نظريّة عدالة الصّحابة والمرجعيّة السياسيّة في الإسلام

احمد حسين يعقوب

نظريّة عدالة الصّحابة والمرجعيّة السياسيّة في الإسلام

المؤلف:

احمد حسين يعقوب


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٢

١

٢

المقدمة

أحمدك اللهم حمداً كثيراً ، بمدى علمك ، وبسعة رحمتك ، طيباً يليق بربوبيتك لي وبعبوديتي لك ، وبنفس الكم والكيف استغفرك من كل ذنوبي وآثامي كما امرت ، وأتوسّل اليك ان تجود عليّ بالمغفرة كما وعدت ، انك يا مولاي لا تخلف الميعاد.

وأسألك باسمك العظيم الاعظم ، وكلماتك التامة ، أن تصلّي وتسلّم على رسولك محمد الذي أرسلته بالإسلام ، فميّزه وبيّنه ، وسلك بمعتنقيه الصراط السَّويَّ اليك فَعَبَّدهُ ، اللهم صلِّي وسلِّم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، أهل الثقل والتُّقى ، ونجوم الأمان والهدى ، وسفين النجا ، خصّهم الله بالفضل ، وقدّمهم على أهل الملّة ، وجعل الصلاة عليهم ركناً من أركان الصلاة المفروضة على العباد ، لتكون تذكرةً دائمة بتلك المنزلة ( إن نفعت الذكرى ) ( إنّ الذكرى تنفع المؤمنين ) ، أما بعد :

فان المنظومة الحقوقية الإلهية التي جاء بها الإسلام ، ما هي في مجملها وحقيقتها وبكل جوانبها إلا خطة الهية متكاملة ، اُعدّت بإحكام ، ووضعت خصيصاً لترشيد الجنس البشري للأقوم ، ولإسعاده في الدارين ، وهي بطبيعتها وبحكم تكوينها الإلهي قائمة على الجزم واليقين ، بعكس المنظومات الحقوقية الوضعية المبنيّة اصلاً على الافتراض والتخمين ومما يؤكد الثقة المطلقة بهذه المنظومة أنها لم تبق مجرد قواعد نظرية ، انما شقّت طريقها إلى عالم التطبيق ، ونقلت من النظر إلى العمل ، ومن الكلمة إلى الحركة ، وبالتصوير الفني البطيء ، عبر دعوة قادها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه ، تمخّضت عن دولة ترأسها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، ونتيجة تطبيق هذه المنظومة ، تكوّنت خير امة اخرجت للناس ، وقامت اعظم دولة عرفتها البشرية ، وهي دولة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والنبي الكريم على فراش الموت ، وبُعَيد انتقاله إلى جوار ربه بدأت سلسلة من

٣

التداعيات والانهيارات السياسية واقعياً ، وبدأت معها عمليات التعتيم والتظاهر بالسلامة ، والتستر على هذه الانهيارات ، ظنّاً من أرباب تلك العمليات أنها قد تعطي الفرصة لإيقاف تلك الانهيارات ، فلا يسمع بها أحد ، ولا يشمت بالدين وأهله شامت ، ولكن الانهيارات لم تتوقف ، بل توالت عبر التاريخ ، ومهّد الانهيار إلى انهيار ، حتى تحوّل النظام السياسي في الإسلام إلى هيكل عظمي لم يبق له من الإسلام إلا الاسم ، حيث اختفى وانهار نهائياً بسقوط آخر سلاطين بني عثمان ، واستفاق المسلمون من ذهولهم ، فإذا بالأمة الواحدة أمم ممزّقة ، تحيا الحيرة والضياع ، فلو أرادت أن تتحد لما عرفت كيف تتحد ، كما يقول العقاد في ميزانه ، وإذا بدولة الإسلام الواحدة دول ، وإذا بحمى الإسلام يتحول إلى مائدة تتداعى فيها الأمم ، والعالم من حولنا تتحكم به شريعة الغاب ، وقد أنشبت المادية أظافرها في ذاته فأدمتها ، يجري وراء السراب ، بتوهم أنه اكتشف العلاج الذي يوقف النزيف ، ويحاول أن يجرّ إليه البشرية جرّاً ، تحت شعار الرحمة وإكراه المريض على تناول العلاجِ. وبينما الطبول تصدر انغام الفرح والمسرة ، يكتشف العالم أن الذي تصوره علاجاً كان وهماً ... وليس انهيار العقيدة الشيوعية ببعيد.

لماذا حدثت الانهيارات؟ لماذا توالت؟ حتى حولت النظام السياسي الإسلامي إلى هيكل عظمي واخرجته عن معناه وصورته ، ثم أتت عليه ورفعته من واقع الحياة بعد أن أبطلت مفعول المنظومة الحقوقية الإلهية وحرمت الجنس البشري من التداوي بعلاج الإسلام ومن الانتفاع بمنظمومته؟ أين يكمن سبب ذلك كله؟ من المحال عقلاً أن يكون سبب كل هذه البلايا والمحن من المنظومة الحقوقية ذاتها ، لانها من صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه!

اذن ، فمن المؤكد ان السبب في كل ذلك يكمن في الذين قادوا التاريخ السياسي الإسلامي وصنعوه ، أو في الأمة التي اشتركت معهم في صناعة هذا التاريخ واخراجه ، أو بالاثنين معاً!

الأحزاب الدينية العربية التي تولّت قيادة موكب التقليد الاعمى ، وتاجرت بالآلام ، وخلطت كل الأوراق لغاية في نفس يعقوب ، تحاول بكل قواها أن تلقي بروع الناس ، أن فهم هذه الاحزاب للإسلام هو الإسلام بعينه ، وأنه لا فرق بين

٤

فهمها للإسلام وبين الإسلام ، فهما وجهان لعُملة واحدة ، مع أن الإسلام من صنع الله ، وفهم الاحزاب للإسلام من إنتاجها ، كما تحاول بكل قواها أن تثبت للناس بأن التاريخ السياسي الإسلامي الذي صنعه البشر من بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحتى سقوط آخر سلاطين بني عثمان ، هو عينه النظام السياسي الإسلامي الذي أنزله الله على عبده لترشيد الحركة السياسية للمجتمع البشري ، وهي جادة في ما تقول وجادة فيه ، مع انها بعملها هذا قد خلطت الفهم بالمفهوم ، وقدمت التابع على المتبوع ، والفرع على الاصل ، واستبدلت المنظومة الحقوقية الإلهية بالاجتهادات التي نشأت في ظلالها ، ولم تتكلف الأحزاب الدينية العربية بذلك ، إنما ضاق صدرها بالرأي الإسلامي المخالف ، وحاولت بكل الوسائل أن تخنقه ، وهي مع ذلك تدّعي الانفتاح على الفكر العالمي ، وتَعِدُ باعطاء الحرية له ولأربابه ليعرضوا فكرهم في الوقت الذي تخنق فيه هذه الاحزاب الرأي الإسلامي المعارض لها ، وتمنع أصحابه من التصريح به ، فكيف يصدق بربك العالم ادعاءات هذه الأحزاب بالانفتاح؟

هكذا قدمت الأحزاب الدينية العربية الإسلام للعالم الحديث ، فالإسلام الذي جاء لينقذ الجنس البشري كله ، ويتسع به كله ، ويشبع حاجاته وآماله كلها ، يضيّق على أبنائه ويضيق حتى بهم!! ذلك مبلغهم من العلم ، وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً.

وبهذا البحث المتواضع حاولت جهدي اثبات أن ما أنزله الله شيء ، وأن فهمنا له شيء آخر ، وأن الانهيارات التي بدأت بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتوالت حتى اقتلعت النظام السياسي الإسلامي من واقع الحياة ، لم تكن بسبب علة في الدين ، ولا لنقص أو خطأ في منظومته الحقوقية الخالدة ، إنما بسبب المسلمين الذي بدَّلوا نعمة الله وأعمالهم لما تهوى الانفس ، بدلاً من حكم الله ، وهنا يكمن حذر البلاء ، ومن هنا المنطق نحو الله.

وتأصيلاً وتجذيراً وتسهيلاً لاستيعاب هذا البحث ، فقد قسمته إلى أربعة أبواب ، عالجت في الباب الأول مفهوم الصحبة ، وفي الباب الثاني كشفت الجذور التاريخية لهذا المفهوم ، أما الباب الثالث فقد وضحت فيه المرجعية في الإسلام ، ونظراً لارتباط مبدأ المرجعيه بالقيادة السياسية ، فقد تناولت في الباب الرابع القيادة

٥

السياسية في الإسلام ، وسيكتشف القاريء المتمعن أن هذه المواضيع الأربعة تتشابك مع بعضها تشابكاً عضوياً يتعذر فصله ، وفي كل موضوع من هذه المواضيع سقت رأي أهل السنّة باعتباره رأياً إسلامياً ، قاد أصحابه الأمة الإسلامية طوال التاريخ ، بعد أن استخرجته من مصادر أهل السنّة المعتبرة ، ثم سقت رأي أهل الشيعة ، باعتباره رأياً إسلامياً تولّى مهمة المعارضة طوال التاريخ الإسلامي ، بعد أن استمزجت هذا الرأي من مصادر أهل الشيعة ، وبعد ذلك وضعت تحت تصرف عشاق الحقيقة الشرعية المجردة حكم الشرع في كل موضوع من تلك المواضيع.

فجاء البحث وحيد زمانه شكلاً وموضوعاً ومنهجية ، وحسب علمي القاصر ، فإنه لأول مرة في العصر الحديث يتم تناول هذا الموضوع من قبل عربي من أهل السنّة بهذا الشمول والتكامل والموضوعية ، وبهذا الحجم من المعلومات والمراجع.

ولم اُخفِ ولائي لآل محمد خاصة ، ولبني هاشم عامة ، ومن يلمني بولائي لهم وهم الثقل الاصغر والقرآن هو الثقل الأكبر ، والهداية لا تدرك إلا بهما معاً ، والضلالة لا يمكن تجنبها إلا بهما معاً كما هو ثابت في النصوص الشرعية القاطعة ، وكيف يلمني لائم وهم سفن النجاة ونجوم الامان والهدى في كل ليل كما هو ثابت في النص ، وهم الحل ، فالنبي هو القاسم المشترك بين المسلمين ، وحصر القيادة والولاية في اولاده تطييب لنفوس الجميع ، وانتزاع لجذور الطمع بها من نفوس الجميع ، ونبذ التنافس عليها يؤدي إلى الاستقرار ، ناهيك عن فضل القرابة الطاهرة على الإسلام ، وهم الذين حموا النبي ومنعوه ، وهم الذين حاصرتهم كل قبائل العرب مجتمعة وبلا استثناء ثلاث سنين في شعاب أبي طالب ، وللعرب مطلب واحد وهو أن يسلم الهاشميون محمداً ، أو أن يُخلوا بينه وبين العرب ليقتلوه ، ولو استجاب الهاشميون لأحد هذين المطلبين لما قامت للإسلام قائمة ، ولقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما قتل غيره من الانبياء! فضلاً عن جهاد الهاشميين الذي لا ينكره أحد ، وتضحياتهم التي لا تخفى على أحد ... هذا غيض من فيض من مبررات ولائي وشغفي ، فمن يلمني بعد ذلك؟

إلهي ومولاي ، أنت تعلم سري وعلانيتي ، وتعلم أنني ما قصدت إلا رضاك ، فإن أصبت فمنك ، إنك نعم المولى ونعم النصير ، وان اخطأت فمن نفسي ، وثانية

٦

اقول : اللهم اجعل عملي هذا خالصاً لوجهك وهديةً لمحمد ولآل محمد ولكل هاشمي أو مُطّلبي دب على وجه الارض أو سيدب إلى يوم الدين ، وليكن عملي صدقةً تطفىء بها خطاياي ، وتقربني منك ، وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين.

المؤلف

٧
٨

الباب الأول

مفهوم الصحبة والصحابة

٩
١٠

الفصل الأول

مفهوم الصحبة والصحابة

١ ـ معنى الصحابة لغة

أ ـ في قواميس اللغة

الأصحاب ، الصحابة ، صحب ، يصحب صحبة ( بالضم ) وصحابة ( بالفتح ) صاحب أي : عاشر ، رافق ، جالس ، انقاد ، شايع. والصاحب هو المعاشر ، أو المنقاد ، أو المجالس ، أو المشايع ، أو المرافق ، أو القائم على الشيء ، أو الحافظ له. ويطلق أيضاً على كل من تقلد مذهباً ، فيقال : أصحاب الإمام جعفر عليه‌السلام ، وأصحاب أبي حنيفة ، وأصحاب الشافعي ... الخ. يقال : اصطحب القوم أي صحب بعضهم بعضاً ، واصطحب البعير أي انقاد له (١).

ب ـ في القرآن الكريم

الله تبارك وتعالى انزل الكتاب قرآناً عربياً ، وهو بوجه من وجوهه المرجع اليقيني الاوحد للغة العربية ، لأنه كلام الله العالم علماً يقيناً بأدق خفايا هذه اللغة

__________________

(١) ويمكن لمن اراد ان يراجع على سبيل المثال : لسان العرب لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور ج ١ ص ٩١٥. وتاج اللغة لاسماعيل بن حماد الجوهري ص ١٦١ ـ ١٦٢. وتاج العروس لمحمد مرتضى الحسيني الزبيدي ج ٣ ص ١٨٦ والمعجم الوسيط لابراهيم مصطفى ورفقاه ج ١ ص ٥٠٩ ـ ٥١٠. والقاموس المحيط للفيروز آبادي مجدي بن محمد يعقوب. ومختارات الصحاح لابي بكر الرازي ص ٣٥٦.

١١

وأعمق أسرارها.

وبتلاوتنا للقرآن الكريم ، نجد أنه قد اشتمل على كلمات ( تصاحبني ، وصاحبهما ، وصاحبه ، وصاحبته ، وأصحاب ، وأصحابهم ). وأن هذه الكلمات تكرّرت بمجموعها في القرآن الكريم (٩٧) مرة.

ومن المثير للانتباه ، أننا لم نعثر في القرآن الكريم كلّه على لفظ لكلمتي ( صحابة ، بالفتح ، أو صحبة ، بالضم ).

ج ـ استقراء الآيات لصالح المعنى اللغوي

وباستقرائنا لتلك الكلمات نجد انها تشكل تغطية كاملة للمعاني اللغوية التي أشرت إليها في الفقرة السابقة ( أ ). فالصحبة يمكن أن تأخذ وجهاً أو صورة واحدة ، ويمكن أن تأخذ وجوهاً أو صوراً متعددة ، ويمكن أن يكون لها وجه أمثل يشمل كل نواحي الخير ، وقد يكون لها وجه أبشع يشمل كل نواحي الشر.

د ـ وجوه أو صور الصحبة

فقد تكون بين مؤمن ومؤمن (١) وقد تكون بين والد ووالدين مختلفين بالاعتقاد (٢) وقد تكون بين رفيقي سفر (٣) وقد تكون بين تابع ومتبوع (٤) وقد تكون بين مؤمن وكافر (٥) وقد تكون شمولية على الشر بين كافر وكافرين (٦) وقد تكون بين نبي وقومه الكافرين والنبي يحاول ان يشدهم نحو الخير وهم يحاولون اعادته إلى

__________________

(١) راجع الآية ٢٦ من سورة الكهف ، وج ٣ ص ٩٢ ـ ٩٣ من تفسير ابن كثير على سبيل المثال.

(٢) راجع الآية ١٥ من سورة لقمان ، وج ٣ ص ٤٤٤ من تفسير ابن كثير.

(٣) راجع الآية ٣٦ من سورة النساء ، وج ١ ص ٤٩٤ من تفسير ابن كثير.

(٤) راجع الآية ٤٠ من سورة التوبة ، وج ٢ ص ٣٥٨ من تفسير ابن كثير.

(٥) راجع الآيتين ٣٤ و ٣٧ من سورة الكهف وج ٣ ص ٨٣ من تفسير ابن كثير.

(٦) راجع الآية ٢٩ من سورة القمر ، وج ٤ ص ٢٦٥ من تفسير ابن كثير.

١٢

حظيرة الشر (١) وقد تكون الصحبة اضطرارية (٢) وقد تكون صحبة أثر فيقتدي فاسد بفعل فاسد وينسج على منواله (٣) وقد تكون الصحبة انقياداً لعقيدة إلهية وولاء مطلقا لقيادتها السياسية كانقياد الآل الكرام للعقيدة الالهية ، وولائهم المطلق لقيادة النبي السياسية ، وتضحياتهم الجسام ، وكانقياد وولاء الصفوة الصادقة من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فمحور الصحبة ( بالضم ) محور شمولي يرتكز على عقيدة وقيادة وأهداف ومثل علياً يسعى القائد واصحابه لتحقيقها وسيادتها على مجتمع معين (٤).

٢ ـ معنى الصحابة اصطلاحاً

يقول ابن حجر العسقلاني الشافعي بالحرف ( الصحابي من لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام ) (٥)

أ ـ توضيح ابن حجر لهذا التعريف

١ ـ فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت.

٢ ـ من روى عنه أو لم يرو.

٣ ـ من غزا معه أو لم يغز.

٤ ـ من رآه ولو لم يجالسه.

٥ ـ من لم يره لعارض كالعمى.

ويخرج بقيد الإيمان « مؤمناً به » :

__________________

(١) راجع الآية ٢ من سورة النجم والآية ٤١ من سورة سبأ وج ٣ ص ٥٤٣ وج ٤ ص ٢٤٦ لابن كثير.

(٢) راجع الآية ٣١ من سورة يوسف ج ٢ ص ٤٧٩ لإبن كثير.

(٣) راجع الآية ٥٩ من سورة الذاريات ، وج ٢ ص ٢٣٨ لابن كثير.

(٤) راجع سلسلة مقالاتنا المنشورة تباعاً في جريدة اللواء الاردنية عام ٩١ ـ ٩٢.

(٥) راجع الاصابة في تمييز الصحابة لاحمد بن علي بن محمد بن علي الكناني العسقلاني الشافعي المعروف بابن حجر ص ١٠.

١٣

١ ـ من لقيه مؤمناً بغيره كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة.

٢ ـ وهل يدخل من لقيه منهم وآمن بأنه سيبعث أو لا يدخل ، محمل احتمال ، ومن هؤلاء بحيرة الراهب ونظرؤاه.

٣ ـ ويدخل في قولنا مؤمناً به كل مكلّف من الجن والانس.

٤ ـ وإنكار ابن الأثير على أبي موسى تخريجه لبعض الجن الذين عرفوا في كتاب الصحابة فليس بمنكر.

٥ ـ وقال ابن حزم ( من ادّعى الإجماع فقد كذب على الأمة ، فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفراً من الجنّ آمنوا وسمعوا القرآن من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهم صحابة ) (١).

٦ ـ الملائكة محل نظر ، وقد نقل الإمام فخر الدين الرازي في ( أسرار التنزيل ) الإجماع على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن مرسلاً إلى الملائكة ، ونوزع في هذا النقل ، بل رجح الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان مرسلاً إليهم واحتج بأشياء.

٧ ـ وخرج بقولنا ( ومات على الإسلام ) من لقيه مؤمناً به ثم ارتدّ ومات على دينه والعياذ بالله من ذلك عدد يسير كعبيد الله بن جحش الذي كان زوجاً لأم حبيبة ، فإنه أسلم معها وهاجر إلى الحبشة فتنصَّر ومات على نصرانيته ، وكعبد الله بن خطل الذي قتل وهو متعلّق بأستار الكعبة.

٨ ـ ويدخل فيه من ارتدّ وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت سواء اجتمع به ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) مرة أخرى أم لا ، وهذا هو الصحيح المعتمد. والشق الأول لا خلاف في دخوله. وأبدى بعضهم في الشق الثاني احتمالاً وهو مردود لإطباق أهل الحديث على أن ابن قيس من الصحابة ، وعلى تخريج أحاديثه في الصحاح والمسانيد وهو ممن ارتدّ ثم عاد للاسلام في خلافة أبي بكر.

__________________

(١) راجع ص ١١ وما فوق من المرجع السابق.

١٤

ب ـ تقييم ابن حجر لهذا التعريف

هذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل ومن تبعهما. ووراء ذلك أقوال آخرين شاذة كقول من قال : لا يعد صحابياً إلا من وصف بأحد اوصاف اربعة : ١ ـ من طالت صحبته. ٢ ـ أو حفظت روايته. ٣ ـ أو ضبط أنه قد غزا معه. ٤ ـ أو استشهد بين يديه. وكذلك من اشترط في صحة الصحبة بلوغ الحلم أو المجالسة ولو قصرت. وأطلق جماعة أن من رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو صحابي ، وهو محمول على من بلغ سنّ التمييز ، اذ من لم يميّز لا تصحّ نسبة الرؤية إليه ، وعندما يراه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون صحابياً من هذه الحيثية ، ومن حيث الرؤية يكون تابعياً. وهل يدخل من رآه ميتاً قبل ان يدفن كما وقع لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر ـ إن صحّ ـ محل نظر ، والراجح عدم الدخول.

ج ـ وسائل معرفة الصحابة

أن يثبت بطريق التواتر أنه صحابي ثم بالاستفاضة والشهرة ، ثم أن يروى عن أحدٍ من الصحابة أنّ فلاناً له صحبة مثلاً ، وكذلك عن آحاد التابعين بناءاً على قبول التزكية من واحد وهو الراجح ، ثم بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة أنا صحابي. أما الشرط الأول وهو العدالة فجزم به الآمدي وغيره لان قوله قبل ان تثبت عدالته أنا صحابي ، أو ما يقوم مقام ذلك يلزم من قبول قوله إثبات عدالته ، لأن الصحابة كلهم عدول فيكون بمنزلة القائل أنا عدل وذلك لا يقبل.

وفوق ذلك المعاصرة ، فيعتبر بمضي مائة سنة وعشر سنين من هجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ومن هنا لم تصدق الائمة مَن ادّعى الصحبة بعد الغاية المذكورة ، وقد ادّعاها جماعة فكذبوا لأنّ الظاهر كذبهم في دعواهم ، ومن لا تعرف حاله إلا من نفسه. فمقتضى كلام الآمدي أن لا تثبت صحبته.

د ـ كل الشعب صحابة

من المجمع عليه أنّ الدعوة المحمدية تمخضت عن الدولة المحمدية التي قادها

١٥

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه قرابة عشر سنين ، أرسى خلالها قواعد النظام السياسي الإسلامي ، وبين عقيدة الإسلام بياناً كاملاً من خلال نقل النصّ من النظر إلى التطبيق على كل صعيد ، ومن خلال إبراز روحها العامة.

ومن المتفق عليه دستورياً ان مقومات الدولة ـ أية دولة ـ على الإطلاق تتكون من : ١ ـ شعب. ٢ ـ إقليم يستقر فوقه هذا الشعب. ٣ ـ سلطة تسوس هذا الشعب.

وإذا اخذنا بالتعريف الذي اورده ابن حجر العسقلاني للصحابة فإنّ المعول لينال شرف الصحبة ويكون صحابياً هو :

١ ـ الالتقاء بالنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سواء اكان هذا الالتقاء عن طريق المجالسة أو المحادثة أو المشاهدة. فمن شاهد النبي أو شاهده النبي فهو صحابي حتى ولو كان طفلاً رضيعاً لان المشاهدة لا تنسب له انما تنسب للنبي نفسه.

٢ ـ الإيمان بالنبي أنّه نبي ، فلو اخذنا برأي ابن حجر العسقلاني لوجب علينا أن نتأكد من حقيقة هذا الإيمان ، وهذا أمر خارج عن قدرة البشر ، وكان على ابن حجر العسقلاني أن يقول : مؤمناً به أو متظاهراً بالإيمان به. فعبد الله بن أبي ، زعيم المنافقين قولاً واحداً هو من الصحابة بالإجماع. فقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن اشار بقتله ( فلعمري لنحسننّ صحبته ما دام بين اظرنا ) (١). وعبد الله بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله ثم افترى على الله الكذب ، وأباح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله دمه ولو تعلق بأستار الكعبة. وعند فتح مكة تشفّع له عثمان ودخل في الإسلام لينجو بروحه ... وهو صحابي شاء الناس أم أبوا (٢) ومثله الحكم بن العاص طريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ طرده الرسول وحرم عليه دخول المدينة ، وبوفاة الرسول راجع عثمان أبا بكر ليدخله لكن أبا بكر رفض ، ولما مات أبو بكر راجع عثمان عمر ليدخل ولكن عمر رفض أيضاً ان يدخله المدينة في عهده ،

__________________

(١) راجع الطبقات لابن سعد ج ٢ ص ٥٦ على سبيل المثال وراجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام ص ١٠٣.

(٢) راجع المعارف لابن قتيبة ص ١٣١ و ١٤١.

١٦

ولما تولّى عثمان الخلافة أدخله معزّزاً مكرّماً وأعطاه مأة ألف درهم لأنه صحابي (١). وباختصار فلا يشترط بالشخص حتى يكون صحابياً يكون مؤمناً حقيقة بالنبي بل يكفي أن يتظاهر بالإيمان وأن يموت على هذا الإيمان أو على هذا التظاهر به ، لأنّ النبي لا يعني بالبواطن إنّما يكلها إلى الله.

ومن هنا ، ومن خلال دعوة النبي ومن خلال دولته وغزواته (٢) ومن خلال بيعة الناس له ، والحج والعمرة وفتح مكة وحجة الوداع خاصة ، وسيطرة دولته الكاملة على الجزيرة العربية أتيحت الفرصة للجميع للالتقاء به ، لم يبق في مكة ولا الطائف أحد في السنّة العاشرة إلا اسلم وشهد مع النبي حجّة الوداع ، ومثل ذلك قول بعضهم في الأوس والخزرج أنه لم يبق منه أحد في آخر عهد النبي إلا ودخل في الإسلام ، وما مات النبي وواحد منهم يظهر الكفر (٣) « حتى الأطفال صاروا صحابة » على سبيل الالحاق لغلبة الظن على انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رآهم لتوفّر دواعي أصحابه على إحضارهم أولادهم عنده عند ولادتهم ليحنكهم ويسمّيهم ويبرك عليهم. والأخبار بذلك كثيرة ( كان النبي يؤتى بالصبيان فيبارك عليهم ) ( ما كان يولد مولود إلا أُتي به النبي ) (٤).

فإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ الفوارق قد أزيلت تماماً بين الحاكم والمحكوم في دولة النبي ، وأنه كان يمشي في الشارع وحده. ويقضي حاجته بنفسه ، فكان بامكان أي مواطن في الدولة الإسلامية ان يراه وان يتكلّم معه أو أن يحضر مجلسه ممّا جعل شعب دولة النبي كله صحابة بهذا المفهوم ، بمعنى أن كل مواطني الدولة قد التقوا بإمامهم ورئيس دولتهم أو شاهدوه أو سمعوه أو جالسوه.

الفرق الإسلامية الأخرى تتفق مع أهل السنّة من حيث المعنيين اللغوي والاصطلاحي ، ولكنهم يختلفون من حيث صفة العدالة ، فبينما يعمم أهل السنة

__________________

(١) راجع المعارف لابن قتيبة ص ٥٤ و ١٣١ وراجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام ص ١٠٣.

(٢) راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام ص ٢٣٢ وما فوق.

(٣) راجع الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني ص ١٦.

(٤) الاصابة في تمييز الصحابة ص ٧ لابن حجر العسقلاني.

١٧

ويرون أن كل الصحابة بلا استثناء عدول ، ترى الفرق الإسلامية الأخرى أن العدالة لها مستلزمات شرعية ومواصفات موضوعية ، فمن توفرت فيه تلك المستلزمات والمواصفات فهو العدل ، ومن لم تتوفر فيه فليس بعدل ، ولديهم أدلّة من الكتاب والسنّة والمنطق كما سنرى.

١٨

الفصل الثاني

نظرية عدالة الصحابة عند أهل السنّة

اتفق أهل السنّة على أن جميع الصحابة عدول ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة ، على حدّ تعبير ابن حجر العسقلاني ، ويجب الاعتقاد بنزاهتهم ، اذ ثبت أنّ الجميع من أهل الجنّة وأنّه لا يدخل أحد منهم النار (١) والمقصود بالصحابة كلّ الصحابة بالمعنى الذي عرضناه عند تحليل تعريف ابن حجر.

ما هو دليل أهل السنّة على ذلك

ذكر الخطيب أنّ عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم. فمن ذلك قوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وقوله ( وكذلك جعلناكم أمةً وسطا ) وقوله ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجره فعلم ما في قلوبهم ) وقوله ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) وقوله ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتّبعك من المؤمنين ) وقوله ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هو الصادقون ) إلى قوله ( إنك رؤوف رحيم ) وفي آيات كثيرة يطول ذكرها ، واحاديث شهيرة يكثر تعدادها (٢).

__________________

(١) راجع الاصابة في تمييز الصحابة ص ٩ و ١٠.

(٢) راجع الاصابة في تمييز الصحابة ص ٩ و ١٠.

١٩

مضمون عدالة الصحابة عند أهل السنّة

تعني عدالة الصحابة فيما تعنيه ، أن كل من عاصر الرسول أو ولد في عصره ، لا يجوز عليه الكذب والتزوير ، ولا يجوز تجريحه ، ولو قتل آلافاً وفعل المنكرات ، وعلى أساس ذلك فجميع الطبقة الأولى من الأمويين ، كأبي سفيان وأولاده ، وجميع المروانيين بما فيهم طريد رسول الله وأولاده ، والمغيرة بن أبي شعبة وولده عبد الله الذي كان في حدود العاشرة من عمره حين وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومع ذلك نسبوا إليه مجموعة من الأحاديث كتبها على النبي في صحيفة يسمونها الصادقة. فجميع هؤلاء من العدول ومروياتهم من نوع الصحاح ولو كانت في تجريح علي وأهل البيت ، وفي التقريظ والتقديس لعبد الرحمن بن ملجم. هذه المرويات يجب قبولها ولا يجوز ردّها لأنّ رواتها من العدول ، والعادل لا يتعمد الكذب ، والذين اتّبعوا معاوية وسايروه طيلة ثلاثين عاماً من حكمه ، هؤلاء كلّهم على الحق والهدى ، وحتى الذين سمّوا الحسن بن علي وقتلوا الحسين وأصحابه ، وفعلوا ما فعلو من الجرائم في الكوفة وغيرها كانوا محقّين ومن المهتدين بحجة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال بزعمهم ( أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ) (١) وهذا الحديث ضعفه أئمة أهل الحديث فلا حجة فيه وطعن فيه ابن تيمية (٢).

ما هو جزاء من لا يعتقد بهذا الرأي؟

بأقل أقوال أهل السنّة ( إذا رأيت الرجل ينقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق. والذين ينقصون أحداً على الإطلاق من أصحاب رسول الله هم زنادقة والجرح أولى بهم ) (٣) ومن عابهم أو انتقصهم فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا

__________________

(١) راجع ص ٨١ و ٨٢ من كتاب آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم للسيد مرتضى الرضوي.

(٢) المرجع السابق ص ٩١ وقد نقل عن محب الدين الخطيب وعن المنتقى للذهبي.

(٣) راجع الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني ص ١٧ و ١٨.

٢٠