النّحو الوافي

عبّاس حسن

النّحو الوافي

المؤلف:

عبّاس حسن


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار المعارف
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٨٨

المسألة ٩٣ :

الإضافة (١)

تقسيمها :

تنقسم قسمين ؛ محضة ، (وتسمى : معنوية ، أو حقيقية) وغير محضة ،

__________________

(١) فيما يلى إيضاح لمدلولها النحوى الدقيق ، ولبعض المصطلحات الهامة التى تتصل بها :

١ ـ فى جملة مثل : «الوالد منصف» ، أو : «أنصف الوالد» يكون المراد هو : الحكم على الوالد بالإنصاف. أى : إسناد الإنصاف إليه. وإن شئت فقل : نسبة الإنصاف إليه.

وفى جملة أخرى مثل : «الصفح حسن» أو : «يحسن الصفح» يكون المراد أيضا هو : الحكم على الصفح بالحسن ، أى : إسناد الحسن إليه ، أو : نسبته له. وكذلك لو قلنا : «الحقود غير مستريح» أو : «الحقود لا يستريح» ، فإن المراد هو : الحكم بعدم الراحة على الحقود ، أى : إسناد عدم الراحة إليه ، أو : نسبة عدم الراحة له ، ونفيها عنه. وهكذا الشأن فى كل جملة اسمية أو فعلية ، مثبتة ، أو منفية ؛ فالمراد من الجملة لا بد أن يكون هو : «الحكم» ، أى : «الإسناد» ، أى : «النسبة». وهذه الألفاظ الثلاثة متحدة فى مدلولها الذى هو : (المعنى المفهوم من الجملة ؛ إثباتا أو نفيا). ويعبر عنه النحاة بأنه : (الربط المعنوى بين طرفى الجملة ربطا يقتضى أن يقع على أحدهما معنى الآخر ، أو ينفى عنه).

ويجرى على ألسنتهم كثيرا ذكر : «النسبة الأساسية» أو : «النسبة الكلية» ؛ يريدون بها ذلك المعنى ، أو : الربط المعنوى الذى لا يمكن أن تخلو منه جملة مستقلة بمعناها ـ كالجملة غير الشرطية ـ ، ولا أن تسمى جملة إلا به. وقد يختصرون فيقولون : «النسبة». دون وصفها بصفة «الأساسية» أو ب «الكلية» ؛ لاصطلاحهم على أنها المقصودة عند الإطلاق ؛ أى : عند حذف الوصف والتحديد.

ب ـ على ضوء ما سبق نفهم أن المراد الأصيل من الجملة الحقيقية المستقلة هو : «النسبة الأساسية» أو : «الكلية».

لكن الملحوظ عند سماع جملة مثل : «أقبل ضيف» أن تتعدد الاحتمالات الذهنية فى أمر هذا الضيف : ما اسمه؟ ما بلده؟ ما صلته بنا؟ ما غرضه؟ ما شأنه؟ ... و ... و ... كل هذا وأكثر منه لا يفهم من هذه الجملة وحدها ، ولا تدل عليه النسبة الأصلية فيها. ومن ثمّ كانت الجملة فى حاجة إلى زيادة لفظية تؤدى إلى زيادة معنوية ؛ كأن نقول : أقبل ضيف عظيم ؛ فننسب العظمة للضيف. فهذه نسبة أيضا ، ولكنها نسبة جزئية أو فرعية ، ليست أصيلة كالسابقة ؛ إذ لا يتوقف ـ فى الغالب ـ

١

__________________

ـ على هذه النسبة الجزئية أو : الفرعية ، المعنى الأساسى للجملة ، ولا يختل بحذفها ؛ فمن الممكن ـ غالبا ـ الاستغناء عنها بالاستغناء عن الزيادة اللفظية التى جلبتها.

وكذلك لو قلنا : أقبل الضيف مبتسما ، أو فرحت بالضيف يوما ... أو غير هذا من الزيادات اللفظية الفرعية التى منها : الحال ، والتمييز ، والمفعولات ، والتوابع ، وغيرها من سائر «المكملات» التى تزاد على طرفى الجملة الأصلية ؛ فتكسبها معنى جزئيا جديدا ، قد يمكن الاستغناء عنه.

والنحاة يسمون هذه النسبة الجزئية ، أو الفرعية : «القيد» ، أو : «النسبة التقييدية» يريدون بها : «النسبة التى جاءت لإفادة التقييد» ، أى : لإفادة نوع من الحصر ، والتحديد ، ذلك أن اللفظ قبل مجيئها كان عاما مطلقا يحتمل أنواعا وأفرادا كثيرة ؛ فجاءت التكملة (أى : القيد) فمنعت التعميم والإطلاق الشاملين ، وجعلت المراد محددا محصورا فى مجال أضيق من الأول ، ولم تترك المجال يتسع لكثرة الاحتمالات الذهنية التى كانت تتوارد من قبل.

ج ـ من أمثلة التكملات كلمة : «الغرفة» فى نحو : «أضاء مصباح الغرفة» فلو لم نذكر هذه الكلمة لكانت الجملة فى حاجة إلى زيادة لفظية تتبعها زيادة معنوية جزئية ، تزيل التعميم والإطلاق عن المراد من كلمة : «مصباح» ؛ إذ لا ندرى : أهو مصباح للغرفة ، أم للطريق ، أم للمصنع أم للنادى ...؟ فلما جاء القيد ـ وهو كلمة : «الغرفة» ـ أزال تلك الاحتمالات ، وقصر الفهم على واحد منها ؛ فأفاد التقييد ؛ بأن جعل العام المطلق محدودا محصورا. ومثل هذا : قرأت أدب العرب ـ تمتعت بأدب العرب ... و ... فقد تبع الزيادة اللفظية الجزئية زيادة معنوية جزئية.

ومما يلاحظ أن التكملة (أى : القيد) مجرورة فى أمثلة هذا القسم : «ج» لا تفارق الجر مطلقا. أما فى غيرها فقد تكون التكملة مرفوعة ، أو منصوبة ، أو مجرورة ، أو مجزومة ... على حسب حاجة الجملة. وتسمى التكملة الجزئية التى تلازم الجر دائما : «المضاف إليه» ويسمى اللفظ الذى قبلها ، والذى جاءت لتقييده ، وتحديد مدلوله : «المضاف» ويطلق عليهما معا : «المتضايفان» ، و «الإضافة» هى : الصلة المعنوية الجزئية التى بين المتضايفين ، (وهما : المضاف ، والمضاف إليه) : ويقول النحاة فى تعريفها :

«إنها نسبة تقييدية بين اسمين ، تقتضى أن يكون ثانيهما مجرورا دائما». نعم ، قد يكون المضاف إليه جملة ـ كما سيجىء البيان فى ص ٢٨ وله إشارة فى ص ٧٨ و ٨٣ ـ و ٨٤ ـ ولكن الجملة فى هذه الحالة بمنزلة المفرد ، أى : الاسم الواحد ؛ فمحلها الجر ، أما المضاف فلابد أن يكون فى جميع حالاته اسما يعرب على حسب الحاجة ، ولا يصح أن يكون فعلا ، أو حرفا ، أو جملة. (انظر ص ٧ ج).

مما تقدم نعلم ؛ أن التكملة تسمى : «القيد» ، أو : النسبة «التقييدية» وليست مقصورة على الإضافة ، بل تشمل جميع المكملات. وأن التكملة فى الإضافة تسمى : «المضاف إليه» ولا بد أن يسبقه : «المضاف» وكلاهما لا بد أن يكون اسما واحدا ، وقد يكون «المضاف إليه» جملة بمنزلة ـ

٢

(وتسمى : لفظيّة ، أو : مجازية (١) ـ ولها ملحقات (٢) ـ.)

فالأولى : ما كان فيها الاتصال بين الطرفين قويّا ؛ وليست على نية الانفصال (٣) ؛ لأصالتها ، ولأنّ المضاف ـ فى الغالب ـ خال من ضمير مستتر يفصل بينهما.

والأكثر أن يكون المضاف فى الإضافة المحضة واحدا مما يأتى :

١ ـ اسم من الأسماء الجامدة الباقية على جمودها (٤) ، كالمصادر (٥) ، وأسماء

__________________

ـ الاسم الواحد أى : المفرد ـ كما سبق ـ وكذلك نعلم أن المضاف إليه مجرور دائما ، أما المضاف فلا يلازم حالة إعرابية واحدة ؛ بل يعرب على حسب حالة الجملة التى يكون فيها.

والأغلب فى المضاف أن يكون معربا. وقد يكون اسما مبنيا ؛ مثل : «حيث» ، و «إذا» الشرطية ، و «كم» الخبرية ، (كما سنعرف فى هذا الباب). ومثل بعض أنواع مبنية على فتح الجزأين من المركب المزجى العددى فى نحو : هذه خمسة عشر محمد ؛ ـ

طبقا لما هو مذكور فى باب العدد ـ ج ٤ م ١٦٤ ص ٤٠٠.

«ملاحظة» : يتردد فى النحو اسم : «الشبيه بالمضاف» وهو يختلف اختلافا واسعا عن «المضاف».

وتفصيل الكلام على هذا الشبيه ، وعلى أحكامه ، مدون فى ج ١ م ٥٦ باب : «لا» النافية للجنس ، عند الكلام على حكم اسمها ، ص ٦٩١.

(١) يريدون «بالمحضة» : التى بين طرفيها قوة اتصال وارتباط ، وليست على نية الانفصال ؛ لأصالتها ، ولأنها لا يفصل بين طرفيها (وهما : المضاف والمضاف إليه) ضمير مستتر كالضمير الذى يفصل فى الإضافة غير المحضة ؛ فيجعلها كأنها غير موجودة ؛ بسبب وجود هذا الفاصل الملحوظ ، وإن كان مستترا ـ كما سيجىء ـ فى ص ٣٤ ـ عند الكلام عليها ....

ويريدون «بالمعنوية» : أنها تحقق الغرض المعنوى الذى يراد منها تحقيقه ؛ وهو استفادة المضاف من المضاف إليه التعريف ، أو التخصيص ـ كما سيأتى فى ص ٢٣ ـ ، ولأنها تتضمن معنى حرف من حروف الجر سنعرفه بعد فى ص ١٦.

ويريدون بالحقيقية : أنها تؤدى الغرض المعنوى السابق حقيقة ، لا مجازا ـ والمجاز الممنوع هنا هو الآتى فى ص ٣٣ وليس هو المعروف فى البلاغة ـ ، ولا حكما أو تقديرا. (وهذا خير ما يفسر به وصفها بالحقيقية) ...

وستجىء إشارة لكل هذا بمناسبة أخرى فى (ص ٢٣ و ٣٣).

(٢) ستجىء الملحقات فى ص ٤٠ ـ د ـ

(٣) يتضح المراد من «نية الانفصال» ومن خلو الكلام من الضمير المستتر بما يجىء فى ص ٣٤.

(٤) أى : غير المؤولة بالمشتق.

(٥) وسيجىء فى باب النعت عند الكلام على وقوع المصدر نعتا ، أن هناك مصادر مسموعة أضيفت إلى معرفة ، فلم تكتسب منها التعريف بسبب أنها مصادر مؤولة بالمشتق ؛ فإضافتها غير محضة. (انظر ص ٤٦٤).

٣

المصادر (١) ، وكثير من الظروف ، والجوامد الأخرى ، نحو : لا يتم حسن الكلام إلا بحسن العمل ـ لو استعان الناس كعون النمل ما وجد بينهم شقىّ ، ولا محروم ـ عند الشدائد تعرف الإخوان ـ لسان العاقل وراء قلبه ، وقلب الأحمق وراء لسانه ـ

ومن الأمثلة للجوامد المضافة ، الباقية على جمودها ، الكلمات : أرض ـ بعض ـ جسم ـ فؤاد ـ فى قول الشاعر :

أيها الراكب الميمّم (٢) أرضى

اقر (٣) من بعضى السّلام لبعضى

إنّ جسمى ـ كما علمت ـ بأرض

وفؤادى ومالكيه بأرض

ب ـ المشتقات الشبيهة بالجوامد ؛ (وهى المشتقات التى لا تعمل مطلقا (٤) ، ولا تدل على زمن معين) كصيغ أسماء الزمان ، والمكان ، والآلة ؛ مثل الكلمات : مسكن ، مزرعة ، محراث ، منجل ، مذراة ، مغرب ... فى نحو : (الفلاح كالنحلة الدءوب النافعة ؛ يغادر مسكنه قبل الشروق ، قاصدا مزرعته ؛ يعمل فيها ويكدّ ؛ فلا تراه إلا قابضا على محراثه ، أو منحنيا على فأسه ، أو حاصدا بمنجله ، أو مذريا بمذراته ، أو متعهدا زروعه. و ... ويظل على هذا الحال حتى المغرب ؛ فيرجع من حيث أتى ، دون أن يعرّج على ملعب ، أو ملهى ، أو مقهى يسهر فيه ، ثم يقضى الليل هادئا نائما حتى يوافيه الصباح الجديد).

ويدخل فى هذا النوع : المشتقات التى صارت أعلاما ؛ وفقدت خواص الاشتقاق ، بسبب استعمالها الجديد فى التسمية (٥) ؛ مثل الأعلام : محمود ـ حامد ـ حسن ...

__________________

(١) سبق الكلام على اسم المصدر وإيضاح خصائصه فى ج ٢ ص ١٧٤ م ٧٥. وسيجىء الكلام عليه وعلى المصدر فى باب خاص بهما. (ص ١٨١ و ٢٠٧).

(٢) القاصد.

(٣) المراد : اقرأ ، سهّلت الهمزة ؛ ـ بأن صارت ألفا ؛ أى : اقرا. ـ ثم بنى فعل الأمر على حذف هذه الألف ، كالشأن فى كل فعل أمر معتل الآخر ، فإنه يبنى على حذف حرف العلة.

(٤) سيجىء لها إشارة أخرى فى ص ٣٠ من هذا الجزء عند الكلام على المشتقات (اسم الفاعل و ... و ...).

(٥) كما سيجىء فى هامش ص ١٨٢.

٤

ح ـ المشتقات التى لا دليل معها على نوع الزمن الذى تحقّق فيه معناها (١) ؛ نحو : قائد الطيارة مأمون القيادة ؛ فإن كلمة : «قائد» اسم فاعل مضاف ، وليس فى الجملة دليل على نوع زمن القيادة ؛ أهو الماضى ، أم الحال ، أم الاستقبال؟ وكذلك كلمة : «مأمون» التى هى اسم مفعول ... (وتسمى هذه المشتقات الخالية من الدلالة الزمنية : ب «المشتقات المطلقة الزمن (٢)»).

د ـ المشتقات الدالة على زمن ماض (٣) فقط ؛ نحو : عابر الصحراء أمس كان مملوء النفس أمنا واطمئنانا.

ه ـ أفعل التفضيل ـ على الرأى المشهور (٤) ـ وهو من المشتقات التى لها بعض (٥) عمل ـ مثل : أعجبت بشوقىّ ؛ أشهر الشعراء فى عصره ، وقولهم : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا.

و ـ إضافة الوصف إلى الظرف مع وجود القرينة الدّالة على المضىّ أو على الدوام ؛ مثل : أزال ساطع الصباح البهيج حالك الليل البهيم ، وكقوله تعالى عن نفسه : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.)

* * *

__________________

(١) كما سيجىء فى «ب» من ص ٤٠.

(٢) سيجىء الكلام عليها فى أبوابها الخاصة ، من هذا الجزء ، ولها إشارة فى ص ٣٠.

(٣) لا يكفى دلالتها على الزمن الماضى وحده ، بل لا بد مع ذلك أن تفقد العمل ؛ لفقد بعض شروطه. (وستجىء فى ص ٢٣٨).

(٤) راجع الصبان والتصريح ـ وغيرهما ـ فى هذا الموضع. ثم حاشية ياسين على التصريح ج ٢ باب : «أفعل التفضيل» ، عند الكلام على إضافته للنكرة. ويرى شارح المفصل (ج ٣ ص ٤) ومن معه أن إضافته غير محضة ، ويطيل الإيضاح لهذا ، ويؤكده.

(٥) كعمله الجر فى المضاف إليه ، والنصب فى تمييزه ، ولأنه يرفع الفاعل ، ولا ينصب المفعول به ؛ ففى مثل : «مررت برجل أفضل القوم» مما سمع فيه أفعل التفضيل مضافا إلى المعرفة مع أن المفضل نكرة ـ يعرب أفعل التفضيل بدلا من المفضل ، لا صفة له ، بناء على الرأى الأشهر السالف ؛ لكيلا تقع المعرفة نعتا للنكرة. نعم إن البدل المشتق قليل ؛ ـ كما يقول الصبان عند كلامه على الإضافة غير المحضة ـ ، ولكنه جائز مع قلته ومخالفته للأكثر ، (كما فى ص ٣٨) ويعرب نعتا بناء على الرأى الآخر. لأنه لم يكتسب التعريف من المضاف إليه ... وإذا أضيف : «أفعل» المراد به التفضيل ، وجب أن يكون بعضا من المضاف إليه وفردا من جنسه ؛ نحو : محمد أفضل الناس ، أو : أفضل القوم ، فلا يصح : الحصان أفضل الطيور ، ولا الطائر أفضل الخيول ، ـ كما سيجىء تفصيل هذا فى ص ٤٠٢ من بابه ـ.

٥

[الإضافة غير المحضه]

والثانية : ما يغلب أن يكون فيها المضاف وصفا (١) ، عاملا ، دالّا على الحال ، أو الاستقبال ، أو الدوام. (ويسمى هذا الوصف : ب «المشبه للفعل المضارع فى العمل والدلالة الزمنية») ، وينحصر فى اسم الفاعل ، واسم المفعول ، بشرط أن يكونا عاملين ، دالّين على الحال ، أو الاستقبال. وفى الصفة المشبّهة ـ فى الرأى الراجح بين آراء أخرى قوية (٢) ـ ولا تكون إلا للدوام غالبا ؛ نحو : (استجب لطالب الحقّ اليوم ، قبل أن ينتزعه بعامل القوة غدا) ـ (إذا شاهدت غلاما مشرّد النظرات ، موزّع الفكر ، مسلوب الهدوء ، فاعلم أنه بائس يستحق العطف ، أو جان يستحق الزراية) ـ (عظيم القوم من يهوى عظيمات الأمور).

ويلحق بالإضافة غير المحضة بعض إضافات أخرى سيجىء الكلام عنها فى موضعه المناسب (٣) عند تناول ما سبق بالإيضاح.

ولا بد فى جميع حالات الإضافة المحضة وغير المحضة من أن يكون المضاف اسما (٤) وكذا المضاف إليه. وقد يقع المضاف إليه ـ أحيانا ـ جملة ؛ فيكون فى حكم المفرد ـ كما سنعرف ـ (٥) :

* * *

الأحكام المترتبة على الإضافة (٦) :

يترتب على الإضافة بنوعيها أحكام ؛ بعضها واجب ، وبعضها جائز. وأشهر الأحكام الواجبة أحد عشر (٧) :

__________________

(١) ومن غير الغالب أن يكون المضاف غير وصف ؛ كبعض الصور المتعددة الآتية فى : «د» ص ٤٠ وما بعدها ، ومنها الصورة التى تستعمل فى مدح شخص ، أو : ذمه ، أو : الدعاء عليه وهى (فى ص ٤٦): «لا أبا لفلان» ـ على اعتبار زيادة اللام بين المتضايفين ـ وتفصيل الكلام عليها فى ج ١ م ٨ فى الأسماء الستة.

(٢) انظر ص ٣٧ و ٢٩ و ٣٠٧.

(٣) فى «د» من ص ٤٠. مما يسمى بالأنواع الشبيهة بالإضافة غير المحضة.

(٤) كما أشرنا فى هامش ص ٢ ويجىء فى ص ٧.

(٥) فى ص ٢٨ و ٨٤.

(٦) للأحكام التفصيلية الآتية ملخص مناسب فى ص ٧٠.

(٧) هذه الأحكام حتمية (أى : واجبة المراعاة والتطبيق) أما الأحكام الأخرى الجائزة فأشهرها أربعة ، ستذكر بعدها مباشر؟؟؟ ص ٦٣.

٦

الأول : أن يكون «المضاف إليه» مجرورا دائما (١) ، لا فرق بين أن يكون مجرورا فى اللفظ ؛ (نحو قول الشاعر :

على قدر أهل العزم تأتى العزائم

وتأتى على قدر الكرام المكارم

ونحو : من وثق بأعوان السوء لقى منهم شرّ المصائب ...) ، ومجرور المحل (٢) ؛ نحو : من التمس تقويم ما لا يستقيم كان عابثا ، وإخفاقه محققا. ونحو : نعم العربىّ ؛ يسرع للنجدة حين يدعوه الداعى ... و ... فكلمة : «ما» مضاف إليه مبنية على السكون فى محل جر. والضمير «الهاء» ـ فى إخفاقه ـ مضاف إليه مبنى على الضم فى محل جر. والجملة المضارعية : «يدعو» مضاف إليه فى محل جرّ.

وإذا كان المضاف إليه هو : «ياء المتكلم» (٣) فإنه يستوجب أحكاما أخرى غير الكسر ، ستجىء فى باب خاص به (٤).

أما المضاف فلابد أن يكون اسما ـ كما سبق ـ ويعرب على حسب حالة الجملة ؛ فيكون مبتدأ ، أو خبرا ، أو فاعلا ، أو غير ذلك ... والكثير أن يكون معربا. ومنه ما يكون مبنيّا ، ولا يمنعه البناء من أن يكون مضافا ؛ مثل : حين ـ حيث ـ إذ ـ إذا ـ لدن ... و ... (٥) وغيرها مما سيمر بعضه فى هذا الباب ...

والمضاف هو عامل الجر فى المضاف إليه (٦) ـ تبعا للرأى المشهور ـ ...

__________________

(١) ومعناه يخالف معنى المضاف ؛ لأن الإضافة ـ ولا سيما المحضة ـ تقتضى مغايرة المتضايفين فى مدلولهما ؛ (كما سيجىء ، فى رقم ٦ من هامش ص ٤٠) إلا بعض حالات هناك ، ولا بد أن يكون المضاف إليه اسما ، ولو تأويلا ؛ كما فى هامش ص ٢ وفى ص ٦.

(٢) يكون مجرورا فى اللفظ إذا كان معربا ، ويكون مجرور المحل إذا كان مبنيا ؛ كالضمائر ، والموصولات و ... أو كان جملة ، فالمبنى والجملة كلاهما فى محل جر.

(٣) الإضافة لياء المتكلم المحذوفة أو المنقلبة ألفا تسمى : «الإضافة المقدرة».

أما الإضافة للياء المذكورة فنوع من «الإضافة الظاهرة». ـ كما سيجىء فى «ب» من ص ١٧٣ ـ.

وهذا تقسيم آخر للإضافة ...

(٤) ص ١٦٩.

(٥) لما تقدم إشارة فى آخر : «ج» من هامش ص ٢.

(٦) قلنا فى الجزء الثانى (باب حروف الجر ، هامش ص ٣٣٨ م ٨٩) إن جر الاسم بالإضافة هو سبب من أسباب ثلاثة أصيلة ، كل واحد منها يوجب جره ، أولها : جره بحرف الجر ، ـ

٧

الثانى : وجوب حذف نون المثنى ، ونون جمع المذكر السالم ، وملحقاتهما ـ إن وقع أحدها مضافا مختوما بتلك النون. فمثال حذفها من آخر المثنى المضاف قول الشاعر :

العين تعرف من عينى محدّثها

إن كان من حزبها أو من أعاديها

ومثال حذفها من آخر الملحق بالمثنى (١) قول الشاعر :

بدت الحقيقة غير خاف أمرها

واثنا (٢) علىّ يشهدان بما بدا

ومثال حذفها من جمع المذكر : الجنود حارسو الوطن ، باذلو أرواحهم

__________________

ـ وثانيها : جره بالإضافة ، وثالثها : جره بالتبعية لمتبوع مجرور ، كأن يكون التابع نعتا ، أو : معطوفا ، أو : توكيدا ، أو بدلا ، والمتبوع فى كل تلك الحالات مجرور ؛ فيجب جر التابع محاكاة له.

وهناك سببان آخران للجر ؛ أحدهما الجر على : «التوهم» ؛ ومن صواب الرأى إهماله ، وعدم الاعتداد به (كما قلنا فى ج ١ ص ٦٠٩ م ٤٩ حيث توضيحه ، وتفصيل الكلام عليه).

والآخر الجر على : «المجاورة» ؛ والواجب التشدد فى إغفاله ، وعدم الأخذ به مطلقا. (كما أشرنا فى الموضع السابق وفى ج ٢ م ٨٢ ص ٣٢٣ وص ٤٠١ م ٨٩). أما الداعى لاتخاذه سببا للجر فورود أمثلة قليلة جدا ، وبعضها مشكوك فيه ـ ، قد اشتملت على جر الاسم من غير سبب ظاهر لجره ، إلا مجاورته لاسم مجرور قبله مباشرة ؛ منها : (هذا جحر ضبّ خرب) ، بجر كلمة : «خرب» ، مع أنها صفة «لجحر» ولا تصلح صفة «لضب» ؛ لأن الضب لا يوصف بأنه خرب ، ومنها :

«يا صاح بلغ ذوى الزوجات كلّهم ...» بجر كلمة : «كل» ، مع أنها توكيد لكلمة : «ذوى» المنصوبة ؛ إذ لو كانت توكيدا لكلمة : «الزوجات» لقال كلهن. وقد تأول النحاة المثال الأول بأن أصله : هذا جحر ضبّ خرب الجحر منه ، أو خرب جحره ، ثم حذف ما حذف ، وبقى ما بقى ، واشتد الجدل فى نوع المحذوف وصحة الحذف وعدم صحته ، على الوجه المبين فى المطولات (ومنها همع الهوامع ج ٢ ص ٥٥) وقالوا فى المثال الثانى إنه خطأ أو ضرورة.

واتفق كثير من أئمة النحاة على أن الجر بالمجاورة ضعيف ، أو ضعيف جدا. وجاء فى «المحتسب» لابن جنى ـ ج ٢ ص ٢٩٧ ـ ما نصه : (إن الخفض بالجوار ـ أى : بالمجاورة ـ فى غاية الشذوذ).» اه بل جاء فى كتاب «مجمع البيان ، لعلوم القرآن» ـ ج ٣ ص ٣٣٥ ـ ما نصه : (إن المحققين من النحويين نفوا أن يكون الإعراب بالمجاورة جائزا فى كلامهم ...). اه ، أى : فى كلام العرب ؛ وعلى هذا لا يصح القياس عليه ، ولا يستعمل إلا فى المسموع (كما جاء فى خزانة الأدب ، للبغدادى ، ج ٢ ص ٣٢٤).

(١) من الملحق بالمثنى : «اثنان» و «اثنتان» وقد سبق تفصيل الكلام على المثنى وملحقاته فى ج ١ ص ٧٦ م ٩.

(٢) أى : عيناه ، أو : صاحباه.

٨

فى حمايته. ومثال حذفها من الملحق (١) به قولهم : أحبّ الناس للمرء أهلوه ؛ فلا يقض سنى حياته فى معاداتهم ، أو مقاطعتهم. وقول بعضهم يصف شهرا من شهور الضيف : لقد اشتدت وقدته ، وتأجّج سعيره ، وأحرقتنا ثلاثوه. وكان الأصل (٢) قبل الإضافة : عينين ـ اثنان ـ حارسون ـ باذلون ـ أهلون ـ سنين ـ ثلاثون.

فإن كانت النون الأخيرة ليست للتثنية ولا لجمع المذكر السالم ، ولا لملحقاتهما لم يجز حذفها من المضاف ؛ كالنون التى فى آخر المفرد ، مثل : سلطان ـ حنان ـ ، وكالتى فى آخر جمع التكسير ، مثل : بساتين ـ رياحين ؛ تقول : سلطان الضمير أقوى من سلطان القانون ـ حنان الآباء والأمهات لا يسمو إليه حنان أحد ـ كان العرب القدامى مفتونين ببساتين الشام ورياحينها ، يكثرون القول فى وصفها ، والتغنى بمباهجها.

__________________

(١) ومن الملحق بجمع المذكر السالم : أرضون ـ سنون ـ عالمون ـ أهلون ... و ... (وقد سبق الكلام على هذا الجمع وملحقاته فى ج ١ ص ٨١ م ١١).

(٢) يجب أن يحذف مع نون المثنى وجمع المذكر حرف اللام الذى يقع فاصلا بينها وبين ياء المتكلم الواقعة مضافا إليه ، فى مثل : هذان أستاذاى ، وهؤلاء أستاذىّ.

ومثل قول الشاعر :

خليلىّ إن المال ليس بنافع

إذا لم ينل منه أخ وصديق

وقولهم : إن مكرمىّ أهل تفضل لا أنساه.

والأصل : أستاذان لى ، أستاذون لى ، خليلين لى ، مكرمين لى ، ثم حذفت اللام مع النون. وقيل إنها حذفت للتخفيف. وسواء أكان هذا أم ذاك فلابد من حذف اللام مع النون ، فلا قيمة للخلاف ... و ...

كما سيأتى فى باب : «المضاف للياء». (رقم ١ من هامش ص ١٧٨).

٩

زيادة وتفصيل :

١ ـ هناك حالة يجوز فيها حذف النّون وعدم حذفها من آخر المثنى وجمع المذكر السالم ، مع عدم إضافة كل منهما. وتتحقق هذه الحالة فى الإضافة غير المحضة حين يكون المضاف وصفا عاملا بعده معموله. والغالب (١) فى هذا الوصف أن يكون صلة «أل» ؛ نحو : اشتهر المتقنان العمل ـ اشتهر المتقنون العمل ... فعند إثبات النون فى الوصف ـ كما فى المثال ـ يتحتم إعراب كلمة : «العمل» مفعولا به للوصف. وعند حذفها ـ مثل : اشتهر المتقنا العمل ، اشتهر المتقنو العمل ـ يجوز فى كلمة : «العمل» أمران ؛

أحدهما : الجرّ على اعتبارها مضافا إليه ، والوصف قبلها هو المضاف ، حذفت من آخره نون التثنية ، أو الجمع ؛ بسبب إضافته.

والثانى : النصب على اعتبارها مفعولا به للوصف ، حذفت النون من آخره للتخفيف ، لا للإضافة ؛ إذ الوصف فى هذه الصورة ليس مضافا ، وإنما حذفت من آخره «النون» ـ بالرغم من عدم إضافته ـ ؛ متابعة لبعض القبائل التى تجيز حذفها من آخر المثنى ، وجمع المذكر السالم ، بشرط أن يكون كل منهما وصفا عاملا ـ يغلب (٢) أن يكون صلة «أل» وبعده مفعوله غير مجرور ؛ كما شرحنا.

__________________

(١ و ١) لأنها قد تحذف فى حالات أخرى (سبق بيانها فى ج ١ م ٥٦ ص ٦٩١ باب : لا النافية للجنس).

وإنما قلنا : الغالب فى الوصف أن يكون صلة «أل» اعتمادا على ما قاله الصبان هنا وفى الجزء الأول (فى باب : الإعراب ؛ عند الكلام على حركة نون المثنى والجمع) حيث صرح فيهما بأن الوصف صلة. ومعلوم أن الوصف لا يكون صلة إلا لأل. أما غير الغالب فعدم وقوعه صلة لها ، وهذا يفهم من كلامه فى باب الإعراب السالف فى الموضع المشار له ، كما يفهم من ج ٢ آخر باب الإضافة عند كلامه على مواضع الفصل بين المتضايفين بشبه الجملة.

١٠

لكن من الخير إهمال هذه الصورة اليوم ، وعدم محاكاتها ـ وإن كانت محاكاتها جائزة ـ لما قد تحدثه من لبس وإبهام ينافيان الغرض الصحيح من اللغة ، وما يجب أن توصف به. وإنما عرضناها ، كما نعرض نظائر لها فى بعض الأحيان ؛ للسبب الذى نردده كثيرا ، وهو : الاستعانة بها على فهم الوارد منها. فى النصوص القديمة ، دون الموافقة على محاكاتها.

* * *

١١

الثالث : وجوب حذف التنوين إن وجد فى آخر المضاف قبل إضافته ؛ كقولهم : بناء الظلم إلى خراب عاجل ، وكلّ بنيان عدل فغير منهدم. فقد حذف التنوين من الكلمات المعربة : (بناء ـ كل ـ بنيان ـ غير ...) ، بسبب الإضافة. ولو زالت الإضافة لعاد التنوين.

الرابع : وجوب حذف «أل» من صدر المضاف ، بشرط أن تكون زائدة (١) فى أوله للتعريف ، أو لغيره ، وأن تكون الإضافة محضة ، نحو : بلادنا تاج الفخار للشرق ، وهى درّة عقده. والأصل : البلاد ـ التاج ـ الدرة ـ العقد. فحذفت «أل» من أول كل مضاف.

فإن كانت «أل» غير زائدة ؛ (نحو : ألف ، وألباب) (٢) لم تحذف.

أما إن كانت الإضافة غير محضة فيجب حذف «أل» أيضا ـ إلا فى الحالات الأربع التالية (٣).

ا ـ أن توجد فى المتضايفين معا (أى : فى المضاف والمضاف إليه ، معا) ؛ نحو : الوالدان هما الرحيما القلب ـ العلماء هم المؤسسو الحضارة.

ب ـ أن توجد فى المضاف دون المضاف إليه ، ويكون المضاف إليه مضافا إلى اسم مبدوء بها ؛ نحو : أعاون المؤسسى نهضة البلاد ، وأعتقد أنهم الرائدو خير الوطن.

ح ـ أن توجد فى المضاف دون المضاف إليه ويكون المضاف إليه مضافا

__________________

(١) أى : بشرط أن تكون غير لازمة ، واللازمة ـ هنا ـ هى المعدودة من بنية اللفظ ، أى : من حروفه التى لا بد من وجودها ليؤدى المراد الأصيل منه ، كالتى لا تفارق الأعلام مطلقا ؛ مثل : (ألكن ، ألفىّ ـ وألطاف ـ ، وإلهام ، وألوان ، وألحان) ـ أعلاما ...

(٢) جمع : لب ، بمعنى : عقل.

(٣) مما تجب ملاحظته : أن «الإضافة» تعتبر محضة لا يجوز فيها وجود «أل» فى «المضاف» إذا كان هذا المضاف «المشتق» دالا على الزمن الماضى فقط مع عدم استيفائه لبقية الشروط اللازمة للإعمال ، (والتى يجىء بيانها فى ص ٢٤٦ ؛ ـ كما سبق فى ص ٥ و ٦) ـ فلا يصح : جاء العابر النهر أمس. فلابد لصحة الجمع بين «أل» و «الإضافة» فى المشتق العامل (كاسم الفاعل و ...) أن يكون عاملا زمنه للحال أو الاستقبال أو الاستمرار الذى يشمل الأزمنة الثلاثة ؛ نحو : انظر العابر النهر الآن ـ انظر العابر النهر غدا ، إن الله المدبر الأمور.

١٢

إلى ضمير يعود على لفظ مشتمل عليها ، نحو : المجد أنتم المدركو قيمته ، والفضل أنتم الباذلو غايته.

د ـ أن توجد فى المضاف دون المضاف إليه بشرط أن يكون المضاف مثنى أو جمع مذكر سالما ؛ نحو : أنتما الصانعا معروف ـ أنتم الصانعو معروف. ومنه قول الشاعر :

وما لكلام الناس فيما يريبنى

أصول ، ولا للقائليه أصول

وفى غير هذه الحالات الأربع الخاصة بالإضافة غير المحضة يجب حذف «أل» كما قلنا. ففى كلمات مثل : العزيز ـ الشاهد ـ السارق ـ الأفضل ... و ... وأشباهها نقول فيها عند إضافتها : عزيز قومه مطاع فيهم ـ شاهد زور أكبر ضررا من سارق مال ـ أفضل مواهب المرء عقله ... و ...

١٣

زيادة وتفصيل :

ا ـ الكوفيون يجيزون فى الإضافة المحضة دخول «أل» على المضاف ، بشرط أن يكون اسم عدد ، وأن يكون المضاف إليه هو المعدود ، وفى أوله «أل» أيضا ؛ فلابد من وجودها فيهما معا ، نحو : قرأت الثلاثة الكتب فى السبعة الأيام. وحجتهم فى هذه الإجازة السماع عن العرب ، وورود عدّة أمثلة صحيحة تكفى عندهم للقياس عليها. والبصريون لا يجيزون هذا ، مستندين فى المنع إلى أن العدد مع المعدود هو ضرب من المقادير ، والمقادير لا يجوز فيها ما سبق ؛ فكما لا يصح أن يقال : اشتريت الرطل الفضة ، ـ بالإضافة ـ لا يصح كذلك أن يقال : الثلاثة الكتب ، بالإضافة ؛ حملا للنّظير على نظيره ، وقياسا للشىء على ما هو من بابه. فعلّة المنع عندهم : «التنظير».

والحق أن حجة الكوفيين هى الأقوى ؛ لاعتمادها على السماع الثابت ، وهو الأصل والأساس الذى له الأولوية والتفضيل ؛ فلا مانع من الأخذ به لمن شاء غير أن المذهب البصرى أكثر شهرة ، وأوسع شيوعا ؛ فمن الخير الاكتفاء بمحاكاته ؛ لتتماثل أساليب البيان اللغوى ، وتتوحد ، حيث يحسن التماثل والتوحد (١).

ب ـ فى مثل : «جاء المكرمك». ـ من كل وصف عامل مبدوء : «بأل» ومفعوله ضمير بعده (٢) ـ يعرب هذا الضمير (وهو هنا : الكاف)

__________________

(١) وهذا ما دعانا إلى استحسان الرأى البصرى ، والاقتصار عليه عند الكلام على المعرف «بأل» إذا أريد إضافته. (البيان ، والصور المتعددة ، ج ١ ص ٣٢٠ م ٣٢).

(٢) ومنه قول الشاعر :

ألا أيهذا الزاجرى احضر الوغى

وأن أشهد اللذات ، هل أنت مخلدى؟

ومثل البيت الأخير من أبيات «شوقى» التالية ، يخاطب أبا البنات ، الذى لم يرزق بنين :

إن البنات ذخائر من رحمة

وكنوز حبّ صادق ، ووفاء

السّاهرات لعلّة ، أو كبرة

والصابرات لشدة وبلاء ... ـ

والباكياتك حين ينقطع البكا

والزائراتك فى العراء النّائى

(الكبرة : الشيخوخة ـ العراء النائى : الخلاء والفضاء البعيدان. والمراد بهما : المقابر).

١٤

مفعولا به فى محل نصب ، ولا تصح الإضافة ؛ لوجود : «أل» فى صدر المضاف ؛ إذ هذه الصورة ليست من الصور السالفة (١) التى تباح فيها الإضافة مع وجود : «أل» فى المضاف.

ويتعين فى الضمير (الكاف) الجر المحلىّ بالإضافة إن كان الوصف مجردا من : «أل» فى مثل : «جاء مكرمك» ، لفقد التنوين ؛ إذ لم نقل : جاء مكرم إيّاك. أما إن كان مفعول الوصف ظاهرا بعده فإن آثار الإضافة ستظهر عليه جليّة ؛ وتتبين بجرّه ، مع حذف التنوين من الوصف المضاف ، وإلا فلا إضافة ، فينصب المفعول به بعد الوصف ...

ومثل الضمير (الكاف) فى وجوب النصب : الضمير «الهاء» فى : «أوضعه» من قولهم المأثور : «لا عهد لى بألأم قفا منه ، ولا أوضعه». بفتح العين ـ كما وردت سماعا ـ ف «الهاء» هنا مثل «الكاف» فى المثال السابق. إلا أن «الكاف» مفعول به ، و «الهاء» مشبه بالمفعول به هنا ، لأن اسم التفضيل لا ينصب مفعولا به. وليست كلمة «أوضع» مضافة ، و «الهاء» مضافة إليها ؛ لأنها لو كانت مضافة لوجب جرها بالكسرة لا بالفتحة التى سمعت بها. على أنه لا مانع من جرّها فى استعمالنا الآن على الإضافة (٢).

وفى مثل : «مررت برجل أبيض الوجه لا أحمره» ، يجوز جر : «أحمر» بالفتحة ؛ على اعتباره معطوفا على كلمة «أبيض» ، و «الهاء» بعده فى محل نصب ؛ على «التشبيه بالمفعول به» للصفة المشبهة : (وهى أحمر) ويجوز جر : «أحمر» بالكسرة : على اعتباره معطوفا على أبيض أيضا ، مضافا ، و «الهاء» مضاف إليه ، مبنية على الضم فى محل جر (٣).

* * *

__________________

(١) فى ص ١٢ وما بعدها.

(٢) لهذه المسألة اتصال وثيق بالحكم الهام الذى يجىء فى ص ٤٢٢ ، باب : «أفعل التفضيل» خاصا به إذا كان معطوفا على «أفعل» آخر.

(٣) وقد نص على هذا صاحب المغنى ونقله عنه الصبان فى هذا الموضع من الباب.

١٥

الخامس : وجوب اشتمال الإضافة المحضة على حرف جر أصلى (١) ، مناسب ، اشتمالا أساسه التخيل والافتراض ، لا الحقيقة والواقع ؛ فيلاحظ وجوده ، مع أنه غير موجود إلا فى التخيل ، أو : فى النية (٢) ـ كما يقولون ـ.

والغرض من هذا التخيل : الاستعانة بحرف الجر على توصيل معنى ما قبله إلى ما بعده ؛ كالشأن فى حرف الجر الأصلى (٣) ، وأيضا الاستعانة على كشف الصلة المعنوية بين المتضايفين ، (وهما : المضاف والمضاف إليه) ، وإبانة ما بينهما من ارتباط محكم ، وملابسة (أى : مناسبة) قوية لا تتكشف ولا تبين إلا من معنى حرف الجر المشار إليه (٤). بشرط أن يكون هذا الحرف خفيّا متخيّلا ، مكانه بين المضاف والمضاف إليه ، وأن يكون أحد ثلاثة أحرف أصلية ؛ هى : «من» ـ «فى» ـ «اللام» (٥).

__________________

(١) أما غير المحضة فالصحيح أنها لا تشتمل على حرف جر (خقىّ ملحوظ). وقيل : إنها تشتمل على «اللام» والأول هو الأرجح الذى يجب الاقتصار عليه.

(٢) هذا تعبير النحاة.

(٣) أوضحنا هذا فى باب حروف الجر ، ج ٢ م ٨٩ ص ٣٤٠.

(٤) يرى بعض النحاة أن الإضافة المحضة ليست على تقدير حرف خفى ، ولا على ملاحظة وجوده مع اختفائه. وحجته : أنه لو كان هناك حرف خفى ملحوظ ما وقع فرق فى المعنى بين : كتاب محمد ، وكتاب لمحمد ؛ فيتساوى المعنيان ، مع أنهما غير متساويين فى الواقع ، لأن كلمة : «كتاب» الأولى معرفة ، والثانية نكرة ؛ وفرق كبير فى المعنى بين المعرفة والنكرة.

وقد دفعوا حجته بمنع المساواة ؛ قائلين : إن المراد من كون الإضافة على معنى حرف ـ كاللام ، مثلا ـ مجرد ملاحظة معنى : «اللام». وهذه الملاحظة المجردة لا تمنع من تعريف المضاف ، ولا من تخصيصه ، على الوجه الآتى فى الحكم السادس ـ ص ٢٣ ـ ما دام حرف الجر مختفيا لا يظهر فى الجملة بين المتضايفين. أما إذا ظهر بينهما فإن الأمر يتغير ؛ فتخلو الجملة عندئذ من اسم المضاف والمضاف إليه ؛ لأن كلا منهما يفقد اسمه هذا بسبب ظهور حرف الجر ، ويزول ما كان يكتسبه المضاف من المضاف إليه من تعريف أو تخصيص ؛ حيث لا يوجد الآن إضافة مطلقا.

فمجرد الملاحظة لا يستلزم المساواة التامة بين «كتاب محمد» و «كتاب لمحمد» من كل وجه إذ المراد من «كتاب محمد» ، بمعنى : «كتاب لمحمد» ملاحظة معنى «اللام» فقط دون التصريح بها ، ودون منع تعريف أو غيره مما يستفيده المضاف من المضاف إليه. فالأمر مقصور على مجرد تفسير جهة الإضافة فى المثال المذكور وأشباهه ؛ من ناحية الملك ، أو : الاختصاص ، ونحوه ، ليس غير.

(٥) وبسبب هذا الأثر المعنوى ، مزيدا عليه الأثر الموضح فى الحكم السادس التالى ـ ص ٢٣ ـ سميت «إضافة معنوية» ـ كما سبق فى رقم ١ من هامش صفحة ٣ ، وكما سيجىء فى صفحة ٢٤.

١٦

وإنما انحصر الاختيار فى هذه الثلاثة لأنها ـ دون غيرها ـ أقدر على تحقيق الغاية المعنوية ؛ فالحرف : «من» يدل على أن المضاف بعض المضاف إليه ... ، والحرف : «فى» يدل على أن المضاف إليه يحوى المضاف كما يحوى الظرف المظروف ... والحرف : «اللام» يدل على ملكية المضاف إليه للمضاف ، أو اختصاصه به بنوع من الاختصاص ... فمثال : «من» قول أعرابية لابنها الخارج إلى القتال ، وقد رأته متزينا :

حرام على من يروم انتصارا

ثياب الحرير ، وحلى الذهب

أى : ثياب من الحرير ، وحلى من الذهب. ومثال «فى» قول الشاعر :

ولقد ظفرت بما أردت من الغنى

بكفاح صبح ، واجتهاد مساء

أى : بكفاح فى صبح ، واجتهاد فى مساء. ومثال «اللام» قول الشاعر فى وصف الصحف :

لسان البلاد ، ونبض العباد

وكهف الحقوق ، وحرب الجنف (١)

أى : للبلاد ـ للعباد ـ للحقوق ـ للجنف.

ومن الواجب التنبه لما قلناه من أن الحرف الجارّ ـ فى الأمثلة السالفة وأشباهها ـ لا وجود له فى الحقيقة الواقعة ، ولا فى التقدير الذى يقوم مقامها ، وإنما وجوده مقصور على التخيل ، ومجرد النية. ولهذا لم يعمل الجر فى المضاف إليه ، ـ فى الرأى المشهور ـ ولم يحتاجا معا إلى عامل يتعلقان به ؛ إذ التعلق لا يكون إلا للجار والمجرور الحقيقيين الأصليين. وبالرغم من أن هذا الحرف خيالى محض فإن التصريح به جائز فى أكثر الإضافات المحضة (٢) ...

لكن أيصلح كل حرف من تلك الأحرف الثلاثة لكل إضافة محضة ؛ بحيث يصح أن يحل هذا الحرف محل ذاك ، والعكس ، بغير ضابط ولا اشتراط شىء ، أم أن الأمر فى الاختيار مقيد بشرط خاص ، وخاضع لضابط معين؟.

وبعبارة أخرى : أيباح استعمال كل واحد من الأحرف الثلاثة فى كل إضافة

__________________

(١) الميل عن الحق ـ الظلم.

(٢) سيجىء فى قسم «ا» ص ٢١ بعض الصور التى لا يصح فيها التصريح بحرف الجر

١٧

محضة ، أم أن لكل إضافة محضة حرفا واحدا يناسبها ، ولا يصلح لها سواه؟.

نعم لكل واحدة منها حرف يناسبها ، ولا يجوز اختيار غيره ، وإلا فسد المعنى المراد. ولهذا قالوا إذا صلح لواحدة أكثر من حرف جر وجب أن يختلف المعنى باختلاف الأحرف الجارة الصالحة ؛ لأن لكل حرف من الثلاثة معنى خاصّا به ، لا يؤديه غيره ، فلا يمكن أن تتفق المعانى فى إضافة واحدة مع اختلاف هذه الأحرف.

وفيما يلى بيان الضابط الذى يراعى عند اختيار أحد الأحرف الثلاثة : (وقد جرى الاصطلاح النحوى عند اختيار حرف منها أن يذكر اسم الحرف ؛ فيقال : الإضافة على معنى «من» (١) ـ أو : الإضافة على معنى : «فى» ـ أو الإضافة على معنى : «اللام»).

* * *

ا ـ تكون الإضافة على معنى : «من» ، إن كان المضاف إليه جنسا عامّا يشمل المضاف ، ويصح إطلاق اسمه على المضاف. وإن شئت فقل : أن يكون المضاف بعض المضاف إليه ، مع صلاحية المضاف لأن يكون مبتدأ خبره المضاف إليه (٢) ، من غير فساد للمعنى ، مثل : ثياب حرير ، حلى ذهب ... فالحرير : مضاف إليه ، وهو جنس عامّ ، يشمل أشياء كثيرة ؛ منها الثياب ، وغيرها. والذهب جنس عام يشمل أشياء متعددة ، منها الحلى وغيره ، فالمضاف فى الحالتين ـ ونظائرهما ـ بعض مما يشمله المضاف إليه ، ولو سمى باسم المضاف إليه لكانت التسمية صحيحة ، ولو وقع المضاف مبتدأ خبره المضاف إليه ما فسد المعنى ، فيصح ؛ الثياب حرير ـ الحلى ذهب ...

__________________

(١) هى «من البيانية» التى سبق بيانها وبيان أحكامها الأخرى فى باب حروف الجر ح ٢ ص ٣٣٨ م ٩٠.

(٢) إلا فى المسألة التى فى هامش الصفحة الآتية.

١٨

زيادة وتفصيل :

من الإضافة التى على معنى : «من» إضافة الأعداد إلى المعدودات ؛ نحو : اشتريت أربعة كتب. ويدخل فى هذا النوع إضافة العدد إلى عدد آخر ؛ نحو : عندى من الكتب ثلاثمائة (١).

ومنها : إضافة المقادير إلى الأشياء المقدّرة ؛ نحو : بعت فدان قطن.

وإذا كانت الإضافة على معنى : «من» جاز فى المضاف إليه أوجه إعرابية أخرى ، فيجوز أن يعرب بدلا ، أو عطف بيان ، وتزول بوجودهما الإضافة وتكون حركة آخره تابعة لحركة المتبوع الذى كان مضافا فى الأصل. كما يجوز أيضا ـ إن كان نكرة ـ نصبه على الحال أو التمييز بعد الاستغناء عن الإضافة ؛ ففى مثل : هذه ساعة فضة ، يصح إعراب : «فضة» مضافا إليه مجرورا ، والمضاف هو كلمة : «ساعة» ـ خبر مرفوع ، مجرد من التنوين. ويصح فى كلمة : «فضة» إعرابها بدلا ، أو عطف بيان ، فتكون مرفوعة ، تبعا لكلمة «ساعة» المرفوعة ، والتى يجب أن يرجع إليها التنوين فى هذه الصورة بعد زوال الإضافة. ويصح أيضا إعراب كلمة : «فضة» حالا أو تمييزا ؛ فيجب نصبها كما يجب تنوين كلمة : «ساعة» فى هذه الصورة أيضا ، بعد زوال الإضافة.

ولكل صورة إعرابية من الصور الصحيحة السالفة معنى يختلف عن الآخر ؛ لأن المعنى الذى يؤديه البدل أو عطف البيان يغاير ما يؤديه الحال أو التمييز ، وكذا ما يؤديه هذان ...

* * *

__________________

(١) عرفنا أنهم اشترطوا فى الإضافة التى على معنى : «من» أن يكون المضاف إليه جنسا للمضاف ... ، وأن يصح وقوع المضاف إليه خبرا عن المضاف. لكن هذا لا يتحقق فى إضافة العدد للعدد ؛ إذ لا يصح أن يقال : «الثلاث مائة ...» غير أنهم قالوا إن إضافة العدد للعدد هى على معنى «من» ولا يضر عدم صحة الإخبار فى الظاهر ؛ لأن المراد بالمضاف إليه هنا الجمع فيشمل المضاف. فالمقصود من المائة (وهى المفرد المضاف إليه) المئات ؛ فكأنك تقول : الثلاث مئات ... وبهذا التأويل يتحقق الشرط السالف.

وقد يقال : لا داعى للتأويل والتقدير ما دامت العرب قد نطقت بهذا ...

١٩

ب ـ تكون الإضافة على معنى : «فى» إن كان المضاف إليه ظرف زمان أو مكان واقعا فيه المضاف (١) : نحو : يحرص كثير من الناس على رحلة الشتاء إلى المشاتى ، ورحلة الصيف إلى السواحل البحرية. أى : رحلة فى الشتاء ، ورحلة فى الصيف. ونحو : قول شوقى فى وصف الظبى :

«عروس البيد ، الفاتن كالغيد ... إذا شرع فى السماء روقيه (٢) ، خلته دمية محراب ، أو شجيرة عليها تراب». يريد : عروس فى البيد ـ دمية فى محراب ...

ح ـ تكون الإضافة على معنى «اللام» إن كان معناها هو الذى يحقق القصد ، دون معنى : «من» أو «فى» ؛ كالإضافة التى يراد منها بيان الملك ، أو الاختصاص ، فى مثل : يضع العربى يده فى يد أخيه ، ويعاهده على النصر والتأييد والفداء. أى : يد له فى يد لأخيه. وقول شوقى يخاطب أبا الهول (٣) :

أبا الهول ، أنت نديم الزّمان

نجنى الأوان (٤) ، سمير العصر (٥)

أى : نديم للزمان ـ نجىّ للأوان ـ سمير للعصر ، فالإضافة فى هذه الصور وأشباهها على معنى : «اللام» ولا تصلح أن تكون على معنى «من» أو : «فى».

والغالب فى اللام الملحوظة أن تكون لبيان الملك أو الاختصاص (٦). فإن صلح فى مكانها ملاحظة حرف آخر وجب أن يقوم المعنى على ملاحظة الحرف الذى يحقق القصد ؛ لأن لكل حرف ـ كما أشرنا (٧) ـ معنى يؤديه ؛ فالحرف الذى يؤدى المعنى الذى يريده المتكلم يكون هو الحرف المطلوب.

__________________

(١) ليس من اللازم أن يكون المضاف إليه ظرفا حقيقيا للزمان أو المكان تنطبق عليه شروطهما ، وإنما الغرض أن يكون وعاء للمضاف ، وغلافا يحتويه. ويكفى أن تكون الظرفية مجازية.

(٢) قرنيه. ـ تثنية : قرن ـ

(٣) تمثال فرعونى من أقدم آثار الفراعين ، وأروعها صورة ، وأكملها إتقانا ، رأسه رأس إنسان وجسمه جسم أسد.

(٤) الزمن الحديث.

(٥) بمعنى : الدهر. أو : جمع عصر.

(٦) انظر رقم (١) فى الصفحة التالية ـ وقد سبق شرح هذا فى الجزء الثانى ، باب : «حرف الجر» ـ ص ٣٦٤ م ٩٠.

(٧) فى ص ١٨.

٢٠