شرح شواهد المغني

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

شرح شواهد المغني

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: لجنة التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٤٦

قوله : وما راعني ويسير فعل مضارع من السير ، ووقع فاعلا لراعني بتقدير أن المصدرية ، أي : وما راعني الا أن يسير ، أي سيره. وبشرطة : متعلق به وهو بضم الشين وسكون الراء وفتح الطاء المهملة ، بمعنى الشرطي. والقين : الحداد ، ونصبه على الحال. ويفش : من فش الكير نفسه ، إذا أخرج ما فيه من الريح. والكير : بكسر الكاف ، كير الحداد ، وهو زق أو جلد غليظ. المعنى : أتعجب منه ، وقد كان أمس حدادا ينفخ بالكير واليوم رأيته صار والى الشرطة.

٦٧١ ـ وأنشد :

ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني

تقدم شرحه في شواهد الباء الموحدة (١).

٦٧٢ ـ وأنشد :

ولو لا بنوها حولها لخبطتها

هو للزّبير بن العوّام رضي‌الله‌عنه ، وتمامه :

كخبطة عصفور ولم أتلعثم

وبهذا عرف أن الصواب لخبطتها بتقديم الباء على الطاء من الخبط. وحرّف من رواه لخطبتها ، بتقديم الطاء ، من الخطبة. والضمير في بنوها لزوجته بنت الصدّيق رضي‌الله‌عنها. وكان الزّبير ضرابا للنساء ، وكان أولاد أسماء يحولون بينه وبين ضربها. ويقال : خبطت الشجرة إذا ضربتها بالعصا ليسقط ورقها. وتلعثم في الأمر : تمكث فيه وتأنى ، بعين مهملة وتاء مثلثة.

٦٧٣ ـ وأنشد :

مضى زمن والنّاس يستشفعون بي (٢)

__________________

(١) سبق ص ٣١٠ ، الشاهد رقم ١٣٨

(٢) ديوان قيس بن ذريح ١١٣ ، وانظر الامالي ١ / ١٣٦ والاغاني ٩ / ٢١٤ ، والتنبيه ٥٢ ، وقد اختلف في نسبة هذه القصيدة ، فقد نسبت الى ابن ذريح والمجنون وجميل وعمرو بن حكيم التميمي ، وللضحاك ابن عمارة ... الخ.

٨٤١

هو لقيس بن ذريح ، وأول القصيدة :

سقى طلل الدّار الّتي أنتم بها

حنائم بها منها صيّف وربيع (١)

مضى زمن والنّاس يستشفعون بي

فهل لي إلى لبنى الغداة شفيع

ومنها :

يقولون : صبّ بالنّساء موكّل

وهل ذاك من فعل الرّجال بديع

٦٧٤ ـ وأنشد :

وقائلة تجنّى عليّ أظنّه

سيودي به ترحاله وحوائله (٢)

__________________

(١) كذا بالاصل ، وهو تحريف ، وصحته كما في الديوان والاغاني :

حيا ثم وبل صيّف وربيع

وليس هذا البيت أول القصيدة وانما أولها كما في الديوان.

سأصرم لبني حبل وصلك مجملا

وان كان صرم الحبل منك يروع

(٢) في المغني وحاشية الامير ٢ / ٧٤ (وجعائله) وقال : سيودي به : أي يهلكه ، والرحل : التنقل في الاسفار. وجعائل : جمع جعالة ، كسحابة ، أو جعيلة بمعنى الجعل على الفعل. وقال الدماميني : يحتمل أن جملة سيودي أو أظنه على أنه بالهاء ، ليس مقولا لقائله ، بل لمحذوف ، أي تقول سيودي ، أو أظنه سيودي ... الخ.

٨٤٢

الكتاب الثالث

٦٧٥ ـ وأنشد :

وإنّ لساني شهدة يشتفى بها

وهوّ على من صبّه الله علقم (١)

قال المصنف في شواهده : هذا البيت أورده الفارسي في التذكرة عن قطرب والبغداديين. وفيه أربع شواهد ، أحدها تشديد واو هوّ وذلك لغة همدان. والثاني : تعليق الجار بالجامد لتأوله بالمشتق ، وذلك لأن قوله : (هو علقم) مبتدأ وخبر. والعلقم : نبت كريه الطعم. وليس المراد هنا ، بل المراد أنه شديد أو صعب ، فلذلك علق به على المذكورة. والثالث : جواز تقديم الجامد المؤول بالمشتق إذا كان ظرفا. والرابع : جواز حذف العائد المجرور بالحرف ، مع اختلاف المتعلق ، إذ التقدير : وهو علقم على من صبه الله عليه. فعلى المذكورة متعلقة بعلقم ، والمحذوفة متعلقة بصبه.

٦٧٦ ـ وأنشد :

أنا أبو المنهال بعض الأحيان

٦٧٧ ـ وأنشد :

أنا ابن ماويّة إذ جدّ النّقر (٢)

نسب في الإيضاح لبعض السعديين. وقال في العباب : قائله فدكي بن أعبد

__________________

(١) الخزانة ٢ / ٤٠٠ وحاشية الامير ٢ / ٧٥ ، وقال : الشاعر من همدان ، ولغتهم تشديد واو هو وياء هي.

(٢) اللسان : نقر.

٨٤٣

المنقري. وقال الجوهري : هو لعبيد الله بن ماوية الطائي. وتمامه :

وجاءت الخيل أثابيّ زمر

قوله : جد النقر : أي تحقق واشتد. وهو بفتح النون وضم القاف ، وأراد النقر ، بسكون القاف ، فالقى حركة الراء على القاف. وقد استشهد به الفارسي في الإيضاح على ذلك ، والمصنف في التوضيح. والنقر : صوت باللسان ، فإن طرفه مخرج النون ، ثم يصوت به ، يسكن به الفرس إذا اضطرب بفارسه. وقد يصوّت به للدابة لتسير. وقال : كراع النقر أيضا أن تحتفر بحوافرها. قال ابن يسعون : والبيت يحتمل فيه الثلاثة. قال : وماوية امرأة. ويحتمل أن يكون لقبا لها تنبيها على نقاء عرضها وكرم أصلها ، لأن الماوية المرآة الصافية. ويروى : النفر ، بفتح النون والفاء ، والأثابي والزمر : الجماعات من الناس ، واحدها زمرة ، وأثبيه ، على مثال أمنيه. والبيت استشهد به المصنف هنا.

٦٧٨ ـ وأنشد :

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا

تقدم شرحه في شواهد كل ضمن قصيدة كعب بن زهير رضي‌الله‌عنه (١).

٦٧٩ ـ وأنشد :

تغيّرنا أنّنا عالة

ونحن صعاليك وأنتم ملوكا

٦٨٠ ـ وأنشد :

ألّا يجاورنا إلّاك ديّار (٢)

__________________

(١) انظر ص ٥٢٤ ـ ٥٣١ ، والشاهد رقم ٣١١ والشاهد رقم ٤٠١ ص ٦٤٧ ـ ٦٤٨

(٢) ابن عقيل ١ / ٥٩. والخزانة ٢ / ٤٠٥

٨٤٤

صدره :

وما نبالي إذا ما كنت جارتنا

قال العيني : أنشده الفراء ولم يعزه لأحد. والمبالاة بالشيء : الإكتراث به. ويروى : (علا) بإبدال الهمزة عينا. والجملة : في محل نصب مفعول نبالي. وإن مصدرية. وما زائدة أو مصدرية. وديار : بمعنى أحد ، وأصله ديرار. ويختص بوقوعه في النفي. وقوله : إلاك ، فيه وقوع المتصل موقع المنفصل ضرورة. ورأيت في الكافي للنحاس : أن المبرد أنشده بلفظ : (سواك) فلا ضرورة إذن ولا شاهد.

٦٨١ ـ وأنشد :

نحن نفوس الوديّ أعلمنا

منّا بركض الجياد في السدف (١)

قاله : سعد القرقرة. وعزاه ابن عصفور إلى قيس بن الخطيم. نحن مبتدأ واعلمنا خبره. وفيه جمع بين الإضافة ومن أفعل التفضيل. وقد استشهد به على ذلك. وأجيب بأن تقديره : أعلم منا ، والمضاف إليه في نية الطرح. وخرجه ابن جني على أن (نا) في أعلمنا مرفوع مؤكد للضمير في أعلم ، وهو نائب عن نحن. وهذا البيت أشكل على أبي على حتى جعله من تخليط الأعراب. والوديّ : بفتح الواو وكسر الدال وتشديد الياء ، جمع ودية ، وهي النخلة الصغيرة. والجياد : جمع جواد ، وهو الفرس. والسدف : بفتح المهملتين وفاء ، الصبح وإقباله. وفي شرح الأمثال للبكري أن النعمان أتى بحمار وحش ، فدعى سعد القرقرة فقال : احملوه على يحموم ، وأعطوه مطردا ، وخلوا عن هذا الحمار. وركض الفرس فالقى المطرد وتعلق بمعرفة الفرس ، فضحك به النعمان ، ثم أدرك فانزل. فقال سعد في ذلك :

نحن نفوس الوديّ أعلمنا

منّا بركض الجياد في السّدف

__________________

(١) كذا في الاصل ، وفي المغني وذيل ديوان قيس بن الخطيم ص ٨٠ (نحن بغرس الودي). ويروى (بغرس الورد).

٨٤٥

يا لهف نفسي وكيف أطعنه

مستمسكا واليدان في العرف

قد كنت أدركته فأدركني

للصّيد عرف من معشر عنف

٦٨٢ ـ وأنشد :

فإنّ فؤادي عندك الدّهر أجمع (١)

هو من قصيدة لجميل أولها :

أهاجك أم لا بالمداخل مربع

ودار بأجراع الغديرين بلقع

إلى الله أشكولا إلى النّاس حبّها

ولا بدّ من شكوى حبيب يروّع

إلى أن قال :

ألا تتّقين الله فيمن قتلته

فأمسى إليكم خاشعا يتضرّع

فإن يك جثماني بأرض سواكم

فإنّ فؤادي عندك الدّهر أجمع

إذا قلت هذا حين أسلو وأجتري

على نفسها ظلّت لها النّفس تشفع

ألا تتّقين الله في قتل عاشق

له كبد حرّى عليك تقطّع

غريب مشوق مولع بادّكاركم

وكلّ غريب الدّار بالشّوق مولع

فأصبحت ممّا أحدث الدّهر موجعا

وكنت لريب الدّهر لا أتخشّع

فيا ربّ ، حبّبني إليها وأعطني ال

مودّة منها ، أنت تعطي وتمنع

__________________

(١) الخزانة ١ / ١٩٠

٨٤٦

المداخل : بفتح الميم ، موضع. والمربع : منزل القوم في الربيع خاصة. والأجراع : جمع جرع ، بفتح الجيم والراء ، رملة مستوية لا تنبت شيأ. وكذلك الأجرع والجرعاء. وبلقع : بفتح الموحدة ، الأرض القفراء التي لا شيء فيها. والجثمان : بضم الجيم ، الشخص ، وإنما يستعمل في بدن الانسان. وسواكم : على حذف مضاف ، ، أي سوى أرضكم.

٦٨٣ ـ وأنشد :

بمسعاته هلك الفتى أو نجاته

٦٨٤ ـ وأنشد :

فخير نحن عند النّاس منكم

إذا الدّاعي المثوّب قال يا لا

تقدم شرحه في شواهد اللام (١).

٦٨٥ ـ وأنشد :

لك العزّ إن مولاك عزّ ، وإن يهن

فأنت لدى بحبوحة الهون كائن (٢)

لم يسم قائله. ويهن : بالبناء للمفعول. وبحبوحة : بضم الموحدتين وبمهملتين. وبحبوحة الدار : وسطها. وبحيح : تمكن. والهون : بضم الهاء ، الذل والهوان.

٦٨٦ ـ وأنشد :

كلّ أمر مباعد أو مدان

فمنوط بحكمة المتعالي

__________________

(١) انظر الشاهد رقم ٣٥٥ ص ٥٩٥

(٢) ابن عقيل ١ / ١٠٢

٨٤٧

الكتاب الرابع

٦٨٧ ـ وأنشد :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا (١)

تمامه :

بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد

أصله : بنو أبنائنا مثل أبنائنا ، فقدم وأخر ، وترك كلمة مثل للعلم بقصد التشبيه. وان المراد تشبيه أبناء الابناء لا العكس. قال المصنف : وقد يقال أن هذا البيت لا تقديم فيه ولا تأخير ، وأنه جاء على عكس التشبيه مبالغة كقوله :

ورمل كأوراك العذارى قطعته

وقال العيني : هذا البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر ، والبيانيون على عكس التشبيه ، والفقهاء والفرضيون على دخول أبناء الابناء في الميراث والوصية والوقف ، وعلى أن الانتساب الى الأباء. ولم أر أحدا منهم عزاه الى قائله اه.

__________________

(١) ابن عقيل ١ / ١٠٨. والخزانة ١ / ٢١٣ وقال : وهذا البيت لا يعرف قائله مع شهرته في كتب النحاة وغيرهم. قال العيني : هذا البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر ، والفرضيون على دخول أبناء الابناء في الميراث ، وان الانتساب الى الآباء ، والفقهاء كذلك في الوصية ، وأهل المعاني والبيان في التشبيه. ولم أر أحدا منهم عزاه الى قائله. ورأيت في شرح الكرماني في شواهد شرح الكافية للخبيصي أنه قال : هذا البيت قائله أبو فراس همام الفرزدق بن غالب. قلت : والبيت في ديوان الفرزدق ٢١٧

٨٤٨

٦٨٨ ـ وأنشد :

ولا يك موقف منك الوداعا (١)

هو للقطامي عمير بن شييم التغلبي ، وصدره :

قفي قبل التّفرّق يا ضباعا

وبعده :

قفي فادّي أسيرك إنّ قومي

وقومك لا أرى لهم اجتماعا

وكيف تجامع مع ما استحلّا

من الحرم العظام وما أضاعا

ضباع : مرخم ضباعة ، وهي بنت زفر بن الحارث الممدوح بهذه القصيدة. ويروى : (ولا يك موقفي) بياء الإضافة. والوداع : بفتح الواو وكسرها. والحرم : كل ما لا يحل انتهاكه ، واحدها حرمة. وقد استشهد ابن مالك بقوله : (يا ضباعا) على أن المرخم يبدل من هائه لألف في الوقف إن لم تعد هي. ومن أبيات القصيدة قوله :

أكفرا بعد ردّ الموت عنّي

وبعد عطائك المائة الرّتاعا

وقد استشهد به المصنف في التوضيح على اعمال المصدر ، وهو عطاء ، عمل المصدر وهو الاعطاء ، فأضيف الى الفاعل ونصب المائة مفعولا.

٦٨٩ ـ وأنشد :

كأنّ خبيئة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء (٢)

__________________

(١) الخزانة ١ / ٣٩١ ، وانظر الاغاني ٢٠ / ١١٨ ـ ١٣١

(٢) الخزانة ٤ / ٤٠

٨٤٩

فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه ، وينصره سواء (١)

هذان من قصيدة لحسان بن ثابت رضي‌الله‌عنه ، وأولها :

عفت ذات الأصابع فالجواء

إلى عذراء منزلها خلاء

ديار من بني الحسحاس قفر

تعفّيها الرّوامس والسّماء

وكانت لا يزال بها أنيس

خلال مروجها نعم وشاء

فدع هذا ولكن من لطيف

يؤرّقني إذا ذهب العشاء

لشعثاء الّتي قد تيّمته

فليس لقلبه منها شفا

كأنّ خبيئة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء

على أنيابها أو طعم غضّ

من التّفّاح هصّره الجناء

إذا ما الأشربات ذكرن يوما

فهنّ لطيّب الرّاح الفداء

نولّيها الملامة إن ألمنا

إذا ما كان مغث أو لحاء

ونشربها فتتركنا ملوكا

وأسدا ما ينهنهنا اللّقاء

عدمنا خيلنا إن لم تردها

تثير النّقع موعدها كداء

يبارين الأسنّة مصغيات

على أكتافها الأسل الظّماء

تظلّ جيادنا متمطّرات

تلطّمهنّ بالخمر النّساء

فإمّا تعرضوا عنّا اعتمرنا

وكان الفتح وانكشف الغطا

__________________

(١) في العقد الفريد ٥ / ٢٩٥ برواية :

أمن يهجو ... ويطريه ويمدحه سواء

٨٥٠

وإلّا فاصبروا لجلاد يوم

يعين الله فيه من يشاء

وقال الله قد يسّرت جندا

هم الأنصار عرضتها اللّقاء

لنا في كلّ يوم من معدّ

قتال أو سباب أو هجاء

فنحكم بالقوافي من هجانا

ونضرب حين تختلط الدّماء

وقال الله قد أرسلت عبدا

يقول الحقّ إن نفع البلاء

شهدت به وقومي صدّقوه

فقلتم ما نجيب وما نشاء

وجبريل أمين الله فينا

وروح القدس ليس له كفاء

ألا أبلغ أبا سفيان عنّي

مغلغلة فقد برح الخفاء (١)

بأنّ سيوفنا تركتك عبدا

وعبد الدّار سادتها الإماء

هجوت محمّدا ، فأجبت عنه ،

وعند الله في ذاك الجزاء

أتهجوه ولست له بكفء؟ (٢)

فشرّكما لخيركما الفداء

فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه ، وينصره سواء

فإنّ أبي ووالده وعرضي

لعرض محمّد منكم وقاء

فإمّا تثقفنّ بنو لؤيّ

جذيمة إنّ قتلهم شفاء

أولئك معشر نصروا علينا

ففي أظفارنا منهم دماء

وحلف الحارث بن أبي ضرار

وحلف قريظة منّا براء

__________________

(١) ويروى الشطر بلفظ :

فأنت مجوّف نخب هواء

(٢) ويروى (بند) كما في العقد ٥ / ٢٩٥ ، والشعراء ٢٦٧

٨٥١

لساني صارم لا عيب فيه

وبحري لا تكدّره الدّلاء

عذرا : موضع على بريدين من دمشق (١). والحسحاس : من بني مالك بن عدي بن النجار (٢). والروامس : الرياح. وتيمته : ولهته وأذهبت عقله. وبيت رأس : بالاردن (٣). وهصره : أماله. والجنا : الثمرة بعينها. والمغث : القتال. واللحاء : السباب. والنقع : الغبار. وكداء : الثنية العلياء بمكة. ومباراة الخيل الأسنة : هو أن يضجع الرجل رمحه فكأن الفرس يريد أن يسبق السنان. والمصغيات : الموائل المنحرفات إلى الطعن. والأسل : الرماح. والمتمطرات : الخوارج من جمهور الخيل. ويسرت : هيأت. ورجل عرضة للقتال : قوي عليه. ونحكم : نمنع. والنخب : الجبان.

أخرج مسلم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن عائشة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : اهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق النبل. وأرسل إلى ابن رواحة فقال : اهجهم ، فهجاهم فلم يرض ، فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل الى حسان ، فلما دخل قال : مدان لكم أن ترسلوا إلي هذا الأسد الضاري بذنبه ، ثم أولع لسانه فجعل يحركه ، فقال : والذي بعثك بالحق لأفرينهم به فري الأديم! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحسان : إنّ روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله ، فقال حسان : وذكر هذه القصيدة. فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : هجاهم حسان فشفى وأشفى. وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال : لما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفتح رأى النساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر فتبسم ، وقال : يا أبا بكر ، كيف قال حسان؟

__________________

(١) وفي البكري ٩٢٦ أنه اسم لدمشق. وفيه أيضا ١٦١ أنه قرية من قرى دمشق ، وذات الاصابع : موضع بالشام. وأنشد البيت.

(٢) في جمهرة أنساب العرب ١٩٤ : (الحسحاس بن هند بن سفيان بن غضاف بن كعب بن سعد بن عمرو بن مالك بن ثعلبة ، وعبدهم كان سحيم الشاعر).

(٣) في البكري ٢٨٨ : (بيت رأس) وهو حصن بالاردن ، سمي بذلك لانه في رأس جبل ، وأنشد البيت ، وفيه : (كأن سبيئة ...)

٨٥٢

فأنشده :

عدمت ثنيّتي إن تزرها

تثير النّقع مطلعها كداء

ينازعن الأعنّة مسرعات

يلطّمهنّ بالخمر النّساء

فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ادخلوها من حيث قال حسان. وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن عباد عن أبيه قال : لما أنشد حسان بن ثابت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

عفت ذات الأصابع فالجواء

فانتهى الى قوله :

هجوت محمّدا ، فأجبت عنه ،

وعند الله في ذاك الجزاء

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : جزاؤك على الله الجنة يا حسان (١).

٦٩٠ ـ وأنشد :

لقد أذهلتني أمّ عمرو بكلمة

أتصبر يوم البين أم لست تصبر؟

٦٩١ ـ وأنشد :

رويد بني شيبان بعض وعيدكم

تلاقوا غدا خيلي على سفوان (٢)

تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى

إذا ما غدت في المأزق المتداني

تلاقوهم فتعرفوا كيف صبرهم

على ما جنت فيهم يد الحدثان

__________________

(١) انظر اللآلي ٣٥٣

(٢) الحماسة ١ / ١٢٢ ـ ١٢٤

٨٥٣

قاله : ودّاك بن ثميل : وقيل ابن سنان بن ثميل المازني من شعراء الحماسة. وبين البيت الثاني والثالث :

عليها الكماة الغرّ من آل مازن

ليوث طعان عند كلّ طعان

وبعد الثالث :

مقاديم وصّالون في الرّوع خطوهم

بكلّ رقيق الشّفرتين يماني

إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم

لأيّة حرب أم لأيّ مكان

قوله : رويد بني : روي (رويدا بني). قال التبريزي : وهو الأكثر. ونصب بعض بفعل مضمر دل عليه رويد ، أي كفوا بعض وعيدكم. وتلاقوا : جواب ذلك المضمر. وسفوان : بفتح المهملة والفاء ، ماء على أميال من البصرة. وتلاقوا الثاني بدل من الأول. وتحيد : من الحيد وهو الميل. والوغي : أصله الجلبة والصوت ، سميت به الحرب. والمأزق : المضيق ، مفعل من الأزق ، وهو الضيق في الحرب. تلاقوهم فتعرفوا : أي تلاقوا من بلائهم ما يستدل به على حسن صبرهم. على ما جنت : أي على جناية ، وموضعه نصب على الحال ، وعامله تعرفوا. ويد الحدثان : مثل ، وليس للحدثان يد. وإنما استعار ذلك لأن أكثر الجناية تكون باليد. ورقيق الشفرتين : أي الحدين. والاستنجاد : الإستنصار ، يقول قولا يحرّضهم على الحرب إذا استصرخهم صارخ ودعاهم الى الحرب ، لم يطلبوا علة يتأخرون بها.

٦٩٢ ـ وأنشد :

يا زيد زيد اليعملات (١)

__________________

(١) سيبويه ٣١٥ / ١ والكامل ٩٥٢ وابن عقيل ٢ / ٨٤ ، والخزانة ١ / ٣٦٢ وانظر ص ٤٣٣

٨٥٤

هو لعبد الله بن رواحة يخاطب زيد بن أرقم.

أخرج ابن عساكر من طريق إسحق ، حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال : سار عبد الله بن رواحة ، وكان زيد بن أرقم يتيما في حجره ، فحمله على حقبة رحله ، وخرج به غازيا إلى مؤته ، ولزيد بن أرقم يقول عبد الله بن رواحة :

يا زيد زيد اليعملات الذّبّل

تطاول اللّيل ـ هديت ـ فانزل

يرتجز يقول : انزل فشق بالقوم مسيرك. وأخرجه من وجه آخر عن ابن اسحق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن زيد بن أرقم قال : كنت يتيما في حجر عبد الله بن رواحة فقال يرتجز : فذكر البيت. اليعملات : جمع يعملة ، وهي الناقة القوية الحمولة. والذبّل : بضم الذال المعجمة وتشديد الموحدة ، جمع ذابل بمعنى الضامر. وقال الزمخشري في شرح أبيات الكتاب : هذا رجز لعبد الله بن رواحة قاله في توجه جيش المسلمين الى مؤتة :

يا زيد زيد اليعملات الذّبّل

وزيد داري الفلاة المجهل

تطاول اللّيل ـ هديت ـ فانزل

فانقضّ زيد كانقضاض الأجدل

أضيف زيد وهو ابن أرقم الى اليعملات ، لأنه يحدو بها وهو قوي على ضبطها. وذكر في المفصل وتبعه ابن يعيش أن هذا البيت لبعض ولد جرير. وقال السخاوي في شرحه : ذكر المبرد وغيره أنه لعبد الله بن رواحة صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١). وفي قول سيبويه : إنه لبعض أولاد جرير.

٦٩٣ ـ وأنشد :

يا تيم تيم عديّ لا أبالكم (٢)

__________________

(١) في الكامل ٩٥٢ نسبه لعمر بن لجأ.

(٢) الكامل ٩٥٢ ، والخزانة ١ / ٣٦٠ ، وابن عقيل ٢ / ٨٤ ، وديوان جرير ٢٨٥ ، والموشح ١٢٨ والعمدة ٢ / ١٦٠ والاغاني ٨ / ١٨ و ٨ / ٨٢ (الثقافة) والنقائض ٤٨٧ و ٤٨٨ ، وسيبويه ١ / ٢٦ و ٣١٤

٨٥٥

وتمامه :

لا يوقعنّكم في سوأة عمر

وبعده :

أحين كنت سماما ، يا بني لجأ ،

وخاطرت بي في أحسابها مضر!

هو لجرير يهجو بها عمرو بن لجاء التيمي أوّلها :

هاج الهوى وضمير الحاجة الذّكر

واستعجم اليوم من سلّامة الخبر

ومنها :

خلّ الطّريق لمن يبني المنار به

وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر

برزة : هي أم عمرو بن لجاء ، ومنها :

إنّ الكرام إذا مدّوا حبالهم

أذرى بحبلك ضعف العقد والقصر

ومنها :

ما التّيم إلّا ذباب لا جناح له

قد كان منّ عليهم مرّة نمر

نمر : هو ابن مرة الحماني من بني تيم.

قد خفت يا ابن الّتي ماتت منافقة

من خبث برزة أن لا ينزل المطر

أضاف التيم إلى عدي ليفرق بينها وبين تيم مرّة في قريش ، وتيم غالب بن فهر في قريش أيضا ، وتيم قيس بن ثعلبة ، وتيم شيبان ، وتيم ضبة. وعدي الذي

٨٥٦

أضاف تيما إليه هو أخوه ، وهما تيم وعدي ابنا عبد مناف بن ادّ بن طابخة بن الياس بن مضر. قوله : (لا أبالكم) هي كلمة تستعمل عند الغلظة في الخطاب ، وأصله أن ينسب المخاطب الى غير أب معلوم شتما له واحتقارا ، ثم كثر في الإستعمال حتى صار يقال في كل خطاب يغلظ فيه على المخاطب.

وحكى أبو الحسن الأخضر : أن العرب كانت تستحسن لا أبا لك ، وتستقبح لا أم لك. لأن الأم مشفقة حنينة ، والأب جائر مالك. قوله : (لا يوقعنكم) يروى بدله : (لا يلقينكم) بالقاف من الالقاء. والسوأة : الفعلة القبيحة ، يخاطب قوم عمر بن لجاء ، ويقول لهم : انهوه عن شتمي ولا تدعوه يوقعنكم في سوأة من هجوي إياكم. والمنار : بفتح الميم وتخفيف النون ، ما يبني على الطريق ليهتدي به المسافر. وقوله : (خل الطريق) استشهد به في التوضيح على إظهار الفعل الناصب عند الإفراد فإنه حسن بخلاف ما لو كرّر فقيل الطريق الطريق ، فإنه لا يحسن إظهار الفعل ، لأن أحد الإسمين قام مقامه. قال الزمخشري : أي خل الطريق التعالى واتركه لمن يفعل أفعالا مشهورة كأنها الأعلام المنصوبة على الطريق ، وابرز بأمك عن جملة الناس ، وصر إلى موضع يمكنك أن تكون فيه لما قضي عليك (١). قال البطليوسي : وقد أجابه عمر بن لجاء فقال (٢) :

لقد كذبت ، وشرّ القول أكذبه

ما خاطرت بك في أحسابها مضر

ألست نزوة خوّار على أمة

لا يسبق الحلبات اللّؤم والخور

ما قلت من مرّة إلّا ما أنقصها ،

يا ابن الأتان ، بمثلي تنقض المرر

مع أبيات أخر.

٦٩٤ ـ وأنشد :

فظلّ طهاة اللّحم ما بين منضج

صفيف شواء أو قدير معجّل(٣)

__________________

(١) وهو أيضا من شواهد سيبويه ١ / ١٢٨

(٢ و ٣) الاغاني ٨ / ٧١ ، والنقائض ٤٨٨ ، وابن سلام ٣٦٥ ، والخزانة ١ / ٣٦١ وشرح القصائد السبع الطوال ٩٦ والديوان ص ٢٢ وانظر من المعلقة الصحائف ٢٠ و ٩٦ و ٩٧ و ٣٦٠ و ٤٥١ و ٤٦٣ و ٥٥٨ و ٦٥٢ و ٧٦٦ و ٧٧٢ و ٧٨٢ و ٨٦٣.

(٢ و ٣) الاغاني ٨ / ٧١ ، والنقائض ٤٨٨ ، وابن سلام ٣٦٥ ، والخزانة ١ / ٣٦١ وشرح القصائد السبع الطوال ٩٦ والديوان ص ٢٢ وانظر من المعلقة الصحائف ٢٠ و ٩٦ و ٩٧ و ٣٦٠ و ٤٥١ و ٤٦٣ و ٥٥٨ و ٦٥٢ و ٧٦٦ و ٧٧٢ و ٧٨٢ و ٨٦٣.

٨٥٧

هو من معلقة امرىء القيس. وطهاة : بضم الطاء المهملة ، جمع طاه وهو الطباخ. وصفيف : بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء ، وهو الذي فرق على الجمر وهو شواء الأغراب (١). والقدير : بالراء آخره ، ما طبخ في قدر. قال الأعلم : انما جعله معجلا لأنهم كانوا يستحبون تعجيل ما كان من الصيد ويستظرفونه ولهذا يصفونه في أشعارهم. والبيت استشهد به على أن أو بمعنى الواو. قال الأعلم : والمعنى من بين منضج صفيف شواء أو طابخ قدير.

٦٩٥ ـ وأنشد :

من صديق أو أخي ثقة

أو عدوّ شاحط دارا

هو لعديّ بن زيد بن حمار التميمي ، شاعر جاهلي ، وقبله :

إنّني رمت الخطوب فتى

فوجدت العيش أطوارا

ليس يغني عيشه أحد

لا يلاقي فيه أمعارا

من حبيب أو أخي ثقة ... البيت ، قال الزمخشري : يعاتب النعمان ، يريد أن الناس لابد أن يلاقوا في أعمارهم الشدّة إن وليا وإن عدوّا. وقوله : (رمت الخطوب) أي طلبت معرفة أحوال الزمان. فتى : حال ، أي في حال الحداثة. أطوارا : أحوالا مختلفة. الأمعار : الفقر والشدة. وشاحط : من الشحط ، وهو البعد. وانتصب دارا بشاحط لتمامه بالتنوين كحسن وجها. والبيت استشهد به على ورود الصفة المشبهة على وزن فاعل وهو شاحط.

٦٩٦ ـ وأنشد :

إنّما الميت من يعيش كئيبا

كاسفا باله قليل الرّجاء

__________________

(١) فسره الأنباري (المرمق).

٨٥٨

تقدّم شرحه في شواهد رب ضمن قصيدة عدي بن الرعلاء (١).

٦٩٧ ـ وأنشد :

عليّ إذا ما زرت ليلى بخفية

زيارة بيت الله رجلان حافيا

أورده ابن الأعرابي في نوادره شاهدا على أنه يقال رجل ورجلان بلفظ :

شكور الرّبى حين أبصرت وجهها

ورؤيتها قد تسقني السّمّ صافيا

٦٩٨ ـ وأنشد :

وهذا تحملين طليق (٢)

هو ليزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرّغ ، بالفاء والغين المعجمة ، الحميري ، البصري ، حليف آل خالد بن أسيد بن أبي العاص ، ذكره الجمحي في الطبقة السابعة من شعراء الإسلام (٣) ، يكنى أبا عثمان ، وإنما لقب جدّه مفرغا لأنه راهن على شرب سقاء لبن ، فشربه حتى فرغه. وكان يزيد هجّاء فهجا عبّاد بن زياد بن أمية ، وملأ البلاد من هجوه فظفر به فسجنه ، فكلموا فيه معاوية فوجه بريدا يقال له حمحام فأخرجه ، وقدّمت له فرس من خيل البريد فنفرت ، فقال :

عدس ما لعبّاد عليك إمارة

نجوت وهذا تحملين طليق

وإنّ الّذي نجّى من الكرب بعد ما

تلاحم بي كرب عليك مضيق

أتاك بحمحام فأنجاك فالحقي

بأرضك لا تحبس عليك طريق

__________________

(١) انظر الشاهد رقم ٢٠٥ ص ٤٠٤ وص ٤٠٥

(٢) الخزانة ٢ / ٥١٥ ، والاغاني ١٨ / ١٩٦ (الثقافة). والشعراء ٣٢٤ ، واللسان ٨ / ٧ ـ ٨.

(٣) الطبقات ٥٥١ و ٥٥٤.

٨٥٩

لعمري لقد أنجاك من هوّة الرّدى

إمام وحبل للإمام وثيق

سأشكر ما أوليت من حسن نعمة

ومثلي بشكر المنعمين حقيق

عدس بمهملات ، مفتوح الأول والثاني ساكن الأخير ، صوت يزجر به البغل. وعن الخليل : أن عدس رجل كان يقف على الدواب أيام سليمان عليه‌السلام ، وأنها كانت اذا سمعت باسمه طارت فرقا منه ، فلهج الناس باسمه حتى سموا البغل عدس. قال ابن سيدة : وهذا لا يعرف في اللغة. وإمارة : بكسر الهمزة ، إمرة. وطليق. مطلق من الحبس. وتلاحم : التصق. وحمحام : بمهملتين اسم البريد. والهوّة : بضم الهاء وتشديد الواو ، الوهدة العميقة. والردي : الهلاك.

٦٩٩ ـ وأنشد :

رددت بمثل السّيد نهد مقلّص

كميش إذا عطفاه ماء تحلّبا (١)

هذا من قصيدة لربيعة بن مقروم بن قيس الضبيّ ، أدرك الجاهلية والإسلام وأسلم ، وقبله :

وواردة كأنّها عصب القطا

تثير عجاجا بالسّنابك أصهبا

وأول القصيدة (٢) :

تذكّرت ، والذّكرى تهيجك ، زينبا

وأصبح باقي وصلها قد تقضّبا

تذكرت : بفتح التاء ، يخاطب نفسه. وتقضب : تقطع. وواردة : أراد بها القطع من الخيل ، وهي مجرورة بواو رب. وقوله : (كأنها عصب القطا) أي

__________________

(١) المفضليات ٣٧٦ والشعراء ٢٧٩

(٢) المفضلية رقم ١١٣

٨٦٠