شرح شواهد المغني

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

شرح شواهد المغني

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: لجنة التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٤٦

مقول القول. وأصله : (ليتذن) فحذف اللام وأبقى عملها. قيل : وليس بضرورة لتمكنه من أن يقول ايذن. قال أبو حيان : وليس لقائل أن يقول هذا من تسكين المرفوع اضطرارا ، لأنه لو قصد الرفع لتوصل إليه باستغنائه عن الفاء ، فكان يقول : يتذن إني حمها.

٣٦٣ ـ وأنشد :

لا نسب اليوم ولا خلّة

اتّسع الخرق على الرّاقع (١)

هو لأنس بن العبّاس بن مرداس. وروى القالي عجزه (٢) :

اتّسع الفتق على الرّاتق

ويقال أبو عامر جدّ العباس بن مرداس. قال المصنف : وهو الصواب ، لأن قبله :

لاصلح بيني فاعلموه ولا

بينكم ما حملت عاتقي

سيفي وما كنّا بنجد وما

قرقر قمر الوادي بالشّارق (٣)

قال المصنف : قوله : (فاعلموه) جملة اعتراض ، فصل بها ما بين المتعاطفين وأنث العاتق ، والأفصح تذكيره ، وفيه التضمين. وهو من عيوب الشعر ، فإن قوله : (سيفي) معمول لحملت ، وحذف ياء المنقوص غير المنوّن للضرورة. والراتق : الذي يلحم الفتق ، يقول : إنه أصابته شدة تبرأ منه فيها الولي والصديق ، وضرب

__________________

(١) ابن عقيل ١ / ١٥١

(٢) ذيل الامالي : ٧٢ لبعض اليشكريين البصريين وبرواية :

كنا نداريها فقد مزقت

واتسع الخرق على الراقع

وليست الرواية كما أثبتها السيوطي في الاصل ، وانما رواية السيوطي هي الرواية التي ذكرت في ذيل اللآلي ٣٧ وبنسبة الابيات الى أبي عامر جد العباس بن مرداس.

(٣) في ذيل اللآلي (قمر الواد بالشاهق).

٦٠١

اتساع الخرق مثلا لتفاقم الأمر ، وفيه قطع ألف الوصل في الدرج للضرورة ، وحسنه هنا أنها في أوّل الشطر وهو محل ابتداء. وفيه نصب المعطوف مع تكرير لا. وقرقر : صوت. وقمر : جمع أقمر ، مثل حمر وأحمر ، أو جمع قمري مثل روم ورومى. وقال العيني في الكبرى : البيت بالعين صحيح. وبعده :

كالثّوب إذ أنهج فيه البلى

أعيى على ذي الحيلة الصّانع

قال : وكلا القافيتين مرويتان ، فيحتمل أن يكونا لواحد أو لأثنين ، ويكون البيت من التوارد أو السرقة.

٣٦٤ ـ وأنشد :

لتقم أنت يا ابن خير قريش

فلتقضّ حوائج المسلمينا (١)

٣٦٥ ـ وأنشد :

لهنّك من برق عليّ كريم

قال ثعلب في أماليه ، ووكيع في الغرر معا (٢) : حدثني أبو سعيد عبد الله بن شبيب ، حدثني هارون بن أبي بكر أخو الزبير ، حدثني محمد بن معن الغفاريّ قال : أقحمت السنة المدينة ناسا من الأعراب ، فحلّ المذاد (٣) منهم صرم ، من بني كلاب (٤) ، فابرقوا ليلة في النجد (٥) ، وغدوت عليهم فإذا غلام منهم قد عاد جلدا وعظما ، ضيعة ومرضا وضمانة حب ، وإذا هو رافع عقيرته بأبيات قد قالها من اللّيل :

__________________

(١) الخزانة ٣ / ٦٣٠

(٢) مجالس ثعلب ١ / ١١٣ وانظر اللآلي ٥١١

(٣) المذاد ـ كسحاب ـ ، ويقال بالزاي : موضع بالمدينة.

(٤) الصرم ـ بالكسر : الجماعة والفرقة القليلة من الناس.

(٥) النجد ـ بضمتين ـ : جمع نجد ، وهو ما غلظ وأشرف من الارض.

٦٠٢

ألا ياسنا برق على قلل الحمى

لهنّك من برق عليّ كريم (١)

لمعت اقتذاء الطّير والقوم هجّع

فهيّجت أسقاما وأنت سليم (٢)

فبتّ بحدّ المرفقين أشيمه

كأنّي لبرق بالسّتار حميم (٣)

فهل من معير طرف عين جليّة

فإنسان طرف العامريّ كليم (٤)

رمى قلبه البرق الملألىء رمية

بذكر الحمى وهنا فبات يهيم (٥)

فقلت له : في دون ما بك ما يفحم عن الشّعر ، فقال : صدقت ، ولكنّ البرق أنطقني. قال : ثم والله ما لبث يومه حتى مات قبل الليل ، ما يتّهم عليه غير الوحدة (٦). أخرجه الزجاج في أماليه من وجه آخر عن محمد بن معن به نحوه. وقال القالي في أماليه : حدثني أبو يعقوب ورّاق أبى بكر بن دريد ، قال : حدثني محمد بن الحسين عن المفضّل بن محمد بن العلاف قال : لما قدم بغاء بني نمير أسرى ، كنت كثيرا ما أذهب اليهم فأسمع منهم وكنت لا أعدم أن ألقى الفصيح منهم ، فأتيتهم في عقب مطر ، وإذا فتى حسن الوجه قد نهكه المرض ينشد : ألا ياسنا

__________________

(١) البيت والذي يليه في اللسان (لهن) و (قذى) ونسبهما الى محمد ابن مسلمة ، وفي مجالس ثعلب ١١٣ (علا قلل الحمى) وانظر الامالي ١ / ٢٢٠ ففيه الخبر بحسب الرواية التي تلي الشعر ، وفي الخزانة ٤ / ٣٣٩ قال : (وقد تصفحت أمالي ثعلب مرارا ولم أر فيها هذه الابيات ولعل ثعلب رواها في غير الامالي). وقد روى الخبر عن القالي ابو بكر بن داود في الزهرة ٢٧٧ مع الابيات ، وهي أيضا في مصارع العشاق ٢٨٨ ، وفي نثار الأزهار لابن منظور ص ٧٩ شعرا لمحمد بن يزيد بن مسلمة على الوزن وفي مثل المعنى.

(٢) اقتذى الطائر ، اذا فتح عينه ثم أغمض إغماضة ، وقد أكثرت العرب من تشبيه لمع البرق به.

(٣) هذا البيت ليس في الامالي. وشام البرق : نظر إليه أين يقصد.

والستار : موضع.

(٤) العين الجلية : البصيرة ، وفي الاصل : (خلية) بالخاء المعجمة ، صحتها عن ثعلب ١١٤

(٥) في ثعلب : (فظل يهيم).

(٦) كذا ، وفي أمالي ثعلب : (غير الوجد).

٦٠٣

برق ... فذكر الأبيات ، والقصة سواء ، غير أن في آخرها ما يتوهم عليه غير الحب.

٣٦٦ ـ وأنشد :

فغبرت بعدهم بعيش ناصب

وإخال أنّي لاحق مستتبع

تقدم شرحه في شواهد إذا ضمن قصيدة أبي ذؤيب الهذلي (١).

٣٦٧ ـ وأنشد :

إن كنت قاضي نحبي يوم بينكم

لو لم تمنّوا بوعد غير توديع (٢)

٣٦٨ ـ وأنشد :

إن الحقّ لا يخفى على ذي بصيرة

وإن هو لم يعدم خلاف معاند

٣٦٩ ـ وأنشد :

أمسى أبان ذليلا بعد عزّته

وما أبان لمن أعلاج سودان (٣)

٣٧٠ ـ وأنشد :

أمّ الحليس لعجوز شهربه (٤)

__________________

(١) انظر ص ٢٦٢ من قصيدة الشاهد رقم ١٢٥ وص ٢٦٤

(٢) في حاشية الامير ١ / ١٩١ : (قوله نحبي : النحب ، المدة والوقت ، وقضي نحبه مات ، والبين : الفراق. وغير توديع : استثناء منقطع.

وفي نسخة : غير مكذوب. وإن ـ بالبيت ـ مخففة.

(٣) في حاشية الامير ١ / ١٩١ : (قوله أبان) اسم رجل يصرف إن كان همزته أصلية كسلام ويمنع ان كانت زائدة. والالف أصلية لوزن الفعل ، وعليه المحدثون والنحاة. والأعلاج ـ جمع علج ـ وهو الرجل من كفار العجم. والعلج أيضا العير. وسودان : جمع أسود ، كعميان جمع أعمى. وقال الفراء : جمع الجمع ، أي جمع سود وعمي.

(٤) ابن عقيل ١ / ١٤١ ، والخزانة ٤ / ٣٢٨

٦٠٤

نسبه العيني في الكبرى الى رؤبة. ونسبه الصغاني في العباب الى عنترة بن عروس. وتمامه :

ترضى من اللّحم بعظم الرّقبه

الحليس : بضم الحاء المهملة وفتح اللام وتحتية ساكنة وسين مهملة. وشهربه : بشين معجمة. ويقال أيضا : شهبرة ، بتقديم الموحدة على الراء ، الكبيرة السنّ جدا من النساء. ومن للبدل مثلها في : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) ولو لم يحمل على ذلك لفسد المعنى ، لأن العظم ليس من اللحم.

٣٧١ ـ وأنشد :

ولكنّني من حبّها لعميد

قال الأئمة : هذا الشطر لا يعرف له قائل ولا تتمة ولا نظير ، وإنما أنشده الكوفيون (١). والعميد والعمود : الذي هدّه العشق. ويروى : لكميد بالكاف ، وهو الحزين.

٣٧٢ ـ وأنشد :

وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها

لكالهائم المقصى بكلّ مراد (٢)

قال المصنف في شواهده : لكثير عزة بيت يشبه هذا ، وهو قوله :

وما زلت من ليلى لدن طرّ شاربي

إلى اليوم كالمقصى بكلّ سبيل

قال : فلا أدري من الآخذ من صاحبه ، وقد يكون تواردا. قال : والمقصى : بضم الميم وفتح الصاد المهملة ، المبعد. والمراد : بفتح الميم ، الذي يذهب فيه

__________________

(١) وكذا في حاشية الامير ١ / ١٩٢ ، وفي ابن عقيل ١ / ١٤١ وصدره : يلومونني في حب ليلى عواذلي

(٢) البيت في ابن الشجري ١ / ١٩٩ لكثير. وفيه : (بكل مكان).

٦٠٥

ويجاء. قال : وفيه استعمال لدن بغير من ، ولم يأت في التنزيل إلا مقرونة بها ، انتهى. والبيت استشهد به على دخول لام التأكيد في خبر زال.

٣٧٣ ـ وأنشد :

وقد جعلت قلوص بني سهيل

من الأكوار مرتعها قريب (١)

هو من أبيات الحماسة. وقبله :

ولست بنازل إلّا ألمّت

برحلي أو خيالتها الكذوب

وبعده :

كأنّ لها برحل القوم بوّا

وما إن طبّها إلّا اللّغوب

قال التبريزي : يقال : خيال وخياله ، وجعلها كذوبا لأنها لا حقيقة لها. وجعلت ههنا بمعنى طفقت ، ولذلك لا يتعدى. ومرتعها قريب من موضع الحال ، أي أقبلت قلوص هذين الرجلين قريبة المرتع من رحالهم لما بها من الاعياء. قال أبو العلاء : رفع قلوص وجه ردىء ، لأن جعل إذا كان للمقاربة تعين أن يكون خبرها فعلا ، فالأحسن نصب قلوص ويكون في جعلت ضمير يعود على المذكورة وليست جعلت في هذا الوجه بمعنى المقاربة ، وإنما هي بمعنى صيرت فلا تفتقر إلى فعل ، ويكون قوله مرتعها قريب جملة في موضع المفعول الثاني ، كما يقال : (جعلت أخانا ماله كثيرا) انتهى. وفي شرح المرزوقي : قال أبو الفتح : أوقع الجملة من المبتدأ والخبر موقع الجملة بين الفعل والفاعل ، أراد بقرب مرتعها من الأكوار ، كما قال :

فقد جعلت نفسي على النّأي تنطوي

وفي شرح الحماسة للشلوبين : أن بعضهم أجاز أن يكون جعل بمعنى صير ، وحذف منها ضمير الشأن ، أي جعلته ، أي الشأن ، مرتعها قريب. وأن آخر أجاز

__________________

(١) الخزانة ١ / ٢ ، والحماسة ١ / ٢٩٦ لآخر.

٦٠٦

أن يكون على الغاء جعلت مع تقدمها. قال المصنف : ويؤيد هذين القولين أنه يروى بنصب قلوص على أنه مفعول أوّل ، والجملة الأسمية الثاني ، وفاعل جعلت على هذه الرواية. وعلى رواية الرفع على القولين المذكورين ضمير المرأة السابق في قوله : (إلا ألمت) انتهى. والالمام زيارة لا لبث فيها ، وحذف مفعول نازل لفهم المراد ، يقول : ما أنزل منزلا الا رأيت هذه المرأة ملمة برحلي ، أي متصوّرة بهذه الصورة تشوقا مني ، وهذا في حال اليقظة ، أو رأيت خيالتها الكذوب قليلة الوفاء إذا نمت. والمعنى : إني لا أخلى منها لا في النوم ولا في اليقظة ، وفي هذه الطريقة قول امرىء القيس (١) :

تنوّرتها من أذرعات وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عال

قاله المرزوقي. والأكوار : جمع كور ، وهو الرحل بأداته. والقلوص الفتية من الإبل. وقال العدوي : القلوص : أوّل ما يركب من اناث الإبل الى أن تثنى ، فإذا اثنت فهي ناقة. ومرتعها : مرعاها. والبو : جلد حوار يحشى تبنا ويلقى بين يدي الناقة لتدرّ الأم عليه. وطبها : داؤها. واللغوب : الأعياء ، يقول : كان لهذه الناقة ولدا برحل القوم فلا تتباعد عنه وما داؤها إلا التعب.

٣٧٤ ـ وأنشد :

؟؟؟ تى صلحت ليقضين لك صالح

ولتجزينّ إذا جزيت جميلا

٣٧٥ ـ وأنشد :

غضبت عليّ لئن شربت بجزّة

فلأن غضبت لأشربن بخروف

هو من قصيدة لذي الرّمة هذا أولها أنشده الجاحظ في البيان بلفظ (٢) : (فلئن أبيت). وبعده :

__________________

(١) ديوانه ٣١

(٢) ٣ / ٢٠٦ ونسبه الى عبد راع. وفي الامالي ١ / ١٥٠ نسبه لأعرابي ، وليس البيت في ديوان ذي الرمة.

٦٠٧

ولئن نطقت لأشربنّ بنعجة

حمراء من آل المذال سجوف

ثم رأيت القالي قال في أماليه (١) : حدثني أبو بكر بن دريد قال : أخبرني عبد الرحمن وأبو حاتم عن الأصمعي قال : اشترى أعرابي خمرا بجزّة من صوف فعضبت عليه امرأته فأنشأ يقول :

غضبت عليّ لئن شربت بصوفة

ولئن غضبت لأشربن بخروف

ولئن غضبت لأشربنّ بنعجة

دهشاء مالئة الإناء سجوف (٢)

ولئن غضبت لأشربنّ بسابح

هذّاء شمّ المنكبين منيف (٣)

ولئن غضبت لأشربنّ بواحد

ولأجعلنّ الصّبر فيه حليفي

ولقد شهدت الخيل تعثر في القنا

وأجبت صوت الصّارخ الملهوف

ولقد شهدت إذ الخصوم تواكلوا

بخصام لا نزق ولا علفوف

قال القالي. الصّفوف : التي تصف بين رجليها عند الحلب. والسجوف (٤) : التي لها سجفتان من الشحم ، أي طبقات. والعلفوف : الجافي. وقال المعافي بن زكريا في كتاب الجليس : حدثنا أبو نصر عن الأصمعي قال : شرب أعرابي بجزة صوف فلامته امرأته وعتبت عليه ، فانشأ يقول :

عتبت عليّ لئن شربت بصوفة

فلئن عتبت لأشربن بخروف

ولئن عتبت لأشربنّ بنعجة

ذراء من بعد الخروف سجوف

ولئن عتبت لأشربنّ بلقحة

صهباء مالئة الإناء صفوف

__________________

(١) ١ / ١٥٠

(٢) في الامالي : (دهساء ... سحوف).

(٣) رواية الامالي : (نهد أشم).

(٤) في الامالي : (سحوف) وانظر الحماسة رقم ٤

٦٠٨

ولئن عتبت لأشربنّ بصاهل

ما فيه من هجن ولا تقريف

ولئن عتبت لأشربنّ بواحد

ويكون صبري بعد ذاك حليفي

فلقد شربت الخمر في حانوتها

صفراء صافية بأرض الرّيف

ولقد شهدت الخيل تقرع بالقنا

وأجبت صوت الصّارخ الملهوف

قال أبو بكر بن الأنباري : وجدت بغير هذا الاسناد أن امرأته أجابته فقالت :

ما إن عتبت لئن شربت بصوفة

أو أن تلذّ بلقحة وخروف

فاشرب بكلّ نفيسة أوتيتها

وملكتها من تالد وطريف

وارفع بطرفك عن بنيّ فإنّه

من دونه شغب وجدع أنوف

الذراء : في رأسها بياض. والسجوف : السمينة.

٣٧٦ ـ وأنشد :

لئن كانت الدّنيا عليّ كما أرى

تباريح من ليلى فللموت أروح (١)

وهو من قصيدة لذي الرّمة وأولها (٢) :

ألم تعلمي يا ميّ أنّي وبيننا

مها ولطرف العين فيهنّ مطرح

__________________

(١) ديوان ذي الرمة ص ٨٦ وفيه : (من مي ...). والكامل ٦٩٢ ، والاغاني ٥ / ٦٣

(٢) الكامل ٦٩١ ، وليس البيت هو أول القصيدة في الديوان ، وانما ترتيبه رقم ٣٤ والبيت الذي يليه ترتيبه في القصيدة رقم ١١ ، ورواية البيت الاول كما في الديوان :

اذا قلت تدنو ميّة اغبرّ دونها

فياف لطرف العين فيهن مطرح

٦٠٩

ذكرتك أن مرّت بنا أمّ شادن

أمام المطايا تشرئبّ وتسنح

وأورده المبرد في الكامل بلفظ :

تباريح من ذكراك للموت أروح

وأورده في الأغاني : (ومهاو : جمع مهواة) وهو الهواء بين الشيئين. ويقال لفلان في داره مطرح إذا وصفها بالسعة ، يقول : مطرح بصره مرة كذا ومرة كذا. والشادن : الذي قد شدن ، أي تحرّك. ويقال لمن وقف ينظر كالمتحير : قد اشرأب نحوي. ويقال : هو يسرح في المرعى. والتباريح : الشدائد ، يقال برح به.

٣٧٧ ـ وأنشد :

لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا

أصم في نهار القيظ للشّمس باديا (١)

هو لامرأة من عقيل ، وبعده :

وأركب حمارا بين سرج وفروة

وأعر من الخاتام صغرى شماليا

القيظ : بفتح القاف ، شدّة الحر. وباديا : من بدا ، بلا همز ، إذا ظهر ، وهو حال. ويروى بدله : (ضاحيا) أي بارزا للشمس. والخاتام : لغة في الخاتم. والبيت استشهد به على الاكتفاء بجواب الشرط ، وهو أصم عن جواب القسم المقدر قبل اللام الموطئة.

٣٧٨ ـ وأنشد :

ألمم بزينب إنّ البين قد أفدا

قلّ الثّواء لئن كان الرّحيل غدا (٢)

__________________

(١) الخزانة ٤ / ٥٣٨.

(٢) ديوانه ١٣٤ ، والاغاني ١ / ١٠٥ (الدار).

٦١٠

هو لعمر بن أبي ربيعة. أخبرني أبو الفرج في الأغاني : عن مصعب الزّبيري قال : اجتمع نسوة فذكرن عمر ابن أبي ربيعة وشعره وظرفه ومجلسه وحديثه ، فتشوّقن إليه وتمنّينه ، فقالت سكينة : أني لكنّ به ، فبعثت إليه رسولا أن يوافي الصّورين ليلة سمّتها (١) ، فوافاهنّ على رواحله ، فحدّثهنّ حتى طلع الفجر وحان انصرافهنّ فانصرف الى مكة فقال في ذلك :

ألمم بزينب إنّ البين قد أفدا

قلّ الثّواء لئن كان الرّحيل غدا

قد حلفت ليلة الصّورين جاهدة

وما على المرء إلّا الحلف مجتهدا (٢)

لأختها ولأخرى من مناصفها (٣)

لقد وجدت به فوق الّذي وجدا

لو يجمع النّاس ثمّ اختير صفوتهم (٤)

شخصا من النّاس لم أعدل به أحدا

__________________

(١) الصورين : موضع بالمدينة بالبقيع ، ذكره ياقوت واستشهد بالبيت.

(٢) في الديوان ١٣٦ : (الا الصبر مجتهدا). وقوله : جاهدة ... الخ ، حال من ضمير حلفت ، والجهد : ما جهد الانسان من مرض أو أمر شاق ، فهو مجهود. وقوله : وما على المرء ، بمثابة تسلي للعاشق.

(٣) في الديوان : (لتربها). والمصنف. الخادم. والانثى بالهاء ، جمعه مناصف.

(٤) في الاغاني والديوان (لو جمع).

٦١١

شواهد لا

٣٧٩ ـ وأنشد :

إنّ محلّا وإنّ مرتحلا

وإنّ في السّفر إذ مضوا مهلا

تقدم شرحه في شواهد إذ (١).

٣٨٠ ـ وأنشد :

من صدّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لا براح

تقدم شرحه في شواهد اللام ضمن قصيدة سعد بن مالك (٢).

٣٨١ ـ وأنشد :

تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا

ولا وزر ممّا قضى الله واقيا (٣)

لم يسم قائله. وتعز : أمر من العزاء ، وهو الصبر والتسلي. والوزر الملجأ ، وأصله الجبل.

٣٨٢ ـ وأنشد :

نصرتك إذ لا صاحب غير خاذل

فبوئت حصنا بالكماة حصينا (٤)

__________________

(١) انظر ص ٢٣٨ الشاهد رقم ١١٧

(٢) انظر ص ٥٨٢ الشاهد رقم ٣٤٩ وص ٥٨٣ والخزانة ١ / ٢٢٣ و ٢ / ٩٠

(٣) ابن عقيل ١ / ١٢٨

(٤) ابن عقيل ١ / ١٢٨

٦١٢

قال العيني : أنشده أبو الفتح ولم يعزه إلى أحد. وإذ ظرف ، ولا : بمعنى ليس ، وصاحب اسمها. وغير خاذل خبرها ، وهو من الخذلان ، وهو ترك النصر. وبوّئت : أي سكنت ، من بوّأه الله منزلا ، أسكنه إياه. وتبوّأت منزلا : إتخذته. والباءة : المنزل. وحصنا : مفعول ثان ، وحصينا : صفة له. وبالكماة : متعلق بنصرتك ، كذا قال العيني. وقال : وباؤه تحتمل السببية والاستعانة. والكماة جمع كمى ، وهو الشجاع المتكمى سلاحه ، المتغطى به.

٣٨٣ ـ وأنشد :

وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا

سواها ، ولا عن حبّها متراخيا (١)

هو من قصيدة للنابغة الجعدي يرثي بها ابنه محاربا وأخاه وحوحا ، وقبله :

بدت فعل ذي ودّ فلمّا تبعتها

توّلت وأبقت حاجتي في فؤاديا

وبعده :

أتيحت له والغمّ يحتضر الفتى

ومن حاجة الإنسان ما ليس لاقيا

فلا هي ترضى دون أمرد ناشىء

ولا أستطيع أن أعيد شبابيا

وقد طال عهدي بالشّباب وظلّه

ولاقيت أيّاما تشيب النّواصيا

أتيحت : قدرت. وبدت : أي ظهرت ، وضميره للمحبوبة. ويروى : دنت اي قربت وفعل نصب بنزع الخافض ، أي كفعل والمعنى : فعلت معي فعل ذي محبة. وقوله : وسواد القلب : حبته ، ولا بمعنى ليس ، وأنا اسمها ، وباغيا خبرها.

ومنها (٢) :

ألم تعلمي أنّي رزئت محاربا

فما لك منه اليوم شيء ولا ليا

__________________

(١) ابن عقيل ١ / ١٢٩

(٢) الامالي ٢ / ٢ ، والشعراء ٢٥٢ ، والخزانة ٢ / ١٢ ـ ١٣ ، وهي فى الحماسة بشرح التبريزي من مقطوعتين ٣ / ١٩ و ٨٢ ـ ٨٣

٦١٣

ومن قبله ما قد رزئت بوحوح

وكان ابن أمّي والخليل المصافيا

فتى كان فيه ما يسرّ صديقه

على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا

فتى كملت خيراته غير أنّه

جواد فما يبقي من المال باقيا

استشهد سيبويه بهذا البيت على نصب غير على الاستثناء المنقطع ، أي ولكنه مع ذلك جواد (١). قال المبرد : هذا القبيل من المدح يسمى الاستشباه.

فائدة :

النابغة الجعدي : صحابي اسمه حسان (٢) بن قيس بن عبد الله بن وحوح بن عدس ، كذا صححه صاحب الأغاني. وقيل اسمه قيس بن عبد الله (٣) بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة ، قال ابن الأعرابي ، يكنى أبا ليلى. قال في الاغاني (٤) : وانما سمي النابغة لأنه أقام مدّة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله. ثم أخرج عن ابن الاعرابي قال : أقام النابغة ثلاثين سنة لا يتكلّم بالشعر ، ثم تكلم به. وقال القحذمي : كان النابغة الجعدي أسنّ من النابغة الذبياني. وقال ابن سلام (٥) : كان النابغة الجعدي قديما شاعرا مفلقا طويل البقاء في الجاهلية والاسلام ، وكان أكبر من الذبياني ، ويدل على ذلك قوله :

ومن يك سائلا عنّي ، فإنّي

من الفتيان أيّام الختان

أتت مئة لعام ولدت فيه

وعشر بعد ذاك وحجّتان

فقد أبقت صروف الدّهر منّي

كما أبقت من السّيف اليماني

__________________

(١) سيبويه ١ / ٣٦٧

(٢) في الاغاني ٥ / ٣ (الثقافة) ومعجم الشعراء ١٩٥ : (حيّان).

(٣) الشعراء ٢٤٧ ، ومعجم الشعراء ١٩٥

(٤) ٥ / ٥ (الثقافة) وانظر الموشح ٦٥

(٥) طبقات الشعراء ١٠٣ ، والاغاني ٥ / ٦ (الثقافة) ، والمعمرين ١٦٤

٦١٤

قال : وعمّر بعد ذلك عمرا طويلا. وأيام الختان : وقعة لهم (١). أدرك النابغة الاسلام فاسلم ، ووفد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأخرج الحارث بن أبى أسامة في مسنده ، وأبو الفرج في الاغاني ، والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل ، وابن عساكر من طرق عن النابغة الجعدي قال : أنيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنشدته قولي (٢) :

وإنّا لقوم ما تعوّد خيلنا

إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا

وننكر يوم الرّوع لو أنّ خيلنا

من الطّعن حتّى نحسب الجون أشقرا

وليس بمعروف لنا أن نردّها

صحاحا ولا مستنكرا أن تعقّرا

بلغنا السّماء مجدنا وجدودنا

وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الى أين؟ قلت : الى الجنة. فقال : نعم ، ان شاء الله. قال : فلما أنشدته :

ولا خير في حلم إذا لم يكن له

بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له

أريب إذا ما أورد الأمر أصدرا

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يفضض الله فاك. فكان من أحسن الناس ثغرا ، وكان اذا سقطت له سنّ نبتت له. قال ابن قتيبة (٣) : كان عمر النابغة مائتين

__________________

(١) كذا بالاصل ، وفي الاغاني والمعمريين (الخنان). والذي في القاموس : (... والخنان زكام للابل كان في عهد المنذر بن ماء السماء ... وقال الاصمعي : كان الخنان داء يأخذ الابل في مناخرها وتموت منه فصار ذلك تاريخا لهم). وصدر البيت في المعمرين برواية :

فمن يحرص على كبري فإني

(٢) الشعراء ٢٤٧ ، والابيات من قصيدة طويلة ٧٦ بيتا في جمهرة اشعار العرب ٢٧٥ ـ ٢٨١ ، وانظر تاريخ الطبري ١٣ / ٥٠

(٣) الشعراء ٢٤٨ ـ ٢٤٩

٦١٥

وعشرين سنة ومات باصبهان. قال في الاغاني : وما ذاك بمنكر لانه قال في شعره (١) :

لبست أناسا فأفنيتهم

وأفنيت بعد أناس أناسا

ثلاثة أهلين أفنيتهم

وكان الإله هو المستآسا

روي أن عمر بن الخطاب سأله : كم لبثت مع كل أهل لك؟ فقال : ستين سنة ، فهذه مائة وثمانون سنة. ثم عمر بعده فمكث الى أيام عبد الله بن الزبير وقدم عليه مكة. وقال أبو عبيدة : كان النابغة الجعدي ممن ذكر (٢) في الجاهلية ، وأنكر الخمر والسّكر ، وهجر الأزلام والأوثان ، وقال كلمته التي أوّلها (٣) :

الحمد لله لا شريك له

من لم يقلها فنفسه ظلما

وكان يذكر دين ابراهيم ، ويصوم ويستغفر ، وشهد مع علي رضي‌الله‌عنه صفين. وقال أبو زيد (٤) : كان النابغة شاعرا مقدّما ، وكان مغلّبا ، ما هاجى قط إلا غلب ، هاجى أوس بن مغراء وليلى الأخيلية وكعب بن جبيل فغلبوه جميعا. وقال علي بن سليمان الأخفش أوّل من سبق الى الكناية عن اسم من يعنى بغيره في الشعر الجعدي فانه قال :

أكنّي بغير اسمها وقد علم اللّ

ه خفيّات كلّ مكتتم

فسبق الناس جميعا اليه وتبعوه.

٣٨٤ ـ وأنشد قول امرىء القيس :

كأنّ دثارا حلّقت بلبونه

عقاب تنوفي لا عقاب القواعل

تقدم شرحه في حرف العين وقد سقت هناك القصيدة بتمامها (٥).

__________________

(١) انظر الشعراء ٢٥٤ ، واللسان ٧ / ٣١٤ ، والاغاني ٥ / ٦ ـ ٨ (الثقافة) والمعمريين ٥٧

(٢) في الاغاني : (فكّر).

(٣) الاغاني ٥ / ٩

(٤) انظر ابن سلام ١٠٥ ، والعمدة ١ / ١٨٨ والموشح ٥

(٥) انظر ص ٤٤٠ ـ ٤٤١ والشاهد رقم ٢٣٤ ، وهو في الخزانة ٤ / ٤٧١

٦١٦

٣٨٥ ـ وأنشد :

ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (١)

هو لذي الرّمّة. أخرج ابن عساكر من طريق نفطويه ، ومحمد بن القاسم الأنباري قال : أنبأنا ثعلب عن أبى زيد ، حدثني إسحق بن ابراهيم ، حدثني أبو صالح الفزاريّ قال (٢) : ذكر ذو الرّمّة في مجلس فيه عدّة من الأعراب فقال عصمة بن مالك ، شيخ منهم ، قد أتى له مائة سنة ، فقال : كان من أظرف الناس ، كان آدم خفيف العارضين ، حسن المضحك ، حلو المنطق ، وكان له إخوة يقولون الشعر ، منهم مسعود وهمام وخرفاس (٣) ، فكانوا يقولون القصيدة فيزيد فيها الأبيات ، فيغلب عليها فتذهب له ، فأتى يوما فقال لي : يا عصمة ، إن ميّة منقرية ، وبنو منقر ، أخبث حي وأبصره بأثر ، وأعلمه بطريق ، فهل عندك من ناقة نزر عليها ميّة؟ فقلت : نعم عندي الجؤذر ، قال : عليّ بها ، فركبناها جميعا ، حتى نشرف على بيوت الحي ، فاذا هم خلوف (٤) واذا بيت ميّة خال ، فملنا إليه فتعرّض النساء نحونا ، فطلعت علينا ميّة ، فاذا هي جارية أملود واردة الشّعر (٥) قلن : أنشدنا يا ذا الرّمّة. فقال : أنشدهنّ يا عصمة ، فانشدتهنّ (٦) :

وقفت على رسم لميّة ناقتي

فما زلت أبكي عنده وأخاطبه

__________________

(١) ديوانه ٢٠٦ وابن عقيل ١ / ١١٧ والكامل ١٢٦ ، والموشح ١٨٥ ، والصناعتين ٣٩٠ ، والعمدة ٢ / ٤٨ ، ونقد الشعر ١٥٨ والجوهري (يا) ، والاغاني ٥ / ٣٨ و ٤٠ و ١٦ / ١٢٨ ، والتاج (جرع) ، والاشموني شاهد رقم ١١ وأوضح المسالك شاهد رقم ٨٢ وذيل الامالي ١٢٥ والعقد الفريد ٦ / ٤١٨ ، ومجالس ثعلب ٤٢

(٢) ذيل اللآلي ١٢٣ ـ ١٢٥ والعقد الفريد ٦ / ٤١٦ ـ ٤١٨ والاغاني ١٦ / ١٢٤ ومجالس ثعلب ٣٩ ـ ٤٢ ببعض الاختلاف.

(٣) في العقد : (مسعود وهشام وأوفى).

(٤) الخلوف : جمع خلف ، بالفتح ، وهم القوم الذين ذهبوا من الحي يستقون وخلفوا أثقالهم. قال ابن الاعرابي : الخلوف : الحي اذا خرج الرجال وبقي النساء.

(٥) أملود : ناعمة مستوية القامة. والشعر الوارد : المسترسل الطويل.

(٦) ديوانه ٣٨.

٦١٧

وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه

تكلّمني أحجاره وملاعبه

حتى بلغت الى قوله :

هوى آلف خاف الفراق ولم يحل

حوائلها أسراره ومعائبه (١)

فقالت ظريفة ، ممن حضر : فليحل الآن ، فنظرت اليها حتى أتيت على قوله :

إذا سرحت من حبّ ميّ سوارح

عن القلب آبته جميعا عواز به (٢)

فقالت الظريفة منهنّ : قتلته قتلك الله. فقالت ميّ : ما أصحّه وهنيأ له. فتنفّس ذو الرمة نفسا كان من حرّه يطير شعر وجهه ، ومضيت حتى أتيت على قوله :

وقد حلفت بالله ميّة ما الّذي

أقول لها إلّا الّذي أنا كاذبه

إذا فرماني الله من حيث لا أرى

ولا زال في داري عدو أحاربه

فقال الظريفة : قتلته قتلك الله! فالتفتت ميّ فقالت : خف عواقب الله يا غيلان ، ومضيت حتى أتيت على قوله :

إذا راجعتك القول ميّة أو بدا

لك الوجه منها أو نضا الدّرع سالبه

فيالك من خدّ أسيل ومنطق

رخيم ومن خلق تعلّل جاذبه (٣)

__________________

(١) رواية البيت كما في ديوانه ٤٠ :

هوى آلف جاء الفراق فلم تجل

جوائلها أسراره ومعاتبه

وفي ذيل الأمالي ، ومجالس ثعلب : (بكى وامق جاء الفراق ولم تجل ...). وفيهما ، وكذلك في العقد بدل البيتين الأولين ، البيتان :

نظرت الى أظعان مىّ كأنها

ذرى النخل أو أثل تميل ذوائبه

فأوشلت العينان والصدر كاتم

بمغرورق نمّت عليه سواكبه

وهما من نفس القصيدة.

(٢) وكذا في الأغاني ، وفي المراجع السابقة : (جادبه) بالدال المهملة.

(٢) وكذا في الأغاني ، وفي المراجع السابقة : (جادبه) بالدال المهملة.

٦١٨

فقالت الظريفة : ها هي ذه قد راجعتك القول ، وبدا لك وجهها فمن لك بأن ينضو الدرع سالبه؟ فالتفتت إليها ميّة فقالت : قاتلك الله ، ما أعظم ما تجيبين به. فتحدثنا ساعة ، ثم انصرفنا. فكان يختلف إليها حتى اذا انقضى الربيع ودعا الناس الصيف أتاني فقال : يا عصمة ، قد ترحلت ميّة ولم يبق إلا الآثار والنظر في الديار ، فاذهب بنا ننظر الى آثارهم. فخرجنا حتى انتهينا فوقف وقال :

ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلى

ولا زال منهلّا بجرعائك القطر

وإن لم تكوني غير ثاو بقفرة

تجرّ بها الأذيال صيفيّة كدر

قال عصمة : فما ملك عينيه. فقلت : مه ، فانتبه وقال : إنّي لجلد وإن كان مني ما ترى ، ثم انصرفنا وتفرّقنا. وكان آخر العهد به.

قوله : تعلل جاذبه : أي لم يجد فيه مقالا فهو يتعلل بالشيء يقوله ، وليس بعيب. والبيتان المذكوران مطلع قصيدة طويلة ، ومنها :

لها بشر مثل الحرير ومنطق

رخيم الحواشي لاهراء ولا نزر (١)

وعينان قال الله كونا فكانتا

فعولان بالألباب ما يفعل الخمر

ألا : حرف استفتاح. وقوله : يا اسلمى ، حرف نداء. والمنادى محذوف ، أو حرف تنبيه ، واسلمى ، فعل دعاء ، أي يا هذه سلمك الله على أنك قد بليت. ومىّ مرخم مية. والبلى ، بالكسر والقصر ، مصدر بلى يبلي ، من باب علم يعلم. ومنهلا ، بضم الميم وسكون النون وتشديد اللام ، من الانهلال ، وهو انسكاب الماء وانصبابه. والجرعاء : رملة مستوية لا تنبت شيأ. والقطر : المطر. وقد عيب على ذي الرمة عجز هذا البيت فإنه أراد أن يدعو لها فدعا عليها بالخراب ، وقدم عليه بيت طرفة :

__________________

(١) ديوانه ٢١٢ ـ ٢١٣ ، وفيه. (دقيق الحواشي).

٦١٩

فسقى ديارك غير مفسدها

صوب الرّبيع وديمة تهمي

وأجيب بأنه قدم الاحتراس بقوله اسلمى (١). وأجاب ابن عصفور : بأن لا زال تقتضي ملازمة الصفة للموصوف مذ كان قابلا لها على حسب ما قبلها ، وذلك أنه عهد دار ميّة في خصب لسقيا المطر لها في أوقات الحاجة إليه ، فدعا لها بأن لا تزال على ما عهدها عليه من انهلال القطر بجرعائها وقت الحاجة اليه. قوله : لها بشر : أي جلد. ورخيم الحواشي ، بالخاء المعجمة ، أي لين نواحي الكلام. وقال ابن فارس : رخيم أي رقيق ، ويقال : الصوت الرخيم هو الشجي الطيب النغمة. والحواشي : جمع حاشية وهي الناحية. والهراء : بضم الهاء وتخفيف الراء ، الكلام الكثير الذي ليس له معنى. والنزر : بفتح النون وسكون الزاي ، القليل. ويروى : ولا هذر ، بالذال المعجمة ، وهو الكثير ، ومراده أنه لا كثير بلا فائدة ولا قليل يخل.

٣٨٦ ـ وأنشد :

لا بارك الله في الغواني هل

يصبحن إلّا لهنّ مطّلب (٢)

هو من قصيدة لعبيد الله بن قيس الرقيات يمدح بها عبد الملك بن مروان ، وأولها :

عاد له من كثيرة الطّرب

فعينه بالدّموع تنسكب

كوفيّة نازح محلّتها

لا أمم دارها ولا صقب

والله ما إن صبت إليّ ولا

يعلم بيني وبينها سبب

إلّا الّذي أورثت كثيرة في ال

قلب وللحبّ سورة عجب

__________________

(١) انظر الموشح والصناعتين في الصحائف المذكورة في التعليق على الشاهد.

(٢) ديوانه ٣ (فما يصبحن) ، والكامل ٧٣٥ ، وسيبويه ٢ / ٥٤ ، والصناعتين ١٥٠ ، والمفصل ١٨٤ ، والصحاح والتاج واللسان :

(غنى).

٦٢٠