شرح شواهد المغني

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

شرح شواهد المغني

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: لجنة التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٤٦

فيا ربّ يوم قد لهوت وليلة

بآنسة كأنّها خطّ تمثال

يضيء الفراش وجهها لضجيعها

كمصباح زيت في قناديل ذبّال

الى أن قال :

تنوّرتها من أذرعات وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عال

نظرت إليها والنّجوم كأنّها

مصابيح رهبان تشبّ لقفّال

سموت إليها بعد ما نام أهلها

سموّ حباب الماء حالا على حال

فقالت : سباك الله إنّك فاضحي

ألست ترى السّمّار والنّاس أحوالي!

فقلت : يمين الله أبرح قاعدا

ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي

فلمّا تنازعنا الحديث وأسمحت

هصرت بغصن ذي شماريخ ميّال

فصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا

ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال

حلفت لها بالله حلفة فاجر

لناموا فما إن من حديث ولا صال

وأصبحت معشوقا وأصبح زوجها

عليه القتام كاسف الظّنّ والبال

يغطّ غطيط البكر شدّ خناقه

ليقتلني والمرء ليس بقتّال

أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وليس بذي سيف فيقتلني به

وليس بذي رمح وليس بنبّال

ومنها :

كأنّي بفتخاء الجناحين لقوة

على عجل منها أطأطىء شيّمالي

٣٤١

تخطّف خزّاز الأنيعم بالضّحى

وقد جحرت منها ثعالب أورال

كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا

لدى وكرها العنّاب والحشف البالي

فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

كفاني ، ولم أطلب ، قليل من المال

ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل

وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي

عم : أصله أنعم ، حذف منه الألف والنون تخفيفا ، ويجوز في العين الفتح والكسر ، من أنعم ، مفتوح العين ومكسورها ، وكانت تحية الجاهلية. ويقال : إنه من وعم بعم ، على فعال وعد يعد ، أو على مثال ومق يمق. يقولون في الغداة عم صباحا ، وفي العشية عم مساء ، وفي الليل عم ظلاما. وصباحا : نصب على الظرف ، أي أنعم في صباحك. ويجوز كونه تمييزا منقولا نحو : (اشتعل الرأس شيبا). وعن أبي عمرو : انه من نعم المطر إذا كثر ، ونعم الشجر إذا كثر زبده ، كأنه دعا بالسقيا وكثرة الخير. وقال الاصمعي : مودعا بالنعيم. وهل يعمن : استفهام إنكار ، وأصله ينعمن ، وفيه شاهد على ورود هل في الاستفهام الانكاري ، وعلى تأكيد المضارع بالنون بعد الاستفهام ، و (من) فاعل ، وقد استعمله في غير العقلاء ، وأورده المصنف في التوضيح شاهدا لذلك. والعصر : بضمتين ، بمعنى العصر بالفتح فالسكون وهو الدهر والزمان. والأوجال : جمع وجل ، وهو الخوف. وعافيات : دارسات. وذو الخال : جبل مما يلي نجد. والأسحم : الأسود ، وهو أغزر ما يكون من الغيم. وهطّال : سيّال دائم. وبسباسة : بموحدتين ومهملتين ، امرأة من بني أسد. وآنسة : ذات أنس من غير ريبة. والتمثال : الصورة. وخطها : نقشها. والذبّال : بضم الذال المعجمة وتشديد الموحدة ، جمع ذبالة ، وهي الفتيلة. والمعنى : في ذبال قناديل. وقوله : تنوّرتها ، أي نظرت إلى نارها ، وانما أراد بقلبه لا بعينه ، يقال : تنوّرت النار من بعيد ، أي أبصرتها ، فكأنه من فرط الشوق يرى نارها. وأذرعات : بلدة بالشام. وقد أورد النحاة ، ومنهم المصنف في التوضيح هذا البيت على أن نحو أذرعات يجوز فيه الكسر في النصب منوّنا وغير منوّن. والاعراب كغير المنصرف ، فإن البيت روي بالأوجه الثلاثة. ويثرب : المدينة النبوية. والواو في (وأهلها) حالية.

٣٤٢

وقوله : (وأدني دارها نظر عالي) يقول : كيف أراها وأدني دارها نظر مرتفع. وقيل معناه : أقرب دارها منا بعيد ، فكيف بها ودونها نظر عالي. وتشب : توقد. وقفّال ، بضم القاف وتشديد الفاء ، جمع قافل ، وهو الذي قد رجع من غزوة. وسموت : نهضت. والحباب ، بفتح الحاء المهملة وتخفيف الموحدة ، الطرائق التي في الماء كأنها الوشي. وسباك الله : أبعدك وأذهبك الى غربة. وقيل : لعنك. وقال أبو حاتم : معناه سلط عليك من يسبيك. وأوصال : جمع وصل ، وهي المفاصل. ويمين الله : مبتدأ وخبره محذوف ، أي على وأبرح على حذف لا ، أي لا أبرح. وقد أورده المصنف في التوضيح شاهدا لذلك. وأسمحت : سهلت ولانت. وهصرت بغصن : ثنيت غصنا ، والباء زائدة ورضت : من راض يريض. وقوله : (حلفت ... البيت) والفاجر : اللازب. وصال : المصطلي بالنار. والقتام ، وكاشف البال : سيىء الخاطر. ويغط : أي يرى له غطيط من الغيظ ، كما يرى للبكر إذا خنق فشدّت الأنشوطة في عنقه. والبكر : بفتح الباء ، الفتي من الابل. وليس بقتال : أي ليس بصاحب قتل. والمشرفي : بفتح الميم ، السيف المنسوب إلى مشارف الشام ، وهي قرى للعرب تدنو من الروم. ومسنونه : محددة بالمسنّ ، وأراد بها المشاقص. والأغوال : الشياطين ، وأراد به التهويل. قال المبرد (١) : لم يخبر صادق أنه رأى الغول. قوله : وليس بذي رمح : أي بفارس. والنبّال : الرامي بالنبل. وقد قال الرياشيّ : النبّال هنا ليس بجيد ، لأن النبّال هو الذي يعمل النبل أو يبيعها ، والذي يرمي بها يقال له نابل. وقال أبو حاتم مثل هذا ، كقولهم سياف أي يضرب بالسيف. وقد استشهد المصنف بهذا البيت على ان فعالا يأتي بمعنى صاحب. كذا ، فإن نبالا بمعنى صاحب نبل استغنى به عن ياء النسب. قوله : بفتخاء الجناحين ، أي لينة الجناحين ، والفتح اللين. واللقوة : بكسر اللام ، العقاب. وشيمّالي ، بالتشديد ، أصله : شيمالي ، ومعناه شيمالي زيدت فيه الياء. وروي شئمالي بالهمز ، ومعناه سريعة ، يقال : ناقة شملال أي سريعة. ويقال فلان يطاطىء في ماله : أي يسرع. وتخطف : أي تخطف هذه العقاب التي شبه بها فرسه. والخزّار : بكسر الخاء وتشديد الزاي المعجمتين ، جمع خزر ، وهو الذكر من الأرانب. وجحرت : توارت. وأورال : موضع. يقول :

__________________

(١) الكامل ٨٢٢ ، وأورد البيت ، باختلاف اللفظ.

٣٤٣

ثعالب ذلك الموضع لا ترعى من خوف هذه العقاب. والحشف : أردأ التمر. والبالي : العتيق. ومجد مؤثل : قديم. وقوله : (كأن قلوب الطير ... البيت). استشهد به المصنف في التوضيح على أن رطبا ويابسا حالان متضمنان معنى الفعل ، فلذا وجب تأخيرهما. واستشهد به أهل البيان على التشبيه الملفوف ، وهو أن يؤتى بمشبهين ثم المشبه بهما ، فإن العناب راجع إلى رطب ، والحشف راجع الى يابس. قال المبرد في الكامل (١) : هذا البيت أحسن ما جاء في تشبيه شيئين مختلفين في حالين مختلفين بشيئين مختلفين.

وقال ابن عساكر في تاريخه : يقال أن لبيدا قدم المدينة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أشعر الناس؟ فقال : يا حسان ، أعلمه. فقال حسان : الذي يقول : كأن قلوب الطير ... البيت. فقال : هذا امرؤ القيس. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو أدركته لنفعته ، ثم قال : معه لواء الشعر يوم القيامة حتى يتدهدأ بهم في النار.

وأخرج ابن عساكر من طرق عن عفيف بن معدي كرب : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكر عنده امرؤ القيس فقال : ذاك رجل مذكور في الدنيا منسيّ في الآخرة ، شريف في الدنيا خامل في الآخرة ، بيده لواء الشعراء يقودهم إلى النار.

__________________

(١) الكامل ٧٤٠ ، وقال ابن قتيبة في الشعراء ٥٧ : (ويستجاد من تشبيهه قوله : كأن قلوب ... البيت).

٣٤٤

شواهد بجل

١٥٩ ـ وأنشد :

ألا بجلي من ذا الشّراب الأبجل

هو من قصيدة لطرفة بن العبد أولها :

لخولة بالأجزاع من إضم ظلل (١)

وبالسّفح من قوّ مقام ومحتمل

فلا زال غيث من ربيع وصيّف

على دارها حيث استقرّت له زجل

ومنها :

لها كبد ملساء ذات أسرّة

وكشحان لم ينقض طواءهما الحبل

إذا قلت : هل يسلو اللّبانة عاشق

تمرّ شؤون الحبّ من خولة الأول

متى تر يوما عرصة في ديارها

ولو فرط حول تسجم العين أو تهلّ

فقل لخيال الحنظليّة ينقلب

إليها ، فإنّي واصل حبل من وصل

ألا إنّما أبكي ليوم لقيته

بجرثم قاس كلّ ما بعده جلل

إذا لا جاء ما لا بدّ منه فمرحبا (٢)

به حتّى يأتي لا كذاب ولا علل

ألا إنّني شربت أسود حالكا

ألا بجلي من الشّراب الأبجل

__________________

(١) في البكري ١٦٦ (أضم): (بالأجراع من إضم طلل) بالطاء المهملة.

(٢) كذا في الاصل ، ويروى : (إذا جاء) كما في ديوان طرفة (صادر).

٣٤٥

فلا أعرفنّي إن نشدتك ذمّتي

كداعي هديل لا يجاب ولا يمل

الأجزاع : جمع جزع بكسر الجيم وسكون الزاي ، وهو منعطف الوادي. وإضم : بكسر الهمزة وفتح الضاد المعجمة ، واد لأشجع وجهينة. والسفح : موضع. وقوّ : بفتح القاف وتشديد الواو ، واد. والمقام بضم الميم ، بمعنى الاقامة ، والمحتمل : الارتحال. والصيّف : بتشديد الياء. وزجل : بفتح الزاي والجيم ، صوت ورعد. قوله : (لها) أي لخولة ، وأراد بالكبد بطنها ووسطها. والأسرّة : العكن والطرائق ، وهي الخطوط التي تكون على البطن ، كما يكون في الكف والجبهة ، واحدها سرر ، بكسر السين وفتح الراء ، وجمع الجمع : أسارير. والملساء : تأنيث أملس ، وهو اللين من الملاسة ، وهي ضدّ الخشونة. والكشحان : ما انضمت عليه الأضلاع من الجبين ، ويقال هما الخصران. وقوله : لم ينقض طواءهما ، بالضاد المعجمة ، يعني هي خميصة البطن ليست بمفاضة ، من قولهم : رجل طاو إذا كان ضامر البطن. ومد الطواء للضرورة ، وهو مقصور. وقد استشهد ابن أم قاسم بالبيت على ذلك. والحبل : الامتلاء. ويسلو اللبانة : أي عن اللبانة ، فأسقط الجار وعدى الفعل. والسلوان : يطيب النفس لترك الشيء. وتمرّ تشتد وتقوى. والشؤن : الأمور ، واحدها شأن. والعرصة : الساحة ليس فيها بناء. وتسجم العين : يسيل دمعها. وتهل : تقطر دمعها. والحنظلية : من بني حنظلة بن مالك. وجرثم : موضع. والقاسي : الشديد ، وهو صفة ليوم. والجلل : بفتح الجيم واللام الصغير هنا ، ويأتي بمعنى الكبير ، وهو من الاضداد. والكذاب : بالكسر بمعنى الكذب. والعلل : جمع علة. وأسود حالكا : أراد به كأس المنية ، وقيل السم ، وهل مثل ضربه لفساد ما بينه وبينها. والحالك : الشديد السواد. وبجل : يأتي حرف جواب بمعنى نعم. واسم فعل بمعنى يكفي. واسما مرادفا لحسب ، وهو المراد هنا ، فعليه يقال : بجلى. وعلى اسم الفعل يقال بجلنى ، بنون الوقاية. وقوله : الأبجل : تأكيد للأول. وقال العيني : الثاني في البيت حرف بمعنى نعم. ونشدتك ذمّتي : سألتك إياها وطلبتها منك. الهديل : بفتح الهاء ، فرخ ضل على عهد نوح عليه‌السلام ، والحمام يبكي عليه كما تزعمه العرب. وقوله : ولا يمل ، أي لا يمل الدعاء أبدا.

٣٤٦

شواهد بل

١٦٠ ـ وأنشد :

بل بلد ملء الفجاج قتمه (١)

هو لرؤبة من أرجوزة طويلة أولها :

قلت لزير لم تصله مريمه

هل تعرف الرّبع المحيل أرسمه

عفت عوافيه وطال قدمه

بل بلد ملء الفجاج قتمه

لا يشترى كتّانه وجهرمه

يجتاب ضحضاح التّراب أكمه

كالحوت لا يرويه شيء يلهمه

يصبح ضمآن وفي البحر فمه

قطّعت أمّا قاصدا تيمّمه

إلى ابن مجد لم يخرّق أدمه

قوله : لزير ، بكسر الزاي ، الذي يكثر زيارة النساء وخلطتهن. قوله : بل بلد ، أي بل رب بلد ، فأضمر رب وخبريها. والبيت استشهد به ابن مالك على ذلك. والفجاج : الطرق. والقتم : الغبار. والكتان : هنا السبايب ، وهي جمع سبيبة ، شقة محتمان رقيقة. والجهرمية : بسط شعر ، نسبة الى جهرم قرية بفارس ، فالجهرم هنا جمع جهرمي أضيف الى الضمير. قال الفارسي : وأورده في الايضاح شاهدا على ذلك. وقال أبو حاتم والزيادي : الجهرم : البساط من الشعر ، والجمع جهارم. قال شارع أبيات الايضاح : فلا شاهد فيه لما قال الفارسي على هذا ، يجتاب يلبس.

__________________

(١) ابن عقيل ١ / ٢٤٥.

٣٤٧

والضحضاح : ماء قريب القعر. ويلهمه : يبتلعه ، من اللهام ، فعال ، من لهمت الشيء ألهمه ، إذا ابتلعته. وقطعت : جواب رب. وأما : أي قصدا لم أتعرّض لغيره. وقاصدا : صفة أما. وتيممه : قصده ، وهو مرفوع بقاصد ، وأضافه الى الحوت مجازا ، وهو يريد صاحبه. وابن مجد : هو السفاح أو المنصور. لم يخرق أدمه : أي لم يقدح في عرضه. وقوله : وفي البحر فمه : استشهد به ابن أم قاسم في شرح الألفية على أبيات الميم في أنعم ، حالة الاضافة خلافا لمن أنكره. وقوله :

قلت لزير لم تصله مريمه

استشهد به البيضاوي في تفسيره على معنى مريم.

١٦١ ـ وأنشد :

وما هجرتك ، لا بل زادني شغفا

هجر وبعد تراخى لا إلى الأجل

الشغف : بفتح المعجمتين ، مصدر شغفه الحب ، إذا خرق ، شغفان قلبه حتى وصل الى الفؤاد. والشغاف : حجاب القلب. وقيل : جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب.

٣٤٨

شواهد بيد

١٦٢ ـ وأنشد :

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب (١)

هو من قصيدة للنابغة الذيباني يمدح بها النعمان بن الحارث (٢) ، أوّلها :

كليني لهمّ يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب

تطاول حتّى قلت ليس بمنقض

وليس الّذي يرعى النّجوم بآيب

ومنها :

لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم

من النّاس ، والأحلام غير عوازب

مجلّتهم ذات الإله ، ودينهم

قويم ، فما يرجون غير العواقب

وبعد قوله ولا عيب ... البيت :

تخيّرن من أزمان يوم حليمة

إلى اليوم قد جرّبن كلّ التّجارب

__________________

(١) سيبويه ١ / ٣٦٧ ، والخزانة ١ / ٣٧٠ و ٢ / ٩ ، والكامل ٤٨ و ٣٠٠ ، والاغاني ١١ / ١٥ و ١٧ (الثقافة).

(٢) في الخزانة ٢ / ٩ (وهذا البيت من قصيدة للنابغة الذبياني ، مدح بها عمرو بن الحارث الأصغر ابن الحارث الاعرج ابن الحارث الاكبر ، من ملوك الشام الغسانيين ، وذلك لما هرب من النعمان بن المنذر اللخمي ، من ملوك الحيرة. وليس الممدوح بها النعمان بن الحارث ـ كما وهم شارح شواهد المغني ـ لتصريح الممدوح بها في القصيدة). ولبيت هو :

٣٤٩

فهم يتساقون المنيّة بينهم

بأيديهم بيض رقاق المضارب

ومنها :

فلا يحسبون الخير لا شرّ بعده

ولا يحسبون الشّرّ ضربة لازب

قوله : كليني : أي دعيني. وأميمة : اسم امرأة ، وضبط في ديوانه بنصب التاء. وقال شارحه ، ذكر أبو عمرو والفراء : أن العرب تقول يا أميم ، ويا طلح ، ثم يلحقون الهاء ، فينصبون على نية القائها ، وعلى ذلك أورده ابن أم قاسم في شرح الألفية مستشهدا به. وقال بعضهم : للناس في تخريج ذلك أقوال ، أحدها أن الفتحة إعراب ، ولم ينوّن لأنه غير منصرف. والثاني أنها بناء ، لأن منهم من يبني المنادى المفرد على الفتح ، كباب لا رجل ، الثالث وعليه الأكثر أنه يرخم ، أصله يا أميم ، ثم أدخلت الهاء غير معتدّ بها ، وفتحت لأنها وقعت موقع ما يستحق الفتح ، وهو ما قبل تاء التأنيث ، ولا شيء. على هنا قولان : أحدهما أن الهاء زائدة ، ففتحت اتباعا لحركة الميم. والثاني أنها دخلت بين الميم وفتحها فالفتحة التي في الهاء هي فتحة الميم اتباعا لحركة الهاء (١) وناصب صفة لهم على حدّ : (شعر شاعر وعيشة راضية). وإنما الناصب صاحبه ، والنصب : التعب. وحمله سيبويه على النسب أي ذي نصب. وأقاسيه : أكابده. وقوله : (وليل) بالجر ، عطفا على لهمّ. وقوله : أقاسيه وبطىء الكواكب صفتان لليل. وقدّم الوصف بالجملة على الوصف بالمفرد. وإضافة بطىء لفظية لانها صفة مشبهة. ويراعي : يراقب. وآيب : راجع. قال شارحه : شبه طول الليل ومراعاته لكواكبه التي لا تبرح براعي إبل لا تريح إبله ، ولا يرجع إلى أهله. والشيمة : الطبيعة. والعواذب : جمع عاذبة ، وهي الغائبة. ومجلتهم : يروى بالجيم ، وهو الكتاب ، أي كتابهم كتاب الله. وبالحاء : أي محلهم ببيت الله ، يريد بيت المقدس والشام. ويروى مخافتهم. والفلول : كسور في حدّ السيف ، واحدها فل ،

__________________

علىّ لعمرو نعمة بعد نعمة

لوالده ليست بذات عقارب

وقال من القصيدة يمدح والد الممدوح :

وللحارث الجفنيّ سيد قومه

ليلتمسن بالجمع أرض المحارب

(١) وهذا قول أبي علي الفارسي ، كما في الخزانة ١ / ٣٧٠.

٣٥٠

بالفتح. والقراع بالكسر ، الضراب. والكتائب : جمع كتيبة ، وهي الجيش.

والبيت بين تأكيد المدح بالشبه الذم ، ونظيره قول الآخر :

ولا عيب فيه غير ما خوف قومه

على نفسه أن لا يطول بقاؤها

وقول الآخر :

ولا عيب فينا غير عرق لمعشر

كرام وإنّا لا نخطّ على النّمل

قال أبو عمرو : اذا كان الرجل أمه أخته ثم خط على النملة ، وهي قريحة تظهر في ظهر الكف ، لم يلبث أن يجف ، وهذا إنما يوجد في نكاح المجوس. فعرّض الشاعر برجل أخواله مجوس فقال لست أنا كأولئك. ومن ذلك أيضا قول العطائي :

ولا عيب فيهم غير أنّ قدورهم

على المال أمثال السّنين الحواطم

وقوله : (تخيرن ... البيت). أورده المصنف في شواهد (من) على وقوعها لابتداء الغاية في الزمان. وقيل التقدير : من مضي الأزمان. وأورده في الكتاب : (وتخيرن) بالبناء للمفعول. وحليمة : امرأة من غسان كانوا اذا أحسن الرجل منهم القتال طيبته حليمة. واليوم المذكور يوم أخذت الملك من الضجاعم (١). وذلك أن رجلا من غسان ، يقال له جذع ، أتاه الضجعمي يسأله الخراج ، فأعطاه دينارا. فقال : هات آخر ، وشدّد عليه ، فدخل جذع منزله فأخذ سيفه فضرب عنق الضجعمي ، ثم قاتلوهم فأخذوا الملك منهم. فيقال في المثل : خذ من جذع ما أعطاك. ويقال أيضا : ما يوم حليمة بسر. قال المبرّد في الكامل (٢). ويقال إن الغبار يوم حليمة سدّ عين الشمس فظهرت الكواكب المتباعدة عن مطلع الشمس. قال : وأظن قول القائل من العرب (لأرينّك الكواكب ظهرا) أخذ من يوم حليمة. وكل التجارب :

__________________

(١) (قوله يوم حليمة) هو اليوم الذي أخذ الملك من الضجاعم غير صحيح بل متباين هو ويوم حليمة ، يعلم ذلك أهل العلم والتاريخ اه. محمد محمود الشنقيطي. قلت : انظر يوم حليمة : الخزانة ٢ / ١١ وثمار القلوب للثعالبي وأمثال الميداني. والعسكري في التصحيف ، والكامل ٦٥٣ ، وأورد البيت ، والكنايات للجرجاني ١٠٥ ونهاية الارب ٣ / ٥١

(٢) الكامل ٦٥٣

٣٥١

نصب على المصدر. والبيض : السيوف. والمضارب : الأطراف. واللازب : اللازم.

١٦٣ ـ وأنشد :

عمدا فعلت ذاك بيد أنّي

أخاف إن هلكت أن ترنّي (١)

أنشده يوسف بن السيرافي في شرح أبيات إصلاح المنطق بلفظ :

أخال إن هلكت لم ترنّي

ولم يسم قائله. وقال : إخال أظن ، بكسر الهمزة وفتحها. وترني : من الرنين ، وهو الصوت. يقال : أرن يرنّ إرنانا ، إذا صوّت. والارنان : صوت مع توجع ، إنما أظن أني إن هلكت لم تبك عليّ ولم تنوحي. يزعم أنها تبغضه انتهى. وقال التبريزي في شرحه : عمدا أي تعمدا ، وبيد بمعنى غير. وإخال : أحسب. وترني : من الرنين وهو الصوت بالبكاء. قال : والبيت أنشده الاصمعي ، انتهى. وأنشده الجوهري في الصحاح شاهدا على أنه يقال أرنت بمعنى صاحت.

__________________

(١) اللسان (رنن) برواية (لم ترني) ، وهو أيضا في الصحاح للجوهري (لا ترني).

٣٥٢

شواهد بله

١٦٤ ـ وأنشد :

تذر الجماجم ضاحيا هاماتها

بله الأكفّ كأنّها لم تخلق

هو لكعب بن مالك الصحابي رضي‌الله‌عنه من قصيدة قالها في يوم الخندق. وأوّلها (١) :

من سرّه ضرب يمعمع بعضه

بعضا كمعمعة الأباء المحرق

فليأت مأسدة تسنّ سيوفها

بين المذاد وبين جزع الخندق

دربوا بضرب المعلنين وأسلموا

مهجات أنفسهم لربّ المشرق

في عصبة نصر الإله نبيّه

بهم وكان بعبده ذا مرفق

في كلّ سابغة تخطّ فضولها

كالنهى هبّت ريحه المترقرق

بيضاء محكمة كأنّ قتيرها

حدق الجنادب ذات سكّ مولق

جدلاء يحفزها نجاد مهنّد

صافي الحديدة صارم ذي رونق

تلكم مع التّقوى تكون لباسها

يوم الهياج وكلّ ساعة مصدق

__________________

(١) انظر سيرة ابن هشام ٧٠٥ ـ ٧٠٦ والاغاني ١٦ / ١٦٣ (الثقافة) والبكري ٤٨٢ و ٦٦٨ ومعجم البلدان والكامل ٦٧٨ وفي جميع هذه المراجع برواية (ضرب يرعبل).

٣٥٣

نصل السّيوف إذا قصرن بخطونا

قدما ، ونلحقها إذا لم تلحق

فترى الجماجم ضاحيا هاماتها

بله الأكفّ كأنّها لم تخلق

نلقى العدوّ بفخمة ملمومة

تنفي الجموع كقصد رأس المشرق

ويعدّ للأعداء كلّ مقلّص

ورد ومحجول القوائم أبلق

تردى بفرسان كأنّ كماتهم

عند الهياج أسود طلّ ملثق

صدق يعاطون الكماة حتوفهم

تحت العماية بالوشيج المزهق

أمر الإله بربطها لعدوّه

في الحرب إنّ الله خير موفّق

ليكون غيظا للعدوّ وحيطا

للدّار إن دلفت خيول البرق

ويعيننا الله العزيز بقوّة

منه وصدق الصّبّ ساعة نلتقي

ونطيع أمر نبيّنا ونجيبه

وإذا دعا لكريهة لم يسبق

ومتى ينادي للشّدائد نأتها

ومتى يرى الحومات فيها يعبق

من يتّبع قول النّبيّ فإنّه

فينا مطاع الأمر حقّ مصدّق

فبذاك ينصرنا ويظهر عزّنا

ويصيبنا من نيل ذاك بمرفق

إنّ الّذين يكذّبون محمّدا

كفروا وضلّوا عن سبيل المتّقي

أخرج ابن عساكر عن يزيد بن عياض بن جعدبة (١) : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم المدينة ، تناولته قريش بالهجاء ، فقال لعبد الله بن رواحة : ردّعنّي.

__________________

(١) الخبر في طبقات ابن سلام ١٨٠ ـ ١٨١

٣٥٤

فذهب في قديمهم وأوّلهم ، ولم يصنع في الهجاء شيأ. فأمر كعب بن مالك فقال (١) :

نصل السّيوف إذا قصرن بخطونا

قدما ، ونلحقها إذا لم تلحق

ولم يصنع في الهجاء شيأ. فدعا حسّان فقال : اهجهم ، وائت أبا بكر يخبرك بمعايب القوم. فأخرج حسان لسانه حتى ضرب به على صدره ، وقال : والله يا رسول الله ، ما أحب أن لي به مقولا في العرب ، فصب على قريش منه شآبيب شرّ. فقال رسول الله : اهجهم ، كأنك تنضحهم بالنبل.

قال في الصحاح : المعمعة صوت الحريق في القصب ونحوه ، وصوت الابطال في الحرب ، وأنشد (من سرّه ... البيت). وأرض مأسدة : ذات أسد. المذاد ، باعجام الذال الأولى ، وإهمال الثانية ، أطم بالمدينة. والجزع ، بكسر الجيم ، منعطف الوادي. والمرفق من الأمر : ما ارتفقت به وانتفعت. والسابغة : الدرع الواسعة. والمترقرق : اللامع. والقتير : رؤس المسامير في الدروع. والجنادب : جمع جندب ، وهو ضرب من الجراد. والجدلاء من الدروع : المنسوجة. والنجاد : بكسر النون ، حمائل السيف. والمهند : السيف المطبوع من حديد الهند. ويوم الهياج : يوم القتال. ومصدق : بالفتح ، صادق الحلة. ومعنى قدما ، بضمتين : تقدم. ولم يعرج : ولم ينثن. والجماجم : جمع جمجمة ، وهي اما القبيلة التي تجمع البطون ، وإما عظم الرأس المشتمل على الدماغ. وضاحيا : بارزا ظاهرا. والهامات : الرؤس ، جمع هامة. قال الدمامينيّ : والمعنى على رواية الرفع ، أن تلك السيوف تترك قبائل العرب الكبيرة بارزة الرؤس للأبطال ، كأنها لم تخلق في محالها من تلك الأجسام ، أو تترك تلك العظام المستورة مكشوفة ظاهرة ، فكيف الأكف ، أي إذا كانت حالة الرؤس هذه مع عزة الوصول إليها ، فكيف حالة الأيدي التي توصل إليها

__________________

(١) البيت في ابن سلام ١٨١ والاغاني ١٦ / ١٧١ (الثقافة) وابن هشام ٧٠٥ ـ ٧٠٦ ، والكامل ١٠١ ، والبيان والتبيين ٣ / ١٩ والخزانة ٣ / ٢٢. ونسبه ابن قتيبة في الشعراء ٢٧٩ الى ربيعة بن مقروم ، وقال : (أخذه من قيس بن الخطيم ، أو أخذه قيس منه. قال قيس :

إذا قصرت أسيافنا كان وصلها

خطانا إلى أعدائنا فنضارب)

قلت : وهذا خطأ فإن البيت لكعب بن مالك وليس لابن مقروم.

٣٥٥

بسهولة. وعلى رواية النصب : أنها تترك الجماجم على تلك الحالة ، دع الأكف ، فإن أمرها أيسر وأسهل. وعلى رواية الجرّ : أنها تترك الجماجم ترك الأكف منفصلة عن محالها ، كأنها لم تخلق متصلة بها. وملمومة : الكتيبة التي كثر عددها واجتمع فيها المقنب الى المقنب. وفرس مقلّص ، بكسر اللام : مشرف مشمر ، طويل القوائم. وفرس ورد ، بفتح الواو ، ما بين الكميت والأشقر. والملثق : بمثلثة ، البلل. ويعبق : يلذق.

فائدة :

كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري ، شاعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يكنى أبا عبد الرحمن. وقيل : أبو عبد الله ، شهد العقبة مع السبعين من الأنصار ، ولم يشهد بدرا وشهد أحدا ، وجرح بها بضعة عشر جرحا ، والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ما خلا تبوك فإنه أحد الثلاثة الذين تخلفوا من غير عذر ولم يعتذروا ويستغفر لهم ، كما فعل غيرهم. فأرجأ أمرهم خمسين يوما وليلة ، ونهى الناس عن كلامهم حتى نزلت توبتهم في قوله : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا .. الآية). وكان قد ذهب بصره ومات سنة خمسين وهو ابن أربع وسبعين سنة.

أخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى كعب ابن مالك على جمل فقال : أين هو؟ فجاء فقال : هيه ، فأنشده ، فقال : لهو أشدّ عليهم من وقع النبل.

وأخرج أبو الفرج في الأغاني عن عبد الأعلى القرشي قال (١) : قال معاوية لجلسائه : أخبروني بأشجع قول وصف به رجل قومه؟ فقال روح بن زنباع : قول كعب بن مالك :

نصل السّيوف إذا قصرن بخطونا

قدما ، ونلحقها إذا لم تلحق

فقال معاوية رضي‌الله‌عنه : صدقت.

__________________

(١) الاغاني ١٦ / ١٧١ (الثقافة).

٣٥٦

حرف التاء

١٦٥ ـ أنشد :

إلى ملك ، ما أمّه من محارب ،

أبوه ، ولا كانت كليب تصاهره (١)

هو من قصيدة للفرزدق يمدح بها الوليد بن عبد الملك وقبله وهو أولها :

رأوني فنادوني أسوق مطيّتي

بأصوات هلّاك سغاب حرائره

وبعده :

ولكن أبوها من رواحة ترتقي

بأيّامه قيس على من تفاخره

فقالوا : أغثنا إن بلغت بدعوة

لنا عند خير النّاس إنّك زائره

فقلت لهم : إن يبلغ الله ناقتي

وإيّاي أثني بالّذي أنا خابره

أغث مضرا إنّ السّنين تتابعت

علينا بحزّ يكسر العظم جابره

قوله : الى ملك ، متعلق بقوله أسوق ، وأراد به الوليد ، وأبوه مبتدأ وخبره جملة (ما أمه من محارب). وقال البعليّ : أبوه مبتدأ وأمه مبتدأ ثان ، ومن محارب خبره ، والجملة خبر الأول. والتقدير : ما أم أبيه من محارب. وقد استشهد ابن عقيل بالبيت على جواز تقدم الخبر على المبتدأ إذا كان جملة. ومحارب : اسم قبيلة.

__________________

(١) ديوانه ٣١٢ ، والاغاني ٢١ / ٣٣٣ (الثقافة) وطبقات ابن سلام ٣١٠ ، وابن عقيل ١ / ١٠٧

٣٥٧

حرف الثاء

شواهد ثم

١٦٦ ـ وأنشد :

أراني إذا أصبحت أصبحت ذا هوى

فثمّ إذا أمسيت أمسيت غاديا

تقدم شرحه في شواهد إذا (١).

١٦٧ ـ وأنشد :

كهزّ الرّدينيّ تحت العجاج

جرى في الأنابيب ثمّ اضطرب (٢)

هذا من قصيدة لأبي دؤاد ، جارية بن الحجاج الايادي ، يصف فيها الفرس ، وقبله :

وهاد تقدّم لا عيب في

ه كالجزع شذّب عنه الكرب

إذا قيد قحّم من قاده

وولّت علابيّه واجلعب (٣)

كهزّ الرّدينيّ تحت العجاج

جرى في الأنابيب ثمّ اضطرب

وأول القصيدة :

وقد أغتدي في بياض الصّباح

وأعجاز ليل مولّى الذّنب

__________________

(١) انظر ص ٢٨٢ و ٢٨٤ ، والبيت في ديوان زهير ٢٨٥ ، والخزانة ٣ / ٥٨٨.

(٢) من بائيته ، وهو مع القصيدة في ديوان حميد بن ثور ٤٢ ـ ٤٦.

وفيه : (بين الأكف).

(٣) في ديوان حميد ٤٣ : (وبانت علايبه ...).

٣٥٨

بطرف ينازعني مرسنا

سلوف المقادة محض النّسب

أعجاز الليل : أواخره. والذنب أيضا آخره. وطرف : بكسر الطاء وسكون الراء المهملتين : وفاء الفرس الكريم. والمرسن : بفتح الميم وسكون الراء وكسر السين ، الأنف. وإنما قال : ينازعني مرسنا ، لأن الحبل ونحوه يقع على مرسنه. وسلوف المقادة : متقدم ، طويل العنق. ومحض النسب : خالصه ، لم تعارف الهجنة. والرديني : الرمح ، نسبة الى امرأة تسمى ردينة ، كانت وزوجها سمهر يقوّمان القنا بخط هجر. والعجاج : الغبار. والأنابيب : جمع انبوبة ، وهي ما بين كل عقدتين من القصب. قال ابن قتيبة : يقول إذا هززت الرمح جرت تلك الهزة فيه حتى يضطرب كله ، فكذلك هذا الفرس ، ليس فيه عضو إلا وهو يعين مايليه ، ولم يرد الاضطراب ولا الرعدة.

فائدة :

أبو دؤاد جارية ، ويقال : جويرية بن الحجاج بن يحمر بن عصام بن منبه بن حذاقة (١) بن زهر بن اياد بن نزار بن معدّ ، شاعر قديم من شعراء الجاهلية ، وكان وصافا للخيل ، وأكثر أشعاره في وصفها.

وأخرج أبو الفرج في الاغاني عن الاصمعي قال (٢) : ثلاثة كانوا يصفون الخيل لا يقاربهم أحد : طفيل ، وأبو دؤاد ، والجعديّ. فأما أبو دؤاد ، فإنه كان على خيل المنذر بن النعمان بن المنذر ، وأما طفيل فإنه كان يركبها ، وأما الجعديّ فإنه سمع من الشعراء فأخذ عنهم.

وأخرج عن أبى عبيدة قال : أبو دؤاد أوصف الناس للفرس في الجاهلية والاسلام ، وبعده طفيل الغنوي والنابغة الجعديّ.

وأخرج عن يحيى بن سعيد قال : كانت إياد تفتخر على العرب ، تقول : منا أجود الناس كعب بن مامة ، ومنا أشعر الناس أبو دؤاد ، ومنا أنكح الناس ابن الغز.

__________________

(١) لعلها (حذاق) وهي قبيلة من إياد.

(٢) ١٥ / ٩١ ـ ٩٦ ، وانظر الشعراء ١٩٠.

٣٥٩

وأخرج عن أبي عبيدة قال (١) : سئل الحطيئة من أشعر الناس؟ قال الذي يقول (٢) :

لا أعدّ الإقتار عدما ولكن

فقد من قد رزئته الإعدام

وهو لأبي دؤاد الأيادي. قالوا : ثم من؟ قال : عبيد بن الأبرص. قالوا : ثم من؟ قال : كفاكم والله بي ، إذا أخذتني رغبة أو رهبة ، ثم عويت في أثر القوافي عواء الفصيل في أثر أمّه.

__________________

(١) الشعراء ١٩٠

(٢) هو البيت رقم ١٥ من الأصمعية رقم ٦٥ ، وهو في الشعراء ١٩٠ ، والأغاني ١٥ / ١٧ و ٢٤ و ٩٤ ، والخزانة ٤ / ١٩٠.

٣٦٠