فضائل القدس

أبي الفرج عبد الرحمن بن علي [ ابن الجوزي ]

فضائل القدس

المؤلف:

أبي الفرج عبد الرحمن بن علي [ ابن الجوزي ]


المحقق: الدكتور جبرائيل سليمان جبّور
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات دار الآفاق الجديدة
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٦٨

وأولاده ضربت أعناقهم بمخيم التتار وتوفوا مقتولين يوم دخول هولاكو بغداد في شهر صفر سنة ست وخمسين وستمئة (٨٢).

وانه كان لابن الجوزي عدا أبنائه الثلاثة الذين ذكرنا ست بنات ، احداهن رابعة والدة سبط ابن الجوزي والخمس الاخريات هن شرف النساء ، وزينب ، وجوهرة ، وست العلماء الكبرى ، وست العلماء الصغرى. وكلهن سمعن الحديث منه (٨٣) ويذكر الذهبي أن له أخا اسمه عبد الرزاق (٨٤).

كتبه

أشرت فيما سبق إلى كثرة تآليفة. وقد ذكر الحافظ الذهبي أنه لم يعرف أحدا من العلماء صنّف ما صنّف هذا الرجل (٨٥). كذلك أشار ابن خلكان إلى كثرة كتب ابن الجوزي وقال : «وبالجملة فكتبه أكثر من أن تعدّ ، وكتب بخطه شيئا كثيرا ، والناس يغالون في ذلك حتى يقولون أنه جمعت الكراريس التي كتبها ، وحسبت مدة عمره ، وقسمت الكراريس على المدة ، فكان ما خص كل يوم تسعة كراريس ، وهذا شيء عظيم لا يكاد يقبله عقل» (٨٦). وليس من شك في أن تعليق ابن خلكان صائب لأنه لو فرضنا أن ابن الجوزي بدأ التأليف في الخامسة والعشرين من عمره ، لبلغت تآليفه حسب هذه الرواية أكثر من مئتي ألف كراس ، وهذه تبلغ ألوف الكتب. وهو أمر لا يعقل. ولكن ليس من اللازم أن يدفعنا هذا إلى الشك في الرواية التي تذهب إلى أنه وضع أكثر من ثلاثمئة مؤلف ، كما شك الاستاذ مصطفى

__________________

(٨٢) ذيل فوات الوفيات ج ٤.

(٨٣) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣٢٥.

(٨٤) الذهبي (المشتبه) ١٢٧.

(٨٥) الذهبي (تذكرة) ٤ : ١٣٣.

(٨٦) انظر مقدمة ذم الهوى ، لمصطفى عبد الواحد (مصر ، ١٩٦٢) ص ١٣.

٤١

عبد الواحد في مقدمته التي وضعها لكتاب ابن الجوزي «ذمّ الهوى» حيث قال : «ورغم ما يذكرونه عن الاعداد الكثيرة لكتب هذا الرجل ، فان ما ذكر من اسمائها في كتب متفرقة لا يكاد يبلغ المئة». ولكي يدلل الاستاذ مصطفى على صحة رأيه ذكر أسماء الكتب التي أوردها الذهبي في «تذكرة الحفاظ» فبلغت أربعة وثلاثين ، ثم نقل أسماء الكتب التي ذكرها آخرون فكانت اثنين وثلاثين ، وبلغ المجموع ستة وستين ، أكثرها مخطوط. واكتفى بذلك. (٨٧). والغريب أنه لم يكلف نفسه الدقة في الاحصاء فعدد الكتب التي ذكرها الذهبي في كتابه تذكرة الحفاظ لابن الجوزي خمسة وخمسون وليس أربعة وثلاثين ومنها ما هو أكثر من مجلد اتبعها الذهبي بقوله : وأشياء كثيرة يطول شرحها كاختصار فنون ابن عقيل في بضعة عشر مجلدا. ثم عاد فروى عن سبط ابن الجوزي أنه سرد مصنفات جدّه فذكر منها خمسة كتب أخرى لم تذكر في الجدول السابق وأنهى الكلام بعبارة نقلها عن السبط المذكور ـ وهي ومجموع تصانيفه مئتان ونيف وخمسون كتابا (٨٨).

وليت بعد هذا الجهد الذي بذله في تحقيق الكتاب لم يتسرع الاستاذ مصطفى في ابداء حكمه بالنسبة إلى عدد مؤلفات ابن الجوزي. ولو كان رجع إلى كتاب مرآة الزمان الذي ألفه سبط ابن الجوزي ، وهو أقدم مصدر وأفضل مصدر لدرس حياة ابن الجوزي ، أو إلى كتاب الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب ، أو إلى كتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحجي خليفة ،

__________________

(٨٧) مصطفى عبد الواحد في مقدمته لكتاب ذم الهوى لابن الجوزي الذي نشره ص ١٣ ـ ١٤ حيث بدأ حديثه عن كتب ابن الجوزي بقوله : «شاعت لابن الجوزي شهرة في كثرة التآليف واحاطت المبالغة بعدد كتبه : ذكر ابن العماد الحنبلي ان ابن الجوزي سئل عن عدد تصانيفه فقال : زيادة على ثلاثمئة واربعين مصنفا.

(٨٨) الذهبي (تذكرة) ٤ : ١٣٢ ـ ١٣٣ و ١٣٤.

٤٢

وهو يذكر الكتب التي اطلع عليها بالفعل ، ويذكر مقدماتها ، أو لو رجع على الأقل إلى كتاب بروكلمن في تاريخ آداب اللغة العربية (باللغة الالمانية) وملحقاته ، وهي كتب كان يجب أن يرجع اليها ، لرأى أنه اشتط كثيرا في حكمه. فانه بالرغم من المبالغة التي أشرنا اليها في زعمهم أنه كان يكتب تسع كراريس في اليوم ، أو حتى أربع كراريس ، كما في رواية أخرى ، نرى أنه بالفعل ألّف أكثر من ثلاثمئة كتاب. وقد حاولت منذ نحو ثلاثين سنة حين نسخت مخطوطة فضائل القدس وأنا في جامعة برنستون أن أدوّن أسماءها فبلغت ثلاثمئة وتسعا وثلاثين. ورد منها في مرآة الزمان أكثر من مئتين عرّفها سبطه باسمائها الكاملة أحيانا ، والمختصرة أحيانا أخرى. وورد منها في كشف الظنون مئة كتاب ، منها قسم لم يذكره السبط ، ولم يكتف حجي خليفة بذكر أسماء الكتب بل كان يدون ما ورد في فواتح أكثرها ، مما يدل على أنه كان ينقل من نسخ رآها. وورد في كتاب بروكلمن نحو مئة وأكثر نقل أسماءها عن مكتبات تحفظها في هذا العصر ، وورد في الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب نحو مئتين. هذا عدا ما وقعت عليه في فهارس بعض المكتبات المنشورة التي استطعت الوصول اليها في مكتبة جامعة برنستون.

وفي سنة ١٩٦٥ وضع الاستاذ عبد الحميد العلوجي دراسة في مؤلفات ابن الجوزي ، ظهرت في كتاب مستقل ، فيه احصاءات عن عدد كتبه ومواضيعها وغير ذاك ، فبلغت عنده ثلاثمئة وأربعة وثمانين. منها ٢٧ في القرآن وعلومه ، و ٤٢ في الحديث ورجاله وعلومه ، و ٥٤ في المذاهب والأصول والفقه والعقائد ، و ١٤٣ في الوعظ والاخلاق والرياضيات ، و ١٠ في الطب و ١٦ في الشعر واللغة و ٦٤ في التاريخ والجغرافيا والسير والحكايات و ١١ في الحكايات والقصص ، و ١٠ في التاريخ ، و ٧ في

٤٣

التاريخ الجغرافي (٨٩) ، وهذا العدد لا يختلف كثيرا عمّا ذكره ابن العماد الحنبلي حين قال : «ان ابن الجوزي سئل عن عدد تصانيفه ، فقال : زيادة عن ثلاثمئة وأربعين مصنفا ، منها ما هو عشرون مجلدا أو أقل» (٩٠). وذكر سبط ابن الجوزي عن جده أنه أشار في قصيدة نظمها في منفاه إلى عدد كتبه وذكر أنها تزيد عن ثلاثمئة (٩١). ويجب أن نذكر هنا أن أكثر تآليفه كانت سماعا من شيوخه ، أو نقلا من بعض الكتب. وقد ذكر مرة عن ابن عقيل الحنبلي أحد شيوخه ، أنه وضع كتابا كبيرا اختصر منه عشر مجلدات فرقها في تصانيفه (٩٢).

ومع تسليمنا بأن أسماء الكثير من الكتب ترد بأشكال مختلفة ، وهي بالأصل اسم لكتاب واحد ، وذلك إما لخطأ النساخ في قراءة الاسم ، أو لضعف ذاكرة الرواة ، واعتماد البعض على معنى العنوان ، فيوردون اسما جديدا حين لا يذكرون الاسم تماما ، ويشتبه الامر على المتأخرين ، فترد أسماء متعددة للكتاب الواحد ، ككتاب لفتة الكبد إلى نصيحة الولد ، فقد ورد اسمه لقبة الكبد ، وورد مختصرا لقية الكبد. في بعض المصادر ، ولعنة الكيد في البعض الآخر ، ومثله سيرة عمر ابن عبد العزيز ، فقد ورد مناقب عمر ابن عبد العزيز ، وفضائل عمر ابن عبد العزيز. وبرغم أن

__________________

(٨٩) العلوجي ٢٢٢ ـ ٢٣٩ وفي الكتاب دليل نقدي مقارن لكتب ابن الجوزي من ص ٦٣ ـ ٢٠٣ بلغت ارقام عددها ٥١٩ منها ما كرر ذكر الكتاب بأسماء مختلفة وعند اسم كل كتاب اشارة الى اين ذكر في المصادر المختلفة وقد نقل اسماء هذه الكتب الثلاثمئة والاربعة والثمانين الاستاذ محمد بحر العلوم عن كتاب العلوجي في مقدمته لكتاب اخبار الظراف والمتماجنين من ص ٧٣ ـ ١١٢.

(٩٠) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣١.

(٩١) سبط ابن الجوزي ٨ :. ولا نتقيد بحرف هذه الرواية التي زعم فيها سبطه انه سمعه يقول على المنبر في اخر عمره : «كتبت باصبعي هاتين الفي مجلدة وتاب على يدي مئة الف مسلم واسلم على يدي الف يهودي ونصراني ٨ : ٣١١.

(٩٢) سبط ابن الجوزي ٨ : ٥١.

٤٤

هذا الأمر لو وقع فهو قليل ، لأنه لا يخفى الآن على الباحث المتخصص ، فان ما يبقى من أسماء الكتب التي أحصيتها أو التي ذكرها الاستاذ العلوجي يفوق الثلاثمئة. ويمكن أن يضاف اليها ما قد يوجد في مكتبات منتثرة في كل أقطار العالم مما لم توضع لها فهارس ، ولا سيّما في الأقطار الشرقية في الهند وايران وأفغانستان وباكستان وتركيا ، هذا عدا ما في بعض المكتبات الخاصة التي لا يعرف عنها شيء بعد. زد على هذا كله أنه يمكن أن نقع على أسماء كتب لابن الجوزي في المصادر القديمة ، ضاعت ولم يبق لها أثر في فهارس المكتبات أو الجداول المنشورة في الكتب ، فابن العماد الحنبلي لم يذكر شيئا من كتب ابن الجوزي في ترجمته لسيرته ، ولكنه حين أتى عرضا على ذكره في ترجمته لسيرة أحد أساتذته ، أشار إلى أن ابن الجوزي ذكر استاذه هذا في عدة مواضع من كتبه ، وعدّ خمسة ، بينها واحد اسمه طبقات الاصحاب المختصرة» (٩٣) ، ولم أقع على ذكر لهذا الكتاب لا في مرآة الزمان ، ولا في تاريخ ابن الفرات ، حيث ذكر له الأخير ٨٧ مؤلفا (٩٤).

ومن الممتع أن ألاحظ هنا ، أنه بعد أن صدر كتاب الاستاذ عبد الحميد العلوجي القيّم في مؤلفات ابن الجوزي ، وأصبح من المراجع الهامة في هذا الباب ، ورد مقال في مجلة المورد العراقية (المجلد الأول والعددان الأول والثاني) (٩٥). كتبه الاستاذ محمد باقر من جامعة انديانا في الولايات المتحدة ، أشار فيه إلى وجود عدد آخر من تآليف ابن الجوزي ، لم تذكر في كتاب الاستاذ العلوجي. وقد ذكر أسماءها وأشار إلى وجودها في مكتبات معروفة بعد اطلاعه على فهارس لم يطلع عليها الاستاذ العلوجي. فليس غريبا كما قلت ، أن يكون في بعض المكتبات الخاصة كتب أخرى لم تكشف

__________________

(٩٣) ابن العماد الحنبلي ٤ : ١١٦.

(٩٤) ابن الفرات المجلة ٤ ج ٢ ص ٢١١ ـ ٢١٥.

(٩٥) وزارة الاعلام ـ الجمهورية العراقية ١٩٧١.

٤٥

بعد. ولا بدّ من اشارة هنا إلى أنه قد طبع من كتب ابن الجوزي حتى هذا العام ١٩٧٩ نحو أربعين مؤلفا ، وورد في نشرة معهد المخطوطات في مصر ما يفيد أن هناك كتبا لابن الجوزي تحقق الآن للنشر.

بعض نواحي خلقه

قال سبطه عنه أنه كان زاهدا في الدنيا متقللا منها ، وما مازح أحدا قط ، ولا لعب مع صبي ، ولا أكل من جهة الا تيقن حلها (٩٦). وكان ينتقد الفقهاء الذين يأخذون أجرا على فقههم. ومن يقرأ كتاب تلبيس إبليس أو صفة الصفوة يدرك حبّه للاتقياء ، وثناءه على المخلصين في الدين ، ومن هم على طريقة السلف الصالح وانكاره للسماع والغناء واعتباره الاستماع إلى المغنيين والمغنيات وآلات الطرب في حفلات اللهو من المحرمات (٩٧). ويلاحظ من خبر له مع أمير الحاج ذكرناه (٩٨) ، ومع صهره ، أنه كان مخلصا في عقيدته ، وفي تعليمه ، وفي وعظه ، ديّنا بحيث زعم أنه لما تحقق أن صهره زوج ابنته ست العلماء كان يبدو منه ما يدل على سوء عقيدته ، هجره سنين ، ولما مات لم يصلّ عليه. كذلك نقل عنه سبطه أنه ذكر في كتبه الشيخ ابن الحداد الحنبلي ، وكيف تغيّر اعتقاده حين قرأ كتب الفلاسفة ، ثم قال : «وكان يبدو من فلتات لسانه ما يدل على سوء عقيدته ، وتارة يشير إلى عدم بعث الأجساد ، ويعترض على القضاء والقدر ، ثم يقول : فلما تحقق هذا عندي ، هجرته سنين ، ولما مات لم أصلّ عليه» (٩٩).

__________________

(٩٦) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣٠.

(٩٧) ابن الجوزي (تلبيس) ٢٢٧ ـ ٢٣٦.

(٩٨) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٢٤.

(٩٩) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٢٤.

٤٦

ومع أنه كان يعارض أهل بعض المذاهب الأخرى. ولا سيّما الشيعة ، فانه حين اضطهده خادم المقتفي لجأ إلى الله تعالى ، واكتفى بأن دعا عليه. وكان يشيد في كتبه بالأمانة والصدق والعفة كما نرى في كتابه «ذمّ الهوى» ، وفي كتابه «صفة الصفوة». وهو يحب الحقّ في المناظرة ، فتراه يقول : «ومن ذلك أحدهم يتبين له الصواب مع خصمه ، ولا يرجع ، ويضيق صدره كيف ظهر الحق مع خصمه ، وربما اجتهد في رده مع علمه أنه الحق ، وهذا من أقبح القبائح ، لأن المناظرة إنما وضعت لبيان الحق» (١٠٠).

ويظهر من مجالسه ووعظه ، وتهافت الناس على حضورها وسماعه ، وتوبة الكثيرين على يديه ، أنه كان ديّنا حقّا ومخلصا في عقيدته. وقد شهد بذلك الرحالة ابن جبير كما رأينا حين حضر مجالسه ، وأثنى عليه في كتاب رحلته ، وذكر التائبين على يديه ، وكيف كان يملأ الناس انابة وندامة.

ومع أن سبطه ذكر عنه أنه ما مازح أحدا قطّ ، فاننا نرى في اخباره أنه كان على رزانته يحب المزاح اللطيف والمفاكهة ، بحيث قال عنه ابن العماد الحنبلي (وقد أكثر النقل عنه) : «وله مجون لطيف ومداعبات حلوة» (١٠١). وقال عنه ابن الفرات : «وكان له على المنبر نكت لطاف ، ومعاني [كذا] طراف ، على طريقة البغداديين ، لا يكاد يفهمها غيرهم. كان يتخالع فيها ويتمازح» (١٠٢). منها واحدة تدل على نباهته وسرعة خاطره ، فقد زعموا «أنه وقع النزاع ببغداد بين أهل السنة والشيعة في المفاضلة بين أبي بكر وعلي (رضي الله عنهما) ، فرضي الكل بما يجيب الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي ، فأقاموا شخصا يسأله عن ذلك وهو على الكرسي في مجلس

__________________

(١٠٠) ابن الجوزي (تلبيس) ١٢٠.

(١٠١) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣٠.

(١٠٢) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٦.

٤٧

وعظه. فقال : «أفضلهما من كانت ابنته تحته» ، ونزل في الحال. حتى لا يراجع ، فقالت السنّة : أبو بكر (رض) لأن ابنته عائشة (رض) تحت رسول الله (ص). وقالت الشيعة : هو علي بن أبي طالب (رض) لأن فاطمة (رض) ابنة رسول الله (ص) تحته» (١٠٣).

وكان في العهد الذي كتب فيه كتاب الحمقى والمغفلين ، (أو المغفلين كما يسميه سبطه) أن جاءه شخص اسمه نصر ابن منصور الحرّاني يعاتبه ، لأنه وضع اسمه بين المغفلين ، «وكان هذا اشترى مملوكا بألف دينار وجهّزه إلى بلاد الترك ولم يعد. فجعله ابن الجوزي من المغفلين. فلما بلغ نصر أتى فعاتبه وقال : أنا من جملة المحببين والمبغضين وأنت تلحقني بالمغفلين؟ فقال له ابن الجوزي : بلغني كذا وكذا وكيف يعود اليك المملوك وقد صار ببلاده ومعه الف دينار؟ فقال نصر : فان عاد؟ قال ابن الجوزي : أمحو اسمك واكتب اسمه» (١٠٤).

أدبه

ليس هنا موضع البحث في قيمة هذا العدد الضخم من الكتب التي ألّفها ، وفي اثرها العلمي والأدبي ، أو حتى البحث في علم مؤلفها ، أو في تحليل الكتب التي نرى فيها نزعة أدبية ، ولكني أود أن أقول أن ابن الجوزي لم يكن من الكتاب المتأنقين الذين قصدوا أن يكتبوا بأسلوب أدبي فني خاص ، فقد غلبت في كتبه النزعة التاريخية والاسلوب التاريخي في

__________________

(١٠٣) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٦ والذهبي (تذكرة) ٤ : ١٣٤ حيث قال : فألقى هذا القول في اودية الاحتمال ، ورضي الفريقان لجوابه.

(١٠٤) مرآة الزمان ٨ : ١٤٢ وقد روى هذه القصة سبط ابن الجوزي بمناسبة وفاة نصر ابن منصور سنة ٥٥٣ وتناقلها المؤرخون بعده ولكن اسم نصر ابن منصور لم يرد في كتاب الحمقى والمغفلين.

٤٨

سرد الأخبار ، وكان حريصا في الكثير منها على التقيّد بالاسناد. ولعل كثرة دراسته للحديث وحفظه لاسانيده قوّت هذا الحرص على الاسانيد في أخباره ، سواء أكانت عن شيوخ تتلمذ عليهم ، أم من كتب مسندة قرأها وحافظ على أسانيدها. نستثني بعض مقدمات كتبه التي راعى فيها الاسلوب المألوف في عصره من سجع منمّق ، ولكنه في هذه المقدمات المسجوعة ماهر يأتي السجع معه في أغلب المواضع بشكل فني جميل بارع قليل التكلف. وتختلف مقدمات هذه الكتب باختلاف تاريخ تأليفها. فاذا تركنا المقدمات نرى أسلوبه أقرب إلى أسلوب الكتاب في هذا العصر منه إلى أسلوب أكثرية الكتاب في عصره ، فهو بعيد عن التأنق والبديع والاستعارات الجافة ، تنساق فيه الألفاظ مع المعاني التي يريدها انسياقا طبيعيا ، لا تكلف ولا صنعة فيه ، فهو يقول مثلا : «كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة ، فأخرج في طلب الحديث ، وأقعد على نهر عيسى. فلا أقدر على أكلها إلا عند المساء ، فكلّما أكلت لقمة شربت عليها» ويقول في فتح بيت المقدس : «وما زال بيت المقدس مع الكفار إلى سنة ثلاث وثمانين وخمسمئة ، فقصده صلاح الدين النائب هناك عن أمير المؤمنين الناصر لدين الله ، بعد أن ملك ما حوله ، فوصل الخبر الينا في سابع وعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين ، أن يوسف ابن أيوب الملقب بصلاح الدين فتح بيت المقدس وخطب فيه بنفسه وصلّى فيه».

ويقول في تلبيس ابليس على العباد في العبادات.

«اعلم أن الباب الأعظم الذي يدخل منه ابليس على الناس هو الجهل. فهو يدخل منه على الجهال بأمان. وأما العالم فلا يدخل عليه إلا مسارقة وقد لبس ابليس على كثير من المتعبدين بقلّة علمهم» ص ١٣٤.

ويروي خبرا في باب التنديد بالرقص عن سعيد ابن المسيب أنه سمع

٤٩

شعرا أطربه فضرب برجله الأرض زمانا وقال هذا مما يلذ سماعه : فينكر الخبر ثم يقول :

لو قدرنا أن ابن المسيّب ضرب برجله الأرض فليس في ذلك حجة على جواز الرقص. فان الانسان قد يضرب الأرض برجله أو يدقها بيده لشيء يسمعه ولا يسمّى ذلك رقصا فما أقبح هذا التعليق. وأين ضرب الأرض بالقدم مرة أو مرتين من رقصهم الذين يخرجون به عن سمت العقلاء (تلبيس) ٢٥٩.

كذلك تميز ابن الجوزي بالوعظ واكثر كتبه تدور على الوعظ فقد قضى معظم حياته يعظ في الجوامع والمجالس وقد ذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية عنه أنه تفرد بهذا الفن ـ فن الوعظ ـ الذي لم يسبق إليه ، ولا يلحق شأوه فيه وفي طريقته وشكله. وأشار إلى أن أسلوبه في الوعظ كان فصيحا بليغا عذبا حلو الترصيع نافذا يغوص فيه على المعاني العويصة ويقرب الاشياء الغريبة فيما يشاهده من الامور الحسية بعبارة وجيزة سريعة الفهم والادراك بحيث يجمع المعاني الكثيرة في الكلمة اليسيرة (١٠٥) وقال الذهبي : وإليه المنتهى في النثر والنظم الوعظي (١٠٦).

ويجب أن نلاحظ هنا أنه كتب في اللغة والأدب ، وكان له ذوق أدبي فائق في اختياره للاشعار التي أوردها لشعراء الغزل في كتابه «ذم الهوى» ، واختيار المرء رائد عقله ، وكان هو نفسه شاعرا ، وقال ابن خلكان عنه إن له أشعارا لطيفة ذكر بعض أبيات منها ، ثم قال : «وله أشعار كثيرة». أما الأبيات التي أوردها له فقد تناقلها بعده أكثر الذين أرخوا حياته ، وفيها

__________________

(١٠٥) ابن كثير ج ١٣ ص ٢٨.

(١٠٦) الذهبي «تذكرة» ٤ : ١٣٥.

٥٠

يعتب على أهل العراق ، كما عتب على أبناء مذهبه الذين حسدوه. قال :

عذيري من فتية بالعراق

قلوبهم بالجفا قلّب

يرون العجيب كلام الغريب

وقول القريب فلا يعجب

ميازيبهم إن تندّت بخير

إلى غير جيرانهم تقلب

وعذرهم عند توبيخهم

«مغنيّة الحيّ لا تطرب» (١٠٧)

وقال عنه ابن العماد الحنبلي : «ونظم الشعر المليح» ولكنه لم يذكر لنا شيئا من شعره (١٠٨). أما ابن الفرات فقد ذكر أن لابن الجوزي شعرا كثيرا ، وديوانا كبيرا ، ثم ذكر له بيتين يعاتب فيهما بغداد ، أو أهل بغداد ، ويضمنهما القول المشهور «هوى كل نفس حيث كان حبيبها» فيقول :

وكنّا نرى بغداد أطيب منزلا

فلما تباعدنا استبانت عيوبها

وصح لنا قول الذي كان قائلا

هوى كل نفس حيث كان حبيبها (١٠٩)

وروى أبو شامة في «الذيل على الروضتين» أن لأبي الفرج أشعارا كثيرة وذكر منها قوله :

يا صاحبي إن كنت لي أو معي

فعج على وادي الحمى نرتع

وسل عن الوادي وسكانه

وانشد فؤادي في ربى المجمع

حيّ كثيب الرمل رمل الحمى

وقف وسلّم لي على لعلع

واسمع حديثا قد روته الصبا

تسنده عن بانة الاجرع

__________________

(١٠٧) راجع دائرة المعارف (اللبنانية) تحت اسم ابن الجوزي وانظر ابن خلكان نشر احسان عباس ج ٣ ص ١٤٢.

(١٠٨) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٢٩.

(١٠٩) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٦.

٥١

وابك فما في العين من فضلة

ونب فدتك النفس عن مدمعي

وانزل على الشيح بواديهم

وقل ديار الظاعنين اسمعي

رفقا بنضو قد براه الأسى

يا عاذلي لو كان قلبي معي

لهفي على طيب ليال خلت

عودي تعودي مدنفا قد نعي

إذا تذكرت زمانا مضى

فويح أجفاني من مدمعي

يا نفس كم أتلو حديث المنى

ضاع زماني بالمنى فاقطعي (١١٠)

ونقل عن الشيخ تاج الدين البغدادي الشهير بابن الساعي ، خازن كتب المستنصرية ، ثناء عظيما على تآليف ابن الجوزي ، قال في آخره : وله شعر كثير وهو أدنى فضائله ، ذكرت منه تبريكا به قوله :

سلام على الدار التي لا نزورها

على أن هذا القلب فيها أسيرها

إذا ما ذكرنا طيب أيامنا بها

توقّد في نفسي الذعور سعيرها

رحلنا وفي سير الفؤاد ضمائر

إذا هبّ نجديّ الصبا يستثيرها

محت بعدكم تلك العيون دموعها

فهل من عيون بعدها نستعيرها

أتنسى رياض الروض بعد فراقها

وقد أخذ الميثاق منك غديرها

ألا أيها الركب العراقي بلّغوا

رسالة محروق حواه سطورها

إذا كبتت أنفاسه بعض وجدها

على صفحة الذكرى محاه زفيرها

ترفق رفيقي هل بدت نار أرضهم

أم الوجد يذكي ناره ويثيرها

أعد ذكرهم فهو الشفاء وربما

شفا النفس أمر ثم عاد يضيرها

إلا أن أزمان الوصال التي خلت

وحين خلت خلّت وجاء مريرها

__________________

(١١٠) ابو شامة ص ٢٤.

٥٢

سقى الله أياما مضت ولياليا

تضوّع رياها وفاح عبيرها (١١١)

وقد ورد في ثبت أسماء كتبه مجموعتان شعريتان ، الواحدة منظومة في الحديث ، لا نعدها من الشعر الذي يحسب له حساب ، وإن لم نرها ، والثانية فيها أشعار في عشر مجلدات. ولا نستطيع الحكم على شاعريته قبل الاطلاع عليها. وقد بدا لنا شيء من الغرابة أنه لم يذكر شيئا من شعره في كتابه ذم الهوى ، الذي ملأه بشعر المحبين ، ولو على سبيل المعارضة كما فعل قبله ابن عبد ربه في عقده ، حيث عارض بعض الشعراء السابقين ، وأضاف إلى أقوال المتقدمين. ومهما يكن من أمر ، فان هذه الأبيات القليلة التي دونّا بعضها تدل على ذوق شعريّ ، وفيها رقة وسلاسة.

ولا بدّ لي من أن أشير هنا إلى أن محقق كتاب أخبار الظرفاء والمتماجنين الاستاذ محمد بحر العلوم قد قدّم للكتاب في الطبعة الثانية التي اطلعت عليها بمقال قيّم فيه دراسة طويلة وعرض لكتبه المختلفة ولم يفته أن يلتفت إلى هذه الناحية الأدبية في حياة ابن الجوزي وإلى الموهبة الشعرية التي كانت عنده وغمرتها كثرة تآليفه الأخرى فوصفه بالشاعر المغمور واستطاع أن يجمع لابن الجوزي مقتطفات من شعره من بين ثنايا الكتب والمجاميع بلغت أكثر من مئة بيت نقل أكثرها عن ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب ومنها قصيدة «سلام على الدار» المذكورة في أعلاه وغيرها من المقتطفات. ثم قال في آخرها : «أكاد أجزم أن لابن الجوزي طابعا رائعا في الشعر

__________________

(١١١) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٦. لم اقع على اثر لهذه القصيدة في الجزء التاسع من كتاب ابن الساعي الجامع المختصر غير انه يذكر ان ابن الجوزي كان من الذين عرفوا ايضا بنظم الشعر العامي البغدادي المعروف (بالكان وكان) وهو شعر ليس له وزن معلوم ولا يتقيد بحركات الاعراب ج ٩ ص ج كذلك يذكر ابن كثير في البداية والنهاية ص ٢٩ ان لابن الجوزي من النظم والنثر شيئا كثيرا جدا وان له كتابا اسمه لقط الجمان في كان وكان».

٥٣

نستطيع أن نضع عليه بعض اللمسات الشعرية من خلال هذه المقتطفات التي أثبتناها وهي تشير إلى شاعرية حيّة كان يتمتع بها» (١١٢).

وكان أثره عظيما ، فكثيرون هم الذين نقلوا أو كتبوا عنه. نذكر منهم سبطه يوسف في مرآة الزمان وابن فضل الله العمري «في مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» وابن الفرات في تاريخه ، وابن رجب في كتابه الذيل على طبقات الحنابلة ، وابن خلكان في وفيات الأعيان ، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب ، وابن جبير في رحلته ، والذهبي في تذكرته (١١٣) ، وجلال الدين السيوطي في غير كتاب واحد ، عدا الكثيرين غيرهم. وكان اسمه محاطا بالاكرام والتبجيل ، ينعت بأحسن النعوت والألقاب ، فهو في بعض الكتب : شيخ الامة ، وعلم الأئمة ، وناصر السنّة ، وفي بعضها الآخر : شيخ الاسلام وسيّد الفقهاء ، وشرف الحفاظ ، ومفتي الفرق ، وفي أخرى : الشيخ الامام العلامة الأوحد. وفي أخرى : الامام العلامة الحافظ ، عالم العراق وواعظ الآفاق.

بقي أن أذكر في الختام ، أن ما نشر من كتب ابن الجوزي هو عدد قليل من مؤلفاته ولكنه يفوق الأربعين كتابا وأرى من الخير أن أذكرها هنا.

١) أخبار أهل الرسوخ (القاهرة ، ١٣٢٢ ه‍).

٢) أخبار الحمقى والمغفلين (دمشق ١٣٤٥ ه‍).

٣) أخبار الظرفاء والمتماجنين (النجف ١٩٦٧ م).

٤) أخبار النساء (دمشق ، ١٣٤٧ ه‍).

__________________

(١١٢) محمد بحر العلوم في مقدمته لكتاب اخبار الظراف والمتماجنين (النجف ، ١٩٦٧) ص ٢٤ ـ ٣٣.

(١١٣) الذهبي (تذكرة) ٤ : ويذكر عددا من الشيوخ الذين حدثوا عنه وعددا اخر بالاجازة.

٥٤

٥) الاذكياء (دمشق ، ١٩٧١ م).

٦) بستان الواعظين ورياض السامعين (القاهرة ، ١٩٦٣ م.).

٧) تاريخ عمر ابن الخطاب (القاهرة ، ١٩٢٤ م.).

٨) التاريخ والمواعظ (بغداد ١٣٤٨ ه‍.).

٩) تبصرة الاخيار في ذكر نيل مصر وأخواته من الأنهار (دمشق ١٣٤٤ ه‍)

١٠) تحفة الواعظ ونزهة الملاحظ (بغداد .....)

١١) التحقيق في أحاديث الخلاف (القاهرة ، ١٩٥٤ م.).

١٢) تقويم اللسان (القاهرة ، ١٩٦٦ م.).

١٣) تلبيس إبليس (القاهرة ، ١٩٢٨ م.).

١٤) تلقيح فهوم الأثر في التاريخ والسير (دهلي ، ١٨٦٩ و ١٩٢٧ م.).

١٥) تنبيه النائم الغمر على حفظ مواسم العمر (ط. الجوائب ، ١٨٨٥ م).

١٦) دفع شبهة التشبيه والردّ على المجسمة (دمشق ، ١٣٤٥ ه‍.).

١٧) ذمّ الهوى (القاهرة ، ١٩٦٢ م.).

١٨) الذهب المسبوك في سير الملوك (بيروت ، ١٨٨٥ م.).

١٩) روح الأرواح (القاهرة ، ١٣٠٩ ه‍.).

٢٠) رؤوس القوارير (القاهرة ، ١٩١٤ م.).

٢١) زاد المسير في علم التفسير (دمشق ، ١٩٦٧ م.).

٢٢) سلوة الأحزان (أنظر نشرة معهد المخطوطات في جامعة الدول العربية ١٥ ـ ١٠ ـ ١٩٧١).

٢٣) سيرة (أو مناقب) عمر ابن عبد العزيز (القاهرة ، ١٣٣١ ه‍.)

٢٤) صفة الصفوة (حيدر آباد ١٣٥٥ ـ ٦ ه‍).

٢٥) صيد الخاطر (دمشق ، ١٩٦٠ م.).

٥٥

٢٦) الطب الروحاني (دمشق ، ١٣٤٨ ه‍.).

٢٧) القرامطة (بيروت ، ١٩٦٨ م.).

٢٨) القصاص والمذكرون (بيروت ، ١٩٧١ م.).

٢٩) لفتة الكبد إلى نصحة الولد (مصر ، ١٣٤٩ ه‍.).

٣٠) المدهش في علوم القرآن والحديث الخ. (بغداد ، ١٣٤٨ ه‍.).

٣١) ملتقط الحكايات (القاهرة ، ١٣٠٩ ه‍.).

٣٢) مناقب الامام احمد ابن حنبل (القاهرة ، ١٣٤٩ ه‍.).

٣٣) مناقب بغداد (بغداد ، ١٣٤٢ ه‍.).

٣٤) مناقب الحسن البصري (القاهرة ، ١٩٣١ م).

٣٥) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (حيدر آباد ، ١٣٥٧ ـ ٨ ه‍).

٣٦) مولد النبي (القاهرة ، ١٩٢٦ م.).

٣٧) نقد العلم والعلماء (القاهرة ، ١٣٤٠ ه‍.).

٣٨) الوفا بأحوال المصطفى (القاهرة ١٩٦٦ م.).

٣٩) ياقوتة المواعظ والموعظة (القاهرة ، ١٣٢٢ ه‍.).

وهناك مختصرات لبعض الكتب أذكر منها.

٤٠) مختصر مناقب عمر ابن عبد العزيز (ليبزك ، ١٨٩٩ م.).

٤١) مختصر مناقب بغداد (بغداد ، ١٩٦٢ م.).

٤٢) تلخيص التبصرة (دمشق؟).

٤٣) منتخب قرة العيون النواظر من الوجوه والناظئر ...

(الاسكندرية ١٩٨٠) (هذا الكتاب صدر بعد طبع الرسالة)

وهناك غير ذاك ألوف من المخطوطات العربية التي لم تنشر بعد ، منتثرة في أقطار العالم المختلفة ، فحبذا لو تتعهد هذا التراث العظيم دولة أو مؤسسة

٥٦

عربية غنية ، تجنّد له رهطا من العلماء المتخصصين ، ليقوموا بجمع أشتاته ، ودرسه ، وتحقيقه ، ونشره ، فان في هذا خدمة للغتنا ، وحفظا لتراث أمتنا ، وتقديرا لسلفنا الصالح. وان مثل هذا العمل هو الذي يبقى ، وهو الذي يدوم ، ولمثل هذا فليعمل العاملون.

ومع هذا كله فانه لم يسلم من ألسنة النقّاد من بعض النواحي ، فقد أثنى عليه الشيخ موفق الدين المقدسي ، ولكنه قال بعد ثنائه : «إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنّة ولا طريقته» (١١٤) وقال ابن رجب : «نقم عليه جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم ميله إلى التأويل في بعض كلامه ، واشتدّ نكيرهم عليه» (١١٥) وذكر حجي خليفة أن الواحدي انتقده وضعفه (١١٦) وكذلك فعل ياقوت الرومي فقد ذكره في معجم الأدباء ، وروى من تاريخه سنة وفاة قدامة ابن جعفر ، ثم علق على ذلك بقوله : «وأنا لا أعتمد على ما تفرّد به ابن الجوزي ، لأنه عندي كثير التخليط (١١٧). حتى ابن الفرات نفسه فانه قال عنه : «كان كثير الغلط فيما يصنفه ، وأشار بالفعل إلى شيء من أغلاطه (١١٨). ومثله الذهبي وقد أثنى عليه كثيرا ولكنه نقل عن بعضهم أن ابن الجوزي كان كثير الغلط فيما يصنفه فعلق عليها : قلت : نعم له وهم كثير في تآليفه ٤ : ١٣٦.

ويجب أن نلاحظ أنه كان كثير التأليف ، ولهذا فهو ينقل كثيرا من الأخبار

__________________

(١١٤) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣١.

(١١٥) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣١.

(١١٦) حجي خليفة ١ : ٧٩.

(١١٧) ياقوت ـ (م. الادباء) ج ١٧ ص ١٣.

(١١٨) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١١.

٥٧

دون أن يتسع له الوقت لدرسها وتمحيصها ، فيصبح عرضة للخطأ فيما ينقل أو يكتب. وقد رأينا بالفعل أنه ينقل أخبارا لا يمكن أن يقبلها العقل ، فهو يوردها مسندة أحيانا ، ولا ينقدها كما كان علماء الحديث يتحرون في نقل الحديث ، بل يمرّ بها مرورا يشعر معه القارىء أنه يقبلها.

ومن الخير أن أشير مرة ثانية إلى أن بعض أسماء هذه الكتب وردت بشكل آخر في بعض المصادر أو مسبوقة بكلمة كتاب أو كلمة سيرة بدل مناقب وقد أدرجتها مرتبة على حروف الهجاء لا على تاريخ صدورها ليسهل الرجوع اليها. ومنها ما طبع غير مرة واحدة وبأسماء مختلفة.

٥٨

٥٩

٦٠