهما. فقالوا : «أرجه وأخاه». وأمروه بالتّأنّي والنّظر. ثمّ وضع يده على صدره وقال : وكذلك نحن لا يسرع (٩) إلينا إلّا كلّ خبيث الولادة.
(وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) (١١١) (يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) (١١٢).
وقرأ (١٠) حمزة والكسائيّ : «بكلّ سحّار» فيه ويونس. ويؤيّده اتّفاقهم عليه في الشّعراء.
(وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ) : بعد ما أرسل في طلبهم حاشرين.
(قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) (١١٣) : استئناف ، كأنّه جواب سؤال قال : ما قالوا إذ جاؤوا؟
وقرأ (١١) ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم : (إِنَّ لَنا لَأَجْراً) على الإخبار وإيجاب الأجر ، كأنّهم قالوا : لا بدّ لنا من الأجر. فالتّنكير ، للتّعظيم.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٢.
(٢) ليس في المصدر.
(٣ و ٤ و ٥ و ٦) ـ نفس المصدر والموضع.
(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٤ ، ح ٦٢.
(٨) من الهامش.
(٩) المصدر : لا ينزع.
(١٠) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٢.
(١١) نفس المصدر والموضع.
(قالَ نَعَمْ) : إنّ لكم أجرا.
(وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (١١٤) : عطف على ما سدّ مسدّه «نعم» ، وزيادة على الجواب لتحريضهم.
(قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) (١١٥) : خيّروا موسى مراعاة للأدب ، أو إظهارا للجلادة. ولكن كان رغبتهم في أن يلقوا قبله. فنبهّوا عليها بتغيير النّظم إلى ما هو أبلغ ، وتعريف الخبر وتوسيط الفصل أو توكيد الضّمير المتّصل بالمنفصل. فلذلك (قالَ أَلْقُوا) : إكراما وتسامحا. أو ازدراء بهم ، ووثوقا على شأنه.
(فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) : بأن خيّلوا إليها ما الحقيقة بخلافه بالحيل والشّعبذة.
(وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) : وأرهبوهم إرهابا شديدا ، كأنّهم طلبوا رهبتهم.
(وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (١١٦) : في فنّه.
نقل (١) : أنّهم ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا ، كأنّها حيّات ، ملأت الوادي وركب بعضها بعضا.
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) : فألقاها ، فصارت حيّة عظيمة.
(فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (١١٧) : ما يزوّرونه. من الإفك : وهو الصّرف وقلب الشّيء عن وجهه.
ويجوز أن يكون «ما» مصدريّة. وهي مع الفعل بمعنى : المفعول.
نقل (٢) : أنّها لمّا تلقّفت حبالهم وعصيّهم وابتلعتها بأسرها ، أقبلت على الحاضرين. فهربوا وازدحموا ، حتّى هلك جمع عظيم. ثمّ أخذها موسى ، فصارت عصا ، كما كانت. فقالت السّحرة : لو كان هذا سحر ، لبقيت حبالنا وعصيّنا.
وقرأ (٣) حفص : «تلقف» هنا وفي طه (٤) وفي الشّعراء.
وفي أصول الكافي (٥) ، بإسناده إلى محمّد بن العيص : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : كانت عصا موسى ـ عليه السّلام ـ لآدم ـ عليه السّلام ـ. فصارت إلى شعيب ـ عليه
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٣.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٣.
(٣) نفس المصدر والموضع.
(٤) من هنا يوجد في الهامش إلى موضع سيأتي.
(٥) الكافي ١ / ٢٣١ ، ح ١.
السّلام ـ ثمّ صارت إلى موسى ـ عليه السّلام ـ. وإنّها لعندنا. وإنّ عهدي بها آنفا وهي خضراء ، كهيئتها حين انتزعت من شجرتها. وإنّها لتنطق إذا استنطقت. أعدّت لقائمنا ، يصنع بها ما كان يصنع موسى. [وإنّها] (١) لتروع وتلقف بها ما يأفكون ، وتصنع ما تؤمر به. إنّها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون. يتشج (٢) لها شعبتان : إحداهما في الأرض والأخرى في السّقف ، وبينهما أربعون ذراعا تلقف ما يأفكون [بلسانها] (٣).
(فَوَقَعَ الْحَقُ) : فحصل وثبت ، لظهور أمره.
(وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١١٨) : من السّحر والمعارضة. (فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ) (١١٩) : صاروا أذلّاء مبهوتين. أو رجعوا إلى المدينة أذلّاء مقهورين.
والضّمير لفرعون وقومه.
(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) (١٢٠) : جعلهم ملقين على وجوههم ، تنبيها على أنّ الحقّ بهرهم واضطرهم إلى السّجود بحيث لم يبق لهم تمالك. أو أنّ الله ألهمهم ذلك وحملهم عليه ، حتّى ينكسر فرعون بالّذين أراد بهم كسر موسى ـ عليه السّلام ـ. وينقلب الأمر عليه. أو مبالغة في سرعة خرورهم وشدّته.
(قالُوا آمَنَّا) : في موضع الحال من ضمير «ساجدين» ، أو من «السّحرة».
(بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١٢١) (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) (١٢٢) : أبدلوا الثّاني من الأوّل ، لئلّا يتوهّم أرادوا به فرعون.
في الكافي (٤) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ ، عمّن ذكره ، عن عبد الله بن القاسم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ ، عن أبيه ، عن جدّه قال : قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو. إلى أن قال : وخرجت سحرة فرعون يطلبون العزّة لفرعون ، فرجعوا مؤمنين.
وفي روضة الكافي (٥) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، [وعلي
__________________
(١) من المصدر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : يتشج.
(٣) من المصدر.
(٤) الكافي ٥ / ٨٣ ـ ٨٤ ، ح ٣.
(٥) الكافي ٨ / ١٢٨ ، ح ٩٨.
بن محمد ، عن القاسم بن محمد] (١) عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال : ومن ذهب يرى أنّ له على الآخر فضلا ، فهو من المستكبرين.
فقلت له : إنّما يرى [أنّ] (٢) له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا للمعاصي.
فقال : هيهات هيهات ، فلعلّه أن يكون قد غفر له (٣) ما أتى وأنت موقوف محاسب. أما تلوت قصّة سحرة موسى ـ عليه السّلام ـ. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
(قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ) ، أي : بالله وبموسى. أو الاستفهام فيه للإنكار.
وقرأ (٤) حمزة والكسائيّ وأبو بكر عن عاصم ، وروح عن يعقوب وهشام ، بتخفيف الهمزتين ، على الأصل.
وقرأ (٥) حفص : «آمنتم به» ، على الإخبار.
وقرأ قنبل : قال فرعون وآمنتم. يبدل في حال الوصل من همزة الاستفهام واوا مفتوحة ، ويمدّ بعدها مدّة ، في تقدير ألفين. وقرأ في طه على الخبر ، بهمزة وألف. وقرأ في الشّعراء على الاستفهام بهمزة ومدّة مطوّلة ، في تقدير ألفين.
وقرأ الباقون ، بتخفيف الهمزة الأولى وتليين الثّانية.
(قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ) ، أي : أنّ هذا الصّنع لحيلة احتلتموها أنتم وموسى.
(فِي الْمَدِينَةِ) : في مصر ، قبل أن تخرجوا منها للميعاد إلى هذه الصّحراء وتواطأتم.
(لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها) ، يعني : القبط ، وتخلص لكم ولبني إسرائيل. وكان هذا الكلام من فرعون تمويها على النّاس ، لئلّا يتّبعوا السّحرة في الإيمان.
(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (١٢٣) : عاقبة ما فعلتم. وهو تهديد مجمل تفصيله.
(لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) : من كلّ شقّ طرفا.
__________________
(١ و ٢) ـ من المصدر.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : «غفر أن يكون» بدل : «أن يكون قد غفر له».
(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٣.
(٥) نفس المصدر ، والموضع.
(ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٢٤) : تفضيحا لكم ، وتنكيلا لأمثالكم.
قيل (١) : إنّه أوّل من سنّ ذلك. فشرعه الله للقطّاع ، تعظيما لجرمهم. ولذلك سمّاه محاربة الله ورسوله ، ولكن على التّعاقب لفرط رحمته.
(قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) (١٢٥) : بالموت لا محالة ، فلا نبالي بوعيدك. أو إنّا لمنقلبون إلى ربّنا وثوابه إن فعلت بنا ذلك ، كأنّهم استطابوه شغفا على لقاء الله. أو مصيرك ومصيرنا إلى ربّنا ، فيحكم بيننا.
(وَما تَنْقِمُ مِنَّا) : وما تنكر منّا وتعيب.
(إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا) : وهو خير الأعمال وأصل المناقب ، ليس ممّا يأتي لنا العدول عنه ، طلبا لمرضاتك.
ثمّ فزعوا إلى الله فقالوا : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) أفض علينا صبرا يغمرنا ، كما يفرغ الماء. أو صبّ علينا ما يطهّرنا من الآثام ، وهو الصّبر على وعيد فرعون.
(وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) (١٢٦) : ثابتين على الإسلام.
وقيل (٢) : إنّه فعل بهم ما أوعدهم به.
وقيل (٣) : لم يقدر عليهم ، لقوله ـ تعالى ـ : (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ).
(وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) : بتغيير النّاس عليك ، ودعوتهم إلى مخالفتك.
(وَيَذَرَكَ) : عطفا على «يفسدوا». أو جواب للاستفهام بالواو ، كقول الحطيئة :
ألم أك جاركم ويكون بيني |
|
وبينكم المودّة والإخاء |
على معنى : أيكون منك ترك موسى ، ويكون تركه إيّاك.
وقرئ (٤) ، بالرّفع ، على أنّه عطف على «أتذر». أو استئناف. أو حال.
وقرئ (٥) ، بالسّكون ، كأنّه قيل : يفسدوا ويذرك ، كقوله : (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ).
(وَآلِهَتَكَ) : معبوداتك.
قيل (٦) : كان يعبد الكواكب.
وقيل (٧) : صنع لقومه أصناما وأمرهم أن يعبدوها ، تقرّبا إليه. ولذلك
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٣.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٤.
(٣) نفس المصدر ، والموضع.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٤.
(٥ ، ٦ ، ٧) ـ نفس المصدر ، والموضع.
(فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : كان [فرعون] (٢) يعبد الأصنام ، ثمّ ادّعى بعد ذلك الرّبوبيّة.
وفي مجمع البيان (٣) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قرأ : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) (٤) ، يعني : عبادتك.
وروي (٥) : أنّه كان يأمرهم ـ أيضا ـ بعبادة البقر. ولذلك أخرج السّامريّ لهم عجلا جسدا له خوار ، وقال : هذا إلهكم وإله موسى.
(قالَ) : فرعون.
(سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) ، كما كنّا نفعل من قبل. ليعلم إنّا على ما كنّا عليه من القهر والغلبة ، ولا يتوهّم أنّه المولود الّذي حكم المنجّمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده.
وقرأ (٦) ابن كثير ونافع : «سنقتل» بالتّخفيف.
(وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) (١٢٧) : غالبون. وهم مقهورون تحت أيدينا.
(قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا) : لمّا سمعوا قول فرعون وتضجّروا منه ، تسكينا لهم.
(إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) : تسلية لهم ، وتقرير للأمر بالاستعانة بالله ، والتّثبّت في الأمر.
(وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (١٢٨) : وعد لهم بالنّصرة ، وتذكير لما وعدهم من إهلاك القبط وتوريثهم ديارهم ، وتحقيق له.
وقرئ (٧) : «والعاقبة» عطفا على اسم «إنّ».
__________________
(١) تفسير القمّي ١ / ٢٣٧.
(٢) من المصدر.
(٣) مجمع البيان ٢ / ٤٦٤.
(٤) كذا في المصدر لكن الظاهر أنها اشتباه من النساخ أو المطبعة والموجود في جوامع الجامع / ١٥٢ ، وتفسير الصافي ٢ / ٢٢٧ نقلا عن المجمع : إلاهتك. وفي أنوار التنزيل ١ / ٣٦٤ قال :قرئ إلاهتك أي عبادتك.
(٥) نفس المصدر ٢ / ٤٦٤ ـ ٤٦٥.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٤.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٤.
و «اللّام» في «الأرض» يحتمل العهد والجنس.
وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن عمّار السّاباطيّ قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ).
قال : فما كان لله ، فهو لرسوله ، وما كان لرسوله ، فهو للإمام بعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
وفي الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد [بن عيسى] (٣) عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي خالد الكابليّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : وجدنا في كتاب عليّ ـ عليه السّلام ـ (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
... أنا وأهل بيتي ، الّذين أورثنا الله الأرض. ونحن المتّقون. والأرض كلّها لنا. فمن أحيى أرضا من المسلمين ، فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها. فإن تركها أو أخربها بعد ما عمرها (٤) فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها ، فهو أحقّ بها من الّذي تركها ، فليؤدّ (٥) خراجها إلى الإمام من أهل بيتي. وله ما أكل منها حتّى يظهر القائم من أهل بيتي بالسّيف ، فيحويها (٦) ويمنعها ويخرجهم منها ، كما حواها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومنعها. إلّا ما كان في أيدي شيعتنا ، فإنّه يقاطعهم [على ما في أيديهم] (٧) ويترك الأرض في أيديهم.
وفي أصول الكافي (٨) : الحسين بن محمّد ، [عن معلّى بن محمّد] (٩) عن عليّ بن أسباط ، عن صالح بن حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بكر الحضرميّ قال : لمّا حمل أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ إلى الشّام ، إلى هشام بن عبد الملك وصار ببابه ، قال لأصحابه ومن كان بحضرته من بني أميّة : إذا رأيتموني قد وبّخت محمّد بن عليّ ثمّ رأيتموني قد سكت ، فليقبل عليه كلّ رجل منكم وليوبخّه. ثمّ أمر أن يؤذن له.
فلمّا دخل أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ قال بيده : السّلام عليكم. فعمّهم جميعا
__________________
(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٥ ، ح ٦٥.
(٢) الكافي ١ / ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، ح ١.
(٣) من المصدر.
(٤) ليس في المصدر : «بعد ما عمرها».
(٥) المصدر : يؤدي.
(٦) ب ، ح : فيحوزها.
(٧) من المصدر.
(٨) الكافي ١ / ٤٧١ ، ح ٥.
(٩) من المصدر.
بالسّلام ، ثمّ جلس.
فازداد هشام عليه حنقا بتركه السّلام عليه بالخلافة ، وجلوسه بغير إذن. فأقبل يوبّخه ، ويقول فيما يقول له : يا محمّد بن عليّ ، لا يزال الرّجل منكم قد شقّ عصا المسلمين ، ودعا إلى نفسه ، وزعم أنّه الإمام سفها وقلّة علم. ووبّخه بما أراد أن يوبّخه.
فلمّا سكت ، أقبل عليه القوم رجل بعد رجل يوبّخه حتّى انقضى آخرهم.
فلمّا سكت القوم ، نهض ـ عليه السّلام ـ قائما ، ثمّ قال : أيّها النّاس ، أين تذهبون ، وأين يراد بكم!؟ بنا هدى الله أوّلكم ، وبنا يختم (١) آخركم. فإن يكن لكم ملك معجّل ، فإنّ لنا ملكا مؤجّلا. وليس بعد ملكنا ملك ، لأنّا أهل العاقبة. يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
فأمر به إلى الحبس.
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
(قالُوا) ، أي : بنو إسرائيل.
(أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا) : بالرّسالة ، بقتل الأبناء.
(وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) ، أي : بإعادته.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : قال الّذين آمنوا لموسى (٣) : قد «أوذينا» قبل مجيئك ـ يا موسى (٤) ـ بقتل أولادنا. (وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) لمّا حبسهم فرعون لإيمانهم بموسى.
(قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) : تصريحا بما كنّى عنه أوّلا ، لمّا رأى أنّهم لم يتسلّوا بذلك. ولعلّه أتى بفعل الطّمع ، لعدم جزمه بأنّهم المستخلفون بأعيانهم أو أولادهم.
وقد روي (٥) : أنّ مصرا إنّما فتح لهم في زمن داود ـ عليه السّلام ـ.
(فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١٢٩) : فيرى ما تعملون من شكر وكفران وطاعة وعصيان ، ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم.
(وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ) : بالجدب ، لقلّة الأمطار والمياه. والسّنة.
__________________
(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يحكم.
(٢) تفسير القمّي ١ / ٢٣٧.
(٣) المصدر : يا موسى.
(٤) ليس في المصدر.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٤.
غلبت على عام القحط ، لكثرة ما يذكر عنه ويؤرّخ به ثمّ اشتقّ منها. فقيل (١) : أسنت (٢) القوم : إذا قحطوا.
(وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) : بكثرة العاهات.
(لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (١٣٠) : لكي يتنبّهوا على أنّ ذلك بشؤم كفرهم ومعاصيهم ، فيتّعظوا. أو لترقّ قلوبهم بالشّدائد ، فيفزعوا إلى الله ويرغبوا فيما عنده.
(فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ) : من الخصب والسّعة.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : قال : «الحسنة» ها هنا ، الصّحة والسّلامة والأمن والسّعة.
(قالُوا لَنا هذِهِ) : لأجلنا ، ونحن مستحقّوها (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) جدب وبلاء.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال : «السّيِّئة» هنا ، الجوع والخوف والمرض.
(يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) : يتشأموا بهم ، ويقولوا : ما أصابتنا إلّا بشؤمهم.
وهذا إغراق في وصفهم بالغباوة والقساوة. فإنّ الشّدائد ترقّق القلوب وتذلّل العرائك وتزيل التّماسك ، سيما بعد مشاهدة الآيات ، وهي لم تؤثّر فيهم بل زادوا عندها عتوّا وانهماكا في الغيّ.
وإنّما عرّف «الحسنة» وذكرها مع أداة التّحقيق ، لكثرة وقوعها وتعلّق الإرادة بإحداثها بالّذات ، ونكّر «السّيئة» وأتى بها مع حرف الشّكّ ، لندورها وعدم القصد بها إلّا بالتّبع.
(أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) ، أي : سبب خيرهم وشرّهم عنده ، وهو حكمه ومشيئته. أو سبب شؤمهم عند الله ، وهو أعمالهم المكتوبة عنده. فإنّها الّتي ساقت إليهم ما يسوءهم.
وقرئ (٥) : «إنّما طيرهم». وهو اسم الجمع.
وقيل : هو جمع.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٣١) : أنّ ما يصيبهم من الله ـ تعالى ـ. أو من
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٤.
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : آمنت.
(١ و ٤) ـ تفسير القمّي ١ / ٢٣٧.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٥.
شؤم أعمالهم.
(وَقالُوا مَهْما) أصلها «ما» الشّرطيّة ، ضمّت إليها «ما» المزيدة للتّأكيد ، ثمّ قلبت ألفها هاء استثقالا للتّكرير.
وقيل (١) : مركّبة من «مه» الّذي يصوت به الكاف ، و «ما» الجزائيّة.
ومحلّها الرّفع على الابتداء ، أو النّصب بفعل يفسّره (تَأْتِنا بِهِ) ، أي : أيّما شيء تحضرنا وتأتنا به.
(مِنْ آيَةٍ) : بيان «لمهما». وإنّما سمّوها : آية ، على زعم موسى لا لاعتقادهم.
ولذلك قالوا : (لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) (١٣٢) ، أي : لتسحر بها أعيننا وتشبه علينا.
والضّمير في «به» و «بها» «لمهما». ذكّره قبل التّبيين ، باعتبار اللّفظ. وأنّثه بعده ، باعتبار المعنى.
(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ) : ماء طاف بهم وغشى أماكنهم وحروثهم ، من مطر أو سيل.
وقيل (٢) : الجدري.
وقيل (٣) : الموتان.
وقيل (٤) : الطّاعون.
وفي تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل : ما الطّوفان؟
فقال : هو طوفان الماء والطّاعون.
(وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ).
قيل (٥) : هو كبار القردان.
وقيل : أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها.
(وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ).
نقل (٦) : أنّهم مطروا ثمانية أيّام في ظلمة شديدة ، لا يقدر أحد أن يخرج من بيته.
__________________
(١) نفس المصدر ، والموضع.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٥.
(٣) نفس المصدر ، والموضع.
(٤) نفس المصدر ، والموضع.
(١ و ٦) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٦٥.
ودخل الماء بيوتهم ، حتّى قاموا فيه إلى تراقيهم. وكانت بيوت بني إسرائيل مشتبكة ببيوتهم ، ولم تدخل فيها قطرة ماء (١). وركد على أراضيهم ، فمنعهم من الحرث والتّصرف فيها ودام ذلك عليهم أسبوعا.
فقالوا لموسى : ادع لنا ربّك يكشف عنّا ونحن نؤمن بك.
فدعا ، فكشف عنهم ونبت لهم من الكلأ والزّرع ما لم يعهد مثله ولم يؤمنوا.
فبعث الله عليهم الجراد ، فأكلت زروعهم وثمارهم ثمّ أخذت تأكل الأبواب والسّقوف والثّياب. ففزعوا إليه ثانيا. فدعا ، وخرج إلى الصّحراء وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب ، فرجعت إلى النّواحي الّتي جاءت منها ، فلم يؤمنوا.
فسلّط الله عليهم القمّل ، فأكل ما أبقاه الجراد. وكان يقع في أطعمتهم ويدخل بين أثوابهم وجلودهم ، فيمصّها. ففزعوا إليه ، فرفع عنهم.
فقالوا : قد تحقّقنا الآن أنّك ساحر.
ثمّ أرسل الله عليهم الضّفادع ، بحيث لا يكشف ثوب ولا طعام إلّا وجدت فيه.
وكانت تمتلى منها مضاجعهم ، وتثب إلى قدورهم وهي تغلي ، وإلى (٢) أفواههم عند التّكلم. ففزعوا إليه وتضرّعوا. فأخذ عليهم العهود ، ودعا. فكشف الله عنهم. فنقضوا العهود.
ثمّ أرسل الله عليهم الدّم ، فصارت مياههم دماء (٣). حتّى كان يجتمع القبطيّ مع الإسرائيليّ على إناء ، فيكون ما [يلي القبطي] (٤) دما وما يلي الإسرائيليّ ماء. ويمصّ الماء من فم الإسرائيليّ ، فيصير دما في فيه.
وقيل (٥) : سلّط الله عليهم الرّعاف.
(آياتٍ مُفَصَّلاتٍ) : مبيّنات ، لا يشكل على عاقل أنّها آيات الله ونعمته عليهم ، أو منفصلات.
قيل (٦) : لامتحان أحوالهم ، إذ كان بين كلّ اثنتين (٧) منها شهر. وكان امتداد كلّ
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) سقطت من المصدر.
(٣) المصدر : دما.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : يليه.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٥.
(٦) نفس المصدر ، والموضع.
(٧) المصدر : آيتين.
واحدة أسبوعا.
وقيل (١) : إنّ موسى لبث فيهم ، بعد ما غلب السّحرة ، عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل.
والّذي في الخبر الآتي : أنّ المهلة بين أكثر الآيات سنة.
(فَاسْتَكْبَرُوا) : على الإيمان.
(وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) (١٣٣) (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ) قيل (٢) : يعني : العذاب المفصّل. أو الطّاعون ، أرسله الله عليهم بعد ذلك.
وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : «الرّجز» هو الثّلج. ثمّ قال : خراسان بلاد رجز.
وفي مجمع البيان (٤) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : أنّه أصابهم ثلج أحمر لم يروه قبل ذلك ، فماتوا فيه وجزعوا. وأصابهم ما لم يعهدوه قبله.
(قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) : بعهدك عندك ، وهو النّبوّة أو بالّذي عهده إليك ، أن تدعو فيجيبك ، كما أجابك لآياتك.
وهو صلة «لادع» ، أو حال من الضّمير فيه. بمعنى : ادع الله متوسّلا إليه بما عهد عندك.
أو متعلّق بفعل محذوف دلّ عليه التماسهم ، مثل أسعفنا إلى ما نطلب منك بحقّ ما عهد عندك.
أو قسم مجاب بقوله : (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٣٤) ، أي : أقسمنا بعهد الله عندك «لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك ولنرسلنّ».
(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ) ، أي : حدّ من الزّمان هم بالغوه ، فمعذّبون فيه. أو مهلكون ، وهو وقت الغرق أو الموت.
وقيل (٥) : إلى أجل عيّنوه لإيمانهم.
__________________
(١) نفس المصدر ، والموضع.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٦.
(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٥ ، ح ٦٨.
(٤) مجمع البيان ٢ / ٤٦٩.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٦٦.