بحوث في علم الرجال

الشيخ محمد آصف المحسني

بحوث في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ محمد آصف المحسني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مركز المصطفى العالمي للترجمة والنشر
المطبعة: زلال كوثر
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-195-211-4
الصفحات: ٤٥٦

١

٢

٣
٤

كلمة الناشر

إن التطور العلمي الذي يشهده عالمنا اليوم ، والوسائل التكنولوجية الحديثة قد دفعت بعجلة المدنية والثقافة الى الأمام ، بل واصبح الانسان يرقب في كل يوم تصورا آخر ، وهذا التطور قد كشف لنا القناع عن بعض المناهج الدراسية في معاهدنا ومؤسساتنا العلمية واذا بها مناهج تحتل زواية ضيقة من هذا العالم العلمي الفسيح.

من هنا اتخذت المؤسسات العلميّة في الجمهورية الاسلامية في ايران وفي مقدّمتها جامعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله العالميّة ؛ أتخذت على عاتقها صياغة بعض المناهج الدراسيّة صياغة تلائم الحركة العلميّة المعاصرة ، ومالها من متطلّبات بحيث تنسجم مع المحيط العلمي الجديد.

لقد بادرت الاقسام العلميّة في جامعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله بمخاطبة الاساتذة ذوي الأختصاص ليساهموا في وضع مناهج حديثة في علوم القرآن ، والفقه ، والاصول ، والتفسير ، والتاريخ ، و ... كي تلبّي احتياجات الدارسين في مختلف المستويات وعلى صعيد كل الاختصاصات الأنسانية والدينية.

كانت خطوة الجامعة جريئة وموفقة حيث بذرت بذورا صالحة تفتّقت من خلالها براعم طيبة ، وانتجت ثمارا ناضجة تؤتى اكلها في كلّ حين.

نعم ، لمّا كانت بعض المواد الدراسيّة لم تتوفر فيها الكتب المنهجيّة اللازمة التي تنسجم مع السطح العلمي لعموم المعاهد والمؤسسات العلميّة ، فقد أناطت ادارة جامعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الحقل العلمي ـ مهمّة تدوين وتأليف هذه المناهج الجديدة والبحوث العلميّة ذات الطابع العلمي والأكاديمي الى جملة من الاستاتذة المختصّين والعلماء الأفاضل ،

٥

وأولتهم رعاية فائقة وتسهيلات محمودة كي يتمّ انجاز تلك البحوث على وفق المناهج المقرّرة. وفعلا تصدّى للعمل نخبة من العلماء ، وانجز الكثير من تلك البحوث والمؤلّفات ، حيث بذل أصحاب الفضيلة جهودا مضنية ، ومساعي متواصلة ، بغية المساهمة الجادة في خلق كادر متخصّص في شتى العلوم والفنون ، ثم جاءت هذه المساهمة صادقة في كل ابعادها ، تجلّلها النظرة الشمولية والعمق العلمي والبيان الواضح.

إن جامعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله العالميّة اصبحت اليوم محطّ انظار الدارسين في الداخل والخارج ، وهي تعدّ بحق من اكبر المؤسسات العلمية في عالمنا الاسلامي والعربي ، وقد استقطبت العديد من اصحاب الاختصاص من الاساتذة والمؤلفين ، كما أغنت المكتبة الاسلامية بمجموعة بحوث ومؤلفات قد تم طبعها ونشرها خلال هذه السنين القلائل لتكون منهلا عذبا للدارسين وطلاب الحقيقة والمعرفة.

ومن منطلق الخدمة العلميّة يتقدّم دار النشر المصطفى عليهما‌السلام العالمية في هذه الجامعة بالشكر والتقدير لسماحة الاستاذ لما بذله من جهود تستحق الاحترام والتقدير في تأليفه لكتاب بحوث في علم الرجال كما نشكر اعضاء الكادر الفني الذي ساهم بشكل حثيث في انجاز وطبع هذا الكتاب الماثل بين يدي القاريء الكريم.

وكلّنا أمل ورجاء بأن نكون قد ساهمنا في رفد الحقل العلمي والمكتبة الاسلامية بالبحوث والمؤلفات خدمة للعلم والعلماء ومشاركة منّا في تفعيل الحركة الثقافية في العالم الاسلامي ، وما التوفيق إلا من عند الله.

مركز المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله العالمي لترجمة والنشر

٦

الفهرس

كلمة المؤلف : في تعريف علم الرجال ولزوم الحاجة إليه............................. ١١

مقدّمة الطبعة الخامسة........................................................ ١٥

مقدّمة الطبعة الرابعة.......................................................... ١٦

مقدمة الطبعة الثالثة.......................................................... ١٧

علم الرجال في الشرع......................................................... ١٨

البحث الأوّل : في ضوابط التّصديق والتّضعيف.................................... ٢١

البحث الثاني : في أمارات التّوثيق والجرح عند الرجاليّين.............................. ٢٥

الفصل الأوّل : في الأمارات الضعيفة........................................... ٢٥

الفصل الثّاني : في الأمارات القليل نفعها........................................ ٣٤

الفصل الثالث : في الأمارات المفيدة............................................ ٣٦

البحث الثالث : في مدرك حجيّة قول الموثّقين والجارحين............................. ٤٠

البحث الرابع : في اعتبار التّوثيقات الموجودة........................................ ٥١

المعضلة من جهتين :......................................................... ٥٨

البحث الخامس : حول وثاقة مشائخ ابن قولويه.................................... ٦٠

دعم وتأكيد................................................................ ٦٢

البحث السادس : حول وثاقة مشائخ النجّاشي..................................... ٦٥

البحث السابع : حول توثيقات ابن عقدة.......................................... ٦٩

البحث الثامن : حول وثاقة الرّواة في تفسير القمّي.................................. ٧٢

البحث التّاسع : في بقية التّوثيقات العامّة.......................................... ٧٦

البحث العاشر : حول عدالة صحابة النّبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله............................ ٧٩

البحث الحادي عشر : حول أصحاب الإجماع..................................... ٨٥

٧

البحث الثّاني عشر : في أنّ الترحّم المكرّر علّامة الحسن............................. ٩٦

البحث الثالث عشر : في ذكر من هم فوق التّوثيق والتحسين...................... ١٠٣

البحث الرابع عشر : حول مشائخ الإجازة....................................... ١٠٤

البحث الخامس عشر : نقد كلام الفاضل الأردبيلي............................... ١٠٨

البحث السادس عشر : حكم التنافي بين قولي شخص في التّوثيق والتّجريح........... ١١٢

البحث السابع عشر : تعارض الحديث وقول الرجالي.............................. ١١٣

البحث الثامن عشر : تقديم قول الأضبط ونصّ أحد على ظاهر غيره................ ١١٥

البحث التّاسع عشر : في طريق الصدوق إلى جميل في الفقيه........................ ١١٧

البحث العشرون : في بيان بعض المسائل النافعة.................................. ١٢١

البحث الواحد والعشرون : حول طبقات الرّواة.................................... ١٣٧

البحث الثّاني والعشرون : الاحتياط في روايات بعض الرّواة......................... ١٤٨

البحث الثالث والعشرون : في حال المكنين بأبي بصير............................. ١٥٥

البحث الرابع والعشرون : في وثاقة المعلّى بن خنيس............................... ١٦٥

البحث الخامس والعشرون : في انصراف الاسم المشترك إلى من له كتاب............. ١٦٨

البحث السادس والعشرون : في إيضاح بعض الأسانيد............................. ١٦٩

البحث السابع والعشرون : في ذكر بعض من هو كثير الرّواية أو متوسّطها............ ١٧٢

البحث الثامن والعشرون : في بعض ما يتعلّق باتّصال الأسانيد...................... ١٧٦

تنبيه...................................................................... ١٧٩

البحث التّاسع والعشرين : في تفسير كلمة : الثقة................................. ١٨٠

البحث الثّلاثون : هل يعتبر ذكر السبب في التّوثيق والجرح وحكم تعارضهما؟......... ١٨٤

البحث الواحد والثلاثون : في شروط الراوي...................................... ١٨٧

البحث الثّاني والثلاثون : في تقسيم الإخبار...................................... ١٩١

البحث الثالث والثلاثون : معنى : الصّحة في مصطلح القدماء...................... ١٩٥

نقل ونقد................................................................. ١٩٩

البحث الرابع والثلاثون : حول المراجع الرجاليّة وسائر كتب الرجال.................. ٢٠١

المراجع الرجاليّة المهمّة أربعة.................................................. ٢٠١

الكتب الرجاليّة للإماميّة.................................................... ٢١٨

البحث الخامس والثلاثون : في بيان أصحاب التّجريح والتعديل...................... ٢٢٢

البحث السادس والثلاثون : حول الأقوال في اعتبار المراسيل........................ ٢٢٧

توضيح وتحقيق............................................................. ٢٣٢

٨

البحث السابع والثلاثون : حول أخبار المهملين................................... ٢٤٣

البحث الثامن والثلاثون : حول : الرّوايات المرسلة وروايات غير الإمامي في فرض التعارض وعدمه عند الشّيخ  ٢٤٧

البحث التّاسع والثلاثون : حول الاصول الأربعمائة................................ ٢٥٦

البحث الأربعون : حول أسانيد الحلّي في مستطرفات السرائر........................ ٢٦٠

البحث الواحد والأربعون : حول اعتبار كتاب الأشعثيات........................... ٢٦٤

البحث الثّاني والأربعون : حول الكتب الأربعة الإخباريّة............................ ٢٧٠

تتمّة مهمّة فيها امور........................................................ ٢٩١

كلام آخر حول اعتبار الأحاديث الكتب الأربعة............................... ٢٩٥

خاتمة الكلام.............................................................. ٣٠٠

البحث الثالث والأربعون : حول أسناد قصص الأنبياء............................. ٣٠٣

١. في ذكر أسناده التفصيليّة إلى الصدوق رحمه‌الله................................. ٣٠٤

٢. في اعتبار روايات هذا الكتاب............................................ ٣٠٧

البحث الرابع والأربعون : كيفيّة طرق الشّيخ إلى الكتب والاصول والروايات........... ٣٠٩

تطبيق تحقيقي.............................................................. ٣١٥

سدّ باب آخر............................................................. ٣١٨

خاتمة المطاف.............................................................. ٣١٩

البحث الخامس والأربعون : في بيان طرق مشيخة التهذيب......................... ٣٢٣

مقدّمة وتمهيد.............................................................. ٣٢٣

إحداث منهج جديد........................................................ ٣٢٥

إشكال ودفع.............................................................. ٣٣٠

تتمة...................................................................... ٣٤٠

تحقيق وتنقيب............................................................. ٣٤٤

تعقيب وتشريح............................................................ ٣٥١

خاتمة..................................................................... ٣٧٢

كلام مع الشّيخ الطوسي رحمه‌الله................................................ ٣٧٤

كلمة أخيرة لإظهار حقيقة.................................................. ٣٧٥

البحث السادس والأربعون : حول مشيّخة الفقيه.................................. ٣٧٨

البحث السابع والأربعون : في بعض آراء أهل السنّة............................... ٣٩٤

البحث الثامن والأربعون : في بيان بعض مطالب علم الدراية ومصطلحاته............ ٣٩٨

البحث التّاسع والأربعون : في الاستثناء من روايات محمّد بن أحمد بن يحيى............ ٤٠٣

البحث الخمسون : حول آل أبي شعبة........................................... ٤٠٨

٩

نقل ونقد................................................................. ٤٠٩

البحث الواحد والخمسون : حول أحاديث حمّاد بن عيسى......................... ٤١٢

البحث الثّاني والخمسون : حول اعتبار الكتب الحديثيّة............................ ٤١٦

١. حول كتاب علي بن جعفر رضي‌الله‌عنه......................................... ٤١٩

٢. حول كتابي الحسين بن سعيد رحمه‌الله......................................... ٤٢٠

٣. حول نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى...................................... ٤٢١

٤. حول كتاب محاسن البرقي................................................ ٤٢٤

٥. حول بصائر الدرجات للصفّار رحمه‌الله........................................ ٤٢٦

٦. حول اعتبار قرب الأسناد للحميري....................................... ٤٢٧

٧. حول اعتبار تفسير القمّي................................................ ٤٢٨

٨. حول رجال الكشي رحمه‌الله................................................. ٤٢٩

٩. حول كامل الزيارات..................................................... ٤٣٠

١٠. حول غيبة النعماني رحمه‌الله................................................ ٤٣١

١١. حول كتب الشّيخ الصدوق رحمه‌الله الثمانية.................................. ٤٣٢

١٢. حول اعتبار إرشاد المفيد رحمه‌الله وأماليه..................................... ٤٣٤

١٣. حول أمالي الشّيخ وغيبته ومصباحه وأمالي ابنه رحمه‌الله........................ ٤٣٤

١٤. حول اعتبار قصص الأنبياء للراوندي رحمه‌الله................................. ٤٣٦

١٥. تصحيح عامّ......................................................... ٤٣٧

البحث الثالث والخمسون : في الأحاديث الواردة في حقّ الرّواة................... ٤٤٠

البحث الرابع والخمسون : في من وثّق أو ضعّف بعنوانه في هذا الكتاب........... ٤٤٣

في أسماء من يحتاط في رواياتهم................................................ ٤٤٦

في أسماء الضعفاء والمجهولين.................................................. ٤٤٦

بيان حال نگارنده............................................................. ٤٤٩

المؤلّفات المطبوعة للمؤلّف...................................................... ٤٥٣

١٠

كلمة المؤلف

في تعريف علم الرجال ولزوم الحاجة إليه

علم الرجال علم يبحث فيه عن أحوال الرّواة الّتي لها دخل في اعتبار رواياتهم وعدمه ، من : الوثاقة والصدق ، والضعف والتمييز ، والاشتراك ونحوها.

وجه الحاجة إليه : إنّ معظم أحكام الفقه ثبت بالأخبار الآحاد ، وخبر الواحد المجرّد عن القرينة المورثة للوثوق ، إذا كان سنده ضعيفا لا يكون حجّة ، فيحتاج الفقيه إلى معرفة الأسناد وحال الرّواة.

وتوضيح المقام :

إنّ الأصول الاعتقاديّة والأحكام الفقهيّة وغيرهما :

إمّا مأخوذة من العقل فقط.

أو من الضّرورة الدينيّة أو المذهبيّة.

أو من الإجماع والسيرة المتّصلة بزمان الشّارع وأوصيائه.

أو من نصوص القرآن المجيد وظواهره.

أو من الرّوايات المتواترة اللفظيّة أو المعنويّة ، أو الإجماليّة.

أو من الرّوايات المحفوفة بالقرينة القطعيّة ، أو الموجبة للاطمئنان.

وفي كلّ هذا لا نحتاج إلى النظر إلى الأسانيد وعلم الرجال ، كما لا يخفى ، ولكن المجموع الحاصل من هذه الأدلّة في علم الفقه قليل جدّا ، بحيث لو اكتفى به أحد عدّ خارجا عن زيّ المتشرّعة عندهم.

١١

وبالجملة لنا علم إجمالي بوجود واجبات ومحرّمات كثيرة في محتوى الأخبار الآحاد ، ونقطع بصدور كثير منها عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام. وسيّدهم وسيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وحيث لا طريق لنا إلى إحراز ما صدر عنهم عليهم‌السلام في هذه الأزمنة إلّا النظر إلى الأسناد ، وجب معرفة الصّادقين من الرّواة عن غيرهم ، فيعمل بخبر الصّادق ويترك خبر الكاذب والمجهول.

فإن قلت : مقتضى العلم الإجمالي السّابق الاحتياط في مداليل جميع الرّوايات؟

قلت : نعم إن لم ينحل بأخذ الصحاح والحسان والموثّقات.

فإن قلت : فما وجه هذا التبعيض بين خبر الصّادق والكاذب ، وبم يرجّح الأوّل على الثاني؟

قلت : الوجه المرجّح هو بناء العقلاء على حجيّة خبر الصّادق دون غيره ، وكذا الرّوايات الكثيرة الدّالة على حجيّة رواية الثقاة ، وهذا واضح لا غبار عليه.

هذا ولجماعات من العلماء مسالك في حجيّة الأخبار الآحاد يلزم منها ، إمّا قلّة الاحتياج إلى علم الرجال ، أو عدم الحاجة إليه ، وربّما قيل بعدم جواز الرجوع إليه ، وإليكم تفصيل تلك المسالك :

١. المسلك المنسوب الى السّيد المرتضى ، وابن إدريس ، وغيرهما رضي‌الله‌عنهم :

وهم ممّن لا يعملون بخبر الواحد غير العلمي ، وأنّهم يرون الأخبار المعمول بها ، إمّا متواترة ، أو محفوفة بالقرينة القطعيّة ، وعليه تنتفي عمدة فائدة العلم المذكور.

يقول السّيد المرتضى في محكي كلامه (١) : إنّ أكثر أحاديثنا المرويّة في كتبنا معلومة على صحّتها ، إمّا بالتواتر من طريق الإشاعة ، وإمّا بعلامة وأمارة دلّت على صحّتها وصدق رواتها ، فهي موجبة للعلم مقتضية للقطع ، وإن وجدناها مودّعة في الكتب بسند معيّن مخصوص من طريق الآحاد. ومثله غيره. (٢)

٢. مسلك جمع آخر من الأصولييّن :

وهو بأنّ كلّ رواية قبلها المشهور فهي مقبولة لنا ، وإن كانت غير معتبرة سندا ، وكلّ رواية لم يعمل بها المشهور فهي مردودة وإن كانت صحيحة السند.

والسرّ في ذلك ، إنّ عمل المشهور بها يكشف عن وجود قرينة دالّة على صحتّها ، بحيث لو وصلت إلينا لعملنا بها ، وإعراضهم عنها يكشف عن خلل فيها وإن لم يصل إلينا ، ولا

__________________

(١) وسائل الشّيعة : ٢٠ / ٨٦.

(٢) إلّا أن يقال : إنّ في علم الرجال جملة من تلك القرائن والأمارات.

١٢

عجب فيه ، فإنّ القدماء كانوا أقرب إلى زمان الأئمّة عليهم‌السلام ولهم مزيد اطّلاع على القرائن اللفظيّة والحاليّة.

أقول : كلّ من راجع الرّوايات في أمثال أعصارنا يجد من نفسه عدم التواتر والقرينة المفيدة للقطع في الرّوايات ، إلّا نادرا غاية الندرة ، فلا مجال للمسلك الأوّل أصلا.

وأمّا المسلك الثّاني ففيه : أوّلا فقدان الشّهرة في كثير من معاني الرّوايات والمسائل الفقهيّة ، حتّى يرجع إليها. وثانيا : انّ الشّهرة إذا لم توجب الاطمئنان بصدور الخبر ـ كما هو الغالب ـ لا تكون حجّة ، ولا مرجّحة ، ولا جابرة ، ولا كاسرة ، ولا فرق في ذلك بين الشّهرة الفتوائيّة والشّهرة الروائيّة على الأظهر ، وسيأتي تفصيله فيما بعد.

٣. مسلك جمع من المحدّثين المعتقدين بقطعيّة روايات الكتب الأربعة.

٤. مسلك جمع من المحدّثين وغيرهم ، القائلين بصحّة روايات الكتب الأربعة

بل ذهبوا إلى صحّة أخبار غير هذه الكتب ، من كتب الصدوق وأمثاله ، وعليه فلا حاجة إلى مراجعة علم الرجال إلّا في فرض التعارض والترجيح ونحو ذلك ، (١) وإن شئت الوقوف على دلايل هذين المسلكين وإبطالها ، فعليك بالمطوّلات. (٢) وسيأتي نقلها ونقدها في محلّه مع الاختصار.

والحقّ أنّه لا سبيل لنا إلى صحّة الرّوايات وتمييز الحجّة عن اللاحجّة غالبا ، سوى وثاقة الرّواة وصدقهم ، وهذا أمر وجداني ـ رغم إصرار جماعة ـ فاستنباط الأحكام الشّرعيّة موقوف على علم الرجال ، وهو من أركانه.

٥. مسلك المانعين من جواز المراجعة إلى علم الرجال : وهو يشمل دعوى أنّه علم منكر يجب التحرّز عنه ؛ لأنّ فيه تفضيح الناس ، وقد نهينا عن التجسس عن عيوبهم ، وأمرنا بالغضّ والتستّر.

ونوقض بالجرح والتعديل في المرافعات ، وبذكر المعائب في مقام الإشارة على المستشير ، مع أنّ الأحكام الكلّية الإلهيّة أولى من الحقوق الجزئيّة المجوّز فيها ذلك.

والحلّ إنّ حرمة المقدّمة المنحصرة إذا توقّف عليها واجب أهمّ ، ساقطة لا محالة ، فافهم جيّدا.

__________________

(١) انظر : فوائد علم الرجال على مسلك الإخبارييّن ، الوسائل : ٢٠ / ١١٢.

(٢) انظر : الوسائل : ٢٠ / ٦١ ـ ١١٢ ؛ الجزء الأوّل من معجم الرجال ، لسيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله ؛ ومقدّمة تنقيح المقال للفاضل المامقاني وغيرها. وسيأتي نقل تلك الدلايل ونقدها مع الإختصار في بحث الثالث والثلاثين إن شاء الله تعالى.

١٣

إذا عرفت هذا فنرجع إلى أصل المقصود ، وهو بيان القواعد الّتي يصحّ بها التّوثيق وتعرف بها وثاقة الرّواة وضعفهم واعتبار الأسانيد وقيمة التّوثيق والتضعيف الصادرين من الموثّقين والجارحين وغير ذلك ، ممّا يرجع إلى الأسناد قوّة وضعفا وتوضيحا ، وهو أمر مهمّ للمحصّلين ، ولم أر لحدّ الآن أي : سنة ١٣٥٥ ه‍. ش / ١٩٧٦ م (١) ـ في هذا الفنّ كتابا بحث عنه بحثا كافيا لائقا.

__________________

(١) عندما طبع الكتاب طبعة ثالثة ورابعة ، قد ألفّت كتب في هذا الفنّ ونشرت في الأسواق ، والحمد لله.

١٤

مقدّمة الطبعة الخامسة

(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً.)

كنت أظنّ أنّ كتاب : بحوث في علم الرجال ـ بعد طبعته الرابعة ـ كاف لمسائل علم الرجال ، ولكن بعد مدّة بدالي أنّه لا نهاية لمسائل علم من العلوم ، فإنّ الأفكار في تجوال لا مستقّر لها ، ومن هذا المنطلق فذكرت مطالب أخرى إضافيّة احتاج الكتاب إليها في المراجعة الثانية وأظنّ هذا آخر ما أطبعه في حياتي ؛ إذ بعد ذلك لا اقدر على تحقيق وتدقيق ، فإنّ الشيخوخة والاشتغال بأمور الحوزة العلميّة لخاتم النبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذلك التلفزيون ، ومراجعات الناس تمنعني من الخوض في المباحث العلميّة المذكورة في كتب العلماء ، مع قرب أجلي. وأشكر في ختام الفقرات الإخوة القائمين على جامعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله العالميّة ، لا سيّما رئيسها العلّامة الحجّة الشيخ الأعرافي وفضيلة الشيخ الجليل العلّامة المحامي وهو مندوب الجامعة في عاصمة كابول ـ حيث قبلوا إعادة طبعة الكتاب ـ الطبعة الخامسة ـ على نفقتهم.

أسال الله تعالى قبول خدماتهم الدينية في البلاد الاسلامية ، إنّه قريب مجيب.

كابول ١٤ / ١ / ١٣٨٩

٣ آبريل ٢٠١٠ م (١٨ ربيع الثاني ١٤٣١)

١٥

مقدّمة الطبعة الرابعة

بسم الله الرّحمن الرّحيم وله الشكر أولا وآخرا ...

آلة الطباعة ـ الكامبيوتر ـ في الباكستان كانت غير جيّدة ، وموظفها لم يكن عارفا باللغة العربيّة ، فلم تصدر الطبعة الثالثة من الكتاب بجمالها اللآئق به ، بل زادت أغلاطها المطبعيّة ـ رغم جهد المؤلّف ـ على أغلاط الطبعة الثانية بكثير ، وزيدت المشكلة بوقوع نواقص أخرى في ترتيب المطالب حين طبع الكتاب في المشهد الرضوي في غيبة المؤلف ، فغلب التقدير على التدبير ، وقديما قالوا : تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

ولما وفّق الله سبحانه وتعالى المؤلّف لإلقاء محاضرات في علم الرجال في المشهد الرضوي ـ جامع گوهرشاد ـ وفي الحوزة العلميّة ببلدة قمّ ـ صانهما الله من الحوادث ـ اشتاق الفضلاء في تحصيل نسخ الكتاب ووقف المؤلّف الفقير على بعض مطالب مهمّة أخرى في بعض الكتب الرجاليّة المطبوعة حديثا ، فرأى التعرّض لها لازما ، فعزم أن يقوم بإصلاح الكتاب على الوجه الصحيح الأحسن وإعادة طبعه قبل أن يتوفّاه الله الحكيم القاهر على عباده ، تكميلا للفائدة وخدمة للعلم وأهله ، وقد وفقنا الله تعالى عليه في ثلاثة أشهر.

الفقير إلى الله عزوجل المقيم ببلدة قم المشرّفة

محمّد آصف المحسني القندهاري الأفغاني

١ / ٣ / ١٤٢٠ ه‍ ـ ٢٥ / ٣ / ١٣٧٨ ه‍. ش

١٦

مقدمة الطبعة الثالثة

بسمه تعالى وله الحمد واصبا

ألّفت هذا الكتاب في بلدة القندهار ، ولعلّه في سنة ١٣٥٥ أو ١٣٥٦ ه‍. ش ، وطبع في سنة ١٣٥٧ أو ١٣٥٨ ه‍. ش في المشهد الرضوي باسم الفوائد الرجالية. وكانت فيه نقايص ، فبعد الاصلاح والتكميل وفقنا الله تعالى لإعادة طبعه في بلدة قمّ المشرّفة سنة ١٤٠٢ ق. ه / ١٣٦١ ه‍. ش ، باسم بحوث في علم الرجال إبّان الثورة الإسلامية الأفغانيّة ضدّ احتلال الماركسيين السوفياتيين وعمّالهم الأفغانيين ، وكنت يوم ذاك أقود الحركة الإسلاميّة الأفغانيّة ضدّ الملحدين الشيوعيين والآن ـ أى : (سنة ١٤١٦ ه‍ / ١٣٧٤ ه‍. ش ـ) قصدت ـ بعون الله وفضله إعادة طبع الكتاب طبعا ثالثا يمتاز عن الطبع الثاني بأمور :

١. إصلاح الأغلاط المطبعيّة.

٢. بعض تغيير مطالب الكتاب إلى نحو أحسن.

٣. زيادة مباحث مفيدة مهمّة مكمّلة.

٤. تحكيم بعض المباحث واتقّانه بعد حصول مزيد التجربة والدّقة.

وإليك بعض تغييرات في هذه الطبعة :

١. حذف مقدّمة الطبعة الثانية.

٢. حذف تنبيه في آخر الكتاب ودرجه في المحال المناسبة في أثناء الكتاب.

٣. حذف جدول الخطأ والصواب بعد إصلاح الأغلاط الموجودة في الكتاب.

٤. تغيير بعض الفوائد والمباحث عن محلّها تحصيلا للترتّب الطبيعي بين المسائل.

٥. حذف أسماء مشايخ ابن قولويه في كامل الزيارات التي ذكرناها في البحث الخامس من الطبعة الثانية.

اسلام آباد باكستان ١٤١٦ ه‍ / ـ ١٣٧٤ ه‍ / ش.

محمّد آصف المحسني

١٧

علم الرجال في الشرع

أوجب الله تعالى طاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأولى الأمر ، وأوجب الرسول اطاعة عترته وآل بيته عليهم‌السلام ـ أي : خلفائه الأثنى عشر ـ وهم ارجعوا الناس إلى الرواة الثقاة.

قال الله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.)

وقال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ.)

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ...» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مثل أهل بيتي في هذه الأمّة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق» (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا في حقّ أهل بيته : «ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم» (٣).

وعن عبد العزيز بن المهتدي القمّي وعن الحسن بن علي بن يقطين : أنهما قالا للرضا عليه‌السلام : جعلت فداك! إنّي لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبد الرحمان ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني؟! فقال : «نعم». (٤)

وعن العقرقوفي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ربّما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل؟

قال : «عليك بالأسدي» ، يعني : أبا بصير. (٥)

وعن ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك ، ويمكن القدوم ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني ، وليس عندي كلّ ما يسألني عنه؟. قال : «فما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي ، فإنه قد سمع من أبي وكان عنده وجيها» (٦).

وعن العسكري عليه‌السلام : «العمري وإبنه ثقتان فما ادّيا اليك عنّي فعّني يؤدّيان. وما قالا لك فعنّي يقولان ، فاسمع لهما واطعهما فانهما الثقتان المأمونان ...» (٧)

__________________

(١) حديث متواتر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بطرق العامّة والخاصّة.

(٢) حديث نبوي مشهور ومتواتر.

(٣) حديث نبوي رواه المسلمون عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٤) رجال الكشّي ، برقم : ٩٣٥.

(٥) المصدر ، برقم : ٢٩١.

(٦) المصدر.

(٧) أصول الكافي : ٢ / ١٢٠ و ١٢١. المترجمة بالفارسية.

١٨

وعن الصادق عليه‌السلام : «بشّر المخبتين بالجنّة! بريد بن معاوية العجلي ، وأبا (ابو ـ خ) بصير ليث البختري المرادي ، ومحمّد بن مسلم ، وزرارة أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست». (١)

وعن أحمد بن إسحاق قال : دخلت على أبي الحسن بن محمّد ـ صلوات الله عليه ـ في يوم من الايّام ، فقلت : يا سيّدي ، أنا أغيب وأشهد ولا يتهيّأ الوصول إليك إذا شهدت في كلّ وقت ، فقول من نقبل وأمر من نمتثل؟ فقال لي ـ صلوات الله عليه ـ «هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعنّي يقوله وما أدّاه اليكم فعّني يؤدّيه».

فلما مضي ابو الحسن عليه‌السلام وصلت إلى أبي محمّد ابنه الحسن العسكري عليه‌السلام ذات يوم ، فقلت له عليه‌السلام مثل قولي لأبيه ، فقال لي : «هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعنّي يقوله وما أدّي إليكم فعني يؤدّيه». (٢)

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «رحم الله زرارة بن أعين! لولا زرارة [بن أعين] ونظرائه لاندرست أحاديث أبي عليه‌السلام». (٣)

وعن الصادق عليه‌السلام : «أما لكم من مفزع؟! أما لكم من مستراح تستريحون إليه؟ ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري» (٤).

أقول : وهذه الأحاديث الثمانية معتبرة سندا ، وإن كان في وثاقة بعض الرواة نقاشا.

والسلام

__________________

(١) رجال الكشّي ، برقم : ٢٨٦.

(٢) انظر : غيبة الشيخ ، في السفراء الممدوحين.

(٣) المصدر ، برقم : ٢١٧.

(٤) المصدر ، برقم : ٦٢٠.

١٩
٢٠