تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (١). وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) ، أي : نتركهم ، كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا.

وفي كتاب التّوحيد (٢) ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في تفسيره : يعني بالنّسيان : أنّه لم يثبهم ، كما يثيب أولياءه الّذين كانوا في دار الدّنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب. وقد يقول العرب في باب النّسيان : قد نسينا فلان فلا يذكرنا ، أي : أنّه لا يأمر لهم بخير ولا يذكرهم به.

(وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) (٥١) : ولما كانوا منكرين أنّها من عند الله.

(وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ) : بيّنّا معانيه من العقائد والأحكام والمواعظ مفصّلة.

(عَلى عِلْمٍ) : عالمين بوجه تفصيله حتّى جاء حكيما. وفيه دليل على أنّه ـ تعالى ـ عالم بعلمه. أو مشتملا على علم ، فيكون حالا من المفعول.

وقرئ (٣) : «فضّلناه» ، أي : على سائر الكتب ، عالمين بأنّه حقيق بذلك.

(هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥٢) : حال من «الهاء».

(هَلْ يَنْظُرُونَ) : هل ينتظرون.

(إِلَّا تَأْوِيلَهُ) : إلّا ما يؤول إليه أمره ، من تبيين صدقه بظهور ما نطق به من الوعد والوعيد.

(يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) : قبل يوم القيامة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : ذلك في قيام القائم ـ عليه السّلام ـ.

(يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ) : تركوه ترك النّاسي.

(قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) ، أي : قد تبيّن أنّهم جاؤوا بالحقّ.

(فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) : اليوم.

(أَوْ نُرَدُّ) : أو هل نردّ إلى الدّنيا؟

__________________

(١) الحشر / ١٩.

(٢) التوحيد / ٢٥٩ ـ ٢٦٠. أسقط المؤلف جملة من وسطه.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٥١.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦.

١٠١

وقرئ (١) ، بالنّصب ، عطفا على «فيشفعوا». أو لأنّ «أو» بمعنى : «إلى أن».

فعلى الأوّل المسئول أحد الأمرين. وعلى الثّاني المسئول أن يكون لهم شفعاء ، إمّا لأحد الأمرين أو لأمر واحد وهو الرّدّ.

(فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) : جواب الاستفهام الثّانيّ.

وقرئ (٢) ، بالرّفع ، أي : فنحن نعمل.

(قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) : بصرف أعمارهم في الكفر.

(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٥٣) : بطل عنهم ، فلم ينفعهم.

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) ، أي : في ستّة أوقات ، كقوله (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ). أو في مقدار ستّة أيّام ، فإنّ المتعارف في اليوم زمان طلوع الشّمس إلى غروبها ولم تكن حينئذ. وفي خلق الأشياء مدرجا مع القدرة على إيجادها دفعة ، دليل الاختيار واعتبار النّظام (٣) وحثّ على التأنيّ في الأمور.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال : في ستّة أوقات.

وفي الاحتجاج (٥) للطّبرسيّ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه : وأمّا قوله : (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) (٦) فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ذكره ـ أنزل عزائم الشّرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة ، كما خلق السّموات والأرض في ستّة أيّام. ولو شاء أن يخلقهما في أقلّ من لمح البصر ، لخلق. ولكنّه جعل الأناة والمداراة أمثالا (٧) لأنبيائه وإيجابا للحجّة على خلقه.

وفي عيون الأخبار (٨) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : وكان قادرا على أن يخلقهما في طرفة عين. ولكنّه ـ عزّ وجلّ ـ خلقها في ستّة أيّام ، ليظهر على الملائكة (٩) ما يخلقه منها شيئا بعد شيء ، فيستدلّ بحدوث ما يحدث على الله ـ تعالى ـ مرّة بعد مرّة.

وفي روضة الواعظين (١٠) ، للمفيد ـ رحمه الله ـ وروى أنّ اليهود أتت النّبيّ ـ صلّى الله

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٥١.

(٢) نفس المصدر ، والموضع.

(٣) ب : للنّظار.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٢٣٦.

(٥) الاحتجاج ١ / ٣٧٩.

(٦) سبأ / ٤٦. (٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : مثالا.

(٨) العيون ١ / ١٣٤ ـ ١٣٥ ، ضمن ح ٣٣.

(٩) المصدر : للملائكة. (١٠) روضة الواعظين / ٣٩٤.

١٠٢

عليه وآله ـ. فسألته عن خلق السّموات والأرض.

قال : خلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين. وخلق الجبال وما فيهنّ يوم الثّلاثاء. وخلق يوم الأربعاء الشّجر والماء والمدائن والعمران والخراب. وخلق يوم الخميس السّماء.

[وخلق يوم الجمعة النّجوم والشّمس والقمر و] (١) الملائكة.

قالت اليهود : ثمّ ما ذا يا محمّد؟

قال : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ).

وفيها (٢) قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : خلق الله الجنه يوم الخميس ، وسمّاه مؤنسا.

وفي الكافي (٣) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : أنّ الله خلق الخير يوم الأحد ، وما كان ليخلق الشّرّ قبل الخير. وفي [يوم] (٤) الأحد والإثنين خلق الأرضين ، وخلق أقواتها يوم الثّلاثاء. وخلق السّموات يوم الأربعاء ويوم الخميس ، وخلق أقواتها يوم الجمعة.

وذلك قوله ـ تعالى ـ : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ).

قيل (٥) : هذه الآية المشتملة على قوله : «وما بينهما» إنّما هي في سورة الفرقان وفي سورة السّجدة التّالية للقمان. ويستفاد منها ومن هذا الحديث وأمثاله ممّا ورد من هذا القبيل ، أنّ «ما بينهما» ـ أيضا ـ داخل في المقصود من الآية الّتي نحن بصدد تفسيرها.

وفي الكافي (٦) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق الدّنيا في ستّة أيّام ، ثمّ اختزلها عن أيّام السّنة. والسنّة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما.

وفي من لا يحضره الفقيه (٧) والتّهذيب (٨) ، عنه ـ عليه السّلام ـ : أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق السنّة ثلاثمائة وستّين يوما ، وخلق السّموات والأرض في ستّة أيّام ، فحجزها من ثلاثمائة وستّين يوما. فالسّنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما. (الحديث).

__________________

(١) من الهامش.

(٢) روضة الواعظين / ٣٩٤.

(٣) الكافي ٨ / ١٤٥ ، ح ١١٧.

(٤) من المصدر.

(٥) تفسير الصافي ٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٦) الكافي ٤ / ٧٨ ، صدر ح ٢.

(٧) الفقيه ٢ / ١١١ ، ضمن ح ٤٧٢.

(٨) التهذيب ٤ / ١٧١ ـ ١٧٢ ، ضمن ح ٤٨٤.

١٠٣

وفي كتاب الخصال (١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ تعالى ـ خلق الشهور اثني عشر شهرا. وهو ثلاثمائة وستّون يوما. فحجز (٢) منها ستّة أيّام خلق فيها السّموات والأرض ، فمن ثمّ تقاصرت الشّهور.

عن بكر بن عليّ (٣) بن عبد العزيز (٤) ، عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن السّنة ، كم يوما هي؟

قال : هي ثلاثمائة وستّون يوما. منها ستّة أيّام خلق الله فيها السّموات والأرض ، فطرحت من أصل السنّة ، فصارت السنّة ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوما.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ ما يقرب منه.

قيل (٦) : فإن قيل : إنّ الأيّام إنّما تتقدّر وتتمايز بحركة الفلك ، فكيف خلقت السّموات والأرض في الأيّام المتمايزة قبل تمايزها؟ قلنا : مناط تمايز الأيّام وتقدّرها ، إنّما هو حركة الفلك الأعلى دون السّموات السّبع [والمخلوق في الأيّام المتمايزة ، إنّما هو السموات السبع] (٧) والأرض وما بينهما [دون ما فوقها] (٨) ولا يلزم من ذلك خلاء لتقدّم الماء الّذي خلق منه الجميع على الجميع.

وفيه نظر. لأنّ مناط تقدّر الزّمان ، إنّما هو الفلك الأعلى. وأمّا مناط تقدّر الأيّام ، فإنّما هو الشّمس المنوط بغيره من الأفلاك. فافهم. وليعلم أنّ هذه الآية وأمثال هذه الأخبار من المتشابهات ، الّتي تأويلها عند الرّاسخين في العلم.

(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ).

في كتاب الاحتجاج (٩) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : استوى تدبيره وعلا أمره.

وعن أبي الحسن موسى (١٠) ـ عليه السّلام ـ : استولى على ما رقّ (١١) وجلّ.

__________________

(١) الخصال / ٤٨٦ ، ح ٦٢.

(٢) المصدر : فحجر.

(٣) نفس المصدر / ٦٠٢ ، صدر ح ٧.

(٤) المصدر ، أ ، ب ، ر : عن بكر بن عليّ بن عبد العزيز.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ١٢٠ ، ح ٧.

(٦) تفسير الصافي ٢ / ٢٠٤.

(١ و ٨) ـ من المصدر.

(٩) الاحتجاج ١ / ٣٧٣.

(١٠) نفس المصدر ٢ / ١٥٧.

(١١) المصدر : دقّ.

١٠٤

وفي الكافي (١) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : ثمّ استوى على كلّ شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء.

وفي رواية أخرى (٢) : استوى في كلّ شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء. لم يبعد منه بعيد ولم يقرب منه قريب ، استوى (٣) في كلّ شيء.

قيل (٤) : قد يراد «بالعرش» الجسم المحيط بجميع الأجسام. وقد يراد به ذلك الجسم مع جميع ما فيه من الأجسام ، أعني : العالم الجسمانيّ بتمامه. وقد يراد به ذلك المجموع مع جميع ما يتوسّط بينه وبين الله ـ سبحانه ـ من الأرواح الّتي لا تتقوّم الأجسام إلّا بها ، أعني : العوالم كلّها بتمامها بملكها وملكوتها وجبروتها ، وبالجملة ما سوى الله ـ عزّ وجلّ ـ. وقد يراد علم الله ـ سبحانه ـ المتعلّق بما سواه. وقد يراد به علم الله الّذي اطّلع عليه أنبياؤه ورسله وحججه ـ صلوات الله عليهم ـ. وقد وقعت الإشارة إلى كلّ منها في كلامهم ـ عليهم السّلام ـ. وربّما يفسّر بالملك. و «الاستواء» بالاحتواء ، كما يأتي في سورة «طه» ويرجع إلى ما ذكر.

ثمّ قال (٥) : أقول : فسّر الصّادق ـ عليه السّلام ـ «الاستواء» في روايات الكافي باستواء النّسبة ، و «العرش» بمجموع الأشياء.

ضمّن الاستواء [في الرواية الأولى] (٦) ما يتعدّى «بعلى» ، كالاستيلاء والإشراف ونحوهما لموافقة القرآن. فيصير المعنى : استوى نسبته إلى كلّ شيء حال كونه مستوليا على الكلّ. ففي الآية دلالة على نفي المكان عنه ـ سبحانه ـ خلاف ما يفهمه الجمهور منها.

وفيها ـ أيضا ـ إشارة إلى معيّته (٧) القيّوميّة واتّصاله المعنويّ بكلّ شيء على السّواء ، على الوجه الّذي لا ينافي أحديّته وقدس جلاله. وإلى إفاضة الرّحمة العامّة على الجميع على نسبة واحدة ، وإحاطة علمه بالكلّ على نحو واحد ، وقربه من كلّ شيء على نهج سواء.

وأتى بلفظة «من» في الرّواية الثّانية ، تحقيقا لمعنى الاستواء في القرب والبعد.

وبلفظة «في» في الثّالثة ، تحقيقا لمعنى ما يستوي فيه.

__________________

(١) الكافي ١ / ١٢٧ ـ ١٢٨ ، ح ٦ و ٧.

(٢) نفس المصدر والمجلّد / ١٢٨ ، ح ٨.

(٣) ب : استولى.

(٤) تفسير الصافي ٢ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٥) يعني صاحب الصافي.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي ب : معيّة. وفي سائر النسخ : معنى.

١٠٥

وأمّا اختلاف المقرّبين ، كالأنبياء والأولياء مع المبعدين ، كالشّياطين والكفّار في القرب والبعد ، فليس ذلك من قبله ـ سبحانه ـ بل من جهة تفاوت أرواحهم في ذواتها.

وفي التّوحيد (١) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث الجاثليق قال : إنّ الملائكة تحمل العرش. وليس العرش كما تظنّ كهيئة السّرير ، ولكنّه شيء [محدود] (٢) مخلوق مدبّر وربّك ـ عزّ وجلّ ـ مالكه. لا أنّه عليه ، ككون الشّيء على الشّيء.

(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) : يغطّيه به. ولم يذكر عكسه للعلم به ، أو لأنّ اللّفظ يحتملها. ولذلك قرئ (٣) بنصب «اللّيل» وبرفع «النّهار».

وقرأ (٤) حمزة والكسائيّ ويعقوب وأبو بكر عن عاصم ، بالتّشديد ، فيه وفي الرّعد للدّلالة على التّكرار. والجملة في موضع الحال من فاعل «خلق». ويحتمل كونها خبرا بعد خبر ل «إنّ».

وإيراد الخبرين مختلفين بالمضيّ والمضارعة ، للتّنبيه على تقدّم أحدهما على الآخر.

(يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) : يعقبه سريعا ، كالطّالب له لا يفصل بينهما شيء.

و «الحثيث» فعيل ، من الحثّ. وهو صفة مصدر محذوف. أو حال من الفاعل بمعنى : حاثّا. أو المفعول بمعنى : محثوثا.

(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) : بقضائه وتصريفه. ونصبها بالعطف على «السّموات». ونصب «مسخرات» على الحال.

وقرأ (٥) ابن عامر كلّها ، بالرّفع ، على الابتداء والخبر.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) ، بإسناده إلى عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفي آخره : وقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : الأرض مسيرة خمسمائة سنة ، الخراب منها مسيرة أربعمائة عام والعمران منها مسيرة مائة عام. والشّمس ستّون فرسخا في ستّين فرسخا. والقمر أربعون فرسخا في أربعين فرسخا. بطونهما يضيئان لأهل السّماء ، وظهورهما لأهل الأرض. والكواكب ، كأعظم جبل على الأرض. وخلق

__________________

(١) التوحيد / ٣١٦ ، ضمن ح ٣.

(٢) من المصدر.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٥١.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٢.

(٦) تفسير القمّي ٢ / ١٧.

١٠٦

الشّمس قبل القمر.

وقال سلام بن المستنير : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : لم صارت الشّمس أحرّ من القمر؟

قال : إنّ الله خلق الشّمس من نور النّار وصفو الماء ، طبق من هذا وطبق من هذا ، حتّى إذا صارت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار. فمن هنالك صارت [الشّمس] (١) أحرّ من القمر.

قلت : فالقمر.

قال : إنّ الله خلق القمر من ضوء نور النّار وصفو الماء ، طبق من هذا وطبق من هذا ، حتّى إذا صارت سبعة أطباق ألبسها لباسا من ماء. فمن هنالك صار القمر أبرد من الشّمس.

(أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) : فإنّه الموجد والمتصرّف ، إذ له عالم الأجسام وعالم الأرواح.

(تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٥٤) : تعالى بالوحدانيّة في الألوهيّة ، وتعظّم بالتّفرّد في الرّبوبيّة ، لكونه ـ تعالى ـ متباركا بكلّ ما هو من لوازم الألوهيّة وخصائص الرّبوبيّة. فإنّه خلق العالم على ترتيب قويم وتدبير حكيم ، كما فصّله أوّلا وأجمله ثانيا في قوله ـ تعالى ـ : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ).

وفي الخرائج والجرائح (٢) : قال أبو همام : سأل محمّد بن صالح أبا محمّد ـ عليه السّلام ـ عن قوله ـ تعالى ـ : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (٣).

فقال : له الأمر من قبل أن يأمر به ، وله الأمر من بعد أن يأمر به ممّا يشاء.

فقلت في نفسي : هذا قول الله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ).

فأقبل عليّ وقال : هو كما أسررت في نفسك (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ).

وفي أصول الكافي (٤) : محمّد بن يحيى ، عن عبد الله بن جعفر ، عن السّيّاريّ ، عن

__________________

(١) من المصدر.

(٢) نور الثقلين ٢ / ٤٠ ، ح ١٦١ عنه.

(٣) الروم / ٤.

(٤) الكافي ٢ / ٦٢٥ ـ ٦٢٦ ، ضمن ح ٢١.

١٠٧

محمّد بن بكر (١) ، عن أبي الجارود ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : من بات بأرض قفر فقرأ هذه الآية (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) إلى قوله : (تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) ، حرسته الملائكة وتباعدت عنه الشّياطين.

قال : فمضى الرّجل ، فإذا هو بقرية خراب فبات فيها ولم يقرأ هذه الآية.

فتغشّاه الشّيطان (٢) ، فإذا هو آخذ بخطمه (٣). فقال له صاحبه : أنظره. واستيقظ الرّجل ، فقرأ الآية. فقال الشّيطان لصاحبه : أرغم الله أنفك واحرسه الآن حتّى يصبح.

فلمّا أصبح رجع إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وأخبره ، وقال له : رأيت في كلامك الشّفاء والصّدق. ومضى بعد طلوع الشّمس ، فإذا هو بأثر (٤) شعر الشّيطان مجتمعا في الأرض.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي من لا يحضره الفقيه (٥) ، في وصيّة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ : يا عليّ ، من يخاف ساحرا أو شيطانا ، فليقرأ : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (الآية).

(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) ، أي : ذوي تضرّع وخفية. فإنّ الإخفاء أدعى إلى الإخلاص.

ويجوز أن يكون التّقدير : دعوة تضرّع وخفية.

وفي أصول الكافي (٦) ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : دعاء التّضرّع ، أن تحرّك أصبعك السّبّابة ممّا يلي وجهك. وهو دعاء الخفية (٧) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٥٥) : المجاوزين ما أمروا به في الدّعاء وغيره.

وفي مجمع البيان (٨) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه كان في غزاة ، فأشرف (٩)

__________________

(١) ج : محمد بن كثير.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : الشياطين.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : بعظمه. والخطم من كل دابّة : مقدّم أنفه وفمه.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : باشر.

(٥) الفقيه ٤ / ٢٦٩.

(٦) الكافي ٢ / ٤٨١ ، ذيل ح ٥.

(٧) المصدر : الخيفة.

(٨) المجمع ٢ / ٤٢٩.

(٩) المصدر : فأشرفوا.

١٠٨

على واد. فجعل النّاس يهلّلون ويكبّرون ويرفعون أصواتهم.

فقال : أيّها النّاس ، أربعوا (١) على أنفسكم. أما إنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا ، إنّكم تدعون سميعا قريبا ، إنّه معكم.

وفي مصباح الشّريعة (٢) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : استعن بالله في جميع أمورك متضرّعا إليه آناء اللّيل والنّهار. قال الله ـ تعالى ـ : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).

ولا يخفى دلالة الآية والخبر. على أنّ الإجهار المفرط بالدّعاء وغيره ، اعتداء لا يحبّه الله. والّذي يحبّه هو الإخفاء والتّضرّع. فالّذين ينتحبون إلى الله بالتّرنّم بالأصوات والإجهار بالأشعار والأبيات ، عن الصّراط لناكبون ، ولطريق الاعتداء سالكون.

(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) : بالكفر والمعاصي.

(بَعْدَ إِصْلاحِها) : ببعث الأنبياء ، ونصب الأوصياء ، وشرع الأحكام.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : أصلحها برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فأفسدوها حين تركوا أمير المؤمنين [وذريته ـ عليهم السّلام ـ] (٤).

(وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) : ذوي خوف من الرّدّ لقصور أعمالكم وعدم استحقاقكم ، وطمع في إجابته تفضّلا وإحسانا لفرط رحمته.

(إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٦) : ترجيح للطّمع ، وتنبيه على ما يتوصّل به إلى الإجابة ، وتذكير قريب ، لأنّ الرّحمة ، بمعنى : الرّحم. أو لأنّه صفة محذوف ، أي : أمر قريب. أو على تشبيهه بفعيل ، الّذي بمعنى : المفعول. أو الّذي هو مصدر ، كالنّقيض. أو للفرق بين القريب من النّسب والقريب من غيره.

(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) وقرأ (٥) ابن كثير وحمزة والكسائيّ : «الرّيح» على الوحدة.

(بُشْراً) : جمع ، بشور ، بمعنى : باشر.

__________________

(١) أربع على نفسك أي : توقّف.

(٢) مصباح الشريعة / ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٢٣٦.

(٤) من المصدر.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٢.

١٠٩

وقرأ (١) ابن عامر : «نشرا» بالتّخفيف حيث وقع. وحمزة والكسائيّ : «نشرا» بفتح النّون حيث وقع ، على أنّه مصدر في موضع الحال ، بمعنى : ناشرات. أو مفعول مطلق ، فإنّ الإرسال والنّشر متقاربان.

وعاصم : «بشرا». وهو تخفيف «بشر». جمع ، بشير. وقد قرئ به. و «بشرا» بفتح الباء مصدر ، بشره ، أي : باشرات. أو للبشارة.

(بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) : قدّام رحمته ، يعني : المطر. فإنّ الصّبا تثير السّحاب ، والشّمال تجمعه ، والجنوب تحلبه ، والدّبور تفرّقه.

(حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ) ، أي : حملت. واشتقاقه من القلّة ، فإنّ المقلّ للشّيء يستقلّه.

(سَحاباً ثِقالاً) : بالماء.

و «السّحاب» اسم جمع ، بمعنى : السّحائب.

(سُقْناهُ) ، أي : السّحاب. وإفراد الضّمير ، باعتبار اللّفظ. وفيه تلوين الخطاب.

(لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) : لأجله ولإحيائه ، أو لسقيه.

وقرئ (٢) : «ميت».

(فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ) : بالبلد ، أو بالسّحاب ، أو بالسّوق ، أو بالرّيح. وكذلك (فَأَخْرَجْنا بِهِ).

ويحتمل فيه عود الضّمير إلى الماء. وإذا كان للبلد ، فالباء للإلصاق في الأوّل ، وللظّرفيّة في الثّاني. وإذا كان لغيره ، فهي للسّببية.

(مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) : من كلّ أنواعها.

(كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى) : الإشارة فيه إلى إخراج الثّمرات ، أو إلى إحياء البلد الميّت ، أي : كما نحييه بإحداث القوّة النّباتيّة (٣) فيه وتطرئتها بأنواع النّبات والثّمرات ، نخرج الموتى من الأجداث ونحييها بردّ النّفوس إلى موادّ أبدانها بعد جمعها وتجزءتها بالقوى والحواسّ.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٣ : القوّة النامية.

١١٠

(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٥٧) : فتعلمون أنّ من قدر على ذلك ، قدر على هذا.

(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ) : الأرض الكريمة التّربة.

(يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) : بأمره وتيسيره. عبّر به عن كثرة النّبات وحسنه وغزارة نفعه ، بقرينة المقابلة.

(وَالَّذِي خَبُثَ) ، كالحرّة (١) والسّبخة.

(لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) : قليلا ، عديم النّفع. ونصبه على الحال.

وتقدير الكلام : والبلد الّذي خبث لا يخرج نباته إلّا نكدا. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فصار مرفوعا مستترا.

وقرئ (٢) : «يخرج» ، أي : يخرجه البلد. فيكون «إلّا نكدا» مفعولا. ونكدا على المصدر ، أي : ذا نكد. أو بالإسكان ، للتّخفيف.

(كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) : نردّدها ونكررّها.

(لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) (٥٨) : نعمة الله. فيتفكّرون فيها ، ويعتبرون بها.

قيل (٣) : والآية مثل لمن تدبّر في الآيات وانتفع بها ، ولمن لم يرفع إليها رأسا ولم يتأثّر بها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : [وهو] (٥) مثل للأئمّة ـ عليهم السّلام ـ يخرج علمهم بإذن ربّهم. «و [الذي خبث» مثل] (٦) لأعدائهم. «لا يخرج» علمهم إلّا «نكدا» كذبا (٧) فاسدا.

وفي كتاب المناقب (٨) لابن شهر آشوب قال عمرو بن العاص للحسين ـ عليه السّلام ـ ما بال لحاكم أوقر من لحانا (٩)؟

فقرأ هذه الآية.

(لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) : جواب قسم محذوف. ولا تكاد تطلق هذه

__________________

(١) الحرّة : أرض ذات حجارة سود ، كأنها أحرقت.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٣.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٣.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٢٣٦.

(١ و ٦) ـ من المصدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : «كدرا» بدل نكدا كذبا.

(٨) المناقب ٤ / ٦٧.

(٩) المصدر : ما بال لحائكم أوفر من لحائنا؟

١١١

«اللّام» إلّا مع «قد» ، لأنّها مظنّة التّوقّع. فإن المخاطب إذا سمعها ، توقّع وقوع ما صدر بها.

قيل (١) : هو نوح بن لمك بن متوشلخ بن إدريس. أوّل نبيّ بعث بعده. وهو ابن خمسين سنة ، أو أربعين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : روي في الخبر ، أنّ اسم نوح عبد الغفّار. وإنّما سمّي : نوحا ، لأنّه كان ينوح على نفسه.

وفي علل الشّرائع (٣) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ مثله.

قال (٤) : وفي رواية اسمه عبد الأعلى.

وفي (٥) أخرى : عبد الملك.

وفي رواية (٦) : إنّما سمّي : نوحا ، لأنّه بكى خمسمائة عام.

وفي روضة الكافي (٧) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل (٨) ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر (٩) ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : وبشّر آدم بنوح ـ عليه السّلام ـ. فقال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ باعث نبيّا اسمه نوح ، وأنّه يدعو إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ. ويكذّبه قومه ، فيهلكهم الله بالطّوفان. وكان بين آدم وبين نوح ـ عليه السّلام ـ عشرة آباء ، أنبياء وأوصياء كلّهم. وأوصى آدم ـ عليه السّلام ـ إلى هبة الله : أنّ من أدركه منكم فليؤمن به وليتّبعه وليصدّق به ، فإنّه ينجو من الغرق. ثمّ أنّ آدم ـ عليه السّلام ـ مرض المرضة الّتي مات فيها ـ إلى قوله : ثمّ أنّ هبة الله لمّا دفن أباه ، أتاه قابيل.

فقال : يا هبة الله ، إنّي قد رأيت أبي آدم قد خصّك من العلم ما لم أخصّ به أنا. وهو العلم الّذي دعا به أخوك هابيل فقبل قربانه. وإنّما قتلته ، لكي لا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي ، فيقولون : نحن أبناء الّذي تقبّل قربانه ، وأنتم أبناء الّذي

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٣.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٢٨.

(٣) العلل / ٢٨ ، ح ١.

(٤) نفس المصدر والصفحة ، ح ٣.

(٥) نفس المصدر والصفحة ، صدر ح ٢.

(٦) نفس المصدر والصفحة ، تتمة ح ٢ وأيضا تتمة ح ٣.

(٧) الكافي ٨ / ١١٤ ـ ١١٥ ، ضمن ح ٩٢.

(٨) ب : محمد بن الفضل.

(٩) ب : أبي عبد الله.

١١٢

ترك قربانه. فإنّك إن أظهرت من العلم الّذي اختصّك به أبوك شيئا قتلتك ، كما قتلت أخاك هابيل.

فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث النّبوّة وآثار علم النّبوّة ، حتّى بعث الله نوحا ـ عليه السّلام ـ وظهرت وصيّة هبة الله حين نظروا في وصيّة آدم ، فوجدوا نوحا ـ عليه السّلام ـ نبيّا قد بشر به آدم ـ عليه السّلام ـ. فآمنوا به واتّبعوه وصدّقوه.

وكان آدم ـ عليه السّلام ـ وصّى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصيّة عند رأس كلّ سنة فيكون يوم عيدهم ، ويتعاهدون نوحا وزمانه الّذي يخرج فيه. وكذلك جاء في وصيّة كلّ نبيّ حتّى بعث الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وإنّما عرفوا نوحا بالعلم الّذي عندهم.

وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) (إلى آخر الآية). وكان من بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين. ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسمّوا ، كما سمّي من استعلن من الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ.

وفي مجمع البيان (١) : روى الشّيخ أبو جعفر بن بابويه ، بإسناده في كتاب النّبوّة ، مرفوعا إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أن بعث الله ـ عزّ وجلّ ـ نوحا ، دعا قومه علانية. فلمّا سمع عقب هبة الله من نوح تصديق ما في أيديهم من العلم وعرفوا أنّ العلم الّذي في أيديهم هو العلم الّذي جاء به نوح ، صدّقوه وسلّموا له. فأمّا ولد قابيل فإنّهم كذّبوه ، وقالوا : إنّ الجنّ كانت قبلنا ، فبعث الله إليهم ملكا. فلو أراد الله أن يبعث إلينا ، لبعث إلينا ملكا من الملائكة.

وفي تفسير العسكري ـ عليه السّلام ـ : كانت شريعة نوح ، أن يعبد الله بالتّوحيد والإخلاص وخلع الأنداد. وهي الفطرة الّتي فطر النّاس عليها. وأخذ الله ميثاقه على نوح والنّبيّين أن يعبدوا الله ، ولا يشركوا به شيئا. وأمر بالصّلاة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والحلال والحرام ، ولم يفرض عليهم أحكام حدود ولا فرض مواريث.

(فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) ، أي : اعبدوه وحده ، لقوله : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).

__________________

(١) المجمع ٢ / ٤٣٤.

١١٣

وقرأ (١) الكسائي : «غيره» بالجرّ [نعتا أو بدلا] (٢) على اللّفظ.

وقرئ (٣) ، بالنّصب ، على الاستثناء.

(إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (٥٩) : إن لم تؤمنوا. وهو وعيد وبيان للدّاعي إلى عبادته ـ تعالى ـ.

و «اليوم» يوم القيامة ، أو يوم نزول الطّوفان.

(قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) ، أي : الأشراف. فإنّهم يملئون العيون رواء.

(إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ) : زوال عن الحقّ والصّواب.

(مُبِينٍ) (٦٠) : بيّن.

(قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) : بالغ في النّفي ، كما بالغوا في الإثبات ، وعرّض لهم به.

(وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٦١) : استدرك باعتبار ما يلزمه وهو كونه على هدى ، كأنّه قال : ولكنّي على هدى في الغاية ، لأنّي رسول من الله.

(أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٦٢) :

صفات لرسول ، أو استئناف. ومساقها على الوجهين ، لبيان كونه رسولا.

وقرأ (٤) أبو عمرو : «أبلغكم» بالتّخفيف.

وجمع «الرّسالات» لاختلاف أوقاتها ، أو لتنوّع معانيها ، كالعقائد والمواعظ والأحكام. أو لأنّ المراد بها ما أوحى إليه وإلى الأنبياء قبله ، كصحف شيث وإدريس.

وزيادة «اللّام» للدّلالة على إمحاض النّصح لهم.

وفي (أَعْلَمُ مِنَ اللهِ) تقرير لما أوعدهم به. فإنّ معناه : أعلم من قدرته وشدّة بطشه ، أو من جهته بالوحي أشياء لا علم لكم بها.

(أَوَعَجِبْتُمْ) «الهمزة» للإنكار. و «الواو» للعطف على محذوف ، أي : أكذّبتم وعجبتم.

(أَنْ جاءَكُمْ) : من أن جاءكم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٣.

(٢) من المصدر.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٤.

١١٤

(ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) : رسالة ، أو موعظة.

(عَلى رَجُلٍ) : على لسان رجل.

(مِنْكُمْ) : من جملتكم ، أو من جنسكم. فإنّهم كانوا يتعجّبون من إرسال البشر ، ويقولون : (لَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ).

(لِيُنْذِرَكُمْ) : ليحذّركم عاقبة الكفر والمعاصي.

(وَلِتَتَّقُوا) : منهما ، بسبب إنذاره.

(وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٦٣) : بالتّقوى.

وفي إيراد حرف التّرجّي ، تنبيه على أنّ التّقوى غير موجب ، وأن المتّقي لا ينبغي أن يعتمد على تقواه ولا يأمن سوء العاقبة.

(فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ) : وهم من آمن به.

قيل (١) : كانوا أربعين رجلا ، وأربعين امرأة.

وقيل (٢) : تسعة ، بنو سام وحام ويافث ، وستّة ممّن آمن به.

(فِي الْفُلْكِ) : متعلّق «بمعه» ، أو «بأنجينا». أو حال من الموصول ، أو الضّمير في «معه».

(وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) : بالطّوفان.

(إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) (٦٤) : عمي القلب ، غير مستبصرين. وأصله «عميين» ، فخفّف.

وقرئ : «عامين». والأوّل أبلغ ، لدلالته على الثّبات. ويأتي تمام قصّة نوح ـ على نبيّنا وعليه السّلام ـ في سورة هود إن شاء الله ـ تعالى ـ.

(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ) : عطف على «نوحا إلى قومه».

(هُوداً) : عطف بيان «لأخاهم». والمراد به الواحد منهم ، كقولهم : يا أخا العرب. وإنّما جعل منهم ، لأنّهم أفهم لقوله وأعرف بحاله وأرغب في اقتفائه (٣).

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن يحيى بن المساور (٥) الهمدانيّ ، عن أبيه : جاء رجل من

__________________

(١ و ٢) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٥٤.

(٣) ب : اقتضائه.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٠ ، ح ٥٣.

(٥) كذا في المصدر وجامع الرواة ٢ / ٣٣٩. وفي النسخ : يحيى بن المثاور.

١١٥

أهل الشّام [إلى عليّ بن الحسين] (١) فقال : أنت عليّ بن الحسين؟

قال : نعم.

قال : جدّك الّذي قتل المؤمنين؟

فبكى عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ ثمّ مسح عينه ، فقال : ويلك ، كيف قطعت على جدّي أنّه قتل المؤمنين؟

قال : إخواننا قد بغوا علينا فقاتلناهم على بغيهم.

فقال : ويلك ، أما تقرأ القرآن؟

قال : بلى.

قال : فقد قال الله : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) (٢). (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً).

(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً). فكانوا إخوانهم في دينهم ، أو إخوانهم في عشيرتهم؟

فقال الرّجل : لا بل في عشيرتهم.

قال : فهؤلاء إخوانهم في عشيرتهم ، وليسوا إخوانهم في دينهم.

قال : فرّجت عنّي ، فرّج الله عنك.

وفي رواية أخرى (٣) قال : فأهلك الله عادا ، وأنجى هودا. وأهلك ثمودا ، وأنجى صالحا.

وفي كتاب الاحتجاج (٤) ، عن عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل.

وفيه : لقد علمت صاحبة الحرب (٥) والمستحفظون من آل محمّد ، أنّ أصحاب الجمل وأصحاب صفّين وأصحاب النّهروان لعنوا على لسان النّبيّ الأمّيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وقد خاب من افترى.

فقال شيخ من أهل الكوفة : يا عليّ بن الحسين ، إنّ جدّك كان يقول : لإخواننا بغوا علينا.

فقال علي بن الحسين ـ عليه السّلام ـ : أما تقرأ كتاب الله

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الآية ليست في المصدر.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٥٢ ، ذيل ح ٤٣ ببعض التصرف.

(٤) الاحتجاج ٢ / ٤٠.

(٥) المصدر : الجدب. كذا في النسخ والمصدر. ولعله كناية

١١٦

(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً). أنّهم مثله نجّى الله (١) ـ عزّ وجلّ ـ هودا والّذين معه ، وأهلك عادا بالرّيح العقيم.

قيل (٢) : إنّه هود بن عبد الله بن رياح (٣) بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام [بن نوح] (٤).

وقيل (٥) : هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح.

[وقيل (٦) : هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام] (٧) بن عمّ أبي عاد.

وفي روضة الكافي (٨) : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه يقول : وبشّر نوح ساما بهود. فكان فيما بين نوح وهود أنبياء. وقال نوح : إنّ الله باعث نبيّا يقال له : هود. وإنّه يدعو قومه إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ فيكذّبونه. وإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يهلكهم بالرّيح. فمن أدركه منكم ، فليؤمن به وليتّبعه. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ ينجيه من عذاب الرّيح.

وأمر نوح ـ عليه السّلام ـ ابنه ساما أن يتعاهد هذه الوصيّة عند رأس كلّ سنة ، فيكون حينئذ عيدا لهم. فيتعاهدون فيه ما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر ومواريث العلم و [آثار] (٩) علم النّبوّة. فوجدوا هودا نبيّا ـ عليه السّلام ـ قد بشرّ به إبراهيم و (١٠) نوح ـ عليه السّلام ـ. فآمنوا به واتّبعوه وصدّقوه ، فنجوا من عذاب الرّيح. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً). وقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ ، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) (١١).

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (١٢) ، بإسناده إلى عليّ بن سالم : عن أبيه قال : قال الصّادق جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ : لمّا حضرت نوحا (١٣) الوفاة ، دعا الشّيعة. فقال لهم : اعلموا أنّه سيكون من بعدي غيبة يظهر فيها الطّواغيت. وأنّ الله

__________________

(١) المصدر : فهم مثلهم ، أنجى الله.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٤.

(٣) المصدر : رباح.

(٤) من المصدر.

(١ و ٦) ـ نفس المصدر والموضع.

(٧) من المصدر.

(٨) الكافي ٨ / ١١٥ ـ ١١٦ ، ضمن ح ٩٢.

(٩) من المصدر.

(١٠) المصدر : «أبوهم» بدل «إبراهيم و».

(١١) الشعراء / ١٢٣ ـ ١٢٤.

(١٢) كمال الدين / ١٣٥ ، صدر ح ٤.

(١٣) ليس في «ب» : نوحا.

١١٧

ـ عزّ وجلّ ـ سيفرّج عنكم بالقائم من ولدي اسمه هود ، له سمت وسكينة ووقار ، يشبهني في خلقي وخلقي.

وبإسناده (١) إلى عبد الحميد بن أبي الدّيلم ، عن الصّادق أبي عبد الله جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ : أنّ هودا لمّا بعثه الله ـ عزّ وجلّ ـ سلّم له العقب من ولد سام. وأمّا الآخرون فقالوا : من أشدّ منّا قوّة ، فأهلكوا بالرّيح العقيم. وأوصاهم هود وبشّرهم بصالح.

وفيه (٢) ، بإسناده إلى محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثّمالي ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. فيه : أنّ الأنبياء (٣) بعثوا خاصّة وعامّة.

أمّا هود ، فإنّه أرسل إلى عاد بنبوّة خاصّة.

(قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) : استأنف به ولم يعطف ، كما في قصّة نوح. كأنّه جواب سائل قال : فما قال لهم حين أرسل؟ وكذلك جوابهم في القصّتين.

(أَفَلا تَتَّقُونَ) (٦٥) : عذاب الله.

ووصف الملأ في (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) : إذ كان من أشرافهم من آمن به ، كمرثد بن سعد. على ما نقل.

(إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) : متمكّنا في خفّة عقل راسخا فيها ، حيث فارقت دين قومك.

(وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٦٦) : فيما تقوله.

(قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٦٧).

(أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ) : فيما أدعوكم من توحيد الله وطاعته.

(أَمِينٌ) (٦٨) : ثقة مأمون في تأدية الرّسالة ، فلا أكذب ولا أغيّر.

وفي تفسير العيّاشي (٤) : وقال سليمان : قال سفيان : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما يجوز (٥) أن يزكّي الرّجل نفسه؟

قال : نعم ، إذا اضطر إليه. أما سمعت قول يوسف :

__________________

(١) كمال الدين / ١٣٦ ، ح ٥.

(٢) نفس المصدر / ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : الأوصياء.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ١٨١ ، ح ٤٠.

(٥) ب : أيجوز.

١١٨

(اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (١). وقول العبد الصّالح : (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ).

(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ) : مرّ تفسيره.

وفي إجابة الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ الكفرة عن كلماتهم الحمقاء بما أجابوا والإعراض عن مقابلتهم بمثلها ، مع علمهم بأنّهم أضلّ الخلق وأسفههم ، أدب حسن.

وحكاية الله ذلك ، تعليم لعباده كيف يخاطبون السّفهاء ويدارونهم. وفي قوله (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) ، تنبيه على أنّهم عرفوه بالأمرين.

(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ).

قيل (٢) : أي : في مساكنهم [من رمل عالج إلى شجر عمّان] (٣). أو في الأرض ، بأن جعلكم ملوكا. فإنّ شدّاد بن عاد ممّن ملك معمورة الأرض (٤).

وقيل (٥) : أو خلّفتموهم في الأرض بعد هلاكهم بالعصيان.

خوّفهم من عقاب الله ، ثمّ ذكّرهم بإنعامه.

(وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) : قامة وقوّة.

وفي مجمع البيان (٦) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : كانوا كالنّخل الطّوال. وكان الرّجل منهم ينحو الجبل بيده ، فيهدم منه قطعة.

(فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٦٩) : لكي يفضي ذكر النّعم إلى الشّكر ، المؤدّي إلى الفلاح.

وفي أصول الكافي (٧) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن عبد الله بن عبد الرّحمن ، عن الهيثم بن واقد ، عن أبي يوسف (٨) البزّاز قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : أو تدري ما «آلاء الله»؟

قلت : لا.

__________________

(١) يوسف / ٥٥.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٥٤.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر : ممّن ملك معمورة الأرض من رمل عالج إلى بحر عمان.

(٥) تفسير الصافي ٢ / ٢١٠.

(٦) المجمع ٢ / ٤٣٧.

(٧) الكافي ١ / ٢١٧ ، ح ٣.

(٨) كذا في المصدر وجامع الرواة ٢ / ٤٢٦. وفي النسخ : ابن يوسف.

١١٩

قال : هي أعظم نعم الله على خلقه ، وهي ولايتنا.

(قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) : استبعدوا اختصاص الله بالعبادة والإعراض عمّا أشرك آباؤهم ، انهماكا في التّقليد وحبّا لما ألفوه.

ومعنى «المجيء» في «أجئتنا» : إمّا المجيء من مكان اعتزل به عن قومه ، أو من السّماء. على التّهكّم ، أو القصد على المجاز ، كقولهم : ذهب يسبّني.

(فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) : من العذاب ، المدلول عليه بقوله : «أفلا تتّقون».

(إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٧٠) : فيه.

(قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ) : وجب وحقّ عليكم ، أو نزل عليكم. على أنّ المتوقّع ، كالواقع.

(مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ) : عذاب. من الارتجاس : وهو الاضطراب.

(وَغَضَبٌ) : إرادة انتقام.

(أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) ، أي : في أشياء سمّيتموها آلهة ، وليس فيها معنى الإلهيّة. لأنّ المستحقّ للعبادة بالذّات ، هو الموجد للكلّ. وأنّها لو استحقّت ، كان استحقاقها بجعله ـ تعالى ـ إمّا بإنزال آية ، أو نصب حجّة.

(ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) : من آية ونصب حجّة.

ومنتهى حجّتهم وسندهم ، أنّ الأصنام تسمّى آلهة من غير دليل يدلّ على تحقّق المسمّى ، وإسناد الإطلاق إلى من يؤبه بقوله. واستدلّ به على أنّ الاسم عين المسمّى ، إذ المجادلة في المسمّيات لا في الأسماء. وأنّ اللّغات توقيفيّة ، إذ لو لم يكن كذلك لم يتوجّه الذّمّ والإبطال بأنّها أسماء مخترعة لم ينزل بها سلطان. وهو ضعيف ، إذ الذّمّ للمجادلة في المسمّيات ولإطلاق أسماء الآله والمعبود عليها واتّباع معاني تلك الأسماء فيها ، لا لمجرد المجادلة في الأسماء وإطلاقها عليها.

(فَانْتَظِرُوا) : لمّا وضح الحقّ ، وأنتم مصرّون على العناد نزول العذاب.

(إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (٧١).

في تفسير العيّاشيّ (١) : عن أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : ما أحسن الصّبر وانتظار الفرج. أما سمعت قول العبد الصّالح :

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٠ ، ح ٥٢.

١٢٠