صفة جزيرة العرب

الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني

صفة جزيرة العرب

المؤلف:

الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني


المحقق: محمّد بن علي الأكوع الحوالي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

إلى الغولة الفيحاء تهوي بفتية

اصرّبهم منا سرى وسهود

وقد فارقت داري جماع وأهلها

إليك وفيها ثروة وعديد

ودار أطاف الكرم والزرع حولها

وما بينها أطم تنيف مشيد

ومالت إلى أجزاع حيفة ضمّرا

شوازب في تسيارهن وئيد

فلما رأينا من أزال قصورها

تبادر منا مخبر وبريد

ولم نر إلا مردف الأرض رحلة

لاعظامها دارا ونحن حفود

ابا المنذر الفياض يا خير حمير

وخير بني ذهل إليك تريد

تريد نوالا من سجال غزيرة

فأنت لها في النائبات مفيد

شوازب قد تطوى نقيلا وسبسبا

وروحا بليل قرّهنّ شديد

وقطعن تيه الأرض من دمنتي دفا

إليك وقد تعطي المنى وتزيد

صرفت إليك القوم تدمي كلومهم

ليدمل قرح منهم ولهود

ويرتاش قدح منهم ذو تمرط

ويفتاق يوما منك وهو سديد

ونصدر منك بالتي تترك العدى

عباديد منهم خائف وشريد

لعمرك ما أدلي بغير مودّتي

ومالي سوى ما قد علمت شهود

وقال طرفة فجمع طرفا من بلد مذحج في بيت :

أتعرف رسم الدار قفرا منازله

كجفن اليماني زخرف الوشي ماثله

بتثليث أو نجران أو حيث تلتقي

من النجد في قيعان جاش مسايله

وقد جمع لبيد كثيرا من نجد والحجاز في قصيدته الكبرى فقال :

عفت الديار محلها فمقامها

بمنى تأبّد غولها فرجامها

منى منون موضع قريب من طخفة بالحمى في بلاد غني ، ومنى مكة غير منون وأخذ من منى الأديم وهو عطنة وفي الخبر أن آدم عليه‌السلام تمنى رؤية حوّاء بمنى فسميت منى بذلك وأقبلت من جدة فتعارفا بعرفات ، والرجمة والرجمات والرجام أجبل تكون في القاع صغار كالهضبات اللطاف والغول والوغل والغولة واحد وهي ما انحنى من الأرض.

دمن تجرم بعد عهد انيسها

حجج خلون حلالها وحرامها

٣٤١

حفزت وزايلها السراب كأنها

أجزاع بيشة أثلها ورضامها

مرّية حلت بفيد وجاورت

أهل الحجاز فأين منك مرامها

بمشارق الجبلين أو بمحجر

فتضمنتها فردة فرخامها

مواضع بني أسد وغني.

فصوائق أن أيمت فمظنة

منها وحاف القهر أو طلخامها

بأحزة الثلبوت يربأ فوقها

قفر المراقب خوفها آرامها

علهت تبلّد في نهاء صعائد

سبعا تؤاما كاملا أيامها

ويروي : في شقائق عالج ، الشقيقة أرض تشق بين رملين ، ومنها :

غلب تشذّر بالذّحول كأنها

جن البديّ رواسيا أقدامها

البّدي موضع ينسب اليه كثرة الجن ولا يكاد يعرف ، كما يقال جنّ عبقر وجن ذي سمار ، وذو سمار موضع معروف ، ويقولون غول الرّبضات موضع معروف بنجد ، وجن وبار وهي أرض كانت بها أمم من العرب العاربة ولم ألق من يعرفها ، وتشذر شبهها بالناقة إذا تشذّرت وهو أن تزلئمّ إذا همزت عاقدا لذنبها ناضخة ببولها.

وقال أبو دواد فذكر عدة مواضع من محال إياد :

أوحشت من سروب قومي تعار

فأروم فشابة فالستار

بعدما كان سرب قومي حينا

لهم النخل كلها والبحار

فإلى الدور فالمرورات منهم

فحفير فناعم فالديار

فقد امست ديارهم بطن فلج

ومصيرا لصيفهم تعشار

الدور جوب تنجاب في الرمل وبفلج يريد بها أحبل رمل ، وقال أيضا :

أقفر الدير والأجارع من قو

مي فغرق فرامح فخفيّة

فتلاع الملا إلى جرف سندا

د فقوّ ، إلى نعاف طميّه

قال العجاج في الدور وهو يصف ثورا :

من الدبيل باسطا للدّور

يركب كل عاقر جمهور

٣٤٢

وقال زهير يذكر ثمانية مواضع :

شج السقاة على ناجودها شبما

من ماء لينة لاطرقا ولارنقا

مازلت أرمقهم حتى إذا هبطت

أيدي الركاب بهم من راكس فلقا

دانية لشرورى أوقفا أدم

يسعى الحداة على آثارهم حزقا

ومنها ايضا :

فسار منها على شيم يؤمّ بها

جنبي عماية فالركاء فالعمقا

أدم هذا جبل بالحجاز وأدم جبل باليمن ، والدّمّ والدوم باليمن وقال يذكر غيرها :

ضحوا قليلا على كثبان أسنمة

ومنهم بالقسوميات معترك

ثم استمروا وقالوا إن مشربكم

ماء بشرقيّ سلمى فيد أو ركك

وقال الأعشي :

وطوفت للمال آفاقها

عمان وحمص فأوري شلم

أتيت النجاشي في داره

وأرض النبيط وأرض العجم

فنجران فالسّرو من حمير

فأيّ مرام له لم أرم

ومن بعد ذاك إلى حضرموت

فأوفيت همّي وحينا أهم

أوري شلم هو إيلياء وقال الأعشى أيضا :

ألم ترني جوّلت ما بين مأرب

إلى عدن فالشّأم والشأم عاند

وذا فائش قد زرته (١) في ممنّع

من النيق فيه للوعول موارد

ببعدان أو ريمان أو راس سلية

شفاء لمن يشكو السمائم بارد

وبالقصر من أرياب لو بتّ ليلة

لجاءك مثلوج من الماء جامد

ونادمت فهدا بالمعافر حقبة

وفهد سماح لم تشبه المواعد

وقيسا بأعلى حضرموت انتجعته

فنعم أبو الأضياف والليل راكد

__________________

(١) كذا في أصله وهو كذلك في «الاكليل» ج ٢. وفي «الدامغة» ، وفي «ل» و «ب» قد زرت في متمنع.

٣٤٣

وقال طرفة ويقال للخرنق (١) :

عفا من آل ليلى السه

ب فالأملاح فالغمر

فعرق فالرماح فالّ

لوى من أهله قفر

وأبليّ إلى الغرّا

ء فالماوان فالحجر

فأمواه الدنا فالنج

د فالصحراء فالنسر

فلاة ترتعيها العي

ن فالظّلمان فالعفر

وقال أبو دواد يصف غيثا :

وغيث توسّن منه الريا

ح جونا عشارا وعونا ثقالا

إذا كركرته رياح الجنو

ب ألقحن منه عجافا حيالا

وإن راح ينهض نهض الكسي

رجأجأه الماء حتى أسالا

فحل بذي سلع بركه

تخال البوارق فيه الذبالا

فروى الضرافة من لعلع

يسح سجالا ويفري سجالا

تخال مكاكيّه بالضحى

حلال الدقاري شربا ثمالا

وقال امرؤ القيس وذكر عشرة مواضع من أرض البحرين :

غشيت ديار الحي بالبكرات

فعارمة فبرقة العيرات

فغول فحليت فنفء فمنعج

إلى عاقل فالجب ذي الأمرات

وقال وذكر عشرة مواضع من أرض البحرين :

لمن الديار عرفتها بسحام

فعمايتين فهضب ذي إقدام

فصفا الأطيط فصاحتين فعاسم

تمشي النعام بها مع الآرام

أفما ترى أظعانهن بعاقل

كالنخل من شوكان حين صرام

وقال أيضا :

عفا شطب من أهله فغرور

فموبولة إنّ الديار تدور

فجزع محيّاة كأن لم تقم به

سلامة حولا كاملا وقذور

__________________

(١) الخرنق : أخت طرفة ، ديوانها مطبوع.

٣٤٤

وقال ذو الرمة :

تمر لنا الأيام ما لمحت لنا

بصيرة عين من سوانا إلى شفر

تقضين من أعراف لبن وغمرة

فلما تعرفن اليمامة عن عفر

تزاورن عن قران عمدا ومن به

من الناس وازورت سراهم عن حجر

وأصبحن بالحومان يجعلن وجهة

لأعناقهنّ الجدي أو مطلع الفجر

فصمّمن في دوية الدو بعدما

لقين التي بعد اللتيا من الضمر

وأصبحن يعدلن الكواضم يمنة

وقد قلقت أجوازهن من الصّفر

أقول وشعر والعرائس بيننا

وسمر الذرى من هضب ناصفة الحمر

إذا ذكر الأقوام فاذكر بمدحة

بلالا أخاك الأشعري أبا عمرو

ولكثيّر :

قنابل خيل ما تزال مظلة

عليهم فملوا كل يوم قتالها

دوافع بالروحاء طورا وتارة

مخارم رضوى خبتها فرمالها

يقبلن بالبزواء والجيش واقف

مزاد الروايا يصطببن فضالها

وقد قابلت منها ثرى مستجيزة

مباضع من وجه الثرى فثعالها

وخيل بعانات فسنّ سميرة

له لا يردّ الذائدون نهالها

ثرى أسفل وادي الجيّ ، وقال :

عفا ميث كلفى بعدنا فالأجاول

فأثماد حسنى فالبراق القوابل

كأن لم تكن سعدى بأعناء غيقة

ولم تر من سعدى بهن منازل

ولم تتربع بالسرير ولم يكن

لها الصّيف خيمات العذيب الظلائل

إليك ابن ليلى تمتطي العيس صحبتي

ترامي بنا من مبركين المناقل

تخلل أحوار الخبيب كأنها

قطا قازب أعداد حلوان ناهل

وأنت أبو شبلين شاك سلاحه

خفية منه مألف فالغياطل

له بجنوب القادسية فالشرى

مواطن لا يمشي بهن الأراجل

وقال وذكر كثيرا ما بين مكة ويثرب من المواضع :

يا خليلي الغداة إن دموعي

سبقت لمح طرفها بانهمال

٣٤٥

قم تأمل وأنت أبصر مني

هل ترى بالغميم من أجمال

قاضيات لبانة من مناخ

وطواف وموقف بالجبال

تقول العرب وقفنا بالجبال فنعرف أنهم أرادوا عرفة :

حزيت لي بحزم فيدة (١) تخدي

كاليهودي من نطاة الرقال

قلن عسفان ثم رحن سراعا

طالعات عشيّة من غزال

قارضات الكديد مجتزعات

كلّ وادي الجحوف بالأثقال

قصد لفت وهن متسقات

كالعدوليّ لاحقات التّوالي

حين ورّكن دوّة بيمين

وسرير البضيع ذات الشمال

جزن وادي المياه محتضرات

مدرج العرج سالكات الخلال

والعبيلاء منهم بيسار

وتركن العقيق ذات النصال

طالعات الغميس من عن عبود (٢)

سالكات الخويّ من أملال

وقال أيضا :

وما ذكره تربي خصيلة بعدما

ظعن بأجوز المراض فتغلم

فأصبحن باللّعباء يرمين بالحصى

مدى كلّ وحشّي لهنّ ومستمي

موازية هضب المضيّح واتّقت

جبال الحمى والأخشبين بأخرم

إليك تبارى بعد ما قلت قد بدت

جبال الشّبا أو نكّبت هضب تريم

بنا العيس تجتاب الفلاة كأنّها

قطا الكدر أمسى قاربا جفر ضمضم

تشكّى بأعلى ذي جراول موهنا

مناسم منها تخضب المرو بالدّم

تبوق العتاق الحميرية صحبتي

بأعيس نهّاض على الأين مرجم

كأنّ المطايا تتّقي من زبانة

مناكب ركن من نضاد ململم

تعالى وقد نكبن أعلام عابد

بأركانها اليسرى هضاب المقطم

وقال يصف الغيث على كثير من الحجاز :

سقى أمّ كلّثوم على نأي دارها

ونسوتها جون الحناتم باكر

__________________

(١) في المطبوعتين : قيدة خطأ ، وفيدة واد يصب في عسفان وفيه قرية بهذا الاسم.

(٢) في الأصول : عتود. وعبود جبل قبل ملل الذي سماه هنا أملال المتجه الى المدينة ، لا يزال معروفا.

٣٤٦

أحمّ رجوف مستهل ربابه

له فرق مسحنفرات صوادر

تصعّد في الأحناء ذو عجرفيّة

أحمّ حبركي مرجف متماطر

وأعرض من ذهبان مغرورق الذرى

تربّع منه بالنّطاف الحواجر

وذهبان برحبة صنعاء (١).

أقام على جمدان يوما وليلة

فجمدان منه ماثل متقاصر

وعرّس بالسكران يومين وارتكى

وجرّ كما جرّ المكيث المسافر

بذي هيدب جون تنجزه الصبا

وتدفعه دفع الطلا وهو حاسر

وسيّل أكناف المرابد غدوة

وسيّل منه ضاحك والعواقر

ومنه بصحر المحو زرق غمامه

له سبل وأقورّ منه الغفائر

وطبق من نحو النجيل (٢) كأنه

بيليل لما خلف النخل ذامر

ومر فأروى ينبعا فجنوبه

وقد جيد منه جيدة فعباثر

له شعب منها يمان وريق

شآم ونجدي وآخر غائر

فلمّا دنا لّلابتين تقوده

جوافل دهم بالرباب عواجر

رسا بين سلع والعقيق وفارع

إلى أحد للمزن فيه غشامر

باسحم زحّاف كأن ارتجازه

توعد أجمال لهن قراقر

فأمسى يسح الماء فوق وعيرة

له باللوى والواديين حوائر

فأقلع عن عش وأصبح مزنة

أفاق وآفاق السماء حواسر

فكل مسيل من تهامة طيب

تسيل به مسلنطحات دعاثر

تقلع عمريّ العضاة كأنها

بأجوازه أسد لهنّ تزاؤر

يغادر صرعى من أراك وتنضب

وزرقا بأثباج البحار يغادر

وكل مسيل غارت الشّمس فوقه

سقيّ الثريا بينه متجاور

وما أم خشف بالعلاية شادن

أطاع لها بان من المرد ناضر

ترعّى به البردين ثم مقيلها

ذرى سلم تأوي اليها الجآذر

__________________

(١) ذهبان صنعاء معروف فيما بين ثقبان والجراف شمال صنعاء ، أما ذهبان الوارد في شعر كثير فهو قريب من حمدان أسفل وادي عسفان بقرب الساحل قرية الآن مسكونة. وفي اصلنا : وذهبان ـ بصنمان وبرحبة صنعاء.

(٢) النجيل : موضع بين يليل ـ وادي بدر ـ وبين ينبع معروف ـ وفي الأصول النخيل ونراه تصحيفا.

٣٤٧

بأحسن من أم الحويرث سنّة

عشية دمعي مسبل متبادر

وقال أيضا :

كأن حدائج أظعانها

بغيقة لما هبطن البراثا

نواعم غرّ على ميثب

عظام الجذوع أحلت بعاثا

كدهم الركاب بأثقالها

غدت من سماهيج أو من جواثا

إذا حل أهلي بالأبرقي

ن أبرق ذي جدد أو دءاثا

وجاءت سجيفة من أرضها

روابي ينبتن حفرى دماثا

جواثا من البحرين ودءاثا بتهامة وقال عبيد :

أقفر من أهله ملحوب

فالقطّبيّات فالذّنوب

فراكس فثعبيات

فذات فرقين فالقليب

فعردة فقفا حبر

فليس من أهله عريب

وقال امرؤ القيس :

أصاح ترى برقا أريك وميضه

كلمع اليدين في حبيّ مكلّل

يضيء سناه أو مصابيح راهب

أمال السليط بالذّبال المفتّل

قعدت له وصحبتي بين ضارج

وبين العذيب بعد ما متأمّل

علا قطنا بالشيم أيمن صوبه

وأيسره على الستار فيذبل

فأضحى يسحّ الماء فوق كتيفة

يكب على الأذقان دوح الكنهبل

ومر على القنان من نفيانه

فأنزل منه العصم من كل منزل

وتيماء لم يترك بها جذع نخلة

ولا أجما إلا مشيدا يجندل

كأن ثبيرا في عرانين وبله

كبير اناس في بجاد مزمل

كأن ذرى رأس المجيمر غدوة

من السّيل والغثاء فلكة مغزل

والقى بصحراء الغبيط بعاعه

نزول اليماني ذي العياب المحمل

وقال في مثله :

قعدت له وصحبتي بين ضارج

وبين تلاع يثلث فالعريض

٣٤٨

أصاب قطيّات فسال اللوى له

فوادي البديّ فانتهى ليريض

وقال الأعشى يصف عارضا :

فقلت للشّرب في درنا وقد ثملوا

شيموا وكيف يشيم الشارب الثمل

برقا يضيء على الأجزاع مسقطه

وبالحبيّة منه عارض يئل

قالوا نمار فنجد (١) الخال جادهما

فالعسجدية فالأبواء فالرّجل

فالسفح يجري فخنزير فبرقته

حتى تدافع منه الربو والحبل

ثمّت تحمل منه الماء تكلفه

روض القطا فكثيب الغينة السّهل

وقال الشماخ يصف موارد الحمير :

وظلت بأعراف كان عيونها

إلى الشمس ـ هل تدنو ـ ركي نواكز

ويممها في بطن غاب وحائر

ومن دونها من رحرحان المفاوز

عليها الدجى المستنشئات كأنها

هوادج مشدود عليها الجزائز

تعادي إذا استذكى عليها وتتقي

كما يتقي الفحل المخاض الجوامز

فمر بها فوق الحبيل فجاوزت

عشاء وما كادت بشرف تجاوز

وهمت بورد القنّتين فصدّها

مضيق الكراع والقنان المواهز

وصدت صدودا عن وديعة عثلب

ولا بني عياذ في الصدور حزائز

وحلأها عن ذي الأراكة عامر

أخو الخضر يرمي حيث ترمى النواحز

وقال شبيب بن البرصاء :

لمن الديار غشيتها بسنام

فالأبرقين فصوّة الأرجام

فالسيكران إلى دجوج كأنها

ورق المصاحف خط بالأقلام

كلبيّة قذف المحل ديارها

حرمات جوش وساحة الإسلام

وقال المتلمّس :

ألك السدير وبارق

ومبايض ولك الخورنق

__________________

(١) في الأصول : ثماد. ونمار واد بقرب منفوحة بلدة الأعشى لا يزال معروفا. والأبواء : المعروف الأبلاء.

والربو : صوابه الوتر كما في كثير من الكتب وهو وادي الرياض الذي يخترقها ويسمى البطحاء.

٣٤٩

والقصر من سنداد ذو

الكعبات والنخل المنبّق

والغمر والاحساء والل

ذات من صاع وديسق

والقادسية كلها

والجوف من عان وطلق

وقال القطامي يصف غيثا على مواضع :

أرقت ومعرضات البرق دوني

لبرق بات يستعر استعارا

تواضع بالسحاسح من منيم

وجاد العين وافترش الغمارا

وبات يحط من جبلى نوار

غوارب سيله قلعا كبارا

يسح ويغرق النّجوات منه

ويبعث عن مرابضها الصوارا

ويصطاد الرئال إذا علاها

وإن أمعنّ من فزع فرارا

وحبل من حبالة مستجد

أبنت لأهله إلا إدّكارا

يطالعني بدومة يا لقومي

إذا ما قلت قد نهض استحارا

وقال زهير :

لمن طلل كالوحي عاف منازله

عفا الرس منه فالرسيس فعاقله

فرقد فصارت فأكناف منعج

فشرقي سلمى حوضه فأجاوله

فوادي البديّ ، فالطّوي فثادق

فوادي القنان جزعه فأفاكله

وقال زهير أيضا :

ضحوا قليلا على كثبان أسنمة

ومنهم بالقسوميّات معترك

ثم استمروا وقالوا إن مشربكم

ماء بشرقيّ سلمى فيد أو ركك

وقال الأسود بن يعفر :

أهل الخورنق والسدير وبارق

والقصر ذي الشرفات من سنداد

نزلوا بأنقرة يسيل عليهم

ماء الفرات يسيل من أطواد

أرض تخيّرها لطيب مقيلها

كعب بن مامة وابن أمّ دؤاد

وقال المثقب :

لمن ظعن تطالع من صبيب

فما وردت من الوادي لحين

٣٥٠

مررن على شراف فذات رجل

ونكّبن الذرانح باليمين

وهن كذاك يوم قطعن فلجا

كان حمولهن على سفين

وقال ابن مقروم :

تجانف عن شرائع بطن عمرو (١)

وجدّبه عن السيف الكراع

فأقرب مورد من حيث راحا

أثال أو غمازة أو نطاع

وقال عبد بني الحسحاس يصف غيثا :

يضيء سناه الهضب هضب متالع

وحبّ بذاك البرق لو كان عاليا

نعمت به بالا وأيقنت أنّه

يحط الوعول والصّخور الرواسيا

وما حركته الريح حتى حسبته

بحرة ليلى أو بنخلة ثاويا

فمر على الأنهاء فالتج مزنه

فعق طويلا يسكب الماء ساجيا

ركاما يسحّ الماء من كل فيقة

وغادر بالقيعان رنقا وصافيا

ومر على الأجبال أجبال طيّىء

كما سقت منكوب الدّوابر حافيا

أجش هزيم سيله مع ودقه

ترى خشب الغلّان فيه طوافيا

له فرق منه يحلّقن حوله

يفقّئن بالميث الدّماث السّوابيا

فلما تدلى للجبال وأهلها

وأهل الفرات جاوز البحر ماضيا

بكى شجوه فاغتاظ حتى ظننته

من الهزم لمّا جلجل الرّعد حاديا

فأصبحت الثيران غرقى فأصبحت

نساء تميم يلتقطن الصّياصيا

وقال أبو ذؤيب يصف غيثا : (٢)

سقى أمّ عمرو كلّ آخر ليلة

حناتم سود ماؤهنّ ثجيج

شربن ببحر الرّوم ثم تنصّبت

ذرى فردات رعدهنّ نتيج

إذا حن يوما واستوى فوق بلدة

تولى واثباج الحقول تموج

يضيء سناه ريقا متكشفا

أغر كمصباح اليهود خلوج

__________________

(١) المعروف : بطن قوّ.

(٢) انظر «شرح أشعار الهذليين» ١٢٨ فكثير من الكلمات هنا تختلف عما فيه.

٣٥١

كما نور المصباح للعجم أمرهم

بعيد رقاد النائمين عريج

أرقت له ذات العشاء كأنه

مخاريق يدعى تحتهن خريج

تكركره نجديّة وتمدّه

مسفسفة فوق التراب دروج

له هيدب يعلو الإكام وهيدب

مسفّ بأذناب التلاع خليج

علاجيمه غرقى رواء كأنها

قيان شروب رجعهن نشيج

كأن ثقال المزن بين تضارع

وشابة برك من جذام لبيج

لكل مسيل من تهامة بعدما

تقطع أقران السحاب عجيج

وقال ساعدة بن جؤية يصف مطرا :

فسقاك ذو حمل كأنّ وميضه

غاب تشيمه حريق مثقب

ساج تجرم في البضيع ثمانيا

يلوي يعيقات البحار ويجنب

حتى ترى عمقا ورجّع فوقه

رعد كما هدر الفنيق المصعب

لما رأى نعمان حل بكرفيء

فئة كما لبخ النزول الأركب

فالسّدر مختلج فأنزل طافيا

ما بين عين إلى نباتا الأثأب

والدوم من سعيا وحلية منزل

والدوم جاء به الشجون فعليب

ثم انتمى بصرى وأصبح جالسا

منه لنجد طابق متغرّب

وقال ابن الرقاع يصف غيثا :

وصاحب غير نكس قد نشأت به

من نومه وهو فيه ممهد أنق

فقمت أخبره بالغيث لم أره

والبرق إذبال محرور له أرق

مزن تسبّح في ريح شآمية

مكلل بعماء الماء منتطق

ثم اكفهر شريقي اللوى وأوى

إلى تواليه من سفاره رفق

تربص الليل حتى قل سائمه

على الرّويشد أو خرجائه يدق

حتى إذا المنظر الغربي جاردها

من حمرة الشمس لما اغتالها الأفق

ألقى على ذات أجفار كلاكله

وشبّ نيرانه وانجاب يأتلق

وقال أيضا :

ياشوق مابك يوم بان حدوجها

من ذي المويقع غدوة فرآها

٣٥٢

وكأن نخلا من مطيطة ثاويا

بالكمع بين قرارها وحجاها

فوق الجمال إذا دنين لسابق

أنزلن آخر ريّحا فحداها

وجعلن محمل ذي السلاح مجنة

نهي اليتيمة وافترشن لواها

وصرفن من وادي أتيدة بعد ما

بدت الخميلة فاحزأل صواها

قرية حبل المقيظ وأهلها

بحسى مآب ترى قصور قراها

واحتل أهلك ذا القتود وعرّدا

فالصّحصحان فأين منك نواها

وقال أيضا :

فقلت لها كيف اهتديت ودوننا

دلوك وأشراف الجبال الظواهر

وجيحان جيحان الجيوش والس

وحزم خزازي والشعوب القواسر

وقال ابن مقبل يصف غيثا :

تأمّل خليليّ هل ترى ضوء بارق

يمان مرته ريح نجد ففترّا

مرته الصّبا بالغور غور تهامة

فلما ونت عنه بشعفين امطرا

يمانية تمري الرباب كأنه

رئال نعام بيضه قد تكسرّا

وطبّق لبوان القبائل بعدما

كسا الوزن من صفوان صفوا وأكدرا

فأمسى يحطّ المعصمات حبيّه

وأصبح زيّاف الغمامة أقمرا

كأن به بين الطراة ورهوة

وناصفة السوبان غابا مسعّرا

فغادر ملحوبا تمشّى ضبابه

عباهيل لم يترك لها السيل محجرا

أقام بشطآن الركاء وراكس

إذا غرق ابن الماء في الوبل بربرا

أناخ برمل الكومخين إناخة ال

يماني قلاصا حطّ عنهن أكورا

في هذه مما ذكرته العرب من أوطانها كفاية ، فمن أحب أن يستقصي فيه فليتبع صفات العرب لمواقع الغيث وموارد حمير الوحش ، فهذان الفنان يجمعان أكثر مياه العرب وأوطانها ولا نعلم أحدا وصف من جزيرة العرب مسافة أربعة وعشرين يوما بشعر طبعي ونشر بصفة الإبل والفلوات سوى أحمد بن عيسى الرّداعي رحمه‌الله من خولان العالية ، وكان يسكن برداع من أرض اليمن ومنها وصف البلاد إلى مكة على محجة صنعاء في أرض نجد العليا ، وقد سمعت لرجل من البصريين شيئا في صفة

٣٥٣

طريق البصرة غير مرتضى بل ضعيفا ، وكان أبو يوسف بن أبي فضالة الأبناوي جد أبي يوسف الذي كان في زمن محمد بن يعفر قد قال في محجة صنعاء شعرا أرجوزة ضعيفة فاهتجرت وأذيلت حتى درست وفقد من ينشدها غير الأبيات التي لا قوة بها ولا طبع ، وكان كثير من أهل صنعاء لا سيما الأبناء قد غيروا في قصيدة الرداعي أشياء ، نفاسة وحسدا فلم يكن بصنعاء لها نسخة على الاستواء ، فلم أزل ألتمس صحتها حتى سمعتها من أحمد بن محمد بن عبيد من بني ليف من الفرس ، وكان لا يدخل في عصبية ولا يلت أحدا حقه ، وكان آل ليف فرقتين فرقة تسكن برداع وفرقة بصنعاء ، فقال لي : روانيها أحمد بن عيسى برداع عشرة أبيات ، عشرة أبيات حتى حفظتها وأنا حدث فلم تزل عني وهي على ما سمعت بجميع لغاته إلا ما كان منها معيبا من جهة الاضطرار ولا فائدة فيه فقد ثقفته واصلحته ، وفسرت منها ما لم يسقط إلى العامة لغته وهذه الأرجوزة فردة في فنها إلا أن يقفوها قاف مجيد وشاعر مفلق وقد كان له سواها شعر لا بأس به :

أرجوزة الحجّ

قال أحمد بن عيسى الرّداعي رحمه‌الله :

١

أول ما أبدأ من مقالي

بالحمد للمنعم ذي الجلال

والمن والآلاء والإفضال

والملك والجد الرفيع العالي

عدّ خليلي كم مضت ليال

من شهر ذي القعد مع شوال

ثم انم بالكور على شملال

عيدية أو قطم ذيّال (١)

قد دق منه موضع الحبال

ثمّت ناد القوم بارتحال

٢

فتيان صدق من بني أبيكا

فانهم أولى بما يعنيكا

واسرع القوم لما يرضيكا

إني سأصفيك الذي أصفيكا

__________________

(١) الشملال : الناقة المرحة النشيطة ، وموضع الحبال : معروف ، وعيدية : نسبة الى قبيلة العيد من مهرة ، والقطم : المشتهي للضراب او هو الفحل الصول.

٣٥٤

فاسمع إلى قولي إذا أوصيكا

أوامرا أضعاف ما يوليكا

من تره يرغب ويزدد فيكا

ثم ادع ربّا مالكا مليكا

فإنه أجدر أن يكفيكا

وقل صحابي ارتحلوا وشيكا

قال وينشد :

فانه أجدر من يكفيكا

يقول بعض العرب في عبد الملك : عبد المليك ، قال ميمون بن حريز (١) :

قلم يردي صخرة ملمومة

ويجاري في العلا عبد المليك

٣

حتى إذا هشوا إلى الرّحيل

فانهم بكور الميس والشليل

متن هجان هوجل مهيل

لم يطمها قين على فصيل

ولم تعطّف قبل الأصيل

على حوار لا ولا أفيل

ولم تضع للقطم الفحيل

كلكلها من ضبع مشيل

رعت عفاء العرش فالسّليل

فالحش فالأغوال فالغليل (٢)

هذه خمسة مواضع بعروش رداع ، مهيل أي يهيل من يراها ، لم يطمها : لم يذمرها إذا طمت بالحوار.

٤

فالأجرعين فحمى أكراب

فالضمانين إلى الشّحباب

فأحرما منها إلى الثّعلاب

مواطنا مكلئة الجناب

ثم إلى حبّان ذي الحدّاب

مصدرها عن مشرع الترحاب

ثم إلى غربيّة الأنصاب

ألف صفايا كرعان الحاب

جادلها محلولك السحاب

بمتلئبّ غدق التّسكاب

__________________

(١) حريز بالزاي آخر الحرف كما سبق ، وفي «ل» و «ب» بالراء خطأ آخر الحروف ، وهذا البيت من مقطوعة للشاعر (راجع «الاكليل» ٢ / ص ١١٨.

(٢) السليل بالسين المهملة : موضع في الشرق الشمالي من مدينة رداع بمسافة ميل ، وفي «ل» و «ب» بالشين المعجمة وهم ؛ والأغوال جمع غول آخرها لام وسلف تفسيره ويأتي للمؤلف وفي «ل» و «ب» بالنون آخر الحروف وهم ، والغليل بالغين المعجمة : بلد في الشرق الشمالي من مدينة رداع بين عباس وجوف رداع.

٣٥٥

فهي علنداة عنود كلما

هيّجها الراعي إذا ترنما

شبهتها العير المصك المصدما

جادلها الدلويّ لما اثجما

واحتلب النوء السماك المرزما

ببارق عال إذا تضرّما

أو راعد ديمّ ثم دمدما

فاكتهل النبت به فأنعما

صفرا وحوذانا وبقلا منجما

وصلّيانا ونصيّا اسحما

هذه ضروب من النبت ، وشبه الناقة بحمار الوحش.

٦

هذاك مرعاها وطلح وغرز

وثيّل حفت به ذات الحفز

وعقبة باقهر من ذات الشرز

فالمتن قد دخس منها فاعترز

والكبر قد صعّد علوا فنشز

وأضمز الأخدع منها فضمز

وذابل المرفق أبدى فبرز

بعضد لكاء ... (١) فاكتنز

فهي كسيد البيد عند المغتمز

عجلى إذا الراكب في الغرز احتفز

شبه الناقة بحمار الوحش ، والغرز ركاب الرحل والغرز حيث يهمز بعقبه ، وأضمز طومن (٢) وضمزت الناقة على جرتها اطبقت لحييها ، وذكر العضد ها هنا وقد أنثها في موضع ثان فقال بعضد لكّاء ، والسيد الذئب ، يقول كلما يغرز رجله في الرّحل تثب كما قال ذو الرمة :

حتى إذا ما استوى في عرزها تثب

٧

ها تلك بالغادي أمام الركب

كوماء قد أوفت تمام الحقب

في مرتع رغد وعيش رطب

تستن في فيءّ فناء رحب

في مشرع عذب ومرعى خصب

في ذاك لا تحنو لصوت السقب

إياك ادعو فاستجب يا ربي

أنت رجائي ثقتي وحسبي

__________________

(١) في أصلها بياض ، وفي الصراع زحف ، ولعله : بعضد لكاء منها فاكتنز.

(٢) كذا في الأصول ولم يظهر.

٣٥٦

وصاحبي في بعدي وقربي

فاغفر لي الذنب وصاحب صحبي

المرتع المراد الذي ترتع فيه أي ترد ، وتستن : تسوم يقال أعطوا الركاب اسننها ورتع في سنة أي قصده ومن ذلك سر على سننك أي سمتك والسنن الجري على ثبات ، والحقب الوقت الطويل ، والركب موضع.

٨

أدعوك ياذا السؤدد الممجد

وذا العلا في عزه المؤبّد

من لم يزل قدما ولم ينفد

ولم يلد ولدا ومن لم يولد

صل على الهادي النبي المهتدي

على النبي المصطفى محمد

وابعثه يا ذا المن يوم المشهد

مقامه المحمود غير الأنكد

وأعطه من عزك المؤبد

حظا ممضا لقلوب الحسّد

٩

واخلفه في عترته وآله

رب ومن والاهم فواله

وزده إجلالا على إجلاله

وابسط عليه الرزق من حلاله

وأعطه منك الثرى في ماله

رب ومن عاداهم فقاله

بفعله يا رب أو مقاله

وخذه في العمياء من ضلاله

واحتل به يا رب في احتياله

وحل به يا رب عن محاله

١٠

دعاء السفر عند المخرج

يا رب يا منزل آيات السّور

اغفر لنا الذنب فأولى من غفر

ثم اكفنا الهزل ووعثاء السفر

والسوء من منقلب عند الصّدر

واطو لنا البعد وبارك في الأثر

وعافنا يا رب من سوء النظر

في الأهل والمال ومن سوء القدر

وسهّل الحزن ومحذور الضجر

يا صاح قم فارحل ودع عنك الفكر

وقل إله الخلق جنبنا العسر

٣٥٧

الذنب يريد الذنوب كما يقال : هو جعد الشعرة يريد الشعر ، وعثاء السفر : العنت.

١١

اول مسيره

ثم انده (١) العيس بزجر ماض

ذي عنق لا هدج الإيفاض

وادع إلى الله الجليل القاضي

مبرم أمر الغيب والتقاضي

يارب فاصرف حدث الأعراض

عن صحبتي وعرض الأمراض

ثم القنا منك بوجه راض

حتى إذا مرت على الفراض

بحيث فاض السيل ذو الأفياض

بخضر ذي الروض والرياض

هذه مواضع بين رداع واسبيل ، والعنق والهدجان والإيفاض ضروب من السير.

١٢

قال به القوم ضحى وودعوا

وقيل للركب الذين شيعوا

قوموا فحيوا صحبكم ثم ارجعوا

فباح بالشوق عيون تدمع

ثم ازلأمّت قلص تلمّع

كما ازلأمت قطوات وقّع

وكبر القوم معا واستجمعوا

وصعد القوم لعنس مطلع

بحيث يرفض الكريف المترع

ثم الهروج وعليه المشرع

أي كمطير القطا من قراميصها ، ويروى :

ثم أزلأمّت بكرات تضلع

ويروى : ثم أزلأمت طلقا تلمّع : والملمع مسير فيه تلدد إلى خلف ، والكريف جوبة عظيمة في صفا يكون فيها الماء السنة وأكثر ، والهروج موضع بلد عنس من مذحج (٢).

__________________

(١) انده : ازجر.

(٢) الهروج : قرية كبيرة من عنس السلامة تحتفظ باسمها الى التاريخ شرقي ذمار وجنوب شرقي الأسي.

٣٥٨

١٣

ثم معشّى ليلها أسيّ

حيث بنى حمّامه النّبي

حتى إذا ما وقع المطيّ

وقام يلحى نفسه الكري

وجنّه ليل له دويّ

هبت كما هب القطا الكدري

عن ظهر شوكان لها خويّ

ينصها حاد قراقري

همته الإدلاج والمضيّ

ثم المضحّى المنهل الروي (١)

حمامه يريد حمام سليمان بن داود عليه‌السلام ، خوي أي امتد في الأبواع ، ومنه خوى للصلاة أي تفتح وهوى البعير أي تفتح باركا ، قال امرؤ القيس :

كالنخل من شوكان حين صرام

١٤

ذو حدب ثم المعشّى الثاني

يكلى ومعداها على سيّان (٢)

وقد قضت من أبؤر الخولاني

أوطارها عن مشرع ريان

قد حف بالخوخ وبالرمان

وهمها بالسير ذي الإذعان

صنعاء أعني جنة الجنان

بحيث شيد القصر من غمدان

أرض التقى والبر والإحسان

بها مقيلي وبها إخواني

قال : ابؤر وهو يريد بئر الخولاني لأن الموضع يسمى بهذا الاسم وفيه بؤور كما قال : إلى الكثيبات طريقا قد حكم. والكثيبة واحدة ، وكذلك يقول العرب : أخذنا طريق الشقرات وهي شقرة واحدة ، وأخذنا طريق الدحاض إلى نجران وهما دحضتان قال آخر :

إذا اعتلين الدحضتين فالركب

فقد رضين بالونى وباللغب

__________________

(١) شوكان : قرية حية من عنس وتقع في الشرق الشمالي من مدينة ذمار بمسافة ثلاثة فراسخ وقد سلف الكلام على حمام سليمان الواقع في جبل الأسي وهي ثلاثة حمامات أحدها في ظاهره الشرقي واثنان في قمته.

(٢) يكلى : مرّ الكلام عنها ، وسيان : بفتح السين وتشديد الياء المثناة من تحت : تحتفظ باسمها لهذه الغاية جنوب صنعاء من بلد ذي جرة ـ بلاد سنحان اليوم ـ

٣٥٩

١٥

صنعاء ذات الدور والآطام

والقدم الأقدم ذي القدّام

والعزّ عن ذي السطوة الغشام

أسّت بعلم لابن نوح سام

بعلم ربّ ملك علّام

إذ رادها سام بلا توهام

ورادها من قبل ألفي عام

ما بين سفحي نقم النقام

وبين عيبان المعين السّامي

فأسّها في سالف الأيام

الآطام الحصون المرتفعة من الطين فشبه بها منازل صنعاء لارتفاعها ، والقدّام الملك ، وذو السطوة تبّع ، وذكر أن أول من بناها بعد الطوفان سام وأنها عمرت بين آدم ونوح الفي عام ، ونقم وعيبان جبلا صنعاء.

١٦

فهي بقول العلم غير الشّكّ

محتدم العلم ودار الملك

وعصمة المأزول حتى الدّك

أما ومجري ماخرات الفلك

الية ما شبتها بالإفك

لقد علت صنعاء دار الشرك

في الدهر عن عز معين مشكي

وأصبحت معدن أهل النسك

سقيا لصنعاء بجود حشك

وأردفت عزا رفيع السمك

المأزول من الأزل الخائف ويقول : إنها علت دور الشرك في الجاهلية وعلت في الإسلام بنسك أهلها.

١٧

بلاد ملك ضل من يقيس

أرضا بصنعاء لها تأسيس

ما لم يعدّ الحرم الأنيس

أرض بها غمدان والقليس

بناهما ذو النجدة الرئيس

تبّع ملك وبنت بلقيس

فهو البناء الأقدم القدموس

بقول صدق ما به تلبيس

إن صرحت شعواء دردبيس

والعز فيها والنّدى والكيس

ويروى : يحضب شرح وبنت بلقيس ، غمدان والقليس محفدا صنعاء وقد

٣٦٠