جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: لجنة التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٤٦
فيا ربّ يوم قد لهوت وليلة |
|
بآنسة كأنّها خطّ تمثال |
يضيء الفراش وجهها لضجيعها |
|
كمصباح زيت في قناديل ذبّال |
الى أن قال :
تنوّرتها من أذرعات وأهلها |
|
بيثرب أدنى دارها نظر عال |
نظرت إليها والنّجوم كأنّها |
|
مصابيح رهبان تشبّ لقفّال |
سموت إليها بعد ما نام أهلها |
|
سموّ حباب الماء حالا على حال |
فقالت : سباك الله إنّك فاضحي |
|
ألست ترى السّمّار والنّاس أحوالي! |
فقلت : يمين الله أبرح قاعدا |
|
ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي |
فلمّا تنازعنا الحديث وأسمحت |
|
هصرت بغصن ذي شماريخ ميّال |
فصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا |
|
ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال |
حلفت لها بالله حلفة فاجر |
|
لناموا فما إن من حديث ولا صال |
وأصبحت معشوقا وأصبح زوجها |
|
عليه القتام كاسف الظّنّ والبال |
يغطّ غطيط البكر شدّ خناقه |
|
ليقتلني والمرء ليس بقتّال |
أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي |
|
ومسنونة زرق كأنياب أغوال |
وليس بذي سيف فيقتلني به |
|
وليس بذي رمح وليس بنبّال |
ومنها :
كأنّي بفتخاء الجناحين لقوة |
|
على عجل منها أطأطىء شيّمالي |
تخطّف خزّاز الأنيعم بالضّحى |
|
وقد جحرت منها ثعالب أورال |
كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا |
|
لدى وكرها العنّاب والحشف البالي |
فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة |
|
كفاني ، ولم أطلب ، قليل من المال |
ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل |
|
وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي |
عم : أصله أنعم ، حذف منه الألف والنون تخفيفا ، ويجوز في العين الفتح والكسر ، من أنعم ، مفتوح العين ومكسورها ، وكانت تحية الجاهلية. ويقال : إنه من وعم بعم ، على فعال وعد يعد ، أو على مثال ومق يمق. يقولون في الغداة عم صباحا ، وفي العشية عم مساء ، وفي الليل عم ظلاما. وصباحا : نصب على الظرف ، أي أنعم في صباحك. ويجوز كونه تمييزا منقولا نحو : (اشتعل الرأس شيبا). وعن أبي عمرو : انه من نعم المطر إذا كثر ، ونعم الشجر إذا كثر زبده ، كأنه دعا بالسقيا وكثرة الخير. وقال الاصمعي : مودعا بالنعيم. وهل يعمن : استفهام إنكار ، وأصله ينعمن ، وفيه شاهد على ورود هل في الاستفهام الانكاري ، وعلى تأكيد المضارع بالنون بعد الاستفهام ، و (من) فاعل ، وقد استعمله في غير العقلاء ، وأورده المصنف في التوضيح شاهدا لذلك. والعصر : بضمتين ، بمعنى العصر بالفتح فالسكون وهو الدهر والزمان. والأوجال : جمع وجل ، وهو الخوف. وعافيات : دارسات. وذو الخال : جبل مما يلي نجد. والأسحم : الأسود ، وهو أغزر ما يكون من الغيم. وهطّال : سيّال دائم. وبسباسة : بموحدتين ومهملتين ، امرأة من بني أسد. وآنسة : ذات أنس من غير ريبة. والتمثال : الصورة. وخطها : نقشها. والذبّال : بضم الذال المعجمة وتشديد الموحدة ، جمع ذبالة ، وهي الفتيلة. والمعنى : في ذبال قناديل. وقوله : تنوّرتها ، أي نظرت إلى نارها ، وانما أراد بقلبه لا بعينه ، يقال : تنوّرت النار من بعيد ، أي أبصرتها ، فكأنه من فرط الشوق يرى نارها. وأذرعات : بلدة بالشام. وقد أورد النحاة ، ومنهم المصنف في التوضيح هذا البيت على أن نحو أذرعات يجوز فيه الكسر في النصب منوّنا وغير منوّن. والاعراب كغير المنصرف ، فإن البيت روي بالأوجه الثلاثة. ويثرب : المدينة النبوية. والواو في (وأهلها) حالية.
وقوله : (وأدني دارها نظر عالي) يقول : كيف أراها وأدني دارها نظر مرتفع. وقيل معناه : أقرب دارها منا بعيد ، فكيف بها ودونها نظر عالي. وتشب : توقد. وقفّال ، بضم القاف وتشديد الفاء ، جمع قافل ، وهو الذي قد رجع من غزوة. وسموت : نهضت. والحباب ، بفتح الحاء المهملة وتخفيف الموحدة ، الطرائق التي في الماء كأنها الوشي. وسباك الله : أبعدك وأذهبك الى غربة. وقيل : لعنك. وقال أبو حاتم : معناه سلط عليك من يسبيك. وأوصال : جمع وصل ، وهي المفاصل. ويمين الله : مبتدأ وخبره محذوف ، أي على وأبرح على حذف لا ، أي لا أبرح. وقد أورده المصنف في التوضيح شاهدا لذلك. وأسمحت : سهلت ولانت. وهصرت بغصن : ثنيت غصنا ، والباء زائدة ورضت : من راض يريض. وقوله : (حلفت ... البيت) والفاجر : اللازب. وصال : المصطلي بالنار. والقتام ، وكاشف البال : سيىء الخاطر. ويغط : أي يرى له غطيط من الغيظ ، كما يرى للبكر إذا خنق فشدّت الأنشوطة في عنقه. والبكر : بفتح الباء ، الفتي من الابل. وليس بقتال : أي ليس بصاحب قتل. والمشرفي : بفتح الميم ، السيف المنسوب إلى مشارف الشام ، وهي قرى للعرب تدنو من الروم. ومسنونه : محددة بالمسنّ ، وأراد بها المشاقص. والأغوال : الشياطين ، وأراد به التهويل. قال المبرد (١) : لم يخبر صادق أنه رأى الغول. قوله : وليس بذي رمح : أي بفارس. والنبّال : الرامي بالنبل. وقد قال الرياشيّ : النبّال هنا ليس بجيد ، لأن النبّال هو الذي يعمل النبل أو يبيعها ، والذي يرمي بها يقال له نابل. وقال أبو حاتم مثل هذا ، كقولهم سياف أي يضرب بالسيف. وقد استشهد المصنف بهذا البيت على ان فعالا يأتي بمعنى صاحب. كذا ، فإن نبالا بمعنى صاحب نبل استغنى به عن ياء النسب. قوله : بفتخاء الجناحين ، أي لينة الجناحين ، والفتح اللين. واللقوة : بكسر اللام ، العقاب. وشيمّالي ، بالتشديد ، أصله : شيمالي ، ومعناه شيمالي زيدت فيه الياء. وروي شئمالي بالهمز ، ومعناه سريعة ، يقال : ناقة شملال أي سريعة. ويقال فلان يطاطىء في ماله : أي يسرع. وتخطف : أي تخطف هذه العقاب التي شبه بها فرسه. والخزّار : بكسر الخاء وتشديد الزاي المعجمتين ، جمع خزر ، وهو الذكر من الأرانب. وجحرت : توارت. وأورال : موضع. يقول :
__________________
(١) الكامل ٨٢٢ ، وأورد البيت ، باختلاف اللفظ.
ثعالب ذلك الموضع لا ترعى من خوف هذه العقاب. والحشف : أردأ التمر. والبالي : العتيق. ومجد مؤثل : قديم. وقوله : (كأن قلوب الطير ... البيت). استشهد به المصنف في التوضيح على أن رطبا ويابسا حالان متضمنان معنى الفعل ، فلذا وجب تأخيرهما. واستشهد به أهل البيان على التشبيه الملفوف ، وهو أن يؤتى بمشبهين ثم المشبه بهما ، فإن العناب راجع إلى رطب ، والحشف راجع الى يابس. قال المبرد في الكامل (١) : هذا البيت أحسن ما جاء في تشبيه شيئين مختلفين في حالين مختلفين بشيئين مختلفين.
وقال ابن عساكر في تاريخه : يقال أن لبيدا قدم المدينة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من أشعر الناس؟ فقال : يا حسان ، أعلمه. فقال حسان : الذي يقول : كأن قلوب الطير ... البيت. فقال : هذا امرؤ القيس. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لو أدركته لنفعته ، ثم قال : معه لواء الشعر يوم القيامة حتى يتدهدأ بهم في النار.
وأخرج ابن عساكر من طرق عن عفيف بن معدي كرب : ان النبي صلىاللهعليهوسلم ذكر عنده امرؤ القيس فقال : ذاك رجل مذكور في الدنيا منسيّ في الآخرة ، شريف في الدنيا خامل في الآخرة ، بيده لواء الشعراء يقودهم إلى النار.
__________________
(١) الكامل ٧٤٠ ، وقال ابن قتيبة في الشعراء ٥٧ : (ويستجاد من تشبيهه قوله : كأن قلوب ... البيت).
شواهد بجل
١٥٩ ـ وأنشد :
ألا بجلي من ذا الشّراب الأبجل
هو من قصيدة لطرفة بن العبد أولها :
لخولة بالأجزاع من إضم ظلل (١) |
|
وبالسّفح من قوّ مقام ومحتمل |
فلا زال غيث من ربيع وصيّف |
|
على دارها حيث استقرّت له زجل |
ومنها :
لها كبد ملساء ذات أسرّة |
|
وكشحان لم ينقض طواءهما الحبل |
إذا قلت : هل يسلو اللّبانة عاشق |
|
تمرّ شؤون الحبّ من خولة الأول |
متى تر يوما عرصة في ديارها |
|
ولو فرط حول تسجم العين أو تهلّ |
فقل لخيال الحنظليّة ينقلب |
|
إليها ، فإنّي واصل حبل من وصل |
ألا إنّما أبكي ليوم لقيته |
|
بجرثم قاس كلّ ما بعده جلل |
إذا لا جاء ما لا بدّ منه فمرحبا (٢) |
|
به حتّى يأتي لا كذاب ولا علل |
ألا إنّني شربت أسود حالكا |
|
ألا بجلي من الشّراب الأبجل |
__________________
(١) في البكري ١٦٦ (أضم): (بالأجراع من إضم طلل) بالطاء المهملة.
(٢) كذا في الاصل ، ويروى : (إذا جاء) كما في ديوان طرفة (صادر).
فلا أعرفنّي إن نشدتك ذمّتي |
|
كداعي هديل لا يجاب ولا يمل |
الأجزاع : جمع جزع بكسر الجيم وسكون الزاي ، وهو منعطف الوادي. وإضم : بكسر الهمزة وفتح الضاد المعجمة ، واد لأشجع وجهينة. والسفح : موضع. وقوّ : بفتح القاف وتشديد الواو ، واد. والمقام بضم الميم ، بمعنى الاقامة ، والمحتمل : الارتحال. والصيّف : بتشديد الياء. وزجل : بفتح الزاي والجيم ، صوت ورعد. قوله : (لها) أي لخولة ، وأراد بالكبد بطنها ووسطها. والأسرّة : العكن والطرائق ، وهي الخطوط التي تكون على البطن ، كما يكون في الكف والجبهة ، واحدها سرر ، بكسر السين وفتح الراء ، وجمع الجمع : أسارير. والملساء : تأنيث أملس ، وهو اللين من الملاسة ، وهي ضدّ الخشونة. والكشحان : ما انضمت عليه الأضلاع من الجبين ، ويقال هما الخصران. وقوله : لم ينقض طواءهما ، بالضاد المعجمة ، يعني هي خميصة البطن ليست بمفاضة ، من قولهم : رجل طاو إذا كان ضامر البطن. ومد الطواء للضرورة ، وهو مقصور. وقد استشهد ابن أم قاسم بالبيت على ذلك. والحبل : الامتلاء. ويسلو اللبانة : أي عن اللبانة ، فأسقط الجار وعدى الفعل. والسلوان : يطيب النفس لترك الشيء. وتمرّ تشتد وتقوى. والشؤن : الأمور ، واحدها شأن. والعرصة : الساحة ليس فيها بناء. وتسجم العين : يسيل دمعها. وتهل : تقطر دمعها. والحنظلية : من بني حنظلة بن مالك. وجرثم : موضع. والقاسي : الشديد ، وهو صفة ليوم. والجلل : بفتح الجيم واللام الصغير هنا ، ويأتي بمعنى الكبير ، وهو من الاضداد. والكذاب : بالكسر بمعنى الكذب. والعلل : جمع علة. وأسود حالكا : أراد به كأس المنية ، وقيل السم ، وهل مثل ضربه لفساد ما بينه وبينها. والحالك : الشديد السواد. وبجل : يأتي حرف جواب بمعنى نعم. واسم فعل بمعنى يكفي. واسما مرادفا لحسب ، وهو المراد هنا ، فعليه يقال : بجلى. وعلى اسم الفعل يقال بجلنى ، بنون الوقاية. وقوله : الأبجل : تأكيد للأول. وقال العيني : الثاني في البيت حرف بمعنى نعم. ونشدتك ذمّتي : سألتك إياها وطلبتها منك. الهديل : بفتح الهاء ، فرخ ضل على عهد نوح عليهالسلام ، والحمام يبكي عليه كما تزعمه العرب. وقوله : ولا يمل ، أي لا يمل الدعاء أبدا.
شواهد بل
١٦٠ ـ وأنشد :
بل بلد ملء الفجاج قتمه (١)
هو لرؤبة من أرجوزة طويلة أولها :
قلت لزير لم تصله مريمه |
|
هل تعرف الرّبع المحيل أرسمه |
عفت عوافيه وطال قدمه |
|
بل بلد ملء الفجاج قتمه |
لا يشترى كتّانه وجهرمه |
|
يجتاب ضحضاح التّراب أكمه |
كالحوت لا يرويه شيء يلهمه |
|
يصبح ضمآن وفي البحر فمه |
قطّعت أمّا قاصدا تيمّمه |
|
إلى ابن مجد لم يخرّق أدمه |
قوله : لزير ، بكسر الزاي ، الذي يكثر زيارة النساء وخلطتهن. قوله : بل بلد ، أي بل رب بلد ، فأضمر رب وخبريها. والبيت استشهد به ابن مالك على ذلك. والفجاج : الطرق. والقتم : الغبار. والكتان : هنا السبايب ، وهي جمع سبيبة ، شقة محتمان رقيقة. والجهرمية : بسط شعر ، نسبة الى جهرم قرية بفارس ، فالجهرم هنا جمع جهرمي أضيف الى الضمير. قال الفارسي : وأورده في الايضاح شاهدا على ذلك. وقال أبو حاتم والزيادي : الجهرم : البساط من الشعر ، والجمع جهارم. قال شارع أبيات الايضاح : فلا شاهد فيه لما قال الفارسي على هذا ، يجتاب يلبس.
__________________
(١) ابن عقيل ١ / ٢٤٥.
والضحضاح : ماء قريب القعر. ويلهمه : يبتلعه ، من اللهام ، فعال ، من لهمت الشيء ألهمه ، إذا ابتلعته. وقطعت : جواب رب. وأما : أي قصدا لم أتعرّض لغيره. وقاصدا : صفة أما. وتيممه : قصده ، وهو مرفوع بقاصد ، وأضافه الى الحوت مجازا ، وهو يريد صاحبه. وابن مجد : هو السفاح أو المنصور. لم يخرق أدمه : أي لم يقدح في عرضه. وقوله : وفي البحر فمه : استشهد به ابن أم قاسم في شرح الألفية على أبيات الميم في أنعم ، حالة الاضافة خلافا لمن أنكره. وقوله :
قلت لزير لم تصله مريمه
استشهد به البيضاوي في تفسيره على معنى مريم.
١٦١ ـ وأنشد :
وما هجرتك ، لا بل زادني شغفا |
|
هجر وبعد تراخى لا إلى الأجل |
الشغف : بفتح المعجمتين ، مصدر شغفه الحب ، إذا خرق ، شغفان قلبه حتى وصل الى الفؤاد. والشغاف : حجاب القلب. وقيل : جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب.
شواهد بيد
١٦٢ ـ وأنشد :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب (١) |
هو من قصيدة للنابغة الذيباني يمدح بها النعمان بن الحارث (٢) ، أوّلها :
كليني لهمّ يا أميمة ناصب |
|
وليل أقاسيه بطيء الكواكب |
تطاول حتّى قلت ليس بمنقض |
|
وليس الّذي يرعى النّجوم بآيب |
ومنها :
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم |
|
من النّاس ، والأحلام غير عوازب |
مجلّتهم ذات الإله ، ودينهم |
|
قويم ، فما يرجون غير العواقب |
وبعد قوله ولا عيب ... البيت :
تخيّرن من أزمان يوم حليمة |
|
إلى اليوم قد جرّبن كلّ التّجارب |
__________________
(١) سيبويه ١ / ٣٦٧ ، والخزانة ١ / ٣٧٠ و ٢ / ٩ ، والكامل ٤٨ و ٣٠٠ ، والاغاني ١١ / ١٥ و ١٧ (الثقافة).
(٢) في الخزانة ٢ / ٩ (وهذا البيت من قصيدة للنابغة الذبياني ، مدح بها عمرو بن الحارث الأصغر ابن الحارث الاعرج ابن الحارث الاكبر ، من ملوك الشام الغسانيين ، وذلك لما هرب من النعمان بن المنذر اللخمي ، من ملوك الحيرة. وليس الممدوح بها النعمان بن الحارث ـ كما وهم شارح شواهد المغني ـ لتصريح الممدوح بها في القصيدة). ولبيت هو :
فهم يتساقون المنيّة بينهم |
|
بأيديهم بيض رقاق المضارب |
ومنها :
فلا يحسبون الخير لا شرّ بعده |
|
ولا يحسبون الشّرّ ضربة لازب |
قوله : كليني : أي دعيني. وأميمة : اسم امرأة ، وضبط في ديوانه بنصب التاء. وقال شارحه ، ذكر أبو عمرو والفراء : أن العرب تقول يا أميم ، ويا طلح ، ثم يلحقون الهاء ، فينصبون على نية القائها ، وعلى ذلك أورده ابن أم قاسم في شرح الألفية مستشهدا به. وقال بعضهم : للناس في تخريج ذلك أقوال ، أحدها أن الفتحة إعراب ، ولم ينوّن لأنه غير منصرف. والثاني أنها بناء ، لأن منهم من يبني المنادى المفرد على الفتح ، كباب لا رجل ، الثالث وعليه الأكثر أنه يرخم ، أصله يا أميم ، ثم أدخلت الهاء غير معتدّ بها ، وفتحت لأنها وقعت موقع ما يستحق الفتح ، وهو ما قبل تاء التأنيث ، ولا شيء. على هنا قولان : أحدهما أن الهاء زائدة ، ففتحت اتباعا لحركة الميم. والثاني أنها دخلت بين الميم وفتحها فالفتحة التي في الهاء هي فتحة الميم اتباعا لحركة الهاء (١) وناصب صفة لهم على حدّ : (شعر شاعر وعيشة راضية). وإنما الناصب صاحبه ، والنصب : التعب. وحمله سيبويه على النسب أي ذي نصب. وأقاسيه : أكابده. وقوله : (وليل) بالجر ، عطفا على لهمّ. وقوله : أقاسيه وبطىء الكواكب صفتان لليل. وقدّم الوصف بالجملة على الوصف بالمفرد. وإضافة بطىء لفظية لانها صفة مشبهة. ويراعي : يراقب. وآيب : راجع. قال شارحه : شبه طول الليل ومراعاته لكواكبه التي لا تبرح براعي إبل لا تريح إبله ، ولا يرجع إلى أهله. والشيمة : الطبيعة. والعواذب : جمع عاذبة ، وهي الغائبة. ومجلتهم : يروى بالجيم ، وهو الكتاب ، أي كتابهم كتاب الله. وبالحاء : أي محلهم ببيت الله ، يريد بيت المقدس والشام. ويروى مخافتهم. والفلول : كسور في حدّ السيف ، واحدها فل ،
__________________
علىّ لعمرو نعمة بعد نعمة |
|
لوالده ليست بذات عقارب |
وقال من القصيدة يمدح والد الممدوح :
وللحارث الجفنيّ سيد قومه |
|
ليلتمسن بالجمع أرض المحارب |
(١) وهذا قول أبي علي الفارسي ، كما في الخزانة ١ / ٣٧٠.
بالفتح. والقراع بالكسر ، الضراب. والكتائب : جمع كتيبة ، وهي الجيش.
والبيت بين تأكيد المدح بالشبه الذم ، ونظيره قول الآخر :
ولا عيب فيه غير ما خوف قومه |
|
على نفسه أن لا يطول بقاؤها |
وقول الآخر :
ولا عيب فينا غير عرق لمعشر |
|
كرام وإنّا لا نخطّ على النّمل |
قال أبو عمرو : اذا كان الرجل أمه أخته ثم خط على النملة ، وهي قريحة تظهر في ظهر الكف ، لم يلبث أن يجف ، وهذا إنما يوجد في نكاح المجوس. فعرّض الشاعر برجل أخواله مجوس فقال لست أنا كأولئك. ومن ذلك أيضا قول العطائي :
ولا عيب فيهم غير أنّ قدورهم |
|
على المال أمثال السّنين الحواطم |
وقوله : (تخيرن ... البيت). أورده المصنف في شواهد (من) على وقوعها لابتداء الغاية في الزمان. وقيل التقدير : من مضي الأزمان. وأورده في الكتاب : (وتخيرن) بالبناء للمفعول. وحليمة : امرأة من غسان كانوا اذا أحسن الرجل منهم القتال طيبته حليمة. واليوم المذكور يوم أخذت الملك من الضجاعم (١). وذلك أن رجلا من غسان ، يقال له جذع ، أتاه الضجعمي يسأله الخراج ، فأعطاه دينارا. فقال : هات آخر ، وشدّد عليه ، فدخل جذع منزله فأخذ سيفه فضرب عنق الضجعمي ، ثم قاتلوهم فأخذوا الملك منهم. فيقال في المثل : خذ من جذع ما أعطاك. ويقال أيضا : ما يوم حليمة بسر. قال المبرّد في الكامل (٢). ويقال إن الغبار يوم حليمة سدّ عين الشمس فظهرت الكواكب المتباعدة عن مطلع الشمس. قال : وأظن قول القائل من العرب (لأرينّك الكواكب ظهرا) أخذ من يوم حليمة. وكل التجارب :
__________________
(١) (قوله يوم حليمة) هو اليوم الذي أخذ الملك من الضجاعم غير صحيح بل متباين هو ويوم حليمة ، يعلم ذلك أهل العلم والتاريخ اه. محمد محمود الشنقيطي. قلت : انظر يوم حليمة : الخزانة ٢ / ١١ وثمار القلوب للثعالبي وأمثال الميداني. والعسكري في التصحيف ، والكامل ٦٥٣ ، وأورد البيت ، والكنايات للجرجاني ١٠٥ ونهاية الارب ٣ / ٥١
(٢) الكامل ٦٥٣
نصب على المصدر. والبيض : السيوف. والمضارب : الأطراف. واللازب : اللازم.
١٦٣ ـ وأنشد :
عمدا فعلت ذاك بيد أنّي |
|
أخاف إن هلكت أن ترنّي (١) |
أنشده يوسف بن السيرافي في شرح أبيات إصلاح المنطق بلفظ :
أخال إن هلكت لم ترنّي
ولم يسم قائله. وقال : إخال أظن ، بكسر الهمزة وفتحها. وترني : من الرنين ، وهو الصوت. يقال : أرن يرنّ إرنانا ، إذا صوّت. والارنان : صوت مع توجع ، إنما أظن أني إن هلكت لم تبك عليّ ولم تنوحي. يزعم أنها تبغضه انتهى. وقال التبريزي في شرحه : عمدا أي تعمدا ، وبيد بمعنى غير. وإخال : أحسب. وترني : من الرنين وهو الصوت بالبكاء. قال : والبيت أنشده الاصمعي ، انتهى. وأنشده الجوهري في الصحاح شاهدا على أنه يقال أرنت بمعنى صاحت.
__________________
(١) اللسان (رنن) برواية (لم ترني) ، وهو أيضا في الصحاح للجوهري (لا ترني).
شواهد بله
١٦٤ ـ وأنشد :
تذر الجماجم ضاحيا هاماتها |
|
بله الأكفّ كأنّها لم تخلق |
هو لكعب بن مالك الصحابي رضياللهعنه من قصيدة قالها في يوم الخندق. وأوّلها (١) :
من سرّه ضرب يمعمع بعضه |
|
بعضا كمعمعة الأباء المحرق |
فليأت مأسدة تسنّ سيوفها |
|
بين المذاد وبين جزع الخندق |
دربوا بضرب المعلنين وأسلموا |
|
مهجات أنفسهم لربّ المشرق |
في عصبة نصر الإله نبيّه |
|
بهم وكان بعبده ذا مرفق |
في كلّ سابغة تخطّ فضولها |
|
كالنهى هبّت ريحه المترقرق |
بيضاء محكمة كأنّ قتيرها |
|
حدق الجنادب ذات سكّ مولق |
جدلاء يحفزها نجاد مهنّد |
|
صافي الحديدة صارم ذي رونق |
تلكم مع التّقوى تكون لباسها |
|
يوم الهياج وكلّ ساعة مصدق |
__________________
(١) انظر سيرة ابن هشام ٧٠٥ ـ ٧٠٦ والاغاني ١٦ / ١٦٣ (الثقافة) والبكري ٤٨٢ و ٦٦٨ ومعجم البلدان والكامل ٦٧٨ وفي جميع هذه المراجع برواية (ضرب يرعبل).
نصل السّيوف إذا قصرن بخطونا |
|
قدما ، ونلحقها إذا لم تلحق |
فترى الجماجم ضاحيا هاماتها |
|
بله الأكفّ كأنّها لم تخلق |
نلقى العدوّ بفخمة ملمومة |
|
تنفي الجموع كقصد رأس المشرق |
ويعدّ للأعداء كلّ مقلّص |
|
ورد ومحجول القوائم أبلق |
تردى بفرسان كأنّ كماتهم |
|
عند الهياج أسود طلّ ملثق |
صدق يعاطون الكماة حتوفهم |
|
تحت العماية بالوشيج المزهق |
أمر الإله بربطها لعدوّه |
|
في الحرب إنّ الله خير موفّق |
ليكون غيظا للعدوّ وحيطا |
|
للدّار إن دلفت خيول البرق |
ويعيننا الله العزيز بقوّة |
|
منه وصدق الصّبّ ساعة نلتقي |
ونطيع أمر نبيّنا ونجيبه |
|
وإذا دعا لكريهة لم يسبق |
ومتى ينادي للشّدائد نأتها |
|
ومتى يرى الحومات فيها يعبق |
من يتّبع قول النّبيّ فإنّه |
|
فينا مطاع الأمر حقّ مصدّق |
فبذاك ينصرنا ويظهر عزّنا |
|
ويصيبنا من نيل ذاك بمرفق |
إنّ الّذين يكذّبون محمّدا |
|
كفروا وضلّوا عن سبيل المتّقي |
أخرج ابن عساكر عن يزيد بن عياض بن جعدبة (١) : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما قدم المدينة ، تناولته قريش بالهجاء ، فقال لعبد الله بن رواحة : ردّعنّي.
__________________
(١) الخبر في طبقات ابن سلام ١٨٠ ـ ١٨١
فذهب في قديمهم وأوّلهم ، ولم يصنع في الهجاء شيأ. فأمر كعب بن مالك فقال (١) :
نصل السّيوف إذا قصرن بخطونا |
|
قدما ، ونلحقها إذا لم تلحق |
ولم يصنع في الهجاء شيأ. فدعا حسّان فقال : اهجهم ، وائت أبا بكر يخبرك بمعايب القوم. فأخرج حسان لسانه حتى ضرب به على صدره ، وقال : والله يا رسول الله ، ما أحب أن لي به مقولا في العرب ، فصب على قريش منه شآبيب شرّ. فقال رسول الله : اهجهم ، كأنك تنضحهم بالنبل.
قال في الصحاح : المعمعة صوت الحريق في القصب ونحوه ، وصوت الابطال في الحرب ، وأنشد (من سرّه ... البيت). وأرض مأسدة : ذات أسد. المذاد ، باعجام الذال الأولى ، وإهمال الثانية ، أطم بالمدينة. والجزع ، بكسر الجيم ، منعطف الوادي. والمرفق من الأمر : ما ارتفقت به وانتفعت. والسابغة : الدرع الواسعة. والمترقرق : اللامع. والقتير : رؤس المسامير في الدروع. والجنادب : جمع جندب ، وهو ضرب من الجراد. والجدلاء من الدروع : المنسوجة. والنجاد : بكسر النون ، حمائل السيف. والمهند : السيف المطبوع من حديد الهند. ويوم الهياج : يوم القتال. ومصدق : بالفتح ، صادق الحلة. ومعنى قدما ، بضمتين : تقدم. ولم يعرج : ولم ينثن. والجماجم : جمع جمجمة ، وهي اما القبيلة التي تجمع البطون ، وإما عظم الرأس المشتمل على الدماغ. وضاحيا : بارزا ظاهرا. والهامات : الرؤس ، جمع هامة. قال الدمامينيّ : والمعنى على رواية الرفع ، أن تلك السيوف تترك قبائل العرب الكبيرة بارزة الرؤس للأبطال ، كأنها لم تخلق في محالها من تلك الأجسام ، أو تترك تلك العظام المستورة مكشوفة ظاهرة ، فكيف الأكف ، أي إذا كانت حالة الرؤس هذه مع عزة الوصول إليها ، فكيف حالة الأيدي التي توصل إليها
__________________
(١) البيت في ابن سلام ١٨١ والاغاني ١٦ / ١٧١ (الثقافة) وابن هشام ٧٠٥ ـ ٧٠٦ ، والكامل ١٠١ ، والبيان والتبيين ٣ / ١٩ والخزانة ٣ / ٢٢. ونسبه ابن قتيبة في الشعراء ٢٧٩ الى ربيعة بن مقروم ، وقال : (أخذه من قيس بن الخطيم ، أو أخذه قيس منه. قال قيس :
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها |
|
خطانا إلى أعدائنا فنضارب) |
قلت : وهذا خطأ فإن البيت لكعب بن مالك وليس لابن مقروم.
بسهولة. وعلى رواية النصب : أنها تترك الجماجم على تلك الحالة ، دع الأكف ، فإن أمرها أيسر وأسهل. وعلى رواية الجرّ : أنها تترك الجماجم ترك الأكف منفصلة عن محالها ، كأنها لم تخلق متصلة بها. وملمومة : الكتيبة التي كثر عددها واجتمع فيها المقنب الى المقنب. وفرس مقلّص ، بكسر اللام : مشرف مشمر ، طويل القوائم. وفرس ورد ، بفتح الواو ، ما بين الكميت والأشقر. والملثق : بمثلثة ، البلل. ويعبق : يلذق.
فائدة :
كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري ، شاعر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يكنى أبا عبد الرحمن. وقيل : أبو عبد الله ، شهد العقبة مع السبعين من الأنصار ، ولم يشهد بدرا وشهد أحدا ، وجرح بها بضعة عشر جرحا ، والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ما خلا تبوك فإنه أحد الثلاثة الذين تخلفوا من غير عذر ولم يعتذروا ويستغفر لهم ، كما فعل غيرهم. فأرجأ أمرهم خمسين يوما وليلة ، ونهى الناس عن كلامهم حتى نزلت توبتهم في قوله : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا .. الآية). وكان قد ذهب بصره ومات سنة خمسين وهو ابن أربع وسبعين سنة.
أخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم أتى كعب ابن مالك على جمل فقال : أين هو؟ فجاء فقال : هيه ، فأنشده ، فقال : لهو أشدّ عليهم من وقع النبل.
وأخرج أبو الفرج في الأغاني عن عبد الأعلى القرشي قال (١) : قال معاوية لجلسائه : أخبروني بأشجع قول وصف به رجل قومه؟ فقال روح بن زنباع : قول كعب بن مالك :
نصل السّيوف إذا قصرن بخطونا |
|
قدما ، ونلحقها إذا لم تلحق |
فقال معاوية رضياللهعنه : صدقت.
__________________
(١) الاغاني ١٦ / ١٧١ (الثقافة).
حرف التاء
١٦٥ ـ أنشد :
إلى ملك ، ما أمّه من محارب ، |
|
أبوه ، ولا كانت كليب تصاهره (١) |
هو من قصيدة للفرزدق يمدح بها الوليد بن عبد الملك وقبله وهو أولها :
رأوني فنادوني أسوق مطيّتي |
|
بأصوات هلّاك سغاب حرائره |
وبعده :
ولكن أبوها من رواحة ترتقي |
|
بأيّامه قيس على من تفاخره |
فقالوا : أغثنا إن بلغت بدعوة |
|
لنا عند خير النّاس إنّك زائره |
فقلت لهم : إن يبلغ الله ناقتي |
|
وإيّاي أثني بالّذي أنا خابره |
أغث مضرا إنّ السّنين تتابعت |
|
علينا بحزّ يكسر العظم جابره |
قوله : الى ملك ، متعلق بقوله أسوق ، وأراد به الوليد ، وأبوه مبتدأ وخبره جملة (ما أمه من محارب). وقال البعليّ : أبوه مبتدأ وأمه مبتدأ ثان ، ومن محارب خبره ، والجملة خبر الأول. والتقدير : ما أم أبيه من محارب. وقد استشهد ابن عقيل بالبيت على جواز تقدم الخبر على المبتدأ إذا كان جملة. ومحارب : اسم قبيلة.
__________________
(١) ديوانه ٣١٢ ، والاغاني ٢١ / ٣٣٣ (الثقافة) وطبقات ابن سلام ٣١٠ ، وابن عقيل ١ / ١٠٧
حرف الثاء
شواهد ثم
١٦٦ ـ وأنشد :
أراني إذا أصبحت أصبحت ذا هوى |
|
فثمّ إذا أمسيت أمسيت غاديا |
تقدم شرحه في شواهد إذا (١).
١٦٧ ـ وأنشد :
كهزّ الرّدينيّ تحت العجاج |
|
جرى في الأنابيب ثمّ اضطرب (٢) |
هذا من قصيدة لأبي دؤاد ، جارية بن الحجاج الايادي ، يصف فيها الفرس ، وقبله :
وهاد تقدّم لا عيب في |
|
ه كالجزع شذّب عنه الكرب |
إذا قيد قحّم من قاده |
|
وولّت علابيّه واجلعب (٣) |
كهزّ الرّدينيّ تحت العجاج |
|
جرى في الأنابيب ثمّ اضطرب |
وأول القصيدة :
وقد أغتدي في بياض الصّباح |
|
وأعجاز ليل مولّى الذّنب |
__________________
(١) انظر ص ٢٨٢ و ٢٨٤ ، والبيت في ديوان زهير ٢٨٥ ، والخزانة ٣ / ٥٨٨.
(٢) من بائيته ، وهو مع القصيدة في ديوان حميد بن ثور ٤٢ ـ ٤٦.
وفيه : (بين الأكف).
(٣) في ديوان حميد ٤٣ : (وبانت علايبه ...).
بطرف ينازعني مرسنا |
|
سلوف المقادة محض النّسب |
أعجاز الليل : أواخره. والذنب أيضا آخره. وطرف : بكسر الطاء وسكون الراء المهملتين : وفاء الفرس الكريم. والمرسن : بفتح الميم وسكون الراء وكسر السين ، الأنف. وإنما قال : ينازعني مرسنا ، لأن الحبل ونحوه يقع على مرسنه. وسلوف المقادة : متقدم ، طويل العنق. ومحض النسب : خالصه ، لم تعارف الهجنة. والرديني : الرمح ، نسبة الى امرأة تسمى ردينة ، كانت وزوجها سمهر يقوّمان القنا بخط هجر. والعجاج : الغبار. والأنابيب : جمع انبوبة ، وهي ما بين كل عقدتين من القصب. قال ابن قتيبة : يقول إذا هززت الرمح جرت تلك الهزة فيه حتى يضطرب كله ، فكذلك هذا الفرس ، ليس فيه عضو إلا وهو يعين مايليه ، ولم يرد الاضطراب ولا الرعدة.
فائدة :
أبو دؤاد جارية ، ويقال : جويرية بن الحجاج بن يحمر بن عصام بن منبه بن حذاقة (١) بن زهر بن اياد بن نزار بن معدّ ، شاعر قديم من شعراء الجاهلية ، وكان وصافا للخيل ، وأكثر أشعاره في وصفها.
وأخرج أبو الفرج في الاغاني عن الاصمعي قال (٢) : ثلاثة كانوا يصفون الخيل لا يقاربهم أحد : طفيل ، وأبو دؤاد ، والجعديّ. فأما أبو دؤاد ، فإنه كان على خيل المنذر بن النعمان بن المنذر ، وأما طفيل فإنه كان يركبها ، وأما الجعديّ فإنه سمع من الشعراء فأخذ عنهم.
وأخرج عن أبى عبيدة قال : أبو دؤاد أوصف الناس للفرس في الجاهلية والاسلام ، وبعده طفيل الغنوي والنابغة الجعديّ.
وأخرج عن يحيى بن سعيد قال : كانت إياد تفتخر على العرب ، تقول : منا أجود الناس كعب بن مامة ، ومنا أشعر الناس أبو دؤاد ، ومنا أنكح الناس ابن الغز.
__________________
(١) لعلها (حذاق) وهي قبيلة من إياد.
(٢) ١٥ / ٩١ ـ ٩٦ ، وانظر الشعراء ١٩٠.
وأخرج عن أبي عبيدة قال (١) : سئل الحطيئة من أشعر الناس؟ قال الذي يقول (٢) :
لا أعدّ الإقتار عدما ولكن |
|
فقد من قد رزئته الإعدام |
وهو لأبي دؤاد الأيادي. قالوا : ثم من؟ قال : عبيد بن الأبرص. قالوا : ثم من؟ قال : كفاكم والله بي ، إذا أخذتني رغبة أو رهبة ، ثم عويت في أثر القوافي عواء الفصيل في أثر أمّه.
__________________
(١) الشعراء ١٩٠
(٢) هو البيت رقم ١٥ من الأصمعية رقم ٦٥ ، وهو في الشعراء ١٩٠ ، والأغاني ١٥ / ١٧ و ٢٤ و ٩٤ ، والخزانة ٤ / ١٩٠.