شرح شواهد المغني

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

شرح شواهد المغني

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: لجنة التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٤٦

شواهد لكنّ

٤٦٤ ـ وأنشد :

ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل (١)

قال الزمخشري والبطليوسي : هو للنجاشي وأوّلها :

وماء قديم العهد بالورد أجن

رضابا أو سلافا من العسل

لقيت عليه الذّئب يعوي كأنّه

ضليع خلا من كلّ مال ومن أهل

فقلت له : يا ذئب هل لك في أخ

يواسي بلا منّ عليك ولا بخل

فقال : هداك الله للرّشد ، إنّما

دعوت لما لم يأته سبع قبلي

فلست بآتيه ولا مستطيعه

ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل

قال الزمخشري : عرض للنجاشي ذئب في سفر له.

٤٦٥ ـ وأنشد :

فلو كنت ضبّيّا عرفت قرابتي

ولكنّ زنجيّ عظيم المشافر (٢)

أخرج أبو الفرج عن أبي عبيدة (٣) قال : هجا الفرزدق خالدا القسريّ ، فكتب

__________________

(١) الخزانة ٤ / ٣٦٧

(٢) ديوانه ٤٨١ ، والخزانة ٤ / ٣٧٨

(٣) الاغاني ٢١ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤ (الثقافة).

٧٠١

خالد الى مالك بن المنذر : أن احبس الفرزدق ، فأرسل مالك الى أيوب بن عيسى الضبي : أن ائتني بالفرزدق ، فأتاه به فحبسه ، فقال يهجو أيوب :

فلو كنت ضبّيّا إذا ما حبستني

ولكنّ زنجيّا غلاظا مشافره

متتّ له بالرّحم بيني وبينه

فألفيته منّي بعيدا أواصره

مع أبيات أخر. وأورد ذلك أيضا محمد بن سلام الجمحي في طبقات الشعر (١) ، وأورده بلفظ :

فلو كنت ضبّيّا صفحت قرابتي

ولكن زنجيّا غليظا مشافره

وبعده :

فسوف يرى الزّنجيّ إذا اكتدحت له

يداه إذا ما الشّعر غنّت نواقره

٤٦٦ ـ وأنشد :

ولكنّ من لا يلق امرا ينوبه

بعدّته ينزل وهو أعزل (٢)

قال الزمخشري : هو لأميّة بن أبي الصّلت.

__________________

(١) هذا الخبر ليس في الطبقات.

(٢) سيبويه ١ / ٤٣٩ ، وديوانه ٤٦ والبيت من قصيدة في عتاب ولديه.

٧٠٢

شواهد لكن الساكنة

٤٦٧ ـ وأنشد :

إنّ ابن ورقاء لا تخشى بوادره

لكن وقائعه في الحرب تنتظر (١)

هو من قصيدة لزهير بن أبي سلمى ، وأوّلها :

أبلغ بني نوفل عنّي فقد بلغت

منّي الحفيظة لمّا جاءني الخبر

ابن ورقاء : هو الحارث بن ورقاء الصّيداوي. والبوادر : جمع بادرة وهي الجدة. وروي : بدله : (غوائله) وهي جمع غائلة ، وهي ما يكون من شرّ وفساد. والوقائع : جمع ، وقيعة ، وهي القتال. والبيت استشهد به على أن لكن حرف ابتداء ، وليته : جملة من مبتدأ وخبر. ومن أبيات القصيدة :

أولى لكم ثمّ أولى أن تصيبكم

منّي فواقر لا تبقي ولا تذر

وهذا يستشهد به عند قوله تعالى : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) وفواقر : مصيبات (٢).

__________________

(١) ديوانه ٣٠٦ ، وفيه (غوائله).

(٢) الفواقر : المصيبات ، وهي الدواهي التي تكسر فقاره ، وفي الديوان :

(نواقر) ويروى (بواقر) بالباء.

٧٠٣

شواهد ليس

٤٦٨ ـ وأنشد :

له نافلات ما يغبّ نوالها

وليس عطاء اليوم مانعه غدا (١)

تقدّم شرحه في شواهد اللام ضمن قصيدة الأعشى (٢).

٤٦٩ ـ وأنشد :

ألا ليس إلّا ما قضى الله كائن

وما يستطيع المرء نفعا ولا ضرّا

٤٧٠ ـ وأنشد :

وما اغترّه الشّيء إلّا اغترارا (٣)

٤٧١ ـ وأنشد :

هي الشّفاء لدائي لو ظفرت بها

وليس منها شفاء الدّاء مبذول (٤)

هو لهشام بن عقبة أخي ذي الرمة. وبعده كما أورده التدمري في شرح شواهد الجمل :

تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت

كأنّه منهل بالرّاح معلول

__________________

(١) ديوانه ص ١٣٧ برواية (له صدقات ما تغب ونائل)

(٢) انظر ص ٥٧٧ من قصيدة الشاهد رقم ٣٤٥ وانظر ص ٧٢٥ و ٧٥٧.

(٣) الخزانة ٢ / ٣١ وفيه (وما اغتره الشيب) كما في المغني ، والبيت للأعشى وهو في ديوانه. وصدره :

أحلّ له الشيب اثقاله.

(٤) في المغني : (شفاء النفس).

٧٠٤

الله يعلم أنّي لم أقل كذبا

والحقّ عند جميع النّاس مقبول

المبذول : ضد الممنوع. وتجلو : تصقل ، وهي كناية عن الاستياك بالمسواك. والعوارض : الثنايا من الأسنان. والظلم : الماء الذي يجري على الاسنان. والمنهل : مفعل من النهل ، هو الشرب في أوّل الورود. والمعلول : مفعول من العلل ، وهو الشرب الثاني بعد الأوّل. والراح : من أسماء الخمر. وهذا البيت برمتّه من قصيدة كعب بن زهير التي أوّلها : بانت سعاد. أغار عليه هذا الشاعر (١).

٤٧٢ ـ وأنشد :

أين المفرّ والإله الطّالب

والأشرم المغلوب ليس الغالب

أخرج الواقدي وأبو نعيم في دلائل النبوّة ، عن عطاء بن يسار قال : حدثني من كلّم قائد الفيل وسائسه قال لهما : أخبراني خبر الفيل؟ قالا : هو فيل الملك النجاشي الأكبر لم يسر به قطّ إلى جمع إلا هزمهم ، فاخترت وصاحبي لجلدنا ومعرفتنا بسياسة الفيل ، فلما دنونا من الحرم ، جعلنا كلما نوجهه الى الحرم يربض ، فتارة نضربه فينهض ، وتارة تتركه ، فلما انتهى الى المغمس ربض فلم يقم فطلع العذاب وقلت : نجا غيركما. قالا : نعم ليس كلهم أصابه العذاب. وولى أبرهة ومن تبعه يريد بلاده ، كلما دخلوا أرضا وقع منه عضو حتى انتهى الى بلاد خثعم ، وليس عليه غير رأسه فمات.

وأخرجا عن زيد بن أسلم قال : أفلت نفيل الحميري. قال الواقدي : وسمعت انه لما ولى أبرهة مدبرا جعل نفيل يقول :

أين المفرّ والإله الطّالب

والأشرم المغلوب ليس الغالب

__________________

(١) أي البيت : تجلو عوارض. وانظر ديوان كعب ص ٧.

٧٠٥

وأخرجه ابن هشام في السيرة نحوه. قال نفيل بن حبيب فذكر البيت بلفظ : (ليس الغالب الأشرم) في اللغة : المشقوق الأنف ، وهو لقب أبرهة. والبيت استشهد به الكوفيون على أن ليس تأتي عاطفة بمنزلة لا ، والتقدير لا الغالب. وأجيب بأن الغالب اسم ليس ، والخبر محذوف ، أي ليس الغالب اياه. وقال مالك : هو في الأصل ضمير متصل عائد على الأشرم ، أي ليسه الغالب كقول : الصديق كانه زيد ، ثم تحذف فتقول : الصديق كان زيد.

٧٠٦

حرف الميم

شواهد ما

٤٧٣ ـ وأنشد :

لما نافع يسعى اللّبيب فلا تكن

لشيء بعيد نفعه الدّهر ساعيا

٤٧٤ ـ وأنشد :

ربّما تكره النّفوس من الأم

ر له فرجة كحلّ العقال (١)

هذا لأميّة بن أبي الصلت ، وقبله :

لابراهيم الوافي بالنّذر

احتسابا وحامل الأجزال

بينما يخلع السّراويل عنه

فكّه ربّه بكبش حلال

فخذن ذا فداء ابنك إنّي

للّذي قد فعلتما غير قال

ربّما تجزع النّفوس من الأم

ر له فرجة كحلّ العقال

ربما تجزع النفوس ... البيت. كذا في تفسير الثعلبي ، ونسب هذا البيت الى أمية بن أبي الصلت. ونسبه عمر بن شبّه إلى حنيف بن عمير اليشكري ، شاعر مخضرم من أبيات قالها لما قتل محكم بن الطفيل يوم اليمامة ، وهو :

__________________

(١) ديوان أمية ٥٠ ، والخزانة ٢ / ٥٤١ ، وسيبويه ١ / ٢٧٠ و ٣٦٢

٧٠٧

يا سعاد الفؤاد بنت أثال

طال ليلي بنفثة الرّجال

إنّ دين الرّسول ديني وفي القو

م رجال ليسوا لنا برجال

ربّما تجزع النّفوس من الأم

ر له فرجة كحلّ العقال

ربما تجزع النفوس ... البيت. ذكر ذلك ابن حجر في الإصابة. وممن نسبه الى حنيف صاحب الحماسة البصرية ، وقيل : هو لنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب. والمعنى : رب شيء تكرهه أو تجزع منه النفوس من الأمر له انفراج سهل سريع ، كحل عقال الدابة. وقد أورده بلفظ : (تجزع) سيبويه في كتابه ، وما : نكرة موصوفة بمعنى شيء. وجملة تكره : صفتها ، والعائد محذوف. وقد أورده ابن أم قاسم في شرح الألفية شاهدا لذلك ، وفرجة : بالفتح. قال النحاس : الفرجة بالفتح في الأمر ، وبالضم فيما يرى من الحائط ونحوه. والعقال : بكسر العين : الحبل الذي يعقل به البعير.

وأخرج ابن عساكر من طريق الأصمعي قال (١) : قال أبو عمرو بن العلاء : هربت من الحجاج فسمعت يوما أعرابيا يقول :

يا قليل العزاء في الأهوال

وكثير الهموم والأوجال

صبّر النّفس عند كلّ ملمّ

إنّ في الصّبر حيلة المحتال

لا تضيقنّ بالأمور فقد

تكشف غمّاؤها بغير احتيال

ربّما تجزع النّفوس من الأم

ر له فرجة كحلّ العقال

قد يصاب الجبان في آخر الصّ

فّ وينجو مقارع الأبطال

__________________

(١) الفرج بعد الشدة ٢ / ١٥٩

٧٠٨

فقلت : ما وراءك يا أعرابي؟ قال : مات الحجاج. فلم أدر بأيهما أفرح ، أبموت الحجاج ، أو بقوله فرجة ، لأني كنت أطلب شاهدا لاختياري القراءة في سورة البقرة (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً).

٤٧٥ ـ وأنشد :

فتلك ولاة السّوء قد طال مكثهم

فحتّام حتّام العناء المطوّل

هو للكميت من قصيدة طويلة أوّلها :

ألا هل عم في رأيه متأمّل

وهل مدبر بعد الإساءة مقبل

وهي احدى السبع الهاشميات ، ومن أبياتها :

وعطّلت الأحكام حتّى كأنّنا

على ملّة غير الّتي نتنحّل

كلام النّبيّين الهداة كلامنا

وأفعال أهل الجاهليّة نفعل

الولاة : بضم الواو ، جمع وال. والعناء : بفتح العين المهملة وتخفيف النون ، المشقة والتعب. وقوله : فتلك ، مبتدأ ، ولاة السوء خبره. وجملة قد طال مكثهم حالية. وحتام الثانية تأكيد للأولى تأكيدا لفظيا. وقد استشهد به ابن أم القاسم في شرح الألفية على ذلك. والعناء : مبتدأ ، والمطوّل صفة ، والخبر محذوف أي منهم أو من الناس قاله العيني.

٤٧٦ ـ وأنشد :

يا أبا الأسود لم خلّفتني

لهموم طارقات وذكر (١)

٤٧٧ ـ وأنشد :

على ما قام يشتمني لئيم

كخنزير تمرّغ في رماد (٢)

__________________

(١) الخزانة ٣ / ١٩٧

(٢) الخزانة ٢ / ٥٣٧

٧٠٩

هو لحسان بن المنذر يهجو بني عائذ بن عمرو بن مخذوم. وغلط من نسبه لجرير ، وقبله :

وإن تصلح فإنّك عائذي

وصلح العائذيّ إلى فساد

وإن تفسد فما ألفيت إلّا

بعيد ما علمت من السّداد

وتلقاه على ما كان فيه

من الهفوات أو نوك الفؤاد

على ما قام يشتمني لئيم

كخنزير تمرّغ في رماد

مبين الغيّ لا يعيا عليه

ويعيا بعد عن سبل الرّشاد

فأشهد أنّ أمّك ملبغايا

طوال الدّهر ما نادى المنادي

وقد سارت قواف باقيات

تناشدها الرّواة بكلّ واد

فقبّح عائذ وبنو أبيه

فإنّ معادهم شرّ المعاد

قوله : (على ما قام) فيه اثبات ألف ما الإستفهامية بعد حرف الجرّ. ضرورة ، قاله شارح أبيات الايضاح. ويروى (ففيم يقوم يشتمني) ولا ضرورة حينئذ. قال : وزعم ابن جني إن قام هنا زائدة ، وليس كذلك ، لأنها تقتضي النهوض بالشتم. وقوله : كخنزير بعد نص بكفره أو قبح منظره. وخبره لأنه قبيح مشوّه الحال للقذر. وقوله : تمرغ في رماد ، تتميم لذمه.

٤٧٨ ـ وأنشد :

إنّا قتلنا بقتلانا سراتكم

أهل اللّواء ففيما يكثر القيل

٧١٠

٤٧٩ ـ وأنشد :

ماذا الوقوف على نار وقد خمدت

يا طالما أوقدت في الحرب نيران

٤٨٠ ـ وأنشد :

ألا تسألان المرء ماذا يحاول

أنحب فيقضى أم ضلال وباطل

تقدم شرحه في شواهد أم ضمن قصيدة لبيد (١).

٤٨١ ـ وأنشد :

يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم

هذا من قصيدة طويلة لجرير يهجو بها الأخطل أوّلها (٢) :

بان الخليط ولو طوّعت ما بانا

وقطّعوا من حبال الوصل أقرانا

حيّ المنازل إذ لا نبتغي بدلا

بالدّار دارا ولا الجيران جيرانا

قد كنت في أثر الأظعان ذا طرب

مروّعا من حذار البين محزانا

يا ربّ مكتئب لو قد نعيت له

باك وآخر مسرور بمنعانا

ومنها :

ما كنت أوّل مشتاق أخا طرب (٣)

هاجت له غدوات البين أحزانا

يا أمّ عمرو جزاك الله مغفرة

ردّي عليّ فؤادي كالّذي كانا

__________________

(١) انظر ص ١٥٠ ـ ١٥١ والشاهد رقم ٩٥ ، والبيت في الشعراء ٢٣٧

(٢) ديوانه ٥٩٣ ـ ٥٩٨

(٣) كذا بالاصل ، وفي الديوان : (أخي طرب).

٧١١

ألست أحسن من يمشي على قدم

يا أملح النّاس كلّ النّاس إنسانا

ومنها :

قد خنت من لم يكن يخشى خيانتكم

ما كنت أوّل موثوق به خانا

ومنها :

لا بارك الله فيمن كان يحسبكم

إلّا على العهد حتّى كان ما كانا

لا بارك الله في الدّنيا إذا انقطعت

أسباب دنياك من أسباب دنيانا

ومنها :

إنّ العيون الّتي في طرفها حور

قتلننا ، ثمّ لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللّبّ حتّى لا حراك به

وهنّ أضعف خلق الله أركانا

يا ربّ غابطنا لو كان يطلبكم

لاقى مباعدة منكم وحرمانا

أرينه الموت حتّى لا حياة به

قد كنّ دنّك قبل اليوم أديانا

قوله : (في طرفها مرض) أي (١) أي في حركة أجفانها فتور. يقال : طرف يطرف : اذا حرّك أجفانه. ويصرعن : يغلبن. واللب : العقل. والحراك : الحركة. والغابط : الذي يتمنى مثل ما عندك من الخير دون أن يسلب عنك ، والحرمان : المنع. قال الزمخشري : أي ربّ إنسان يغبطني بمحبتي لك ، ويظن أنك تجازيني بها ، ولو كان مكاني للاقى ما لا قيته من المباعدة والحرمان. ودنك : عودنك. وقد أورد المصنف دونه : يا رب غابطنا ... البيت. في الكتاب مستشهدا به.

__________________

(١) رواية الاصل : (حور) والشرح هو رواية الديوان.

٧١٢

يا حبّذا جبل الرّيّان من جبل

وحبّذا ساكن الرّيّان من كانا

وحبّذا نفحات من يمانية

تأتيك من قبل الرّيّان أحيانا

هبّت جنوبا فهاجت لي تذكّركم

عند الصّفاة الّتي شرقيّ حورانا (١)

هل يرجعنّ وليس الدّهر مرتجعا

عيش بها طال ما احلولى وما لانا

أزمان يدعونني الشّيطان من غزلي

وهنّ يهوينني إذ كنت شيطانا (٢)

النفحات : جمع نفحة ، من قولك : نفحت الريح إذا هبت. واليمانية : ريح تهب من قبل اليمن ، وهي الجنوب. وقيل : هنا المرأة وضمير هبت للريح. والصفاة : الصخرة الملساء. وحوران : مدينة بالشام. وقد أورد المصنف قوله حبذا نفحات في الكتاب الخامس. ومنها :

قل للأخيطل لم تبلغ موازنتي

فاجعل لأمّك أير القسّ ميزانا

قال الخليفة والخنزير منهزم

ما كنت أوّل عبد محلب خانا

لاقى الأخيطل بالجولان فاقرة

مثل اجتداع القوافي وبر هزّانا

يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم

لا يستفقن إلى الدّيرين تحنانا

لمّا روين على الخنزير من سكر

نادين يا أعظم القسّين جرّدانا

هل تتركنّ إلى القسّين هجرتكم

ومسحكم صلبكم رحمان رحمانا (٣)

لن تدركوا المجدأ وتشروا عباءكم

بالخزّ أو تجعلوا التّنّوم ضمرانا

__________________

(١) رواية الديوان : هبت شمالا فذكرى ما ذكرتكم.

(٢) في الديوان : (وكن يهوينني)

(٣) في الديوان : ومسحهم صلبهم رحمان قربانا

٧١٣

المحلب : المعين. والجولان : من عمل دمشق. والقافرة : عنزة الظهر. ووبر هزان : جفنة الهزان ، أحد عنزة ، وكان هاجي جريرا فجعله جرير كالوبر. ويستفقن : يفقن. والقسين : موضع. والتنوم وضمران : ضربان من الشجر.

٤٨٢ ـ وأنشد :

دعي ما ذا علمت سأتّقيه

ولكن بالمغيّب نبّئيني

تقدّم شرحه في شواهد اما (١).

٤٨٣ ـ وأنشد :

أنورا سرع ما ذا يا فروق

قال التبريزي في شرح أبيات اصلاح المنطق هو للباهليّ وتمامه :

وحبل الوصل منتكث حذيق

أنورا : يريد أنفارا. وسرع : أي سرع ، فخفف الضمة. وفروق : هذه المرأة لفراقها من الريب. والمنتكث : المتنقض. والحذيق : المقطوع ، يقال حدقت الحبل وهو حذيق ومحذوق ، ثم وقفت على القصيدة بتمامها في القصائد الأصمعيات ، وعزاها لأبي شقيق الباهلي ، واسمه جرد بن رباح قالها في يوم ارمام ، وهي نيف وعشرون بيتا وهذا مطلعها ، وبعده :

ألا زعمت علاقة أنّ سيفي

يفلّل غربه الرّأس الحليق

ولو شهدت غداة الكوم قالت

هو القصب المهذرمة العتيق

__________________

(١) سبق ص ١٩١ وانظر ص ١٩٢ ، وهو في الخزانة ٢ / ٥٥٤ وليس البيت في شعر المثقب العبدي.

٧١٤

٤٨٤ ـ وأنشد :

إن العقل في أموالنا لا نضق بها

ذراعا ، وإن صبرا فنصبر للصّبر (١)

تقدّم شرحه في شواهد اذا ضمن قصيدة هدبة بن خشرم في أبيات قالها يخاطب بها معاوية.

٤٨٥ ـ وأنشد :

فما تك يا ابن عبد الله فينا

فلا ظلما نخاف ولا افتقارا

٤٨٦ ـ وأنشد :

وما بأس لو ردّت علينا تحيّة

قليل على من يعرف الحقّ عابها

٤٨٧ ـ وأنشد :

أجارتنا إنّ الخطوب تنوب

وإنّي مقيم ما أقام عسيب (٢)

أخرج ابن عساكر عن الزيادي قال : لما احتضر امرؤ القيس بأنقرة ، نظر الى قبر فسأل عنه ، فقالوا قبر امرأة غريبة ، فقال :

أجارتنا إنّ الخطوب تنوب

وإنّي مقيم ما أقام عسيب

أجارتنا إنّا غريبان ههنا

وكلّ غريب للغريب نسيب

قال : وعسيب جبل كان القبر في سنده. ثم رأيت في كتاب مقاتل الفرسان لأبي عبيدة ان صخر بن عمرو بن الشريد أخا الخنساء قال لما أدركه الموت :

أجارتنا إنّ الخطوب تنوب

علينا وكلّ المخطئين مصيب

__________________

(١) انظر ص ٢٧٦ ، وفيه اختلاف ، وشرحه ص ٢٧٩ مشيرا الى الرواية البيت كما هو هنا.

(٢) ديوانه قسم الزيارات ص ٣٥٧ وفيه : (ان المزار قريب).

٧١٥

أجارتنا لست الغداة بظاعن

وإنّي مقيم ما أقام عسيب

ومات فدفن بقرب عسيب. فلعلهما تواردا.

٤٨٨ ـ وأنشد :

منّا الّذي هو ما إن طرّ شاربه

والعانسون ومنّا المرد والشّيب (١)

قال ابن السيرافي : هو لأبي قيس بن رفاعة الأنصاري. وقال البكري : اسمه دينار وهو من شعراء يهود. وقال أبو عبيدة : أحسبه جاهليا. وقال القالي في الأمالي : هو قيس بن رفاعة الأنصاري. وقال الأصبهاني : هو لأبي قيس بن الاسلت الأوسي في حديث ثعلب ، واسمه نفير. قوله : طرّ بالفتح ، أي نبت. وأما بالضم. فمعناه : قطع. وقال : انه بالضم بمعنى نبت أيضا. و (ما) نافية و (ان) زائدة. وقيل : ما ظرفية وان زائدة. والعانس : من بلغ حدّ التزويج ولم يتزوّج ذكرا كان أو أنثى. والمرد : جمع أمرد ، وهو بمعنى الذي ما طرّ شاربه ، وليس مغايرا له. والشيب : بكسر أوّله ، جمع أشيب ، وهو المبيض الرأس واللحية. وفي البيت شواهد ، أحدها : اطلاق العانس على المذكر وان كان المشهور استعماله في المؤنث. ثانيها : جمعه بالواو والنون مع فقد شرطه ، وهو التأنيث بالتاء فإنه لا يقال عانسة. ثالثها : زيادة ان بعد ما النافية.

٤٨٩ ـ وأنشد :

ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته

على السّنّ خيرا لا يزال يزيد

تقدّم شرحه في شواهد إن (٢).

٤٩٠ ـ وأنشد :

وتالله ما إن شهلة أمّ واحد

بأوجد منّي أن يهان صغيرها

__________________

(١) اللآلي ٥٦ و ٧٠٢ والامالي ٢ / ٦٧

(٢) انظر الشاهد رقم ٢٤ ص ٨٥ ـ ٨٦.

٧١٦

٤٩١ ـ وأنشد :

أليس أميري في الأمور بأنتما

بما لستما أهل الخيانة والغدر

لم يسم قائله : والهمزة للتقرير ، والباء في بإنتما زائدة. وقوله : بما لستما ، يروى بالباء وبالفاء. وما موصول حرفي ووصلت بليس ندورا. وقيل إنها موصول إسمي والعائد محذوف.

٤٩٢ ـ وأنشد :

قلّما يبرح اللّبيب إلى ما

يورث المجد داعيا أو مجيبا

٤٩٣ ـ وأنشد :

صددت فأطولت الصّدود وقلّما

وصال على طول الصّدود يدوم (١)

هو للمرّار ، وقبله :

صرمت ولم تصرم وأنت صروم

وكيف تصابي من يقال حليم

وبعده :

وليس الغواني للجفاة ولا الّذي

له عن تقاضي دينهنّ هموم

ولكن لمن يستنجز الوعد تابع

مناهنّ حلاف لهنّ أثيم

قال الزمخشري : يخاطب نفسه ويلومها على طول الصدود ، أي لا يدوم حال الغواني إلا لمن يلازمهن ويخضع لهن. وقوله : صرمت ولم تصرم : أي صرم اساءة ، ولكن صرم دلال. وارتفع وصال بإضمار فعل يفسره الظاهر الذي يدوم. ويروي :

__________________

(١) الخزانة ٤ / ٢٨٧

٧١٧

ولا أروي مستشهد ابن الشجري بالبيت على مجيء أطولت مصححا على الاصل كأطيب واستحوذ. وقال الأعلم : أراد : وقلما يدوم وصال ، فقدّم وأخر مضطرا لإقامة الوزن. والوصال : على هذا التقدير فاعل مقدّم ، والفاعل لا يتقدّم في الكلام إلا أن يبتدأ به ، وهو من وضع الشيء غير موضعه. ونظيره قول الزباء :

ما للجمال مشيها وئيدا

أي وئيدا مشيها ، فقدّمت وأخرت ضرورة. وفيه تقدير آخر : وهو أن يرتفع بفعل مضمر يدل عليه الظاهر ، فكأنه قيل : وقل ما يدوم وصال يدوم. وهذا أسهل في الضرورة. والأول أصح معنى ، وإن كان أبعد في اللفظ. لأن قلما موضوعة للفعل خاصة ، بمنزلة ربما ، فلا يليها الاسم. وقد يتجه أن يقدر (ما) في قلما زائدة مؤكدة ، فيرتفع الوصال بقل ، وهو ضعيف ، لأن ما إنما تزاد في قل ورب ليليهما الأفعال ويصيرا من الحروف المخترعة بها. وأجرى أطولت على الأصل ضرورة بشبهه بما استعمل في الكلام على أصله نحو : استحوذ وأقيلت المرأة وأخيلت السماء. وأنشد ابن السيرافي البيت بلفظ :

وصدّت فأطولت الصّدود

وقال : يقول صرمت هذه المرأة من قبل أن تصرمك ، يخاطب نفسه. ثم قال : وكيف يتصابى من قد كبر وحلم. والتقدير من يقال : هو حليم. وصدت هذه المرأة فأطولت أنت الصدود ، ومع طول الصدود لا يبقى من المودّة والمحبة شيء. وقد قيل إن ما في قلما في هذا البيت هي والفعل الذي بعد ما بمنزلة المصدر اه.

٤٩٤ ـ وأنشد :

 ... وإنّما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي (١)

هو للفرزدق من قصيدة يهجو جريرا ، أولها :

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٧١٢

٧١٨

ألا استهزأت منّي سويدة أن رأت

أسيرا يداني خطوه حلق الحجل

فإن يك قيدي كان نذرا نذرته

فما بي عن أحساب قومي من شغل

أنا الذّائد الحامي الذّمار وإنّما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

الذائد : بمعجمة أوله ومهملة آخره ، من ذاد يذود اذا منع. وقال الجوهري : الذياد الطرد. وذدته عن كذا : طردته. والحامي : من الحماية ، وهي الدفع. والذمار : بكسر المعجمة وتخفيف الميم ، ما لزمك حفظه مما يتعلق بك ، لانه يحبب على أهله التذمر له ، أي التشمر لدفع العار عنه. ويقال : الذمار العهد. وقال الزوزني : معنى البيت : ما يدافع عن أحساب قوم الا أنا ، أو من يماثلني في إحراز الكمالات. والبيت استشهد به على فصل الضمير للقصر بإنما.

٤٩٥ ـ وأنشد :

قد علمت سلمى وجاراتها

ما قطر الفارس إلّا أنا

قال شارح أبيات الايضاح البياني ، قال صدر الأفاضل : يقال هذا البيت للفرزدق ، والظاهر أنه لعمرو بن معدي كرب.

قطره : ألقاه على قطره ، أي جانبه. والفارس : الشجاع. وكأنه إنما خص النساء بالعلم بشجاعته استمالة لهن إليه ، لأنهن يملن إلى الشجاع والفصيح. والبيت أنشده الزجاج في شرح أدب الكاتب ولم يسم قائله. وأورده بعده :

خرقت بالسّيف سرابيله

ثم رأيت الزمخشري قال في شرح أبيات سيبويه : إنه لعمرو بن معدي كرب ، حمل على مرزبان يوم القادسية فقتله ، وهو يرى انه رستم ، فقال ذلك وأورد قبله :

ألمم بسلمى قبل أن تطعنا

إنّ لسلمى عندنا ديدنا

٧١٩

شككت بالرّمح حيازيمه

والخيل تعدو زيما بيننا

زيما : متفرقّة. انتهى.

٤٩٦ ـ وأنشد :

ربّما أوفيت في علم

يرفعن ثوبي شمالات

تقدم شرحه في شواهد رب (١).

٤٩٧ ـ وأنشد :

كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه

تقدّم شرحه في شواهد الكاف (٢).

٤٩٨ ـ وأنشد :

فلئن صرت لا تحير جوابا

فبما قد ترى وأنت خطيب

قال العيني (٣) : لم يسم قائله. ولا تحير : من أحار يحير ، يقال كلمته فلم يحر جوابا ، أي يردّه ولم يرجعه. وجوابا مفعول وقيل : يحير أي من حيث الجواب. وقيل مفعول له ، وعلى هذا يكون لا يحير من حار حيرة. وفبما : جواب الشرط. والباء ، الجارة وحملت عليها ما الكافة ، وأحدثت فيها معنى التعليل. وترى بالبناء للمفعول انتهى. ثم رأيت في أمالي القالي : أنشدنا أبو عبد الله نفطويه : أنشدنا أبو العباس ثعلب لمطيع بن إياس الكوفي يرثي يحيى بن زياد الحارثي (٤) :

__________________

(١) انظر الشاهد رقم ١٩٦ ص ٣٩٣

(٢) انظر الشاهد رقم ٢٨٥ ص ٥٠٢

(٣) ٣ / ٣٤٧ ، وانظر الخزانة ٤ / ٢٨٥

(٤) ١ / ٢٧١ ، ونسب الأبيات لصالح بن عبد القدوس باختلاف قليل وانظر اللآلي ٥٩٩ ـ ٦٠٠

٧٢٠