شرح شواهد المغني

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

شرح شواهد المغني

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: لجنة التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٤٦

كأنّ دثارا حلّقت بلبونه

عقاب تنوفى لا عقاب القواعل

تلعّب باعث بذمّة خالد

وأودى عصام في الخطوب الأوائل

وأعجبني مشي الحزقّة خالد

كمشي أتان حلّئت بالمناهل

أبت أجأ أن تسلم العام جارها

فمن شاء فلينهض لها من مقاتل

تبيت لبوني بالقريّة أمّنا

وأسرحها غبّا بأكناف حائل

بنو ثعل جيرانها وحماتها

وتمنع من رماة سعد ونائل

تلاعب أولاد الوعول رباعها

دوين السّماء في رؤوس المجادل

مظلّلة حمراء ذات أسرّة

لها حبك كأنّها من وصائل

قوله : نهبا : ما يغار عليه. وحجراته : بفتح الحاء والجيم ، نواحيه. والرواحل : الابل. ودثار بن فقعس بن طريف من بني أسد ، راعي امرىء القيس. وحلقت : من التحليق. واللبون : الابل ذات اللبن. والعقاب : الطائر المعروف. وتنوفي : بفتح المثناة الفوقية وضم النون وفاء ، جبل عال. والقواعل : جبال صغار. وفي أمالي ثعلب (١) : القوعلة والقيعلة : الأكمة ، والجمع قواعل. وأنشد البيت. قال ابن الكلبي : أخبث العقبان ما أرى في الجبال المشرفة. وهذا مثل ، أراد كأن دثارا ذهبت بلبونه ذاهبة ، أي آفة. وأراد : أنه أغير عليه من قبل تنوفى. والبيت استشهد به المصنف في التوضيح على جواز العطف (بلا) على معمول الفعل الماضي ، خلافا لمن منعه. وباعث ، وخالد ، وعصام : رجال. والخطوب : الأمور. والحزقّة : بضم الحاء المهملة وتشديد القاف ، القصير. وإتان : حمارة. وحلئت : طردت عن الماء. وأجأ : جبل. والقرية : موضع. أمّنا : آمنة. وغبّا : أحيانا. وأكناف : نواحي. وحائل : موضع. وسعد ونائل : قبيلتان. والوعول : غنم الجبال. ورباعها : أولادها التي ولدت في الربيع ، الواحد ربع. والمجادل : الجبال العالية. ومظللة : مغطاة (٢). وأسرّة : طرائق ، وكذا حبك. ووصائل : ثياب حمر مخططة.

__________________

(١) ص ٤٦٥ ـ ٤٦٦.

(٢) في الديوان : (مكللة).

٤٤١

شواهد عوض

٢٣٥ ـ وأنشد :

حلفت بمائرات حول عوض

وأنصاب تركن لدى السّعير (١)

مائرات : صفة لمحذوف ، أي بدماء مائرات ، أي متموّجات. والأنصاب : ما نصب ليعبد من دون الله. والسعير : اسم صنم كان لعنزة.

__________________

(١) سعير ـ بضم أوله وفتح ثانيه بعده ياء ساكنة وآخره راء مهملة ـ : صنم لعنزة ، كما في الاصنام ٤١ ، وقال محقق الاصنام : (نص ياقوت على أنه بلفظ التصغير وآخره راء مهملة. واما العلامة : Wellhausen فأورده أيضا على وزن أمير. وكأني به قد اعتمد على طابع (لسان العرب) فإنه كتبه (سعير) ولكن صاحب لسان العرب نفسه لم ينبه على ذلك ولم يضبطه بالحروف ، وعبارة الصحاح توهم هذا الوهم أيضا. قال في التاج : وغلط من ضبطه كأمير. نبه عليه صاحب العباب).

وفي الهامش ٢ ص ٤٢ من الاصنام : (في الصحاح) : السّعير : النار ، والسّعير من قول الشاعر :

حلفت بمائرات حول عوض

وأنصاب تركن لدى السعير

قال ابن الكلبي : هو اسم صنم كان لعنزة خاصة.

٤٤٢

شواهد عسى

٢٣٦ ـ وأنشد :

يا أبتا علّك أو عساكا (١)

هو لرؤبة وصدره :

تقول بنتي قد أنى أناكا

أي حان وقت رحيلك ، يقال : أنى يأنى إنى ، أي حان. وأناك : بفتح الهمزة وتخفيف النون. ومعنى البيت : انها قالت : قد جاء زمن سفرك علك تجد رزقا. وفي البيت شواهد ، أحدها : وهو الذي أورده المصنف له ، وقوع المضمر المنصوب المتصل بعد عسى. الثاني : دخول تنوين الترنم في عسى ، كذا ذكره بعض شراح الايضاح. الثالث : الجمع بين العوض والمعوّض في أبتا ، لأن الألف والتاء عوضان من ياء المتكلم ، وعلى ذلك أورده ابن أم قاسم في شرح الألفية. الرابع : استعمال على بمعنى لعل.

٢٣٧ ـ وأنشد :

عسى الكرب الّذي أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

__________________

(١) الخزانة ٢ / ٤٤١.

(٢) سبق ص ٢٧٧ وهو في الخزانة ٤ / ٨١ ، وابن عقيل ١ / ١٣٢ بالاضافة الى المراجع السابقة.

٤٤٣

هذا من قصيدة لهدبة بن خشرم بن كرز بن حجير بن أسحم بن عامر العذري ، قالها وهو مسجون بسبب القتيل الذي قتله ، وقد تقدّمت قصته في شواهد إذا ، أوّلها :

طربت وأنت أحيانا طروب

وكيف وقد تغشّاك المشيب

يجدّ النّأي ذكرك في فؤادي

إذا ذهلت عن النّائي القلوب

يؤرّقني اكتئاب أبي نمير

فقلبي من كآبته كئيب

عسى الكرب الّذي أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

فقلت له : هداك الله مهلا

وخير القول ذو اللّبّ المصيب

فيأمن خائف ويفكّ عان

ويأتي أهله الرّجل الغريب

الكرب : أشد من الغم. وأمسيت : دخلت في المساء. ويروى بضم التاء وفتحها ، و (فيه) متعلق به في موضع نصب على الظرف. قال ابن يسعون : ويجوز ان يكون أمسيت بمعنى صرت ، و (فيه) في موضع نصب على الخبر متعلقا بمحذوف ، ويكون خبر عسى وهي تامّة لاخبر لها. ووراءه : ظرف متعلق بها ، أي خلفه وأمامه ، ويجد النأي : أي يحقق ويجدّد. والنأي : البعد. ويؤرّقني : يسهرني. والاكتئاب : الحزن. وأبو نمير : صديق له زاره في السجن. واللب : العقل. والعاني : الأسير. وآخر أبيات هذه القصيدة :

وإن يك صدر هذا اليوم ولّى

فإنّ غدا لناظره قريب

٢٣٨ ـ وأنشد :

أكثرت في العذل ملحّا دائما

لا تكثرن إنّي عسيت صائما

__________________

(١) الخزانة ٤ / ٧٧ ، وابن عقيل ١ / ١٣١ ، ويروى : (أكثرت في اللوم ...).

٤٤٤

لا يعرف له قائل. كما قاله عبد الواحد الطراح في كتابه بغية الامل ، وتبعه أبو حيان والمصنف. وقال العيني : وقيل إن قائله رؤبة. ويروى : (لا تلحني) بدل (لا تكثرن) وهو بفتح الحاء ، يقال لحيته ألحاه لحيا ، إذا لمته. والعذل : بالذال المعجمة ، الملامة. وملحا : اسم فاعل من ألح يلح إلحاحا ، وهو نصب على الحال.

٢٣٩ ـ وأنشد :

عسى طيّىء من طيّىء بعد هذه

ستطفىء غلّات الكلى والجوانح

قائله قسام بن رواحة السّنبسيّ من شعراء الحماسة (١) وقبله :

لبئس نصيب القوم من أخويهم

طراد الحواشي واستراق النّواضح

وما زال من قتلى رزاح بعالج

دم ناقع أو جاسد غير ماصح

دعا الطّير حتّى أقبلت من ضريّة

دواعي دم مهراقة غير بارح

عسى طيّىء من طيّىء بعد هذه

ستطفىء غلّات الكلى والجوانح

قال المرزوقي : يريد بأخويهم صاحبيهم. والعرب تقول : يا أخا بكر ، يريد واحدا منهم. والحواشي : صغار الابل ورذالها. والنواضح : التي يستقى عليها الماء. واحدتها ناضحة ، وسميت بذلك لأنها تنضح الزرع والنخل. يقول : مذموم في انصباء القوم من صاحبيهم طرد الابل وسوقها وسرقة البعران التي يستقى عليها. وإنما جعل الطرائد حواشي الابل ونواضحها ازراء بهما ، والقصد بالبيت التعريض بمن وجب عليه أن يطلب دم صاحبيه ، فاقتصر على الاغارة عليهم وسرقة الابل منهم. وفيه جر وبعث على طلب الدم. وقتلى : جمع قتيل. ورزاح : براء ثم زاي وحاء

__________________

(١) الخزانة ٤ / ٨٧ ، وشرح الحماسة للتبريزي ٣ / ١٢ والمؤتلف والمختلف ١٢٧.

(٢) اختلف في اسمه ، فقيل قسام ، وقسامة ، وقسّام بتشديد السين المهملة ، وانظر الحماسة ٣ / ١٢ ومعجم الشعراء ٢٢٥ والمؤتلف والمختلف ١٢٧ واللسان (قسام). والخزانة

٤٤٥

مهملة ، قبيلة. وعالج : اسم مكان (١). والناقع : الثابت ، ومصدره النقوع. والماصح : بميم وصاد وحاء مهملتين ، الزائل الدارس. وضرية : اسم بلاد تشتمل على جبال (٢). ودواعي : فاعل دعا. ومهراقة : مصبوبة. وغير بارح : أي زائل. والقصد بالبيتين التذكير بدماء المقتولين ، وفيهما بعث شديد وحض بليغ على طلب الدم ، لما فيهما من تصوير مصرع القوم بما يأتيه من عوافي الطير ، فتأكل من جيف القتلى. وقوله بعد هذه : إشارة الى الحالة الحاضرة الجامعة لكل ما ذكره ، وأدخل السين في خبر عسى بدلا عن (انى) لاشتراكهما في الدلالة على الاستقبال. وغلات : جمع غلة ، بضم الغين المعجمة ، وهي حرارة العطش. والكلي : جمع كلية. والجوانح : جمع جانحة ، وهي الضلوع القصار. والمعنى : المطموع فيه من أولياء الدم أن يطلبوا الثأر في المستقبل وإن كانوا أخّروه الى هذه الغاية ، فلتسكن نفوس ولتبرد قلوب.

٢٤٠ ـ وأنشد :

يا ابن الزّبير طال ما عصيكا (٣)

هو لرجل من حمير يخاطب عبد الله بن الزّبير ، وبعده :

وطال ما عنّيتنا إليكا

لنضربن بسيفنا قفيكا

قوله : عصيكا : أراد عصيت ، فأبدل من التاء كافا ، لأنها أختها في الهمس.

وقد استشهد به المصنف لذلك. وعنيتنا أتعبتنا.

٢٤١ ـ وأنشد :

فقلت عساها نار كأس وعلّها

تشكّى فآتي نحوها فأعودها (٤)

__________________

(١) انظر البكرى ٩١٣.

(٢) قال التبريزي : (قرية على طريق البصرة الى مكة). وانظر تفصيلا البكري ٨٥٩ ـ ٨٧٨ ، وشرح التبريزي ٣ / ١٢.

(٣) الخزانة ٢ / ٢٥٧ واللسان (قضا).

(٤) الاغاني ٢٣ / ٤٢ (الثقافة) ، وفيه (فأمضي).

٤٤٦

هو لصخر بن جعد الخضري ، من قصيدة : أوّلها (١) :

تذكّرت كأسا إذ سمعت حمامة

بكت في ذرى نخل طوال جريدها

دعت ساق حرّ فاستحنّت لصوتها

مولّهة لم يبق إلّا شريدها

فيا نفس صبرا كلّ أسباب واصل

ستملى لها أسباب صرم تبيدها (٢)

وليل بدت للعين نار كأنّها

سنا كوكب لا يستبين خمودها

فقلت عساها نار كأس وعلّها

تشكّى فآتي نحوها فأزورها

فتسمع قولي قبل حتف يصيبني

تسرّ به أو قبل حتف يصيدها

كأس : اسم امرأة ، كان صخر مغرما بها ، وهي بنت بجير بن جندب. والذرى : جمع ذروة. وصرم : بكسر الصاد ، القطع. والسنا : بالقصر ، الضوء. وتشكي : أصله تتشكى.

فائدة :

قال في الأغاني (٣) : صخر بن جعد الخضري ، والخضر ولد مالك بن طريف سموا الخضر لشدّة سوادهم. شاعر فصيح من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية.

__________________

(١) الاغاني ٢٢ / ٤٠ ـ ٤٢ (الثقافة).

(٢) رواية الاغاني :

فيا نفس صبرا كل أسباب وصل

ستنمي لها أسباب هجر تبيدها

(٣) ٢٢ ـ ٣٨ (الثقافة).

٤٤٧

شواهد عل

٢٤٢ ـ وأنشد :

يا ربّ يوم لي لا أظلّله

أرمض من تحت وأضحي من عله

أقول : رأيت في أمالي ثعلب ، قال أبو الهجنجل (١) :

ظلّت وظلّ يومها حوب حلى

وظلّ يوم لأبي الهجنجل

ضاحي المقيل دائم التّبذّل

ما أنا يوم الورد بالمظلّل

عنّي ولا بالزّائل المنعل (٢)

بين عمودين ولا مبذل

أرمض من تحت وأضحى من عل

وقال : يقال حوب حلي بالرفع والنصب والخفض في حوب. وقال العيني في الكبرى : البيت لأبي ثروان. وأظلله : على صيغة لجهول من الظل. والمعنى :رب يوم لا أجعل في ظل فيه أصير كذا وكذا. وأرمض : على صيغة المجهول من رمضت قدمه ، إذا احترقت من شدة الرمضاء ، وهي الأرض التي يقع عليها شدّة حرارة الشمس. وأضحى : كذلك ، من ضحيت الشمس بالكسر ضحاء ، بالمدّ ، إذا برزت. وقوله : لا أظلله ، أي لا أظلل فيه. وقوله : من (عله) قال أبو علي : الهاء فيه مشكلة ، لأنها كانت ضميرا فالواجب أن يقال من عله بالجر ، لأن الظرف لا يبنى

__________________

(١) أمالي ثعلب ٤٩٨ واللسان (حوب).

(٢) كذا ، ولعلها (غني) بالغين المعجمة.

٤٤٨

في حال الاضافة ، أو هاء السكت فهي لا تدخل فيما بني على حركة لا تدوم. وقال ابن الخشاب : الهاء هنا بدل من الواو ، وأصله علو ، فأبدلت الواو هاء في (يا هناه) والأصل (يا هنا) ولأنه فعال من هنوك. وكذا الهاء في عاملته وسانهته ، بدل من الواو ، لأن لام سنة واو لقولهم سنوات.

٢٤٣ ـ وأنشد :

أقبّ من تحت عربض من عل (١)

هو من أرجوزة لأبي النّجم العجلي يصف فيها أشياء كثيرة ، أوّلها (٢) :

الحمد لله العليّ الأجلل

الواسع الفضل الوهوب المجزل

أعطى فلم يبخل ولم يبخّل

كوم الدّرى من خول المخوّل

تبقّلت من أوّل التّبقّل

بين أقاحي مالك ونهشل (٣)

ومنها :

وقد جعلنا في وضين الأحبل

جوز خفاف قلبه ، مثقّل

أحزم لا قوق ولا حزنبل

موثّق الأعلى أمين الأسفل

أقبّ من تحت عريض من عل

معاود كرّة أدبر أقبل

__________________

(١) الخزانة ١ / ٤٠١ ، وابن عقيل ٢ / ١٩

(٢) من أرجوزة طويلة نادرة عدة أشطارها ١٩١ شطرا ، وكان رؤبة يسميها أم الرجز. وقال القتبي ٥٨٦ : (وهي أجود أرجوزة للعرب) وهي في الطرائف الأدبية للراجكوتي ٥٥ ـ ٧١ ، ومجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ٨ / ٤٧٢ ـ ٤٧٩ سنة ١٩٢٨ ، ومنها أبيات متفرقة في الخزانة ١ / ٤٠١ والطبري ٨ / ١٢٥ ، وابن سلام ٥٧٦ ، وانظر الشعراء ٥٨٦ والموشح ٢١٤ و ٢٤١. والكامل ٧٦ و ٨١٩ و ١٢٣١ ، ومجالس ثعلب ٢٣٠ واللآلي ٨٥٧.

(٣) ويروى (بين رماحي مالك ..) كما في الخزانة واللآلي ٥٨١ و ٨٥٦ والأمالي ٢ / ٢٣٣ والأغاني ١٠ / ١٥١ (الدار).

٤٤٩

تمشي من الردّة مشي الحفّل

مشي الرّوايا بالمزاد الأثقل

تثير أيديها عجاج القسطل

إذ عصبت بالعطن المغربل

تدافع الشّيب ولم تقتّل

في لجّة أمسك فلانا عن فل

ومنها

وبدّلت والدّهر ذو تبدّل

هيفا دبورا ، بالصّبا والشّمأل

تفلي له الشّعر ولمّا يفتلي

لمّة قفر كشعاع السّنبل

يأتي لها من أيمن وأشمل

قال الزمخشري والتدمري : الدرى : سع عريض كالحزام يعمل من أدم (١). خفاف : خفيف ، أي شددن في الوضين وسط بعير خفيف القلب ، ذكر مع ثقل بدنه وضخامته ، يريد بعير السانية. أحزم : عظيم ، موضع الحزام. قوق : طويل مضطرب. حزنبل : قصير. الأعلى : ظهره. الأسفل : قوائمه ، أي هو شديد القوائم. أقب من تحت : يعني أن خصره ضامر ، والخصر تحت المتن. عريض من عل ، يعني : أن متنه عريض. كرة أدبر أقبل : أي تكرر عليه هذا القول ، أي يقال له مرارا أقبل أدبر ، أي أدبر عن البئر اذا امتلأت الدلو ، وأقبل إليها اذا تفرّغت. والقسطل : الغبار. والعجاج : ما ارتفع منه. عصبت : اجتمعت. بالمعطن : وهو مبرك الابل. المغربل : المنخول ، أي ان تراب المعطن كأنه منخول لكثرة ما انسحق منه بشدة الحركة. والشيب : جمع أشيب ، أي شربت الشربة الأولى فسكنت فهي تدافع كالشيوخ ذوي الحلم. لم تقتل : أي لا تزدحم. تقتل : أصله تتقتل ، فادغمت التاء الاولى في الثانية وكسرت القاف لسكونها وسكون التاء الاولى ، وكسرت التاء اتباعا لكسرة القاف. في لجة : أي في اختلاط الأصوات ، يعني أصوات الذادة إذا اقتتل منهم اثنان صاح

__________________

(١) وفي الخزانة (الذرا) بالمعجمة ، وقال : (ذرا الشيء أعاليه). والكوم جمع كوماء وهي الناقة العظيمة السنام.

٤٥٠

الباقون أمسك فلانا عن فلان ، وحذف نون فلان ، والألف الزائدة قبلها ، وبناه على حرفين ، وهذا إنما يكون في النداء ، وحملته الضرورة على ذلك. وقال البطليوسي : شبه مزاحمة الابل ومدافعة بعضها بعضا بقوم شيوخ في لجة ، وضربهم بعضهم بعضا ، فيقال : إمسك فلانا عن فلان. والمعنى : في لجة يقال فيها ، فاضمر القول. قوله : تفلى له : أي الريح تهب على رأسه فتفرّق شعره فكأنها تقلبه ، ولم يفتل شعره هو لشعثه وقلة تعهده نفسه. قفر : أي قفر فخفف ، وهو اليابس الجسم لا يدهن ولا يغسل. الشعاع : بالفتح ، المتفرق ، شبه انتفاش شعره برؤس السنبل. يأتي لها أي للأبل يدور حولها. وأيمن وأشمل : جمع يمين وشمال ، جعلهما نكرتين فنوّنهما.

تنبيه : استشهد المصنف بالبيت على بناء (عل) على الضم اذا أريد به المعرفة تشبيها بالغايات ، وقد علمت انه مجرور. والأرجوزة كلها مجرورة ، وذكر انه في وصف الفرس ، وقد تقدم عن الزمخشري انه في وصف البعير ، ففي كلام المصنف انتقاد من وجهين. وقوله : (وبدلت ... البيت) أورده المصنف في الكتاب الثاني.

فائدة :

أبو النجم (١) ، اسمه الفضل بن قدامة بن عبيد بن محمد بن عبيد بن عبد الله ابن عبدة بن الحارث بن أبان بن عوف بن ربيعة بن مالك بن ربيعة بن عجل العجلي. ذكره الجمحي في الطبقة التاسعة من شعراء الاسلام (٢).

٢٤٤ ـ وأنشد :

كجلمود صخر حطّه السّيل من عل (٣)

هو من معلقة امرىء القيس بن حجر وصدره :

مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا

وقبله :

وقد أغتدي والطّير في وكناتها

بمنجرد قيد الأوابد هيكل

__________________

(١) انظر الاغاني ١٠ / ١٨٧ (الثقافة) و ١٠ / ١٥٠ (الدار).

(٢) ابن سلام ٥١٧

(٣) ديوانه ١٩ وانظر ص ٢٠ و ٩٢ و ٩٦ و ٩٧ و ٤٦٣.

٤٥١

أغتدى : أي أبكر. والوكنات : الأعشاش. ومنجرد : فرس قصير الشعر. والهيكل : الضخم. مكرّ : بكسر الميم ، يصلح للكر ، وهو الاقدام. ومفرّ : بكسرها أيضا ، يصلح للفرار. مقبل في مباشرة الحرب مدبر في التنحي عن الموت. والجلمود : الحجر العظيم. وحطّه : أنزله من فوق إلى تحت. يقول : هذا الفرس معتاد للحرب ، صالح لجميع أحوالها ، من طلب وهرب وكرّ وفرّ ، ثم شبهه في انملاس فخذيه بالصخرة المحطوطة بالسيل ، لأنه يملسها ، قاله التبريزيّ. وقد أورد المصنف ، قوله :

وقد أغتدي والطّير في وكناتها

في الكتاب الرابع مستشهدا به على (الحال) (١) ويروى : وكراتها. قال الزمخشري : وهي الاوكار ، واحدها في القياس وكر ، ولم يسمع.

__________________

(١) مزيدة

٤٥٢

شواهد عل

٢٤٥ ـ وأنشد :

لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدّهر قد رفعه (١)

عزاه ابن الأعرابي في نوادره للأضبط بن قريع من أبيات ، وهي (٢) :

لكلّ ضيق من الأمور سعه

والمسي والصّبح لا بقاء معه

لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدّهر قد رفعه

وصل حبال البعيد إن وصل ال

حبل وأقص القريب إن قطعه

واقبل من الدّهر ما أتاك به

من قرّ عينا بعيشه نفعه

قد يجمع المال غير آكله

ويأكل المال غير من جمعه

ما بال من غيّه مصيبك لا

تملك شيئا من أمره فدعه

حتّى إذا ما انجلت عمايته

أقبل يلحى وغيّه فجعه

__________________

(١) الخزانة ٤ / ٥٨٨ ، وابن عقيل ٢ / ١٠٣ ، والشعراء ٣٤٣ ، وفيه :

(تخشع يوما). والبيان والتبيين ٣ / ٢٠٤ ، وتذكرة ابن حمدون ٢٠ وفيهما (لا تحقرنّ الفقير).

(٢) انظر المعمرين ٨ ، والامالي ١ / ١٠٧ ـ ١٠٨ واللآلي ٣٢٦ ، بالاضافة الى المراجع السابقة مع اختلاف بينهم في الرواية.

٤٥٣

أذود عن نفسه ويخدعني

يا قوم من عاذري من الخدعه

قيل إن هذه الأبيات قيلت قبل الاسلام بدهر طويل. وقال في الحماسة البصرية : هي للأضبط بن قريع السّعديّ من شعراء الدولة الأموية.

ولا تهين : أصله لا تهينن ، بتوكيد الخفيفة ، حذفت لملاقاة الساكن وبقيت الفتحة. وقد استشهد به المصنف في التوضيح على ذلك. وأورده الجاحظ في البيان بلفظ : (لا تحقرن الفقير) وأورده غيره بلفظ : (لا تعادي الفقير) ولا شاهد فيهما. وعلك : لغة في لعلك ، وعلى ذلك أورد البيت هنا. وتركع : من الركوع ، وهو الانحناء والميل ، من ركعت النخلة إذا انحنت ومالت ، وأراد به الانحطاط من المرتبة والسقوط من المنزلة.

٢٤٦ ـ وأنشد :

علّ صروف الدّهر أو دولاتها

يدلننا اللّمّة من لمّاتها

فتستريح النّفس من زفراتها

أنشده الفرّاء ولم يعزه الى أحد. وعل : أصله لعل. وصروف الدهر : حوادثه ونوائبه ، واحدها صرف ، بفتح المهملة. والدولات : بضم الدال ، جمع دولة ، وهي اسم الشيء الذي يتداول. ويدلننا الله : من أدالنا الله من عدونا إدالة ، وهي الغلبة. يقال : أدلني على فلان وانصرني عليه. واللمة : بفتح اللام وتشديد الميم الشدة ، والجمع لمات. وزفرات : بفتح الزاي وسكون الفاء ، جمع زفرة وهي الشدّة. وحق الجمع زفرات ، بفتح الفاء ، وإنما سكنت للضرورة. والرجز فيه شواهد : أحدها هذا ، والثاني استعمال عل في لعل. والثالث نصب المضارع بأن بعد الفاء في جواب الترجي ، وعلى ذلك أورده ابن مالك.

٢٤٧ ـ وأنشد :

لعلّ التفاتا منك نحوي مقدّر

يمل بك من بعد القساوة للرّحم

الرّحم : بضم الراء ، الرحمة.

٤٥٤

شواهد عند

٢٤٨ ـ وأنشد :

لدن شبّ حتّى شاب سود الذّوائب (١)

هو للقطامي ، وصدره :

صريع غوان راقهنّ ورقنه

وقبله :

كأنّ فضيضا من غريض غمامة

على ظمأ جادت به أمّ غالب

لمستهلك قد كاد من شدّة الهوى

يموت ومن طول العدات الكواذب

وبعده :

قديديمة التّجريب والحلم أنني

أرى غفلات العيش قبل التّجارب (٢)

وأوّل القصيدة :

نأتك بليلى نأية لم تقارب

وما حبّ ليلى من فؤادي بذاهب

الفضيض : الماء العذب الذي ينفض من السحاب ، أي يسقط ويتفرّق. والغريض :

__________________

(١) اللآلي ١٣٢ والاغاني ٢٣ / ١٧٦ (الثقافة) والخزانة ١ / ٣٩٣ و ٣ / ١٨٨

(٢) البيت في الاساس (قدم) منسوب الى علقمة ، وفيه : (قديديمة ذاك أي قبيله).

٤٥٥

الطّري ، وهو كناية عن ريق المحبوبة. والظمأ : العطش. وأم غالب : محبوبته. والمستهلك : الذي يعرّض نفسه للهلاك. والعداة : جمع عدة ، وهي الموعد. والصريع : المصروعة. والغواني : جمع غانية ، وهي الشابة التي غنيت بجمالها عن التصنع والزينة. وقيل المتزوّجة ، كأنها غنيت بزوجها عن غيره. وقيل : هي التي غنيت في بيت أبويها فلم تتزوّج. وقيل : إن القطامى أوّل من سمي صريع الغواني لقوله هذا البيت. وراقهنّ ورقنه : أعجبهن وأعجبته. لدن شب : أي من عند وقت شبابه إلى أن شاب وشاخ. والذوائب : الضفائر من الشعر ، واحدها ذؤابة. والبيت استشهد به على اضافة لدن إلى الجملة.

فائدة :

القطاميّ اسمه عمرو (١) ، ويقال عمير بن شييم بن عمر بن عباد بن بكر بن عامر ابن أسامة بن مالك بن جشم الثّعلبي ، من فحول الشعراء. كان نصرانيا فأسلم ، ومدح الوليد بن عبد الملك. ذكره الجمحي في الطبقة الثانية من شعراء الاسلام (٢). أخرج عن الأصمعي قال : قال بلال بن أبي بردة ، لجلسائه ذات ليلة : خبروني بسابق الشعراء والمصلى ، والثالث والرابع؟ فسكتوا : فقال : سابق الشعراء قول المرقش (٣).

فمن يلق خيرا يحمد النّاس أمره

ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما

والمصلى قول طرفة (٤) :

ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

والثالث قول النابغة (٥) :

__________________

(١) انظر المرزباني ٤٧ ، والشعراء ٧٠١ والمزهر ٢ / ٤٢٢

(٢) الطبقات ٤٥٢

(٣) البيت رقم ٢٢ من المفضلية رقم ٥٦ وهو في الشعراء ١٦٨ وحماسة البحتري ٢٣٦ والاغاني ٥ / ١٨٤ ـ ١٨٥ ومعجم الشعراء ٥ ، ونسبه في أمالي المرتضى ١ / ٣٦١ الى قعنب الفزاري.

(٤) انظر ص ٢٦٨ و ٢٧٠ وهو أيضا في أمالي المرتضى ١ / ٣٦١.

(٥) انظر ص ٩٧ ، والمزهر ٢ / ٤٨١.

٤٥٦

ولست بمستبق أخا لا تلمّه

على شعث أيّ الرّجال المهذّب؟

والرابع قول القطامي (١) :

قد يدرك المتأنّي بعض حاجته

وقد يكون مع المستعجل الزّلل

__________________

(١) الشعراء ٧٠٤

٤٥٧

حرف الغين

٢٤٩ ـ وأنشد :

لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت

حمامة في غصون ذات أو قال (١)

هو لأبي قيس بن رفاعة من الأنصار ، كذا في شرح أبيات الكتاب للزمخشري (٢) وقبله :

ثمّ ارعويت وقد طال الوقوف بنا

فيها ، فصرت إلى وجناء شملال

تعطيك مشيا وإرقالا ودأدأة

إذا تسربلت الآكام بالآل

قال الزمخشري : يريد أنه أطال الوقوف على الدار ، ثم ارعوى عنها ، أي رجع فصار إلى راحلته. والدأدأة : ضرب من العدو. والأوقال : جمع وقل ، وهو شجر المقل. وضمير (منها) للناقة ، أي لم يمنعها أن تشرب ، إلا أنها سمعت صوت حمامة فنفرت ، يريد حدة نفسها ، انتهى. والوجناء : الناقة الشديدة ، وقيل العظيمة الوجنتين. والشملال : الخفيفة السريعة.

٢٥٠ ـ وأنشد :

لذ بقيس حين يأبى غيره

تلفه بحرا مفيضا خيره

لم يسم قائله ، ولذ ، أمر : من لاذ يلوذ. وتلفه : بالفاء ، من ألفى إذا وجد. ومفيضا : من أفاض ، وثلاثيه فاض. يقال : فاض الماء إذا كثر حتى سال على ضفة

__________________

(١) الخزانة ٢ / ٤٥ ، واللسان (وقل) وفيه : (سحوق ...)

(٢) وهو أبو قيس بن الاسلت من بني عمرو بن عوف ، وانظر ابن سلام ١٧٩

٤٥٨

الوادي. وغيره : فاعل يأبى ، وهو مبني على الفتح لاضافته الى مبنى ، وخبره مفعول لقوله مفيضا.

٢٥١ ـ وأنشد :

أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا

متى أضع العمامة تعرفوني (١)

هذا مطلع قصيدة لسحيم بن وثيل الرّياحي ، وبعده :

وإنّ مكاننا من حميريّ

مكان اللّيث من وسط العرين

وإنّي لن يعود إليّ قرني

غداة الغبّ إلّا في قرين

لذي لبد يصدّ الرّكب عنه

ولا تؤتى فريسته لحين

عذرت البزل إن هي خاطرتني

فما بالي وبال ابني لبون

وما ذا تبتغي الشّعراء منّي

وقد جاوزت حدّ الأربعين

أخو الخمسين مجتمع أشدّي

ونجّذني مداورة الشّؤون

فإنّ علالتي وجراء حولي

لذو شقّ على الضّرع الظّنون (٢)

كريم الخال من سلفي رياح

كنصل السّيف وضّاح الجبين

متى أحلل إلى قطن وزيد

وسلمى تكثر الأصوات دوني (٣)

__________________

(١) البيت أوّل الأصمعية رقم ١ وهو في الخزانة ١ / ١٢٣ ، وابن سلام ٤٩٢ ، وحماسة البحتري ١٣ والاصابة ٣ / ٤٦٤ واللآلي ٥٥٨ ، وشرح شواهد العيني ١ / ١٩٣ و ٤ / ٣٥٦ والبيان والتبيين ٢ / ٢٤٦ والأمالي ١ / ٢٤٦ والاشتقاق ٢٢٤ والشعراء ٦٢٦.

(٢) وبعده كما في الاصمعيات :

سأحيى ما حييت وإنّ ظهري

لمستند إلى نضد أمين

(٣) البيت والبيتان اللذان يلينه ليست في الاصمعية رقم ١ وليست هي أيضا من مفضلية المثقب العبدي رقم ٧٦ والتي خلط بعض الرواة بينها وبين هذه القصيدة.

٤٥٩

وهمّام متى أحلل عليه

يحلّ اللّيث في عيص أمين

ألف الجانبين به أسود

منطقة بأصلاب الجفون

وإنّ قناتنا مشظ شظاها

شديد مدّها عنق القرين

قوله :

أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا

مبالغة طالع. والثنايا : جمع الثنية ، وهي السن المعروفة. ويقال : رجل طلّاع الثنايا ، اذا كان ساميا لمعالي الأمور ، كذا قال ابن قتيبة في أبيات المعاني. قوله : (وطلّاع الثنايا) أي يطلع على الثنايا ، وهي ما علا من الأرض وغلظ. ومثله قولهم : فلان طلاع أنجد. وهو جمع نجد ، انتهى. والعرين : مأوى الأسد الذي يألفه ، وأصله جماعة الشجر. والقرن : بالفتح ، النظير. قوله :

وقد جاوزت حدّ الأربعين

استشهد به النحاة على كسر نون الجمع لغة أو ضرورة (١). والأشد : القوّة ، وهو مفرد ، كالآنك للرصاص ، ولا ثالث لهما ، قاله المصنف في شواهده. وقيل : جمع لا واحد له ، وقيل : جمع شدة ، كنعمة وأنعم. ونجذني : بالجيم والذال المعجمة ، هذبني وأحكمني. ومداورة : معالجة. والشؤون : الأمور ، جمع شأن. والشظا : ما تشظى من العصاء. قال الأصمعي : اذا مسست شيئا خشنا فدخل في يدك قيل مشظت يدي.

فائدة :

سحيم بن وثيل ، بالمثلثة مصغرا ، ابن أعيقر بن أبي عمرو بن إهاب بن حميري

__________________

(١) انظر بالاضافة الى المراجع السابقة : الكامل ٤٥٠ وابن سلام ٥٩ ، والموشح ٢٢ و ٢٤ و ١٣٢

٤٦٠