شرح شواهد المغني

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

شرح شواهد المغني

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: لجنة التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٤٦

وعمر في الإسلام حتى أدرك الحجاج.

٥٢٤ ـ وأنشد :

فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حبّ النّبيّ محمّد إيّانا

تقدّم شرحه في شواهد الباء (١).

٥٢٥ ـ وأنشد :

إنّي وإيّاك إذ حلّت بأرحلنا

كمن بواديه بعد المحل ممطور (٢)

هو للفرزدق من قصيدة يمدح بها يزيد بن عبد الملك ، وبعده :

وفي يمينك سيف الله قد نصرت

على العدوّ ورزق غير محظور

قال الزمخشري : جعل إني من الأسماء نكرة موصوفا لممطور ، وإياك خطاب ليزيد. وحلّت : أي الإبل ، نزلت بأرحلنا عندك. أراد إني إذا خططت رحالي إليك كرجل كان واديه محلا ممطرا. والباء في بواديه متصل بممطور ، وليس في البيت ما يعود إلى إياك ، ونظيره :

فإنّي وجروة لا تزود ولا تعار

أخبر عن جروة ولم يخبر عن نفسه. ويقدر في مثل هذا ما يعود إلى الإسم الآخر ، كأنه قال : كإنسان مطر بخيرك وجودك ، انتهى.

٥٢٦ ـ وأنشد :

ونعم من هو في سرّ وإعلان (٣)

__________________

(١) انظر الشاهد رقم ١٥٣ ص ٣٣٧

(٢) ديوانه ٢٦٣

(٣) الخزانة ٤ / ١١٥

٧٤١

وقبله :

وكيف أرهب أمرا أو أراع له

وقد زكأت إلى بشر بن مروان

ونعم مزكأ من ضاقت مذاهبه

ونعم من هو في سرّ وإعلان

وقد زكأت : بزاي معجمة وهمز ، لجأت. ومزكأ : مفعل منه. وبشر : أخو عبد الملك ، وليّ أمرا لأخيه ، وكان سمحا جوادا ممدحا ، ومات سنة خمس وسبعين للهجرة ، وعمره نيف وأربعون سنة. وهو أوّل أمير مات بالبصرة.

٥٢٧ ـ وأنشد :

يا شاة من قنص لمن حلّت له

تقدّم شرحه ضمن قصيدة عنترة (١). قال الأندلسي في شرح المفصل : أنشده الكسائي شاهدا على زيادة من ، وقال : أراد يا شاة قنص. وأنكر ذلك سيبويه وجميع أهل البصرة ، وأوّلوها بأنها في البيت موصوفة بالمصدر ، وهو قنص. كما يقول : رجل كرم ، في معنى. أو على حذف المضاف ، أي ذي قنص ، أي شاة إنسان ذي قنص. أو جعله نفس القنص مبالغة. ورواه البصريون : (يا شاة ما قنص) فتعارضت الروايتان ، وبقي الأصل مع البصريين.

٥٢٨ ـ وأنشد :

آل الزّبير سنام المجد قد علمت

ذاك القبائل والأثرون من عددا (٢)

قال الأندلسي في شرح المفصل : أنشده الكسائي شاهدا على زيادة من. ويرويه البصريون : (ما عددا).

__________________

(١) انظر ص ٤٨١ و ٤٨٣.

(٢) الخزانة ٢ / ٥٤٨ ، ولم يذكر قائله. وفي حاشية الامير ٢ / ١٩ :

(قوله : الزبير ، هو ابن صفية عمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحوارية ، أول من سل سيفا في سبيل الله ، ابن أخي خديجة).

٧٤٢

شواهد مهما

٥٢٩ ـ وأنشد :

ومهما تكن عند امرىء من خليقة

ولو خالها تخفى على النّاس تعلم

تقدّم شرحه في شواهد حيث ضمن معلقة زهير بن أبي سلمى (١).

٥٣٠ ـ وأنشد :

قد أوبيت كلّ ماء فهي ضاوية

مهما تصب أفقا من بارق تشم

تقدّم شرحه في شواهد أم ضمن قصيدة ساعدة بن جوية (٢).

٥٣١ ـ وأنشد :

لما نسجتها من جنوب وشمأل

تقدّم شرحه في شواهد الفاء ضمن أبيات من معلقة امرىء القيس (٣).

__________________

(١) انظر الشاهد رقم ١٨٨ ص ٣٨٤ و ٣٨٩ ، والشاهد رقم ٥١٩ ص ٧٣٨

(٢) ص ١٥٧ ، وانظر الشاهد رقم ٦٠ ص ١٥٦ وص ١٥٨ و ١٥٩ وقد سبق بلفظ : (فهي صاوية) وفسر السيوطي : (الصاوية) باليابسة ، وفي أشعار الهذليين (طاوية) وانظر ه ٢ ص ١٥٩.

(٣) الشاهد رقم ٢٥٥ ص ٤٦٣ وانظر الشاهد رقم ٣ ص ٢٠ وص ٩٢ و ٩١ و ٩٧ و ٤٥١ و ٤٦٢ والحماسة ٤ / ٢٤٠.

٧٤٣

٥٣٢ ـ وأنشد :

وإنّك مهما تعط نفسك سؤله

وفرجك نالا منتهى الذّمّ أجمعا (١)

قال القالي في أماليه (٢) : قرأت على أبي بكر بن دريد لحاتم بن عبد الله :

أكفّ يدي عن أن ينال التماسها

أكفّ صحابي حين حاجتنا معا (٣)

أبيت هضيم الكشح مضطمر الحشا

من الجوع أخشى الذّمّ أن أتضلّعا

وإنّي لأستحيي رفيقي أن يرى

مكان يدي من جانب الزّاد أقرعا

وإنّك إن أعطيت بطنك سؤله

وفرجك نالا منتهى الذّمّ أجمعا

كذا أورده القالي ، فلا شاهد فيه. وأورده صاحب الحماسة بلفظ المصنف (٤). قوله : (أكف يدي) أي أقبضها إذا جلسنا على الطعام إيثارا لهم وخوفا أن يفني الزاد. وقوله : (أبيت هضيم الكشح) يدل على كفه عن الأكل إيثارا للأكل على نفسه. وقوله : (وحاجتنا معا) أي كلنا جائع ، فحاجتنا إلى الطعام كحاجة صاحبه. وحاجتنا : مبتدأ. ومعا : نصب على الحال ، وهو سد مسد الخبر. وحين : نصب على الظرف ، وعامله أكف. وأقرع : خال من الطعام. وأجمع : مجرور تأكيد للذم. قال التبريزي : وهو أحوج الى التأكيد من قوله : (منتهى) لأنه متناول للجنس والعموم ، وما يفيده في الجنس أولى.

٥٣٣ ـ وأنشد :

مهما لي اللّيلة مهما ليه

أودى بنعليّ وسرباليه

__________________

(١) في المغني : (... تعط بطنك).

(٢) ٢ / ٣١٨.

(٣) في الأمالي : (حاجاتنا).

(٤) ٤ / ٢٤٠

٧٤٤

تقدّم شرحه في شواهد الباء (١).

٥٣٤ ـ وأنشد :

إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب

جهارا فكن في الغيب أحفظ للودّ (٢)

لم يسم قائله ، وبعده :

وألغ أحاديث الوشاة فقلّما

يحاول واش غير إفساد ذي عهد (٣)

قوله : (جهارا) : بكسر الجيم ، أي عيانا. والود : المحبة. والوشاة : بضم الواو ، جمع واش ، كقضاة وقاض ، من وشى يشي وشاية إذا نمّ عليه وسعى به وأصله استخراج الحديث باللطف والسؤال. والبيت استشهد به على إعمال الثاني من المتنازعين ، وهو : يرضيك في صاحب فاعلا ، وإضمار المفعول في الأول ضرورة. والقياس أن لا يضمر بل يحذف.

__________________

(١) انظر الشاهد رقم ١٤٩ ص ٣٣٠

(٢) ابن عقيل ١ / ١٩٢ برواية : (احفظ للعهد).

(٣) في ابن عقيل : (غير هجران ذي ود).

٧٤٥

شواهد مع

٥٣٥ ـ وأنشد :

أفيقوا بني حرب وأهواؤنا معا (١)

هو من أبيات الحماسة ، وأوّلها (٢) :

إن كنت لا أرمي وترمى كنانتي

تصب جائحات النّبل كشحي ومنكبي

فقل لبني عمّي فقد وأبيهم

منوا بهريت الشّدق أشوس أغلب

أفيقوا بني حرب وأهواؤنا معا

وأرحامنا موصولة لم تقضّب

ولا تبعثوها بعد شدّ عقالها

ذميمة ذكر الغبّ للمتعقّب

قال التبريزي : يقال ان هذا الشعر لجندل بن عمرو. والجائحات : الجانحات. وضرب الكنانة مثلا ، يقول : إذا تعرّض لمن يليني فقد تعرّض لي ، وأكون بمنزلة من ترمي كنانته ، وهي عليه لا يؤمن أن يصيبه ما يطيش من النبل. وقوله : (لم تقضب) أي لم تقطع. وتبعثوها : أي الحرب. وذميمة : أي لما يحصل فيها من القتل وتعقبت الأمر وتعيبه وعبه.

٥٣٦ ـ وأنشد :

كنت ويحيى كيدي واحد

نرمي جميعا ونرامى معا

__________________

(١) الحماسة ١ / ٢٩٨ (بني حزن).

(٢) ١ / ٢٩٧ ـ ٢٩٩

٧٤٦

قال القالي في أماليه (١) : حدثنا أبو الحسن وابن درستويه قال : حدثنا السكري ، حدثنا المعمري قال : أخبرنا عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال : نشأ في قريش ناشئان : رجل ، من بني مخزوم ، ورجل ، من بني جمح ، فبلغا في الوداد ما لم يبلغ بالغ ، حتى اذا كان رؤي أحدهما فكأن قد رئيا جمعا ، ثم دخلت وحشة بينهما عن غير شيء يعرفانه فتغيرا. فلما كان ليلة من الليالي ، استيقظ المخزوميّ ففكّر ما الذي شجر بينهما ، وكان المخزومي يقال له محمد ، والجمحي يحيى ، فنزل من سطحه وخرج حتى دخل عليه بابه ، فاستنزله فنزل إليه ، فقال : ما جاء بك هذه الساعة؟ فقال : جئتك لهذا الذي حدث بيننا ما أصله؟ وما هو؟ فقال : والله ما أعرف أصلا له! فبكيا حتى كادا يصبحان ، ثم عاد كل واحد إلى منزله ، فأصبح المخزومي ، فقال (٢) :

كنت ويحيى كيدي واحد

نرمي جميعا ونرامى معا

يسرّني الدّهر إذا سرّه

وإن أسئنا بالأذى أوجعا

حتّى إذا ما الشّيب في مفرقي

لاح وفي عارضه أسرعا

وشى وشاة طبن بيننا

فكاد حبل الوصل أن يقطعا

فلم يضن يحيى على وصله

ولم أقل خان ولا ضيّعا

٥٣٧ ـ وأنشد :

إذا حنّت الأولى سجعن لها معا

تقدّم شرحه في شواهد اللام ضمن قصيدة متمم بن نويرة (٣).

__________________

(١) ذيل الامالي ١٥

(٢) هذا الشعر لمطيع بن اياس في يحيى بن زياد الحارثي وقد وهم القالي في نسبته الى الرجل المخزومي وهو في الاغاني ١٣ / ٣٠٨ (الدار) ، والكامل ١٢٥٣

(٣) انظر ص ٥٦٧ والشاهد رقم ٣٣٩ ص ٥٦٥.

٧٤٧

٥٣٨ ـ وأنشد :

وأفنى رجالي فبادوا معا

فأصبح قلبي بهم مستفزا

تقدّم شرحه في شواهد إذ ، ضمن قصيدة الخنساء (١).

__________________

(١) أنظر ص ٢٥٠ والشاهد رقم ١٢٢ ص ٢٤٩ و ٢٥٢

٧٤٨

شواهد متى

٥٣٩ ـ وأنشد :

متى أضع العمامة تعرفوني

تقدّم شرحه (١).

٥٤٠ ـ وأنشد :

أخيل برقا متى حاب له زجل

هو لساعدة (٢).

__________________

(١) انظر الشاهد رقم ٢٥١ ص ٤٥٩ و ٤٦٠

(٢) لساعدة بن جويّة ، وهو في ديوان الهذليين ٢ / ٢٠٩ وعجزه :

إذا يفتر من توماضه حلجا.

وهو في اللسان (صلح) و (ومض).

٧٤٩

شاهد منذ ومذ

٥٤١ ـ وأنشد :

وربع عفت آثاره منذ أزمان

تقدّم شرحه في شواهد (حتى) ضمن قصيدة امرىء القيس (١).

٥٤٢ ـ وأنشد :

أقوين مذحجج ومذ دهر (٢)

هذا من قصيدة ابن أبي سلمى ، يمدح بها هرم بن سنان ، وأوّلها :

لمن الدّيار بقنّة الحجر

أقوين مذ حجج ومذ دهر

لعب الزّمان بها وغيّرها

بعدي سوافي المور والقطر

قفرا بمندفع النّحائت من

ضفوى أولات الضّال والسّدر

دع ذا وعدّ القول في هرم

خير البداة وسيّد الحضر

تالله قد علمت سراة بني

ذبيان عام الحبس والأصر

__________________

(١) انظر الشاهد رقم ١٨٣ ص ٣٧٤ و ٣٧٥

(٢) ديوان زهير ٨٦ والخزانة ٤ / ١٢٦.

٧٥٠

أن نعم معترك الجياد إذا

خبّ السّعير وسابىء الخمر

ولنعم حشو الدّرع أنت إذا

دعيت نزال ولجّ في الذّعر

حامي الذّمار على محافظة ال

جلّى أمين مغيّب الصّدر

حدب على المولى الضّعيف إذا

نابت عليه نوائب الدّهر

ومرهّق النّيران يحمد في ال

لأواء غير ملعّن القدر

ويقيك ما وقّى الأكارم من

حوب تسبّ به ومن غدر

وإذا برزت به برزت إلى

صافي الخليقة طيّب الخبر

متصرّف للحمد معترف

للنّائبات يراح للذّكر

جلد يحثّ على الجميع إذا

كره الظّنون جوامع الأمر

فلأنت تفري ما خلقت وبع

ض القوم يخلق ثمّ لا يفري

ولأنت أشجع حين تتّجه ال

أبطال من ليث أبى أجر

ورد عراض السّاعدين حدي

د النّاب بين ضراغم غثر

يصطاد أحدان الرجال فما

تنفكّ أجريه على ذخر

والسّتر دون الفاحشات وما

يلقاك دون الخير من ستر

أثني عليك بما علمت وما

سلّفت في النّجدات والذّكر

لو كنت من شيء سوى بشر

كنت المنوّر ليلة البدر

٧٥١

القنّة : بضم القاف وتشديد النون ، أعلى الجبل. والحجر : بكسر الحاء وسكون الجيم ، قال أبو عمرو : ولا أعرف إلا حجر ثمود ، ولا أدري هل هو ذاك أم لا؟ وحجر اليمامة : غير ذاك ، مفتوح. وأقوين : خلين. وحجج : جمع حجة (١). وسوافي : بالمهملة ، جمع سافية ، من سفت الرياح تسفى. والمور : بضم الميم وآخره راء ، التراب. والقطر : المطر. والمندفع : حيث يندفع الماء. والنحائت : بنون وحاء مهملة ، آبار في موضع معروف يقال لها النحائت ، وليس كل آبار تسمى النحائت. وضفوى : بالضاد المعجمة ، وسكون الفاء ، موضع بأرض غطفان. والضال : بالمعجمة ولام خفيفة ، السدر البري. قوله : (دع ذا) خطاب لنفسه. قال المفضل : جرت عادة الشعراء أن يقدموا قبل المدح تشبيبا ووصف إبل ونحو ذلك ، فكان زهير همّ بذلك ثم قال لنفسه : دع هذا الذي هممت به واصرف قولك الى مدح هرم. والبداة : أهل البادية. والحضر : بفتح الحاء المهملة وسكون الضا ، أهل الحاضرة (٢). والحبس والأصر ، بمعنى (٣). ومعترك الجياد : مزدحمهم (٤). وسابيء الخمر : بالهمزة ، مشتريها (٥). ولجّ : من اللجاجة. والذعر : بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة ، الخوف والفزع (٦). والجلي : بضم الجيم وتشديد اللام ، العظمى (٧). و (أمين مغيب الصدر) : أي لا يضمر إلا

__________________

(١) ويروى : (من حجج ومن دهر) كما في الديوان ورواية أبي عمرو : (من حجج ومن شهر) وأبي عبيدة : (مذ حجج ومذ شهر).

(٢) وفي الديوان : (خير الكهول).

(٣) رواية الديوان :

تالله ذا قسما لقد علمت ... ذبيان).

(٤) رواية الديوان : (معترك الجياع) ، ويروى أيضا :

(إذا حبّ القتار)

(٥) وبعد هذا البيت كما في الديوان :

ولنعم مأوى القوم قد علموا

ان عضهم جل من الأمر

(٦) وقد ورد البيت في الاصل :

دعيت نزال ولج الخمر في الذعر

ويروى البيت أيضا بلفظ :

ولأنت أشجع من أسامة إذا دعيت ....

وروى أبو عمرو بعده هذا البيت :

ولنعم كافي من كفيت ومن

تحمل له يحمل على ظهر

(٧) في شرح الديوان : (قال الأصمعي : الجلى : الخصلة العظمى ، والجمع جلل. وقال غيره : الجلي : جماعة العشيرة ، ويقال : هي البلية النازلة العظيمة).

٧٥٢

الخير. وحدب : بفتح الحاء وسكون الدال المهملتين ، مشفق. والضعيف : يروى بدله (الضّريك) أي المحتاج. ومرهق النيران : تغشى نيرانه ، ويدنى منها. واللواء : الشدة. وغير ملعّن القدر : بمعنى لا يسب قدره لأنه يطعم. والأكارم : الكرام. والحوب : بضم المهملة ، الإثم. ومتصرف الحمد : يتصرف في كل خير يحمد عليه. ومعترف للنائبات : صابر لها. ويراح للذكر : يستخف لأن يفعل شيأ يذكر به. و (جلد يحث على الجميع) : على التآلف والإجتماع. والظنون الذي ليس يوثق بما عنده. وجوامع الأمر : الذي يجمع الناس عليه. فرى وتفرى ، بالفاء ، من الفرى ، وهو القطع. وخلقت : أي قدرت. وأجر : جمع جرو. والضراغم : جمع ضرغام ، وهو الأسد. وغثر : بضم المعجمة وسكون المثلثة ، جمع اغثر ، وهو الأغبر. وأحدان : جمع واحد ، وأصله وحدان ، أبدل الواو همزه ، والنجدات : جمع نجدة ، وهي الشدة. في البيان للجاحظ (١) : قال المهدي لرجل من بني عبد الرحمن بن سمرة : أنشدني قصيدة زهير التي أولها :

لمن الدّيار بقنّة الحجر

فأنشده ، فقال المهدي : ذهب من يقول مثل هذا! فقال السّمري : وذهب والله من يقال فيه مثل هذا؟

وفي الدلائل لأبي نعيم : كان عمر بن الخطاب كثيرا ما ينشد قول زهير :

لو كنت من شيء سوى بشر

كنت المنوّر ليلة البدر (٢)

ويقول : كذلك كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

تنبيه :

قال بعض الشارحين لأبيات الجمل : زعم بعض النقلة أن هذا البيت ليس لزهير ، لأنه لم يعرف في بلاد العرب موضع يقال له : (الحجر) بالألف واللام ، وإنما هو

__________________

(١) ٢ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣

(٢) في الديوان : (كنت المنير لليلة).

٧٥٣

حجر ، وهي قصبة اليمامة ، اسم علم لا تدخله الألف واللام ، إلا ان يقول قائل إن زهيرا انما أراد بقنة حجر ، ثم زاد الألف واللام ، وهو يريد سقوطها على حدّ قوله :

يا ليت أمّ العمرو كانت صاحبي

وقال البطليوسي : الأبيات الثلاثة التي في أوّل هذه القصيدة لم يصح أنها لزهير. وقد روى أن هرون الرشيد قال للمفضل بن محمد : كيف بدأ زهير بقوله :

دع ذا وعدّ القول في هرم

ولم يتقدم قبل ذلك شيء ينصرف عنه. فقال المفضل : قد جرت عادة الشعراء بأن يقدموا قبل المديح نسيبا ، ووصف إبل وركوب فلوات ، ونحو ذلك. فكان زهيرا همّ بذلك ، ثم قال لنفسه : دع هذا الذي هممت به مما جرت به العادة ، واصرف قولك إلى مدح هرم ، فهو أولى من صرف إليه القول ونظم ، وأحق من بدىء بذكره الكلام وختم ؛ فاستحسن الرشيد قوله. وكان حماد الراوية حاضرا ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ليس هذا أوّل الشعر ، ولكن قبله :

لمن الدّيار بقنّة الحجر

وذكر الأبيات الثلاثة. فالتفت الرشيد الى المفضل وقال : ألم تقل إن (دع ذا ...) ، أوّل الشعر ، فقال : ما سمعت بهذه الزيادة إلا يومي ، ويوشك أن تكون مصنوعة. فقال الرشيد لحماد : أصدقني ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا زدت فيه هذه الأبيات. فقال الرشيد : من أراد الثقة والرواية الصحيحة فعليه بالمفضل ، ومن أراد الاستكثار والتوسع فعليه بحماد. وقال وكيع في الغرر : حدثني الحارث بن محمد ، حدثني أبو الحسن المدائني قال : دخلت بنت زهير بن أبي سلمى على عائشة ، وعندها بنت هرم بن سنان ، فسألت بنت زهير ، فقالت بنت هرم : من أنت؟ قالت : أنا بنت زهير ، قالت : أو ما أعطى أبي أباك ما أغناكم؟ قالت : إن أباك أعطى أبي ما فنى ، وإن أبي أعطى أباك ما بقي. وأنشدت بنت زهير :

٧٥٤

وإنّك إن أعطيتني ثمن الغنى

حمدت الّذي أعطيت من ثمن الشّكر

وإن يفن ما تعطيه في اليوم أوغد

فإنّ الّذي أعطيك يبقى على الدّهر

٥٤٣ ـ وأنشد :

ما زال مذ عقدت يداه إزاره (١)

وتمامه :

فسما فأدرك خمسة الأشبار

هو للفرزدق من قصيدة يمدح بها يزيد بن المهلب بن أبي صفرة ، وقبله :

وإذا الرّجال رأوا يزيد رأيتهم

خضع الرّقاب نواكس الأبصار

وإذا الرّجال جشأن طامن جشأها

ثقة له بحماية الأوثار

ما زال مذ عقدت يداه إزاره

فسما فأدرك خمسة الأشبار

يدني كتائب من كتائب تلتقي

للطّعن يوم تجاول وغوار

ويروى :

يدني خوافق من خوافق تلتقي

في ظلّ مغتبط الغبار مثار

الخضع : جمع خضوع ، وهو الاستحذاء والانقياد. وجشأن : أي نهضن وارتفعن ، يقال جشأت نفسه ، أي نهضت للخروج ، ارتفعت. وطامن جشأها : أي سكّنه

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٣٧٨.

٧٥٥

وقرّره. والإزار : المئزر. وسما : ارتفع. والكتائب : الجيوش. والتجاول : الجولان في القتال والخوض في حومته. والغوار : المغاورة. والخوافق : الرايات ، جمع خافقة. ومغتبط الغبار : يعني موضعا لم يقاتل عليه ولم يثر فيه غبار قبل ذلك حتى أثاره ذلك الممدوح. يقال من ذلك : اغتبط الأرض ، إذا حفرت منها موضعا لم يحفر فيها قبل ذلك. والمثار : المهيج المجرى. وقوله : فأدرك خمسة الاشبار ، قال بعض الشارحين لأبيات الجمل : يقال للرجل الكامل الذي قد بلغ الغاية في الفضائل : أدرك خمسة الاشبار ، وهو مثل. وسما : علا. وأدرك : نال ، فكأنه يقول : ما زال كاملا فاضلا مذ عقدت يداه إزاره ، يعني بإزاره مجده وفخره. وخمسة الاشبار : مفعول على هذا بأدرك ، وكأنهم إنما قالوا للكامل : أدرك خمسة الأشبار عندهم ، تخيلوا فيه الخير والشرّ. وقال الأعلم : هذا باطل لا يعرف ، وإنما أراد الشاعر : أنه مذ ترعرع وانتهى مدة خمسة أشبار ، وهي ثلثا قامة الرجل ، توسم فيه الخير وتبينت فيه النجابة والفضل ، ولذلك قال :

مذ عقدت يداه إزاره ... فسما

لأن الطفل الصغير جدا لا يأتزر ولا يحسن عقد إزاره إن حاوله. ومعنى سما : نما جسمه واشتد. وقد قيل : أراد بقوله خمسة الاشبار ، طول السيف ، لأنه منتهى طوله في الاكثر. وقال البطليوسي : معنى سما : ارتفع وشب. ومعنى فأدرك خمسة الاشبار : ارتفع وتجاوز حدّ الصبي ، لأن الفلاسفة زعموا ان المولود إذا ولد لتمام مدة الحمل ، ولم تعتره آفة في الرحم ، فإنه يكون مدة ثمانية أشبار ، من شبر نفسه ، فإذا تجاوز الصبي أربعة أشبار فقد أخذ في الترقي الى غاية الكمال. وزعم قوم إنه أراد الخيزرانة التي كانت الخلفاء يحبسونها بأيديهم. وخبر ما زال قوله (يدني) كدائب ، انتهى. وفي شرح شواهد الإيضاح لابن يسعون : والإزار هنا قيل على حقيقته ، أي لم يزل مذ بلغ من السنّ والقدر الى احسان عقد الإزار أمير كتائب. ويعمل عوامل وقواضب ، وقيل : كني بعقد الإزار عن شدّة لما يحتوي عليه من اكتساب المجد. قال ابن يسعون : والأول أصح. وخمسة الأشبار نصب بأدرك ،

٧٥٦

أي بلغ قدر خمسة الاشبار المعلومة ، لمنتهى حدّ الصغار. ومن كلام بعض الخلفاء : أيما غلام بلغ خمسة أشبار فالهمته قبيلته. وقال ابن دريد : غلام خماسي قد أيفع. قال ابن يسعون : ويجوز نصبه نصب الظرف ، لقوله فسما : أي فعلا مقدار خمسة الاشبار ، وقيل : يعني بخمسة الاشبار ، السيف ، لأنه الأغلب في السيوف الموصوفة بالكمال. وقيل : هي عبارة عن خلال المجد الخمسة : العقل والعفة والعدل والشجاعة والوفاء ، وكانت معروفة عندهم هذا العدد. وعلى هذين القولين لا يكون خمسة إلا مفعولا به لأدرك ، وعلى السيف لابد من تقدير ذي ، أي بلغ أعمال ذي خمسة الأشبار ، ويجوز نصب خمسة نعتا لإزاره أو بدلا منه أو عطف بيان ، انتهى. وزعم كثير أن معنى البيت : لم يزل منذ نشأ مهيبا فائزا بالمعالي حتى مات فأقبر في لحد هو خمسة أشبار. وهو بعيد من الخمسة المقصودة.

والبيت استشهد به المصنف هنا على ايلاء مذ الجملة الفعلية. واستشهد في التوضيح بعجزه على إنه إذا أضيف العدد الى ما فيه أل جرّد المضاف منها ، خلافا لما أجازه الكوفيون من قولهم الخمسة الأشبار والثلاثة الأبواب.

٥٤٤ ـ وأنشد :

وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع

تقدّم شرحه في شواهد اللام ضمن قصيدة الأعشى (١).

__________________

(١) انظر ص ٥٧٧ من قصيدة الشاهد رقم ٣٤٥ وص ٥٧٧ الشاهد رقم ٢٦٨ وص ٧٠٤.

٧٥٧

حرف النون

٥٤٥ ـ وأنشد :

أقائلنّ أحضروا الشّهودا (١)

قال السكري : قاله رجل من هذيل ، وقبله :

أرأيت إن جاءت به أملودا

مرجّلا ويلبس البرودا

ولا يرى مالا له معدودا

أقائلنّ أعجلوا الشّهودا

فظلّت في شرّ من اللّذّ كيدا

كاللّذ تزبى صائدا فاصطيدا

يقول : أرأيت ان ولدت هذه المرأة ولدا هذه صفته ، فيقال لها : أقيمي البينة إنك لم تأت به من غيره. والأملود : الأملس.

ولا يرى مالا له معدودا

أي لجوده. وتزبى : بالزاي ، حفر زبية ، انتهى. وقد وقع في شواهد العيني نسبة هذا الرجز لرؤبة. ورأيت أصله : أرأيت. والأملود : بضم الهمزة ، الناعم. والمرجل ، بالجيم ، المزين. من رجلت شعره إذا سرّحته. وقيل بالحاء المهملة ، وهو برد يصور عليه الرجال. وقوله : أقائلن : كذا أورده المصنف وغيره ، وهو بضم اللام ، خطاب لجماعة ، كما يؤخذ من كلام العيني. وقد أورده السكري بلفظ

__________________

(١) الخزانة ٤ / ٥٧٤

٧٥٨

(إما يكون كما تراه) فلا شاهد فيه على دخول نون التوكيد في اسم الفاعل. وقال ابن دريد في أماليه : أخبرنا أبو عثمان عن النوري عن أبي عبيدة قال : أتى رجل من العرب أمة له ، فلما حبلت جحدها ، فأنشأت تقول :

أرأيت إن جئت به أملودا

مرجّلا ويلبس البرودا

أقائلنّ أحضر الشّهودا

فظلّت في شرّ من اللّذّكيدا

كاللّذ تزبى صائدا فاصطيدا

٥٤٦ ـ وأنشد :

فأنزلن سكينة علينا

تقدم شرحه في شواهد إذا ضمن رجز عبد الله بن رواحة (١).

٥٤٧ ـ وأنشد :

فأحر به بطول فقر وأحريا (٢)

صدره :

ومستبدل من بعد غضبى صريمة

قال المصنف : اختلف الناس في إنشاد هذا البيت في موضعين ، في (غضبى) وفي (أحريا) بالمثناة التحتية ، فقيل : غضبى بالباء الموحدة ، وفي أحريا. وعليه صاحب الصحاح. قال في باب الباء الموحدة : غضبى اسم مائة من الإبل ، وهي معرفة

__________________

(١) انظر ص ٢٨٧ ، والشاهد ١٣٣ ص ٢٨٦

(٢) ابن عقيل ٢ / ٤٣ ، وفيه : (من طول ....).

٧٥٩

لا تنوّن ولا يدخلها أل ، وأنشد البيت. ثم قال : أراد النون الخفيفة فوقف. وقيل : غضيا بالمثناة التحتية. وأحربا ، بالموحدة ، وعليه صاحب المحكم وابن السكيت في اصلاحه. وقال ابن السيرافي في شرحه : أراد ربّ إنسان كان ما له قليلا بعد ان كان كثيرا فأحربه ، تعجب. كما تقول : أكرم به ، يريد ما أحراه أن يطول فقره. وقوله : واحربا ، تعجب ، من قولهم حرب الرجل ، إذا ذهب ماله وإذا قلّ. قال المصنف : وعلى هذا فلا تأكيد ولا نون ، وضعت البيت من أيدينا (١). ثم قال : لم يذكر في الصحاح حرب بالكسر إلا بمعنى اشتد غضبه. وأما حرب بمعنى أخذ فبالفتح ، وقد حرب ماله أي سلبه ، انتهى. وصريمة : تصغير صرمة ، بكسر الصاد المهملة وسكون الراء ، قطعة من الإبل نحو الثلاثين ، صغرها للتقليل ويقال : فلان حرى أن يفعل كذا ، أي جدير ولائق.

٥٤٨ ـ وأنشد :

دامنّ سعدك لو رحمت متميّا

لولاك لم يك للصّبابة جانحا

قال العيني في شواهده الكبرى : لم أقف على إسم قائله. وسعدك : بالكسر ، خطاب لمحبوبته. والمتيم : من تيمه الحب إذا عبّده بالتشديد. والصبابة : المحبة والعشق. والجانح : من جنح إذا مال. وجواب (لو) دل عليه الجملة قبلها ، وهي دعائية. والبيت أورده المصنف شاهدا لدخول نون التوكيد في الماضي شذودا وقال : إن الذي سهله كونه بمعنى الأمر ، وفيه شاهدان على إيلاء لا ضمير الجر ، وثالث على حذف نون يكن لاجتماع شروطه.

٥٤٩ ـ وأنشد :

لم يوفون بالجار

تقدم شرحه في شواهد لم (٢).

__________________

(١) كذا ...؟

(٢) انظر الشاهد رقم ٤٣٢ ص ٦٧٤.

٧٦٠