نظريّة عدالة الصّحابة والمرجعيّة السياسيّة في الإسلام

احمد حسين يعقوب

نظريّة عدالة الصّحابة والمرجعيّة السياسيّة في الإسلام

المؤلف:

احمد حسين يعقوب


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٢

وبالفعل فقد نصب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين علياً مرجعاً وخليفة من بعده في جمع ضم مائة ألف مسلم في غدير خم ، وذلك يوم الخميس وقد نزل عليه جبريل بعد مضي خمس ساعات من النهار فقال : يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول لك : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ... ).

وقد نزلت هذه الآية يوم الغدير (١).

وبعد أن نصب الرسول علياً إماماً ومرجعاً وخليفة من بعده نزلت الآية ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) وهذه الآية نزلت ألفاً بذي الحجة وبمنطقة غدير خم ، وبنفس المكان الذي نصب فيه أمير المؤمنين ومباشرة بعد تنصيبه (٢).

وبعد تنصيب الإمام علي بن أبي طالب ولياً ومرجعاً وخليفة للأمة بعد النبي

__________________

(١) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ٢ ص ٨٦ وفتح البيان في مقاصد القرآن للعلامة صديق حسن خان ملك بهوبال ج ٣ ص ٦٣ وشواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت للحاكم الحسكاني ج ١ ص ١٨٧ واسباب النزول للواحدي النيسابوري ص ١١٥ والدر المنثور في تفسير القرآن لجلال الدين السيوطي الشافعي ج ٢ ص ٢٩٨ وفتح القدير للشوكاني ج ٢ ص ٦٠ وتفسير الفخر الرازي الشافعي ج ١٢ ص ٥٠ ومطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ج ١ ص ٤٤ والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٢٥ وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٢٠ و ٢٤٩ والملل والنحل للشهرستاني الشافعي ج ١ ص ١٦٣ وفرائد السمطين للحمويني ج ١ ص ١٥٨ ، وعمدة القارىء في شرح صحيح البخاري لبدر الدين الحنفي ج ٨ ص ٥٨ ومودة العربي للهمداني وروح المعاني للآلوسي ج ٢ ص ٣٤٨ وتفسير المنار لمحمد عبده ج ٦ ص ٤٦٣ ... الخ.

(٢) تاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة الإمام علي ج ٢ ص ٧٥ والمناقب لابن المغازلي الشافعي ص ١٩ وشواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ١ ص ١٥٧ وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج ٨ ص ٢٩٠ والدر المنثور في تفسير القرآن لجلال الدين السيوطي الشافعي ج ٢ ص ٢٥٩ والاتفاق للسيوطي الشافعي ج ١ ص ٣١ والمناقب للخوارزمي الحنفي ج ١ ص ٤٧ وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١١٥ وفرائد السمطين للحمويني ج ١ ص ٧٢ و ٧٤ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٣٥ وكتاب الولاية لابن جرير الطبري وروح المعاني للآلوسي ج ٦ ص ٥٥ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ٢١٣ ... الخ.

٢٠١

تقدم عمر بن الخطاب من امير المؤمنين علياً وقال له مداعباً ( بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ) وتلك حقيقة (١).

وأصبح يوم الغدير عيداً عاماً للمسلمين في الأزمنة المتقادمة (٢) وحديث الغدير قد بلغ مرتبة التواتر عن طريق علماء أهل السنّة ، وألفت فيه المؤلفات ، منها كتاب الولاية لابن حجر الطبري ، وكتاب الولاية لأبي العباس بن أحمد بن عقدة المتوفى ٣٣٣ هـ ، وكتاب من روى حديث غدير خم لأبي بكر الجصابي المتوفّى ٣٥٥ هـ ، والدار قطني المتوفّى في ٣٨٥ هـ له جزء في طريق حديث الغدير ، وكتاب الدراية في حديث الولاية لأبي سعد السجستاني المتوفى ٤٧٧ هـ ، وكتاب دعاة الهداة إلى أداء حق الموالاة لأبي القاسم عبيد الله الحنفي المتوفى ٤٩٠ هـ ... الخ. وقد روى حديث الغدير من الصحابة ١١٦ صحابياً ورواه ٨٤ من التابعين ، وروى حديث الغدير كل علماء أهل السنّة ، وأخرجوه في كتبهم على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم من القرن الثاني الهجري حتى القرن الرابع عشر الهجري ، وعددهم ٣٦٠ عالماً كما ذكر الأميني في كتاب الغدير.

ويكفي أن عمر بن الخطاب تقدم وهنأ علياً يوم الغدير قائلاً له : ( هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة )

__________________

(١) راجع تاريخ دمشق ترجمة الإمام علي لابن عساكر الشافعي ج ٢ ص ٧٥ ح ٥٧٥ و ٥٧٧ و ٥٧٨ وراجع مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص ١٨ ح ٢٤ وراجع المناقب للخوارزي الحنفي ص ٩٤ ، وراجع تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج ٨ ص ٢٩٠ وراجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج ١ ص ١٥٨ ح ٢١٣ ، وراجع سر العالمين لابي حامد الغزالي ص ٢١ ، وراجع احقاق الحق ج ٦ ص ٢٥٦ وراجع الغدير للاميني ج ١ ص ١٣٢ وراجع فرائد السمطين لابن الجوزي ج ١ ص ٢٧٧ ... الخ.

(٢) وقد نقله العلامة الأميني في كتاب الغدير ج ١ ص ٢٦٧ نقله عن الآثار الباقية في القرون الخالية للبيروني ص ٣٣٤ وراجع مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ج ١ ص ٤٤ ووفيات الاعيان لابن خلكان ج ١ ص ٦٠ ترجمة المستعلي بن المنتصر وج ٢ ص ٢٢٣ في ترجمة المستنصر العبيدي.

٢٠٢

نموذج من إعلان يوم الغدير

قال الطبراني في المعجم الكبير :

عن حذيفة بن أسيد الغفاري الصحابي الجليل رضي‌الله‌عنه قال : لما صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع نهى أصحابه عن شجيرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا ، ثم بعث إليهم ، فقم ما تحتهن من الشوك وعمد إليهن فصلى تحتهن ، ثم قام فقال :

( يا أيها الناس إني قد أنبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله ، وإني لأظن أني يوشك أن أدعى فأجيب وإني مسؤول وإنكم مسؤولون ، فما أنتم قائلون؟ ) قالوا : نشهد أنك قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيراً.

فقال : ( أليس تشهدون أن لا اله إلّا الله وان محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ ) قالوا بلى نشهد بذلك قال : ( اللهم اشهد ) ثم قال ( أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا ـ يعني علياً رضي‌الله‌عنه ـ مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (١).

__________________

(١) تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ ص ٥٠ ح ٥٤٨ و ٥٥٠ والمناقب للخوارزمي الحنفي ص ٩٤ ومسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٤ ص ٢٨١ والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٢٤ والحاوي للفتاوي للسيوطي ج ١ ص ١٢٢ وذخائر العقبى للطبري ص ٦٧ وفضائل الخمسة ج ١ ص ٣٥٠ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ١٩٧ وعلم الكتاب لخواجه الحنفي ص ١٦١ ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص ١٠٩ ، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٣٠ و ٣١ و ٢٤٩ وتفسير الفخر الرازي الشافعي ج ٣ ص ٦٣ وتذكرة الخواص للسبط الجوزي ص ٢٩ ومشكاة المصابيح ج ٣ ص ٢٤٦ وعبقات الانوار ج ١ ص ٢٨٥ وفرائد السمطين للحمويني ج ١ ص ٧٧ وراجع المراجعات تحقيق السيد حسين راضي ص ١٧٧ ج ٢ من المراجعات.

٢٠٣

ثم قال : أيها الناس إني فرطكم وانكم واردون علي الحوض ، حوض أعرض ما بين بصرى وصنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضة وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين : فانظروا كيف تخلفوني فيهما : الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تضللوا ولا تبدلوا ، وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لله ينقضيان لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (١).

التأكيد الشرعي على ولاية علي

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي ( أنت وليي في الدنيا والآخرة (٢) أنت ولي كل مؤمن بعدي ) وقال : ( من كنت وليه فإن علياً وليه ) وقال ( إن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ إنه وليكم بعدي ) وقال مرة :

__________________

(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير راجع الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي الشافعي ص ٢٥ وصحح الحديث ، وراجع مجمع الزوائد للهيثمي الشافعي ج ٦ ص ١٦٤ وراجع ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ٢ ص ٤٥ ح ٥٤٥ وراجع كنز العمال للمتقي الهندي ج ١ ص ١٦٨ ح ٩٥٩ وراجع الغدير للاميني ج ١ ص ٢٦ ـ ٢٧ وراجع عبقات الأنوار مجلد حديث التعليق ج ١ مجلد ١٢ ص ٣١٣٢ وج ١ ص ١٥٦ وراجع نوادر الأحوال للحكيم الترفدي الشافعي ص ٢٨٩ ، وراجع ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٣٧.

(٢) وقد صرح الذهبي بصحته علي نفسه في تلخيص المستدرك ص ٢٦ ، وابن حجر ذكره في الصواعق باب ١٢ ص ١٦ وأخرجه مسلم في فضائل علي ص ٢٤ ج ٢ من صحيحه والحاكم ص ١٠٩ ج ٣ من مستدركه وابن حجر في باب ١١ ص ١٠٧ من صواعقه وقال إن الإمام أحمد أخرجه وصححه ، وأخرجه صاحب الجمع بين الصحيحين في فضائل علي وفي غزوة تبوك موجود في صحيح بخاري ج ٢ ص ٥٨ وراجع صحيح مسلم ج ٢ ص ٣٢٣ وص ٢٨ ج ١ ، وراجع ص ١٠٩ ج ٢ من مسند الإمام أحمد وص ١٧٢ و ١٧٥ و ٧٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ١٨٥ ج ١ من المسند و ص ٣٣١ وص ٢٦٩ وص ٤٣٨ ج ٦ من المسند وص ٣٢ ج ٣ من المسند وراجع الصواعق المحرقة باب ١١ ص ١٠٧ وراجع فصل ٢ باب ٩ ص ٧٢ من الصواعق وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء وذكر ان الطبراني اخرجه والبزاز في مسنده وراجع ص ٦٥ من تاريخ الخلفاء ، واخرجه الترمذي كما يدل الحديث ٢٥٠٤ ، وراجع ج ٦ ص ١٥٢ من الكنز ، وأورده ابن عبد البر في احوال علي من الاستيعاب.

٢٠٤

( إنك ولي كل مؤمن بعدي ) وقال : ( من كنت وليه فهو وليه ) وقال : ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) وقال : ( إنك ولي المؤمنين بعدي (١).

وجاء حديث المنزلة : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ) ليؤكد هذه الولاية ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي ) وهذا الحديث من أصح الآثار وقد رواه أصحاب السنن (٢).

__________________

(١) راجع النسائي في خصائصه وأحمد بن حنبل في مسنده ص ٤٣٨ ج ٤ والحاكم في مستدركه ص ١١١ ج ٣ والذهبي في تلخيص المستدرك وراجع المراجعات ص ١٦٣ ـ ١٦٤ وكتابنا النظام السياسي في الإسلام الباب الأول.

(٢) نذكر على سبيل المثال البخاري ج ٥ ص ١٢٩ وصحيح مسلم ج ٢ ص ٣٦٠ ومسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٣ ص ٥٠ ح ١٤٩٠ بسند صحيح وص ٥٦ ج ٥ وص ٥٧ وص ٦٦ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٢ وج ٤ ص ٢٠٨ من صحيح بخاري وج ٣ ص ١٠٩ من المستدرك للحاكم وج ٣ ص ١٠٤ من تاريخ الطبري وج ١ من تاريخ ابن عساكر حديث ٣٠ و ١٢٥ و ١٤٨ و ١٤٩ و ١٥٠ وقد رواه بأكثر من مائة رواية ، وأنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ ص ١٠٦ والإصابة لابن حجر ج ٢ ص ٥٠٧ و ٥٠٩ ، والاستيعاب بهامش الاصابة ج ٣ ص ٣٤ و ٣٥ والخصائص للنسائي ص ٧٦ و ٧٧ و ٧٨ ، ومناقب علي لابن المغازلي ، وحلية الاولياء ج ٧ ص ١٩٤ ، والمناقب للخوارزمي ص ٦٠ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٦٨ ، وينابيع المودة للقندوزي ص ٣٥ ، وأسد الغابة ج ٢ ص ٨ ، ونظم درر السمطين للزرندي ص ٩٥ ، وكفاية الطالب للكنجي ص ٢٨١ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ٢ ص ٤٩٥ ، والمعجم الصغير للطبراني ج ٢ ص ٢٢ و ٥٤ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٠٩ ، وكنز العمال ج ١٥ ص ١٣٩ ، والعقد الفريد لابن عبد ربه ج ٤ ص ٣١١ ، وجامع الأخوة لابن الأثير ج ٩ ص ٤٦٨ ، ومشكاة المصابيح ج ٣ ص ٢٤٢ ، والجامع الصغير للسيوطي ج ٢ ص ٥٦ ... الخ.

٢٠٥

الهداية من بعد النبي

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا المنذر وعلي الهادي وبك يا علي يهتدي المهتدون (١).

الحجة من بعد النبي

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا وهذا ـ يعني علياً ـ حجة على أمتي يوم القيامة (٢).

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( علي باب علمي ومبين من بعدي لأمتي ما أرسلت به ، حبه إيمان وبغضه نفاق ) وقال : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) وسنبينه في باب القيادة السياسية.

وقال لعلي : أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي (٣).

هذه السنن وأمثالها تؤكد أن النبي قد عين مرجعية للأمة من بعده ترجع إليها في

__________________

(١) تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ ص ٤١٧ ، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١٠٧ ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص ٩٠ وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٩٩ ونور الابصار ص ٧١ وشواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ١ ص ٢٩٣ وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٣٣ واحقاق الحق ج ٤ ص ٣٠١ ومنتخب كنز العمال بهامش مسند الإمام أحمد ج ٥ ص ٣٤ وفرائد السمطين ج ٤ ص ١٤٨ وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ١ ص ٦٦ والدر المنثور للسيوطي ج ٤ ص ٤٥ وزاد المسير لابن الجوزي ج ٤ ص ٣٠٧ وروح المعاني للآلوسي ج ١٣ ص ٩٧ ، وتفسير الشوكاني ج ٣ ص ٧٠ وتفسير الطبري ج ١٣ ص ١٠٨ وتفسير ابن كثير ج ٣ ص ٥٠٢ ...

(٢) مناقب علي لابن المغازلي ص ٤٥ ح ٦٧ وص ٩٧ ترجمة الإمام من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ٢ ص ٢٧٣ ح ٧٩٣ و ٧٩٤ و ٧٩٥ وينابيع المودة للقندوزي ص ٢٣٩ وكنوز الحقائق للمناوي ص ٣٨ والميزان للذهبي ج ٤ ص ١٣٨ ومنتخب الكنز ج ٥ ص ٣٤ من مسند الإمام أحمد.

(٣) تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ ص ٤٨٨ ح ١٠٠٨ و ١٠٠٩ ومقتل الحسين للخوارزمي ص ٨٦ والمناقب للخوارزمي ص ٢٣٦ وكنوز الحقائق للمناوي ص ١٨٢ ومنتخب الكنز بهامش مسند أحمد ص ٣٣.

٢٠٦

أمور دينها ودنياها ، وأن هذا المرجع الفرد هو علي بن أبي طالب ، وسنقوم بمعالجة الموضوع بتفصيل أدق عند بحث القيادة السياسية في الباب الرابع من هذه الدراسة.

المرجعية الجماعية عند أهل الشيعة

أهل الشيعة يعتبرون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرين قدوة لهم لفضلهم على الإسلام وتفضيل الله لهم ، فهم الأبناء والنساء والأنفس التي عنتها آية المباهلة ( فقل تعالوا ندع أبناءنا ... ) (١) فقد نزلت هذه الآية في النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٢) وهم حبل الله ( واعتصموا بحبل الله ... ) (٣).

وهم أهل الذكر الذي قال الله تعالى فيهم ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) (٤) وهم المحسودون ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من

__________________

(١) آية ٦١ من سورة آل عمران.

(٢) راجع صحيح مسلم كتاب الفضائل ج ٢ ص ٣٦٠ وج ٧ ص ١٢٠ بشرح النووي وصحيح الترمذي ج ٤ ص ٢٩٣ وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١ ص ١٢٠ ـ ١٢٩ ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج ٣ ص ١٥٠ وصححه ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ذكر في النوع ( ١٧ ) وتلخيص المستدرك للذهبي ومناقب علي للمغازلي الشافعي وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ ص ٢١ وتفسير الطبري ج ٣ ص ٢٩٩ ـ ٣٠١ والكشاف للزمخشري ج ١ ص ٣٦٨ ـ ٣٧٠ وتفسير القرطبي ج ٤ ص ١٠٤ واسباب النزول للواحدي ص ٥٩ واحكام القرآن لابن عربي ج ١ ص ٢٧٥ ، وفتح القدير للشوكاني ج ١ ص ٣٤٧ وتفسير الفخر الرازي ج ٢ ص ٦٩٩ .... وقد ذكر السيد حسين راضي قرابة ٩٠ مرجعاً تجدها على الصفحة ٤٥ من ملحق المراجعات للعاصي.

(٣) آية ١٠٣ من سورة آل عمران ، راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ص ١٣٠ ح ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٧٩ و ١٨٠ وراجع الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي الشافعي ص ١٨٩ وراجع ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٣٩ و ٢٣٨ وراجع الاتحاف بحب الاشراف للشبراوي الشافعي ص ٧٩ وروح المعاني للآلوسي ج ٤ ص ١٦ ونور الابصار للشبلنجي ص ١٠٢.

(٤) الأنبياء آية ٧ ، راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج ١ ص ٣٣٤ ، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٥١ وتفسير القرطبي ج ١١ ص ٢٧٢ وتفسير الطبري ج ١٤ ص ١٠٩

٢٠٧

فضله ) (١) وهم ذو القربى ( وآت ذا القربى حقه ) ( ... فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) (٢) وهم المطهرون ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (٣).

وهم الذين فرض الله مودتهم (٤) وهم الذين أوجب الله الصلاة عليهم في أثناء

__________________

وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٧٠ وروح المعاني للآلوسي ج ١٤ ص ١٣٤ واحقاق الحق للتستري ج ٣ ص ٤٨٢.

(١) النساء آية ٥٤ ، راجع مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص ٤٦٧ ح ٣١٤ وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج ١ ص ١٤٣ والصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ١٥٠ ونور الأبصار للشبلنجي ص ١٠٢ وإسعاف الراغبين للصبان الشافعي مصنوع بهامش نور الأبصار ص ١٠٨ والاتحاف بحب الأشراف للشبراوي الشافعي ص ٧٦ وورد الصادي لابي بكر الحضرمي ص ٣٧ والغدير للأميني ج ٣ ص ٦١.

(٢) راجع الدر المنثور للسيوطي ج ٤ ص ١٧٧ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ٤٩ وتفسير الطبري ج ١٥ ص ٧٢ وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٤٩ ومنتخب بهامش مسند الإمام أحمد ج ١ ص ٢٢٨ وتفسير الطبري ج ١٠ ص ٥ وشواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ ص ٣٣٨ وينابيع المودة للقندوزي ص ٥٠. واتلوا الآيات الاسراء آية ٢٦ والانفال آية ٤١ والحشر آية ٧.

(٣) الاحزاب آية ٣٣ ، راجع صحيح مسلم فضائل أهل البيت ج ٢ ص ٣٦٨ وج ١٥ ص ١٩٤ بشرح النووي وشواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ ص ٣٣ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٣٤٧ وتلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك والدر المنثور للسيوطي ج ٥ ص ١٩٨ وفتح القدير للشوكاني ج ٤ ص ٢٧٩ وعلى الصفحات ٧٦ وما فوق من كتابنا النظام السياسي في الإسلام عالجت هذا الموضوع بطريقة علمية ومقنعة ويمكن لمن يشاء الرجوع إلى هذه المعالجة.

(٤) راجع شواهد التنزيل للحاكم الحنفي ج ٢ ص ١٣٠ ومناقب علي لابن المغازلي ص ٣٠٧ وذخائر العقبى للطبري الشافعي ص ٢٥ و ١٣٨ والصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ١٠١ و ١٣٥ و ١٣٦ والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١١ ومقتل الحسين للخوارزمي الحنفي ص ١ و ٥٧ وتفسير الطبري ج ٢٥ ص ٢٥ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٧٢ والاتحاف للشبراوي ص ٥ و ١٣ ، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الاتحاف ص ١١٠ وتلخيص المستدرك للذهبي ذيل المستدرك ج ٣ ص ١٧٢ وتفسير الكشاف للزمخشري ج ٣ ص ٤٠٢ وتفسير القرطبي ج ١٦ ص ٢٢ وفتح القدير للشوكاني ج ٤

٢٠٨

الصلاة (١)

وهم الثقل الأصغر ، فالقرآن وأهل البيت حرز من الضلالة (٢) وهم المتقدمون (٣) وهم سفينة النجاة من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق (٤) وهم أمان الأمة من الاختلاف ومخالفهم من حزب إبليس (٥) وهم الأمان لهذه

__________________

ص ٥٣٧ وحلية الاولياء ج ٣ ص ٢٠١ .... الخ.

(١) الغدير للأميني ج ٢ ص ٣٠٢ والصواعق المحرقة ص ٨٧ و ١٣٩ وتفسير الرازي ج ٧ ص ٣٩١ وذخائر العقبى للطبري الشافعي ص ١٩ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٢٦٩ ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ١ ص ٢٠٨ والانوار المحمدية للنبهاني ص ٤٢٢ وراجع قول الإمام الشافعي ( كفاكم من عظيم الفخر أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له ) في الصواعق المحرقة ص ١٤٦ وراجع ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٣٥٤ وإسعاف الراغبين للصبان بهامش نور الأبصار ص ١١٨ والاتحاف بحب الاشراف للشبراوي الشافعي ص ٢٩ ونور الابصار للشبلنجي ص ١٠٥ والسيرة النبوية لزيني دحلان بهامش السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٣٢ ... الخ.

(٢) صحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٢٨ كنز العمال ص ١٥٣ وتفسير ابن كثير ج ٤ ص ١١٣ وجامع الأصول لابن الأثير ج ١ ص ١٨٧ والمعجم الكبير للطبراني ص ١٣٧ ومشكاة المصابيح ج ٣ ص ٢٥٨ وإحياء الميت للسيوطي بهامش الاتحاف ص ١١٤ والفتح الكبير للنبهاني ج ١ ص ٥٠٣ ، والصواعق المحرقة ص ١٤٧ و ٢٢٦ والمعجم الصغير للطبراني ج ١ ص ١٣٥ وتفسير الخازن ج ١ ص ١٥٤ والتاج الجامع للاصول ج ٣ ص ٣٠٨ وخصائص امير المؤمنين للنسائي ص ٢١ ، وصحيح مسلم ج ٢ ص ٣٦٢ ... الخ.

(٣) الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٤٨ و ٢٢٦ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٣ والدر المنثور للسيوطي ج ٢ ص ٦٠.

(٤) تلخيص المستدرك للذهبي ، ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص ٢٣٥ ، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٣٠ و ٣٧٠ والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٨٤ و ٢٣٤ وتاريخ الخلفاء للسيوطي ، واسعاف الراغبين للصبان الشافعي ص ١٠٥ ، وفرائد السمطين ج ٢ ص ٢٤٦ وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٣٧٨ والمعجم الصغير للطبراني ج ٢ ص ٢٢ واحياء الميت للسيوطي بهامش الاتحاف ص ١١٣ والصواعق المحرقة ص ٩١ .... الخ.

(٥) الصواعق المحرقة ص ٩١ و ١٤٠ وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٤ ، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج ٥ ص ٩٣ وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٩٨ وجواهر البحار للنبهاني ج ١ ص ٣٦١.

٢٠٩

الأمة (١).

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا من تعزون (٢).

ثمرة اتباع الشيعة للمرجعية الشرعية

لأن الشيعة والوا محمداً وأهل بيت محمد وما زالوا يوالونهم ، ولأنهم يعتبرون عميد أهل بيت النبوة في كل زمان هو إمامهم وقدوتهم ، فإن الله سبحانه وتعالى اصطفاهم لحفظ دينه على الأصول المستقرة وقد بشرهم النبي أنهم خير البرية.

وعندما نزل قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير لي البرية ) قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي هم أنت وشيعتك (٣).

__________________

(١) ذخائر العقبى للطبري الشافعي ص ١٧ ، ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص ٢٣٤ وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٢ والجامع الصغير للسيوطي ج ٢ ص ١٦١والفتح الكبير للنبهاني ج ٣ ص ٢٦٧ ومنتخب كنز العمال ج ٣ ص ٢٦٧ ، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند الإمام أحمد ج ٥ ص ٩٢ والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٨٥ و ٢٣٣ وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٢٨ .... الخ.

(٢) الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٤٨ وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٢٦ و ٢٣٦ و ٣٢٧ وذخائر العقبى لمحب الدين الطبري الشافعي ص ١٧.

(٣) راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج ٢ ص ٣٥٦ ـ ٣٦٦ حديث ١١٢٥ ـ ١١٣٥ و ١١٣٧ و ١١٣٩ ـ ١١٤٨ ، وراجع كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٤٤ و ٢٤٥ ، والمناقب للخوارزمي ص ٦٢ و ١٨٧ والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١٠٧ ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص ٩٢ وترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ٢ ص ٤٤٢ ، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٦٢ ونور الابصار للشبلنجي ص ٧١ و ١٠٢ والصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ٩٦ والدر المنثور للسيوطي ج ٦ ص ٣٧٩ وتفسير الطبري ج ٣ ص ١٤٦ وتذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص ١٨ وفتح القدير للشوكاني ج ٥ ص ٤٧٧ وروح المعاني للآلوسي ج ٣٠ ص ٢٠٧ واحقاق الحق للتستري ج ٣ ص ٣٨٧ والغدير للأميني ج ٢ ص ٥٧ وفضائل الخمسة ج ١ ص ٣٧٨ وغاية المرام باب ٢٨ من العقد الثاني ص ٣٢٨ وفرائد السمطين ج ١ ص ١٥٦.

٢١٠

الباب الرابع

القيادة والسياسة

٢١١
٢١٢

الفصل الأول

القيادة السياسية

١ ـ ضوابط حركة المجتمع

حركة المجتمع ـ أي مجتمع سياسي على الاطلاق ـ تسير وفق ضابطين رئيسيين ، والمجتمع المسلم كواحد من المجتمعات السياسية الانسانية لا يشذ عن هذه القاعدة ، فحركته أيضاً محكومة بضابطين :

١ ـ الضابط الاول : وهو العقيدة أو المنضومة الحقوقية الإلهية ، وهي بمثابة القانون النافذ في المجتمع الإسلامي ، وهي عبارة عن مخططات عامة وتفصيلية تعطي بالكامل حركة المجتمع الإسلامي في كل مجالات الحياة بالحال والمآل وإن شئت فقل إنها الصيدلية الكبرى التي تحوي العلاج الشافي من كل داء قد أصاب المجتمع الإسلامي أو سيصيبه. وتحتوي هذه المنظومة على التجذير النظري والعملي والتنظير لكل داء ودواء ، وتقدم ضمانة مؤكدة لفاعلية هذا العلاج ونتائجه. وهذه المنظومة معدة ومصاغة لتغطي حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والعالم كله ، وتنظيم علاقات المجتمع وقيادتهم إلى التعاون والانسجام ، وإشباع حاجاتهم المادية والروحية أيضاً.

الضابط الثاني : وهو القيادة السياسية المنبثقة عن هذه العقيدة فهي الجهة المخولة وفق أحكام هذه المنظومة الإلهية بابقاء حركة المجتمع الإسلامي دائماً وفق أحكام هذه المنظومة الحقوقية الإلهية ، وتوضيحاً هو بمثابة المهندس الذي استوعب المخططات العامة والتفصيلية للعقيدة الإلهية ، وهو بمثابة الطبيب والصيدلاني الذي يشخص المرض ويصف العلاج ويقدمه لك ويصف كيفية استعماله ، ويتابعك وأنت

٢١٣

تتناوله حتى يتم الشفاء.

وهو المنظر للمنظومة الحقوقية الإلهية ، وهو المشرف العام على تطبيقها ، والمرجع العام لفهم أحكامها ومراميها ، لأنه هو الأعلم بها ، والأفهم لقواعدها وغاياتها ، والأفضل من بين أتباعها والأنسب من بين كل الموجودين لقيادة أتباع هذه العقيدة.

وهو المبين لها من خلال نقلها وتبليغها بالضبط ، كما تلقاها من ربه ، ومن خلال ترجمتها من النص إلى الحركة بعد عملية النقل والتبليغ. وهو الشاهد على عملية البيان بشقيها النظري والعملي ، وهو المبشر للمخصلين للعقيدة ، والمنذر للمعاندين لها ، وهو الداعية إلى الله ، وهو السراج المنير الذي ينير درب المجتمع أثناء حركة هذا المجتمع الحياتية.

٢ ـ الترابط والتكامل بين العقيدة الإلهية والقيادة السياسية

العقيدة الإلهية الإسلامية بكليتها وأساسها قائمة على ركنين أساسيين ، أولهما كتاب الله المنزل ، وهو القرآن الكريم ، وثانيهما نبي الله المرسل ، وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. محمد هو القيادة السياسية المخولة إلهياً بقيادة الدعوة إلى العقيدة والمعينة إلهياً لتقود الدولة بعد أن تسفر الدعوة عن الدولة ، بمعنى أن القيادة السياسية لدعوة العقيدة ودولتها هي جزء لا يتجزأ من هذه العقيدة ، وهي أصل من أصولها ، فالإيمان بقيادة محمد السياسية وولايته هي جزء من الإيمان بالعقيدة الإلهية ، كذلك فان الإيمان بقيادة طالوت السياسية كان جزءاً لا يتجزأ من العقيدة الإلهية الناقدة آنذاك ، وكذلك الإيمان بقيادة داود ، وسليمان عليهما‌السلام.

لأنه ليس بالإمكان وفق نواميس الحياة تبليغ العقيدة الإلهية وبيان أحكامها وتطبيق هذه الأحكام دون القيادة السياسية لمحمد بالذات ، فهو نفسه المخول بترجمة نصوصها من الكلمات إلى الحركات وهكذا فعل عبر دعوة قادها بنفسه ، وعبر دولة ترأسها بنفسه ، لأنه هو بالذات محور وأساس القيادة السياسية التي أسندت إليها مهمة قيادة الدعوة والدولة معاً.

ويؤكد هذا الترابط العضوي والتكامل المحتوم بالضرورة أن الله سبحانه وتعالى وطوال التاريخ البشري لم يرسل رسالة إلى بني البشر بدون رسول ، ولم ينزل كتاباً إلّا

٢١٤

على عبد ليقود المؤمنين وفق أحكام هذا الكتاب بعد أن بين لهم تلك الأحكام ، ولو كان مجدياً فك الترابط بين العقيدة الإلهية والقيادة السياسية ، وبين الرسالة والرسول وبين الكتاب والعبد لكان يسيراً على الله أن يرسل نسخاً من كل الكتب السماوية إلى كل إنسان بالغ ، وأن يكلفه بفهمها والعمل بها ، ولما كانت هنالك حاجة لإرسال عشرات الآلاف من الرسل والأنبياء والمهديين.

ففك الارتباط والتكامل بين العقيدة الإلهية وبين القيادة السياسيةغير وارد بكل المقاييس العقلية والمنطقية والدينية والفطرية ، ويخرج عن دائرة المعقول تماماً التمسك بالقرآن وحده وتجأهل القيادة السياسية الإلهية ، فمن يقول إنه يؤمن بالقرآن ولا يؤمن بمحمد كقائد له وكوليّ هو ليس مؤمناً بالإجماع. ومن يقول أنه يوالي محمداً كقيادة سياسية ولا يؤمن بالقرآن هو أيضاً ليس مؤمنا بالإجماع لأن من مستلزمات الإيمان ، الإيمان بالعقيدة الإلهية كقانون نافذ ، والإيمان بمحمد كقائد وكوليّ يقود حياة المؤمنين ضمن هذا القانون النافذ.

فالقيادة السياسية هي بمثابة الهيئة التأسيسية ، فهي المختصة ببيان العقيدة وبقيادة الأتباع وفق أحكام هذه العقيدة.

وعمليات البيان وعمليات القيادة عمليات فنية تماماً كالطب أو علم الذرة أو علم الهندسة ، ومن المستحيل أن نترك لأهوائنا واجتهاداتنا.

مؤهلات القيادة السياسية الإسلامية الشرعية

أول ولي وقائد سياسي للأمة الإسلامية هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو القدوة وهو المثال الذي يقاس عليه ، والذين تولوا الولاية والقيادة ، والمرجعية من بعده ، تولوها بوصفهم خلفاء للنبي ، فالمؤهلات العلمية للنبي كولي وكقائد سياسي وكمرجع للأمة هي أنه أعلم أهل زمانه بالعقيدة الإلهية ، وأفهم أهل زمانه بأحكامها وأفضل الموجودين من أتباعها ، وأنسبهم لقيادة ولايتها ومرجعيتها ، بالإجماع. ودليلاً على ذلك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي عينه وجمع له الولاية والقيادة والمرجعية ، ولا يعارض بذلك أحد من أبناء الملة.

وأي قيادة وولاية ومرجعية تأتي من بعده يجب أن تكون لها نفس المؤهلات

٢١٥

فالولي القائد المرجع بعده يجب بالضرورة أن يكون :

١ ـ الأعلم بالعقيدة. ٢ ـ الأفهم بأحكامها. ٣ ـ أفضل الموجودين من أتباعها. ٤ ـ أنسب هؤلاء الأتباع لقيادة الأمة.

وهذه معايير موضوعية ، وأمنيات مجردة ، وغايات محددة لكل من أراد الحق وجانب الهوى. فمن مصلحة كل المؤمنين أن يتولاهم ويقودهم الأعلم والأفهم ، والأفضل والأنسب ، ولا مصلحة شرعية لأي واحد منهم ، بأن يتولى غير من كانت هذه صفاته.

من هو المختص بالتأكد من توافر هذه المؤهلات

لا يوجد في الدنيا فرد أو جماعة أو أمة تستطيع أن تؤكد لنا على وجه الجزم واليقين أنّ هذا أو ذاك هو : الأعلم والأفهم والأفضل والأنسب ، لأن الأفراد والجماعات والأمم لا يعرفون ذلك على وجه الجزم واليقين ، لأنّ إمكانياتهم وطاقاتهم العقلية والفطرية والعلمية لا تمكنهم من ذلك ، ولأنهم لا يعرفون إلّا الظاهر ، أما البواطن فهم يجهلونها ، وإذا اجتهدوا وحاولوا أن يبحثوا عن الأعلم والأفهم والأفضل والأنسب ، فإن النتائج التي سيتوصلون إليها قائمة على الفرض والتخمين فقد تكون وقد لا تكون ، ولكن المؤكد أن هذه النتائج هي ثمرة مبلغهم من العلم مشبعة بكل نوازع النفس الإنسانية.

والمطلب الحقيقي للجميع ليس الفرض والتخمين إنما الجزم واليقين. إذاً ، فإن المؤهل والمختص بإعطاء المعلومات اليقينية القائمة على الجزم واليقين هو الله جل وعلا ، فهو نفسه الذي قدم لنا محمداً وأكد لنا أنه الأعلم والأفهم والأفضل والأنسب وهو نفسه صاحب العقيدة والأحرص على مصلحتها ، وهو المعنى تماماً بأن يقدم لنا من تتوفر فيه هذه الصفات على وجه اليقين وفي كل زمن من الأزمان من بعد وفاة النبي وحتى تقوم الساعة.

فمنذ اليوم الذي شرع فيه محمد بالدعوة شرع بأمر من ربه بإعداد هذا الذي سيتولى الولاية والقيادة والمرجعية من بعده ، وبين الطريقة التي ستتم بها عملية استكشاف من كانت هذه صفاته.

٢١٦

والخلاصة أن المختص بالتأكد من توافر هذه الصفات هو الله تبارك وتعالى.

القبول بالتكييف الإلهي

إذا قبلت الأمة بالتكييف الإلهي ووافقت على أن فلاناً هو الأعلم وهو الأفضل وهو الأفهم وهو الأنسب ، فإنها تعبر عن هذا القبول بالمبايعة فتتفق إرادة الأمة مع إرادة الله ، وغاية الأمة مع غاية الله فيكون فلان هذا معيناً من الله ومقبولاً من الأمة ، فيستمد شرعية وجوده كولي وكقائد من مصدرين : الأول الله الذي كيف صفاته وعينه على أساسها ، والمصدر الثاني الأمة التي قبلت بالتكييف الإلهي بأن فلاناً هذا هو الأعلم والأفهم بالعقيدة وأفضل أتباعها لقيادتها فبايعته على هذا الأساس وقبلت به ولياً وقائداً ومرجعاً.

وبهذه الحالة تستقيم أمور الأمة وعقيدتها وقيادتها السياسية ويقطف الجميع أحلى الثمرات وأطيبها وتشق الدعوة والدولة طريقهما إلى الله بيسر ورخاء وريح مواتية ويتفيأ الجميع في ظلال النعمة الإلهية.

رفض التكييف الإلهي

إذا لم تقبل الأمة التكييف الإلهي بأن فلاناً هوالأعلم والأفهم والأفضل والأنسب لقيادتها على وجه الجزم واليقين ، واجتهدت الأمة أو هكذا خيل إليها بأن فلاناً هو الأنسب لخلافة النبي من فلان. فمعنى ذلك هو رفض التكييف الإلهي القائم على الجزم واليقين واستبداله بتكييف بشري قائم على الفرض والتخمين.

وهذه العملية ( الرفض والاستبدال ) لا تغير من الحقيقة شيئاً ، ولا تجعل فلاناً أنسب من فلان لكن تحدث عملية انفكاك واقعية فيتولى الولاية والقيادة والمرجعية شخص آخر غير الشخص الذي عينه الله ، وبما أن الولاية والقيادة والمرجعية اختصاص ، وحيث أن الشخص البديل غير مؤهل لهذا الاختصاص فتحدث تبعاً لذلك انهيارات متلاحقة ، وما تزال تتوالى حتى تعصف بالأمة وتفرقها بعد وحدة وتذلها بعد عزة ، وتخرج رويداً رويداً من دائرة المنظومة الحقوقية الإلهية إلى دائرة العقل أو دائرة الفرض ، أو دائرة الشهوة أو مزيج من هذه الدوائر مجتمعة ، وتتوقف

٢١٧

العقيدة عن العطاء ويحل غضب الله بالأمة ، ولا يزول إلّا بإعادة الأمور إلى نصابها ووضع القيادة التي كيفها الله وعيّنها. ومن الطبيعي أن الله لا يكره المريض على تناول العلاج ولا يجبر الضال على سلوك طريق الهدى ، فما على الله إلا أن يقدم العلاج ويرغب المريض فيه ، ويبين طريق الهدى للضال ويشجعه على السير فيه ، فإذا رفض المريض العلاج مع سبق الإصرار فهو المفرط بحق نفسه ، وإذا رفض الضال طريق الهدى فجنايته على نفسه وعلى الذين ساروا خلفه. وهذه حال الذين رفضوا العقائد الالهية ورفضوا موالاة الرسل ، أو كانوا على استعداد للنظر في العقائد الإلهية لكنهم غير مستعدين لموالاة الرسل.

أشكال رفض التكييف الإلهي

١ ـ الشكل الأول : القبول بالعقيدة الإلهية وعدم القبول بولاية القيادة السياسية كالايمان بنبي بني إسرائيل ورفض موالاة طالوت لأنه ليس الاحق بالقيادة حسب رأيهم ، فبين الله سبحانه وتعالى لهم أنه زاده بسطة في العلم والجسم ودعمه بالبينات فقبلوه مكرهين وانتهى الرفض إلى القبول.

٢ ـ الشكل الثاني : الإيمان بالعقيدة الالهية وعدم القبول بولاية القيادة السياسية من بعد النبي بتأويل مفاده أن الله لم يعين هذه القيادة إنما عينها النبي حسب اجتهاده كبشر ، وأنّه لا حرج من مخالفة هذا الاجتهاد واختبار شخص آخر بدلاً من الذي اختاره النبي ، لأن الذي اختاره النبي من بني هاشم ، والله قد اعطى الهاشميين النبوة والأفضل لمصلحة الجميع أن يهنأ الهاشميون بالنبوة وأن يتولى الخلافة غيرهم ، أضف إلى ذلك ان هذا الذي اختاره النبي به دعابة ، وعنده زهو بنفسه ، وما زال فتى ، وهنالك من هو أسن منه ، وهم مشيخة قريش. لكل هذه الأسباب آمنوا بالعقيدة الإلهية ورفضوا موالاة الرجل الذي كيفه الله وأعده رسوله وعينه خليفة من بعده. وهذا ما حدث لعلي بن أبي طالب.

٢١٨

٣ ـ الشكل الثالث : رفض العقيدة الإلهية كقانون نافذ للأمة ، ورفض موالاة الذي عينه الله ، وهذا الرفض يدخل صاحبه الكفر من أوسع الأبواب والعياذ بالله.

٢١٩
٢٢٠