شرح شواهد المغني

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

شرح شواهد المغني

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: لجنة التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٤٦

ومنها :

رأيت بني غبراء لا ينكرونني

ولا أهل هذاك الطّراف الممدّد

ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى

وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدي (١)

فإن كنت لا تستطيع دفع منيّتي

فدعني أبادرها بما ملكت يدي

ولو لا ثلاث هنّ من عيشة الفتى

وجدّك لم أحفل متى قام عوّدي

فمنهنّ سبقي العاذلات بشربة (٢)

كميت متى ما تعل بالماء تزبد

وكرّي إذا نادى المضاف محنّبا

كسيد الغضا نبّهته المتورّد

وتقصير يوم الذّجن والدّجن معجب

ببهكنة تحت الطّراف المعمّد (٣)

ومنها :

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي

عقيلة مال الفاحش المتشدّد

ومنها :

وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة

على المرء من وقع الحسام المهنّد

ومنها :

أنا الرّجل الضّرب الّذي تعرفونه

خشاش كرأس الحيّة المتوقّد (٤)

ومنها :

فإن متّ فانعيني بما أنا أهله

وشقّي عليّ الجيب يا ابنة معبد

__________________

(١) في شرح القصائد :

ألا أيهذا اللائمي أشهد الوغى

وأن أحضر اللذات هل انت مخلدي

(٢) في شرح القصائد : (فمنهن سبق ..)

(٣) في شرح القصائد : (تحت الخباء ..).

(٤) في شرح القصائد (الجعد).

٨٠١

ومنها وهو آخرها :

ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد (١)

ويأتيك بالأنباء من لم تبع له

بتاتا ولم تضرب له وقت موعد

أرى الموت إعداد النّفوس ولا أرى

بعيدا غدا ما أقرب اليوم من غد

خولة : امرأة من كلب. والبرقة : بضم الباء ، رابية فيها رمل وطين ، أو طين وحجارة يختلطان. والجمع : برق. وثهمد : بالمثلثة ، موضع. والبيت الثاني توارد فيه مع امرىء القيس في بيت من معلقته فانه قال فيها (٢) :

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجمّل

وكان أبو هلال العسكري صاحب الصناعتين ينكر المواردة ، حتى وارد غيره في قوله :

سفرن بدورا وانتقبن أهلّة

ومسن غصونا والتفتن جآذرا

فاعترف بها. قال المتنبي : الشعر ميدان ، والشعراء فرسان ، فربما اتفق توارد الخواطر ، كما قد يقع الحافر على الحافر. ونصب : (وقوفا) على المصدر ، أو الحال على أنه جمع واقف. وتجلّد : تصبّر. قوله : (ولست بحلال التّلاع) أي لست أحل بحيث يخفى مكاني خشية السؤال ، بل أنزل المكان الظاهر. ومتى يسألني القوم أعطهم. وحلّال : بالمهملة والتشديد ، فعّال ، من حل يحل بالضم ، إذا نزل. وروى : (بمحلال) بالميم ، من قولهم : مكان محلال ، اذ كان يحلّ به الناس كثيرا. وضبطه بعضهم (بجلال) بالجيم ، أي لست ممن يستره التلاع

__________________

(١) هذا البيت في الشعراء ١٤٦ ونسبه ابن قتيبة لغير طرفة ، وهو في اللسان ٢ / ٣١٢ غير منسوب.

(٢) ديوان امرىء القيس ص ٩ وشرح القصائد ٢٣

٨٠٢

مخافة الضيف. والتّلاع : بكسر التاء ، جمع تلعة ، وهي مجرى الماء من الأودية الى الرياض ، أو مسايل الماء من الجبل الى الأودية (١). والرفد : العطية. وقيل المعونة. وقد أورد المصنف هذا البيت في الكتاب الخامس. واستشهد به ابن مالك على جزم متى الشرطية فعلين. وبنو غبراء : الفقراء. والغبراء : الأرض ، نسبهم الى التراب لأنهم يجلسون عليه. وقيل : الغبراء السنة المجدبة. والطّراف : بكسر المهملة وراء ، بيت من أدم ، ولا يكون ذلك الا للملوك والاغنياء وهم أهله. ومعنى البيت : أنه يعرفه الفقراء لأنه يرفدهم ، والأغنياء والملوك لأنه يجالسهم وينادمهم. وقيل : أراد ببني غبراء الأضياف. وقال المبرد : اللصوص. وقال غيره : أراد بهم أهل الأرض لأن الغبراء من أسماء الأرض. وقد استشهد النحاة بهذا البيت على دخول هاء التنبيه على اسم الاشارة المقرون بالكاف المجرّد من اللام. و (أهل) مرفوع بالعطف على فاعل ينكرونني ، للفصل بينهما. والزاجري : اللائمي. وقوله : (أحضر) أي عن أن احضر ، حذف الجار ثم أن. وقوله :

فذرني أبادرها بما ملكت يدي

أي أبادر قبل حلولها بالتمتع في مالي بلذات نفسي ، وإنفاق ما ملكت يدي. وقوله : (فلو لا ثلاث) أي خصال من عيشة الفتى ، أي لذته. وجدّك : قسم ، و (لم أحفل) لم أبال متى قام عوّدي ، أي في المأتم والنوح عليه. (فمنهنّ) أي من الخصال سبقى العاذلات بشربة ، أي أغدو على شرب الخمر قبل أن تلمني اللائمات. وكميت : من أسماء الخمر. وتعل بالماء : تصب وتمزج. وتزبد : يصير على رأسها كالزبد ، وهي الفقاعات. وكرّى : أي عطفى. والمضاف : المستغيث. وقيل : الذي أضافته النجوم ونزلت به. والمحنّب : الذي في قوائمه وضلوعه انحناء وعوج. والسيد : الذئب. والغضا : شجر. ويقال : ذئب الغضا أخبث الذئاب. ونبهته : هيجته. والمتورّد : المتقدم على قرنه. وقيل : الذي يرد الماء ، وهو صفة لسيد. و (تقصير يوم الدّجن) أي المطر ، أي اقصره باللهو.

__________________

(١) وروى الاصمعي : (ولست بولّاج التلاع)

(٢) وروى الطوسي : (ولست بحلّال التلاع ببيته).

٨٠٣

والبهكنة : التامة الخلق الحديثة السن. ويقال : البيضاء ، تقدم تفسيره. والمعمّد : المرفوع بالعماد. وهذه تمام الخصال الثلاث. يقول : لو لا هذه الثلاث لم أبال أي وقت جاءني الموت ، وهي شرب الخمر والحرب والتمتع بالنساء. قوله : يعتام : بعين مهملة ، أي ينتقي ويختار. وعقيلة كل شيء : كريمته وخياره. ويقال للمرأة الخيرة العفيفة : هي عقيلة قومها. والفاحش : السيء الخلق. والمتشدّد : المتمسك. والمضاضة : ألم المصيبة. والضرب : الخفيف اللحم (١). والمتوقد : الزكي الخفيف الروح. والخشاش : الخفيف غير البليد ، وأراد خفة الرجولية والصرامة ، لا خفة العجلة والطيش. وإنما قال : كرأس الحية ، لأنها فيما يقال شديدة التيقظ. وقيل : الضّرب : الصلب الخشن الثابت في الأمور. ويقال : كل خشاش في الكلام مكسور الأخشاش ، الطير. وانعيني : اندبيني. والجيب : القميص. وقد أوردت الفقهاء هذا البيت ممثلين به للنوح الذي يعذب عليه الميت لإيصائه به. وتبع : بمعنى تشتر. والبتات : بموحدة ومثناتين ، الزاد والمتاع. وقوله : (ستبدي لك الأيام ... البيت) هو من الأبيات التي اشتهرت وصارت مثلا شائعا (٢).

وأخرج أحمد في مسنده بسند صحيح عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا استراب الخبر تمثل ببيت طرفة :

ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

وأخرج البزار والطبراني عن ابن عباس قال (٣) :كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتمثل من الأشعار :

ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : بلغني أن عائشة سئلت : هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ فقالت : لا. إلا البيت طرفة :

ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

__________________

(١) وكذا (الجعد) كما في رواية شرح القصائد العشر ص ٢١٢

(٢) انظر ص ٢٦٨ و ٢٧١

(٣) انظر معجم الشعراء ٦ والشعراء ١٤١

٨٠٤

فجعل يقول : ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد. فقال أبو بكر : ليس هكذا ، قال : إني لست بشاعر ، ولا ينبغي لي.

فائدة :

طرفة هو ابن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة ، أحد شعراء الجاهلية. وخاله المتلمس الشاعر ، تقدمت قصتهما مع عمرو بن هند التي قتل فيها طرفة في ترجمة المتلمس في شواهد إذا (١). قال ابن دريد في الوشاح : اسم طرفة ، عمرو (٢) ، وإنما سمى طرفة لقوله :

لا تعجلا بالبكاء اليوم مطّرفا

ولا أميريكما بالدّار إذ وقفا (٣)

وقال في باب الكنى : منه كنية طرفة أبو عمرو ، فإن ثبت اتحد اسمه وكنيته (٤). قتل وهو ابن عشرين سنة ، ولذلك قيل له ابن عشرين. ورأيت له ترجمة في كتاب (فضل الشبان وتقديمهم على ذوي الأسنان) وهو كتاب ذكر مؤلفه في خطبته انه ألفه للخليفة جعفر المقتدر ، لأنه تولى الخلافة وسنه ثلاث عشرة سنه ، ولم يل الخلافة قبله أصغر سنا منه ، نقل فيه عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال : لم نجد أحدا من الشعراء تعجل في حداثة السن إلا طرفة ، فإنه قال الشعر حدثا ، وشهر في سنوات ، وقتل وهو ابن بضع وعشرين سنة. ولذا لم يذكر في شعره الشيب ولا بكى عليه. وسئل حسان : من أشعر الناس؟ فقال : قبيلة أم قصيدة؟ قيل : كلاهما ، قال : أما أشعرهم قبيلة فهذيل ، وأما أشعرهم قصيدة فطرفة.

وسئل جرير : من أشعر الناس؟ قال الذي يقول : ستبدي لك الأيام ... البيت. وقال بعضهم : اتفقت العرب على أن أشعر الشعراء في الجاهلية طرفة

__________________

(١) ص ٣٩٤ ـ ٣٩٥.

(٢) معجم الشعراء ٥.

(٣) المزهر ٢ / ٤٤١ والقاب الشعراء ٣٢١ ، وقيل ان البيت الذي لقب به طرفة هو :

اذا نحن قلنا اسمعينا انبرت لنا

على رسلها مطروقة لم تشدد

(٤) في كنى الشعراء ٢٨٨ ان كنيته (أبو اسحاق).

٨٠٥

وبعده الحارث بن حلّزّة وعمرو بن كلثوم. وقال القالي في أماليه (١) : حدّثنا أبو بكر الأنباري ، نبأنا أبو حاتم ، نبأنا عمارة بن عقيل ، نبأنا أبي ، يعني عقيل بن بلال سمعت أبي ، يعني بلال بن جرير ، يقول : دخلت على بعض خلفاء بني أميّة فقال : ألا تحدّثني عن الشعراء؟ قلت : بلى ، قال : فمن أشعر الناس؟ قلت : ابن العشرين ، يعني طرفة. قال : فما تقول في ابن أبي سلمى والنابغة؟ قلت : كانا ينيران الشعر ويسديانه ، قال : فما تقول في امرىء القيس بن حجر؟ قلت : اتخذ الشعر نعلين يطؤهما كيف يشاء. قال : فما تقول في ذي الرّمّة؟ قلت : قدر من الشعر على ما لم يقدر عليه أحد. قال : فما تقول في الأخطل؟ قلت : ما باح بما في صدره من الشعر حتى مات. قال : فما تقول في الفرزدق؟ قلت : بيده نبعة الشعر قابضا عليها. قال : فما أبقيت لنفسك شيأ! قلت : بلى والله يا أمير المؤمنين ، أنا مدينة الشعر التي يخرج منها ويعود إليها ، ولأنا سبّحت الشعر تسبيحا ما سبّحه أحد قبلي. قال : وما التسبيح؟ قلت : نسبت فاظرفت ، وهجوت فاذريت ـ يعني أسقطت ـ ومدحت فأسنيت ، ورملت فأغزرت ، ورجزت فأبحرت ، فأنا قلت ضروبا من الشعر لم يقلها أحد قبلي.

فائدة :

المسمون طرفة جماعة (٢) : هذا ، وطرفة بن ألاءة النهشلي ، وطرفة أحد بني جذيمة ، وطرفة أخو بني عامر بن ربيعة. قاله الآمدي في المؤتلف والمختلف.

٦١٠ ـ وأنشد :

شجاك أظنّ ربع الظّاعنينا

تمامه :

ولم تعبأ بعذل العاذلينا

__________________

(١) ٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠

(٢) انظر الآمدي ١٤٦ ـ ١٤٧ والخزانة ١ / ٤١٧

٨٠٦

شجاك : أحزنك. والشجو : الحزن. والربع : الدار. والظاعن : بالظاء المعجمة والعين المهملة ، من ظعن ، إذا سار. ولم تعبأ : لم تلتفت. يقال : ما عبأت بفلان عبأ ، أي ما باليت به. وكان يونس لا يهمزه. وأظن : معترض بين الفاعل والمفعول ، ألغي عن العمل لتوسطه. ومنهم من نصب الرفع فاعمله ، فهو مفعول أول. وجملة شجاك الثاني ذكره المصنف في شواهده.

٦١١ ـ وأنشد :

فقد أدركتني والحوادث جمّة

أسنّة قوم لا ضعاف ولا عزل

قال ابن الأعرابي في نوادره : هذا من أبيات لرجل من بني دارم أسرته بني عجل فلما أنشدهم إياها أطلقوه.

وقبله :

وقائلة ما باله لا يزورنا

وقد كنت عن تلك الزّيارة في شغل

وبعده :

لعلّهم إن يمطروني بنعمة

كما صاب ماء المزن في البلد المحل

فقد ينعش الله الفتى بعد عثرة

وتصطنع الحسنى سراة بني عجل

وقال ابن حبيب : أسر حنظلة بن العجلى جويرية بن زيد أخا بني عبد الله بن دارم فلم يزل في الوثاق حتى قعدوا شربا فأنشأ يتغنى ، وذكر الأبيات الأربعة فاطلقوه. ثم رأيت في كتاب أيام العرب لأبي عبيدة مثل ذلك. ولكن سماه حويرثة ابن بدر ، وسمى الذي أسره حنظلة بن عمارة. وزاد بيتا خامسا بعد قوله : ولا عزل :

وهو سراع إلى الجلّى بطاء من الخنا

بدار إلى النّداء في غير ما جهل

٨٠٧

٦١٢ ـ وأنشد :

ألم يأتيك والأنباء تنمي

بما لاقت لبون بني زياد

تقدم شرحه في شواهد الباء (١).

٦١٣ ـ وأنشد :

وبدّلت ، والدّهر ذو تبدّل

هيفا دبورا ، بالصّبا والشّمأل

تقدم شرحه في شواهد : عل ، ضمن أرجوزة أبي النجم (٢).

٦١٤ ـ وأنشد :

وفيهنّ ، والأيّام يعثرن بالفتى ،

نوادب لا يمللنه ونوائح (٣)

هو لمعن بن أوس ، وقبله :

رأيت رجالا يكرهون بناتهم

وفيهنّ ـ لا تكذب ـ نساء صوالح

أخرج أبو الفرج في الأغاني عن العتبي قال : كان معن بن أوس مئناثا (٤) ، وكان يحسن صحبة بناته وتربيتهنّ ، فولد لبعض عشيرته بنت فكرهها وأظهر جزعا من ذلك ، فقال معن وذكر البيتين.

فائدة :

معن بن أوس بن نصر بن زياد المزني ، شاعر مجيد فحل من مخضرمي الجاهلية والإسلام. وفد الى عمر بن الخطاب. وعمّر الى أيام ابن الزبير ، وله مدائح في الصحابة.

__________________

(١) انظر الشاهد رقم ١٤٨ ص ٣٢٨ ـ ٣٣٠ ، وهو في الانصاف ١ / ١٧

(٢) انظر الشاهد رقم ٢٤٣ ص ٤٤٩ ـ ٤٥١

(٣) الامالي ٢ / ١٩٠ (عوائد) والخزانة ٣ / ٢٥٨ ، وانظر اللآلي ٨٠٤ ، والاغاني ١٢ / ٥٥ (الدار).

(٤) رجل مئناث : من عادته أن يلد الاناث ، وكذلك امرأة مئناث.

٨٠٨

٦١٥ ـ وأنشد :

نحن بنات طارق

نمشي على النّمارق (١)

أخرج البيهقي في دلائل النبوة من طريق هشام بن عروة ، عن أبيه عن الزبير ابن العوام قال : عرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيفا يوم أحد فقال : من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقمت فقلت : أنا ، فاعرض عني ثم أعاد القول ، فقام أبو دجانة ، سماك بن خرشة فقال : أنا آخذه بحقه ، فما حقه؟ قال : ألا تقتل به مسلما ، ولا تفرّ به عن كافر ، فدفعه إليه. وكان إذا أراد القتال أعلم بمصابه. قلت : لأنظرن إليه اليوم كيف يصنع؟ فجعل لا يرتفع إليه شيء الا هتكه حتى انتهى إلى نسوة في سفح الجبل معهن دفوف لهن ، فيهن امرأة ، وهي تقول :

نحن بنات طارق

نمشي على النّمارق

والمسك في المفارق

والدّرّ في المخانق

إن تقبلوا نعانق

ونبسط النّمارق

أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق

فأهوى بالسيف الى المرأة ليضربها ، ثم كف عنها ، فلما انكشف قلت له : كل عملك قد رأيت ، ما خلا رفعك السيف عن المرأة لم تضربها. قال : إني والله أكرمت سيف رسول الله أن أقتل به امرأة. وعزى ابن قتيبة هذا الرجز الى هند بنت عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس أم معاوية. وقال : أرادت بالطارق : النجم ، شبهت أباها بالنجم في علوه وشهرة مكانه. وقيل للنجم طارق ، لأنه يطلع ليلا. وكل آت ليلا فهو طارق. ورأيت بخط الحافظ شرف الدين الدمياطي قيل : طارق في الرجز ، النجم. أي نحن شريفات رفيعات كالنجم. وقيل الرجز : لهند بنت طارق بن بياضة

__________________

(١) سيرة ابن هشام ، وابن سيد الناس ٢ / ٢٥ وطبقات ابن سعد.

٨٠٩

الإيادية قالته في حرب الفرس لإياد ، فتمثلت به المرأة في وقعة أحد (١). ماتت هند أمّ معاوية في خلافة عمر في اليوم الذي مات فيه أبو قحافة والد بكر.

٦١٦ ـ وأنشد :

وإنّي لرام نظرة قبل الّتي

لعليّ وإن شطّت نواها أزورها (٢)

٦١٧ ـ وأنشد :

لعلّك والموعود حقّ لقاؤه

بدا لك في تلك القلوص بداء (٣)

وبعده :

فإنّ الّذي ألقى إذا قال قائل

من النّاس هل أحسستها لعناء

__________________

(١) في سيرة ابن سيد الناس ٢ / ٢٥ : (روى هذا الشعر لهند بنت عتبة ، كما قال ابن اسحاق ، والشعر ليس لها ، وانما هو لهند بنت بياضة بن طارق بن رياح بن طارق الايادي ، قالت حين لقيت إياد جيش الفرس بجزيرة الموصل ، وكان رئيس اياد بياضة بن طارق.

ووقع في شعر ابي دؤاد الإيادي. وذكر أبو رياش وغيره : ان بكر ابن وائل لما لقيت تغلب يوم قضة ، ويسمى يوم التحليق ، أقبل الفند الزماني ومعه ابنتان ، وكانت احداهما تقول :

نحن بنات طارق

فطارق على رواية من رواه لهند بنت عتبة ، أو لبنت الفند الزماني تمثيل واستعارة لا حقيقة ، شبهت أباها بالنجم الطارق في شرفه وعلوه ، وعلى رواية من رواه لهند بنت بياضة حقيقة لا استعارة ، لانه اسم جدها. قال البطليوسي : والأظهر انه لبنت بياضة ، وانما قاله غيرها متمثلا. وقال أبو القاسم السهيلي : على قول من قال ارادت به النجم لعلوه ، وهذا التأويل عندي بعيد ، لان طارقا وصف للنجم لطروقه ، فلو أرادته لقالت : بنات طارق ، فعلى تقدير الاستعارة يكون (بنات) مرفوعا ، وعلى تقدير ان يكون الشعر لابنة بياضة بن طارق ، يكون منصوبا على المدح والاختصاص نحو :

نحن بني ضبة أصحاب الجمل

(٢) هو للفرزدق ، وليس في ديوانه ، وانظر الخزانة ٢ / ٤٨١ و ٥٥٩

(٣) الامالي ٢ / ٧١ ، واللآلي ٧٠٥. والاغاني ١٤ / ١٥١ (بولاق) ، والخزانة ٤ / ٣٧

٨١٠

أقول الّتي تنبي الشّمات وإنّها

عليّ وإشمات العدوّ سواء

دعوت وقد أخلفتني الوأي دعوة

لزيد فلم يضلل هناك دعاء

بأبيض مثل البدر عظّم حقّه

رجال من آل المصطفى ونساء

قال القالي : هذا رجل كان وعد رجلا قلوصا فأخلفه ، فقال الموعود له : إذا سئلت أقول التي تنبي الشّمات عني ، أي أقول : نعم قد أخذتها ، أي أكذب. ثم قال : وكذبي وإشمات العدو سواء. وقال الزبير بن بكار : هذه الأبيات لمحمد بن بشير الخارجي ، وكان رجلا وعده قلوصا فمطله بها. وزيد الذي مدحه هو زيد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب. وكذا أخرجه صاحب الأغاني عن سليمان بن عياش ، وزاد في آخره : فبلغت الأبيات زيد بن الحسن ، فبعث إليه بقلوص من خيار إبله. ومحمد بن بشير عدواني يكنى أبا سليمان ، شاعر حجازي من شعراء الدولة الأموية (١).

٦١٨ ـ وأنشد :

بآية يقدمون الخيل شعثا (٢)

تمامه :

كأنّ على سبائكها مداما (٣)

٦١٩ ـ وأنشد :

يا ليت شعري والمنى لا تنفع!

هل أغدون يوما وأمري مجمع! (٤)

__________________

(١) انظر معجم الشعراء ٣٤٣ ، والاغاني ١٦ / ٦١ (الثقافة).

(٢) سيبويه ١ / ٤٦٠ ، والخزانة ٣ / ١٣٥ ـ ١٣٧ ، ونسب البيت الى الأعشى ، ومنهم من نسبه ليزيد بن عمرو بن الصعق ، وقدم السيوطي الشاهد عن مكانه في المغني.

(٣) كذا بالاصل ، ويروى : (على سنابكها) وهو الصحيح.

(٤) امالي المرتضى ١ / ٥٥٩.

٨١١

هو من الرجز ، أنشده أبو زيد ، وبعده :

وتحت رجلي صيلتان ميلع (١)

حوف إذا ما زجرت تبوّع (٢)

يقول : إن المنى لا ينال بها المتمني ما يحبه. والمنى : جمع منية. وهي مبتدأ ، ولا تنفع خبره. والجملة اعتراض بين شعري وما تعلق به. وأمري مجمع : جملة حالية من الضمير في أغدون. وتحت رجلي صيلتان : جملة حالية أيضا معطوفة على الجملة قبلها. والصيلتان : الشديد. والميلع : السريع. وهما صفتا جمل. واستشهد ابن السكيت بالبيت على أنه يقال : أجمع أمره ، إذا عزم عليه.

٦٢٠ ـ وأنشد :

إنّي وأسطار سطرن سطرا

لقائل يا نصر نصر نصرا (٣)

عزاه الجرمي في الفرج لرؤبة ، وخبر (أن) لقائل ، واسطار : قسم مجرور بالواو ، وهي بفتح الهمزة ، جمع سطر ، وهو الخط والكتابة. وسطرن : مبنى للمفعول ، صفة أسطار. وسطرا مفعول مطلق. قال ابن يسعون في شرح أبيات الايضاح : في نصر الثاني : الرفع ، والنصب عطف بيان ، النصر الأوّل على اللفظ وعلى الموضع. وروي بالضم ، بلا تنوين ، على البدل من الأوّل ، وفيه زحاف الخبر. وقال بعضهم : نصرا بالنصب على المصدر. والثالث : توكيد له ، أي أنصر نصرا. وقال أبو عبيدة : نصر المنادى ، نصر بن سيار أمير خراسان. ونصر الثاني حاجبه ، ونصبه على الاغراء ، يريد : يا نصر عليك نصرا. وقال الزجاج : نصر الذي هو الحاجب بالضاد المعجمة. وقال الجرمي : النصر : العطية ، فيريد يا نصر عطية عطية. وقال ابن يعيش في شرح المفصل : قد أنشدوا البيت على ثلاثة أوجه : يا نصر نصر نصرا. وهو اختيار أبي عمرو. ويا نصر نصرا نصرا ، تجري منصوبين مجرى صفتين منصوبتين بمنزلة يا زيد العاقل اللبيب. وكان المازني يقول : يا نصر نصرا نصرا ، ينصبهما على الإغراء ، لأن هذا نصر حاجب نصر بن سيار ، وكان حجب رؤبة ومنعه من الدخول ، فقال :

__________________

(١) رواية المرتضى : (وتحت رحلي زفيان ميلع) وقال : الزّفيان :

الناقة الخفيفة ، والميلع : السريعة. وشبّه رجع يديها في السير لنشاطها وبعده :

كأنها نائحة تفجّع

تبكي لميت وسواها الموجع

(٢) ليس هذا الشطر في أمالي المرتضى.

(٣) الخزانة ١ / ٣٢٥ ، وحاشية الامير ٢ / ٥١ ، وسيبويه ١ / ٣٠٤

٨١٢

اضرب نصرا أو آلمه. ويروى يا نصر نصر نصر. وقال ابن الدهان في الغرّة : منهم من ينشده يا نصر نصر على اللفظ ، رفعا على الموضع ، ونصبا ، ومنهم من يرويه بالضم : نصر نصرا على البدل. ونصر الثالث : إما عطف بيان ، وإما اغراء. قال الأصمعي : معنى هذا : ان قوله يا نصر نصرا نصرا ، إنما يريد به المصدر ، أي انصرني نصرا. وكان أبو عبيدة يقول هذا تصحيف ، إنما قال لنصر بن سيار : يا نصر نصرا نصرا ، أي عليك نصرا. وقال السخاوي : يجوز أن يكون نصرا الثاني تأكيدا للأوّل ، ونصر الثالث بمعنى انصرني نصرا ، أو عطف بيان. والثالث أيضا كذلك هذا عطف بيان على اللفظ ، وهذا على الموضع. وقال أبو عبيدة : هما بالضاد المعجمة ، أي إنه نادى نصر بن سيار ، وأغراه بنصر حاجبه. فيكون نصرا مكرّرا للتأكيد (١).

٦٢١ ـ وأنشد :

وإنّي وتهيامي بعزّة بعد ما

تخلّيت ممّا بيننا وتخلّت

لكالمرتجي ظلّ الغمامة كلّما

تبوّأ منها للمقيل اضمحلّت

هما من قصيدة لكثيّر عزة أوّلها (٢) :

خليليّ هذا ربع عزّة فاعقلا

قلوصيكما ثمّ ابكيا حيث حلت

وما كنت أدري قبل عزّة ما البكا

وما موجعات القلب حتّى تولّت

وما أنصفت أمّا النّساء فبغّضت

إلينا ، وأمّا بالنّوال فضنّت

__________________

(١) وملخص ما ذكر : أن نصرا الأول روي فيه وجهان : ضمه ونصبه.

والثاني روي فيه أربعة أوجه : ضمة ورفعه ونصبه وجره. والثالث روي فيه وجه واحد وهو النصب.

(٢) الخزانة ٢ / ٣٧٩ ، والامالي ٢ / ١٠٧ ، والخفاجي ١٨٦ وانظر الاغاني ٨ / ٣٧ (بولاق) والشعراء ٤٠٤.

٨١٣

إلى أن قال :

فقلت لها : يا عزّ كلّ مصيبة

إذا وطّنت يوما لها النّفس ذلّت

فإن سأل الواشون فيم صرمتها

فقل : نفس حرّ سلّيت فتسلّت

ومنها :

وكنت كذي رجلين رجل صحيحة

ورجل رمى فيها الزّمان فشلّت

ومنها :

هنيئا مريئا غير داء مخامر

لعزّة من أعراضنا ما استحلّت

ووالله ما قاربت إلّا تباعدت

بصرم ولا أكثرت إلّا استقلّت

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

لدينا ولا مقليّة إن تقلّت

قال الأئمة : هذه القصيدة من منتخبات قصائد كثيّر ، وهي لزومية التزم في أكثرها اللام المشدّدة قبل حرف الروي. قوله : فاعقلا قلوصيكما : أي شدّاهما. قوله : (وما كنت أدري ... البيت) استشهد به المصنف في التوضيح على نصب موجعات عطفا على محل مفعول أدرى المعلق بالإستفهام ، لأن المعلق أبطل عليه لفظا لا محلا. وتولت : أعرضت وأدبرت. وقوله : (وكنت كذى رجلين ... البيت) استشهد به ابن أم قاسم في باب البدل على ابدال المفصل من المجمل ، فإن رجل ورجل بدلان من رجلين بزيادة صفة. وقد اختلف في معنى البيت ، فقال الأعلم : تمنى ان تشلّ إحدى رجليه ، وهو عندها حتى لا يرحل عنها. وقال ابن سيده : لما خانته عزة العهد وتولت عن عهده ، وثبت على عهدها صار كذى رجلين ، رجل صحيحه ، وهو ثباته ، وأخرى مريضة وهو زللها. وقال عبد الدائم : معنى البيت

٨١٤

إنه بين خوف ورجاء وقرب وتناء. وقال بعضهم : تمنى أن يضيع قلوصه فيبقى في في عزة. فيكون ببقائه في حيها كذى رجل صحيحة ، ويكون في فقد قلوصه كذى رجل عليلة. قال اللخمي : وهذا القول هو المختار المعوّل عليه ، وهو الذي يدل عليه ما قبل البيت. والتهيام : بفتح أوله ، مصدر للمبالغة من الهيام ، والهيام كالجنون من العشق. وقال القالي في أماليه (١) : حدّثنا أبو بكر بن دريد ، عن الرياشي ، عن ابن سلام ، عن عزيز بن طلحة بن عبد الله (٢) ، عن عمه هند بن عبد الله ، قال : بينا أنا مع أبي بسوق المدينة إذ أقبل كثير ، فقال له أبي : هل قلت بعدي شيئا يا أبا صخر؟ قال هند : فأقبل عليّ ، وقال : احفظ هذه الأبيات ، وأنشدني :

وكنّا سلكنا في صعود من الهوى

فلمّا توافينا ثبتّ وزلّت

وكنّا عقدنا عقدة الوصل بيننا

فلمّا توافينا شددت وحلّت (٣)

فواعجبا للقلب كيف اعترافه

وللنّفس لمّا وطّنت كيف ذلّت

وللعين أسراب إذا ما ذكرتها

وللقلب وسواس إذا العين ملّت

وإنّي وتهيامي بعزّة بعد ما

تخلّيت ممّا بيننا وتخلّت

لكالمرتجى ظلّ الغمامة كلّما

تبوّأ منها للمقيل اضمحلّت

فإن سأل الواشون : فيم هجرتها

فقل : نفس حرّ سلّيت فتسلّت

وقال أبو الحسن بن طباطبا في كتاب عيار الشعر (٤) : قال العلماء : لو أن كثيرا جعل قوله : (فقلت لها يا عز كل مصيبة ...) في وصف حرب لكان أشعر الناس. ولو جعل قوله : (أسيئي بنا ... البيت) في وصف الدنيا كان أشعر الناس.

__________________

(١) ١ / ٦٥ ـ ٦٦

(٢) في الامالي : (غرير).

(٣) في الامالي : (فلما تواثقنا).

(٤) ص ٨٥ ، وانظر الموشح ١٤٦

٨١٥

٦٢٢ ـ وأنشد :

لعمري وما عمري عليّ بهيّن

لقد نطقت بطلا عليّ الأقارع

هذا من قصيدة للنابغة الذبياني ، أوّلها (١) :

عفا ذو حسى من فرتنا فالفوارع

فجبنا أريك فالتّلاع الدّوافع

ومنها :

فكفكفت منّي عبرة فرددتها

على النّحر منها مستهلّ ودامع

على حين عاتبت المشيب على الصّبا

وقلت : ألمّا أصح والشّيب وازع؟

أتاني ، أبيت اللّعن ، أنّك لمتني

وتلك الّتي تستكّ منها المسامع

ومنها :

وعيد أبي قابوس في غير كنهه

أتاني ، ودوني راكس فالضّواجع

فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة

من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع

ومنها :

فإنّك كاللّيل الّذي هو مدركي

وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع

عفا : اندرس. وذو حسي : بضم الحاء وبالسين المهملتين ، موضع. وفرتنا : اسم امرأة. والفوارع : بالفاء ، مواضع مرتفعة. وأريك : بفتح الهمزة وكسر الراء ، اسم موضع. والتلاع : بكسر المثناة الفوقية ، مجاري الماء ، واحدها تلعة. والدوافع : التي تدفع الوادي. ومستهل : بضم الميم ، سايل منصب. ودامع :

__________________

(١) ديوانه ٧٨ ـ ٨٢ (صادر).

٨١٦

مترقرق العين. وقوله : (وما عمري عليّ بهين) أي فاقسم لعمري. والبطل : الباطل. والأقارع : بني قريع بن عوف بن كلاب الذين كانوا سعوا به الى النعمان. وقوله : (على حين عاتبت) استشهد به المصنف في الكتاب الرابع على بناء حين لإضافتها الى جملة صدرها فعل مبني. وقوله : (ألما أصح) استشهد به على الجزم بلما بعد همزة الاستفهام. وأصح : من الصحو ، وهو خلاف السكر. ووازع : بزاي وعين مهملة ، من وزعت الرجل عن الأمر كففته. وقوله : (أتاني أبيت اللعن ... البيتين) أوردهما المصنف في الكتاب الرابع. وقوله : من غير كنهه ، أي في غير قدره وحقيقته ، أي لم أكن بلغت ما يوجب ذلك. وراكس : براء وسين مهملة ، اسم واد. والضواجع : جمع ضاجعة ، وهو منحنى الوادي ومنعطفه. قوله : ساورتني ، من ساوره إذا واثبه ، وضئيلة : بفتح الضاد المعجمة وكسر الهمزة وفتح اللام ، الحية الدقيقة. والرقش : بضم الراء وسكون القاف وشين معجمه ، جمع رقشاء ، حية فيها نقط سود وبيض. وناقع : بالنون والقاف ، يقال : سم ناقع ، أي بالغ. والبيت استشهد به ابن الطراوة على جواز وصف المعرفة بالنكرة إذا كان الوصف خاصا لا يوصف به إلا ذلك الموصوف ، فإنّ ناقعا نكرة ، والسم معرفة ، وردّ بأنه ليس بوصف ، بل خبر ثان بعد الإخبار بالمجرور السابق. قوله : (فإنك كالليل ... البيت) قال المبرد في الكامل (١) : هذا من أعجب التشبيه.

٦٢٣ ـ وأنشد :

ذاك الّذي وأبيك يعرف مالك (٢)

هذا من مقطوعة لجرير يخاطب بها يحيى بن عقبة الطهوي والفرزدق ، وهي :

مست طهيّة كالبكار أفزّها

بعد الكشيش هدير قوم بازل (٣)

ايحيى هل لك في حياتك حاجة

من قبل فاقرة وموت عاجل

__________________

(١) ص ٧٤١ ، وانظر الشعراء ١٠٩ ـ ١١٠ و ١٢٣ و ٣٠٢ ـ ٣٠٣

(٢) ديوانه ٤٣٠

(٣) في الديوان : (قرم بازل).

٨١٧

أخزيت أمّك أن كشفت عن استها

وتركتها غرضا لكلّ مناضل

حلّت طهيّة من سفاهة رأيها

منّي على سنن الملحّ الوابل

أطهيّ قد غرق الفرزدق فاعلموا

في اليمّ ثمّ رمى به في السّاحل

من كان يمنع يا طهيّ نساءكم

أم من يكرّ وراء سرح الجامل

ذاك الّذي وأبيك يعرف مالك

والحقّ يدمغ ترّهات الباطل

إنّا تزيد على الحلوم حلومنا

فضلا ونجهل فوق جهل الجاهل

أفزها : فرّقها. والكشيش : كشيش البكر قبل أن تنبت شقشقته هدر. والفاقرة : التي تقطع فقار الظهر. والجامل : الإبل.

٦٢٤ ـ وأنشد :

كأنّ وقد أتى حول كميل

أثافيها حمامات مثول

هو لأبي الغول الطهويّ وقبله :

أتنسى لا هداك الله سلمى

وعهد شبابها الحسن الجميل

وبعده :

أما تنفكّ تركبني بلومي

لهجت بها كما لهج الفصيل

قال الفارسي في التذكرة : في قوله : (كأن ... الخ) لا يجوز على هذا أن يقول إن وقولي حق زيدا قائم ، لأن أن لما لم تغير الكلام عن معناه صرت. كأنك ابتدأت بحرف العطف ، لا يجوز بخلاف كأن. والأثافي ، وأصله التشديد. والتخفيف مسموع أيضا والبيت منه. واللومي : مصدر مؤنث بمعنى اللوم ، يمد ويقصر. وقد استشهد الفارسي بالبيت على ذلك : ولهج بالشيء يلهج : ولع به

٨١٨

واعتاده ، فهو لهج. ويقال أيضا : ألهج به فهو ملهج ، واللهجة : طرف اللسان. ولهج الفصيل بإمه : اذا تناول ضرعها ولزمه. والفصيل : المفصول عن الرضاع من أولاد النوق ، والأنثى فصيلة ، والجمع فصال ، وفصلان ، وأصله الاسم لكنه استعمل استعمال الصفات قدر فيه الانفصال عن الأم.

٦٢٥ ـ وأنشد :

كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا

لدى وكرها العنّاب والحشف البالي

تقدّم شرحه في شواهد الباء ضمن قصيدة امرىء القيس (١).

٦٢٦ ـ وأنشد :

ليت ، وهل ينفع شيئا ليت

ليت شبابا بوع فاشتريت (٢)

أنشده الكسائي في صفة دلو ، وقبله :

مالي إذ أجذبها صأيت

أكبر قد غالني أم بيت

صأيت : بالمهملة ، اصخت. يقال صأى يصيىء صئيا ، كصفى يصفى صفيا. والمراد بالبيت المرأة. وقال الفراء في المصادر : البيت : التزويج ، وأنشده بلفظ :

مالي إذا نزعتها صأيت

أكبر غيّرني أم بيت

وجملة : (وهل ينفع شيأ ليت) معترضة بين ليت الأولى وليت الثانية المؤكدة لها ، وهما حرفان. وليت الثانية : اسم مرفوع بينفع ، والمراد بها اللفظة ، وهو أحد الشواهد على الاسناد اللفظي. وبوع : لغة في بيع. وقد استشهد النحاة بالبيت

__________________

(١) انظر ص ٣٤٢ والشاهد رقم ١٥٨ ص ٣٤٠ و ٣٤٤.

(٢) ابن عقيل ١ / ١٧٧

٨١٩

على ذلك. وفي شرح العيني : ان البيت لرؤبة. وذكر المصنف في شواهده : ان هل بمعنى النفي. وان الكسائي أنشده بلفظ : (وما ينفع شيأ ليت).

٦٢٧ ـ وأنشد :

وما أدري وسوف إخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء

تقدّم شرحه في شواهد أم (١).

٦٢٨ ـ وأنشد :

أخالد قد والله أوطأت عشوة

تقدّم شرحه في شواهد قد (٢).

٦٢٩ ـ وأنشد :

ولا أراها تزال ظالمة

تحدث لي نكبة وتنكؤها

يأتي شرحه قريبا ضمن قصيدة ابن هرمة (٣).

٦٣٠ ـ وأنشد :

فلا وأبي دهماء زالت عزيزة

على قومها ما قيل للزّند قادح (٤)

قال ابن الدهان في الغرة : أنشده الفراء عن بعضهم ، أي مازالت ، فحذف ما.

٦٣١ ـ وأنشد :

أراني ـ ولا كفران لله ـ آيّة

لنفسي قد طالبت غير منيل (٥)

__________________

(١) انظر الشاهد رقم ٤٨ ص ١٣٠.

(٢) انظر الشاهد رقم ٢٧٤ ص ٤٨٨.

(٣) انظر ص ٨٢٦ من قصيدة الشاهد رقم ٦٣٥.

(٤) الخزانة ٤ / ٤٥

(٥) هو في ديوان ابن الدمينة ٨٦ ، وانظر اختلاف رواية البيت فيه.

٨٢٠