شرح شواهد المغني

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

شرح شواهد المغني

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: لجنة التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٤٦

ملكان بن عديّ بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار العدوي ، أبو الحارث ، لقب ذو الرمّة لأنه أتى مية صاحبته ، وعلى كتفه قطعة حبل ، وهي الرمّة ، واستقساها فقالت : اشرب يا ذا الرمّة. فلقب به. وقيل لقوله :

أشعث باقي رمّة التّقليد (١)

وقيل : كان يصيبه الفزع في صغره فكتبت له تميمة فكانت تعلق عليه بحبل. له رواية في الحديث ، حدّث عن ابن عباس ، روى عنه أبو عمرو بن العلاء.

أخرج ابن عساكر من طريق إسحق بن سيار النصيبي عن الأصمعي عن أبي عمرو ابن العلاء عن ذي الرمّة عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن من الشعر حكمة. وبسنده عن ابن عباس في قوله تعالى (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) قال : الفارغ. قال النصيبي : لذي الرمّة غير هذين الحديثين ، وعدّه الجمحي في الطبقة الثانية من شعراء الاسلام (٢).

وأخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن نافع : أن الفرزدق دخل على الوليد بن عبد الملك فقال له : من أشعر الناس؟ قال : أنا. قال : أتعلم أحدا أشعر منك. قال : لا ، إلا أن غلاما من بني عديّ يركب اعجاز الابل وينعت الفلوات ، ثم أتاه جرير فسأله ، فقال له مثل ذلك. ثم أتاه ذو الرمّة فقال له : ويحك ، أنت أشعر الناس. قال : لا ، ولكن غلام من بني عقيل يقال له مزاحم لكن الروحيات (٣) ، يقول وحشيا من الشعر لا نقدر أن نقول مثله.

وأخرج من طريق ابن عبد الحكم قال : سمعت الشافعي يقول : ليس يقدّم أهل البادية على ذي الرمّة أحدا ، قال : وقال لي الشافعي : لقي رجل رجلا من أهل اليمن فقال لليماني : من أشعر الناس؟ فقال : ذو الرمّة. فقلت له : فأين امرؤ القيس

__________________

(١) ديوانه ١٥٥ ، والشعراء ٥٠٨ ، وطبقات ابن سلام ١٨٢ وصدر البيت كما في الديوان :

وغير موضوخ القفا موتود

وقبله :

والدّهر يبلى جدة الجديد

لم يبق غير مثّل ركود

على ثلاث باقيات سود

وغير باقي ملعب الوليد

(٢) الطبقات ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(٣) هكذا بالنسخ التي بأيدينا وصوابه : (يسكن الدوّ) اه. محمد محمود الشنقيطي.

١٤١

لأحميه بذلك ، لأنه يماني. فقال : لو أن امرأ القيس كلف أن ينشد شعر ذي الرّمّة ما أحسنه.

وأخرج عن أبي عبيدة قال : لقى جرير ذا الرمّة فقال له : هل لك في المهاجاة؟ قال ذو الرمّة : لا. قال جرير : كأنك هبتني! قال : لا والله. قال : فلم لا تفعل؟ قال : لأن حرمك قد هتكهنّ السفلة وما ترك الشعراء في نسواتك مرقعا.

مات ذو الرمّة بأصبهان سنة سبع عشرة ومائة عن أربعين سنة.

قال أبو عمرو بن العلاء : فتح الشعر بامرىء القيس وختم بذي الرمّة. وقال الأصمعي : مات ذو الرمّة عطشانا ، وأتي بالماء وبه رمق فلم ينتفع به وكان آخر ما تكلم به قوله (١) :

يا مخرج الرّوح من نفسي إذا احتضرت

وفارج الكرب زحزحني عن النّار

أخرجه ابن عساكر.

٥٣ ـ وأنشد :

دعاني إليها القلب إنّي لأمره

سميع فما أدري أرشد طلابها

تقدّم شرحه في شواهد الهمزة (٢).

٥٤ ـ وأنشد :

__________________

(١) ديونه ٦٦٧ ، والأغاني ١٦ / ١٢٦ و ١٢٨ ، واللسان (زح) وتاج العروس (روح) وقبله :

يا رب قد أشرفت نفسي وقد علمت

علما يقينا لقد أحصيت آثاري

ويروى البيت : (يا مخرج الروح من جسمي ...).

(٢) انظر ص ٢٧ والكامل ٦١١.

١٤٢

كذبتك عينك أم رأيت بواسط

غلس الظّلام من الرّباب خيالا (١)

هذا مطلع قصيدة للأخطل يهجو جريرا ، وبعده :

وتعرّضت لك بالأبالخ بعد ما

قطعت بأبرق خلّة ووصالا

وتغوّلت لتروعنا جنّية

والغانيات يرينك الأهوالا

يمددن من هنواتهنّ إلى الصّبا

سببا يصدن به الغواة طوالا

ما إن رأيت كمكرهنّ إذا جرى

فينا ولا كحبالهنّ حبالا

المهديات لمن هوين مسبّة

والمحسنات لمن قلين مقالا

يرعين عهدك ما رأينك شاهدا

وإذا مذلت يصرن عنك مذالا

وإذا وعدنك نائلا أخلفنه

ووجدت عند عداتهنّ مطالا

وإذا دعونك عمّهنّ فإنّه

نسب يزيدك عندهنّ خبالا

ومنها :

أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا

خلعا الملوك وفكّكا الأغلالا

وأخوهما السّفّاح ظمّأ خيله

حتّى وردن جبى الكلاب نهالا

ومنها :

فانعق بضأنك يا جرير ، فإنّما

منّتك نفسك في الخلاء ضلالا

__________________

(١) من قصيدة في الديوان ٤١ ـ ٥١. والبيت في الخزانة ٤ / ٤٥٢ ، والكامل ٦١١.

١٤٣

قوله : (كذبت عينك) استشهد به بعضهم على حذف همزة الاستفهام ، أي أكذبتك. وقوله (أم رأيت) أورده المصنف على أن أبا عبيدة قال : ان (أم) فيه بمعنى الاستفهام المجرّد ، أي هل رأيت. وفي تفسير ابن جرير في قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) ليست (أم) هنا على الشك ، قاله ليقبح صنيعهم كقول الأخطل :

كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... البيت

وواسط : بلد بالعراق اختطها الحجاج وهو مصروف. والغلس : ظلمة آخر الليل. والرباب : اسم امرأة منقول من اسم السحاب. والأبالخ : جمع بليخ ، وهو نهر بالرقة. وتغوّلت : تهوّلت. والغانيات : جمع غانية ، وهي التي غنيت بجمالها عن التزين. والسبب : الحبل. والطوال : بضم الطاء ، الطويل. قوله : (أبني كليب ... البيت) ، استشهد به المصنف في التوضيح على حذف النون من اللذان تخفيفا ، وفيه شاهد على النداء بالهمزة. واللذا : خبر أنّ ، والأغلال : جمع غل. وفككاها : أي عن الأسارى. وعماه : الأخنس قاتل شرحبيل بن الحارث بن عمرو آكل المرار يوم الكلاب ، وعمرو بن كلثوم التغلبي قاتل عمرو بن هند (١). والسفاح : لقب رجل من رؤساء العرب ، واسمه سلمة ابن خالد ، سفح ماءه يوم الكلاب الأوّل. والجبى : بفتح الجيم والموحدة مقصور ، ما حول البئر والحوض ، وبكسر الجيم ما اجتمع في البئر من الماء وهو المراد. والكلاب بضم الكاف وتخفيف اللام اسم ماء. ونهال : بكسر النون وتخفيف الهاء ، جمع نهل ، الذي هو جمع ناهل ، وأراد به هنا العطاش. قال جرير : ما غلبني الأخطل الا في هذه القصيدة :

كذبتك عينك أم رأيت بواسط

٥٥ ـ وأنشد :

أنّى جزوا عامرا سوأى بفعلهم

أم كيف يجزونني السّوأى من الحسن

__________________

(١) في الشعراء ١٨٧ : (ويعني بعميه : عمرا ومرة ابني كلثوم) وفيه :

(قتلا الملوك) والبيت في ابن سلام ٤٢٨ برواية (يا ابن المراغة ...

قتلا ...) وانظر الاشتقاق ٢٠٣ ، والجهرة ٢٨٨ ، والخزانة ٢ / ٥٠٠ والعقد ٥ / ٢٢٣.

١٤٤

أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به

رئمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن

هذان آخر مقطوعة لأفنون التغلبي ، وأوّلها (١) :

أبلغ حبيبا وخلّل في سراتهم

أنّ الفؤاد انطوى منهم على حزن

قد كنت أسبق من جاروا على مهل

من ولد آدم ما لم يخلعوا رسني

فالوا عليّ ولم أملك فيالتهم

حتّى انتحيت على الأرساغ والثّنن

لو أنّني كنت من عاد ومن إرم

ربّيت فيهم ولقمان ومن جدن

لما فدوا بأخيهم من مهوّلة

أخا السّكون ولا جاروا على السّنن

سألت قومي وقد سدّت أباعرهم

ما بين رحبة ذات العيص والعدن

إذ قرّبوا لابن سوّار أباعرهم

لله درّ عطاء كان ذا غبن

إنى جزوا ... البيتين.

قوله : خلّل في سراتهم : أي خصهم بالبلاغ ، أي اجعل بلاغك يتخللهم. والسراة : السادة (٢). قوله : (قد كنت أسبق من جاروا) هو مثل ، أي كنت أناضل عنهم وأدفع وأسبق من جاراهم وفاخرهم. وقوله : (ما لم يخلعوا رسني) مثل أيضا ، أي ما لم يبتزوا مني ويرغبوا عني. والرسن : الحبل الذي يشدّ به الدابة في رأسها. وفالوا ، بالفاء ، أخطأوا ، ومصدره : فيوله. والفيال بالكسر : الاسم فيه. وانتحيت ، بالمهملة ، اعتمدت. والأرساغ ، بسين مهملة وعين معجمة ، جمع رسغ ، وهو من الدواب الموضع المستدق بين الحافر وموصل الوظيف من اليد والرجل. والثّنن :

__________________

(١) القصيدة هي المفضلية رقم ٦٦ وهي في المفضليات ٢٦١ ـ ٢٦٣ ، والخزانة ٤ / ٤٥٥ ـ ٤٥٦ ، وشعراء الجاهلية ١٩٣ ، وانظر الامالي ٢ / ٥١ ، وامالي ابن الشجري ١ / ٣٧ ، والبيان والتبيين ١ / ٢٣.

(٢) وحبيب ، بالتصغير ، قبيلة الشاعر أفنون ، وهم بنو حبيب بن عمرو ابن غنم بن تغلب.

١٤٥

جمع ثنة ، بالمثلثة ، وهو الشعر في مؤخر رسغ الدابة (١). وذرجدن ، بفتح الجيم والدال المهملة ، قيل من أقيال حمير. والسكون ، بالفتح ، حيّ من اليمن. والرحبة ، بالسكون : فضاء بين أفنية القوم والمسجد ، ويقال بالفتح أيضا ، قاله الأزهري. والعيص : الشجر الكثير الملتف. والغبن ، بفتح الباء ، في الرأي ، واما بالسكون ففي البيع ، يقال : غبن رأيه بالكسر ، إذا نقصه ، فهو غبين ، أي ضعيف الرأي. وغبنه في البيع ، بالفتح ، أي خدعه فهو مغبون. وأنى : اسم استفهام. والسوأى : مؤنث الأسوأ ، كالحسنى مؤنث الأحسن. والعلوق ، بالفتح ، الناقة تعطف على غير ولدها فلا ترأمه ، وإنما تسد بأنفها وتمنع لبنها ، قاله في الصحاح. ورئمان ، بكسر الراء وهمزة ساكنة. قال الجاحظ في البيان (٢) : أصله الرقة والرحمة ، فالرؤوم أرق من الرؤوف. وقوله (رئمان أنف) : كأنها تئر ولدها بأنفها وتمنعه اللبن. وقال في الصحاح : رئمت الناقة ولدها رئمانا إذا أحبته وحنت عليه. ويقال للبوّ : رأم ، والناقة رؤوم ورائمة. وقال القالي في أماليه (٣) : العلوق : التي ترأم بأنفها وتمنع درّها ، يقول : أنتم تحسنون القول ولا تعطون شيئا فكيف ينفعني ذلك.

فائدة :

قال المفضل : أفنون هذا لقب ، واسمه صريم بن معشر بن ذهل بن تيم بن عمرو بن مالك بن حبيب ـ مصغر ـ ابن عمرو بن غنم بن تغلب. لقى كاهنا في الجاهلية فقال له انك تموت بمكان يقال له (إلاهة) فمكث ما شاء الله ، ثم إنه سافر في ركب من قومه إلى الشام ، فضلوا الطريق فقال لرجل : كيف نأخذ؟ فقال : سيروا فإذا رأيتم مكان كذا وكذا حيي لكم الطريق ورأيتم إلاهة ، فلما رأوها نزل أصحابه وأبى أن ينزل ، فبينا ناقته ترعى إذ لدغتها أفعى في مشفرها ، فاحتكت بساقه والحية معلقة بمشفرها فلدغته في ساقه فمات منها. وفي الوشاح لابن دريد أنه لقب أفنونا لقوله :

منّيتنا الودّ يا مضنون مضنونا

أزماننا إن للشّبّان أفنونا

__________________

(١) في الخزانة : (ضربهما مثلا لأسافل الناس ، يريد : لما اخطؤوا في أمري وأصروا قصدت أراذل الناس).

(٢) ١ / ٢٣.

(٣) ٢ / ٥١.

١٤٦

وفي المؤتلف للآمدي أن اسمه ظالم.

٥٦ ـ وأنشد :

ما تنقم الحرب العوان منّي

بازل عامين حديث سنّ

لمثل هذا ولدتني أمّي

هو لأبي جهل في وقعة بدر.

وأخرج إسحق بن راهويه في مسنده عن عبد الله بن مسعود قال : دفعت إلى أبى جهل يوم بدر وهو يقول (١) :

ما تنقم الحرب العوان منّي

بازل عامين سديس سنّي

لمثل هذا ولدتني أمّي

فدنوت منه فضربته فقتله الله. وأخرجه ابن إسحق في مغازيه بلفظ حديث سنّي. وذكره المبرد في الكامل بلفظ : حديث سنّ ، بالاضافة ، كما أورده المصنّف (٢). قوله : تنقم ، بكسر القاف ، مضارع نقم ، بفتحها أي تكره. والعوان من الحروب : التي قوتل فيها مرّة ، كأنهم جعلوا الأولى بكرا. والبازل : اسم فاعل ، من بزل البعير يبزل بزولا ، أي انشق نابه ، ذكرا كان أو أنثى ، وذلك في السنة التاسعة ، وربما بزل في الثامنة. والمراد في البيت : وصفه بالقوّة والجلادة ، تشبيها بالبعير البازل ، لأنه يكون في هذا السنّ كامل القوة شديد الصلابة. والحديث السنّ الشاب وأما سديس فمن قولهم أسدس البعير اذا ألقى السنّ بعد الرباعية وذلك في السنة الثامنة (٣). وأما السدس ، بالتحريك ، فالسنّ قبل البازل. قال في الصحاح : الأثاث في أسنان الابل كلها بالهاء إلّا السدس. والسديس والبازل فيستوى فيها

__________________

(١) إنباه الرواة ٢ / ٣٧١ وسيرة ابن هشام ١ / ٧١ واللسان (بزل) و (نقم) (وعون) ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٢٤٧.

(٢) الكامل ٨١٠.

(٣) انظر اللسان (بزل) ، وتعليق العلامة المرصفي على الكامل ص ٨١٠.

١٤٧

المذكر والمؤنث ، وجمع السديس : سدس ، بضمتين ، كرغيف ورغف ، وجمع السدس : سدس ، بضمة فسكون ، كأسد وأسد ، انتهى. وقد أعاد المصنف هذا الرجز في الكتاب الثامن. ثم رأيت ابن عساكر أخرج في تاريخه من طريق مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال : لقد رأيت عليّ بن أبي طالب بارز يوم بدر ، فجعل يحمحم كما يحمحم الفرس ، ويقول :

بازل عامين حديث سنّي

سنحنح اللّيل كأنّي جنّي

لمثل هذا ولدتني أمّي

قال : فما رجع حتى خضب سيفه دما.

٥٧ ـ وأنشد :

أيا شجر الخابور مالك مورقا

كأنّك لم تجزع على ابن طريف (١)

هذا من أبيات ليلى بنت طريف التغلبية ، ترثي أخاها الوليد ، وقيل اسمها سلمى (٢) وأوّلها :

بتلّ نباتا رسم قبر كأنّه

على علم فوق الجبال منيف (٣)

تضمّن جودا حاتميّا ونائلا

وسورة مقدام وقلب حصيف

__________________

(١) حماسة البحتري ٤٣٥. والامالي ٢ / ٢٧٤ ، واللآلي ٩١٣ ، وشرح التبريزي على حماسة أبي تمام ٣ / ٧٠ و ١٠٨ ، والأغاني ١٢ / ٩٢ و ٩٦ (دار الكتب).

(٢) اختلف في اسمها فقيل (ليلى) و (سلمى) و (الفارعة) أو (فاطمة).

(٣) اختلف في رسم هذا الموضع ، ففي حماسة البحتري (تل تباثا) ، وفي الأغاني (نباثا) ، وفي ابن خلكان (نهاكى) وزاد ابن خلكان فقال :

(وتل نهاكى أظنه في بلد نصيبين ، وهو موقع الواقعة المذكورة).

ومثله في الكامل لابن الأثير ٦ / ٩٨ وأظنه انا (نباتى) وهو موقع في رأس العين ، وانظر البكري ٩٨٦ و ١٢٩١.

١٤٨

ألا قاتل الله الجثا حيث أضمرت

فتى كان للمعروف غير عيوف

خفيف على ظهر الجواد إذا عدا

وليس على أعدائه بخفيف

أيا شجر الخابور ... البيت :

فتى لا يحبّ الزّاد إلّا من التّقى

ولا المال إلّا من قنا وسيوف

حليف النّدى ما عاش يرضى به النّدى

فإن مات لم يرض النّدى بحليف

فقدناه فقدان الرّبيع وليتنا

فديناه من ساداتنا بألوف

وما زال حتّى أزهق الموت نفسه

شجى لعدوّ أو لجا لضعيف

ألا يا لقومي للحمام وللبلى

وللأرض همّت بعده برجوف

ألا يا لقومي للنّوائب والرّدى

ودهر ملحّ بالكرام منيف (١)

فإن يك أرداه يزيد بن مزيد

فربّ زحوف لفّها بزحوف

عليك سلام الله وفقا فإنّني (٢)

أرى الموت وقّاعا بكلّ شريف

وفي تاريخ الذهبي : حين قتل الوليد بن طرفى (٣) الخارجي في سنة تسع وسبعين ومائة ، وكان قد اشتدت البلية به وكثر جيشه ، فسيّر إليه الخليفة هرون الرشيد يزيد بن مزيد الشّيباني ، فراوغه يوم التقاه يزيد على غرّة بقرب هيت فظفر به فقتله. وفي ذلك تقول الفارغة أخت الوليد ... فذكر الأبيات. السورة : السطو. المقدام : الكثير الاقدام على العدوّ. والحصيف ، بمهملتين ، وفاء المحكم العقل. والجثاء ، بجيم ومثلثة ، جمع جثوة ، بتثليث الجيم ، وهي الحجارة المجموعة (٤).

__________________

(١) في المراجع السابقة : (عنيف).

(٢) في المراجع السابقة برواية : (فلا تجزعا يا ابني طريف فإنني).

(٣) كذا بالاصل ، صحتها (طريف).

(٤) وفي حديث عامر : (رأيت قبور الشهداء جثا) يعني أتربة مجموعة.

١٤٩

وعيوف : من عاف الشيء أي كرهه (١). والخابور ، قال في الصحاح : موضع بناحية الشام. وقال غيره : الصواب إنه نهر بالجزيرة ، وكذا في القاموس. والقنا : جمع قناة ، وهي الرمح. والشجى : ما ينشب في الحلق من عظم أو غيره. واللجاء بالتحريك ، الملجأ ، وترك همزه في البيت للضرورة.

٥٨ ـ وأنشد :

في كلّ ما يوم وكلّ ليلاه (٢)

وأنشده ابن الأعرابي ، وصدره :

يا ويحه من جمل ما أشقاه

٥٩ ـ وأنشد :

دويهية تصفرّ منها الأنامل

هو من قصيدة للبيد بن ربيعة الصحابي رضي‌الله‌عنه أوّلها (٣) :

ألا تسألان المرء ما ذا يحاول

أنحب فيقضى أم ضلال وباطل

أرى النّاس لا يدرون ما قدر أمرهم

بلى كلّ ذي لبّ إلى الله واسل

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

وكلّ نعيم لا محالة زائل

وكلّ أناس سوف يدخل بينهم

دويهيّة تصفرّ منها الأنامل

وكلّ امرىء يوما سيعلم غيبه

إذا حصلت عند الإله المحاصل

__________________

(١) وفي الأغاني : (عفيف).

(٢) اللسان (ليل).

(٣) الخزانة ٢ / ٥٦١ ، والشعراء ٢٣٧

١٥٠

إذا المرء أسرى ليلة خال أنّه

قضى عملا ، والمرء مادام عامل

فقولا له ، إن كان يقسم أمره :

ألمّا يعظك الدّهر؟ أمّك هابل

فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

لعلّك تهديك القرون الأوائل

فإن لم تجد من دون عدنان والدا

ودون معدّ فلتزعك العواذل

وهي أكثر من خمسين بيتا يمدح بها النعمان ، والبيت الأوّل استشهد به المصنف في (ماذا) على أن (ما) استفهام مبتدأ و (اذا) بعدها موصولة ، ويحاول صلتها ، والعائد محذوف ، وهو من حاولت الشيء أردته. والنحب ، بفتح النون وسكون الحاء المهملة ، المدة والوقت. يقال : قضى فلان نحبه ، إذا مات. والمعنى : هلا تسأل المرء ما ذا يطلب باجتهاده في الدنيا وتتبعه إياها ، أنذرا وجب على نفسه أن لا ينفك عن طلبه ، فهو يسعى لقضائه؟ أم هو في ضلال وباطل.

وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس : ان نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) قال : أجله الذي قدّر له. قال : وهل قالت العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول لبيد : ألا تسألان المرء ... البيت.

ونحب : بدل من ما بدل تفصيل ، وهو الذي دل على أن (ما) مرفوعة المحل ، ويقضي منصوب بالتقدير ، لأنه جواب الاستفهام. وتسألان : خطاب للاثنين ، وأراد به الواحد ، لأن من عادة العرب أن يخاطبوا الواحد بصيغة الاثنين كما في : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) ، وكأنهم يريدون بها التكرار للتأكيد ، فكان المعنى الاتسأل. والبيت الثالث أورده المصنف في حرف (الخاء) مستدلا به على تعين النصب بخلا ، إذا تقدمها ما. وأورده في (كل) مستشهدا به على مراعاة معناها إذا أضيفت إلى نكرة ، واستدل النحويون به على الاعتراض بالاستثناء بين المبتدأ والخبر. قال شيخ ابن الخباز : ليس هذا باستثناء بل ما زائدة وخلا الله صفة لكل أو لشيء. والمعنى : كل شيء غير الله باطل ، والباطل في الأصل غير الحق ، والمراد به هنا الهالك. ولا محالة : بالفتح ، أي لا بد. وقيل لا حيلة. والبيت الرابع استشهد به

١٥١

لمصنف هنا وفي (رب) كالكوفيين ، على أن التصغير يرد للتعظيم إذ المعنى داهية عظيمة. وقد أجيب عنه بأنها صغرت لدقتها وخفائها فهو راجع إلى معنى التقليل. وفي المحكم : انه خويخية بمعجمتين بمعنى دويهية. وقوله (أرى الناس ... البيت). أي إن الناس لا يدرون ما هم فيه من خطر الدنيا وسرعة فنائها ، وأن كل ذي عقل متوسل إلى الله بصالح عمل. وقوله : واسل ، معناه ذو وسيلة ، مثل : لابن وتامر. وألمّا : هي لمّا الجازمة ، دخلت عليها همزة التوبيخ. وأمّك هابل : مبتدأ وخبر. وقوله : فان أنت ، أصله فإن إياك ، ثم أبان المرفوع عن المنصوب ، كقراءة الحسن (إياك نعبد) وقد أورده ابن قاسم في شرح الألفية شاهدا لذلك. وقيل : أصله ، كأن ضللت لم ينفعك علمك. فاضمر الفعل لدلالة ما بعده عليه ، فانفصل الضمير ، ولعل للتعليل. والقرون : جمع قرن. قال الجوهري : والقرن من الناس أهل زمان واحد. ومعنى البيت والذي يليه : أن غاية الانسان الموت ، فينبغي له أن يتعظ بأن ينسب نفسه إلى عدنان أو معدّ ، فإن لم يجد من بينه وبينهما من الآباء باقيا فليعلم أنه يصير إلى مصيرهم ، فينبغي له أن ينزع عما هو عليه. وقوله : فلتزعك ، بالزاي ، يقال : وزعه يزعه إذا كفه. والعواذل هنا : حوادث الدهر وزواجره. وإسناد العذل إليها مجاز ، ونصب (دون) بالعطف على محل من دون ، لأن معنى : إن لم تجد من دون عدنان ، وإن لم تجد دون عدنان واحد ، قاله المصنف في شواهده. وقد استشهد المصنف بهذا البيت في الكتاب الرابع على انه لا يختص مراعاة الموضع في العطف أن يكون العامل في اللفظ زائدا.

فائدة :

لبيد بن ربيعة بن مالك ابن جعفر بن كلاب ، يكنى أبا عقيل. قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وفد بني كلاب فأسلم ، ثم رجع الى بلاده وقطن الكوفة ، ومات بها ليلة نزل معاوية النخيلة لمصالحة الحسن بن عليّ ، وعاش مائة وأربعين سنة. ذكره ابن سلام في الطبقة الثالثة من شعراء الجاهلية (١). وكان شريفا في الجاهلية والاسلام. وقيل انه مات في خلافة عثمان ، وقيل في خلافة معاوية.

أخرج ابن اسحق في مغازيه قال : حدّثني صالح بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن

__________________

(١) الطبقات ١٠٣

١٥٢

عوف ، عمن حدّثه ، عن عثمان عن مظعون (١) : أنه مرّ بمجلس من قريش في صدر الاسلام ولبيد بن ربيعة ينشدهم :

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

فقال عثمان : صدقت ، فقال لبيد :

وكلّ نعيم لا محالة زائل

فقال عثمان : كذبت ، نعيم الجنة لا يزول أبدا. فقال لبيد : يا معشر قريش ، والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث هذا فيكم. فقال رجل : إن هذا سفيه من سفاء معدّ ، قد فارقوا ديننا فلا تجدنّ في نفسك من قوله. فردّ عليه عثمان حتى شرى أمرهما ، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخصرها ، فقال الوليد بن المغيرة لعثمان : إن كانت عينك عما أصابها لغنية ، فقال عثمان : بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله.

وأخرج السلفي في المشيخة البغدادية من طريق هاشم عن يعلى عن ابن جراد قال : أنشد لبيد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله :

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

فقال له : صدقت ، فقال :

وكلّ نعيم لا محالة زائل

فقال له : كذبت ، نعيم الآخرة لا يزول.

وأخرج الشيخان عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد :

__________________

(١) الخبر في الاغاني ١٥ / ٣٠١ ـ ٣٠٢ (الثقافة) والخزانة ٢ / ٧٨ (السلفية) والموشح ٧٢.

١٥٣

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال : كتب عمر بن الخطاب إلى المغيرة بن شعبة ، وهو عامله على الكوفة ، أن ادع من قبلك من الشعراء فاستنشدهم ما قالوا من الشعر في الجاهلية والاسلام ، ثم اكتب بذلك إليّ. فدعاهم المغيرة فقال للبيد بن ربيعة : أنشدني ما قلت من الشعر في الجاهلية والاسلام ، قال : قد أبدلني الله بذلك سورة البقرة وآل عمران. وقال للأغلب العجلي أنشدني ؛ فقال :

أرجزا تريد أم قصيدا

لقد سألت هيّنا موجودا

فكتب بذلك المغيرة إلى عمر ، فكتب اليه عمر أن أنقص الأغلب خمسمائة من عطائه وردّها في عطاء لبيد ، فرحل إليه الأغلب فقال : أتنقصني أن أطعتك؟ فكتب عمر إلى المغيرة أن ردّ على الأغلب الخمسمائة التي نقصته ، وأقرّها زيادة في عطاء لبيد (١).

وأخرج ابن سعد ، أنا هشام ، عن جعفر بن كلاب ، عن أشياخه : أن لبيدا لما حضره الموت دخل عليه أشياخ بني جعفر وشبانهم فقال : ابكوا عليّ حتى أسمع ، فقال شاب منهم :

لتبك لبيدا كلّ قدر وجفنة

وتبكي الصّبا من باد وهو حميد

قال : أحسنت يا ابن أخي ، فزدني ، قال : ما عندي غير هذا البيت. قال : ما أسرع ما أكديت.

وفي شرح الشواهد للمصنف (٢) : قيل إن لبيدا لم يقل في الاسلام سوى قوله :

__________________

(١) انظر الاغاني ١٥ / ٢٩٧ ـ ٢٩٨ (الثقافة).

(٢) المعمرين ٦٦ ، والاغاني ١٥ / ٢٩٧ ، والشعراء ٢٣٢ وينسب البيت كما في الاستيعاب ٢٣٥ لقردة بن نفاثة السلولي وذكره السجستاني في المعمرين مع آخر لقردة ، ثم قال : (ويزعمون أن البيت الأول للبيد).

١٥٤

الحمد لله الّذي لم يأتني أجلي

حتّى اكتسيت من الإسلام سربالا

وقوله (١) :

ما عاتب الحرّ الكريم كنفسه

والمرء ينفعه القرين الصّالح

قلت : البيت الأوّل ليس له فقد نسبه ابن سعد في طبقاته لقردة بن نفاثة من الصحابة من أبيات ، أوّلها :

بان الشّباب فلم أحفل به بالا

وأقبل الشّيب والإسلام إقبالا

وقد أروّي نديمي من مشعشعة

وقد أقلّب أوراكا وأكفالا

الحمد لله ... البيت. ثم رأيت الحافظ أبا الفتح اليعمري نبه على الذي قلته ، وقد روينا بسند صحيح : أن لبيد بن ربيعة وعديّ بن حاتم هما اللذان سميا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين حين قدما عليه من العراق. وقد وردت القصة في تاريخ الخلفاء. وأخرج ابن عساكر عن الحسين بن حفص المخزومي : أن لبيدا جعل على نفسه أن يطعم ما هبّت الصبا. فألحت عليه زمن الوليد بن عقبة ، فصعد الوليد المنبر فقال : أعينوا أخاكم ، وبعث إليه بثلاثين جزورا (٢). وكان لبيد قد ترك الشعر في الاسلام ، فقال لابنته : أجيبي الأمير ، فأجابت :

إذا هبّت رياح أبي عقيل

ذكرنا عند هبتها الوليدا

وفي رواية : دعونا :

أبا وهب جزاك الله خيرا

نحرناها وأطعمنا الثّريدا

__________________

(١) الشعراء ١٣ و ٢٣٢ برواية :

ما عاتب المرء الكريم كنفسه

والمرء يصلحه الجليس الصالح

(٢) وروى بعض الرواة : بعث اليه بمائة ناقة كوماء سوداء اه. محمد محمود الشنقيطي. قلت : وكذا في الأغاني ١٥ / ٢٩٨ (الثقافة).

١٥٥

طويل الباع أبيض عبشميّ

أعان على مروءته لبيدا

بأمثال الهضاب كأنّ ركبا

عليها من بني حام قعودا

فعد إنّ الكريم له معاد

وظنّي بابن أروى أن يعودا

فقال (لها) (١) لبيد : أحسنت لو لا انك سألت ، قالت : إن الملوك لا يستحيا من مسألتهم ، قال : وأنت في هذا أشعر.

٦٠ ـ وأنشد :

يا ليت شعري ولا منجى من الهرم

أم هل على العيش بعد الشّيب من ندم

هذا مطلع قصيدة لساعدة بن جؤية يرثي بها من أصيب يوم معيط ، وبعده (٢) :

أم هل ترى أصلات العيش نافعة

أم في الخلود ولا بالله من عشم (٣)

إنّ الشّباب رداء من يزن تره

يكسي الجمال ويفند غير محتشم

والشّيب داء نجيس لا شفاء له

للمرء كان صحيحا صائب القحم

وسنان ليس بقاض نومة أبدا

لو لا غداة يسير النّاس لم يقم

في منكبيه وفي الأصلاب واهنة

وفي مفاصله غمز من العسم

ومنها :

تالله يبقى على الأيّام ذو حيد

أدفى صلود من الأوعال ذو خدم

__________________

(١) مزيدة.

(٢) اشعار الهذليين ١ / ١٩١.

(٣) هذا البيت والذي يليه ليسا في ديوان الهذليين.

١٥٦

يأوي إلى مشمخرّات مصعّدة

شمّ بهنّ فروع القان والنّشم

ومنها :

ولا صوار مذرّاة مناسجها

مثل الفريد الذي يجري من النّظم

ظلّت صوافن بالأرزان صاوية

في ماحق من نهار الصّيف محتدم

قد أوبيت كلّ ماء فهي صاوية

مهما تصب أفقا من بارق تشم

ومنها :

هل اقتنى حدثان الدّهر من أحد

كانوا بمعيط لا وخش ولا قزم

وهي طويلة جدّا. قال السكري : يروى ألا منجى : أي هل ينجو أحد من أحد من الهرم ، أم هل يندم إنسان على العيش بعد الشيب. وأصلات : جمع أصلة ، وهو اتصال العيش. وعشم : بعين مهملة وشين معجمة مفتوحتين ، طمع. ويفند : أي يأتي بالقبيح وبالحمق ، ومالا خير فيه : لا يحتشم من ذلك ، بخلاف الشيخ. والداء النجيس : بفتح النون وكسر الجيم ، الذي لا يكاد يبرأ. وصائب القحم : أي مصيب في ما يقتحم من سير أو كلام أو غير ذلك. قال الجمحي : ولغة الشاعر المرء ، بكسر الميم. قوله : وسنان ، هو بالرفع خبر مبتدأ مقدّر دلّ عليه الشيب ، وبالنصب ، يقول : الكبير لا تراه أبدا إلا وسنان كأنه نائم ولا يكاد يقوم من الاسترخاء والفترة الا أن يقوم للارتحال فلو لا مسير الناس لم يزل نائما. وواهنة : ضعف ووجع. والغمز : النسج. العسم ، بفتح المهملتين ، اليبس في اليد (١). وقوله : (تالله يبقى) على حذف لا ، أي لا يبقى. ويروى : (لله) وكذلك أورده المصنف في حذف اللام مستشهدا به على ورود اللام للقسم والتعجب معا. والحيد ، بكسر المهملة وفتح التحتية ودال مهملة ، كعوب في القرن ، الواحد حيد كضرب (٢).

__________________

(١) ويروى البيت : (في مرفقيه).

(٢) في اللسان (قرن ذو حيد ، أي ذو أنابيب ملتوية).

١٥٧

والأدفى : الذي ينحني قرناه إلى ظهره. وقيل : الذي عشى في شق. والصّلود : الذي يقرع بظلفه الصخر فيسمع له صوت ، وقيل المنفرد وحده (١) ، وقيل الذي يصعد في الجبل إذا فزع. والخدم : خطوط في موضع الخلخال (٢). والمشخرّات : الذاهبة في السماء. ومصعّدة : مرتفعة. وشم : طوال. والقان والنّشم ، بفتح النون والمعجمة : شجر يتّخذ منه القسيّ العربية. قوله : ولا صوار ، أي ولا يبقى صوار ، وهو بكسر المهملة وضمها ، البقر الوحشي. ومناسج : جمع منسج ، وهو بفتح الميم وكسرها ، وفتح السين ، أسفل من الحارك (٣). ومذراة : أي تذريها الريح فتنتصب شعراتها (٤). والفريد : اللؤلؤ من الفضة. شبه به الصوار في بياضه وحسنه. ومتى بمعنى (من) قاله الجمحي. والنظم ، بضمتين ، جمع نظام ، وهو الخيط الذي ينظم فيه (٥). وصوافن : قائمة على أطراف يديها ، وقيل : رافعة إحدى قوائمها (٦). والأرزان : جمع رزن ، بكسر الراء وسكون الزاي ، وهو مكان مرتفع صلب (٧). وصاوية : يابسة ، فهي حال من الأرزان. وقيل : عطاش ، فهي

__________________

(١) وكذا في لسان العرب.

(٢) قال محقق ديوان الهذليين ١ / ١٩٣ : (في كتب اللغة أن الأعصم من الوعول ما في يديه بياض أو في احداهما. والمخدّم منها : ما أبيضت أوظفته دون تخصيص ليديه أو رجليه. فيعلم من هذا أن المخدّم أعم من الأعصم).

(٣) منسج الدابة (بكسر الميم وفتح السين ، أو فتح الميم وكسر السين) : ما بين مغرز العنق الى منقطع الحارك في الصلب. وقيل : ما شخص من فروع الكتفين الى أصل العنق.

(٤) روى هذا البيت في اللسان (درى) بالدال المهملة (مدرّاة) ، وقال : كأنها هيئت بالمدرى (أي بالمشط) من طول شعرها ، وكذلك أورده في مادة (ذرى) بالمعجمة ولم يفسره.

(٥) ومعنى البيت كما في ديوان الهذليين ١ / ١٩٧ : (يقول : كأن مناسجها ذرّيت بالمذرى ، أي ضربتها الريح كما يذرى الشعير بالمذاري. مثل الفريد ، أي كأنها فريد من فضة من بياضها ، يصف أجسادها.

والفريد : شيء يعمل مدوّر من فضة ويجعل في الحليّ).

(٦) الصوافن : القائمات على ثلاث قوائم ، ثانية سنبك يدها الرابعة.

(٧) في ديوان الهذليين (الأرزان الأمكنة الصلبة ، واحدها رزن). وفي اللسان : (الرزن : نقر في حجر أو غلظ في الأرض. وقيل : هو مكان مرتفع يكون فيه الماء). وأنشد البيت.

١٥٨

خبر ثان لظلت ، أو حال من اسمها (١). وما حق : شدّة الحرّ ، لأنه يمحق بلة النبت. ومحتدم : باهمال الحاء والدال ، محترق من شدّة الحرّ. وأوبيت : منعت. وطاوية ، ويروى صاوية وفيه القولان السابقان (٢). وقوله : (مهما تصب) أي متى ترى بارقا ، أي سحابا فيه برق من أفق من الآفاق تشمه ، أي تقدر أين موقعه. وقد أورد المصنف هذا البيت في مبحث (مهما) مستشهدا به على أن مهما عند أبي يسعون حرف ، إذ لا يكون مبتدأ لعدم رابط من الخبر ، وهو فعل الشرط ، ولا مفعولا ، لاستيفاء فعل الشرط مفعوله ، ولا سبيل إلى غيرهما ، فتعين انها لا موضع لها. وأجيب بأنها مفعول تصب. وأفقا : ظرف. ومن بارق : تفسير لها ، أو يتعلق بتصب. فمعناها التبعيض. والمعنى : أي شيء تصب أفق من البوارق تشم. وقوله (هل اقتنى) قال السكري : هو جواب لقوله : (ليت شعري) في مطلع القصيدة ، يقول : لو كان الزمان يقتني أحدا بقي هؤلاء. وقال الأخفش : يقول ، هل تركهم وأعفاهم من آفاته ، أي لم يفعل ذلك ، فالاستفهام بمعنى النفي. وروي : (هلا اقتنى) ومعيط : موضع غير مصروف. ووخش المتاع : رذاله ، بمعجمتين. والقزم : بفتح القاف والزاي ، اللئام.

٦١ ـ وأنشد :

ذاك خليلي وذو يواصلني

يرمي ورائي بامسهم وامسلمه

قال المصنف في شواهده : زعم بعضهم أن الواو في (وذو) زائدة ، وكأنه توهم أن (ذو) صفة لخليلي ، والصفة لا تعطف على الموصوف ، وهذا غير لازم لجواز أن يكون خبرا ثانيا ، فيكون كقولك : زيد الكاتب والشاعر. والسلمة ، بكسر اللام ، واحدة السّلام ، بكسر السين ، وهي الحجارة وفي البيت شاهد على أمرين : أحدهما استعمال (ذو) بمعنى الذي. والثاني : استعمال أم بمعنى أل انتهى. وقال العيني :

__________________

(١) في أشعار الهذليين برواية (صادية) بالدال المهملة ، وفسرها : (الذابل).

وأضاف : ومن قال (طاوية) فإنه يريد خماصا. وفي الاساس : نخلة صاوية : يابسة ، وهو ما يطابق تفسير ورواية السيوطي.

(٢) طاوية : أي ضامرة ، وهي رواية ديوان الهذليين.

١٥٩

البيت قاله بجير بن غنمة أحد بني بولان الطائي شاعر جاهلي مقل. وقد وقع فيه تركيب صدر بيت على عجز آخر ، فإن الرواية فيه :

وإنّ مولاي ذو يعيرني

لا إحنة بيننا ولا جرمة

ينصرني منك غير معتذر

يرمي ورائي بامسهم وامسلمه

وفي البيت شاهد ثالث ، فإن الجوهري استشهد به على السلمة.

١٦٠