شرح شواهد المغني

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

شرح شواهد المغني

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: لجنة التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٤٦

٣٣ ـ وأنشد :

ولا تدفنّني في الفلاة فإنّني

أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها

هذا لأبي محجن الثقفي. وقبله :

إذا متّ فادفنّي إلى جنب كرمة

تروّي عظامي بعد موتي عروقها

وبعده :

أباكرها عند الشّروق وتارة

يعاجلني عند المساء غبوقها

وللكأس والصّهباء حقّ معظّم

فمن حقّها أن لا تضاع حقوقها

أبو محجن هذا صحابي اسمه مالك. وقيل عبد الله بن حبيب ، بالتصغير ، ابن عمرو بن عمير بن عوف. وقيل اسمه كنيته. أسلم مع ثقيف وله رواية. وكان شاعرا مطبوعا كريما منهمكا في الشراب لا يكاد يقلع عنه ، وجلده عمر مرات ثم نفاه إلى جزيرة في البحر وبعث معه رجلا فهرب منه ولحق بسعد بن أبي وقاص بالقادسية وهو يحارب الفرس ، فكتب عمر إلى سعد أن يحبسه فحبسه.

وقال عبد الرزاق في المصنف : أنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سبرين ، قال : كان أبو محجن لا يزال يجلد في الخمر فلما أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه ، فلما كان يوم القادسية رآهم يقتتلون فكأنه رأى المشركين قد أصابوا في المسلمين فأرسل إلى أم ولد سعد ، أو امرأة سعد ، يقول لها إن أبا محجن يقول لك إن خليت سبيله وحملتيه على هذا الفرس ودفعت إليه سلاحا ليكونن ، وأوّل من يرجع ، إلّا أن بقتل. قال : وأبو محجن يتمثل (١) :

كفى حزنا أن تلتقي الخيل بالقنا

وأترك مشدودا عليّ وثاقيا

إذا شئت غنّاني الحديد وغلّقت

مصارع من دوني تصمّ المناديا

__________________

(١) عيون الأخبار ١ / ١٨٧ وانظر أمالي ابن الشجري ١ / ٢٢٦.

١٠١

فحلت عنه امرأة سعد قيوده ، وحمل على فرس كان في الدار ، وأعطي سلاحا ، ثم خرج يركض حتى لحق بالقوم ، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدق صلبه ، فنظر إليه سعد فجعل يعجب ويقول : من ذا الفارس؟ فلم يلبثوا إلّا يسيرا حتى هزمهم الله ، فرجع أبو محجن وردّ السلاح وجعل رجليه في القيود كما كان. فجاء سعد فقالت له امرأته ، أو أم ولده : كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها ويقول لقينا ولقينا حتى بعث الله رجلا على فرس أبلق لو لا إني تركت أبا محجن في القيود لظننت أنها بعض شمائل أبى محجن. فقالت : والله إنه لأبو محجن ، كان من أمره كذا وكذا ، وقصت عليه قصته. فدعى به فحل قيوده وقال : لا نجلدك على الخمر أبدا. قال أبو محجن : وأنا والله لا يدخل لي رأسا أبدا ، كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم فلم يشربها بعد ذلك.

وقال سعيد بن منصور في سننه : ثنا أبو معاوية ، ثنا عمرو بن مهاجر ، عن إبراهيم ابن محمد بن سعد عن أبيه قال : أتى سعد بأبي محجن يوم القادسية وقد شرب الخمر ، فأمر به إلى القيد ، فلما التقى الناس قال : كفى حزنا البيت ... ثم قال لامرأة سعد : أطلقيني ولك عليّ إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في القيد ، وإن قتلت استرحتم مني. فأطلقته فوثب على فرس لسعد يقال لها البلقاء ، ثم أخذ رمحا ثم خرج فجعل لا يحمل على ناحية من العدوّ إلا هزمهم ، وجعل الناس يقولون هذا ملك لما يرونه يصنع ، وجعل سعد يقول : الصبر صبر البلقاء ، والطعن طعن أبى محجن ، وأبو محجن في القيد ، فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجله في القيد ، فأخبرت زوجة سعد سعدا بما كان من أمره فقال سعد : والله لا أضرب اليوم رجلا أبلى الله المسلمين على يديه ما أبلاهم ، فخلى سبيله. فقال أبو محجن : قد كنت أشربها إذ يقام عليّ الحدّ وأطهر منها ، فأما الآن فلا والله لا أشربها أبدا.

وفي الاستيعاب لابن عبد البر : دخل ابن لأبي محجن على معاوية فقال له معاوية : أبوك الذي يقول : إذا مت فادفني .. البيتين. فقال : لو شئت ذكرت أحسن من هذا! قال : وما ذاك؟ قال قوله :

لا تسألي النّاس عن مالي وكثرته

وسائلي النّاس عن حزمي وعن خلقي

١٠٢

القوم أعلم إنّي من سراتهم

إذا تطيش يد الرّعديد الفرق

قد أركب الهول مسدولا عساكره

وأكتم السّرّ فيه ضربة العنق

قد يعسر المرء حينا وهو ذو كرم

وقد يثوب الغنى للعاجز الحمق

سيكثر المال يوما بعد قلّته

ويكتسي العود بعد اليبس بالورق

وقال ابن عبد البر : حدّث من رأى قبر أبي محجن أنه نبتت عليه ثلاثة أصول كرم وقد طالت وأثمرت وهي معرشة على قبره. قال : فجعلت أتعجب وأذكر قوله :

إذا متّ فادفنّي إلى جنب كرمة

قلت : هذا من كرامته على الله ، رضي‌الله‌عنه. وهذه القصة أخرجها صاحب الأغاني عن الهيثم بن عديّ ، قال : حدّث من رأى قبر أبى محجن في نواحي أذربيجان أو جرجان فذكرها.

٣٤ ـ وأنشد :

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا

أبشر بطول سلامة يا مربع

هذا من قصيدة لجرير يخاطب بها الفرزدق ، وأولها (١) :

بان الخليط برامتين فودّعوا

أو كلّما رفعوا لبين تجزع

ومنها :

أعددت للشّعراء كأسا مرّة

عاتدا فخالطها السّمام المنقع

__________________

(١) ديوانه ٣٤٠ ـ ٣٥١ ، وانظر الشعراء ٤٦٥ ـ ٤٦٦ ، والنقائض ٩٦١ ـ ٩٨١ ، والبيت في طبقات الشعراء ٣٤٩ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٢٢٥.

١٠٣

ذاق الفرزدق والأخيطل حرّها

والبارقيّ ، وذاق منها البلتع

ومنها :

إنّ الرّزيّة من تضمّن قبره

وادي السّباع لكلّ جنب مصرع

لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشّع (١)

وبكى الزّبير بناته في مأتم

ماذا يردّ بكاء من لا يسمع

وبعد قوله : زعم الفرزدق ... البيت :

إنّ الفرزدق قد تبيّن لؤمه

حيث التقت حششاؤه والأخدع

وآخر القصيدة :

ورأيت نبلك يا فرزدق قصّرت

ورأيت قوسك ليس فيها منزع

قال ابن حبيب : البارقيّ سراقة ، والبلتع : المستنير بن عمرو بن بلتعة العنبري. ومربع : رجل من بني جعفر بن كلاب ، كان يروي شعر جرير ، فنذر الفرزدق دمه (٢). قال ابن حبيب : ومن شأن هذا البيت أن غضوب أخت بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة كانت ناكحا في بني عوف بن مالك ، من بني طهيه فتزوّج زوجها عليها فأولعت بهجوهم فأوعدها رجال منهم مربع فهجتهم فقالت فيه :

يا مربعا يا مربع الضّلال

يا فاجرا مستقبل الشّمال

على بعير غير ذي جلال

يا مربعا هل حان من إقبال

فلما سمع مربع ذلك مشى إليها فقتلها.

__________________

(١) الكامل ٤٨٦ ويروى : (الخضع).

(٢) مربع : لقب وعوعة ، احد بني أبي بكر بن كلاب ، كان راوية لجرير ، وكان نفر بأبي الفرزدق ، فيقال إنه مات في تلك العلة ، فحلف الفرزدق ليقتله ، فقال جرير ذلك تكذيبا للفرزدق. وانظر الجمهرة ٢٦٦.

١٠٤

قوله : بأن الخليط : أي فارق المخالط ، وهو المنادم. ورامة : اسم موضع بالبادية. قال في الصحاح : وفيه جاء المثل (تسألني برامتين سلجما) والسمام ، بكسر أوّله ، جمع سم. والمنقع ، بضم أوّله ، في الصحاح : سم منقع : أي مربّى. قال الشاعر :

فيها ذرا ريح وسمّ منقع

ووادي السباع ، موضع قتل الزّبير بن العوّام رضي‌الله‌عنه. وقوله : (تواضعت) استشهد به على تأنيث المضاف ، فعل المذكر لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه. والخششاء ، بضم الخاء وفتح المعجمتين والمدّ ، وزنها فعلاء ، والخششاوان : العظمان وراء الأذنين. ويقال أيضا خشاء وزن فعال ، وكذلك قوباء وقوباء. قال نفطويه : وليس في الأسماء على هذا الوزن غيرهما. والأخدع : عرق في موضع المحجمتين ، وهو شعبة من الوريد. والنبل : السهام العربية لا واحد لها من لفظها. والمنزع : بكسر الميم ، السهم. قال أبو ذؤيب (١) :

ورمى فأنفذ طرّتيه المنزع

٣٥ ـ وأنشد :

فلو أنّك في يوم الرّخاء سألتني

طلاقك لم أبخل وأنت صديق (٢)

لم أر من ذكر قائله. وصف الشاعر نفسه بالجود حتى أن الحبيبة لو سألته الفراق أجابها إلى ذلك كراهة ردّ السائل ، وان كان في يوم الرخاء. وإنما خصه بالذكر لأن الانسان ربما يفارق الأحباب في يوم الشدة. والخطاب في البيت لمؤنث ، وإنما قال صديق بالمذكر على تأويل أنت بانسان. وفي أمالي ثعلب يقال : صديق

__________________

(١) ديوان الهذليين ١ / ١٥ وفيه :

فرمى لينقذ فرّها فهوى لها

سهم فانفذ طرتيه المنزع

وهو في اللسان (نزع).

(٢) ابن عقيل ١ / ١٤٦.

١٠٥

ورسول يكون للواحد والجمع وأنشد عليه البيت ، وقال : أي أنت من الأصدقاء كما يقال أنتم عم وخال ، أي من العمومة والأخوال. وقوله : (لم أبخل) جواب لو ، وجملة (وأنت صديق) حالية. ثم رأيت البيت في بعض التفاسير بلفظ فراقك بدل طلاقك ، وبعده :

فما ردّ تزويج عليه شهادة

وما ردّ من بعد الحرار عتيق

٣٦ ـ وأنشد :

بأنّك ربيع وغيث مريع

وأنّك هناك تكون الثّمالا (١)

هو من قصيدة عزاها أبو عمرو بن العلاء لعمرة بنت العجلان بن عامر بن بر الهذلية ترثي بها أخاها عمرا ذا الكلب وقيل اسمها جنوب ، وأوّلها (٢) :

سألت بعمرو أخي صحبه

فأفظعني حين ردّوا السّؤالا

فقالوا : أتيح له نائما

أعزّ السّباع عليه أحالا

أتيح له نمرا أجبل

فنالا لعمرك منه منالا

أتيحا لوقت حمام المنون

فنالا لعمرك منه ونالا

فأقسمت يا عمرو لو نبّهاك

إذن نبّها منك داء عضالا

إذن نبّها ليث عرّيسة

مفيدا مفيتا نفوسا ومالا

هزبرا فروسا لأعدائه

هصورا إذا لقى القرن صالا

هما مع تصّرف ريب المنون

من الأرض ركنا ثبيتا أمالا

__________________

(١) الخزانة ٤ / ٣٥٢ ، وديوان الهذليين ٣ / ١٢٣ برواية :

بأنك كنت الربيع المريع

(٢) ديوان الهذليين ٣ / ١٢٠ ـ ١٢٣ مع تقديم وتأخير برواية الابيات.

١٠٦

هما يوم حمّ له يومه

وقال أخوفهم بطلا وفالا

وقالوا : قتلناه في غارة

بأية ما إن ورثنا النّبالا

فهلّا إذن قبل ريب المنون

وقد كان رجلا وكنتم رجالا

وقد علمت فهم عند اللّقاء

بأنّهم لك كانوا نفالا

كأنّهم لم يحسّوا به

فيخلو النّساء له والحجالا

ولم ينزلوا بمحول السّنين

به فيكونوا عليه عيالا

وقد علم الضّيف والمجتدون

إذا اغبرّ أفق وهبّت شمالا

وخلّت عن أولادها المرضعات

ولم تر عين لمزن بلالا

بأنّك كنت الرّبيع المغيث

لمن يعتريك وكنت الثّمالا

وخرق تجاوزت مجهوله

بوجناء حرف تشكّى الكلالا

فكنت النّهار به شمسه

وكنت دجى اللّيل فيه الهلالا

وخيل سمت لك فرسانها

فولّوا ولم يستقلّوا قبالا

فحيّا أبحت وحيّا منحت

غداة اللّقاء منايا عجالا

وكلّ قبيل وإن لم تكن

أردتهم منك باتوا وجالا

ووقع في شرح شواهد المصنف تبعا لابن الشجري نسبة البيت إلى كعب بن زهير رضي‌الله‌عنه.

قوله : (سألت بعمرو) أي عن عمرو ، كقوله تعالى (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) وأخي بدل أو بيان. أفظعني الأمر : أهالني. وأمر فظيع : شديد شنيع مجاوز المقدار ،

١٠٧

وأفظع الرجل بالبناء للمفعول : نزل به أمر عظيم. وأتيح : قدر. ونائما : حال. وأعز : مرفوع بأتيح. وأحال : حمل عليه فقتله وأكله. وقال العيني : أحال وثب. ونمرا : تثنية نمر. وأجبل ، جمع جبل ، وأورده العيني بلفظ جيئل ، بفتح الجيم وسكون الياء وفتح الهمزة ولام ، وهو الضبع. منالا : للتعظيم أي منالا عظيما. والحمام بالكسر : قدر الموت. وثالا : بالمثلثة ، يقال : ثال عليه القوم إذا علوه بالضرب. وقوله : (نبها منك) فيه تجريد. وداء عضال : شديد أعيا الأطباء. والليث : الأسد. والعرّيسة ، بكسر المهملة وتشديد الراء ، مأوى الأسد. وفي (مفيدا) أو (مفيتا) جناس ولف ونشر غير مرتب ، فإن نفوسا راجع إلى مفيت ، أي مهلك. وراجع إلى مفيد. وضبطه العيني مقيتا بالقاف. قال : وهو المقتدر أو الحافظ. وعندي إن صحت الرواية بالقاف إنه من إعطاء الترب. والهزبر : الأسد. وفروس فعول من فرس الأسد فريسته يفرسها ، أي دق عنقها. والهصور كذلك ، من هصره كسره. والقرن : النظير. وصال : وثب واستطال. وريب المنون : حوادث الدهر. وركنا مفعول أمالا. والتثبيت : الثابت. وحم ، بالحاء المهملة ، دنى وحان. وفال الرأي بالفاء : ضعف. وفهم : قبيلة. ورجلا : بسكون الجيم مخفف رجل ، ويقال بالفاء من قولك انتفل من الشيء انتفى منه وتنصل. قال الأعشى (١) :

لئن منيت بنا عن حدّ معركة

لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل

والمجتدون ، بالجيم ، الطالبون الجدا ، وهو العطية. ويروى بدله : (والمرملون) من أرمل القوم إذا نفذ زادهم ، عام أرمل : قليل المطر. وفاعل هبت : ضمير الريح ، وإن لم يجر لها ذكر. وشمالا : حال ، وقيل تمييز ، وهو بفتح الشين : ريح تهب من ناحية القطب. والمزن : السحاب الأبيض ، واحده مزنة. والبلال : بكسر الموحدة الماء. قوله :

بأنّك كنت الرّبيع المغيث

كذا أورده صاحب منتهى الطلب ، فلا شاهد فيه. وأورده غيره بلفظ المصنف

__________________

(١) ديوانه ٦٣ ، المقطوعة رقم ٦ (عن غبّ ... من دماء ...).

١٠٨

على تخفيف ان. والمريع بفتح الميم وكسر الراء وعين مهملة ، الكثير النبات (١). والثمّال ، بكسر المثلثة ، الغياث. وهناك : ظرف زمان ، وأصله للمكان ولكن اتسع فيه وعامله يكون أو الثمال. والخرق : الأرض الواسعة التي تنخرق فيها الرياح. وواوه واو (رب). والوجناء ، بالجيم ، الناقة الشديدة. والحرف : الناقة الضامرة. وتشكى أصلها تتشكى. والكلال : الاعياء.

قال عمر بن شبّة : كان عمرو بن عاصم ، وهو ذو الكلب يغزو فهما فيصيب منهم ، فوضعوا له رصدا على الماء فأخذوه فقتلوه. ثم مروا بأخته جنوب فقالوا : طلبنا أخاك ، فقالت : لئن طلبتموه لتجدنه منيعا ، ولئن ضفتموه تجدنه مريعا ، ولئن دعوتموه لتجدنه سريعا : فقالوا : قد أخذناه وقتلناه وهذا نبله. فقالت : والله لئن سلبتموه لا تجدوا ثنته دامية ، ولا حزته جافية ، ولرب ثدي منكم قد افترشه ، ونهب قد اخترشه ، وضب قد احترشه. ثم قالت الأبيات المذكورة.

فائدة :

قوله :

كأنّهم لم يحسّوا به

أورد العيني عجزه بلفظ :

فيجلو نساءهم وأيضا حجالا

فإن صحت هذه الرواية كان فيه شاهد لعربية أيضا. وقد توقف فيها المصنف.

٣٧ ـ وأنشد (٢) :

فأقسم أن لو التقينا وأنتم

لكان لكم من الشّرّ مظلم

__________________

(١) يشرح هنا السيوطي معنى كلمة (المريع) وذلك على رواية البيت :

(بأنك كنت الربيع المريع).

(٢) الخزانة ٤ / ٢٢٤. والجمهرة ١ / ٣٨.

١٠٩

قال الأعلم : يعني ، لو التقينا متحاربين لأظلم نهاركم فصرتم منه في مثل الليل. واستشهد به سيبويه على إدخال (أن) توكيدا للقسم ، بمنزلة اللام. انتهى.

والمصنف استشهد به على تخفيف أن المفتوحة ، وأنتم عطف على الضمير المرفوع في التقينا من غير فعل ، وهو ضرورة ، ولكان جواب لو. ومظلم : صفة يوم. و (كان) تامة أو ناقصة. ولكم : الخبر. ومن : إما تعليلية ، وهو الظاهر ، أو تجريدية. ثم رأيت في شرح أبيات الكتاب للزمخشري : أن البيت من أبيات للمسيّب بن علس يخاطب بها بني عامر بن ذهل في شيء صنعوه بحلفائهم.

وقبله :

لعمري لئن جدّت عداوة بيننا

لينتحينّ منّي على الوخم ميسم

وبعده :

رأوا نعما سودا فهمّوا بأخذه

إذا التقت من دون الجميع المزنم

ومن دونه طعن كأنّ رشاشه

عزالى مزاد والأسنّة ترذم

ألا تتّقون الله يا آل عامر!

وهل يتّقي الله الأبلّ المصمّم

قال : ويروي :

وأقسم لو أنّا التقينا وأنتم

ولا شاهد فيه على هذا. وقوله : لينتحين ، أي ليعتمدن. يعني أنه يهجوه هجوا يسمه به الأبلّ الأبله عاره ، وأراد بالوخم عامر بن ذهل ؛ انتهى. والمزنم من الناس : المستلحق من قوم ليس منهم ، ومن الأبل الذي يقطع شيأ من أذنه ويترك معلقا ، وإنما يفعل ذلك بالكرام منها. وترذم : بالذال المعجمة ، تسيل. والأبلّ : الفاجر ، قاله في الصحاح واستشهد عليه بالبيت. والمصمم : من أصمه الله فصم ، ويقال : أصممته أي وجدته أصم.

فائدة :

المسيّب هذا هو ابن علس بن مالك بن عمرو بن قمامة بن عمرو بن زيد بن ثعلبة

١١٠

ابن عديّ بن مالك بن جشم بن بلال بن جماعة بن جلى بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة ابن نزار ، وهو خال الأعشى (١). وهو أحد المقلين الثلاثة الذين فضلوا في الجاهلية (٢). ذكر ذلك صاحب منتهى الطلب. وفي شرح ديوانه للآمدي : أن المسيّب هذا اسمه زهير ويكنى أبا فضة.

٣٨ ـ وأنشد :

أما والله أن لو كنت حرّا

وما بالحرّ أنت ولا العتيق

أنشده الفارسي هكذا :

أما والله عالم كلّ غيب

وربّ الحجر والبيت العتيق

لو أنك يا حسين خلقت حرّا

وما بالحرّ أنت ولا الخليق

ولا شاهد فيه على هذه الرواية. والحرّ : يطلق على ضدّ الرقيق ، وعلى الكريم ، وكذا العتيق. وجواب (لو) محذوف ، أي لقاومتك. ويقال : فلان خليق لكذا أي جدير به. قال أبو علي : في هذا البيت شاهد على نصب خبر (ما) مقدما ، لأن الباء لا تدخل إلا عليه. ومن أنكر ذلك يقول إن الباء دخلت على المبتدأ وحمل (ما) على أنها التميمية ، ويقوى ان (ما) حجازية إن أنت أخص من الحرّ فهو أولى أن يكون الاسم.

٣٩ ـ وأنشد :

ويوما توافينا بوجه مقسّم

كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (٣)

__________________

(١) انظر الخزانة ٢ / ٣٦٤ (السلفية) ، والشعراء ١٢٦

(٢) في الشعراء ٦٣٠. (قال أبو عبيدة : اتفقوا على أن أشعر المقلين في الجاهلية ثلاثة : المسيب بن علس ، والمتلمس ، وحصين بن الحمام المري).

(٣) هذا البيت من قصيدة اصمعية رقم ٥٥ منسوبة لعلباء بن أرقم ابن عوف أولها :

ألا تلكما عرسي تصد بوجهها

وتزعم في جاراتها أنّ من ظلم

وهو في الخزانة ٤ / ٣٦٥ لعلباء ، ونسبه الأعلم لباعث بن صريم اليشكري ، وقيل لأرقم بن علباء ، وفي البكري ٨٢٩ لراشد بن شهاب اليشكري ، وليس البيت في مفضلية راشد. ولم ينسبه القالي في أماليه ٢ / ٢١٠ وهو أيضا في اللسان (قسم). وفي الكامل ٧٥.

١١١

هذا لباعث بن صريم اليشكري فيما ذكر النحاس وتبعه المصنف في شواهده ، وقيل لأرقم بن علباء اليشكري يذكر امرأته ويمدحها كذا في المنقد لابي عبد الله المفجع ، وبعده :

ويوما تريد ما لنا مع مالها

فإن لم ننلها لم تنمنا ولم تنم

ويوما : بالنصب ظرفا. وروي بالجرّ على أن الواو واو رب. والموافاة : المجازاة الحسنة. والمقسّم ، بضم الميم وفتح القاف وتشديد المهملة ، المحسن من القسام ، وهو الحسن. قيل : وأصله من القسمات ، بكسر السين ، واحدها قسمة ، وهي مجاري الدموع في أعالي الوجه ، وهو أحسن ما في الوجه. ويقال : رجل قسيم الوجه أي جميله. وكأن : مخففة ، واسمها محذوف ، والتقدير : كأنها ظبية ، هذا على رواية من رفع الظبية ، وعلى رواية من نصبها فهي الأسم والخبر تعطو محذوف. وعلى رواية من جرّها فالتقدير : كظبية ، وأن زائدة. وتعطو : أي تتناول أطراف الشجر في الرعي. والوارق : المورق ، ومن النوادر ، لأن فعله أورق ، ومثله أيفع فهو يافع. وقيل : أيضا ورق ، وعدّى تعطو بإلى على تضمينه معنى تميل في مرعاها إلى كذا. قال في القاموس : معناه ، تتطاول إلى الشجر لتتناول منه. وقال ابن يعيش : العاطية التي تتناول الشجر مرتعية. والسلم : بفتحتين ، شجر معروف واحده سلمة. قال الأعلم : وصف امرأة حسنة الوجه ، فشبهها بظبية مخصبة. ويروى : إلى ناضر السلم. والناضر ، بالمعجمة ، الحسن. وقال الزمخشري : معنى البيتين انه يستمتع بحسنها يوما وتشغله يوما آخر بطلب ماله ، فإن منعها آذته وكلّمته بكلام يمنعه من النوم.

٤٠ ـ وأنشد :

فأمهله حتّى إذا أن كأنّه

معاطي يد في لجّة الماء غامر

هكذا أنشد المصنف هذا البيت ، وفيه تحريف في موضعين ، كما ستراه ، فإن

١١٢

البيت لأوس بن حجر من قصيدة فائية أوّلها (١) :

تنكّر بعدي من أميمة صائف

فبرك فأعلى تولب فالمخالف

ومنها :

ولو كنت من ديمان تحرس بابه

أراجيل أحبوش وأغضف آلف

إذن لأتتني حيث كنت منيّتي

يخبّ بها هاد لإثري قائف

ومنها :

وأدماء مثل الفحل يوما عرضتها

لرحلي فيها هزّة وتقاذف

الى أن قال :

كأنّي كسوت الرّحل جأبا مكدما

له بجنوب الشّيّطين مساوف

يقلّب حقباء العجيزة سمحجا

بها ندب من زره ومناسف

وحلّأها حتّى إذا هي أحنقت

وأشرف فوق الحالبين الشّراسف

وأوردها التّقريب والشّدّ منهلا

قطاه معيد كرّة الورد عاطف

فوافى عليه من صباح مدمّرا

لناموسه من الصّفيح سقائف

أزبّ ظهور السّاعدين عظامه

على قدر شثن البنان جنادف

أخو قترات قد تيقّن أنّه

إذا لم يصب لحما من الوحش خاسف

معاود تأكال القنيص شواؤه

من الصّيد قصرى رخصة وطفاطف

صد غائر العينين شقّق لحمه

سمائم قيظ فهو أسود شاسف

__________________

(١) القصيدة واختلاف رواية أبياتها في ديوانه ٦٣ ـ ٧٤.

١١٣

قصيّ مبيت اللّيل للصّيد مطعم

لأسهمه غار وبار وراصف

فأمهله حتّى إذا أن كأنّه

معاطي يد من جمّة الماء غارف

فيسّر سهما راشه بمناكب

لؤام ظهار فهو أعجف شاسف

فأرسله مستيقن الظّنّ أنّه

مخالط ما تحت الشّراسيف جائف

فمرّ النّضيّ بالذّراع ونحره

وللحتف أحيانا عن النّفس صارف

فعضّ بإبهام اليمين ندامة

ولهّف سرّا أمّه وهو لاهف

قال شارح ديوان أوس : تنكر وتعذر بمعنى واحد. وصائف وبرك ، بكسر الموحدة ، وتولب والمخالف كلها مواضع. والأراجيل : الجمع من الرجال. وأحبوش : أسود ، والأحبوش : الجماعة. والأغضف : كلب مسترخي الأذنين. ويخب : يسرع. وقائف : متبع. وأدماء : ناقة بيضاء اللون ، والواو : واورب. ومثل الفحل : أي مذكرة الخلقة. وعرضتها : أرحلتها معترضة. وهزة ، بكسر الهاء ، أي تهتز في السير تسرع فتضطرب. وتقاذف : أي يدافع بعضها بعضا. والجأب هنا : الغليظ من الحمير. والمكدم : المعضض ، عضته الحمير مما يقاتل عن اتنه. والشيطين ، بتشديد التحتية ، موضع. ومساوف ، يقول : قد بالت حمره فهو يشم أبوالها ، والسوف الشم ، ومنه السيافة. ويقلب : أي يصرف أتانا حقباء : أي بموضع حقيبتها بياض ، يقول : عجيزتها مثل الحقب يصرفها حيث يشاء. والسمحج ، بحاء مهملة ثم جيم ، الطويلة على وجه الأرض. والندب ، بفتحتين ، الأثر بضم الهمزة ، يقال : ندب الجرح. ومناسف : ينسفها بفيه. يقال : زره يزره إذا عضه ، وذره بالرمح إذا طعنه. وقيل : نسفها بنابه ، والمناسف : الاحتراق بالأسنان. وحلأها : طردها ، وأصله المنع عن الماء ، ثم صار كل منع تحلأه. وأحنقت : ضمرت ولزق بطنها بظهرها. وأورد التقريب : أي أوردها الحمار بالتقريب. والشد منهلا : أي أوردها تقريبا. والمنهل : المشرب. وقال أبو حاتم السجستاني : وجدت في كتابي : وأوردها التقريب بالنصب كقوله :

١١٤

كما عسل الطّريق الثّعلب (١)

وقوله :

قطاه معيد كرّة الورد عاطف

يقول : لا تأتي مرة هذه وتذهب أخرى. يقول : أوردها منهلا لا يخلو من الماء فهو الدهر يعود قطاه إليه أبدا. فوافى عليه : أي على المنهل. وصباح : غير منصرف قبيلة. ومدمّرا : يدمر ما رمى بقتله. والناموس : القترة ، يعني بيت الصائد يعني الرامي للوحش. والصفيح : صخر رقاق يبنى به البيت. وقوله أزب الخ ... يريد أنه صائد ومشغول عن التزين. على قدر أي رجل مقدّر ليس بضخم. والجنادف : القصير الغليظ المجتمع. والخاسف : المهزول. والتأكال : الأكل. والقنيص والقنص : الصيد. والقصري : تكبير القصيري ، وهي مايلي الكشح. والطفاطف : أطراف الأضلاع. وصد : عطشان. وغائر العينين : من الجهد شقق لحمه أي مزقه. وسمائم قيظ : شدّة الحرّ. قصي : مبيت الليل ، يقول : لا يبيت مع أهله إنما يبيت مع الوحش. غار : أي من غراه يغوره إذا طلاه بالغراء. والرصفة : ما يشد على صدر السهم. وقوله : حتى إذا أن كأنه .. أي حتى كأنه ، وأن هنا زائدة ، أي حتى بلغ الحمار هذا الوقت. والمعاطي : المناول ، قال أبو حاتم : وفي كتابي : حتى إذا ان أي حتى اطمأن. وقال أبو عبيدة : حتى ان باب ، أي حتى اطمأن وصار في الماء بمنزلة المعاطي الذي يتناول فيه. وقال الأصمعي : حتى إذا كان كذا وكذا فعل. والمناكب : أربع ريشات يكن على طرف المنكب. واللؤام : القذذ الملتئمة من الريش فيكون بطن قذة إلى ظهري أخرى. والظهار : ما جعل من ظهر الريشة. والشاسف : اليابس. وقال أبو عبيدة : المناكب : ما كان من أعلا الريش وهو خيره من البطنان. واللؤام : ما كان من عمل السهام ملتئما قد براه حتى أعجفه. وقوله : فأرسله ... البيت. استشهد به البيضاوي في تفسيره على استعمال الظن بمعنى اليقين. وقال شارع الديوان : يقال ظنّ ظنا يقينا أي مصيبا. وجائف : يصير السهم إلى الجوف حتى تصير الرمية

__________________

(١) سبق ص ١٧ ، وانظر امالي ابن الشجري ٣٦.

١١٥

جائفة. والشراسيف : أطراف الأضلاع الرخصة من أطراف الصدر المشرّفة. والنضيّ : اسم للقدح نفسه إذا لم يرش ولم يجعل له نصل. والحتف : المنية. فمرّ بذراعه ونحره أي لم يصبه. وعض بابهامه كذا : يفعل من فاته شيء يريده. ولهف أي قال يالهف أماه. ورجل لاهف ولهفان. وسرى أي ليلا يسمع الوحش. انتهى ملخصا من شرح الديوان. وتكلم ابن الدماميني في شرح هذا البيت كلام من لم يقف على القصيدة ولا عرف ما قبل البيت ولا ما بعده ولا المعنى الذي سيق له.

فائدة :

قائل هذه القصيدة أوس بن حجر ، بفتحتين ، بن معبد بن حزن بن خلف بن نمير ابن أسيد بن عمرو بن تميم بن مر التميمي ، كذا في ديوانه. وفي منتهى الطلب : أوس ابن حجر بن عتاب بن عبد الله بن عديّ بن خلف ... الخ ؛ شاعر جاهلي. وفي الأغاني : ذكره أبو عبيدة من الطبقة الثالثة وقرنه بالحطيئة ونابغة بني جعدة. وأخرج عن أبي عمرو وقال : كان أوس بن حجر شاعر بني تميم في الجاهلية غير مدافع ، وكان فحل العرب فلما أنشأ النابغة طأطأ منه.

٤١ ـ وأنشد :

أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر

فإنّ قومي لم تأكلهم الضّبع (١)

هذا من أبيات للعبّاس بن مرداس السّلميّ الصحابيّ رضي‌الله‌عنه يخاطب بها خفاف بن ندبة ، وهو أبو خراشة ، بضم الخاء ، وبعده :

السّلم تأخذ منها ما رضيت به

والحرب يكفيك من أنفاسها جرع

أبو خراشة شاعر صحابي. وقوله : أما أنت ... قال المصنف في شواهده : الأصل إلا أن كنت ذا نفر فخرت ، فحذفت همزة الانكار ولام التعليل ومتعلق اللام ، وهو فخرت إذ لا يتعلق بما بعد الفاء ، لأن الفاء وإن. والمعنى ما بين ذلك والفاء على

__________________

(١) الخزانة ٢ / ٨٠ ـ ٨٢ والاشتقاق ٣١٣ واللسان ٨ / ١٨٣ و ١٠ / ٨٦ ، والشعراء ٣٠٠ ، وابن عقيل ١ / ١٢٤ وسيبويه ١ / ١٤٨ ، وامالي ابن الشجري ١ / ٢٨ و ٣١٨.

١١٦

هذا قيل زائدة. والصواب : إنها رابطة لما بعدها بالأمر المستفاد من النداء السابق أي تنبه فإن قومي ، ثم حذفت كان فانفصل الضمير فصار أنت ، وعوض من كان المحذوفة ما فأدغمت نون ان فيها. قال شارح أبيات الايضاح : ورواه أبو حنيفة : إما كنت ، وعلى هذا انه لا شاهد فيه. قال المصنف : وكذا رواه ابن دريد في جمهرته ، فما زائدة لتأكيد الشرط. قال : وهو يريد قول الكوفيين في رواية الفتح انها ان الشرطية ، زعموا أن المفتوحة قد يجازى بها. قال : ويؤيده أيضا مجيء الفاء بعدها واستغناء الكلام عن تقدير. والنفر في الأصل اسم لما دون العشرة والتنكير فيه للتكثير. والضبع السنة المجدبة استعيرت من اسم الحيوان لانه متتابع الفساد. والمعنى ان افتخرت بكثرة قومك ففي قومي كثرة إذ لم تهلكهم السنون. وقال ابن الأعرابي : انما الضبع الحيوان ، ولكنهم إذا أجدبوا ضعفوا فعاثت فيهم الضباع. والمعنى : أن قومي ليسوا ضعافا عن الانبعاث فتعيث فيهم الضباع. وزعم الفارسي في الايضاح أن الضبع اسم للسنة المجدبة حقيقة لا استعارة واستشهد له بالبيت. والسلم بكسر السين وفتحها ، الصلح يذكر ويؤنث ، والحرب مؤنثة. وقد استشهد البيضاوي في تفسيره بهذا البيت على أن السلم مؤنثة كالحرب لقوله : منها. واستشهد به ابن السكيت في الاصلاح. والجرع : جمع جرعة وهي ملء الفم. ويقال أكرع في في الاناء نفسا أو نفسين أي أشرب منه جرعة أو جرعتين. قال التبريزي : يعلمه أن السلم هو فيها وادع ينال من مطالبه ما يريد ، فإذا جاءت الحرب قطعته عن ارادته وشغلته بنفسه. وقد أعاد المصنف هذا البيت في شواهد أمّا بالفتح والتشديد ، وقال : ليس من أقسام أما الواقعة فيه بل هي كلمتان كما تقدّم تقريره.

فائدة :

العباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث ابن بهثة بن سليم السلمي ، أبو الفضل ، وقيل أبو الهيثم ، شاعر مجيد أسلم قبل فتح

١١٧

مكة بيسير ، وهو من المؤلفة قلوبهم وممن حسن إسلامه منهم. قال أبو عبيدة (١) : وأمه هي الخنساء بنت عمرو بن الشريد الشاعرة ، وله منها أيضا اخوة : سراقة وجزء وعمرو ، بنو مرداس ، وكلهم شاعر ، وعباس أشهرهم وأشعرهم وأفرسهم وأسودهم. وكان عباس ممن ذم الخمر في الجاهلية ، وكذلك أبو بكر الصديق ، وعثمان بن عفان ، وعثمان بن مظعون ، وعبد الرحمن بن عوف ، وقيس بن عاصم ، وحرّمها قبل هؤلاء عبد المطلب بن هاشم ، وعبد الله بن جدعان ، وشيبة بن ربيعة ، وورقة بن نوفل ، والوليد بن المغيرة ، وعامر بن الظرب ، ويقال إنه أول من حرّمها على نفسه. ويقال بل عفيف بن معدي كرب. وكان عباس هذا ينزل البادية بناحية البصرة وله ولدة جماعة وله صحبة أيضا ورواية.

٤٢ ـ وأنشد :

إمّا أقمت وأمّا أنت مرتحلا

فالله يكلأ ما تأتي وما تذر (٢)

قال المصنف : الرواية بكسر الأولى وفتح الثانية ، قلت : البيت أنشده المبرد شاهدا على قوله : إذا أتيت بأما ، وأما فافتح الهمزة مع الأسماء واكسرها مع الأفعال ، كذا حكاه عنه الأزهري. وأورده بلفظ فالله يحفظ وهو معنى يكلأها كلأه الله كلاءة بالكسر حفظه وحرسه. وتأتي : تفعل. وتذر : تترك. وفي البيت إذا تأمّلت أربع

__________________

(١) قول أبي عبيدة : وأمه الخنساء بنت عمرو بن الشريد الشاعرة خطأ محض ، والصواب الذي لا محيد عنه ابن عباس بن مرداس رضي‌الله‌عنه أمه سوداء زنجية وافتخر بذلك رباح بن سنيح الزنجي مولى بني ناجية على جرير حين بلغه قوله :

لا تطلبن خؤلة في تغلب

فالزنج أكرم منهم أخوالا

فغضب رباح بن سنيح الزنجي وقال في قصيدته المشهورة :

فالزنج أن لاقيتهم في صفهم

لاقيت ثم جحاجحا ابطالا

فذكر فيها رجالا أشرافا من شجعان العرب الأبطال منهم عباس بن مرداس السلمي وابن عمه خفاف بن ندبة وغيرهم ، وذكر أن أمهاتهم زنجيات انتهى أملاء من حضرة الاستاذ الشيخ أحمد محمود الشنقيطي.

قلت : ذكر في الخزانة ١ / ١٠٥ (السلفية) أن أمه الخنساء الصحابية الشاعرة. وانظر الاصمعيات ص ٢٣٦.

(٢) الخزانة ٢ / ٨٢

١١٨

طبقات بين إما المكسورة ، وأما المفتوحة ، وبين أقمت ومرتحلا ، وبين الجملة الفعلية والاسمية ، وبين تأتي وتذر.

٤٣ ـ وأنشد :

نزلتم منزل الأضياف منّا

فعجّلنا القرى أن تشتمونا (١)

هذا من قصيدة طويلة لعمرو بن كلثوم التغلبي ، وهي إحدى المعلقات ، وأوّلها :

ألا هبّي بصحنك فاصبحينا

ولا تبقي خمور الأندرينا

ومنها :

إليكم يا بني بكر إليكم

ألمّا تعلموا منّا اليقينا

علينا البيض واليلب اليماني

وأسياف يقمن وينحنينا

علينا كلّ سابغة دلاص

ترى تحت النجاد لها غضونا

ومنها :

وقد علم القبائل من معدّ

إذا قبب بأبطحها بنينا

بأنّا المطعمون إذا قدرنا

وأنّا المهلكون إذا أتينا

وأنّا الشّاربون الماء صفوا

ويشرب غيرنا كدرا وطينا

وأنّا المانعون لما يلينا

إذا ما البيض قابلت الجفونا

ألا أبلغ بني الطّمّاح عنّا

ودعميّا فكيف وجدتمونا

نزلتم البيت ... وبعده :

__________________

(١) شرح التبريزي ٢٣٥ ، وأمالي المرتضى ٢ / ٤٩

١١٩

قريناكم فعجّلنا قراكم

قبيل الصّبح مرداة طحونا

على آثارنا بيض كرام

نحاذر أن تقسم أو تهونا

ظعائن من بني جشم بن بكر

خلطن بميسم حسبا ودينا

أخذن على بعولتهنّ عهدا

إذا لاقوا فوارس معلمينا

ليستلبنّ أبدانا وبيضا

وأسرى في الحديد مقرّنينا

وبهذه الأبيات علم أن القرى في البيت استعارة عن القتل. قال شارح المعلقات : يقول نزلتم منا منزلا قريبا كمنزل الأضياف فعجلنا لكم القتل قبل أن تقتلونا. ومن آخر القصيدة :

إذا ما الملك رام النّاس خسفا

أبينا أن نقرّ الخسف فينا

ملأنا البرّ حتّى ضاق عنّا

وبحر الأرض نملؤه سفينا

لنا الدّنيا وما أضحى عليها

ونبطش حين نبطش قادرينا

بغاة ظالمين وما ظلمنا

ولكنّا سنبدأ ظالمينا

إذا بلغ الرّضيع لنا فطاما

تخرّ له الجبابر ساجدينا

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

قال شارح المعلقات : جاء ناس من بني تغلب إلى بكر بن وائل يستسقونهم في سنة أصابتهم فطردتهم بكر للحقد الذي كان بينهم ، فرجعوا إلى الفلاة فمات منهم سبعون رجلا عطشا ، فاجتمعت بنو تغلب لحرب بكر واستعدت لهم بكر ، وخافوا أن تعود الحرب بينهم كما كانت فدعا بعضهم بعضا الى الصلح ، فتحاكموا في ذلك الى الملك عمرو بن هند ، وهو ابن المنذر وهند أمّه ، فجمع الفريقين وأصلح بينهم ، وأنشد

١٢٠