شرح شواهد المغني

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

شرح شواهد المغني

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: لجنة التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٤٦

٧٧٦ ـ وأنشد :

ها بيّنا ذا صريح النّصح فاصغ له (١)

٧٧٧ ـ وأنشد :

خرجت بها أمشي تجرّ وراءنا

هو من معلقة امرىء القيس ، وقد تقدّم شرحه في شواهد لو (٢).

٧٧٨ ـ وأنشد :

عهدت سعاد ذات هوى معنّى

فزدت ، وعاد سلوانا هواها

لم يسم قائله. والمعنّى : الأسير في الحب ، من عناه يعنيه. والعاني : الأسير. وسلوان : بضم السين ، بمعنى السلوة. قال الأصمعي : يقول الرجل لصاحبه سقيتني سلوة وسلوانا ، أي طيبت نفسي عنك. ويقال : السلوان دواء يسقاه الحزين فيسلو. ومعنى البيت : أنه لما كان مغرما بها كانت خالية ، فلما زاد سلوانا زادت هي غراما. وقوله : ذات هوى : حال من المفعول ، وهو سعاد. ومعنى : حال من الفاعل في عهدت.

٧٧٩ ـ وأنشد :

ومن يقترب منّا ويخضع نؤوه (٣)

لم يسم قائله. وتمامه :

ولا يخش ظلما ما أقام ولا هضما

نؤوه : من آواه يؤويه ايواء. والهضم : الظلم ، وقوله : ويخضع بالنصب

__________________

(١) صدر بيت وعجزه :

وطع فطاعة مهد نصحه رشد

وقائله مجهول.

(٢) انظر ص ٦٥٢ ، وانظر من المعلقة ص ٢٠ و ٩٦ و ٩٧ و ٣٦٠ و ٤٥١ و ٤٦٣ و ٥٥٨ و ٦٥٢ و ٧٧٢ و ٧٨٢ و ٨٥٧ و ٨٦٣ و ٨٨٣.

(٣) ابن عقيل ٢ / ١٣٤

٩٠١

بإضمار أن بعد الواو العاطفة على الشرط قبل الجواب.

٧٨٠ ـ وأنشد :

تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما (١)

هو للبيد من أبيات قالها قرب وفاته وتمامه :

وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر

فقوما فقولا بالّذي تعلمانه

ولا تخمشا وجها وتحلقا شعر

وقولا هو المرء الّذي لا صديقه

أضاع ولا خان الخليل ولا غدر

إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

قوله : الى الحول متعلق بقولا. وقوله : ثم اسم السلام عليكما ، كناية عن الأمر بترك ما كان قد أمرهما به من القول والبكاء. ولفظ اسم مقحمة. والمعنى : ثم السلام. وقد استشهد به البيضاوي في تفسيره ، وابن أم قاسم في شرحه على ذلك.

٧٨١ ـ وأنشد :

من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع

تقدم شرحه في الكتاب الثاني ضمن قصيدة النابغة (٢).

٧٨٢ ـ وأنشد :

ولست بالأكثر منهم حصى

وإنّما العزّة للكاثر (٣)

__________________

(١) الخزانة ٢ / ٢١٩ و ٤ / ٤٥٤. وانظر شرح القصائد العشر ٥١٣ وفيه :

(تخاف ابنتاي ...).

(٢) انظر ص ٨١٦ ، وهو مع الشاهد رقم ٦٢٢ من قصيدة واحدة.

(٣) الخزانة ٣ / ٤٨٩ ، وابن عقيل ٢ / ٥١

٩٠٢

هذا من قصيدة للأعشى ميمون يهجو بها علقمة بن علاثة ويمدح عامر بن الطفيل ، وأوّلها (١) :

شاقتك من نبلة أطلالها

بالشّطّ فالوتر إلى حاجر

فركز مهراس إلى مادر

فقاع منفوحة ذي الحائر

دار لها غيّر آياتها

كلّ ملثّ صوبه ماطر

وقد رآها وسط أترابها

في الحيّ ذي البهجة والسّامر

إذ هي مثل الغصن ميّالة

تروق عيني ذي الحجى الزّائر

كبيعة صوّر محرابها

مذهّب ذي مرمر مائر

أو بيضة في الدّعص مكنونة

أو درّة سيقت لدى تاجر

قد حجم الثّدي على صدرها

في مشرق ذي بهجة نائر

يشفي غليل الصّدر لاه بها

حوراء تصبي نظر النّاظر

ليست بسوداء ولا عنفص

تسارق الطّرف إلى الدّاعر

عهدي بها في الحيّ قد سربلت

صفراء مثل المهرة الضّامر

عبهرة الخلق لباخيّة

تزّينه بالخلق الطّاهر

لو أسندت ميتا إلى نحرها

عاش ولم ينقل إلى قابر

حتّى يقول النّاس ممّا رأوا

يا عجبا للميّت النّاشر

__________________

(١) ديوانه ص ١٣٩ ق ١٨ باختلاف الترتيب والالفاظ.

٩٠٣

دعها فقد أعذرت في ذكرها

واذكر خنا علقمة الخاتر

أسفها أم عدت يا ابن استها

لست على الأعداء بالقادر

يحلف بالله لئن جاءه

عنّي ثنا من سامع خابر

ليجعلنيّ ضحكة بعدها

جدّعت يا علقم من ناذر

ليأتينه منطق فاحش

مستوثق للسّامع الآثر

عضّ بما أبقى المواسي له

من أمّه في الزّمن الغابر

وكنّ قد أبقين منه أذى

عند الملاقي وافر الشّافر

لا تحسبنّي عنكم غافلا

فلست بالواني ولا الفاتر

فارغم فإنّي طبن عالم

أقطع من شقشقة الهادر

حولي ذوو الآكال من وائل

كاللّيل من باد ومن حاضر

المطعمون الضّيف لمّا شتوا

والجاعلو القوّة على الياسر

من كلّ كوماء سجوف إذا

جفّت من اللّحم مدى الجازر

هم يطردون الفقر عن جارهم

حتّى يرى كالغصن الزّاهر

كم فيهم من شطبة خيفق

وسابح ذي ميعة ضامر

وكلّ جوب مترص صنعه

وصادق أكعبه حادر

وكلّ مرنان لها أزمل

وصارم ذي هبّة باتر

وفيلق شهباء ملمومة

تقصف بالدّارع والحاسر

٩٠٤

باسلة الوقع سرابيلها

بيض إلى أقربها الطّاهر

فانظر إلى كفّ وأسرارها

هل أنت إن أوعدتني ضائر

إنّي رأيت الحرب إذ شمّرت

دارت بك الحرب مع الدّائر

يا عجبا للدّهر إذ سويّا

كم ضاحك منكم وكم ساخر

إنّ الّذي فيه تماروننا

بيّن للسّامع والنّاظر

ما جعل الجدّ الظّنون الّذي

جنّب غيث اللّجب السّاطر (١)

مثل الفراتيّ إذا ما طما

يقذف بالنّوصيّ والماهر (٢)

أقول لمّا جاءني فخره

سبحان من علقمة الفاجر

علقم لا تسفه ولا تجعلن

عرضك للوارد والصّادر

أؤوّل الحكم على وجهه

ليس قضائي بالهوى الجائر

حكّمتموه فقضى بينكم

أبلج مثل القمر الزّاهر

لا يأخذ الرّشوة في حكمه

ولا يبالي غبن الخاسر

لا يرهب المنكر منكم ولا

يرجوكم الأتقى الآمر

كم قد قضى شعري في مثله

فسار لي في منطق سائر

إن ترجع الحكم إلى أهله

فلست بالمسدي ولا النّائر

__________________

(١) في الديوان برواية :

ما يجعل الجد الظنون الذي

جنب صوب اللجب الزاخر

(٢) كذا في الاصل ، وفي الديوان (البوصي) وهو السفين ، وكذلك الملاح.

٩٠٥

ولست في السّلم بدي نائل

ولست في الهيجاء بالجاسر

ولست بالأكثر منهم حصى

وإنّما العزّة للكاثر

ولست في الأثرين من مالك

ولا إلى بكر ذوي النّاصر

هم هامة الحيّ إذا ما دعوا

ومالك في السّؤدد القاهر

ساد وألفى قومه سادة

وكابرا سادوك عن كابر

فاقن حياء أنت ضيّعته

مالك بعد الجهل من عاذر

علقم ما أنت إلى عاصر

النّاقض الأوتار والواتر

واللّابس الخيل بخيل إذا

ثار الغبار الكبّة الثّائر

إن تسد الخوص فلم تعدهم

وعامر ساد بني عامر (١)

قد قلت شعري فمضى فيكما

واعترف المنفور للنّافر (٢)

لقد أسلّي النّفس حين اعترى

بجسرة دوسرة عاقر

زنّافة كالفحل خطّارة

تلوي بشرجي مثبت فاتر

شتّان ما يومي على كورها

ويوم حيّان أخي جابر

أرمي بها البيد إذا أعرضت

وأنت بين القور والعاصر

في مجدك شيّد بنيانه

يزلّ عنه ظفر الطّائر

__________________

(١) في الديوان :

(سدت بني الاحوص فلم تعدهم) ...

(٢) في الديوان :

(قد قلت قولا فقضى بينكم).

٩٠٦

قال شارح ديوان الأعشى : لما قال الأعشى هذه القصيدة هدر علقمة بن علاثة دمه وجعل له على كل طريق رصدا ، فاتفق الأمر أن الأعشى يريد وجها ومعه دليل ، فأخطأ به الطريق فألقاه في ديار عامر بن صعصعة ، فأخذه رهط علقمة بن علاثة فأتوه به ، فقال له علقمة : الحمد لله الذي أمكنني منك. فقال الأعشى (١) :

أعلقم قد صيّرتني الأمو

ر إليك وما أنت لي منقص

فهبط نفسي فدتك النّفو (٢)

س ولا زلت تنمي ولا تنقص

فقال قوم علقمة : اقتله وأرحنا منه والعرب من شرّ لسانه ، فقال علقمة : إذن تطلبوا بدمه ولا ينغسل عني ما قاله ، ولا يعرف فضلي عند القدرة. فأمر به فحلّ وثاقه وألقى عليه حلة وحمله على ناقة وأحسن عطاءه ، وقال : انج حيث شئت. وأخرج معه من بني كلاب من يبلغه مأمنه ، فقال الأعشى بعد ذلك :

علقم يا خير بني عامر

للضّيف والصّاحب والزّائر

والضّاحك السّنّ على همّه

والغافر العثرة للعاثر

وعلقمة بن علاثة صحابي قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو شيخ فأسلم وبايع ، انتهى. وروى حديثا واحدا.

وأخرج ابن مندة وابن عساكر من طريق الأعمش عن أبي صالح ، حدثني علقمة بن علاثة قال : أكلت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رؤسا. واستعمله عمر ابن الخطاب على حوران فمات بها.

وأخرج أبو نعيم والخطيب وابن عساكر عن محمد بن سلمة قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده حسان فقال : يا حسان ، أنشدنا من شعر الجاهلية ما عفا الله لنا فيه ، فأنشده حسان قصيدة الأعشى في علقمة بن علاثة :

__________________

(١) ديوانه ٣٦٩ ق ٨١

(٢) كذا في الاصل ، وفي الديوان : (فهب لي ذنوبي فدتك ...)

٩٠٧

 ... ما أنت إلى عامر

النّاقض الأوتار والواتر

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تنشدني بعد اليوم يا حسان ، فقال حسان : يا رسول الله ، تمنعني من رجل مشرك هو عند قيصر أن أذكر هجاء له. فقال : يا حسان ، إني ذكرت عند قيصر وعنده أبو سفيان بن حرب وعلقمة بن علاثة ، فأما أبو سفيان فلم يترك فيّ ، وأما علقمة فحسن القول ، وانه لا يشكر الله من لا يشكر الناس. وأخرجه ابن عساكر من وجه آخر وفيه : فقال حسان : اعرض عن ذكر علقمة فان أبا سفيان ذكرني عند هرقل فشعّث (١) مني فردّ عليه علقمة ، فقال حسان : يا رسول الله ، من نالك شكره وجب علينا شكره.

٧٨٣ ـ وأنشد :

على أنّني بعد ما قد مضى

ثلاثون للهجر حولا كميلا (٢)

هو للعباس بن مرداس السلمي ، وبعده :

يذكّرنيك حنين العجول

ونوح الحمامة تدعو هديلا

قال : فصل بين ثلاثين وبين مميزها (٣) ، شبهها بالضرورة. وكميل : بمعنى كامل. ويذكرنيك : متعلق على. والعجول : بفتح العين المعجمة وضم الجيم ، الناقة التي فقدت ولدها. وقيل : التي ألقته قبل أن ينم بشهر أو شهرين. والحنين : مدّ الصوت اشتياقا الى إلف أو وطن أو ولد ، وأصله في الإبل. ونوح الحمامة : صوت تستقبل به صاحبها ، لأن أصل النوح التقابل. والهديل : عظيم صوت الحمام. وقيل : ذكره ، وقيل : فرخه. تزعم الأعراب أنّ جارحا صاده في سفينة نوح فالحمام تبكيه الى يوم القيامة. فنصبه على الأول على المصدر لتدعو لأنه بمعنى تهدل ، أو لفعل دل عليه تدعو. ومفعول تدعو محذوف ، أو على الحال ، أي هؤلاء. وعلى

__________________

(١) في الاساس : شعّث مني فلان : اذا غضّ منك.

(٢) الخزانة ١ / ٥٧٣ ، وانظر سيبويه ١ / ٢٩٢

(٣) وهو (حولا).

٩٠٨

الآخرين على المفعول به لتدعو. قال الجاحظ (١) : يقال في الحمام : هدل يهدل باللام ، وربما قالوا بالراء. وقال أبو زيد : الجمل يهدر ، ولا يقال باللام.

٧٨٤ ـ وأنشد :

له حاجب من كلّ أمر يشينه

عزاه القالي في أماليه لمروان بن أبي حفصة (٢) ، وتمامه :

وليس له عن طالب العرف حاجب

وقبله :

يصمّ عن الفحشاء حتّى كأنّه

إذا ذكرت في مجلس القوم غائب

٧٨٥ ـ وأنشد :

فارسا ما غادروه ملحما

تقدم شرحه في شواهد لو (٣).

٧٨٦ ـ وأنشد :

دعوني فيا لبّى إذ هدرت لهم (٤)

تمامه :

شقاشق أقوام فاسكتها هدري

__________________

(١) في الحيوان للجاحظ ٣ / ٧٤ : (وأما أصحابنا فيقولون ان الجمل يهدر ، ولا يكون باللام. والحمام يهدل ، وربما كان بالراء).

(٢) الامالي ١ / ٢٣٨ ، وفيه : (وأنشدنا أيضا ، قال أنشدني أبي).

ولم يعزو البيت الى أحد. وذكر الشاهد برواية :

له حاجب عن كل ما يصم. الفتى

(٣) انظر ص ٦٦٤

(٤) انظر الخزانة ١ / ٢٦٩.

٩٠٩

٧٨٧ ـ وأنشد :

لقلت لبّيه لمن يدعوني (١)

لم يسم قائله ، وصدره :

إنّك لو دعوتني ودوني

زوراء ذات مترع بيون

زوراء : بفتح الزاي وسكون الواو والمدّ ، البئر البعيد القعر ، والأرض البعيدة أيضا. ومترع : قيل بالمثناة الفوقية والراء ، من قولهم حوض ترع بالتحريك ، إذا كان ممتلئا. وقيل : بالنون والزاي ، من قولهم بئر نزوع إذا كانت قريبة القعر ينزع منها باليد ، والأول أصح وأقرب. وبيون : بفتح الموحدة وضم التحتية المخففة ونون ، البئر البعيدة القعر الواسعة. والبيت استشهد به على إضافة لبى إلى ضمير الغيبة شذوذا.

٧٨٨ ـ وأنشد :

فلبّى ؛ فلبّى يدي مسور (٢)

قاله أعرابي من بني أسد وصدره :

دعوت لما نابني مسورا

لما نابني : أي لما أصابني من النائبة ، فاللام جارة ولا موصولة له. قوله : (فلبى) أي قال لبيك : والأصل فلباني ، فحذف المفعول. قوله (فلبى يدي مسور) أي فأجابة له مني بعد إجابة إذا سألني في أمر نابه جزاء لصنعه ، وخص يديه بالذكر لأنهما اللتان أعطتاه المال. وقيل : ذكر اليدين على سبيل الإقحام والتأكيد. والفاء : في (فلبى) الأولى للعطف المؤذن بالتعقيب. والثانية سببية. والبيت استشهد به

__________________

(١) ابن عقيل ٢ / ٩ ، واللسان (بين).

(٢) ابن عقيل ٢ / ٩ ، والخزانة ١ / ٢٦٨ ، واللسان (لبى) ، وسيبويه ١ / ١٧٦.

٩١٠

على إضافة لبى إلى الظاهر ، وهو شاذ وعلى أنه ليس إسما مفردا ، وإلا لم تقلب ألفه عند الإضافة الى الظاهر ياء كما يقال (على يد زيد). وذكر بعضهم أن لبى الأولى تكتب بالألف والثانية بالياء ، ليعرف أن الاولى فعل والثانية مصدر منصوب بالياء. وقال الفارسي : لا حجة في البيت على ما ذكر لأنه يجوز في نحو هذه الألف التي تطرفت أي تقلب ياء في الوقف ، فيقال في هذه : أفعى أفعى ، بقلب الألف ياء. ومنهم من يجري الوصل مجرى الوقف. فيمكن أن يكون فلبي يدي مسور من ذلك. قال أبو حيان : وهذا الذي قاله الفارسي ممكن لو سمع من كلامهم (لبّى زيد).

٧٨٩ ـ وأنشد :

وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني

ثوبي فأنهض نهض الشّارب الثّمل (١)

هو لأبي حية النميري ، واسمه المشمر بن الربيع بن زرارة. وقيل هو للحكم ابن عبدل الأعرج الأسدي من شعراء الدولة الأموية. وقيل انه وقع في البيت تحريف ، وإنما هو هكذا :

وقد جعلت إذا ما قمت يرجعني

ظهري فأنهض نهض الشّارب السّكر

وكنت أمشي على رجليّ معتدلا

فصرت أمشي على أخرى من الشّجر

وفي البيان للجاحظ (٢) : قال أبو ضبة في رجله :

وقد جعلت إذا ما نمت يرجعني (٣)

ظهري وقمت قيام الشّارب الظّهر

قد كنت أمشي ... البيت

__________________

(١) الخزانة ٤ / ٩٣ ، وفيه انه لعمرو بن أحمر الباهلي

(٢) ٣ / ٥٣.

(٣) في البيان : (... اوجعني ... قيام الشارف الظهر)

٩١١

٧٩٠ ـ وأنشد :

نطوّف ما نطوّف ثمّ نأوي

ذوو الأموال منّا والعديم

إلى حفر أسافلهنّ جوف

وأعلاهنّ صفّاح مقيم

تقدم شرحهما في شواهد إذا ضمن قصيدة البرج (١).

٧٩١ ـ وأنشد :

ما للجمال مشيها وئيدا (٢)

هو للزباء ، ونسبه العيني للخنساء. وفي الأغاني قيل إنه مصنوع (٣). وبعده :

أجندلا يحملن أم حديدا

أم صرفانا باردا شديدا

أم الرّجال قمّصا قعودا

الجمال : جمع جمل. ووئيد : بفتح الواو وكسر الهمزة ودال مهملة ، صوت شدة الوطء على الأرض يسمع كالدوي من بعده. والجندل : بفتح الجيم ودال مهملة بينهما نون ساكنة ، الحجر. والصرفان : بفتح المهملتين وفاء. قال ثعلب في أماليه : وقد أنشد البيت ، وزعم قوم انه الرصاص. وبارد : ثابت. وقال أبو عبيدة : هو جنس من التمر ، لم يكن يهدي لها شيء كان أحب إليها منه من التمر. وقمصا : بضم القاف وتشديد الميم وصاد مهملة ، من قمص الفرس ، أي استن ، وهو أن يطرح يديه ويرفعهما معا ويعجز رجليه. ويروى بدله (جثما) وهو جاثم من جثم : تلبد بالأرض. واستدل الكوفيون بقوله : (مشيها وئيدا) على جواز تقديم الفاعل.

__________________

(١) انظر ص ٢٨١

(٢) انظر ص ٧١٨ وهو في الاساس (وأد).

(٣) ١٥ / ٢٥٦

٩١٢

وخرّجه البصريون على أنه مبتدأ حذف خبره وبقي معموله ، أي مشيها يكون وئيدا ويوجد وئيدا. وقال أبو علي : مشيها بدل من الضمير في للجمال ، أو مبتدأ. رويدا : حال سدّت مسد الخبر. ويروى (مشيها) بالنصب على المصدر أي يمشي مشيها. وبالجرّ بدل اشتمال من الجمال.

٧٩٢ ـ وأنشد :

فإن لا مال أعطيه فإنّي

صديق من غدوّ أو رواح

٧٩٣ ـ وأنشد :

بربّك هل ضممت إليك ليلى (١)

عزى لقيس المجنون.

أخرج في الأغاني عن الهيثم بن عدي قال (٢) : مرّ المجنون ذات يوم بزوج ليلى وهو جالس يصطلي في يوم شات ، فوقف عليه ، ثم أنشأ يقول :

بربّك هل ضممت إليك ليلى

قبيل الصّبح أو قبّلت فاها (٣)

وهل زفّت عليك قرون ليلى

زفيف الأقحوانة في نداها (٤)

فقال : اللهم إذ حلّفتني فنعم! فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من الجمر ،

__________________

(١) الخزانة ٤ / ٢١٠ (بدينك). والاغاني ٢ / ٢٤ (الدار).

(٢) ٢ / ٢٤ (الدار).

(٣) في الخزانة :

(وهل قبلت قبل الصبح فاها)

(٤) في الاغاني والخزانة (رفت) بالراء المهملة. قال البغدادي ٤ / ٢١٣ : رفت بفتح الراء المهملة من رف لونه يرف بالكسر رفيفا ورفا اذا برق وتلألأ ، أراد شدة سواد شعرها ، وصحفه ابن الملا في شرح المغني بجعل المهملة معجمة فقال : الزفيف : اهداء العروس ألى بعلها ، وغفل عن عقله : (رفيف الأقحوانة وهي البابونج) والقرون : الذوائب ، جمع قرن بفتح القاف وسكون الراء.

٩١٣

فما فارقهما حتى سقط مغشيا عليه ، وسقط الجمر مع لحم راحتيه ، فقام زوج ليلى مغموما بفعله متعجبا منه.

٧٩٤ ـ وأنشد :

وكوني بالمكارم ذكّريني

ودلّي دلّ ماجدة صناع (١)

أنشده أبو زيد ، وقبله :

ألا يا أمّ فارغي لا تلومي

على شيء رفعت به سماعي

المعنى : لا تلوميني على ما يرتفع به صيتي وذكري ، وذكريني : كوني مذكرة لي بالمكارم (٢).

٧٩٥ ـ وأنشد :

إنّ الّذين قتلتم أمس سيّدهم

لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما

٧٩٦ ـ وأنشد :

إنّي إذا ما القوم كانوا أنجيه

واضطرب القوم اضطراب الأرشيه

هناك أوصيني ولا توصي بيه

هو من أبيات الحماسة (٣). وبعد المصراع الثاني :

وشدّ فوق بعضهم بالأردية (٤)

__________________

(١) الخزانة ٤ / ٥٧ ، وحاشية الامير ٢ / ١٤٧ ، وهو لبعض بني نهشل كاهلي.

(٢) وقوله : (ودلي) بفتح الدال ، من باب خجل ، الخفر.

(٣) ٢ / ٢٠٢

(٤) في الحماسة : (بالأروية) وفسرها فقال : جمع رواء ، وهو الحبل.

٩١٤

قال التبريزي : خبر (إن) في قوله : (أوصيني). والمعنى : إني أهل لأن يوصى إليّ حينئذ غيري ، ولا يوصى غيري بي. و (ما) في ما القوم زائدة. وأنجيه : جمع نجي. والمعنى : صاروا فرقا لما حربهم (١) من الشر يتناجون ويتشاورون. واضطرب القوم : أي لجزعهم لم يثبتوا على الخيل. والأرشية : الدلاء ، جمع رشا ، بكسر الراء ، وشد فوق بعضهم : أي خوف السقوط لضعف الاستمساك عند غلبة النعاس ، أو لأنهم أسروا.

٧٩٧ ـ وأنشد :

أأكرم من ليلى عليّ فتبتغي

به الجاه أم كنت امرا لا أطيعها

تقدم شرحه (٢).

٧٩٨ ـ وأنشد :

نعم الفتى المرّيّ أنت إذا هم

حضروا لدى الحجرات نار الموقد (٣)

هو لزهير بن أبي سلمى من قصيدة يمدح بها سنان بن أبي حارثة المرّي ، وأوّلها :

لمن الدّيار غشيتها بالفدفد

كالوحي في حجر المسيل المخلد

وقبل هذا البيت :

وإلى سنان سيرها ووسيجها

حتّى تلاقيها بطلق الأسعد

الفدفد : المكان المرتفع فيه صلابة وحجارة. ويقال : هي أرض مستوية. وقوله :

__________________

(١) في الحماسة : (حزبهم) بالزاي المنقوطة.

(٢) انظر ص ٢٢١ وهو مع الشاهد رقم ١٠٨ من قصيدة واحدة.

(٣) شرح ديوان زهير ٢٧٥ ، والخزانة ٤ / ١١٢

٩١٥

كالوحي : أي كالكتاب. وإنما جعل في حجر المسيل لأنه أصل له (١). والمخلد : المقيم ، من أخلد ، إذا أقام. والوسيج : بالجيم ، ضرب من السّير. والطلق : اليوم الطيب لا برد فيه ولا أذى. الأسعد : اليمن ، من السعود. والحجرات : جمع حجرة ، وهي شدة الشتاء. والمرّيّ : نسبة الى مرّة ، وهو نعت للفتى. والبيت استشهد به على نعت فاعل نعم. وأنت المخصوص بالمدح.

٧٩٩ ـ وأنشد :

أزمعت يأسا مبينا من نوالكم

ولن ترى طاردا للحرّ كاليأس

هو من قصيدة للحطيئة يخاطب بها الزبرقان بن بدر. وقبله (٢).

لمّا بدا لي منكم عيب أنفسكم

ولم يكن لجراحي منكم آسي

وبعده :

جارا لقوم أطالوا هون منزله

وغادروه مقيما بين أرماس

ملّوا قراه وهرّته كلابهم

وجرّحوه بأنياب وأضراس

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد ، فإنّك أنت الطّاعم الكاسي

من يفعل الخير لا يعدم جوائزه

لا يذهب العرف بين الله والنّاس

أخرج الجمحي وابن عساكر عن يونس النحوي قال (٣) : كان سبب هجاء الحطيئة الزبرقان انه قدم المدينة ، فقال : وددت أنّي أصبت رجلا يحملني وأصفيه مديحتي وأقتصر عليه. فقال الزبرقان : قد أصبته ، تقدم على أهلي فإنّي على أثرك. وأرسل الى امرأته أن أكرمي مثواه. وكان مع الحطيئة ابنة جميلة ، فكرهت امرأته مكانها

__________________

(١) كذا بالاصل ، وفي شرح الديوان : (وانما جعله في حجر المسيل لانه أصلب له).

(٢) الاغاني ٢ / ١٨٤ ـ ١٨٥ (الدار) والشعراء ٢٨٦ ـ ٢٨٧

(٣) الطبقات ٩٦.

٩١٦

فأظهرت لهم جفوة ، فأخذه بغيض بن عامر ، وهو يومئذ ينازع الزبرقان الشرف ، فبنى عليه قبّة ، ونحر له فأكرمه كل الإكرام ، فعمل الحطيئة هذه القصيدة فاستعداه الزبرقان الى عمر وادّعى عليه أنه هجاه فقال له : ما قال لك؟ فأنشده القصيدة فقال : ما أسمع هجاء انما اسمع معاتبة. فقال : وما تبلغ مروءتي الى أن آكل وأشرب؟ فسأل عمر حسان ولبيد : أترونه هجاه؟ قالا : نعم ، فحبسه.

وأخرج الزبير بن بكار وأبو الفرج وابن عساكر وغيرهم عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : لما حبس عمر الحطيئة ، كلمه عمرو بن العاص وغيره فيه فأخرجه من السجن فقال :

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ

زغب الحواصل لا ماء ولا شجر؟ (١)

غادرت كاسبهم في قعر مظلمة

فاغفر ، هداك مليك النّاس يا عمر

أنت الإمام الّذي من بعد صاحبه

ألقت إليك مقاليد النّهى البشر

لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها

لكن لأنفسهم كانت بك الخير

فامنن على صبية بالرّمل مسكنهم

بين الأباطح يغشاهم بها القرر

أهلي فداؤك كم بيني وبينهم

من عرض داوية تعمى بها الخبر

فبكى عمر ، ثم قال : أشيروا عليّ في الشاعر فانه يقول الهجو ، ويشبب بالنساء ، ويمدح الناس ، ويرميهم بغير ما فيهم ، ما أراني إلا قاطع لسانه. ثم قال : عليّ بالطست ، فأتى بها. ثم قال : عليّ بالمخصف ، لا بل عليّ بالسكين ، فأتى بها. ثم قال : عليّ بالموسى ، فهي أوجى. فقالوا : لا يعود يا أمير المؤمنين! قال : النجاء أذهب. فلما أدبر قال : يا حطيئة ، فرجع إليه فقال : كأني بك قد دعاك فتى من قريش

__________________

(١) رواية الطبقات ٩٨ : (... بذي مرخ ـ حمر الحواصل ....) وفي ياقوت (مرخ) : الرواية المشهورة (بذي أمر) وذو أمر موضع بنجد من ديار غطفان. وانظر الاغاني ٢ / ١٨٦ (الدار).

٩١٧

فبسط لك نمرقة ، وكسر لك أخرى ، ثم قال لك : غننا يا حطيئة ، فطفقت تغنيه بأعراض المسلمين. قال : فوالله ما ذهبت الليالي حتى رأيت الحطيئة عند عبد الله بن عمر بن الخطاب قد بسط له نمرقة وكسر له أخرى وقال : غننا يا حطيئة! فغناه ، فقلت : يا حطيئة ، أما تذكر قول عمر لك ، ففزع ثم قال : يرحم الله ذلك المرء ، أما لو كان حيا ما فعلنا هذا. وقلت لعبد الله : سمعت أباك يذكر كذا وكذا فكنت ذلك الرجل. وفي البيان للجاحظ (١) : كان عمر أعلم الناس بالشعر ، ولكنه لما ابتلي بالحكم بين الحطيئة والزبرقان كره أن يتعرّض له بنفسه ، فاستشهد حسان وأمثاله ثم حكم بما يعلم. وأخرج أبو الفرج في الاغاني عن أبي عمرو بن العلاء قال (٢) : لم تقل العرب قط بيتا أصدق من بيت الحطيئة :

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

وأخرج عن كعب الأخبار أنه سمع رجلا ينشد هذا البيت فقال : والذي نفسي بيده ، إن هذا البيت لمكتوب في التوراة.

٨٠٠ ـ وأنشد :

إنّ من يدخل الكنيسة يوما

يلق فيها جآذرا وظباء

تقدم شرحه (٣).

٨٠١ ـ وأنشد :

أظبي كان أمّك أم حمار (٤)

هو لخداش بن زهير ، صدره :

__________________

(١) ١ / ٢٠٢

(٢) ٢ / ١٧٣ ، وانظر ص ٢٦٨ من الشواهد.

(٣) في شواهد ان المكسورة المشددة ص ١٢٢ الشاهد رقم ٤٥

(٤) الخزانة ٣ / ٢٣٠ وسيبويه ١ / ٢٣

٩١٨

فإنّك لا تبالي بعد حول

وقد استشهد به سيبويه على الإخبار في باب كان بالمعرفة عن النكرة ضرورة. وقد أشكل على كثيرين فقالوا : إنما أخبر عن معرفة بمعرفة إذ اسم كان ضمير ، وأجيب بأنه لا ضمير في كان بل ظبي اسمها قدم للضرورة. وكان الأصل أظبيا كان أمّك؟ بنصب الظبي ورفع الأم. ثم عكس الإعراب وترك الظبي في موضعه لانه خبر في المعنى ، وإن كان مرفوعا. ورفع حمار لأنه تابع. وقيل : ليس ظبي اسما لكان المذكورة بل لكان مذكورة تفسرها المذكورة. والتقدير : أكان ظبي أمك. فالبيت من باب الاشتغال. ومعنى البيت : إن الإنسان إذا استغنى بنفسه لا يبالي عن من انتسب إليه من شريف أو وضيع. وضرب الظبي والحمار لهما مثلا. وذكر الحول لأن هذين يستغنيان بأنفسهما بعده. ثم أشار إلى أن الزمان لعدم جريه على مقتضى القياس قد التحق فيه الوضيع بالشريف ، في قوله بعد هذا البيت :

فقد لحق الأسافل بالأعالي

وماج القوم واختلط النّجار

وعاد الفند مثل أبي قبيس

وصار مع المعلهجة العشار

المعلهج : الهجين.

٨٠٢ ـ وأنشد :

وربّ السّموات العلى وبروجها

والأرض وما فيها : المقدّر كائن

٨٠٣ ـ وأنشد :

حنّت نوار ولات هنّا حنّت (١)

__________________

(١) الخزانة ٢ / ١٥٦ و ٤٨٠. والشعراء ٤٣ والمؤتلف والمختلف ٨٤.

وشرح التبريزي ٣ / ٣٥

٩١٩

هو لشبيب بن جعيل الثّعلبي. كان بنو قتيبة بن معين (١) ، أسروه في حرب فأنشد ذلك يخاطب أمّه نوار بنت عمرو بن كلثوم ، وتمامه :

وبدا الّذي كانت نوار أجنّت

لما رأت ذات السّلا شربا لها (٢)

والفرت يعصر في الإناء أرنّت

حنت : من الحنين ، وهو الشوق. ونوار : علم امرأة من باب حذام (٣). والواو في (ولات) للحال. قال المصنف في شواهده : وكذا وجدتها حيث وقعت قبل لات. ولات عند الفارسي مهملة. وهنا خبر. وحنت مبتدأ بإضمار ان مثل : (ومن آياته يريكم البرق) وعند ابن عصفور معملة. وحنت : بتقدير وفت ، وحنت وهو الخبر. وعند الخباز إنها مهملة وهنا مضافة الى حنت. قال المصنف : ويرده ان اسم الاشارة لا يضاف. وذهب بعضهم الى أن هنا خبر لات واسمها محذوف ، تقديره ليس الحيا حين حنينها. وبدا : بمعنى ظهر. وأجنت : بجيم ، سترت. والسلا : بالقصر ، الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي. وأرنت : صاحت. والبيت استشهد به ابن مالك على الاشارة بهنّا للزمان ، وهي بضم الهاء وتشديد النون ، لغة في هنا. وذكر أبو عبيدة : أنّ هذين البيتين لحجل بن نضلة.

٨٠٤ ـ وأنشد :

مضت سنة لعام ولدت فيه

وعشر قبل ذاك وحجّتان (٤)

هو للنابغة الجعدي ، وقبله :

__________________

(١) في الخزانة : (قنينة) بالنون ، وأراها محرفة عن قتيبة ، وهو قتيبة بن مع لا (معين) بن مالك بن أعصر الباهلي ، وانظر جمهرة أنساب العرب ٢٤٥ ، والاشتقاق ٢٧١.

(٢) كذا بالاصل ، وفي المراجع السابقة :

(لما رأت ماء السلا مشروبا)

(٣) في الخزانة : (ونوار فاعل حنّت مبني على الكسر في لغة الجمهور ، وعند تميم معرب لا ينصرف).

(٤) انظر ص ٦١٤ و ٦١٥

٩٢٠