الشيخ محمّد جواد آل الفقيه
الموضوع : التراجم
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٧
بِسمِ الله الرّحمن الرّحيم
( ثُمَّ أَنتُم هَؤلاءِ تَقتلُون أنفُسَكُم وتُخرِجُونَ فَريقًا مِن دِيَارِهِم تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالعُدوَان (١) .. )
سورة البقرة ـ آية ٨٥
ما أَظَلَّتِ الخَضرآءِ ، وَلا أقَـلَّتِ الغَبْراء مِن ذِي لَهجَةٍ ، أَصدَقُ مِن أبي ذَرّ. وَمَن سَرّهُ أن يَنْظُرَ إلى تَوَاضُعِ عِيْسَى بِن مَريَم ، فَلِيَنْظُرْ إلى أبي ذَر.
الرسول الاعظم (ص)
وَالله إنيّ لأَرَى حَقّاً يُطفَى ، وَبَاطِلاً يُحيى وَصَادِقاً مُكذَّباً ، وإثرةً بِغَيْرِ تُقى ، وَصَالِحاً مُستأثِراً عَلَيه.
أبو ذر الغفاري
__________________
(١) قرأها ابن مسعود في خطبة له بمحفل من أهل الكوفة حين بلغه نفي أبي ذر عليه الرحمة.
(٢) الاستيعاب ، الاصابة ج ١ / ص ٢١٦.
(٣) شرح النهج ج ٨ ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧.
كلمة الناشر
بسمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله رب العالمين ، وبعد :
فان من حسن توفيق ( مؤسسة الأعلمي ) أن قامت باخراج هذا السفر القيم الذي يتناول سيرة الصحابي الجليل ( أبي ذر الغفاري رضياللهعنه ).
كما حرصت كل الحرص على إخراجه بالشكل اللائق المناسب إيماناً منها بضرورة الإخلاص في العمل ، والتسهيل على القراء الكرام.
ولا تفوتنا هنا الإشارة الى أن هذا الكتاب هو الحلقة الأولى في سلسلة ذات أربع حلقات ، تتناول سيرة الأركان الأربعة ( أبي ذر وعمار ، وسلمان والمقداد ) والتي نأمل أن تنال إعجاب القراء.
هذا ، واننا نعلن بأننا قد عقدنا العزم على السير قدماً في مسيرتنا الثقافية هذه آملين من الله سبحانه مزيداً من التوفيق والتبريكات ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الناشر
تقديم : سماحة المرجع الديني الشيخ محمد تقي الفقيه
بسـمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحِيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين ، الذين أدّوا الأمانة ، واجتنبوا الخيانة ، ونصحوا لله ورسوله وللمؤمنين ، فكانوا من خيرة أوصياء الأنبياء ، من أشدهم يقينا ، وأعظمهم صبرا ، وأكثرهم اجتهادا ، في حفظ ما ورثوه عن رسول الله (ص) وصيانته من التحريف والتأويل والتبديل ، واتباع المتشابه من الكتاب العزيز ، ثم تحملوا من المصاعب والمتاعب ، ومقاساة الشدائد ما تحملوا ، في سبيل إيصاله الى العلماء الصالحين ، المحافظين ، الذين اختارهم الله سبحانه من خلقه ، لمشاركتهم في ذلك كله بعد غيبتهم ، فقاموا بالمهمة جهدهم ، فكان ذلك مصداقاً لقول رسول الله (ص) : علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل ، أو أفضل من أنبياء بني اسرائيل. ولقوله (ص) : مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء. وقد صدق رسول الله (ص) وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. فاننا كنا وما زلنا نلمس ونلمح في العلماء ، وفي آثارهم ، وفيما يحكى عنهم ، من الصبر والورع والتسديد ، ما يشهد بأنهم في صفوف هؤلاء الأنبياء.
وبعد : فقد كنت وما زلت ، أسأل الله سبحانه أن أكون وذريتي ، من
الذين يقتفون آثارهم ، ويترسمون خطاهم ، ويستعينون بالله ، وبه يستنصرون ، لنفوز بالانضمام الى هذا الموكب المشرق الرفيع ، قولا وعملا ، وسمتاً ، وهدياً ، ولنتشرف بمحاولة حمل رسالتهم ، وفي فهمها ، وحفظها ، والعمل بها ، ونشرها.
وانني ـ بحمد لله سبحانه ـ ألمح آثار الاستجابة ، في نفسي ، وولدي ، وفي طليعتهم اليوم ثانيهم « ولدي الجواد » ويتجلى ذلك في كتبه الثلاثة : ١ ـ ( الانسان بين الحياة والموت ) ٢ ـ ( نظريات تتعلق بالكون والمبدأ ) ٣ ـ ( أبو ذر ) وهو الكتاب الذي بين يديك.
فقد أعطاه الله قلماً محبباً مفهماً ، قليل الفضول ، وهداه الى الأخذ بأوائل معالم الطريق ، فهو ممن يهتم في فهم الاسلام ، وفي تفهيمه لأهل هذا العصر بلغتهم ، ثم في عرض الشخصيات الاسلامية النبيلة ، التي ساهمت مع النبي (ص) مساهمة فعالة ، في نشر دعوته ، بالسير في سيرته ، في سلوكها ، وأقوالها ، وأفعالها ، فقد كانوا يجسدون الاسلام قولا وعملا ، فكانت أقوالهم حجة على الخاصة ، وأعمالهم دليلا وقدوة للعامة.
وكتاب ( أبي ذر ) الذي هو بين يديك ، يهدف فيه مؤلفه الى تجسيد العقيدة الاسلامية ، بعرض صور للذين اعتنقوا الاسلام وهو في مهده ، صور هي أقرب شيء لواقعهم باحاطة وأمانة ، وتفهم ، وإتقان ، على عكس ما فعله المؤلفون من قبله ، فانهم اذا تحدثوا عن واحد من أولئك ، تحدثوا عنه من جانب واحد ، يتصل بنفسياتهم ، أو بما يهدفون اليه. فمن كان يرغب في الزهد ـ سواء فهم معناه أو لم يفهمه ـ تحدث عن أبي ذر من هذه الناحية فقط ، ومن كانت ميوله ، انحرف بسيرة أبي ذر الى ما يتلائم مع ميوله.
وعلى مرور الوقت ، أصبح أبو ذر يظهر للقراء على شاشة العرض شخصية محدوده بحدود ضيقة جداً ، تجعله متعبدا غيورا على الاسلام ، جريئاً على الحكام ، جرأة تنسيه قوله تعالى : ( أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ).
هذا ، مع أن أبا ذر ، أحد أركان الاسلام في مهده ، وهو أول من شهر السيف في وجه المشركين ، حين كان يقطع الطريق على قوافل قريش ، فينفِّر بهم ، فكانت الإبل تلقي أحمالها ، فلا يدعهم يأخذون منها شيئا حتى يسلموا. وهو أيضا ـ أحد معتمدي النبي (ص) ، وأحد عظماء الصحابة ، وهو من حواريي رسول الله (ص) وحواريي أمير المؤمنين علي (ع) ، وليس من المنطق أن يمر في مخيلة أي انسان عاقل ، أن محمداً ص وعلياً عليهالسلام ، وهما من عظماء البشر ، رفعا أبا ذر الذي تُصوِّره كتب الذين كتبوا عنه.
وستراه في الكتاب الذي بين يديك انسانا آخر يرتفع عن عظماء الصحابة بالشجاعة ، والعلم والعمل ، وقوة الارادة والزهد ، والاخلاص ، والصبر ، والتحمل. ولو فسح لي الوقت مجالا لأوجزت ما أعرفه عنه ، وهو بعض ما استطعنا أن نصل اليه أثناء مطالعتنا ، ولو تم لي ذلك ، لأريتك أبا ذر انساناً يسير في ركب الأنبياء ، يتمتع بكياسة وقوة ، وعزة ، وجرأة ، ونزاهة.
وفق الله المؤمنين للاقتباس من أنواره وآرائه ، وحشرنا واياهم ، يوم القيامة تحت لوائه ، والسلام عليه ، وعليهم ، ورحمة الله وبركاته.
مقدمة المؤلف
بِسـمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
حينما نعمد الى دراسة شخصية تأريخية ـ أياً كانت ـ تطالعنا صور ومشاهد ، تضفي علينا مزيداً من الوضوح في البحث عن الجوانب الهامة المحيطة بها.
وأول شيء يواجهنا في هذا المضمار ، هو « السيرة » ولكن لا فائدة ولا جدوى منها بدون دراسة وتحليل. إذ أنها وحدها هيكل شاخص لا روح فيه ، فهي لا تتجاوز أن تكون كلمات مرسومة على الورق ، بمستطاع كل قارئ أن يقرأها ، ويتندَّر بها أمام أقرانه وزملائه ، كأي قصة تأريخية مثيرة ، من دون أن تترك في نفس القارئ أو السامع أي أثر نافع مفيد. سوى أنفعالات نفسية آنيَّة.
ولكن ، حينما يصل الحديث الى عظماء الصحابة ، واستجلاء سيرتهم ، نجد أنفسنا أمام مدرسة مثالية ، غنية بالعطائين ، الفكري والروحي ، ومليئة بالعظات والعبر. ونلمس في سلوكهم وأفعالهم ، مع أنفسهم ومحيطهم ، تجسيداً كاملا للمبدأ الذي دعوا اليه وكافحوا من أجله. كما نجد ان كلمتهم ، كانت الكلمة المسؤولة ، وحياتهم كانت كلها مواقف خالدة خلود الروح ، وباقية بقاء الإنسان.
إن هذا النمط من العظماء ، يخضع لمراحل صعبة على محكِّ الإختبار
تجعلهم بمستوى المسؤوليات التي أنيطت بهم ، تلك المسؤوليات الهامة والصعبة التي تتعدى مرحلة الذات الى مستوى أمانة وممثلية لمواجهة الناس على اختلاف أهوائهم ، وألوانهم ، ومراتبهم.
وتتعدى مرحلة الوقت والجيل ، الى عصور وأجيال.
ونحن بدورنا نراهم يجتازون مراحل الإختبار هذه ، بصبر عجيب ، وصمود محيِّر ، حتى ولو أدى الأمر بهم الى النفي أو الى الموت.
ومن هذا النمط النادر ـ في الإسلام ـ الأركان الأربعة ، وهم : « أبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن ياسر ».
لقد عرف هؤلاء الأربعة ، بأنهم أول من نادى بالتشيع لعلي عليهالسلام والولاية له بعد رسول الله (ص) ، لقد نادوا بذلك على أنه من صميم الاسلام. فكانوا المثل الأعلى للثبات على هذه العقيدة ، والدفاع عنها. وبذلك استحقوا هذا الوسام « الأركان الأربعة ».
وأبو ذر الغفاري رضياللهعنه ـ موضوع كتابنا هذا ـ واحد من هؤلاء ، دفعني الى إختياره فعلا ، أمران مهمان :
الأول : ما لهذه الشخصية من الأثر الديني الكبير في حياتنا الدينية والذي يتصل بحياته ، ومقدمه الى الشام ، وسكناه في منطقة ( جبل عامل ) مدة طويلة من الزمن ، أتاحت له الفرصة في نشر التشيع ( لمذهب أهل البيت ). فالمشهور بين سكان هذه المنطقة أن أبا ذر هو صاحب الفضل في ذلك.
الثاني : ان الذين تناولوا شخصية أبي ذر لم يعطوه القدر الكافي من الإحاطة ، فقد لاحظت من خلال قراءاتي لبعض ما كتب حول هذا الموضوع ، أن بعضهم يحاول التركيز على الناحية القصصية ، والبعض الآخر على الناحية « الثورية » في مسلك هذا الرجل ، والبعض الآخر يجهد في إخراجه بصورة « المتصوف الراهب » ، وآخر يعطيه صفة « الحاقد على الإغنياء » الى غير ذلك من الأوصاف التي تتناسب مع رغبة الكاتب وتفكيره ، ولا تتلائم مع شخصية أبي ذر المسلم الصحابي الجليل.
فأبو ذر لا يعدو كونه من أجِّلاء الصحابة وخيرتهم ، وجدير بمثله أن يكون عنواناً واضحاً للاسلام.
لذا فانني بذلت كامل جهدي في إلقاء الضوء على هذه الشخصية التأريخية المميزة ، محاولا بذلك الكشف عن جميع جوانبها ، دون أن أترك شيئاً مما يتعلق بها ، عدا بعض النصوص الزائدة التي لا جدوى من إثباتها ، وعدا ما يفوتني سهواً ، والعصمة لأهلها.
وسيكون هذا الكتاب هو الحلقة الأولى في سلسلة تتناول حياة « الأركان الأربعة » وسيرتهم ، آملين من وراء ذلك ، رضا الله وحده ، سبحانه وتعالى. والوقوف على شيء ، من حياة هؤلاء الصفوة ـ من الخالدين ـ في تأريخنا الإسلامي المجيد ، علنا نستمد من سيرتهم مزيداً من الصبر ، والثبات ، في دربنا الطويل. والله الموفق.
|
محمد جواد الفقيه ١٤ ربيع الثاني / ١٤٠٠ ه ٢ / ٣ / ١٩٨٠ م |
بسم الله الرحمن الرحيم
لكي نفهم جوهر حركة أبي ذر الغفاري يجب أن نفهم جوهر الاسلام ، وبقدر ما نفهم الاسلام واهدافه وما قصد اليه من أسعاد البشرية والنهوض بها الى أعلى مستويات الكرامة والعزة ـ بقدر ما نفهم الاسلام يمكن ان نفهم ابا ذر واهدافه.
فالاسلام الذي أنشأ في الجزيرة العربية حكماً هو أولاً حكم الشعب ، ثم هو حكم الكفاءة والعدالة والمساواة والاخوة ، ثم هو حكم ازالة الفروق الاقتصادية الظالمة واتاحة العيش الكريم لكل مواطن ، ومنع تجمع الثروات وتكدسها في ايد محدودة.
والاسلام الذي قلب اوضاع المجتمع رأساً على عقب واصبحت الكفاءة وحدها هي المؤهلة ، والفرصة متاحة لكل مواطن ان يتقدم ويبرز.
هذا الاسلام وجد نفسه فجأة محكوما لاسرة كانت هي اقسى من حاربه وأشد من قاومه ، اسرة لم تسلم حتى اعياها القتال ، وعجزت عنه ، واكتسحتها الدعوة فاستسلمت لها وبقيت تتربص وتتحين الفرص لتثب من جديد. ولما جاءت الفرصة سيطرت على الاسلام وحكمه بكل احقادها على الاسلام وبكل نقمتها على المسلمين. فاذا بنا امام انقلاب صريح على كل النظم الاسلامية حققت فيه هذه الاسرة اهدافها في تحويل مسيرة الاسلام. فاذا بنا نبصر خمس غنائم افريقيا يوهب لرجل واحد ، بينما فقراء المسلمين وضعفاؤهم يعانون الحرمان. واذا ما لدى افراد معينين من المسلمين ضخور من الذهب تحتاج الى الفؤوس لتقطيعها.
هذا الانقلاب اذهل المخلصين من المسلمين وكان في طليعتهم ابو ذر الغفاري الذي صمم على الدعوة الى الرجوع بالاسلام الى اصوله الاولى التي تحمي الفقير وتقي المحروم ، وتسود بها العدالة الاجتماعية بين الناس جميعهم.
وكان يعلم وعورة الطريق امامه ، ويدرك ما ينتظره من شدائد فلم يبال بذلك وصمم على الجهر بالدعوة جهرا لا هوادة فيه ، محاولا ايقاظ الشعب وزجر الحكام حتى آل الى المصير الذي يطالعه القارئ في صفحات هذا الكتاب.
ولقد أحسنت دار الفنون حين جعلت باكورة كتبها كتابا عن ابي ذر ، فهي بذلك تحيي ذكرى هذا الصحابي الجليل ، والمجاهد النبيل ، وتسهل للقارئ الاطلاع على سيرة رجل يصلح لان يكون قدوة الرجال في نهضات الشعوب ووثبات الامم.
حسن الأمين
الفَصل الأوَّل
* صورَة مُجمَلة
* الفَارِسُ الشّجاع
* تعَبُّدهُ قبلَ الإسلام
* إسلاَمه
* معَ الرّسُول (ص)
* التشيُّع .. مَا هُوَ ؟
* أبو ذَرّ وَالتّشيُّع
* إقامتهُ في بِلاَد الشَّام
* أبو ذرّ والتّشيَّع في جَبل عَامِل
صُورَة مُجْمَلة
أبو ذر الغفاري : جُندب بن جَنادة. *
رمز اليقظة في الضمير الانساني المتعب ، كما هو في الضمير الاسلامي.
أتمثله شيخاً حاني الظهر ، ترتسم على وجهه سيماء الأولياء والصالحين ، وفي عينيه ألق ظل مشعاً بالأمل والحياة على هاتيك الفئات المظلومة من الناس.
أتمثله ، وهو ينهب الأرض بقدميه ، في رحلته التأريخية الثأرية ، حاملا على ظهره هموم المظلومين والمعذبين ، وعلى لسانه تتجسد صرختهم.
فهو هكذا أراد ، أراد أن يخرج عن حدود الزمان والمكان ، ويرقى قمة الحرية .. حرية الكلمة ، وحرية التعبير ، فكان منبر الاسلام في فترة من فترات الحكم.
__________________
* على الاصح الاشهر. وقيل اسمه : برير بن جنادة ، وقيل جندب بن سكن وقيل السكن بن جنادة ولكن المشهور المتسالم عليه هو جندب ابن جنادة ، ولا يعرف في كتب التراجم بغير هذا الاسم.
لقد بايع أبو ذر رسول الله (ص) ، على أن لا تأخذه في الله لومة لائم ، وعلى أن يقول الحق ، ولو كان مُرَّا (١).
فالتزم ببيعته. فكان جريئاً في جنب الله آخر عمره ، كما كان في أول أمره.
ولعل أجرأ نداء صريح في مسمع حاكم ظالم ، كان نداء أبي ذر (رض) على أبواب الخضراء .. « أتتكم القطار بحمل النار ! اللهم إلعن الآمرين بالمعروف التاركين له. اللهم العن الناهين عن المنكر ، المرتكبين له » (٢).
هذا هو أبو ذر ، صاحب الكلمة الجريئة ، التي لا تعرف المداهنة ، ولا الرياء ولا الوجل.
خاطب معاوية ذات مرة ، مجيباً إياه : « ما أنا بعدو لله ولا لرسوله ، بل أنت وأبوك عدوّان لله ولرسوله ، أظهرتما الاسلام ، وأبطنتما الكفر ، ولقد لعنك رسول الله (ص) ودعا عليك مرات أن لا تشبع.
فقال معاوية : ما أنا ذاك الرجل.
فقال أبو ذر : بل أنت ذلك الرجل ! أخبرني بذلك رسول الله (ص) وسمعته يقول ، وقد مررتَ به : اللهم إلعنه ، ولا تشبعه إلا بالتراب .. » (٣).
وخُيِّل لجلاديه الحاكمين ، أن غضبه إنما كان لنفسه. وأنه ربما كان عن فاقة ألمِّت به ، أو مطمع يدفعه الى ذلك. فساوموه رجاء أن يسكت أو يكف ، لكنهم وجدوا خلاف ما كانوا يتوقعون.
__________________
(١) أعيان الشيعة / ١٦ / ٣١٩ نقلا عن أسد الغابة.
(٢) شرح النهج ج ٨ / ٢٥٧.
(٣) شرح النهج ٨ / ٢٥٧.