نظريّة عدالة الصّحابة والمرجعيّة السياسيّة في الإسلام

احمد حسين يعقوب

نظريّة عدالة الصّحابة والمرجعيّة السياسيّة في الإسلام

المؤلف:

احمد حسين يعقوب


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٢

النبي القرار الإلهي وأسبابه وحيثياته ووضع كل الحقائق أمام الجميع. ومع هذا لطبيعته الفذة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يستغفر لهم ويسأل الله لهم الهداية فجاءه الردّ الإلهي واضحاً ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين ).

أمثلة على تعارض نظرية عدالة كل الصحابة مع القرآن الكريم

المثال الأول :

قال تعالى ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه ) ( سورة التوبة ).

إنها قصة ثعلبة ، ذلك الصحابي المعدم الذي سأل الرسول أن يدعوا الله له حتى يرزقه المال ، فقال له الرسول ( ويحك يا ثعلبة ، قليل تشكره خير من كثير لاتطيقه ) فقال ثعلبة : والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فيرزقني مالاً لأعطين كل ذي حق حقه. فقال الرسول : ( اللهم ارزق ثعلبة مالاً ) فرزقه الله ونمّاه له ، وعندما طلب منه الرسول زكاة أمواله بخل ثعلبة معللاً بخله بأن هذه الزكاة جزية وامتنع عن دفعها! ومات النبي وثعلبة على قيد الحياة ، فأرسل زكاة امواله إلى أبي بكر الصديق فرفضها ، وأرسلها إلى عمر فرفضها ، وهلك ثعلبة في زمن عثمان (١).

المثال الثاني :

قال تعالى : ( أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لايستوون. أما الذين آمنوا

__________________

(١) راجع على سبيل تفسير فتح القدير للشوكاني علي بن محمد مجلد ٢ ص ١٨٥ وراجع تفسير ابن كثير لاسماعيل بن كثير الدمشقي مجلد ٢ ص ٣٧٣. وراجع تفسير الخازن لعلاء الدين علي بن ابراهيم البغدادي مجلد ٢ ص ١٢٥. وراجع تفسير البغوي محمد بن الحسن بن مسعود الفرا مجلد ٢ ص ١٢٥ بهامش تفسير الخازن. وراجع تفسير الطبري لابي جعفر محمد بن جرير الطبري مجلد ٦ ص ١٣١.

٤١

وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون. وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ) ( سورة السجدة )

المؤمن هو علي بن أبي طالب ، والفاسق هو الوليد بن عقبة ، وقد تولى الكوفة لعثمان ، وتولى المدينة لمعاوية ولابنه يزيد (١).

المثال الثالث : قال تعالى ( ومن أظلم ممّن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين ) ( سورة الصف ).

نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي سرح وهو والي عثمان على مصر ، فهو

__________________

(١) راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج ٤٤٥ ، ٤٥٣ ، ٦١٠ و ٦٢٤ وراجع مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص ٣٢٤ و ٣٧٠ و ٣٧١ وراجع تفسير الطبري ج ٢١ ص ١٠٧ وراجع الكشاف للزمخشري ج ٣ ص ٥١٤ وراجع فتح القدير للشوكاني ج ٤ ص ٢٥٥ وراجع تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٤٦٢ وراجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٠٠ راجع أسباب النزول للسيوطي مطبوع بهامش تفسير الجلالين ص ٥٥٠ وراجع أحكام القرآن لابن عربي ج ٣ ص ١٤٨٩ وراجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٤ ص ٨٠ وج ٦ ص ٢٩٢ وراجع كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ١٤٠ وراجع الدر المنثور للسيوطي ج ٥ ص ١٧٨ وراجع كفاية العقبى للطبري الشافعي ص ٨٨ وراجع المناقب للخوارزمي الحنفي ص ١٩٧ وراجع نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص ٩٢ ، وراجع تذكرة الخواص للسبط الجوزي الحنفي ص ٢٠٧ وراجع مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي وراجع ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٥٠ وراجع زاد المسير لابن الجوزي الحنبلي ج ٦ ص ٣٤٠ وراجع أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ ص ١٤٨ ح ١٥٠ ، وراجع تفسير الخازن ج ٣ ص ٤٧٠ وج ٥ ص ١٨٧ وراجع معالم التنزيل للبغوي الشافعي بهامش الخازن ج ٥ ص ١٨٧ وراجع السيرة الحلبية للحلي الشافعي ج ٢ ص ٨٥ وراجع تخريج الكشاف لابن حجر العسقلاني مطبوع بذيل الكشاف ج٣ ص ٥١٤ وراجع الانتصاف في ما تضمنه الكشاف بذيل الكشاف ج ٣ ص ٢٤٤ وراجع إحقاق الحق ج ٣ ص ٢٧٣ وراجع فضائل الخمسة ج ١ ص ٢٦٨ وراجع المراجعات ص ٦٤ حسين الراضي.

٤٢

الذي افترى على الله الكذب ، وأباح الرسول دمه ولو تعلق بأستار الكعبة كما يروي صاحب السيرة الحلبية الشافعي في باب فتح مكة ، وجاء به عثمان يوم الفتح يطلب الأمان له كما يروي صاحب السيرة ، وسكت الرسول على أمل أن يقتل خلال سكوته كما أوضح رسول الله ، ولما لم يقتل أعطاه الأمان (١).

تحليل الامثلة الثلاث

١ ـ حكم الله في الثلاث

في المثال الأول : حكم الله بنفاق قلب ثعلبة وأنه من الكاذبين.

وفي المثال الثاني : بيّن الله أن الوليد بن عقبة فاسق وأنه من أهل النار وأنه لا محيد له عنها ولا مخرج له منها.

وفي المثال الثالث : بيّن الله أن عبد الله بن أبي سرح افترى على الله الكذب ، وحاول ان يحرّف كتاب الله ، وهو من أكثر الخلق ظلماً ، وبيّن أن من المحال أن يهتدي لأن الله لا يهدي القوم الظالمين.

٢ ـ حكم أهل السنّة في الثلاث

هؤلاء الثلاثة من الصحابة ، فشروط الصحبة قد توفرت فيهم بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي وبما أنهم صحابة فهم عدول لا يجوز عليهم الكذب ومحكوم بنزاهتهم ، وهم من أهل الجنة ولا يدخل احد منهم النار ، كيف لا وعبد الله بن أبي سرح وهو والي مصر لعثمان وأحد وزرائه ، وكذلك الوليد بن عقبة فهو والي الكوفة والذي صلى الصبح أربعاً ولو طلبوا الزيادة لزادهم! وهو وزير عثمان ووالي معاوية على المدينة. ومن ينتقص من هؤلاء الثلاثة فهو زنديق ، ولا يؤاكل ولا يشارب ولا يصلّى عليه إذا مات.

__________________

(١) راجع السيرة الحلبية باب فتح مكة.

٤٣

٣ ـ الأولى بالتصديق :

أيهما الأولى بالتصديق : كتاب الله وحكمه ، أم التقليد الأعمى؟ ومن هنا فإن نظرية عدالة كل الصحابة منقوضة من حيث الموضوع لأنها تتعارض مع النصوص القرآنية القاطعة وهذا التعميم ـ كل الصحابة عدول ـ يتعارض مع الأحكام الإلهية ويخالفها (١).

٢ ـ نظرية عدالة كل الصحابة تتعارض مع السنّة النبوية

المثال الأول :

ذو الثدية فقد كان من الصحابة المتنسكين وكان يعجب الناس تعبده واجتهاده ، وكان رسول الله يقول : ( إنه لرجل في وجهه لسعة من الشيطان ) وأرسل أبا بكر ، ليقتله فلما رآه يصلي رجع ، وأرسل عمر فلم يقتله ، ثم أرسل علياً عليه‌السلام فلم يدركه (٢) وهو الذي ترأس الخوارج وقتله علي عليه‌السلام يوم النهروان (٣).

المثال الثاني :

كانت مجموعة من الصحابة يجتمعون في بيت علي أحدهم يثبطون الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمر من أحرق عليهم هذا البيت (٤).

المثال الثالث :

قزمان بن الحرث قاتل مع رسول الله في أُحد قتال الأبطال ، فقال أصحاب النبي : ما أجزأ عنا أحد كما أجزأ عنا فلان ، فقال النبي ( أما إنه من أهل النار ) ولما أصابته الجراح وسقط قيل له هنئياً لك بالجنة يا أبا الفيداق. قال جنة من حرمل؟ والله

__________________

(١) ارجع للمراجع السابقة.

(٢) راجع الاصابة في تمييز الصحابة ج ١ ص ٤٣٩.

(٣) راجع أراء علماء المسلمين للسيد مرتضى الرضوي.

(٤) راجع سيرة ابن هشام ج ٣ ص ٢٣٥.

٤٤

ما قاتلنا إلا على الأحساب (١).

المثال الرابع :

الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس عم عثمان بن عفان ووالد مروان بن الحكم ، لعنه رسول الله (٢) ولعن ما في صلبه وقال ( ويل لأمتي ممّا في صلب هذا ). ومن حديث عائشة أنها قالت لمروان : أشهد أن رسول الله لعن اباك وانت في صلبه ، فنفاه النبي إلى مرج قرب الطائف وحرّم عليه ان يدخل المدينة ، ولما مات رسول الله راجع عثمان أبا بكر ليدخله فرفض أبو بكر ، ولما مات أبو بكر راجع عثمان عمر ليدخله المدينة فأبى عمر ، ولما تولى عثمان الخلافة أدخله معزّزاً مكرّماً وأعطاه مئة ألف درهم ، واتخذ مروان ابنه بطانة له ، وتسبب فيما بعد بقتل الخليفة وخراب الخلافة الراشدة. وكان مروان يلقب بـ خيط باطل ثم صار خليفة المسلمين. يقول الشاعر :

لي الله قوماً امروا خيط باطل على

الناس يعطي من يشاء ويمنع (٣)

المثال الخامس :

وهم الذين ( اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين ) وقالوا : إنهم بنوا هذا المسجد تقرّباً لله تعالى ، وكانوا إثني عشر رجلاً من الصحابة المنافقين (٤).

المثال السادس : لعن الرسول لبعض الصحابة.

قال الحلبي في رواية : صار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ( اللهم العن فلاناً وفلاناً (٥) وأخرج البخاري قال : حدثني سلم عن أبيه أنه سمع رسول الله

__________________

(١) راجع الاصابة ج ٣ ص ٢٣٥ وراجع آراء علماء المسلمين للسيد مرتضى ص ١٢٧ وما فوق.

(٢) راجع كنز العمال.

(٣) راجع مروج الذهب للمسعودي.

(٤) راجع سيرة ابن هشام.

(٥) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٣٤.

٤٥

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر يقول : ( اللهم العن فلاناً وفلاناً ) بعدما يقول : سمع الله لمن حمده. وقال السيوطي وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أُحد ( اللهم العن أبا سفيان ، اللهم العن الحرث بن هشام ، اللهم العن سهيل بن عمرو واللهم العن صفوان بن أمية ) قال السيوطي وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : كان النبي يدعو على أربعة نفر وكان يقول في صلاة الفجر : ( اللهم العن فلاناً وفلاناً ) (١) وأخرج نصر بن مزاحم المنقري عن عبد الغفار بن القاسم عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال : اقبل أبو سفيان ومعه معاوية ، فقال رسول الله ( اللهم العن التابع والمتبوع ، اللهم عليك بالأقيص ) فقال ابن براء لأبيه : مَن الأقيص قال : معاوية (٢) وأخرج نصر عن علي بن الأقمر في آخر حديثه قال : فنظر رسول الله إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق ، فلما نظر إليهم رسول الله قال ( اللهم العن القائد والسائق والراكب ) قلنا انت سمعت رسول الله؟ قال : نعم والا فصمت أذناي (٣). وانظر إلى رسالة محمد بن أبي بكر الصديق التي وجهها معاوية فقد جاء فيها : وقد رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو أصدق الناس نية وأفضل الناس ذرية ، وخير الناس زوجة ، وأفضل الناس ابن عم أخوه الشاري بنفسه يوم مؤته وعمّه سيد الشهداء يوم اُحد ، وأبوه الذابّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن حوزته. وأنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله الغوائل وتجهدان في إطفاء نور الله ، تجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبائل ، وعلى ذلك مات أبوك وعليه خلفته (٤) ولم ينف معاوية لعنة ولا

__________________

(١) الدر المنثور المأثور ج ٦ ص ٧١.

(٢) وقعة صفين ص ٢١٧ تحقيق وشرح الاستاذ عبد السلام محمد هرون.

(٣) وقعة صفين ص ٢٢٠.

(٤) راجع مروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ١٤ وقد نقلت هذا المقتطف حرفياً.

٤٦

لعن أبيه مع انه قد ردّ ردّاً بليغاً على هذه الرسالة (١).

دعوة لتحليل هذه الامثلة

الأمثلة الست التي سقناها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تنقض نقضاً كاملاً القول ( بأنّ كل الصحابة عدول ) فمن يأمر الرسول بقتله ليس من العدول.

ومن يحرق عليهم رسول الله البيت ليسوا من العدول.

ومن يقل عن الجنة : جنة من حرمل ويقاتل على الأحساب ليس من العدول.

ومن يلعنه الرسول ويلعن ما في صلبه ليس من العدول.

والذين اتخذوا مسجداً ضراراً ليسوا من العدول.

لان القول بعدالتهم يتعارض مع السنّة المطهرة. فالسنّة المطهرة تنفي هذه العدالة ، والمقلدون تقليداً اعمى بعزلة عن التفكير يثبتونها فأيهما أولى بالتصديق ، سنّة المصطفى أم تقليد المقلدين؟

فلا خلاف بعدالة أفاضل الصحابة ، ولكن الخلاف يكمن في التعميم بالقول ( بأن كل الصحابة عدول ) والقول بالتعميم تنقضه السنّة المطهرة لأنه يتعارض معها تعارضاً كاملاً.

٣ ـ نظرية عدالة كل الصحابة ينقضها واقع الحال.

المثال الأول :

حصل معاوية على البيعة بالتقتيل والتدمير والتحريق وشتمه انصار رسول الله ، واستغل اموال المسلمين التي جمعها خلال عشرين عاماً بولايته على الشام لتوطيد سلطانه بعد ان اخرج اموال المسلمين عن مصارفها الشرعية. ورتب معاوية عطاء

__________________

(١) راجع المرجع السابق ج ٣ ص ١٥ و ١٦ من مروج الذهب للمسعودي.

٤٧

اسمه : رزق البيعة يعطي للجند عند تعيين خليفة جديد (١).

وتأكد أن المطلب الحقيقي لمعاوية هو الملك عندما كتب وصيته من بعده ليزيد ابنه وأخذ له البيعة بالقوة (٢) وأمّره على صحابة رسول الله بالرغم من مجونه وقلة دينه وسوء خلقه.

المثال الثاني :

أوصى معاوية بن أبي سفيان ابنه يزيد ( إذا ثار أهل المدينة فأرسل إليهم مسلمة بن عقبة ) وكان مع مسلمة قائمة بأسماء الطاهرين من الصحابة ليقتلهم واحداً واحداً واحداً. ويدخل عقبة عاصمة النبي ويفعل الأفاعيل التي تضج منها السماء ، مروان دليل الجيش يؤشر وعقبة وجيشه المظفر ينفذ ويعدم بغير رحمة ، وتم تنفيذ أبشع مجزرة وكان من نتيجة هذه الوصية أن :

١ ـ أبيد من حضر من البدريين بالكامل.

٢ ـ أبيد من قريش ومن الأنصار سبعمائة رجل.

٣ ـ أبيد من الموالي والعرب عشرة آلاف.

كان ذلك سنة ٦٣ هـ في وقعة الحرة. هنالك قال عبد الله بن عمر ( نحن مع من غلب ) وتحول قوله إلى قاعدة دستورية ، وكان معتزلاً عندما اشتد الصراع بين علي ومعاوية (٣).

المثال الثالث :

أرسل معاوية بسر بن أرطأة في ثلاثة آلاف سنة ٤٠ هـ وقدم المدينة فصعد المنبر وتهدد أهل المدينة بالقتل فأجأبوه إلى بيعة معاوية ، ومضى بسر إلى مكة ثم

__________________

(١) راجع نظام الحكم للقاسمي ص ٢٨٣.

(٢) راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام ص ١٨٢.

(٣) راجع نتائج معركة الحرة في كل كتب التاريخ وتأكد من صحة هذه النتائج وراجع على سبيل المثال الإمامة والسياسة لابن قتيبة.

٤٨

سار إلى اليمن ولم يجد واليها عبيد الله بن العباس ووجد طفليه الصغيرين عبد الرحمن وقاسم فقتلهما بسر وقتل معهما خالاً لهما من ثقيف ، وقتل بالمدينة وبين المسجدين خلقاً كثيراً ، وكذلك بالجوف قتل بها خلقاً كثيراً من رجال همدان وقتل بصنعاء خلقاً كثيراً من الابناء. ولم يبلغه عن احد انه يماليء علياً أو يهواه إلا قتله (١).

وكانت جويرية أم ابني عبيد الله بن العباس الذين قتلهما بسر تدور حول البيت ناشرة شعرها وترثيهما بعاطفه تذيب الصلخد الصلد (٢).

المثال الرابع :

ذكر ان امرأة الحسن بن علي عليه‌السلام جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي سقته السم ، وكان معاوية دس إليها : إنك إن احتلت في قتل الحسن وجّهت إليك بمائة ألف درهم وزوجتك من يزيد ، فكان ذلك الذي بعثها على سمه. فلما مات الحسن وفّى لها معاوية بالمال وأرسل إليها : إنا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه. وذكر أن الحسن قد قال عند موته ( لقد حاقت شربته وبلغ أمنيته والله لا وفى لها بما وعد ، ولا صدق فيما قال ). وعن العباس بن عبد المطلب قال : كنت عند رسول الله إذ أقبل علي بن أبي طالب ، فلما رآه أسفر عن وجهه فقلت يا رسول الله إنك لتسفر في وجه هذا الغلام فقال ( يا عم رسول الله والله لَلّهُ أشد حبّاً له منّي ، إنه لم يكن نبي إلا وذريته الباقية بعده من صلبه ، وإن ذريتي بعدي من صلب هذا (٣). وممن سمهم معاوية عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وذلك عندما شاور أهل الشام فيمن يعقد له من بعده فقالوا : رضينا بعبد الرحمن ، فشق ذلك على معاوية فسمه (٤) وهذا ما فعله مع عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.

__________________

(١) راجع الإمامة والسياسة وراجع مروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ٢٦.

(٢) راجع مروج الذهب ص ٢٧.

(٣) راجع مروج الذهب للمسعودي ص ٤٧٧ ج ٢.

(٤) راجع ترجمته في الاستيعاب وراجع ص ١٧٥ من كتاب شيخ المضيرة.

٤٩

المثال الخامس : الفرحة الكبرى.

حدث محمد بن جرير الطبري عن محمد بن حميد الرازي عن علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن الفضل بن عباس بن ربيعة قال : وفد عبد الله بن العباس على معاوية قال : فوالله إني لفي المسجد اذ كبّر معاوية في الخضراء ، فكبّر أهل الخضراء ثم كبّر أهل المسجد بتكبير أهل الخضراء ، فخرجت فاختة بنت قرظة بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف من خوخة لها فقالت : سرك الله يا أمير المؤمنين ما هذا الذي بلغك فسررت به؟ فقال معاوية : موت الحسن بن علي ، فقالت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ثم بكت وقالت : مات سيد المسلمين وابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال معاوية : نعما والله ما فعلت ، انه كان كذلك أهلاً ان تبكي عليه. ثم بلغ الخبر ابن عباس فراح فدخل على معاوية ، قال : علمت يا ابن عباس أن الحسن توفي؟ قال : ألذلك كبّرت؟ قال : نعم (١).

المثال السادس :

تقدم الجيش بقيادة الصحابي عمرو بن سعد بن أبي وقاص ... ولما تكاثرت العساكر على الحسين عليه‌السلام أيقن أنه لا محيص له ، فلم يزل يقاتل حتى قتل. وكان الذي تولى قتله رجل من مذحج وأخذ رأس الحسين وانطلق به إلى إبن زياد وهو يقول :

اوقر ركابي فضة وذهباً

أنا قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا

وخيرهم اذ ينسبون نسبا

فسلبوه جبته وحذاءه كما يروي البلاذري في انساب الاشراف ، ولم يكتفوا بذلك إنما أمر الصحابي عمرو بن سعد بن أبي وقاص أن يوطئوا خيلهم جثة الحسين ، فانتدب لذلك إسحاق بن هبيرة الحضرمي في نفر منه فوطئوه بخيلهم (٢) وعاد

__________________

(١) راجع مروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ٤٧٨ ـ ٤٧٩.

(٢) راجع مقتل الحسين في انساب الاشراف للبلاذري.

٥٠

عمرو بن سعد بن أبي وقاص مظفراً ، بعد أن أباد ذرية محمد وماتوا وهم عطشى ، وبجانبهم الفرات حلال حتى الكلاب وحرام على ذرية محمد.

المثال السابع والأخير :

قال الحسن عليه‌السلام أثناء اجتماعه بمعاوية ( ... يا أهل الكوفة لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث خصال لذهلت : مقتلكم أبي ، وسلبكم ثقلي ، وطعنكم في بطني ، وإني قد بايعت معاوية ) (١).

وكان عليه‌السلام بعد تولي الخلافة قد خرج في جيش قوامه اثني عشر ألفاً وعسكر في المدائن فقام بعض من معه بمباغتنه وسلبوه رحله ، وتفرقوا عنه وخذلوه ، بل أن بعضهم أراد أن يوثقه ويسلمه لمعاوية موثقاً ، وبعضهم أراد قتله.

تحليل هذه الامثلة

التقتيل والتدمير والتحريق ، وإبادة البدريين ، وقتل أحد عشر ألف مسلم بيوم واحد من أهل المدينة المنورة بلا ضرورة ، أمر يناقض العدالة.

وقتل الأطفال وقتل كل من يظن أنه يهوى ولي الله علي أمر لا يتفق ودعوى العدالة. وسم الحسن ، وقتل الحسين ، والدوس على جثته الطاهرة بسنابك الخيل ، وإبادة آل محمد ومنعهم من أن يشربوا من ماء الفرات ، أمر يناقض الزعم بالعدالة.

هذه الأمور وأمثالها مما لايحصى تنقض بوقوعها مزاعم كل الذين يقولون إن الصحابة كلهم عدول ، وإنهم كلهم من أهل الجنة ولا يدخل أحد منهم النار ، لأننا لو قلنا بذلك لكان فيه مكافأة للذين انتهكوا محارم الله. ان سمّ الحسن وقتل الحسين وإبادة أهل البيت ، وإبادة أفاضل الصحابة لا يمكن ان يكون اجتهاداً إنما هو عدوان. ومن يفعل ذلك لا يمكن أن يكون من العدول بكل المعايير العقلية والدينية ووفق كل الشرائع الوضعية التي عرفها البشر ، يترفّع أي قائد أمريكي أو فرنسي أو روسي أو وثني من أن يقوم بقتل طفلين صغيرين في غياب أبيهما كما فعل ابن أرطاة ،

__________________

(١) راجع مروج الذهب.

٥١

فقتل الطفلين لا يقدم ولا يؤخر في ملك معاوية أو ملك ابنه ، وهذا العمل بكل المقاييس عمل وحشي لا يمكن تبريره ، فهل يعقل أن من يقوم بهذا العمل أو يأمر به من الصحابة العدول؟ وهل يعقل أن يدخله الله الجنة؟ نعم بالتقليد يقبل كل غريب ولكن وفق قواعد الشرع الحنيف فإنه غير مقبول. ومن هنا فإن واقع الحال وما جرى بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينقض نقضاً كاملاً نظرية كل الصحابة عدول ، لأن ما جرى يناقضها وما وجدث هذا النظرية اصلاً إلا لغايات سياسية كما سنثبت ذلك ، ولتغطية الخروج على الشرعية ، ولتبرير توسيد الأمر لغير أهله ، والله غالب على أمره ، ثم تناقل الناس هذه النظرية تقليداً كتناقل الأزياء.

٤ ـ نظرية عدالة الصحابة تتعارض مع روح الإسلام العامة

ومع حسن الخاتمة ومع الغاية من الحياة نفسها

فا لله سبحانه وتعالى ما خلق الموت والحياة ، وما خلق الأرض وما عليها إلا ليمتحن خلقه أيّهم أحسن عملاً ، بدليل قوله تعالى :

( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً ) ( سورة الكهف ) ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) ( سورة الملك ).

فالحياة وجدت لتكون ميدان اختبار للمكلفين ، وكل ما في الحياة عنصر من عناصر عملية الاختبار ، وتبدأ عملية الاختبار بالتكليف المرتبط بالعقل والتمييز وتنتهي بالموت. فإذا كان كل الصحابة عدولاً لا يجوز عليهم الكذب ومحكوم بنزاهتم ، وأنهم جميعاً من أهل الجنة وأنه لا يدخل أحد منهم النار ، فهم خارجون تماماً عن عملية الابتلاء ولا داعي لامتحانهم ، وهذا يناقض الغاية من حياتهم ، إذ في ذلك إيقاف لعملية الابتلاء الإلهية.

ثم إنها تناقض روح الإسلام العامة لأن الإنسان في خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ، فقدر المسلم أن يكون ملتزماً بأوامر الله حتى يتوفاه الله ، وأي خلل بهذا الالتزام يخرج من دائرة الإسلام ويجرّ عليه غضب الله بحجم هذا الخلل ، والعبرة دائماً بحسن الخاتمة. فلو أن مسلماً التزم بأوامر الله

٥٢

طوال حياته ، وقبل أن يموت بيوم واحد كفر بالله ، لما أغنى عنه التزامه السابق شيئاً.

والرسول بفضل الله عليه على علم بما سيحدث بعده ، لذلك خاطب جميع المؤمنين في حجة الوداع قائلاً ( لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم أعناق بعض ) والخطاب موجه للصحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي.

وروى البخاري عن ابن عباس عن النبي قال ( إنكم تحشرون حفاة عراة ، وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال فأقول : أصحابي أصحابي فيقول : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ).

وروى مسلم هذا الحديث بلفظ ( ليردنّ عليّ ناس من أصحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا من دوني فأقول أصحابي فيقول لا تدري ماذا أحدثوا بعدك؟ ).

وروى البخاري عن النبي قال ( بينما أنا قائم ، فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم قال : هلمّ ، قلت : أين؟ قال : إلى النار والله ، قلت : وما شأنهم؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم ـ أي القليل ).

وفي رواية أخرى أن النبي قال : ( يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيملأون عن الحوض فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ).

وأخرج عن سهل بن سعد قال : قال النبي ( ليوردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ، ثم يحال بيني وبينهم ). قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل فقلت : نعم ، فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها ( فأقول انهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول : سحقاً سحقاً لمن غير بعدي ).

وأخرج من حديث ابن عباس جاء فيه ( وإن اناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي أصحابي فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ).

٥٣

وأخرج أبو يعقوب في مسند عمر مثل ذلك.

وأخرج البخاري في باب غزوة الحديبية عن العلاء بن المسيب عن ابيه قال : « لقيت البراء بن عازب فقلت له : طوبى لك صحبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثناه بعده ».

وأخرج عن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أنا فرطكم على الحوض وليرفض رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول : يا رب أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ).

قال البخاري : تابعه عاصم عن أبي وائل وقال حصين عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأخرج عن أسماء بنت أبي بكر ( إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليَّ منكم ، وسيؤخذ ناس دوني فأقول : يا ربّ مني ومن أمتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم ).

قال البخاري فكان ابن مليكة يقول : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا ونفتن عن ديننا.

هذا بعض ما نقلناه من البخاري ومسلم وفي غيرهما كثير أعرضنا عنه خشية التطويل (١).

تحليل هذه النماذج من النصوص

ثبت من أحاديث رسول الله التي سقناها أن قسماً من الصحابة سيبدّلون من بعده وسيرتدّون على أعقابهم وسيؤمر بهم إلى النار. ومن أخرج هذه الأحاديث البخاري ومسلم ، وهما في نظر المقلدين يأتيان بعد القرآن في الصحة والاعتبار ،

__________________

(١) راجع آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم للسيد مرتضى الرضوي ص ١٠٠ وما فوق وراجع مسند الإمام أحمد ج ٥ ص ٥٠ وج ١ ص ٢٣٥.

٥٤

فكيف نوحد بين قولهم بأن الصحابة كلهم عدول وكلهم في الجنة ولا يدخل أحد منهم النار ، وبين هذه النصوص النبوية القاطعة والمتواترة والتي يؤيدها واقع الحال؟ وطالما أنه لا يمكن التوحيد بين المزاعم والنصوص ، فإن نظرية عدالة كل الصحابة منقوضة من أساسها ، لأنها تتعارض مع الغاية من الحياة وهي الابتلاء ، وتتعارض مع روح الإسلام التي تربط الحياة القويمة بالعمل الصالح واستمرار التواصي بالحق والصبر عليه ، وتتوج كل ذلك بحسن الخاتمة.

تهافت نظرية عدالة كل الصحابة

روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ، وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم كما جاء في شرح النهج للمعتزلي : ( إن أكثر الأحاديث في فضائل الصحابة قد افتعلت في أيام بني أمية تقرّباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون أنوف بن هاشم. وقد صيغت بأسلوب يجعل من كل صحابي قدوة صالحة لأهل الارض وتصب على كل من سب أحداً منهم أو اتهمه بسوء ، كما جاء فيما رووه عن أنس بن مالك ( من سبّ أحداً من أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ومن عابهم أو انتقصهم فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تصلّوا عليه ) وقد جاءت بهذا الأسلوب ولم تفرّق بين صحابي وصحابي ).

عرض

ولي الله بالنص ، وأخو رسول الله بالنص ، وعميد آل البيت بالنص ، وباب مدينة العلم اللّدني بالنص ، هو على الأقل صحابي يحمل هذا اللقب كما يحمله غيره ، فما حكم من يسبّه ويفرض سبّ عليّ والانتقاص منه في جميع المقاطعات التي كانت تخضع لحكم معاوية؟ وما حكم الذين أطاعوا معاوية بسبّه؟ هل يشملهم هذا الحديث الآنف؟ وعندما نصح معاوية بعض خلصائه للتوقف عن سبّ عليّ وشيعته قال : والله لا أدع سبه وشتمه حتى يهرم عليه الكبير ويشبّ عليه الصغير. وقد بذل للصحابي أبي سمرة بن جندب خمسمائة ألف درهم ليروي له عن النبي أن الآية ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها

٥٥

ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) نزلت في علي بن أبي طالب. وأن الاية ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) نزلت في عبد الرحمن بن ملجم لأنه قتل علياً عليه‌السلام. فما لهذه النظرية تفرق بين صحابي وصحابي وتطبق على أناس ولا تطبق على الآخرين؟ ولا عاقل في الدنيا ينفي أن شتم عليّ وآله قد فرضته الدولة على كل رعاياها ، وأنهم قد شاركوا الدولة هذا الإثم رهبة أو رغبة.

دور الصحابة في السنن والتشريع

في عهد الصحابة والطبقة الأولى من التابعين كان دور الصحابة منحصراً على نقل أقوال الرسول وأفعاله ، وكانوا يلاحقون الرواة للتأكد من صدقهم وبعضهم يستحلفه وأكثرهم يتجنب مرويات البعض لأن البعض كانوا يكذبون على رسول الله ودرة عمر بن الخطاب كانت لهم بالمرصاد.

فبعد أن كانت السنّة لا تتعدى أقوال الرسول وأفعاله عند متقدمي الصحابة أصبحت في العصور التي تعددت فيها المذاهب ، وتوزعت في العواصم وبقية الأقطار أصبحت هذه السنّة تتسع لرأي الصحابي وفتواه ، فإذا لم يجدوا نصّاً على حكم الواقعة في كتاب الله وسنّة الرسول اصبحت آراء الصحابة في أحكام الحوادث التي كانت تعرض عليهم المصدر الثالث من مصادر التشريع بعد كتاب الله وسنّة رسوله!

ولعل أئمة المذاهب الثلاثة وعلماءَهم : الأحناف والمالكية والحنابلة أكثر تعصّباً من الشوافعِ كما يبدو ذلك من تصريحاتهم ومجاميعهم الفقهية. ومع أن أبا حنيفة كان متحمساً للقياس ويراه من أفضل المصادر بعد كتاب الله فقد كان يقدم رأي الصحابي إذا تعارض في مورد من الموارد. وجاء عنه أنه كان يقول : إذا لم أجد في كتاب الله ولا في سنّة رسول الله أخذت بقول أصحابه ، فإذا اختلفت آراؤهم في حكم الواقعة آخذ بقول من شئت وأدع من شئت ، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم من التابعين.

وجاء في أعلام الموقعين لابن القيم ، أن أصول الأحكام عند الإمام أحمد خمسة : ١ ـ النص. ٢ ـ فتوى الصحابة. وان ال؟أحناف والحنابلة قد ذهبوا إلى

٥٦

تخصيص الكتاب بعمل الصحابي لأن الصحابي العالم لا يترك العمل بعموم الكتاب إلا لدليل ، فيكون عمله على خلاف عموم الكتاب دليلاً على التخصيص وقوله بمنزلة عمله (١). وما أبعد ما بين هؤلاء أهل السنّة وبين أهل الشيعة القائلين بعدم جواز الاعتماد على السنّة في مقام التشريع إلا إذا تأيدت بآية من القرآن لأن فيه تبيان لكل شيء ، وقد نزل بلغة العرب ، وبأسلوب يفهمه كل عربي ، وذلك لان السنّة رواها عن الرسول جماعة يجوز عليهم الخطأ والكذب ، وكانوا لا يقبلون مرويات بعضهم أحياناً ويعمل كل منهم بما يوحيه إليه اجتهاده ، وقد تراشقوا بأسوأ التهم واستحل بعضهم دم بعض (٢).

ومهما كان الحال فأقوال الصحابة وآراؤهم واجتهاداتهم من أبرز أصول التشريع عند الجمهور بعد كتاب الله ، وفي الوقت ذاته يخصصون بها عمومياته ويقيدون بها مطلقاته وكأنها وحي من السماء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ومن المعلوم أن هذا الغلو في تقديس الصحابة لا يختلف عن العصمة في شيء ، ويتسع للمنافقين وللمشركين الذين أرغموا على التظاهر بالإسلام.

وهذا الغلو في تقديس الصحابة قد تحول في الفترة التي ظهرت فيها المذاهب الفقهية لمحاربة التشيع لأئمة أهل البيت في فقههم وأصولهم وجميع تعاليمهم التي تجسد الإسلام في جميع مراحله وفصوله كما ورثوه عن جدهم ( علي ) الذي وهو مدينة العلم.

وكان الأئمة عليهم‌السلام يقولون ( إذا حدّثنا لا نحدث إلا بما يوافق كتاب الله وكل حديث ينسب إلينا لا يوافق كتاب الله فاطرحوه ) كما كان الإمام الصادق يقول ( حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث

__________________

(١) راجع أبا حنيفة لابي زهرة ص ٣٠٤ وراجع آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم ص ٨٧ وما فوق لقد لخصنا ما ذكره في هذا المجال الايماني لموافقته للصواب.

(٢) راجع المدخل إلى علم اصول الفقه لمعروف الدواليبي ص ٢١٧ وراجع المرجع السابق.

٥٧

رسول الله ، وحديث رسول الله قول الله ) (١).

__________________

(١) لقد اقتطفنا هذا الموضوع من كتاب آراء علماء المسلمين للسيد مرتضى الرضوي ، فارجع اليه ص ٨٧ وما فوق وغايتنا وضع الحقيقة الشرعية امام طلابها.

٥٨

الفصل الرابع

نظرية عدالة الصحابة عند الشيعة

١ ـ مولاة الشيعة للصحابة

يقول السيد مرتضى الرضوي : الشيعة يوالون أصحاب محمد ( عليه وآله الصلاة والسلام ) الذين ابلوا البلاء الحسن في نصرة الدين وجاهدوا بأنفسهم وأموالهم.

واتهام الشيعة بسبّ الصحابة وتكفيرهم أجمع هو اتّهام بالباطل ، ورحم بالغيب وخضوع للعصبية ، وتسليم للنزعة الطائفية ، وجري وراء الأوهام والأباطيل.

٢ ـ من هم الصحابة عند الشيعة

الصحبة تشمل كل من صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو رآه أو سمع منه ، فهي تشمل المؤمن والمنافق والعادل والفاسق والبرّ والفاجر ... فالصحبة ليست بمجردها عاصمة تلبس صاحبها إيراد العدالة ، وإنما تختلف منازلهم وتتفاوت درجاتهم بالأعمال. ولنا في كتاب الله وأحاديث رسول الله كفاية عن التحمل في الاستدلال على ما نقول ، والآثار شاهدة على ما نذهب اليه من شمول الصحبة وأن فيهم العدول من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، ورسخت أقدامهم في العقيدة ، وجرى الإيمان في عروقهم ، وأخلصوا لله فكانوا بأعلى درجة من الكمال. وقد وصفهم الله عز وجل بقوله تعالى ( أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع اخرج

٥٩

شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً ).

وهم المؤمنون ( الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتأبوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) ( سورة الحجرات ). وقد أمر الله باتباعهم والاقتداء بهم بقوله ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) ( سورة التوبة ).

هؤلاء هم أصحاب محمد العدول عند الشيعة.

الشيعة تناقش أعمال ذوي الشذوذ من الصحابة بحريّة فكر وتزن كل واحد منهم بميزان عمله فلا يوادون من حادّ الله ورسوله ويتبرأون ممن اتخذوا ايمانهم جُنَّة فصدوا عن سبيل الله. وهم بهذا الأسلوب لا يخالفون كتاب الله وسنّة رسوله وعمل السلف الصالح في تمييز الصحابة.

٣ ـ نقطة الخلاف الجوهرية

أهل السنّة يقولون بعدالة كل الصحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي. وأهل الشيعة يقولون بعدالة المتصف بالعدالة من الصحابة فقط.

٤ ـ دعاء الشيعة لأصحاب محمد

إن الدعاء الذي تردده الشيعة لأصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لدليل قاطع على حسن ولاء الشيعة للصحابة وإخلاص المودة لهم. فهم يدعون الله لاتباع الرسل عامة ولأصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة بما ورثوه من أئمتهم الطاهرين.

٥ ـ أشهر أدعية الشيعة

ومن أشهر أدعية الشيعة للصحابة دعاء زين العابدين عليه‌السلام في صحيفته المعروفة بالسجادية.

٦٠