جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: لجنة التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٤٦
طلبوا صلحنا ولات أوان |
|
فأجبنا أن ليس حين بقاء (١) |
ثمّ لمّا تشذّرت وأنافت |
|
وتصلّوا منها كريه الصّلاء |
ولعمري لقد لقوا أهل بأس |
|
يصدقون الطّعان عند اللّقاء |
إنّنا معشر شمائلنا الصّب |
|
ر ودفع الأسى بحسن العزاء |
ولنا فوق كلّ مجد لواء |
|
فاضل في التّمام كلّ لواء |
فإذا ما استطعتم فاقتلونا |
|
من يصب يرتهن بغير فداء |
والمكّاء : بضم الميم وتشديد الكاف ، اسم الرجل الذي قتل. وضمير عارها للضربة. وجوائب : جمع جائبة ، خبر. وهو ما يجوب البلاد ، أي يقطعها. والأنباء : جمع نبأ ، وهو الخبر. وغلواء : بضم المعجمة ، سرعة الشاب وأوله. وتشذرت : رفعت الحرب ذنبها. وأنافت : رفعت رأسها. وتصلوا : من تصليت النار إذا اصطليت بها. والصلاء : بالكسر والمدّ ، صلاء النار. قوله (طلبوا) أي طلب هؤلاء القوم صلحنا. والحال أن إلا وأن ليس أو ان الصلح فقلنا لهم ليس الحين بقاء الصلح ، فحذف اسم ليس وأبقى الخبر. وأن في البيت تفسيرية.
٣٩٩ ـ وأنشد :
ألا رجل جزاه الله خيرا
تقدم شرحه في شواهد ألا (٢).
__________________
(١) البيت في العقد الفريد ٣ / ٣١٩ من أبيات الى ابن حلزّة اليشكري برواية :
طلبوا صلحنا ولات أوان |
|
إنّ ما يطلبون فوق النجوم |
(٢) الشاهد رقم ١٠٢ ص ٢١٤.
شواهد لو
٤٠٠ ـ وأنشد :
ولو أنّما أسعى لأدنى معيشة |
|
كفاني ، ولم أطلب ، قليل من المال |
ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل |
|
وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي |
هذان من قصيدة لامرىء القيس ، وقد مر شرحها في شواهد الباء (١).
٤٠١ ـ وأنشد :
فلو كان حمد يخلد النّاس لم يمت |
|
ولكنّ حمد النّاس ليس بمخلد |
هو من قصيدة لزهير بن أبي سلمى يمدح بها هرم بن سنان ، وأوّلها (٢) :
غشيت ديارا بالبقيع فثهمد |
|
دوارس قد أقوين من أمّ معبد |
ومنها :
إلى هرم هجيرها ووسيحها |
|
تروّح من اللّيل التّمام وتغتدي |
الى أن قال :
تقيّ نقيّ لم يكثّر غنيمة |
|
بنهكة ذي قربى ولا بحقلّد |
_________________
(١) انظر ص ٣٤٢
(٢) شرح ديوانه ٢١٩ ـ ٢٣٦ وانظر ص ٢٦٧ ـ ٢٦٨.
سوى ربع لم يأت فيه مخانة |
|
ولا رهقا من عائذ متهوّد |
فلو كان حمد يخلد النّاس لم يمت |
|
ولكنّ حمد النّاس ليس بمخلد |
ولكنّ منه باقيات وراثة |
|
فأورث بنيك بعضه وتزوّد |
تزوّد إلى يوم الممات فإنّه |
|
ولو كرهته النّفس آخر موعد |
وهو آخرها. البقيع وثهمد : موضعان. ودوارس : بالية. وأقوين : أقفرن. والتّهجير : السير في الحرّ. والتوسيح : سرعة السير (١). والليل التمام : أطول الليل. وتغتدى : تسير بالغدو. والنّهكة : الظلم. والحقلد : السيء الخلق الضيق البخيل. وقد أورد المصنف هذا البيت في الكتاب شاهدا على العطف على المعنى ، فإنه في معنى ليس بمكثر. والربع : ما كان الملوك يأخذونه من الغنائم. والمخانة : الخيانة. والرهق : الإثم. والعائذ : اللاجيء. والمتهوّد : التائب المطمئن الساكن.
٤٠٢ ـ وأنشد :
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي |
|
بنو اللّقيطة من ذهل بن شيبانا |
لكنّ قومي وإن كانوا ذوي عدد |
|
ليسوا من الشّرّ في شيء وإن هانا |
تقدم شرحهما في إذا (٢).
٤٠٣ ـ وأنشد :
ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا |
|
ومن دون رمسينا من الأرض سبسب (٣) |
لظلّ صدى صوتي وإن كنت رمّة |
|
لصوت صدى ليلى يهشّ ويطرب |
هذان من قصيدة لأبي صخر الهذلي ، وهما آخرها ، ومطلعها :
__________________
(١) رواية الديوان : (تهجيرها ووسيجها) بالجيم المنقوطة.
(٢) كذا ، انظر ص ٦٨ ـ ٦٩ والشاهد رقم ١٧
(٣) ديوان المجنون ٨٥ ، ببعض الاختلاف. وفي الأغاني ٢ / ٢٠ (الدار) أبيات من القصيدة.
ألمّ خيال طارق متأوّب |
|
لأمّ حكيم بعد ما نمت موصب |
ونسبهما العيني في الكبرى لقيس بن الملّوح المجنون ، وليس كذلك. قوله : موصب : من الوصب. والأصداء : جمع صدى ، وهو الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها ، يقال : صم صداه وأصم الله صداه أي أهلكه. لأن الرجل إذا مات لم يسمع الصدى منه شيئا فيجيبه. والرمس : تراب القبر. وسبب : بمهملتين مفتوحتين وموحدتين ، أوّلهما ساكنة ، المفازة. والرمّة : بكسر الراء وتشديد الميم ، العظام البالية. والجمع : رمم ورمام. يقال : رم العظم يرم أي بلى. ويهش : من الهشاشة ، وهي الارتياح والخفة للشيء.
٤٠٤ ـ وأنشد :
ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت |
|
عليّ ودوني جندل وصفائح (١) |
لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا |
|
إليها صدى من جانب القبر صائح |
هذان من قصيدة لتوبة بن الحميّر ، وأوّلها :
ألا هل فؤادي من صبا اليوم طافح |
|
وهل ما وأت ليلى به لك ناجح |
وهل في غد إن كان في اليوم علّة |
|
سراح لما تلوي النّفوس الشّحائح |
ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت |
|
عليّ ودوني جندل وصفائح |
ولو أنّ ليلى في السّماء لأصعدت |
|
بطرفي إلى ليلى العيون الكواشح |
ولو أرسلت وحيا إليّ عرفته |
|
مع الرّيح في نوّارها المتناوح |
لأغبط من ليلى بما لا أناله |
|
ألا كلّ ما قرّت به العين صالح |
__________________
(١) ابن عقيل ٢ / ١٣٨ وانظر ص ٥٩٠ من الشواهد.
سقتني بشرب المستضاف فصرّدت |
|
كما صرّد اللّوح النّطاف الضّحاضح |
فهل تبكني ليلى إذا متّ قبلها |
|
وقام على قبري النّساء النّوائح |
كما لو أصاب الموت ليلي بكيتها |
|
وجاد لها جار من الدّمع سافح |
وفتيان صدق قد وصلت جناحهم |
|
على ظهر مغبرّ التّنوفة نازح |
بمائرة الضّبعين معقودة النّسا |
|
أمين القرى في مجفر غير جانح |
وما ذكرتي ليلى على نأي دارها |
|
بنجران إلّا التّرّهات الصّحاصح |
الجندل : بفتح الجيم وسكون النون ، الحجارة. والصفائح : الحجارة العراض تكون على القبور ، وهي جمع صفيحة. وزقا : بالزاي والقاف ، يقال زقا الصدى ، يزقو : أي صاح. والصدى : بفتح الصاد المهملة ، الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها (١). قوله :
ألا كلّ ما قرّت به العين صالح
قال التبريزي (٢) : إني قرير العين بأن أذكرها ، وهذا القدر نافع.
أخرج أبو الفرج في الأغاني عن المدائني قال (٣) : أقبلت ليلى الأخيلية من سفر ، فمرّت بقبر توبة ومعها زوجها ، وهي في هودج لها ، فقالت : والله لا أبرح حتى أسلّم على توبة. فصعدت أكمة عليها قبر توبة ، فقالت : السلام عليك يا توبة ، ثم حوّلت وجهها الى القوم فقالت : ما عرفت له كذبة قط قبل هذه. قالوا : وكيف؟ قالت : أليس القائل :
ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت |
|
عليّ ودوني جندل وصفائح |
__________________
(١) انظر ص ٦٤٤.
(٢) ٣ / ٢٦٧
(٣) ١١ / ٢٤٤ (الدار).
فما باله لم يسلّم عليّ كما قال!! وكانت الى جانب القبر بومة كامنة ، فلمّا رأت الهودج واضطرابه فزعت وطارت في وجه الجمل ، فنفر فرمى بليلى على رأسها فماتت من وقتها ، فدفنت الى جانبه.
وأخرج المعافي بن زكريا في كتاب الجليس والأنيس ، عن إبراهيم بن زيد النيسابوري قال : مرّت ليلى الأخيلية ومعها زوجها ، فقال لها : يا ليلى هذا قبر توبة فسلمي عليه ، قالت : وما تريد منه؟ قال : أريد تكذيبه ، أليس هو الذي يقول : ولو أن ليلي ... البيتين. فو الله لا برحت أو تسلمي عليه ، فقالت : السلام عليك يا توبة! فإذا طائر قد خرج من القبر حتى ضرب بصدرها ، فشهقت شهقة فماتت فدفنت الى جنب قبره ، فنبتت على قبرهما شجرتان فطالتا والتفتا.
٤٠٥ ـ وأنشد :
لا يلفك الرّاجيك إلّا مظهرا |
|
خلق الكرام ولو تكون عديما |
لم يسم قائله. ويلفك : بالفاء ، من ألفى إذا وجد. والعديم : المعدم الذي لا يملك شيئا (١).
٤٠٦ ـ وأنشد :
قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم |
|
دون النّساء ولو باتت بأطهار (٢) |
هذا آخر قصيدة للأخطل يمدح بها قريشا ويخص آل سفيان بن حرب ، وقبله :
إنّي حلفت بربّ الرّاقصات وما |
|
أضحى بمكّة من حجب وأستار |
وبالهدايا إذا احمرّت مدارعها |
|
في يوم نسك وتشريق وتنحار |
وما بزمزم من شمط محلّقة |
|
وما بيثرب من عون وأبكار |
__________________
(١) قال الأمير ١ / ٢٠٩ : (في نسخة : (الراجوك) بالجمع ، وهو أنسب بوصل أل بالمضاف).
(٢) الكامل ٢٣٦ ، والاغاني ١٥ / ٨١ ـ ٨٢ (الثقافة).
لا ألجأتني قريش خائفا وجلا |
|
وموّلتني قريش بعد إقتار |
المنعمون بنو حرب وقد حدقت |
|
بي المنيّة واستبطأت أنصاري |
بهم تكشف عن أحيائها ظلم |
|
حتّى ترفّع عن سمع وأبصار |
قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم |
|
دون النّساء ولو باتت بأطهار |
ومطلع القصيدة :
تغيّر الرّسم من سلمى بأجفار |
|
وأقفرت من سليمى دمنة الدّار |
٤٠٧ ـ وأنشد قول كعب :
أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل (١)
هو من قصيدة كعب بن زهير التي أولها : بانت سعاد (٢). وأول البيت :
لقد أقوم مقاما لو يقوم به |
|
أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل |
لظلّ يرعد إلّا أن يكون له |
|
من الرّسول بإذن الله تنويل (٣) |
قال المصنف في شرح القصيدة : في هذا البيت حذف سبعة أمور ، أحدها : جملة قسم ، لأن (لقد) لا تكون إلا جواب القسم ملفوظ ، نحو : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ). أو مقدر نحو : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). ويروى : إني أقوم مقاما. الثاني : مفعول أرى ، أي أرى ما لو يراه الفيل. والثالث والرابع : ظرفان معمولان لأرى وأسمع ، إن قدرا صفتين ثانية وثالثة لمقاما ، أي أرى به وأسمع به ، فإن قدر أرى حالا من ضمير أقوم ، سقط هذان المحذوفان. الخامس والسادس : جوابا (لو) الثانية و (لو) الثالثة ، لأن قوله في البيت : لظل يرعد جواب للأولى ، وهو دال على جواب لو الثانية المقدرة في صلة معمول أرى ، ولو الثالثة الواقعة
__________________
(١) ديوانه ٢٠
(٢) انظر الشاهد رقم ٣١١ وص ٥٢٤ ـ ٥٢٩
(٣) ويروى :
لظل ترعد من وجد بوادره |
|
إن لم يكن من رسول الله تنويل |
في صلة مفعول أسمع. والسابع : مفعول يسمع ، وهو عائد ما ، وانتصاب مقاما على الظرفية المكانية. والجملة بعده صفة له ، فأيهما أعملت أعطيت الآخر ضميره. وقال الفرّاء : العمل لهما معا. وقال الكسائي : إذا أعملنا الأول أضمرنا في الثاني لأنه إضمار بعد الذكر في الحقيقة ، وإذا أعملنا الثاني حذفنا فاعل الأول لأنه لا يجيز ما يراه البصريون من الإضمار قبل الذكر ، ولا ما يجيزه الفرّاء من توارد عاملين على معمول واحد ، وعلى قوله : ففي البيت حذف. الثامن (١). وبين يقوم ويسمع تنازع في المفعول وهو ما لو يسمع ، إذ ليس المراد أرى ما لو يسمع الفيل ، بل المراد أرى ما لو يراه الفيل لظل يرعد. وأسمع ما لو سمعه لظل يرعد. وفي البيت تضمين لأن الجواب في أوّل البيت الثاني ، واللام في لظل رابطة للجواب الذي بعدها بلو. وظل بمعنى صار. وأرعد الرجل ويرعد على بناء ما لم يسم فاعله. وقوله : لظل يرعد ، مقتضى ثبوت الفعل ودوامه. قال : لا أرعد لم يقتض ذلك ، ويرعد مبني للمفعول. يقال : أرعد فلان إذا أخذته الرعدة. ولك في اللام أربعة أوجه : أحدها : أن تعلقها بيكون ، إما على أنها تامة ، أو على أنها ناقصة باستقرار محذوف منصوب ، إما على الخبرية على تقدير النقصان ، أو على الحالية على التمام أو النقصان. والخبر الثالث : أن تعلقها بتنويل ، وإن كان مصدرا لأنه لا ينحل ، لأن والفعل ، ولهذا قالوا في قوله :
نبّئت أخوالي بني يزيد |
|
ظلما علينا لهم فديد (٢) |
إن ظلما يجوز أن يكون مفعولا لأجله عامله فديد. وكثير من الناس يذهل عن هذا فيمنع تقديم معمول المصدر مطلقا. وهذه الأوجه في كل من الظرفين ، وحيث قدرت أحد الظروف حالا فهو في الأصل صفة لتنويل. والتنويل : العطية ، والمراد به هنا الأمان.
٤٠٨ ـ وأنشد :
ما كان ضرّك لو مننت وربّما |
|
منّ الفتى وهو المغيظ المحنق |
__________________
(١) ذكر السيوطي ص ٦٤٧ أن في البيت حذف سبعة أمور. وهنا يذكر الثامن.
(٢) سيأتي البيت في الباب الخامس في حذف الموصوف.
قائله قتيلة ، وقيل ليلى بنت النّضر بن الحارث ، من أبيات حين قتل النبي صلىاللهعليهوسلم أباها صبرا عقب بدر ، وأوّلها (١) :
يا راكبا إنّ الأثيل مظنّة |
|
من صبح خامسة وأنت موفّق |
أبلغ بها ميتا فإنّ تحيّة |
|
ما إن تزال بها الرّكائب تخفق |
منّي إليك وعبرة مسفوحة |
|
جادت بواكفها وأخرى تخفق |
فليسمعنّ النّضر إن ناديته |
|
إن كان يسمع ميّت أو ينطق |
ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه |
|
لله أرحام هناك تشقّق |
أمحمّد ولأنت نجل نجيبة |
|
من قومها والفحل فحل معرق |
ما كان ضرّك لو مننت وربّما |
|
منّ الفتى وهو المغيظ المحنق |
لو كنت قابل فدية فلتأتين |
|
بأعزّ ما يغلو لديك وينفق |
فالنّضر أقرب من أصبت وسيلة |
|
وأحقّهم إن كان عتق يعتق |
أخرج أبو الفرج في الأغاني عن عمر بن شيبة قال (٢) : بلغنا أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته. ويقال أن شعرها أكرم شعر موتورة وأعفه.
قوله : (يا راكبا) منادى غير معين دعت واحدا من الركبان. والأثيل : بضم الهمزة وفتح المثلثة وتحتية ساكنة ولام ، موضع فيه قبر النضر (٣). والمظنة : المنزل المعلم. ومن صبح خامسة : أي ليلة خامسة لليلة التي يبتدأ منها في المسير إلى
__________________
(١) الحماسة ٣ / ١٧ ـ ١٨ وسيرة ابن سيد الناس ١ / ٢٩ ـ ٢٩٢ ،
(٢) الاغاني ١ / ١٩ (الدار).
(٣) الأثيل : بالصفراء بين ظهراني الأراك ، وانظر البكري ١٠٩ و ٨٣٦ والتبريزي ٣ / ١٧
الأثيل. ومن كلامهم : إذا خرجت من هذا المكان فموضع كذا مظنة من عشية يوم كذا. ومفعول بلغ الثاني محذوف ، أي تحيتي لدلالة ما بعده عليه. فإن التحيات أبدا تخفق بها الركائب وتبلغ أربابها. وإن زائدة بعد ما. والركوب : جمع ركوبة. والخفق : الإضطراب. ومنّي : متعلق بمضمر دل عليه أبلغ ، أي أوصل. وعبرة : عطف على المفعول المضمر. ومسفوحة : مصبوبة. وجادت لماتحها : أي أجابت داعيها وساعدت مستقيها. والجملة صفة عبرة ، وأصله المائح المستقى. وأخرى : عطف على عبرة. وتخفق : صفة أخرى ، أي وأد إليه عبرة أخرى قد خنقتني وهي في الطريق لم توجد. قولها : (ظلت ... الى آخره) تحسر منها لما جرى على أبيها ، تريد صارت سيوف اخوانه تتناوله بعد أن كانت تذب عنه. ثم قالت كالمستعطفة والمتعجبة : لله أرحام وقرابات في ذلك المكان قطعت. والعامل في (هناك) ينفق ، وهو في موضع الأرحام. واللام في لله للتعجب ، وهم إذا عظموا شيئا نسبوه إليه تفخيما لأمره. ومحمد : منادى نوّن للضرورة. والواو من : (ولأنت) عاطفة للجملة ومفيدة معنى الحال ، وكذا من قولها والفحل. والمعنى : أنت كريم الطرفين. يقال : هو عريق في الكرم إذا كان متناهيا. والمدعو له قولها : (ما كان ... البيت) و (ما) تحتمل الإستفهام والنفي. ورب هنا : للتقليل. والمغيظ : اسم مفعول من غيظ. والمحنق : كذلك من الحنق. والوسيلة : القرابة. ويعتق : على حذف ان والباء. وكان : تامة ، أي وأحقهم إن وقع عتق بأن يعتق. فحذف الباء أوّلا ثم أن.
٤٠٩ ـ وأنشد :
وربّما فات قوما جلّ أمرهم |
|
من التّأنّي ، وكان الحزم لو عجلوا |
هذا من قصيدة للقطامي يمدح بها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان أوّلها (١) :
إنّا محيّوك فاسلم أيّها الطّلل |
|
وإن بليت وإن طالت بك الطّيل |
__________________
(١) من قصيدة في جمهرة اشعار العرب ٢٨٨ ـ ٢٩١ عدها من المشوبات.
وليس الشاهد مذكور من ضمنها.
وما هداني لتسليم على دمن |
|
بالغمر ، غيرهنّ الأعصر الأول |
والنّاس من يلق خيرا قائلون له |
|
ما يشتهي ، ولأمّ المخطىء الهبل |
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته |
|
وقد يكون مع المستعجل الزّلل |
وربّما فات قوما بعض أمرهم |
|
من التّأنّي وكان الحزم لو عجلوا |
والعيش ، لا عيش إلّا من تقرّ له |
|
عين ، ولا حال إلّا سوف ينتقل |
ومنها :
أمّا قريش فلن تلقاهم أبدا |
|
إلّا وهم خير من يحفى وينتعل |
قوم هم أمراء المؤمنين وهم |
|
رهط الرّسول فما من بعده رسل |
ومنها :
فقلت للرّكب لمّا أن علا بهم |
|
من عن يمين الحبيّا نظرة قبل |
ألمحة من سنا برق رأى بصر |
|
أم وجه عالية اختالت بها الكلل |
وقوله : (من عن يمين الحبيا) استشهد به النحاة على مجىء عن إسما ، ولذا جرت بمن. والحبيّا : بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وتشديد التحتية مقصور ، مصغر لا تكبير له ، اسم موضع بالشام. ويقال : نظرة قبل ، بفتح القاف والباء ، إذا لم يتقدمها نظر. واختالت : بخاء معجمة ، تبخرت. والكلل : بكسر الكاف ، جمع كلة ، ستر رقيق.
٤١٠ ـ وأنشد :
تجاوزت أحراسا عليها ومعشرا |
|
عليّ حراصا لو يسرّون مقتلي (١) |
__________________
(١) الديوان ١٣ ، والخزانة ٤ / ٤٩٦
هو من معلقة امرىء القيس المشهورة (١) ، وقبله :
وبيضة خدر لا يرام خباؤها |
|
تمتّعت من لهو بها غير معجل |
وبعده :
إذا ما الثّريّا في السّماء تعرّضت |
|
تعرّض أثناء الوشاح المفصّل |
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها |
|
لدى السّتر إلّا لبسة المتفضّل |
فقالت : يمين الله ما لك حيلة |
|
وما إن أرى عنك العماية تنجلي |
خرجت بها نمشي تجرّ وراءنا |
|
على أثرينا ذيل مرط مرجّل |
البيضة : كناية عن المرأة. وقوله : تجاوزت أحراسا استشهد به سيبويه في شرح الفصيح على أن التفاعل قد يكون من واحد ويكون متعدّيا. وتعرّضت : انتصبت. والوشاح : القلادة. والمفصل : الذي بين كل لؤلؤتين منه خرزة. ونضت : خلعت. قال الجوهري : نضى ثوبه إذا خلعه ، وأنشد البيت : ولبسة ، بكسر اللام ، هيئة اللباس. والمتفضل : اللابس ثوبا واحدا. واستشهد ابن أم قاسم في شرح الألفية بقوله : (وقد نضت) على أن الجملة الحالية إذا كانت ماضية تصدر وقد استشهد المصنف في التوضيح بقوله : لنوم ، على أن العلة اذا لم تقارن الفعل تجرّ باللام ولا ينتصب نصب المفعول له ، لأن النوم لم يقارن نضو الثياب. وقوله : خرجت بها ... البيت. أورده المصنف في الباء. قال المبرد في الكامل (٢) : قد أكثروا في الثريا بمثل قول امرىء القيس :
إذا ما الثّريّا في السّماء تعرّضت |
|
تعرّض أثناء الوشاح المفصّل |
__________________
(١) سبق منها أبيات ص ٢٠ و ٩٦ و ٩٧ و ٣٦٠ و ٤٥١ و ٤٦٣ و ٥٥٨
(٢) ص ٧٤١
وهي لا تقارب معناه ولا سهولة ألفاظه.
ولبس عباءة وتقرّ عيني |
|
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف (١) |
٤١١ ـ وأنشد :
قال ابن عساكر فى تاريخه : قرأت فى كتاب لبعض الشاميين جمعه في الحنين الى الأوطان ، قال : أنا أحمد بن محمد البغدادي ، حدثنا أبو بكر بن دريد قال : تزوّج معاوية بن أبي سفيان ميسون بنت بحدل الكلبية أم يزيد ، وحملت إلى دمشق فحنت ذات ليلة الى البادية فأنشأت تقول :
لبيت تخفق الأرواح فيه |
|
أحبّ إليّ من قصر منيف |
وكلب ينبح الطّرّاق عنّي |
|
أحبّ إليّ من قطّ ألوف |
وبكر يتبع الأظعان صعب |
|
أحبّ إليّ من بغل زفوف |
ولبس عباءة وتقرّ عيني |
|
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف |
وخرق من بني عمّي نحيف |
|
أحبّ إليّ من علج عليف |
فلما سمعها معاوية قال : جعلتني علجا. وطلقها وألحقها بأهلها.
الأرواح : جمع ريح. وتخفق : تضطرب. ومنيف : عال. والطرّاق : جمع طارق ، وهو الذي يأتي بالليل. وبكر : بفتح الباء ، الفتى من الإبل. والأظعان : جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج. وبغل : زفوف : مسرع ، وهو بفتح الزاي وضم الفاء الأولى ، من الزفيف ، وهو ضرب من المشي. واللبس واللباس ، بمعنى مصدران. وقيل : اللباس جمع لبس. والعباءة : بالمدّ ، شملة الصوف ونحوها.
__________________
(١) ابن عقيل ١ / ٢٧٢ ، والخزانة ٣ / ٥٩٢ وامالي ابن الشجري ١ / ٢٥١ وسيبويه ١ / ٤٢٦
وقال : الحربي كساء مخطط ، والجمع عباء. ويقال في المفرد أيضا : عباءة. وتقرّ : بفتح القاف ، من قرّت العين. وأما في المكان فبكسرها. وقيل : هما بالفتح ، وروى بالرفع والنصب. فالأول على أن الجملة حالية من فاعل لبس ، المقدر : أي لبس عباءة قارّة عيني. والثاني : على إضمار أن بتأويل مصدر معطوف على المصدر المذكور. واشتقاق قرّت العين إما من القرّ بمعنى البرد ضد الحرّ ، أو البرد بمعنى النوم. أو من القرار وهو السكون. لأن العين إذا قرّت بشيء سكنت عن الطموح إلى غيره. والشفوف : بضمتين ، الثياب الرقاق. قال ابن سيدة : سميت بذلك لأنها تشف عن ماوارته من البدن. وقال ابن يسعون : عندي إنها سميت بذلك لفضلها وجودتها ، من قولهم : لهذا على هذا شف ، أي شفوف. وزيادة فضل ، وواحد الشفوف شف : بفتح الشين وكسرها. والخرق : السخيّ من الرجال. والعلج : قيل الصلب ، وقيل الصلب الشديد ، وقيل ذو اللحية. ولا يقال للغلام إذا كان أمرد علج. يقال : استعلج الرجل اذا خرجت لحيته. والعليف : باللام ، السمين. ويروى : (عنيف) بالنون ، من العنف ضدّ الرفق. ويروى : غليف ، بالغين المعجمة ، أي يغلّف لحيته بالغالية. وزاد الدميري في الأبيات :
وأصوات الرّياح بكلّ فجّ |
|
أحبّ إليّ من نقر الدّفوف |
وأكل كسيرة في كسر بيتي |
|
أحبّ إليّ من أكل الرّغيف |
وزاد بعضهم في الأبيات قولها :
خشونة عيشتي في البدو أشهى |
|
إلى نفسي من العيش الظّريف |
فما أبغي سوى وطني بديلا |
|
وحسبي ذاك من وطر شريف |
٤١٢ ـ وأنشد :
فلو نبش المقابر عن كليب |
|
فيخبر بالذّنائب أيّ زير (١) |
__________________
(١) شعراء الجاهلية ١٦٨ ـ ١٧٠ وفيه : (ولو تشر المقابر ... لأخبر)
بيوم الشّعثمين لقرّ عينا |
|
وكيف لقاء من تحت القبور؟ |
هذان من قصيدة لمهلهل يرثي بها أخاه كليبا ، وأوّلها :
أليلتنا بذي حسم أنيري |
|
إذا أنت انقضيت فلا تحوري |
فإن يك بالذّنائب طال ليلي |
|
فقد أبكي من اللّيل القصير |
وأنقذني بياض الصّبح منها |
|
لقد أنقذت من شرّ كثير |
كأنّ كواكب الجوزاء عود |
|
معطّفة على ربع كسير |
تلألأ واستقلّ لها سهيل |
|
يلوح كقمّة الجبل الفدير (١) |
وتحنو الشّعرتان إلى سهيل |
|
كفعل الطّالب القذف الغيور |
كأنّ النّجم إذ ولّى سحيرا |
|
فصال جلن في يوم مطير |
ذو حسم : بضم الحاء وفتح السين ، اسم موضع (٢). وأنيري : من الانارة. ولا تحوري : من حار إذا رجع. والذّنائب : بفتح الذال المعجمة ، ثلاث هضبات بنجد بها قبر كليب المذكور (٣) ... ومعنى البيت : ان كان طال ليلي بهذا الموضع لقتل أخي ، فقد كنت أستقصر الليل وهو حيّ. والعوذ : الحديثات النتائج ، واحدها عائذ. سميت بذلك لأن أولادها تعوذ بها. والربع : ما نتج في الربيع. بقول : كأن كواكب الجوزاء فوق حديثات النتاج ، عطفت على ربع مكسور فهي
__________________
(١) في شعراء الجاهلية ١٧ برواية :
وتحنو الشعريان الى سهيل |
|
يلوح كقمة الجبل الكبير |
(٢) كذا ضبطه السيوطي ، وفي معجم ما استعجم ٤٤٦ بضم أوله وثانيه واستشهد بالبيت والذي يليه ، وكذا ضبط في الاصمعيات ١٧٣ والامالي ٢ / ١٣٠
(٣) وكذا ضبطه البكري في معجمه ٤٤٦ و ٦١٥ ، والبيت في تاج العروس وضبط في الاصمعيات بكسر الذال المشددة. وانظر يوم الذنائيب في العقد الفريد ٥ / ٢١٨
لا تتركه ، وهو لا يقدر على النهوض. والزير : بكسر الزاي ، الذي يكثر زيادة النساء. وكان أخوه كليب يعيره ويقول : إنما أنت زير نساء ، فقال ذلك. قال القالي (١) : تقديره فيخبر بالذّنائب أيّ زير أنا. والشعثمان : شعث وشعيث ابنا معاوية بن عمرو بن عقل بن تغلب. وقال القالي (٢) : الشعثمان : موضع معروف.
فائدة :
مهلهل هذا اسمه امرؤ القيس بن ربيعة بن مرة بن الحارث بن زهير بن جشم ابن بكر بن الحبيب بن عمرو بن ثعلب بن أسد بن ربيعة بن نزار ، وإنما سمّي مهلهلا لبيت قاله لزهير بن جناب الكلبيّ (٣) :
لمّا توّعر في الكراع هجينهم |
|
هلهلت أثأر جابرا أو صنبلا |
الكراع : أنف الجرّة ، وقيل انما سمى مهلهلا لأنه أوّل من أرق المراثي ، حكاه القالي في أماليه. قال (٤) : واسمه عديّ وفي ذلك يقول :
رفعت رأسها إليّ وقالت |
|
يا عديّا لقد وقتك الأواقي |
قال : وهو أوّل من قصد القصائد (٥) وفيه ، يقول الفرزدق (٦) :
ومهلهل الشّعراء ذاك الأوّل
ولم يقل أحد قبله عشر أبيات غيره ، انتهى. وقال في الأغاني (٧) : اسمه عدي ،
__________________
(١) ١ / ٢٤
(٢) ٢ / ١٣١ وقال البكري في اللآلي : الشعثمان : شعثم وشعيث ابنا عامر بن ذهل بن ثعلبة.
(٣) اللآلي ١١٢ ، والخزانة ٢ / ٢٣٥ ، والامالي ٢ / ١٢٩
(٤) ٢ / ١٢٩ ، وانظر اللآلي ١١١ / ، ونسب الجوهري وابن سيده البيت الى مهلهل ، وقال الصاغاني في التكملة : وليس البيت لمهلهل وإنما هو لأخيه عدي ، ويروى البيت : (ضربت صدرها ...).
(٥) انظر الموشح ٧٤ والشعراء ٢٥٦ ، والخزانة ٢ / ٢٣ (السلفية).
(٦) عجز بيت من قصيدة في ديوانه ٧٢٠ ، وهو في الشعراء ٢٥٦
(٧) ٤ / ١٣٩ (بولاق).
ولقب مهلهلا لطيب شعره ورقته. وقيل : إنه أوّل من قصد القصائد ، وقال الغزل ، فقيل : هلهل الشعر أي أرقه. وهو أوّل من كذب في شعره ، وهو خال امرىء القيس بن حجر الكندي. وقال ابن سلام (١) : زعمت العرب أنه كان يتكثر ويدعي قوله بأكثر من فعله. قال : وكان شعراء الجاهلية في ربيعة أوّلهم المهلهل ، والمرقشان ، وسعد بن مالك الذي يقول (٢) :
يا بؤس للحرب الّذي |
|
وضعت أراهط فاستراحوا |
٤١٣ ـ وأنشد :
لو غيركم علق الزّبير بحبله |
|
أدّى الجوار إلى بني العوّام (٣) |
هذا من قصيدة لجرير يهجو بها الفرزدق ، وأولها (٤) :
سرت الهموم فبتنا غير نيام |
|
وأخو الهموم يروم كلّ مرام |
ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى |
|
والعيش بعد أولئك الأيّام |
ومنها :
ولقد أراني والجديد إلى بلى |
|
في موكب طرف الحديث كرام (٥) |
قوله : يروم كل مرام ، أي يطلب كل مطلب. واللوي : بكسر اللام ، اسم موضع. وذم : أمر من الذم ، وفي ميمه الحركات الثلاث ، الفتح للخفة ، والكسر لالتقاء الساكنين ، والضم للاتباع. وقوله : بعد أولئك الأيام ، استشهد به النحاة
__________________
(١) ص ٣٣ ـ ٣٤
(٢) امالي ابن الشجري ١ / ٢٤٧
(٣) ديوانه ٥٥٣ ، وفيه : (ورحله).
(٤) ديوانه ٥٥١ ـ ٥٥٣
(٥) ويروى : (في فتية طرف ...).
منهم المصنف في التوضيح على الإشارة بأولئك لغير العقلاء. وروى بدله : (أولئك الاقوام) ، وقيل أنه الصواب ، فلا شاهد فيه.
٤١٤ ـ وأنشد :
لا يأمن الدّهر ذو بغي ولو ملكا |
|
جنوده ضاق عنها السّهل والجبل |
لم يسم قائله. ولامه ناهية ، والدهر : مفعول ، أي حوادث الدهر ، أو ظرف ، أي لا يأمن في الدهر الحوادث ، أو لا يكن ذا أمن في الدهر ، ولا حاجة لمفعول. ولو : بمعنى أن ، وما قبلها دليل الجواب. والجملة الأسمية صفة ملكا.
٤١٥ ـ وأنشد :
لو بغير الماء حلقي شرق |
|
كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (١) |
هذا من أبيات لعدي بن زيد بن حمار التميمي (٢) ، وقد حبسه النعمان بن المنذر بعد ان كان صديقا له ، وهو الذي أشار على كسرى أن يملكه الحيرة ، وكره ذلك عدى بن أوس ، وكان يريد الملك للأسود بن المنذر ، فما زال حتى أوقع بينه وبين النعمان فقيده وحبسه ، فقال (٣) :
أبلغ النّعمان عنّي مألكا |
|
إنّني قد طال حبسي وانتظاري (٤) |
لو بغير الماء حلقي شرق |
|
كنت كالغصّان بالماء اعتصاري |
نحن كنّا قد علمتم قبلها (٥) |
|
عمد البيت وأوتاد الإصار |
نحسن الهبأ إذا استهبأتنا |
|
ودفاعا عنك بالأيدي الكبار |
__________________
(١) الخزانة ٣ / ٥٩٤ ، والاغاني ٢ / ١١٤ (الدار).
(٢) انظر ص ٤٦٩ و ٤٧١ و ٤٩٣
(٣) الاغاني ٢٠ / ١١٤ (الدار).
(٤) ولعدي بيت آخر صدره هذا البيت وعجزه :
قول من قد خاف ظنا فاعتذر
وانظر الاغاني ٢ / ١١٣ (الدار).
(٥) في الأغاني ٢ / ١٠٤ : (قبلكم).
فلم يرث له النعمان وألح في سجنه ، فكلّم عمير أخو عدي كسرى فأمر النعمان بتخليته ، فخاف النعمان أن يكيده إذا خلاه فأرسل إليه من خنقه. وهو أوّل عربي قتل خنقا. فذهب ولد عدي ، واسمه زيد ، الى كسرى ، وكان النعمان عنده فقال له يوما : رأيت رغبتك في النساء وعند آل المنذر ما تشتهيه ، إلا أنهم يأبون مصاهرتك! فبعث إلى النعمان زيد بن عدي واسوار معه يريده على تزويجه بعض بناته أو اخواته ، فقال النعمان : أما وجد الملك من مها السواد وفارس ما يكتفي به؟ قال زيد لاسوار : اسمع ما يقول ، ثم ورد على كسرى فذكر انه قال : ان للملك في ثغر السواد كفاية. وإنما قال النعمان : المها ، وأراد الحسان. فغضب كسرى وكتب الى النعمان أن أقبل فأقبل. فأمر به كسرى فألقي تحت أرجل الفيلة فقتلته.
قوله مألكا : أي رسالة. وشرق : بفتح المعجمة وكسر الراء صفة مشبهة من شرق بريقه إذا غص. والغصّان : بفتح الغين المعجمة وتشديد الصاد المهملة ، من غص بالطعام. والإعتصار : الملجأ ، قاله أبو عبيدة. والمعى : لو شرقت بغير الماء أسغت شرقى بالماء ، فإذا غصصت بالماء فبم أسيغه. وقال الجوهري : الإعتصار أن يغصّ الإنسان بالطعام فيعتصر بالماء ، وهو أن يشربه قليلا قليلا ليسيغه وأنشد البيت (١). وقد وقع فيه إيلاء لو الجملة الأسمية ، فقيل هو على ظاهره شذوذا. وقيل على تقدير فعل ، أي لو شرق بغير الماء حلقي هو شرق. وقيل : على تقدير كان والجملة خبر كان الثانية.
٤١٦ ـ وأنشد :
لو في طهيّة أحلام لما عرضوا |
|
دون الّذي أنا أرميه ويرميني (٢) |
هذا من قصيدة لجرير يهجو بها الفرزدق ، أوّلها :
ما بال جهلك بعد الحلم والدّين |
|
وقد علاك مشيب حين لا حين |
__________________
(١) قال البغدادي في الخزانة ٣ / ٥٩٦ : وتحقيقه ان الاعتصار الالتجاء ، كما قاله ابو القاسم على بن حمزة البصري فيما كتبه على النبات لأبي حنيفة الدينوري. وساق البغدادي كلام أبي القاسم هذا بنصه ، ثم قال : وقد صار البيت مثلا للتأذي ممن يرجى احسانه.
وقد اورد الميداني المثل : (لو بغير الماء غصصت) وقال : انه يضرب لمن يوثق به ثم يؤتي الواثق من قبله ، واستشهد بالبيت.
(٢) ديوانه ٥٨٧
للغانيات وصال لست قاطعه |
|
على مواعد من خلف وتلوين |
ومنها :
مجاشع قصب جوف مكاسره |
|
صفر القلوب من الأحلام والدّين |
قال شارح ديوان جرير : طهيّة بنت عبد شمس بن سعد ، وهي أم عوف وأبي سود ابني مالك بن حنظلة ، والبيت في ديوانه :
.... لما اعترضوا |
|
دون الذي كنت .... |
٤١٧ ـ وأنشد :
إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته (١)
هو لذي الرّمة من قصيدة يمدح بها بلال بن أبي موسى الأشعري. وتمامه :
فقام بفأس بين وصليك جازر
قال البطليوسي في شرح الكامل : ويروى برفع ابن ونصبه ، وكلاهما محمول على فعل مضمر ، والوجه النصب ، لأن سببه منصوب ، وهو قوله بلغته. فجرى مجرى قولك : (إذا زيدا رأيته فاكرمه) فكأنه (إذا قال ابن أبي موسى بلالا بلغته). قال : اذا بلغ ابن أبى موسى ، ثم فسره بقوله بلغته. وقبل هذا البيت :
أقول لها إذ شمّر اللّيل واستوت |
|
بها البيد واشتدّت عليه الحرائر |
ضمير لها للناقة. وشمر : ذهب أكثره. (واستوت بها البيد) : أي استوى سيرها في البيد ومضت على قصده. والحرائر : جمع حرور. وأوّل القصيدة (٢) :
لميّة أطلال بحزوى دواثر |
|
عفتها السّوافي بعدنا والمواطر |
حزوى : اسم موضع. وعفتها : محتها. والسوافي : بالفاء ، الرياح التي تسفى
__________________
(١) ديوانه ٢٥٣ ، والخزانة ١ / ٤٥٠ ، وامالي ابن الشجري ١ / ٢٨ وسيبويه ١ / ٤٢ والكامل ١١٥ و ١٠٤٩ والامالي ١ / ٥٨
(٢) الديوان ٢٣٩