شرح شواهد المغني

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

شرح شواهد المغني

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: لجنة التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٤٦

غير أني أرى الحمّة ستظفر منه بعثرة ، بطيئة الجبره ، فأغر ولا تنكع. فأغار عمرو فاستاق كل شيء له ، فأتى حريم بعد ذلك يطلب الى عمرو أن يردّ عليه بعض ما أخذ منه فامتنع ورجع حريم ، وقال عمرو هذه القصيدة (١) :

تقول سليمى لا تعرّض لتلفة

وليلك عن ليل الصّعاليك نائم

وكيف ينام اللّيل من جلّ همّه

حسام كلون الملح أبيض صارم

ومنها :

كذبتم وبيت الله لا تأخذونها

مراغمة ما دام للسّيف قائم

ومنها :

وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم

فهل أنا في ذا يال همدان ظالم

إذا جرّ مولانا علينا جريرة

صبرنا لها إنّا كرام دعائم

وننصر مولانا ونعلم أنّه

كما النّاس مجروم عليه وجارم

وهو آخرها. قال القالي : الخفو : اللمعان الضعيف. والوميض : أشد من الخفو. والأحريض : حجارة النّورة. والحيز : الناحية. ومزيز : فاضل. والحمّة : القدر. وتنكع : تردع. وقوله : (يال همدان) حذفت الهمزة تخفيفا. ومجروم عليه من الجرم : وهو الذنب. والواو في (وجارم) بمعنى : (أو) والبيت استشهد به على دخول ما الكاف. قال الآمدي (٢) : هذا الشاعر ، عمرو بن منبّه بن شهر بن نهم بن ربيعة بن مالك ، وبرّاقة أمه ، شاعر شجاع فاتك.

٢٨٤ ـ وأنشد :

وأعلم أنّني وأبا حميد

كما النّشوان والرّجل الحليم

__________________

(١) الاغاني ٢١ / ١١٣ ، والعيني ٣ / ٣٣٢

(٢) المؤتلف ٦٦

٥٠١

هو لزياد الأعجم ، وبعده :

أريد حياته ويريد قتلي

وأعلم أنّه الرّجل اللّئيم

ويروى : (لعمرك أنني) والبيت استشهد به على كف الكاف عن الجرّ بما ، ولذلك رفع النشوان على الخبرية لأن. ويروى : (لكالنشوان) ولا شاهد فيه على هذا.

٢٨٥ ـ وأنشد :

أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد

كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه (١)

هو لنهشل بن حرّيّ يرثي أخاه مالكا ، وكان قتل بصفين مع علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، ومن القصيدة :

وهوّن وجدي عن خليلي أنّني

إذا شئت لاقيت امرأ مات صاحبه

وقوله : لم يخزني : من الخزي أي لم يهنّى ، أو من الخزاية ، أي لم يخجلنى. والمشهد : بفتح الميم ، محضر الناس. وسيف عمرو : هي الصمصامة. والخيانة من السيف : هي النّبوة عند الضربة. وكان سيف عمرو لا ينبو ، فاستوهبه عمر بن الخطاب فوهبه له ، فقيل لعمر : إنه غير الصمصامة ، وقد ضنّ بها. فغضب عمر لذلك ، فغضب عمرو بن معد يكرب وقال : هاته ، فأخذه ودخل دار إبل الصدقة فضرب عنق بعير بضربة واحدة فأبانها ، وقال : أعطيتك السيف لا الساعد. وضمير تخنه ، إلى عمرو والسيف. والمضارب جمع مضرب ، السيف ، وهو نحو من شبر من طرفه. والبيت استشهد به على كف الكاف عن الجرّ بما. قال محمد بن سلام (٢) : نهشل ابن حرّيّ بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة

__________________

(١) الحماسة ٢ / ٣٣٩

(٢) الطبقات ٤٩٥

٥٠٢

ابن مالك بن زيد مناة ، شاعر شريف مشهور هو وأبوه وأجداده الأربعة ، لا أعلم لتميم رهطا يتوالون توالي هؤلاء ، وعدّه في الطبقة الرابعة من الشعراء الاسلاميين.

٢٨٦ ـ وأنشد :

فصيّروا مثل كعصف مأكول (١)

العصف : التبن. قال الأعلم : استشهد به سيبويه على ادخال مثل الكاف ضرورة ، والتقدير : مثل عصف. وحسن الجمع بين مثل والكاف اختلاف لفظيهما مع ما قصده من المبالغة في التشبيه ، ولو كرر المثل لم يحسن. وأورده المصنف في التوضيح شاهدا على نصب ضمير مفعولين. وقال العيني : هو لرؤبة (٢) ، وقبله :

ومسّهم ما مسّ أصحاب الفيل

ترميهم حجارة من سجّيل

ولعبت طير بهم أبابيل

قال الحسن في قوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) أي كزرع أكل حبه وبقي تبنه.

٢٨٧ ـ وأنشد :

يضحكن عن كالبرد المنهمّ (٣)

هو للعجاج ، وصدره :

بيض ثلاث كنعاج جمّ

__________________

(١) الخزانة ٤ / ٤٦٢ وسيبويه ١ / ٢٠٣

(٢) في سيبويه أنه لحميد الأرقط.

(٣) الخزانة ٤ / ٤٦٢

٥٠٣

بيض : جمع بيضاء. والنعاج : جمع نعجة ، الرمل ، وهي البقرة الوحشية. قال أبو عبيدة : ولا يقال لغير البقر من الوحش نعاج. والجم : بمعنى الكثير. والمنهمّ : بتشديد الميم ، الذائب. يصف نسوة يضحكن عن أسنان كالبرد الذائب لطافة ونظافة. والبيت استشهد به على وقوع الكاف اسما بمعنى مثل ، بدليل دخول حرف الجرّ عليها.

٢٨٨ ـ وأنشد :

ما يرتجى وما يخاف جمعا

فهو الّذي كاللّيث والغيث معا

٢٨٩ ـ وأنشد :

وصاليات ككما يؤثفين (١)

هذا للخطام المجاشعي. وقبله :

لم يبق من آي بها يحلّين

غير حطام ورماد كنفين

[وغير نؤي وحجاجي نؤيين](٢)

وغير ودّ جاذل أو ودّين

قال ابن يسعون : أي رب أثافى صاليات ، فجعل الواو (واو رب). والظاهر خلافه ، بل هي واو العطف ، أي وغير صاليات. وقد تفطن لذلك العيني. والآي : جمع آية ، وهي العلامة. وضمير بها : لدار المحبوبة (٣). ويحلين : بالمهملة ، من

__________________

(١) الخزانة ١ / ٣٦٧ و ٢ / ٣٥٣ وسيبويه ١ / ١٣ و ١٠٣ و ٢ / ٣٣١.

(٢) مزيدة عن الخزانة ١ / ٣٦٧ وسيشرح السيوطي هذا البيت.

(٣) في الخزانة : (وضمير تحلين لديار الحي).

٥٠٤

الحلية. والحطام : بضم الحاء المهملة ، ما يكسّر من التبن (١). وكنفين : تثنية كنف ، بكسر الكاف وسكون النون ، وعاء يجعل فيه الراعي أداته. والودّ : الوتد ، بفتح الواو. وصاليات : أي وأثافى صاليات ، والصاليات : المسودات قد صليت بالنار. وقوله (ككما) قال ابن يسعون : أي كمثل ما يؤثفين ، أي حالها التي وضعها عليه أهلها ، و (ما) مصدرية ، أي كأثفائها. وقوله : (يؤثفين) من أثفيت القدر جعلت لها أثافي. وكان قياس المضارع بثفين ، كيكرمن ، لكنه استعمله على الأصل المرفوض اضطرارا ، كقوله : (فإنه أهل لأن يؤكرم). وقد استشهد به ابن أم قاسم على ذلك. وقال الزمخشري : يحلين : أي تذكر حلاها. وتوصف حطام دق شجر الخيام كنفين جانبين ، أي رماد في جانب الموضع. النؤي : أن تحفر حفيرة حول البيت ويؤخذ ترابها فيجعل حاجز البيت ، فجعل ذلك الحاجز كحجاج العين. الجاذل : المنتصب. الصاليات الأثافى يؤثفين ، أي يجعلن في موضع الطبخ ، أي كأنها كما تركت ونصبت للقدر لم يتغير منها شيء.

٢٩٠ ـ وأنشد :

فلا والله لا يلفى لما بي

ولا للمابهم أبدا دواء (٢)

هذا آخر قصيدة لمسلم بن معبد الأسدي يشكو اعتداء المصدقين على إبله (٣) ، وأوّلها :

بكت إبلي ، وحقّ لها البكاء

وفرّقها المظالم والعداء

جزى الله الصّحابة عنك شرّا

وكلّ صحابة لهم جزاء

بفعلهم ، فإن خيرا فخيرا

وإن شرّا : كما مثل الجزاء

__________________

(١) كذا ، وفي الخزانة : (ما تكسّر من الحطب) والمراد به : دق الشجر الذي قطعوه فظللوا به الخيام).

(٢) الخزانة ١ / ٣٦٤ و ٢ / ٣٥٢.

(٣) المصدقون : أي عمال الزكاة.

٥٠٥

فكيف بهم! وإن أحسنت قالوا :

أسأت ، وإن غفرت لهم أساءوا

فلا والله لا يلفى لما بي

وما بهم من البلوى دواء (١)

هكذا أورده صاحب منتهى الطلب. وعلى هذا فلا شاهد فيه ، لكن رأيته في أمالي ثعلب كما أورده المصنف ، وأورد قبله :

لددتهم النّصيحة كلّ لدّ

فمجّوا النّصح ثمّ ثنوا فقاؤا

لددتهم : يعني ألزمتهم النصح كل الالزام ، فلم يقبلوا. وقاؤا : من القيء. وصحفه العيني فقال : وفاؤا ثم قال : وهو خبر محذوف ، أي وهم فاؤا. والجملة حالية انتهى. وهذا تخبيط فاحش.

٢٩١ ـ وأنشد :

لسان السّوء تهديها إلينا

وحنت وما حسبتك أن تحينا (٢)

__________________

(١) بهذه الرواية لا شاهد ، وروي بالخزانة ١ / ٣٦٥ :

فلا وأبيك ...

ولا للمهابم أبدا شفاء

(٢) اللسان ، وحنت : أي هلكت ، وهو من الحين.

٥٠٦

شواهد كي

٢٩٢ ـ وأنشد :

كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت

قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم (١)

هو من أبيات الكتاب. وكي : لغة في كيف ، أي كيف تجنحون ، أي تميلون. وسلم : صلح ، والواو حالية. وثئرت : بالبناء للمفعول ، يقال : ثأرت القتيل ، قتلت قاتله. ولظى الهيجاء : أي نار الحرب ، وهو مبتدأ خبره تضطرم ، أي تشتعل.

٢٩٣ ـ وأنشد :

إذا أنت لم تنفع فضرّ فإنّما

يرجّى الفتى كي ما يضرّ وينفع

قيل : هو للنابغة الذبياني. وقيل : للنابغة الجعدي (٢). وقوله : إذا أنت ، من باب الاضمار على شريطة التفسير. لأن إذا لا تدخل إلا على الفعل ، فهو مثل قوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) وقوله : (يرجى الفتى) يروى بدله (يراد الفتى) وما في كيما مصدرية. وقيل : كافة. ويضر : أي من يستحق الضرّ ، وينفع : آي من يستحق النفع. وقال السيرافي في طبقات النحاة : حدثنا أبو بكر بن مجاهد ، حدثنا أحمد بن يحيى : حدثنا محمد : حدثنا سلام بن يونس قال : كان عبد الملك ابن عبد الله ينشد :

__________________

(١) سيأتي ص ٥٥٧ برقم شاهد ٣٢٨.

(٢) هو في ذيل ديوان قيس بن الخطيم ص ٨٠ برقم ١٢ وفي اعجاز القرآن ١٢٦ ، والصناعتين ٣٤٣ والعقد ٣ / ٨٥ ونسبه الصولي في أخبار أبي تمام ص ٢٨ لعبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ، وكذلك في الخزانة ٣ / ٥٩١ ويروى (وينفعا).

٥٠٧

إذا أنت لم تنفع فضرّ فإنّما

يرّجى الفتى كيما يضرّ وينفع

٢٩٤ ـ وأنشد :

أردت لكيما أن تطير بقربتي (١)

تمامه :

فتتركها شنّا ببيداء بلقع

يجوز في (لكيما) كون كي تعليلية مؤكدة باللام ، وكونها مصدرية مؤكدة بأن زائدة ، غير عاملة ، والعمل لكي. ويقال : طاربه ، إذا ذهب به سريعا. وتتركها : بالنصب عطفا على تطير ، وشنا حال ، وهي القربة البالية. والبيداء : المفازة. والبلقع : الأرض القفر التي لا شيء فيها ، وهو بالجرصفة بيداء.

٢٩٥ ـ وأنشد :

فقالت : أكلّ النّاس أصبحت مانحا

لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا

هو لجميل ، وعزاه بعضهم لحسان (٢). وكان منصوب بما ، فهو من باب تقديم معمول خبر كان عليها. وما نحا : من المنح ، وهو العطاء. ولسانك : مفعول ثان له ، والتصريح بأن وجد كيما ضرورة. وألف تخدعا للاطلاق. ثم رأيت البيت في ديوان جميل بلفظ :

لسانك هذا كي تغرّ وتخدعا

فلا ضرورة فيه. وأوّل القصيدة :

__________________

(١) الخزانة ٣ / ٥٨٥

(٢) هو في ديوان جميل ١٢٥ ، وليس في ديوان حسان.

٥٠٨

عرفت مصيف الحيّ والمترّبعا

كما خطّت الكفّ الكتاب المرّجعا

معارف أطلال لبثنة أصبحت

معارفها قفرا من الحيّ بلقعا

وآخرها :

فما نعجة أدماء ترعى مهارقا

ترجّي لها طفلا يروّح مرضعا

بأحسن منها يوم قالت : ألا أرى

جميلا غدا لم ينتظر أن يمنعا

٢٩٦ ـ وأنشد قول حاتم :

فأوقدت ناري كي ليبصر ضوءها

وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله

عزاه المصنف لحاتم الطائي ، وعزاه صاحب الحماسة للنمري من قصيدة (١) ، وقبله :

وداع دعا بعد الهدوّ كأنّما

يقاتل أهوال السّرى وتقاتله

دعا بائسا شبه الجنون فما به

جنون ، ولكن كيد أمر يحاوله

فلمّا سمعت الصّوت ناديت نحوه

بصوت كريم الجدّ حلو شمائله

فأبرزت ناري ثمّ أثقبت ضوءها

وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله

فلمّا رآني كبّر الله وحده

وبشّر قلبا كان جمّا بلا بله

فقلت له : أهلا وسهلا ومرحبا

رشدت ، ولم أقعد إليه أسائله

__________________

(١) هو في الحماسة ٤ / ٢٢٧ للنمري ، ويقال لرجل من باهلة.

٥٠٩

وقمت إلى برك هجان أعدّه

لوجبة حقّ نازل أنا فاعله

بأبيض خطّت نعله حيث أدركت

من الأرض لم يخطل عليّ حمائله

فأطعمته من كبدها وسنامها

شواء ، وخير الخير ما كان عاجله (١)

كذا أورده في الحماسة ولا شاهد فيه على هذا ، لأن البيت أورده المصنف شاهدا للجمع بين كى ولام التعليل ندورا ، وهو مفقود في هذه الرواية. وكذا أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عساكر مسندا الى حاتم الطائي كما أوردناه. قال التبريزي : قوله دعا بائسا : أي كلبا ذا بؤس يشبه الجنون. وانتصب شبه الجنون ، أي دعا دعاء يشبه الجنون ، فهو صفة لمصدر محذوف : وقوله : (وهو في البيت داخله) في البيت موضع خبر الابتداء ، وليس بلغو ، وداخله خبر ثان ، والهاء من (داخله) تعود إلى البيت. ولوجبة الحق : لوقوعه. وقوله بأبيض : الباء فيه متعلق بقوله : (قمت) واللام من قوله : (لوجبة حق) تتعلق بقوله : (أعدّه) وموضع الجملة صفة للبرك ، وأنا فاعله صفة الحق. وقوله : (لم يخطل) أي لم يضطرب.

__________________

(١) هذا البيت ليس في الحماسة.

٥١٠

شواهد كم

٢٩٧ ـ وأنشد :

كم ملوك باد ملكهم

ونعيم سوقة بادوا

قال العيني : لم يسم قائله. وباد : هلك. والسوقة : بضم المهملة وسكون الواو ، ما دون الملك. ونعيم : بالجرّ ، عطفا على ملوك ، تقديره : وكم نعيم سوقة. على معنى : وكم باد نعيم سوقة. والبيت استشهد به على استعمال ضمير (كم) جمعا مجرورا.

٢٩٨ ـ وأنشد :

كم عمّة لك يا جرير وخالة

فدعاء قد حلبت عليّ عشاري

شفّارة تقدر الفصيل برجلها

فطّارة لقوادم الأبكار

هذا من قصيدة للفرزدق يهجو بها جريرا ، وأوّلها (١) :

يا ابن المراغة إنّما جاريتني

بمسبقين لدى الفعال قصار

ومنها :

قبح الإله بني كليب إنّهم

لا يعذرون ولا يعربن لجار

__________________

(١) ديوانه ٤٥١ ، والخزانة ٣ / ١٢٦ ، وابن عقيل ١ / ١٠٥ وسيبويه ١ / ٢٥٣ و ٢٩٥ و ٣٩٣

٥١١

ومنها :

كم من أب لك يا جرير كأنّه

قمر المجرّة أو سراج نهار

يروى عمة بالرفع والنصب والجر وكذا خاله. والفدعاء : فعلاء ، من الفدع. وهو ميل في أصل القدم عند الكعب ، بينها وبين الساق. وهو في الكف ميل بينها وبين الذراع عند الرسغ. والعشار ، جمع عشراء ، وهي الناقة التي دخلت في الشهر العاشر من حملها. والشغارة : تشغر عند البول كما يشغر الكلب ، أي يرفع برحله. وتقدر الفصيل : أي تضر به إذا أراد أن يرضع في وقت الحلب. والفطارة : فعالة ، من الفطر ، وهو الحلب بأطراف الأصابع ، وان كان بالكف فهو الضف. وأكثر ما يكون الضف للنوق الكبار ، والفطر للأبكار ، وهو جمع بكر ، بكسر الباء ، وهي الناقة التي حملت بطنا واحدا. وبكرها : ولدها. وقوادم الضروع : ما يلي السرّة منها.

٥١٢

شواهد كأين

٢٩٩ ـ وأنشد :

أطرد اليأس بالرّجا فكأيّن

آلما حمّ يسره بعد عسر

قال العيني : لم يسم قائله. واليأس القنوط. وآلما : بالمد ، اسم فاعل من ألم يألم. وحم : قدر ، بالبناء للمفعول (١).

٣٠٠ ـ وأنشد.

وكائن لنا فضلا عليكم ومنّة

قديما ، ولا تدرون ما منّ منعم (٢)

__________________

(١) في حاشية الامير ١ / ١٥٩ : قوله : (أطرد) من باب اقتل. ويروي البيت : بمدّ الرجاء وكائن ، وقصرهما. وآلما : صاحب : ألم.

وحم : قدر.

(٢) وكائن لنا فضلا : هو على وزن فاعل ، أحد اللغات السابقة. أنظر الأمير ١ / ١٥٩

٥١٣

شواهد كذا

٣٠١ ـ وأنشد :

وأسلمني الزّمان كذا

فلا طرب ولا أنس

٣٠٢ ـ وأنشد :

عد النّفس نعمى بعد بؤساك ذاكرا

كذا وكذا لطفا به نسي الجهد

لم يسم قائله. ونعمى : بضم النون ، النعمة. وبؤسى : بضم الموحدة ، الشدة ، مثل البأساء. والجهد : بضم الجيم ، المشقة. ونسي : من النسيان ، أو بمعنى الترك. ونعمى : مفعول ثان لعد ، بتقدير الباء. وذاكرا حال من الضمير من عد ، وكذا مفعول ذاكرا ، وكذا الثاني عطف عليه ، وهما كناية عن العدد. ولطفا : تمييز. وجملة (به نسي الجهد) صفة لطفا.

٥١٤

شواهد كأنّ

٣٠٣ ـ وأنشد :

فأصبح بطن مكّة مقشعرّا

كأنّ الأرض ليس بها هشام (١)

٣٠٤ ـ وأنشد :

كأنّ أذنيه إذا تشوّفا

قادمة أو قلما محرّفا (٢)

هذا للمعاني الراجز ، واسمه محمد بن الذؤيب النهشلي النقيمي ، يكنى أبا العباس ، أحد شعراء الرشيد ، من أهل الجزيرة ، وقيل : من ديار مضر ، وإنما خرج الى عمان فأقام بها مدة ثم عاد. يقال انه عاش مائة وثلاثين سنة (٣). وقال الصولي في

__________________

(١) هو للحارث بن خالد المخزومي في رثاء هشام بن المغيرة. قوله بطن مكة : قال الدماميني : يحتمل أنه ما خفي من أرضها ، وهو الذي تدفن فيه الأموات ، أي انه اقشعر وارتعد من عظمة هشام حيث حل فيه الدفن ، ويحتمل أنه سطح أرضها ، ومعنى مقشعرا : جدبا محلا لا خصب فيه ، ولا يخفاك أن المناسب لكلام المصنف المعنى الثانى ، وانظر حاشية الامير ١ / ١٦٣

(٢) الخزانة ٤ / ٢٩٢ ، والكامل ٨٦٧ ، وشرح التبريزي ٢ / ٣٢٩ ، والعقد الفريد ٥ / ٣٦٧ واللآلي ٣٦٧ ، والموشح ٢٩٧

(٣) ذكره أبو الفرج قال : اسمه محمد بن ذؤيب بن محجن بن قدامة الحنظلي البصري ، وإنما قيل له العماني ـ وليس هو ولا أبوه من عمان ـ لانه كان شديد صفرة اللون ، وكان شاعرا راجزا متوسطا ، ليس كأمثاله من شعراء الدولة العباسية.

٥١٥

كتاب الأوراق (١) : حدثنا الطيب بن محمد الباهلي : حدثنا محمد بن سعيد بن مسلم قال : كان أبي يقول : كان فهم الرشيد فهم العلماء ، أنشده العماني في صفة الفرس :

كأنّ أذنيه إذا تشوّفا

قادمة أو قلما محرّفا

فقال الرشيد دع (كأن) وقل : (تخال أذنيه) حتى يستوي الشعر.

__________________

(١) الخبر في الموشح ٢٩٧ والكامل ٨٦٧ ، والعقد الفريد ٥ / ٣٦٧ وفيه : (والراجز وان كان لحن فانه أصاب التشبيه).

٥١٦

شواهد كل

٣٠٥ ـ وأنشد :

وإنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد (١)

عزاه صاحب الحماسة البصرية والآمدي (٢) للأشهب بن زميلة النهشليّ ، بضم الزاي المعجمة ، وقيل الراء ، وهي أمه. وأبوه ثور بن أبي حارثة ، يكنى أبا ثور. عدّه الجمحي في الطبقة الرابعة من الشعراء الاسلاميين (٣). وعزاه أبو تمام في المختار من أشعار القبائل لحريث بن مخفّض من أبيات أولها :

ألم تر أنّي بعد عمرو ومالك

وعروة وابن الهول لست بخالد

وكانوا بني ساداتنا فكأنّما

تساقوا على لوح دماء الأساود (٤)

وما نحن إلّا منهم غير أنّنا

كمنتظر ظمأ وآخر وارد

هم ساعد الدّهر الّذي يتّقى به

وما خير كفّ لا تنوء بساعد

أسود شرى لاقت أسود خفيّة

تساقت على لوح سمام الأساود (٥)

__________________

(١) الخزانة ٢ / ٥٠٧ ، والعيني ١ / ٤٨٢ ، واللآلي ٣٥ والبيان والتبيين ٣ / ٢٥٤ والبكري (فرج) ١٠٢٨

(٢) المؤتلف والمختلف ٣٢ ـ ٣٣

(٣) الطبقات ٤٩٥

(٤) البيتان هما بيت واحد في أمالي القالي ١ / ٨ والكامل ٥٠ و ٧٢٤ برواية :

أسود شرى لاقت أسود خفيّة

تساقوا على حرد دماء الأساود

(٤) البيتان هما بيت واحد في أمالي القالي ١ / ٨ والكامل ٥٠ و ٧٢٤ برواية :

أسود شرى لاقت أسود خفيّة

تساقوا على حرد دماء الأساود

٥١٧

قوله : (وان الذي) أصله (الذين) فحذفت النون تخفيفا ، وقد أورده سيبويه شاهدا لذلك (١). ويروى (وإن الاولى) (٢) وحانت : هلكت ، من الحين ، وهو الهلاك. وفلج : بفتح الفاء وسكون اللام وجيم ، موضع في طريق البصرة. ودماؤهم : نفوسهم. والأساود : جمع أسودة ، وأسودة ، جمع سواد ، وهو الشخص. وأراد بالأساود : شخوص الموتى (٣). وشرى ، بفتح المعجمة والراء ، طريق في سلمى كثير الأسد ، وأسود خفية : مثل قولهم أسود حلية ، وهما مأسدتان. والسمام : جمع سم.

٣٠٦ ـ وأنشد :

كم قد ذكرتك لو أجزي بذكركم

يا أشبه النّاس كلّ النّاس بالقمر (٤)

هو لعمر بن أبي ربيعة ، كما في الاغاني وفي أمالي القالي ، وقبله :

يا ليتني قد أجزت الحبل نحوكم

حبل المعرّف أو جاوزت ذا عشر

إنّ الثّواء بأرض لا أراك بها

فاستيقنيه ثواء حقّ ذي كدر

وما مللت ولكن زاد حبّكم

ولا ذكرتك إلّا ظلت كالسّدر

ولا جذلت بشيء كان بعدكم

ولا منحت سواك الحبّ من بشر

__________________

(١) سيبويه ١ / ٩٦. وفي اللآلي : (قوله : إن الذين حانت بفلج ، يريد : الذين ، فأتى بواحد يدل على الجنس كما قال الله عزوجل : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) وقال ابن كيسان : هذه لغة لربيعة يحذفون النون فيكون الجمع كالواحد لمّا كان الاعراب فيما قبلها ...).

(٢) كما في البيان والتبيين.

(٣) في الكامل ٧٢٤ : (... فأجراه مجرى الأسماء ، نحو (الأصاغر) و (الأكابر) و (الأحامد). وفي ٥٠ : (على حرد ، يقول : على قصد).

(٤) الاغاني ١ / ١١٣ (الدار) ، والأمالي ١ / ١٩٥ ، وديوان عمر ٢٢٢ وهو في ديوان كثير ٢ / ١٩٦.

٥١٨

أذري الدّموع كذي سقم يخامره

وما يخامرني سقم سوى الذّكر

كم قد ذكرتك لو أجدى تذكّركم

يا أشبه النّاس كلّ النّاس بالقمر

ونسبه العيني في الكبرى لكثير عزة ، وضبط أجزى ، بالزاي ، مبنيا للمفعول ، من الجزاء. وبذكركم : جار ومجرور في موضع المفعول الثاني ، وكذا هو في أمالي القالي (١). والذي رأيته في الأغاني (أجدى) بالدال المهملة ، من الجدوى ، وتذكركم بالمثناة الفوقية مصدر تذكر. والبيت استشهد به ابن مالك على اضافة (كل) الى اسم ظاهر. وخالفه أبو حيان وزعم أن كلا في البيت نعت ، مثلها في : (أطعمنا شاة كل شاة). وليست توكيد. أورده المصنف بأن التي ينعت بها دالة على الكمال لا على عموم الأفراد.

٣٠٧ ـ وأنشد :

نلبث حولا كاملا كلّه

لا نلتقي إلّا على منهج (٢)

هو من قصيدة للعرجى ، أولها (٣) :

عوجي علينا ربّة الهودج

إنّك إن لم تفعلي تحرجي

إنّي أتيحت لي يمانيّة

إحدى بني الحارث من مذحج

نلبث حولا كاملا كلّه

لا نلتقي إلّا على منهج

في الحجّ إن حجّت ، وماذا منى

وأهله إن هي لم تحجج

أيسر ما نال محبّ لدى

بين محبّ قوله عرّج

__________________

(١) وهذا على رواية البيت : (لو أجزى بذكركم ...)

(٢) ديوانه ٢٠ ، والاغاني ١ / ٤٠٧ (الدار).

(٣) ديوانه ١٧ ـ ٢٠ والاغاني ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٨ (الدار).

٥١٩

نقض إليكم حاجة أو نقل

هل لي فيما بي من مخرج

قال وكيع في الغرر : حدثني عبد الله عمرو بن بشر : حدثني إبراهيم بن المنذر : حدثني حمزة بن عتبة الليثي ، عن عبد الوهاب بن مجاهد : إنه أنشده قول العرجى :

إنّي أتيحت لي يمانيّة ... الأبيات الثلاثة

فقال عطاء : بمنى ، والله وأهله خير كثير ، إذ أغناها الله وإياه عن شعره.

فائدة :

العرجى هو عبد الله بن عمرو ابن الامام عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه أبو عثمان (١). ويقال أبو عمرو ، لقب العرجى لأنه كان يسكن عرج الطائف (٢). وقيل : لما كان له بالعرج. وكان من شعراء قريش وممن شهر بالغزل ، ونحا نحو ابن أبي ربيعة في ذلك وتشبّه به وأجاد ، وكان مشغوفا باللهو والصيد حريصا (عليهما) (٣) ، قليل المحاشاة لأحد (٤) ، فيهما ، فلم يكن له نباهة في أهله. وكان أشقر أزرق جميل الوجه. وكان من الفرسان المعدودين. وذكر ان حبشيّة كانت بمكة ظريفة ، فلما أتاهم موت عمر ابن أبي ربيعة اشتد جزعها وجعلت تبكي وتقول : من لنساء مكة يصف حسنهنّ وجمالهنّ؟ فقيل لها : خفضي عليك ، فقد نشأ فتى من ولد عثمان يأخذ مأخذه ويسلك مسلكه ، فقالت : أنشدوني من شعره ، فأنشدوها ، فقالت : الحمد لله الذي لم يضيّع حرمه. ومسحت عينها.

وقيل : كانت العرب تفضل قريشا في كل شيء الا في الشعر ، فلما نجم فيهم عمر ابن أبي ربيعة والعرجى وعبيد الله بن قيس والحارث بن خالد المخزومي وأبو دهبل أقرّت لها العرب بالشعر أيضا. أخرجه في الاغاني عن يعقوب بن اسحاق (٥).

__________________

(١) الاغاني ١ / ٤٠٧ (الدار).

(٢) عرج الطائف : قرية جامعة في واد من نواحي الطائف ، وهي أوّل تهامة وبينها وبين المدينة ثمانية وسبعون ميلا ، وهي في بلاد هذيل.

(٣) مزيدة عن الاغاني.

(٤) أي قليل المبالاة والاكتراث بأحد فيهما.

(٥) ٣ / ٩٨ (ساسي).

٥٢٠