فرائد السمطين - ج ٢

ابراهيم بن محمّد بن المؤيّد الجويني الخراساني

فرائد السمطين - ج ٢

المؤلف:

ابراهيم بن محمّد بن المؤيّد الجويني الخراساني


المحقق: الشيخ محمّد باقر المحمودي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣
الجزء ١ الجزء ٢

الحسين بن إبراهيم بن [أحمد] بن هشام [المكتب ، قال : أنبأنا عليّ بن إبراهيم ابن هاشم] عن أبيه ، قال : حدثنا أبو الحسين محمد بن يحيي الفارسي (١) قال :

نظر أبو نواس إلى أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ذات يوم وقد خرج من عند الخليفة على بغلة له ، فدنا منه أبو نواس وسلّم عليه وقال : يا ابن رسول الله قد قلت فيك أبياتا فأحبّ أن تسمعها منّي. قال : هات. فأنشأ [أبو نواس] يقول :

مطهّرون نقيّات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه

فما له في قديم الدهر مفتخر

والله لمّا بدا خلقا فأتقنه

صفاكم واصطفاكم أيها البشر

وأنتم الملأ الأعلى وعندكم

علم الكتاب وما جاءت به السور

فقال الرضا [عليه‌السلام] : قد جئت بأبيات ما سبقك إليها أحد. ثم قال : يا غلام هل معك من نفقتنا شيء؟ فقال : ثلاث مائة دينار. فقال : أعطها إيّاه. ثم قال عليه‌السلام : لعلّه استقلّها؟ يا غلام سق إليه البغلة.

__________________

(١) كذا في نسخة طهران ، ومثله في كتاب عيون الأخبار ، وفي نسخة السيد علي نقي : «محمد بن علي الفاريي»؟

٢٠١

[أبيات أخر لأبي نواس في مدح الإمام الرضا عليه‌السلام ، وكلام الحاكم في أن الإمام الرضا من ذرّية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإجماع فقهاء الحجاز عليه ، وأن من خالف هذا القول فقد خالف الكتاب والسنّة وعاند الحق].

٤٨١ ـ [وبالسند المتقدم] قال [الحاكم النيسابوري في تاريخ مدينة نيسابور] (١) وحدثنا أبو نصر محمد بن الحسن بن إبراهيم الكرخي الكاتب ، قال : حدثني أبو الحسن (٢) محمد بن سفيان الغسّاني ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قال : سمعت أبا العباس محمد بن يزيد المبرّد ، يقول :

خرج أبو نواس ذات يوم من داره فبصر براكب قد حاذاه (٣) فسأل عنه ولم ير وجهه ، فقيل : إنّه عليّ بن موسى الرضا ، فأنشأ يقول :

إذا أبصرتك العين من بعد غاية

وعارض فيك الشك أثبتك القلب

ولو أن قوما أمّموك لقادهم

نسيمك حتى يستدل به الركب

قال الحاكم ـ أيد [ه] الله ـ : [و] من أجل فضيلة لنسب عليّ بن موسى الرّضا أنّه من ذرّيّة خير البشر محمد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهذا مذهب أهل السنّة والجماعة ، وإجماع فقهاء الحجاز عليه. ومن خالف هذا القول فقد خالف الكتاب والسنّة ، وعاند الحقّ وأظهر التعصّب على سيّديّ شباب أهل الجنّة وذرّيّتهما إلى أن تقوم الساعة.

__________________

(١) ورواه أيضا الشيخ الصدوق تحت الرقم : (١١) من الباب : (٤٠) من كتاب عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ص ١٤٣.

(٢) كذا في نسخة السيد علي نقي ، ومثلها في كتاب عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، غير أن فيه : «أبو الحسن محمد بن صقر الغسّاني ...».

وفي نسخة طهران من فرائد السمطين : «أبو الحسين ...».

(٣) كذا في كتاب عيون الأخبار ، وهو الظاهر ، وفي أصليّ من فرائد السمطين : «من دار قيصر فإذا براكب ...».

٢٠٢

[استدلال يحيى بن يعمر رحمه‌الله بالقرآن الكريم ـ ردا على الحجاج ومن يتّبع خطواته من النواصب ـ على أن الحسن والحسين عليهما‌السلام من أبناء رسول الله وذرّيّته ، وإفحامه الحجاج ثم تصديقه ليحيى ثم نفيه من العراق إلى خراسان].

٤٨٢ ـ ٤٨٣ ـ [قال الحاكم :] فأمّا الدليل على ما ذكرناه من الكتاب : فأخبرناه أبو إسحاق أحمد بن محمد بن عليّ الهاشمي بالكوفة ، قال : حدثنا أحمد ابن موسى بن إسحاق التميمي ، قال : حدثنا محمد بن عبيد النحّاس قال : حدثنا صالح بن موسى الطلحي ، قال : حدثنا عاصم بن بهدلة ، قال :

اجتمعوا يوما عند الحجاج ؛ فذكر الحسين بن عليّ ـ عليهما‌السلام ـ فقال الحجّاج : إنّه لم يكن من ذرّيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم!!! وعنده يحيى بن يعمر فقال له : كذبت أيها الأمير. فقال [الحجاج] : لتأتيني على ما قلت بمصداق من كتاب الله عزوجل أو لأقتلنّك. فقال [يحيى] : قال الله عزوجل [في الآية :

٨٤ ـ ٨٥ / من سورة الأنعام : ٦] [وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ، ووهبنا له إسحاق ويعقوب ، كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل] «ومن ذرّيّته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون (١) [وكذلك نجزي المحسنين] وزكريا ويحيى وعيسى». فأخبر

__________________

(١) جميع ما وضعناه بين المعقوفات زيادات توضيحية وتكميلية لما أخلّ به الراوي في نقل الكلام والمحاجّة ، وكان في الأصل هكذا : «فقال : قال الله عزوجل : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ ـ إلى قوله تعالى : ـ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى). فأخبر الله عزّ ...».

والحديث رواه أيضا الشيخ الصدوق في الحديث : (٣) من المجلس : (٩٢) من أماليه ص ٥٦٤ ، قال :

حدّثنا أبي قال : حدثنا محمد بن عليّ قال : حدثنا عبد الله بن الحسن المؤدب ، عن أحمد بن علي الأصبهاني ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن عليّ بن هلال الأحمسي ، قال : حدثنا شريك ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : بعث الحجاج إلى يحيى بن يعمر فقال له ...

٢٠٣

الله عزوجل أن عيسى من ذرّيّة إبراهيم و [إنما عدّه] من ذريّة إبراهيم (١) بأمّه [مع الفصل الطويل بينهما] والحسين [أولى بأن يعدّ] من ذرّيّة محمد [صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] بأمّه [لأن أمّه بنت رسول الله بلا فصل وأمّا أم عيسى فبينها وبين إبراهيم فواصل كثيرة].

قال [الحجاج] : صدقت فما حملك على تكذيبي في مجلسي؟ قال : ما أخذ الله على [حاملي أمانات] الأنبياء لتبيّننّه للناس ولا يكتمونه [وما ذمّهم على تركه حيث] قال الله عزوجل : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) [١٨٧ / آل عمران : ٣]. قال : فنفاه إلى خراسان.

[قال الحاكم :] وحدثنا أبو أحمد الحافظ ، قال : حدثنا محمد بن الحسين الخثعمي ، قال : حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا صالح بن موسى الطلحي ، عن عاصم بن أبي النجود :

عن يحيى بن يعمر العامري ، قال : أرسل إليّ الحجّاج فأتيته فقال : يا يحيى أنت الذي تدّعي أن ولد عليّ من فاطمة ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قلت :

إن آمنتني تكلّمت؟ قال : أنت آمن تكلّم. قلت : أقرأ به عليك كتاب الله عزوجل إن الله تعالى يقول ـ وقوله الحقّ ـ : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ (٢) كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) [٥٤ ـ ٥٥ / الأنعام : ٦]. ثم ذكره بنحوه (٣).

__________________

(١) هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «من ذرّيّة آدم.

(٢) الضمير في قوله تعالى : «له» راجع إلى إبراهيم المذكور قبل ذلك في قوله عزوجل : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ ، نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ ، إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ).

(٣) ورواه أيضا الخوارزمي علي وجهين آخرين في الفصل : (٦) من مقتله : ج ١ ، ص ٨١.

وتقدم أيضا بسند آخر عن صالح بن موسى ... في الباب : (١٦) تحت الرقم : (٣٩٧) من هذا السمط ص ٦٦ وفي طبعتنا هذه ص ٧٤ ، وذكرنا له أيضا في التعليق مصادر.

والحديث رواه أيضا ابن كثير في تفسير الآية الكريمة من تفسيره : ج ٢ ص ١٥٥ ، ط بيروت ، وبهامش فتح البيان : ج ٤ ص ٩٣ قال :

قال ابن أبي حاتم : حدثنا سهل بن يحيى العسكري ، حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، حدثنا عليّ بن عابس ، عن عبد الله بن عطاء المكّي ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، قال :

أرسل الحجّاج إلى يحيى بن يعمر ، فقال : بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرّيّة النبيّ صلى ـ

٢٠٤

٤٨٤ ـ [قال الحاكم :] والدليل الآخر على أن الحسن والحسين وذرّيتهما هم ذرّيّة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من طريق الكتاب فهي أخبار كثيرة ، فمنها ما (١) :

أخبرناه أبو الحسين عليّ بن عبد الرحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة من أصل كتابه ، قال : حدثنا الحسين بن الحكم الحبري (٢) قال : حدثنا الحسن بن الحسين العرني ، قال : حدّثنا حبّان بن عليّ العنزي ، قال : حدثنا الكلبي عن أبي صالح :

عن ابن عباس في قوله عزوجل : (تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) [٦١ / آل عمران : ٣] [قال] : نزلت في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعليّ نفسه (وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ) في فاطمة و (أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) في حسن وحسين (٣) والدعاء على الكاذبين نزلت في العاقب والسيد وعبد المسيح وأصحابه (٤).

٤٨٥ ـ [قال الحاكم : و] أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عليّ بن عبد الحميد الصنعاني قال : حدثنا عليّ بن المتبرك الصنعانى (٥) قال : حدثنا أبو عبد الله الصنعاني قال :

حدثنا محمد بن بور (٦) عن ابن جريج في قوله [تعالى] : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ

__________________

ـ الله عليه وسلم؟ [أ] تجده في كتاب الله؟ وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده!! قال : أليس تقرأ في سورة الأنعام : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) ـ [فقرأ الآية الكريمة] حتى بلغ ـ «ويحيى وعيسى» قال : بلى. قال : أليس عيسى من ذريّة إبراهيم [من قبل أمّه]؟ وليس له أب [تتصل به بإبراهيم].

ورواه أيضا في كتاب بدائع المنن : ج ٢ ص ٤٩٣ عن أبي عبد الله محمد بن موسى بن النعمان ، قال :

حدثنا أبو الحسين الأصبهاني الحافظ ، قال : حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : سمعت عاصما ، قال :

بعث الحجّاج إلى قتيبة بن مسلم أن ابعث إليّ بيحيى بن يعمر ...

وذكره أيضا في إحقاق الحق : ج ١٠ ص ٦٣٩ وقال : فذكر القصة بمثل ما نقله الخوارزمي في مقتل الحسين ص ٨٩.

أقول : ثم ذكره بأسانيد ومصادر أخر.

(١) هذا الحديث رواه الحاكم في النوع السابع عشر من كتاب معرفة علوم الحديث ص ٦٢.

ورواه عنه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية : (٦١) من سورة آل عمران تحت الرقم : (١٧١) من شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ١٢٣ ، ط ١.

وأيضا قال الحاكم بعد ذكر الحديث في النوع : (١٧) من كتاب معرفة علوم الحديث :

وقد تواترت الأخبار في التفاسير عن عبد الله بن عباس وغيره أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين وجعلوا فاطمة وراءهم ثم قال : هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا ، فهلمّوا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.

(٢) رواه في الحديث : (٨) من تفسيره أو ما نزل من القرآن في أهل البيت.

(٣) كذا في النسخة ، وفي شواهد التنزيل : «ونساءنا» فاطمة ، «وأبناءنا» حسن وحسين ...

(٤) وفي الحديث : (٨) من تفسير الحبري : «وأصحابهم».

(٥) كذا.

(٦) كذا.

٢٠٥

اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) [٥٨ / آل عمران : ٣] : [أنه قال] :

بلغنا أن نصارى نجران قدم وفدهم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة [و] فيهم السيّد والعاقب ـ وأخبرت أن معهما عبد المسيح ـ وهما يومئذ سيّدا أهل نجران ، فقالوا : يا محمد فيم تشتم صاحبنا؟ قال : ومن صاحبكم؟ قالوا : عيسى بن مريم تزعم أنه عبد. قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أجل هو عبد الله وكلمته ـ ألقاها إلى مريم ـ وروح منه. فغضبوا وقالوا : إن كنت صادقا فأرنا عبدا يحيي الموتى ويشفي ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من الطين كهيئة الطير ، ولكنّه الله!!!.

فسكت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى جاءه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا : إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) الآية : [١٧ / المائدة : ٥] قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنهم قد سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى. قال جبرئيل :

(إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ (١) فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ، وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) [٥٨ ـ ٦٢ / آل عمران : ٣].

فأخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيد عليّ والحسن والحسين وجعلوا فاطمة وراءهم ثم قال : هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا ، فهلموا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ونجعل لعنة الله على الكاذبين.

فابى السيّد [من المباهلة] فقالوا : نصالحك. فصالحوه على ألف حلّة (٢) كل عام ، في كل رجب ألف حلة ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والذي بيده نفسي لو لاعنوني ما حال الحول ومنهم بشر إلا أهلك الله الكاذبين.

__________________

(١) جميع ما وضعناه بين المعقوفات حذفه الراوي من القصّة تلخيصا ، وكان لفظ الأصل هكذا : قال جبرئيل : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) ، حتى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) ـ في عيسى يا محمد من بعد هذا ـ (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ) الآية ، (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) هذه الآية ، فأخذ النبيّ ...

(٢) كذا في نسخة السيد عليّ نقي ، وفي نسخة طهران : «ألفي حلّة ...».

٢٠٦

٤٨٦ ـ [قال الحاكم (١) و] حدثنا جعفر [بن] محمد بن نصير الخلدي [ببغداد] قال : حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار :

عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : لما نزلت هذه الآية : (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ) [٦١ / آل عمران : ٣] دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهمّ هؤلاء أهلي.

__________________

(١) وهذا الحديث رواه الحاكم في باب مناقب أهل البيت عليهم‌السلام من المستدرك : ج ٣ ص ١٥٠ ، وقال :

صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأقرّه الذهبي.

ومثله باختصار رواه الحسكاني في تفسير آية المباهلة تحت الرقم : (١٧٢) من شواهد التنزيل : ج ١. ص ١٢٤ ، ط ١ ، قال :

أخبرنا أحمد بن علي بن إبراهيم ، قال : أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الزاهد ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق [عن] قتيبة بن سعيد ، عن حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار :

عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : ولمّا نزلت هذه الآية : (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ [وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ]) دعا رسول الله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهمّ هؤلاء أهلي.

أقول : ولرواية سعد بن أبي وقاص هذه صور تفصيلية وأسانيد ومصادر.

وقد رواها الحسكاني في تفسير آية التطهير تحت الرقم : (٦٥٤) من شواهد التنزيل : ج ٢ ص ١٩ ، وروى قبله وبعده عن جماعة من الصحابة ، ولكن موردها آية التطهير لا المباهلة.

ورواها أيضا الحافظ ابن عساكر تحت الرقم : (٢٧١) وما بعده من ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام من تاريخ دمشق : ج ١ ، ص ٢٠٦ ط ١ ؛ بطرق.

وقد ذكرناها أيضا في تعليقه عن مصادر.

٢٠٧

الباب الحادي والأربعون

[في سنيّ إمامة الإمام الرضا عليه‌السلام وأخذ المأمون البيعة له على ولاية العهد وقصة الإمام مع زينب الكذابة والبدوي ، ثم حسد المأمون إيّاه وسقايته الإمام سمّا ، واستشهاد الإمام به].

٤٨٧ ـ [قال الحاكم :] ومن كرامات أولياء الله التي شاهدوا لعليّ بن موسى الرضا صلوات عليه أوّلها ما قدّمنا ذكره من تمزيق الصورتين بطن حميد بن مهران في مجلس المأمون (١).

[ثم قال الحاكم :] ولقد حدّثني عليّ بن محمد بن يحيى الواعظ ، قال : حدثنا أبو الفضل ابن أبي نصر الحافظ ، قال : قرأت في كتاب عيسى بن مريم العماني : أن موسى بن جعفر أوصى إلى ابنه عليّ بن موسى ويكنّى أبا الحسن ويلقّب بالرضا ، وأمّه تكتم النوبية.

وكان سنيّ إمامته بقيّة ملك الرشيد ، ثم محمد بن زبيدة وهو الأمين ، ثم المأمون.

ثم [إن المأمون] في صدر ملكه (٢) أخذ البيعة لعليّ بن موسى الرضا بعهد [ولايته لأمور] المسلمين ـ بعد رضاه بذلك ـ فقيل له ما تقول؟ فقال : والله لا أفعل وإني والرشيد كهاتين ـ وحرّك إصبعيه الوسطى والسبابة ـ فما علم معنى قوله : «أنا والرشيد كهاتين» حتّى دفن بجنبه فصار قبراهما واحد بجنب الآخر.

فلمّا كان يوم من الأيام دخل عليّ الرضا على المأمون وعنده زينب الكذابة [التي] كانت تزعم أنها ابنة عليّ بن أبي طالب وأن عليا دعا لها بالبقاء إلى يوم الساعة. فقال المأمون لعليّ : سلّم على أختك. فقال : والله ما هي أختي ولا ولدها عليّ بن

__________________

(١) كذا في أصليّ ، فإن صحّ ولم يسقط هاهنا منه شيء فالظاهر أنه ذكره في ترجمة الإمام الرضا عليه‌السلام من تاريخ نيسابور ، ولم يصل تاريخ نيسابور إلى المصنف أو فات منه أن يذكره عنه حرفيا.

(٢) هذا هو الظاهر ، وفي أصليّ : «ومملكته».

٢٠٨

أبي طالب. فقالت زينب : والله ما هو أخي ولا ولده عليّ بن أبي طالب. فقال المأمون : ما مصداق قولك هذا؟ قال : إنّا أهل البيت لحومنا محرّمة على السباع (١) فاطرحها إلى السباع ، فإن تك صادقة فإن السباع تغبّ لحمها (٢) قالت زينب : ابدأ بالشيخ. فقال المأمون : لقد أنصفت. قال الرضا : أجل. ففتحت بركة السباع وأضربت فنزل الرضا إليها ، فلمّا أن رأته بصبصت وأومأت إليه بالسجود فصلى ما بينها ركعتين (٣) وخرج منها ، فأمر المأمون زينب لتنزل وامتنعت فطرحت إلى السباع فأكلتها.

فحسد المأمون عليّ الرضا على ذلك ، فلما كان بعد مدة دخل الرضا على المأمون فوجد فيه هما ، فقال له : أرى فيك هما؟ فقال المأمون : نعم بالباب بدويّ قد دفع إليّ منه سبع شعرات يزعم أنّهنّ من لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد طلب الجائزة ، فإن يك صادقا ومنعته الجائزة قد بخست شرفي ، وإن يك كاذبا فأعطيته الجائزة فقد سخر بي وما أدري ما أعمل؟ قال الرضا عليه‌السلام : عليّ بالشعر فلمّا رآه شمّه وقال : هذه أربعة من لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم و [أمّا] الباقي فليس من لحيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال المأمون : ومن أين هذا؟ فقال : النار والشعر. فألقي الشعر في النار فاحترقت ثلاث شعرات ، وبقيت الأربعة التي أخرجها عليّ بن موسى الرضا [و] لم يكن للنار عليها سبيل. فقال المأمون : عليّ بالبدوي. فلما مثل بين يديه أمر بضرب عنقه (٤) فقال البدوي : بما ذا؟ فقال : تصدق عن الشعر. قال : أربعة من لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وثلاث من لحيتي.

فتمكّن حسد المأمون في قلبه للرضا ، فنفاه إلى طوس ثم سقاه سمّا فمات عليّ الرّضا مسموما وقد كمل عمره ثمان وأربعون سنة ، فدفن إلى جانب قبر الرشيد ، فعلم قول عليّ : أنا والرشيد كهاتين.

ولمّا صار إلى كرامة الله سبحانه وتعالى ، صار وليّ الله في أرضه ابنه محمد بن عليّ بوصية أبيه إليه ، ولقّبه : صاحب الذوابة. ويقال : التقيّ. وأمّه ريحانة أمّ الحسين ومولده بالمدينة سنة سبعين (٥) ومائة من الهجرة.

__________________

(١) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي نسخة طهران : «إنّا أهل بيت محرّمة على السباع».

(٢) وذكره في نسخة السيد علي نقي بالعين المهملة.

(٣) هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «فصلى فيما بينهما».

(٤) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي نسخة طهران : «رقبته».

(٥) هذا هو الصواب الموافق لنسخة طهران غير أن فيها : «ومولوده». وفي نسخة السيد علي نقي : «ومولده بالمدينة سنة سبعين».

٢٠٩

[قصة الإمام الرضا عليه‌السلام مع من رأى في المنام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعطاه ثمانية عشر تمرة.

وقوله عليه‌السلام لرجل : أوص بما تريد واستعدّ لما لا بدّ منه].

٤٨٨ ـ [قال الحاكم : و] حدثني عليّ بن محمد بن يحيى المذكّر قال : حدثنا محمد بن عليّ بن الحسين الفقيه (١) قال : حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر ، قال : حدثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي حبيب [البناجي] أنه قال :

رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وقد وافى البناج (٢) ونزل في المسجد الذي ينزله الحاج في كل سنة ، وكأني مضيت إليه ونزلت عنده وسلّمت عليه ووقفت بين يديه ، فوجدت عنده طبقا من خوص نخل المدينة فيه تمر صيحاني فكأنه قبض قبضة من ذلك التمر ، فناولني فعددته فكان ثمانية عشر [تمرة] ، فتأوّلت أنّني أعيش بعدد كل تمرة سنة. فلمّا كان بعد عشرين يوما كنت في أرض تعمر بين يديّ للزراعة (٣) إذ جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا عليه‌السلام من المدينة ونزوله ذلك المسجد ، فرأيت الناس يسعون إليه ، فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت (٤) فيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتحته حصير مثل ما كان

__________________

(١) وهذا رواه محمد بن علي الفقيه في الحديث : (١٥) من الباب : (٤٧) من عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ : ج ٢ ص ٢١١.

(٢) كذا في الأصل ومثله في ط ٣ من كتاب عيون الأخبار ، غير أن جملة : «وقد وافى» كانت في الأصل مصحفة.

ثم إني لم أجد «البناج» في حرف الباء من معجم البلدان ، ولعلها مصحفة عن «النباح» بالنون المكسورة ثم الباء الموحدة ، قال في حرف النون من معجم البلدان :

قال أبو منصور : في بلاد العرب نباجان ، أحدهما على طريق البصرة يقال له نباج بني عامر وهو بحذاء فيد ، والآخر نباج بني سعد بالقريتين. وقال غيره : النباج منزل لحجاج البصرة ...

(٣) هذا هو الظاهر الموافق لكتاب عيون الأخبار ، وفي أصليّ : «معمر بين يدي الزراعة».

(٤) كذا في نسخة السيد علي نقي وكتاب عيون الأخبار ، وفي نسخة طهران : «فإذا هو جالس في الموضع الذي رأيته فيه النبيّ.

٢١٠

تحته ، وبين يديه طبق فيه تمر صيحاني فسلّمت عليه وردّ عليّ السلام واستدناني فناولني قبضة من ذلك التمر ، فعددته فإذا عدده مثل ذلك العدد الذي ناولني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت له : زدني منه يا ابن رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] فقال : لو زادك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزدناك.

٤٨٩ ـ [وبالسند المتقدم عن الحاكم ، عن محمد بن عليّ بن الحسين] قال : وحدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن سعد بن سعيد (١).

عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنّه نظر إلى رجل فقال له : يا عبد الله أوص بما تريد ، واستعدّ لما لا بدّ منه وكأن قد.

قال : فمات بعد ذلك بثلاثة أيام (٢).

__________________

(١) كذا في أصليّ ،.

ورواه الصدوق رحمه‌الله في الحديث : (٤٣) من الباب : (٤٧) من عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ ص ٢٢٥ وفيه : «عن سعيد بن سعد ...».

(٢) لعلّ هذا هو الصواب ، وفي نسخة طهران : «قال : فما بعد ذلك». وفي نسخة السيد علي نقي : «قال : مما بعد ذلك ...

٢١١

[احتباس المطر عن الناس بعد بيعتهم الإمام الرضا بولاية العهد ، وتطيّر الحاسدين بها ، ثم استسقاء الإمام بطلب من المأمون ، ونزول المطر الغزير بدعاء الإمام واستسقائه]

٤٩٠ ـ وبالإسناد [المتقدم] إلى الحاكم البيّع رحمة الله عليه قال :

رأيت في كتب أهل البيت [عليهم‌السلام] أن المأمون لما جعل عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام وليّ عهد [ه] احتبس المطر فجعل بعض حاشية المأمون والمتعصّبين على الرضا (١) يقولون : انظروا ما جاءنا عليّ بن موسى الرضا؟! وليّ عهدنا فحبس عنّا المطر. واتصل ذلك بالمأمون واشتدّ عليه ، فقال للرضا : قد احتبس عنّا المطر ، فلو دعوت الله تعالى أن يمطر الناس. قال الرضا : نعم. قال : فمتى تفعل ذلك؟ ـ وكان ذلك يوم الجمعة ـ فقال : يوم الإثنين فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فقال : يا بنيّ انتظر يوم الإثنين فابرز [فيه] إلى الصحراء واستسق فإن الله عزوجل يسقيهم ، وأخبرهم بما يريك الله مما لا يعلمون ليزداد علمهم بفضلك (٢) ومكانك من ربّك عزوجل.

فلما كان يوم الإثنين ، غدا [عليّ بن موسى الرضا] إلى الصحراء ، وخرج الخلائق ينظرون ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

اللهمّ يا ربّ أنت عظّمت حقّنا أهل البيت فتوسّلوا بنا كما أمرت ، وأمّلوا فضلك ورحمتك ، وتوقّعوا إحسانك ونعمتك ، فاسقهم سقيا نافعا عامّا غير ضارّ ، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارّهم.

__________________

(١) كذا في مخطوطة طهران ، ومثله في كتاب عيون الأخبار ، وفي نسخة السيد علي نقي : «المبغضين»؟

(٢) هذا هو الظاهر ، الموافق لكتاب عيون الأخبار ، وفي نسخة السيد علي نقي : «فابرزوا إلى الصحراء ... ليزداد عليهم تفضلك». وفي نسخة طهران : «وامرهم بما يريك الله مما لا يعلمون ليزداد عليهم ...».

وانظر الباب : (٤١) من كتاب عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ص ١٦٥.

٢١٢

قال : فو الذي بعث محمدا نبيّا لقد نسجت الرياح الغيوم وأرعدت وأبرقت وتحرك الناس كأنهم يريدون التنحّي عن المطر ، فقال الرضا : على رسلكم أيّها الناس فليس هذا الغيم لكم إنما هو لأهل بلد كذا.

فمضت السحابة وعبرت ثم جاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد وبرق فتحرّكوا ، فقال [الرضا] : على رسلكم فما هذه لكم إنما هو لبلد كذا.

فما زالت حتى جاءت عشرة سحائب وعبرت [و] يقول عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام : على رسلكم ليست هذه لكم إنما هي لبلد كذا.

ثم أقبلت سحابة حادية عشر (١) فقال : يا أيّها الناس هذه بعثها الله لكم فاشكروا الله على تفضّله عليكم وقوموا إلى مقارّكم ومنازلكم فإنّها مسامتة لرءوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا مقارّكم ثمّ يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله عزوجل.

ونزل [الرضا] عن المنبر وانصرف الناس ، فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم ثم جاءت بوابل المطر فملأت الأودية والحياض والغدران والفلوات.

فجعل الناس يقولون : هنيئا لولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كرامات الله.

ثم برز إليهم الرضا عليه‌السلام ، وحضرت الجماعة الكثيرة منهم فقال :

يا أيّها الناس : اتّقوا الله في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه ، بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه ، واعلموا أنّكم لا تشكرون الله عزوجل بشيء بعد الإيمان بالله وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحبّ إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم تعبر [بهم] إلى جنان ربهم فإن من فعل ذلك كان من خاصة الله تعالى ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك قولا ينبغي للعاقل أن يزيد في فضل الله عليه فيه أن يأمله ويعمل عليه (٢) قيل : يا رسول الله هلك فلان يعمل من الذنوب كيت وكيت. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل قد نجا ، ولا يختم الله عمله إلا بالحسنى ، وسيمحو الله عنه السيّئات ويبدّلها له حسنات. إنّه كان مرّة يمرّ في

__________________

(١) كذا في كتاب عيون الأخبار ، وفي أصليّ : «حاذت ...»؟.

(٢) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي نسخة طهران : «أن يزهد».

وفي ط الغري من كتاب عيون الأخبار : «وقد قال رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] في ذلك قولا ما ينبغي لقائل أن يزهد في فضل الله عليه فيه إن تأمله وعمل عليه».

٢١٣

طريق [و] عرض له مؤمن قد انكشفت عورته وهو لا يشعر ، فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل. ثم إن ذلك المؤمن عرفه في مهواة فقال له : أجزل الله (١) لك الثواب ، وأكرم لك المآب ، ولا ناقشك الحساب. فهذا العبد لا يختم له إلا بخير بدعاء ذلك المؤمن.

فاتّصل قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذا الرجل فتاب وأناب وأقبل على طاعة الله ، فلم يأت عليه سبعة أيام حتى أغير على سرح المدينة ، فوجّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أثرهم جماعة ذلك الرجل آخرهم واستشهد فيهم.

فعظّم الله تعالى البركة من البلاد بدعاء الرضا رضوان الله عليه.

وقد كان للمأمون من يريد أن يكون وليّ عهده دون الرضا ، وحسّاد كانوا بحضرة المأمون للرضا عليه‌السلام ، فقال للمأمون بعض أولئك : يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن يكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم والفخر العظيم من بيت ولد العباس إلى بيت ولد علي [عليه‌السلام] اعتب على نفسك وأهلك ، جئت بهذا الساحر من ولد السحرة وقد كان خاملا فأظهرته ووضيعا فرفعته ومنسيّا فذكرت به ومستخفا به فنوّهت به ، قد ملأ الدنيا مخرقة وتشرّفا (٢) بهذا المطر الوارد عند دعائه ، ما أخوفني أن يخرج هذا الأمر عن ولد العباس إلى ولد عليّ ، بل ما أخوفني أن يتوصّل بسحره إلى إزالة نعمتك والتوثّب على مملكتك ، هل جنا أحد على نفسه وملكه مثل جنايتك؟!!

فقال المأمون : قد كان هذا الرجل مستترا عنّا يدعو إلى نفسه فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه إلينا ، ولنعرف ما يخالفه والملك لنا ، وليعتقد فيه المعترفون به أنّه ليس مما ادّعى (٣) في قليل ولا كثير ، وأنّ هذا الأمر لنا من دونه ، وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسدّه ، ويأتي علينا ما لا نطيقه ، والآن وإذ قد فعلنا به ما قد فعلنا ، وأخطأنا في أمره ما أخطأنا وأشرفنا من الهلاك ـ بالتنويه به ـ على ما أشرفنا (٤) فليس يجوز التهاون في أمره ، ولكنّا نحتاج أن نضع منه قليلا

__________________

(١) هذا هو الصواب الموافق لكتاب عيون الأخبار ، وفي أصليّ هاهنا تصحيف.

(٢) كذا في أصليّ ، وفي كتاب عيون الأخبار : «فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه لنا ، وليعترف بالملك والخلافة لنا ، وليعتقد فيه المفتونون به ...».

(٣) كذا في الأصل ، وفي كتاب عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : «وتشوّقا».

(٤) هذا هو الصواب الموافق لما في عيون الأخبار ، وفي نسخة طهران من فرائد السمطين : «وأشرف أمر إهلاك بالسوية على ما أشرفنا ...» وفي نسخة السيد علي نقي وأشرف أمن الهلاك بالتنويه على ما أشرفنا ...».

٢١٤

قليلا حتى نصوّره عند الرعايا بصورة من لا يستحقّ هذا الأمر (١) ثم ندبّر فيه بما يحسم عنّا موادّ بلائه

قال الرجل : يا أمير المؤمنين فولّني مجادلته فإنّي أفحمه وأصحابه وأضع من قدره ، فلو لا هيبتك في صدري لأنزلته منزلته وبيّنت للناس قصوره عمّا رشّحته له. فقال المأمون : ما شيء أحبّ إليّ من هذا. قال : فاجمع جماعة وجوه أهل مملكتك من القوّاد والقضاة وخيار الفقهاء لأبيّن نقصه بحضرتهم فيكون تأخيرك له عن محله الذي أحللته فيه على علم منهم بصواب فعلك.

قال : فجمع [المأمون] الخلق الفاضلين من رعيّته في مجلس واسع قعد فيه لهم وأقعد الرضا بين يديه في مرتبته التي جعلها له ، فابتدأ الحاجب المتضمّن للوضع عن الرضا ، وقال له : إن الناس قد أكثروا عليك الحكايات وأسرفوا في وصفك ، فما أرى أنك إن وقفت عليه [إلا] برئت منه ، رأوك دعوت الله تعالى في المطر المعتاد مجيئه (٢) فجعلوه آية لك [و] معجزة أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا!! وهذا أمير المؤمنين أدام الله ملكه لا يوازى بأحد (٣) إلّا رجح به ، وقد أحلّك المحلّ الذي قد عرفت ، فليس من حقّه أن تسوّغ للكذابين لك وعليه ما يكذّبونه.

فقال الرضا رضوان الله عليه : ما أدفع عباد الله عن التحدّث بنعم الله عليّ وإن كنت لا أبغي أشرا ولا بطرا ، وأمّا ذكرك صاحبك الذي أحلّني فما أحلّني إلّا المحل الذي أحلّه ملك مصر يوسف الصدّيق عليه‌السلام ، وكانت حالهما ما قد عرفت.

فغضب الحاجب عند ذلك فقال : يا ابن موسى لقد عدوت طورك وتجاوزت قدرك أن بعث الله تعالى بمطر مقدور في وقته لا يتقدم ولا يتأخّر [و] جعلته آية تستطيل بها ، وصولة تصول بها كأنّك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم عليه‌السلام لمّا أخذ رءوس الطير بيده ودعا أعضاءها التي كان فرّقها على الجبال فأتته سعيا على الرءوس وحففن

__________________

(١) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي كتاب عيون الأخبار : «من لا يستحقّ لهذا الأمر ...». وفي نسخة طهران هاهنا تصحيف.

(٢) ما بين المعقوفين زدناه لتصحيح ما في أصليّ ، وفي كتاب عيون الأخبار : «وأسرفوا في وصفك بما أرى أنك إن وقفت عليه برئت إليهم منه ، وذلك إنك قد دعوت الله في المطر المعتاد مجيئه فجاء فجعلوه آية معجزة لك ...».

(٣) كذا في نسخة طهران ، وعيون الأخبار : ، وفي نسخة السيد علي نقي : «لا يوازن ..

٢١٥

وطرن بإذن الله تعالى (١). فإن كنت صادقا فيما توهم فأحي هاتين الصورتين (٢) وسلّطهما عليّ فإنّ ذلك يكون حينئذ آية معجزة ، فأما المطر المعتاد فلست أنت أحقّ بأن يكون جاء بدعوتك من غيرك الذي دعا كما دعوت!!!

وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصوّرين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه [وكانا متقابلين على المسند] (٣).

فغضب عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام وصاح بالصورتين : دونكما الفاجر فافترساه ولا تبقيا له عينا ولا أثرا.

فوثب الصورتان ـ وقد عادتا أسدين (٤) ـ فتناولا الحاجب [و] رضّضا [ه] وتهشّماه وأكلاه ولحسا دمه (٥) والقوم ينظرون متحيّرين مما يبصرون. فلمّا فرغا منه أقبلا على الرضا عليه‌السلام فقالا : يا وليّ الله في أرضه ما ذا تأمرنا أن نفعل بهذا؟ ـ ويشيران إلى المأمون ـ فغشي على المأمون مما سمع منهما ، فقال الرضا : قفا. فوقفا. ثم قال [الرضا] : صبّوا عليه ماء ورد وطيّبوه. ففعل ذلك به ، وعاد الأسدان يقولان : أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟ قال : لا فإن لله تعالى تدبيرا هو ممضيه. فقالا : بما ذا تأمرنا؟ قال : عودا إلى مقرّكما [كما] كنتما. فعادا إلى المسند وصارا صورتين كما كانتا.

فقال المأمون : الحمد لله الذي كفاني شرّ حميد بن مهران ـ يعني الرجل المفترس ـ ثمّ قال للرضا عليه‌السلام : هذا الأمر لجدّكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمّ لكم فلو شئت لنزلت لك عنه (٦).

__________________

(١) ولعلّ هذا هو الصواب ، وفي أصليّ : «فأتته سعيا على الرءوس وخفض ...». وفي عيون الأخبار : «فأتينه سعيا وتركبن على الرءوس وخففن وطرن ...».

(٢) هذا هو الصواب ، وفي كتاب عيون الأخبار : «فإن كنت صادقا فيما توهم فأحي هذين وسلّطهما عليّ ...».

وفي أصليّ من فرائد السمطين هاهنا تصحيف.

(٣) كذا في عيون الأخبار ، وما بين المعقوفين أيضا منه ، وفي نسخة السيد علي نقي : «الذي كان مستبطرا إليه». وفي نسخة طهران : «مسندا إليه».

(٤) كذا في عيون الأخبار ، وفي أصليّ : «وقد دعا باسداين ...».

(٥) وفي كتاب عيون الأخبار : («وهشماه ...».

(٦) حرف الفاء في قوله : «فلو» مأخوذ من كتاب عيون الأخبار ، وهذا لفظه :

ثم قال للرضا ـ عليه‌السلام ـ يا ابن رسول الله هذا الأمر لجدّكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم لكم فلو شئت لنزلت عنه لك؟! فقال الرضا ـ عليه‌السلام ـ : لو شئت لما ناظرتك ولم أسألك ، فإن الله تعالى قد أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين إلا جهال بني آدم فإنهم وإن خسروا حظوظهم فلله عزوجل فيه تدبير ، وقد أمرني بترك الاعتراض عليك وإظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك كما أمر يوسف بالعمل من تحت يد فرعون مصر.

٢١٦

الباب الثاني والأربعون

[في انطلاق لسان أبي النضر المؤذن ببركة توسّله إلى الله تعالى بالإمام الرضا عليه‌السلام].

٤٩١ ـ أنبأني الشيخ محي الدين عبد الحميد بن (١) أبي البركات الحربي ، وأمين الدين أبو الفضل إسماعيل بن أبي عبد الله ابن حمّاد العسقلاني ، قالا : أنبأنا أبو أحمد عبد الوهاب بن عليّ بن عليّ إجازة ، أنبأنا زاهر بن طاهر بن محمد المستملي [ظ] إجازة ، قال : أنبأنا أبو بكر الحسين بن عليّ ، أنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا القاسم ابن عليّ المعمري يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا النضر المؤذّن النيسابوري يقول :

أصابتني علّة شديدة ثقل فيها لساني فلم أقدر منها على الكلام فخطر ببالي زيارة الرضا عليه‌السلام والدعاء عنده والتوسّل به إلى الله تعالى ليعافيني فخرجت زائرا وزرت الرضا وقمت عند رأسه وصلّيت ركعتين ، وكنت في الدعاء والتضرّع مستشفعا صاحب القبر إلى الله عزوجل أن يعافيني من علّتي ويحلّ عقدة لساني إذ ذهب بي النوم في سجودي ، فرأيت (٢) في منامي كأن القمر قد انفرج فخرج منه رجل آدم كهل شديد الأدمة ، فدنا منّي فقال : يا أبا النضر قل : «لا إله إلا الله» قال : فأومأت إليه كيف أقول ذلك ولساني منغلق؟ فصاح عليّ صيحة وقال : تنكر لله القدرة؟ قل : «لا إله إلا الله» قال : فانطلق لساني فقلت : «لا إله إلا الله» ورجعت إلى منزلي راجلا وكنت أقول : «لا إله إلا الله» ولم ينغلق لساني بعد ذلك.

__________________

(١) كذا في نسخة طهران هاهنا ، ولكن تقدم فيها تحت الرقم : (٤٠٦) في الباب : (١٩) من هذا السمط ص ٨٩. وأيضا تقدم في أوائل الباب : (٤٠) في ذيل الحديث : (٤٧٥) ص ١٩٥ : «عبد المحيي».

ومثل ما تقدم في الباب : (١٩ و ٤٠) من نسخة طهران ، ذكره في نسخة السيد علي نقي في هذا الباب : (٤٢).

(٢) كذا في نسخة طهران ، وفي نسخة السيد علي نقي : «فأريت».

وهذا الحديث رواه الشيخ الصدوق رحمه‌الله

بسند آخر عن أبي النصر المؤذن في الحديث : (٨) من الباب الأخير من كتاب عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ ص ٢٨٨.

٢١٧

[قول الإمام الرضا عليه‌السلام : لا تشدّ الرجال إلى شيء من القبور إلا إلى قبورنا. ثم خبره عن استشهاده بالسم ودفنه في الغربة وثواب من زاره. ثم تفاءل بعض من كان في شك عن عظمة الإمام الرضا بالقرآن وإزالة شكه].

٤٩٢ ـ [قال المؤلف] : وبه [أي بالسند المتقدم] أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله [البيّع] قال : حدثني عليّ بن محمد المذكّر ، قال : حدثنا محمد ابن عليّ الفقيه (١) قال : حدثنا [أحمد بن] زياد [بن جعفر] الهمداني ، قال : حدثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ياسر الخادم ، قال :

قال عليّ بن موسى الرضا : لا تشدّ الرحال إلى شيء من القبور إلا إلى قبورنا.

ألا وإنّي مقتول بالسمّ ظلما ومدفون في موضع غربة ، فمن شدّ رحله إلى زيارتي استجيب دعاؤه وغفر ذنوبه.

٤٩٣ ـ وبهذا الإسناد [الذي تقدم آنفا] قال [الحاكم] : سمعت عليّ بن محمد بن يحيى المذكّر ، يقول : سمعت أبا الفضل ابن أبي نصر الصوفي يقول : سمعت محمد بن أبي علي الصائغ يقول :

سمعت رجلا ذهب عنّي اسمه عند قبر الرضا [يقول : كنت [أفكر في شرف القبر وشرف من توارى فيه (٢) فتخالج في قلبي الإنكار على بعض من بها (٣) فضربت بيدي إلى المصحف متفئّلا ، فخرجت هذه الآية : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ؟ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ) [٥٣ / يونس : ١٠]. حتى ضربت ثلاث مرات فخرج (٤) في كلها هذه الآية.

__________________

(١) رواه في الحديث الأول من الباب : (٦٦) من كتاب عيون الأخبار : ج ٢ ص ٢٥٨ وما بين المعقوفات.

مأخوذ منه. ورواه أيضا تحت الرقم : (١٦٧) من باب الثلاثة من كتاب الخصال : ص ١٣٧.

وبمعناه روى أيضا أحاديث في المجلس : (١٥) من أماليه ص ٥٦ ط الغري.

(٢) لعلّ هذا هو الصواب ، وفي نسخة طهران : «من يولد به» وفي نسخة السيد علي نقي : «وشرف من يوازي به».

(٣) لعلّ هذا هو الصواب ، وفي نسخة طهران : «كالإنكار على أخصّ من بها». وفي نسخة السيد علي نقي : «كالإنكار على بعض من بها».

(٤) كذا في نسخة السيد علي نقي ، وفي نسخة طهرن : «يخرج في كلها».

٢١٨

[توسّل زيد الفارسي بقبر الإمام الرضا إلى الله تعالى ومسحه رجله بالقبر الشريف وذهاب الوجع والنقرس عن رجله

[بشارة أمير خراسان حمّويه صاحبه في بعض المجالات بقضاء حاجته ثم طلب منه بأن يهيء بأن يصعفه قصاصا].

٤٩٤ ـ [وبالسند المتقدم عن الحاكم عن عليّ بن محمد بن يحيى] قال أبو الفضل [ابن أبي نصر الصوفي] : سمعت زيد الفارسي يقول :

كنت بمروالرود منقرسا مدة سنتين لا أقدر أن أقوم قائما ولا أن أصليّ قائما ، فأريت في المنام : ألا تمر بقبر الرضا وتمسح رجليك به وتدعو الله تعالى عند القبر حتى يذهب ما بك؟ [قال] : فاكتريت [دابة] وجئت إلى طوس ومسحت رجليّ بالقبر ودعوت الله عزوجل فذهب عنّي ذلك النقرس والوجع فأنا هاهنا منذ سنتين وما نقرست.

٤٩٥ ـ وبه قال الحاكم : سمعت أبا الحسن (١) ابن أبي منصور العلوي يقول : سمعت عمّي أبا محمد يقول : سمعت أبا نصر ابن أبي الفضل ابن محمد يقول : سمعت حاجب حمويه بن عليّ يقول :

كنت مع حمويه ببلخ فركب يوما وأنا معه فبينا نحن في سوق بلخ إذ رأى حمويه رجلا فوكل به وقال : احملوه إلى الباب ثم عند انصرافه أمر بإحضار حمار فاره وسفرة وجبنة ومأتي درهم ، فلما أحضر قال : هاتوا الرجل. فجيء به فلما وقف بين يديه قال : قد صفعتني صفعة (٢) وأنا أقتصّها منك اليوم؟! [أ] تذكر اليوم الذي زرنا جميعا قبر الرضا ـ رضي‌الله‌عنه ـ فدعوت أنت وقلت : اللهمّ ارزقني حمارا ومأتي درهم وسفرة فيها جبنة وخبزة. وقلت أنا : اللهمّ ارزقني قيادة خراسان. فصفعتني وقلت : لا تسأل ما لا يكون. فالآن قد بلغني الله عزوجل مأمولي وبلغك مأمولك ، والصفعة لي عليك (٣).

__________________

(١) كذا في نسخة طهران ، وفي نسخة السيد علي نقي : «سمعت أبا الحسين».

(٢) يقال : «صفع زيد عمروا ـ من باب منع ـ صفعا» : ضرب قفاه ، أو ضرب بدنه بكفّه مبسوطة.

(٣) ورواه أيضا الشيخ الصدوق رحمه‌الله في الحديث : (١٢) من الباب : (٦٩) من كتاب عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ص ٢٩١ بسند آخر وتفصيل.

٢١٩

[اعتراف جماعة من علماء أهل السنة بأن قصد زيارة قبر الإمام الرضا عليه‌السلام والدعاء عنده والتوسل به إلى الله تعالى مجرّب لقضاء الحاجات].

٤٩٦ ـ وبه قال الحاكم : سمعت أبا الحسين (١) محمد بن عليّ بن سهل الفقيه يقول : ما عرض لي مهمّ من أمر الدين والدنيا فقصدت قبر الرضا لتلك الحاجة ، ودعوت عند القبر إلا قضيت لي تلك الحاجة ، وفرّج الله عنّي ذلك المهمّ.

ثم قال أبو الحسن رحمه‌الله : وقد صارت إلى هذه العادة أن أخرج إلى ذلك المشهد في جميع ما يعرض لي فإنّه عندي مجرّب.

٤٩٧ ـ قال الحاكم رحمه‌الله : وقد عرّفني الله من كرامات التربة خير كرامة ، منها : أنّي كنت متقرّسا لا أتحرّك إلا بجهد فخرجت وزرت وانصرفت إلى نوقان بخفّين من كرابيس فأصبحت من الغد بنوقان وقد ذهب ذلك الوجع وانصرفت سالما إلى نيسابور.

٤٩٨ ـ وبه قال الحاكم : سمعت أبا الحسين بن أبي بكر الفقيه يقول : قد أجاب الله لي في كل دعوة دعوته بها عند مشهد الرضا ، حتى إني دعوت الله [أن يرزقني ولدا] فرزقت ولدا بعد الإياس منه.

__________________

(١) كذا هاهنا وفي الحديث التالي في نسخة طهران ، ومثلها في نسخة السيد علي نقي في التالي ، ولكن فيها هاهنا : «أبا الحسن ...»؟

٢٢٠