دروس تمهيدية في القواعد الرجالية

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيدية في القواعد الرجالية

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة انتشارات مدين
المطبعة: قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6642-91-8
الصفحات: ٣٤٧

١
٢

٣
٤

تقديم

فتحت عيني في مدرسة النجف الأشرف الحبيبة في فرعي الفقه والاصول ولم أجد إلى جانب ذلك فرعا في علم الرجال وقواعده وانما كنت أقرأ في تراجم الاعلام ان فلانا قرأ الرجال على فلان من دون ان ألمس على مستوى التطبيق شاهدا.

وانهيت مرحلة السطوح ودخلت مرحلة الخارج وليس لي أي إلمام من قرب أو بعد بالقضايا الرجالية خصوصا وقد قرأت في الفقه الروضة البهية والمكاسب وكلاهما بعيدان عن ذلك بتمام معنى الكلمة.

وكنت اسمع بعض القضايا الرجالية من هذا العلم أو ذاك عند حضوري بحث الخارج الأمر الذي اشعرني بوضوح بالطفرة.

ان الطفرة عشتها في مواضع ثلاثة اذكرها عسى ان يسعفنا القائلون باستحالتها بالعلاج.

١ ـ لم أقرأ في الكتب الاصولية التي درستها في مرحلة السطوح افكار

٥

الأعلام الثلاثة ـ النائيني والعراقي والاصفهاني ـ وانما عشت افكارا قديمة مع فصول الاصفهاني وقوانين القمي وبدائع الرشتي ورسائل الشيخ وكفاية الآخوند.

انني لا اقصد الاستهانة بآراء تلك المدارس. حاشا ان اتصور ذلك واستغفر ربي من فعلتي ان كنت قاصدا لها ، وانما اقصد ان افكار أي مدرسة تعيش مرحلتها الزمنية المعينة ويبقى قانون التطور شاملا لها. ان قانون التطور إذا واجه استثناء فذاك فيما طرحه القرآن الكريم من نظريات وأهل البيت عليهم‌السلام من افكار. التعرف على النظريات الاصولية الجديدة.

انني من عشاق افكار الأعلام الثلاثة التي صحبتها طيلة فترة دراستي لخارج الاصول ومن ثمّ فانا من عشاق حلقات السيد الشهيد الاصولية التي تغذينا بمجموعة واسعة من تلك الأفكار ونتغلب من خلالها على تلك الطفرة.

٢ ـ لم أقرأ خلال دراستي للسطوح احاديث أهل البيت عليهم‌السلام لا في الصوم ولا في الصلاة ولا في الطهارة فضلا عن الديات والحدود والتعزيرات ، كما ولم أقرأ طرق الاستدلال التي يستعين بها الفقيه في مقام الاستنباط وكنت اسمع ان الروضة البهية دورة استدلالية تعلّم الفقه من خلال الاستدلال وكنت اتقبل هذا عن تعبّد حتى إذا ما فتحت عيني الآن قليلا وجدت الأمر على خلاف الواقع. ان الروضة البهية تعلّمنا كيف نتلفظ بالفاظ معقدة وكيف نحل الرموز والطلاسم.

بقيت احل الطلاسم فترة وغاب عني ما في داخل تلك الطلاسم. بقيت اتعلم ان هذا ليس بشرط للأصل وذاك واجب للرواية. انني تعرفت على هذا المقدار لا أكثر ولم أعرف الروايات الواردة في المسألة كي لا تكون غريبة عليّ عند ما اسمعها الآن.

٦

لم اسمع كيف هي متعارضة وكيف نحل التعارض وإلى ما ذا نرجع عند استحكام التعارض؟ ان هذا لم اواجهه في الروضة. أجل واجهت شيئا منه في المكاسب إلّا أن حدود المكاسب ضيقة ويقتصر على البيع والخيارات فأين الصلاة وأين الصوم وأين الحج وأين الخمس وأين وأين وأين.

اننا نحتاج في مرحلة السطوح إلى كتاب فقهي يشتمل على الأقل على غالب الأبواب الفقهية نستمع فيه إلى روايات أهل البيت عليهم‌السلام وكيف نعمل عند التعارض وما هي طرق الاستدلال الحديثة المتبعة عند علمائنا الأعلام مع الاشارة الموجزة إلى بعض القضايا الرجالية.

ولا نحتاج بعد هذا إلى العبائر ذات الطلاسم والرموز. وهل في مطالبنا العلمية وطرق استدلالنا قصور لنحتاج إلى تكميله بذلك.

انني أقول عن تجربة : لم أعرف روايات أهل البيت عليهم‌السلام في مختلف الأبواب الفقهية إلّا من خلال حضوري بحث الخارج وواجهت آنذاك طفرة جديدة وللمرة الثانية.

اننا بحاجة ماسة إلى تأليف كتاب يشتمل على دورة فقهية كاملة أو شبه كاملة تضم بين دفتيها مجموعة كبيرة من روايات أهل البيت عليهم‌السلام ومجموعة كبيرة من طرق الاستدلال الحديثة يكتمل افقها عند الانتقال إلى مرحلة الخارج.

وهذا الاقتراح ليس بامكاننا اخراجه من عالم القوة إلى عالم الفعلية إلّا إذا أخلصنا النية لله سبحانه كما اخلصها الشهيد الثاني والشيخ الأعظم والآخوند الخراساني وغيرهم ممن لهم كتب يتداول تدريسها إلى يومنا هذا.

٧

ان تلك النية الخالصة تزيل الجبال الصعاب. نسأله تعالى أن يرزقنا جميعا ذلك الخلوص لنتمكن من خلاله التغلب على مشاكل الدراسة التي نعيشها.

٣ ـ وكان المجال الثالث للطفرة التي واجهتها مجال الرجال واسناد الروايات. فما هي طرق ثبوت الوثاقة وكيف نعرف ان فلانا ثقة أو لا؟ وما هو ضابط حجية الرواية؟ وما هي التوثيقات العامة؟ ان كل هذا لم اعرفه في مرحلة السطوح وبقيت استفيد من الاساتذة هذه النكتة وتلك واسعى وراء البقية للتعرف عليها.

وكنت من عشّاق النكات الرجالية وأحب الاستاذ أو الكتاب الذي يبين لي مجموعة من النكات الرجالية بوضوح لأرتوي بذلك.

وتجمعت لديّ مجموعة من تلك النكات وبقيت فترة لتختمر من خلال الأساتذة الكرام والمباحثات العلمية.

وبعد الاختمار قليلا إذا بي أجد كل ما اختمر قد اشار له أعلامنا في كتبهم وكلماتهم والقصور مني أو من العبائر.

واتضح لي اننا لا نحتاج إلّا إلى قلم يوضح تلك المطالب الراقية التي تناولتها أفكار علمائنا الأعلام.

وكتبت منذ عشر سنوات حينما وضعت رجلي في بلد المهجر مدينة قم المقدسة دورة رجالية تكاد ان تحل جزءا من المشكلة وكنت مصمما على عدم طبعها لأني لم أر فيها ما يستحق الطبع.

وبعد تقضي السني العشر إذا بي أتوجه إلى ان القضية إذا كان يقصد بها

٨

خدمة الحوزة العلمية فبكفي لذلك ايضاح كلمات أعلامنا بلسان سلس وليس شرط ذلك المجيء بشيء جديد.

وعزمت بعد ذلك على تقسيم ما كتبته إلى قسمين : قسم يرجع له الطالب بداية أمره والقسم الثاني لا يختلف عن الأول إلّا بالتوسع قليلا. واطلقت على كلا القسمين عنوان «دروس تمهيدية في القواعد الرجالية» بغية ان يتصدى من هو أوسع مني فكرا وعلما لكتابة كتاب ثان أوسع افقا مما كتبت.

وظني ـ إن لم أكن خاطئا ـ ان من رجع إلى ما كتبت سوف لا يواجه الطفرة في مرحلة الخارج أو يواجهها بشكل جزئي.

وظني أيضا ان ما كتبته بالرغم من محاولتي التبسيط يحتاج إلى استاذ معين في بعض المواضع لتكون الثمرة ملقحة تلقيحا كاملا.

واعتقادي أيضا ان قراءة هذا الكتاب إذا لم تكن مقرونة بالتطبيق العملي الذي قمنا بمحاولته في مواضع متعددة من الكتاب فلن تؤتي الشجرة اكلها.

ان انفكاك النظرية عن التطبيق له مخلفاته السيئة في النحو ، فمن يقرأ القواعد العربية بدون تطبيق لا يستفيد شيئا. وفي الفقه ، فمن يقرأ الاصول بلا ممارسة عملية الاستنباط بنفسه لا يستفيد شيئا. وفي مجال كتابنا هذا ، فمن يقرأه بلا تطبيق لا يستفيد شيئا.

وفي الختام لم اقصد مما كتبت سوى الخدمة لطلاب حوزاتنا ومدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، فان وفقت فذلك غاية المقصود وإلّا فيكفيني فخرا ان جهلي بما وقعت فيه من اخطاء بسيط وليس بمركب.

٩

واسأله سبحانه بحق ولينا وإمام زماننا روحي وأرواح العالمين له الفداء ان يدعمني بدعائه الشريف الذي به ينحل كل عسير ويوفق به كلّ ضعيف وما توفيقي إلّا بالله واستغفره واتوب إليه.

باقر الأيرواني

٢٥ / رجب المرجب / ١٤١٦ ه

١٠

المدخل

إذا واجه الفقيه رواية واراد استنباط حكم معين منها فعليه القيام بالمهمات التالية : ـ

أ ـ اثبات دلالة الرواية على الحكم المعين. والطريق لذلك هو الاستظهار ، فمتى ما استظهر منها الدلالة على ذلك الحكم تمّ المطلوب من الناحية المذكورة.

وعملية الاستظهار عملية وجدانية لا يمكن ان تقع في الغالب تحت ضابط معين.

ويتصدى الفقيه عادة لدعوى الاستظهار واثباتها في الفقه عند ممارسته استنباط الحكم.

ب ـ اثبات جحية الدلالة أو ما يصطلح عليه بحجية الظهور.

وهذا ما يتصدى له الاصولي في مبحث الحجج من علم الاصول.

١١

ج ـ اثبات حجية خبر الثقة وإلّا فلا يمكن البناء على صدور الخبر بعد فرض عدم العلم بصدوره.

وهذا ما يتصدى له الاصولي في مبحث حجية الخبر.

د ـ اثبات ان الخبر خبر ثقة ليمكن الحكم بحجيته طبقا لقاعدة حجية خبر الثقة.

واثبات ذلك يحتاج إلى دراسة رجال السند ليعرف ان هذا وذاك ثقة أو لا.

وفي الحقيقة لا بدّ من البحث أولا عن ان الحجة هل هو خصوص خبر الثقة أو الأعم من ذلك والخبر الحسن أو الضعيف المنجبر بعمل المشهور أو ...

واذا كان الحجة هو خصوص خبر الثقة فما هو الطريق لاثبات وثاقة الراوي؟ فهل الطريق ينحصر بشهادة الشيخ الطوسي والنجاشي أو هناك طرق أخرى كورود الراوي في اسناد كامل الزيارة أو تفسير القمي أو رواية الاجلاء عنه أو وقوعه في سند رواية تشتمل على بعض بني نضال أو ...

وإذا كان سند الخبر ضعيفا فهل يمكن الاستعانة بنظرية التعويض لتصحيحه؟

ان هذه الأسئلة وما شاكلها نحاول في هذا الكتاب الاجابة على بعضها ليتسنى للطالب إذا ما وصل إلى مرحلة الاستنباط وحاول الدخول في ذلك الميدان اجتياز العراقيل من هذه الناحية.

وعلى الطالب عند دراسته لهذه المطالب التي سوف نقوم باستعراض بعضها ان يفكّر ويجتهد بنفسه ويتأمل في صحتها وسقمها ولا يعتمد على دعوانا أو

١٢

دعوى غيرنا بكونها صحيحة فان هذا المجال ليس مجال التقليد بل مجال الاجتهاد فميدان التقليد هو الفقه والأحكام الفقهية دون المطالب الرجالية.

التطبيق العملي

وقد شعرنا ان القيام باستعراض المطالب الرجالية دون تطعيمها بالتطبيقات العملية قضية غير ناجحة إذ يبقى الطالب يعيش المطالب النظرية البحتة الأمر الذي يوجب له السأم والملل.

وأهم من ذلك يبقى لا يعرف كيف يستخرج الأحاديث من وسائل الشيعة وكيف يتعرف على صحة السند.

ومن هنا سوف نقوم بين آونة وأخرى بنقل بعض الأحاديث من وسائل الشيعة والتصدي بشكل فعلي لدراسة سندها.

تطبيق (١)

وعلى سبيل المثال نطرح المثال التالي لنؤكّد للطالب ضرورة التعرف على ما سنقوم باستعراضه من المطالب الرجالية وكيفية الاستفادة منها في مقام التطبيق.

قال في وسائل الشيعة باب ١٦ من أبواب مقدمة العبادات ح ١ ما نصه : «محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي ابن النعمان عن أبي اسامة عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال في حديث : كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير السنتكم وكونوا زينا ولا تكونوا شينا».

ان الحديث المذكور قد نقله الحرّ العاملي من الكافي للشيخ الكليني بقرينة

١٣

قوله في بداية السند «محمد بن يعقوب» الذي هو الكليني.

وللتعرف على حال السند المذكور نقوم بدراسته بهذا الشكل.

اما محمد بن يعقوب فهو غني عن التعريف ولا نشك في وثاقته فهو أحد اعلامنا الذين يعتز المذهب الجعفري ويفتخر بهم. يقول النجاشي في حقه : «شيخ اصحابنا في وقته بالري ووجههم وكان اوثق الناس في الحديث واثبتهم» (١).

وتوثيق النجاشي وحده أو الشيخ الطوسي يكفي بلا حاجة إلى إجتماع كلا التوثيقين.

واما محمد بن يحيى فهو شيخ الكليني والذي يكثر الرواية عنه في الكافي وهو من الثقات العظام. يقول النجاشي عنه : «شيخ اصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث» (٢).

وتوثيق النجاشي وحده أو الشيخ الطوسي يكفي كما تقدم بلا حاجة إلى اجتماع كلا التوثيقين.

واما أحمد بن محمد بن عيسى فهو الأشعري القمي المعروف بسمو المنزلة.

قال عنه النجاشي : «أبو جعفر رحمه‌الله شيخ القميين ووجههم وفقيههم غير مدافع. وكان أيضا الرئيس الذي يلقى السلطان. ولقي الرضا عليه‌السلام» (٣).

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١٨ : ٥٠.

وانما ارجعنا إلى المعجم لكون ذلك أيسر من مراجعة المصادر الأصلية.

(٢) المصدر السابق ١٨ : ٣٠.

(٣) المصدر السابق ٢ : ٢٩٦.

١٤

واما علي بن النعمان فهو على ما قال النجاشي : «كان علي ثقة وجها ثبتا صحيحا واضح الطريقة» (١).

واما أبو اسامة فهو زيد الشحام. وقد عرفنا ذلك من خلال ممارساتنا الرجالية. ويمكن لمن ليست له ممارسة كافية مراجعة معجم رجال الحديث في المجلد الخاص باستعراض الكنى للاطلاع على ذلك ففي الجزء ٢١ ص ١٣ ذكر ان أبا اسامة هو نفس أبي اسامة الشحام ونفس زيد الشحام.

وإذا رجعنا إلى ترجمة زيد الشحام لم نجد النجاشي يوثقه وانما وثّقه الشيخ الطوسي بقوله : «زيد الشحام يكنى أبا اسامة ثقة» (٢) ، وهو كاف.

ومن خلال هذا يتضح ان الرواية صحيحة السند لوثاقة جميع رجال سندها.

توهم خاطئ

قد يتوهم البعض من خلال التطبيق السابق ان الاطلاع على صحة اسناد الروايات وسقمها قضية سهلة لا تحتاج إلى دراسة ، ويمكن ان يقال في جملة واحدة : ان الرواية تكون صحيحة السند متى ما كان جميع رجال السند قد شهد الشيخ الطوسي أو النجاشي بوثاقتهم وإلّا فهي ضعيفة.

وهذا التوهم خاطئ لأن طريق الوثاقة لا ينحصر بشهادة الشيخ أو النجاشي بل هناك طرق أخرى كثيرة ينبغي البحث عن مدى صحتها ، كما وان هناك ابحاثا أخرى لا يمكن للطالب الاستغناء عنها كما سيتضح.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١٢ : ٢١٥.

(٢) المصدر السابق ٧ : ٣٦١.

١٥

ونظرة واحدة على منهجة الأبحاث التي سنقوم بها ان شاء الله تعالى ، وفهرست معلومات الكتاب تدلل على ما نقول.

١٦

الفصل الأول

وحديثنا عن الفصل الأول يقع ضمن ثلاث نقاط :

* النقطة الأولى : البحث عن طرق اثبات وثاقة الراوي.

* النقطة الثانية : البحث عن التوثيقات العامة.

* النقطة الثالثة : البحث عن مدرك حجية قول الرجالي.

١٧
١٨

منهجة أبحاثنا

وسنقوم بمنهجة ابحاثنا الرجالية ضمن الفصول التالية :

* الفصل الأول : البحث عما يرتبط بالتوثيق.

* الفصل الثاني : البحث عن أقسام الحديث.

* الفصل الثالث : نظرات في بعض كتب الحديث.

* الفصل الرابع : نظرات في بعض كتبنا الرجالية.

١٩
٢٠