صفة جزيرة العرب

الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني

صفة جزيرة العرب

المؤلف:

الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني


المحقق: محمّد بن علي الأكوع الحوالي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

الأبواء اثنان وعشرون ونصف (١) ومنها إلى الجحفة ثلاثة وعشرون ميلا وعرض الجحفة اثنان وعشرون وسدس. ومنها إلى قديد أربعة وعشرون ميلا وعرض قديد اثنان وعشرون جزءا ، ومن قديد إلى عسفان ثلاثة وعشرون ميلا. وعرض عسفان واحد وعشرون جزءا وثلثا جزء ، ومنها إلى مرّ الظهران ثلاثة وعشرون ميلا. وعرض مر أحد وعشرون جزءا وعشر ، ومن مرّ إلى مكة ثلاثة عشر ميلا. وعرض مكة أحد وعشرون جزءا.

ومن أخذ الجادّة من مكة إلى معدن النقرة فمن مكة إلى البستان تسعة وعشرون ميلا ، وعرض البستان احد وعشرون جزءا وربع ، ومنه إلى ذات عرق أربعة وعشرون ميلا وعرض ذات عرق أحد وعشرون جزء وثلثا جزء ، ومنها إلى الغمرة عشرون ميلا. وعرض الغمرة اثنان وعشرون جزءا ، ومنها إلى المسلح سبعة عشر ميلا. وعرض المسلح اثنان وعشرون جزءا ونصف ، ومنه إلى الافيعية ثمانية وعشرون ميلا ونصف ، وعرض الأفيعية ثلاثة وعشرون جزءا ، ومنها إلى حرّة بني سليم ستة وعشرون ميلا. وعرض حرة بني سليم ثلاثة وعشرون جزءا ونصف ، ومنها إلى العمق اثنان وعشرون ميلا. وعرض العمق أربعة وعشرون درجة ، ومنها إلى السّليلة ثلاثة عشر ميلا ، وعرض السليلة اربعة وعشرون جزءا ونصف ، ومنها إلى الرّبذة ثلاثة وعشرون ميلا. وعرض الربذة خمسة وعشرون جزءا ، ومنها الماوان ستة وعشرون ميلا ، وعرض الماوان خمسة وعشرون جزءا ونصف ، ومنها إلى معدن النقرة عشرون ميلا وهي ملتقى الطريقين فهذا تقدير طريق العراق في العروض على ما عمله بعض علماء العراق.

محجة صنعاء على تقدير العروض الذي بين صنعاء ومكة على طريق نجد اثنتان وعشرون مرحلة ، ومن البرد خمسة وثلاثون بريدا ، تكون أميالا اربعمائة وعشرون ميلا ، فما كان بين صنعاء وصعدة فعلى سمت ما بين مطلع بنات نعش ومغيبها ، وإلى كتنة على سمت مغيب الأول منها ، وإلى بيشة على سمت مغيب الأوسط منها الذي إلى

__________________

(١) هكذا في الأصول إلا (ح) لم يذكر لا ميلا ولا درجة كما ان المؤلف إذا اتبع مثلا نصف او ثلث بعد الدرجة لم يلحقه الاعراب وفي (ح) : درجة ونصف واستمر على ذكر الدرجة الى آخر وصف الطريق.

٣٠١

جنبه السّهى وهو نجم صغير لا يدركه إلا بصر الشاب (١) من الناس ، وإلى المناقب على سمت مغيب الآخر منها الذي يطلع آخرها ويغيب آخرها ايضا ، ومن رأس المناقب إلى مكة آخذا نحو المغرب ونحو الجنوب لأن مكة في غربي الفتق وبين الفتق والمناقب مرحلة فاعرف هذا المعنى. من صنعاء إلى ريدة عشرون ميلا وعرضها أربع عشرة درجة وأربعة أخماس درجة ، ومنها إلى أثافت ستة عشر ميلا ، وعرضها خمس عشرة درجة ونصف عشر ، ومنها إلى خيوان خمسة عشر ميلا ، وعرضها خمس عشرة درجة وخمس وسدس عشر درجة ، ومنها إلى العمشية سبعة عشر ميلا وعرضها خمس عشرة درجة وربع وخمس درجة ، ومنها إلى صعدة اثنان وعشرون ميلا وعرض صعدة خمس عشرة درجة وأربعة أخماس درجة ، ومنها إلى العرقة (٢) في المحجّة اليسرى القديمة وإلى بقعة في المحجة اليمنى المحدثة اثنان وعشرون ميلا وعرض العرقة ست عشرة درجة وثمن درجة ، ومنها إلى مهجّرة اثنا عشر ميلا ، وقد يجعل مرحلة ، ويطوى اكثر ذلك إلى أرينب ، من العرقة إلى أرينب خمسة وعشرون ميلا وعرضها ستة عشر جزءا وثلث وخمس جزء ، ومنها إلى سروم الفيض أربعة عشر ميلا وعرضها ستة عشر جزءا ونصف وخمس جزء ، ومنها إلى الثجة ستة عشر ميلا وعرضها ستة عشر جزءا وثلثا جزء وربع جزء ، ومنها إلى كتنة عشرون ميلا وهي على تمام خمسة عشر بريدا من صنعاء وثمانين ومئة ميل ، وكتنة أول حد الحجاز وعرضها سبعة عشر جزءا وسدس ونصف عشر ، وعرضها وعرض جرش واحد لأنها منها على خط الطول من المشرق إلى المغرب على مسافة أقل من يوم ، ومن الهجيرة وتثليث عن يوم في مشرقها ، ثم منها إلى يبمبم عشرون ميلا ، وذلك مئتا ميل من صنعاء وعرضها سبعة عشر جزءا ونصف ، وسدس عشر جزء ، ومنها إلى بنات حرب عشرون ميلا وعرضها سبع عشرة درجة وأربعة أخماس درجة ، ومنها إلى الجسداء اثنان وعشرون ميلا وعرضها ثماني عشرة درجة وعشر ونصف عشر ، ومنها إلى بيشة بعطان واحد وعشرون ميلا وعرضها ثماني عشرة درجة وثلث وثمن ، ومنها إلى تبالة احد عشر ميلا وهي من صنعاء على ثلاثة وعشرين بريدا ومئتين وستة وسبعين ميلا وعرضها ثمانية عشر جزءا وثلث وثلاثة أعشار جزء ،

__________________

(١) ولهذا قيل : أريها السّها وتريني القمر. يضرب للذي يسأل عن شيء فيجيب جوابا بعيدا.

(٢) العرقة : بلد حي من صحار وأعمال صعدة من شمالها.

٣٠٢

ومنها إلى القريحا اثنان وعشرون ميلا ، وعرضها تسعة عشر جزءا ، ومنها إلى كرى ستة عشر ميلا وعرض كرى تسعة عشر جزءا وسدس وثلثا عشر ومن كرى إلى تربة وهي أبيدة خمسة عشر ميلا وعرضها تسع عشرة درجة وثلث وثمن درجة ، ومنها إلى الصّفن اثنان وعشرون ميلا وعرض الصفن تسع عشرة درجة وثلاثمائة وثمن ، ومنها إلى الفتق والطائف ثلاثة وعشرون ميلا وهي من صنعاء على ثلاثين بريدا وثلاثمائة وستين ميلا ، والفتق والطائف ومكة على خط الطول من المشرق إلى المغرب إذا صليّت بالفتق استقبلت المغرب فوقعت الطائف بينك وبين مكة وعرض الفتق عشرون درجة وعشر درجة. وفي مرحلة صفن إلى الفتق بريد جلدان هو بقدر بريد ونصف وكان الفضّال الدليل يقول : ثلاثة أشياء لا يسع فيها إلا الجد والانكماش دون الرّخرخة والفتور فيقال له : وما هي يا أبا يوسف؟ فيقول : مباضعة العجوز وأكل اللحّوح باللبن وبريد جلدان ، اللحّوح ويسمى الصّليح خبز الذرة على الطابق يكون على رقّة الثياب لا يحتمل فاذا وقع في اللبن استرخى فلم يحتمل إلا بأكثر الأصابع ومع اليمنى الأدب بكلها (١). ومنها إلى رأس المناقب اثنا عشر ميلا وهي منتهى الطريق إلى وجه الشمال ثم رجعت نحو المغرب والجنوب وعرض رأس المناقب عشرون درجة وربع وثلث عشر وليس بمنزل والمنزل قرن ويسمى قرن المنازل ، ومن رأس المناقب إلى قرن ستة أميال ومن قرن إلى رمة (٢) ثمانية عشر ميلا وعرضها عشرون جزءا وسدس عشر ، ثم الزّيمة إلى مكة وعرضها عشرون درجة وعشر.

محجة صنعاء إلى مكة طريق تهامة : من صنعاء صلّيت (٣) من البون ثم الموبد ثم أسفل العرقة وأخرف ثم الصرحة ثم رأس الشقيقة ثم حرض ثم الخصوف من بلد حكم ثم الهجر ثم عثر ثم بيض ثم زنيف ثم ضنكان ثم المعقد ثم حلي ثم الجوّ ثم

__________________

(١) اللحوح بضم اللام وفتحها وضم الحاء المهملة آخره حاء ايضا : معروف ويعمل في وطننا لا سيما بلد حاشد وبلد قدم كلها والشرف وبلد الأهنوم وهي الأكلة المفضلة لديهم ، كما يقال له الصليح وهذه لغة جارية في عموم اليوم الى يوم الناس وفي (ح) : ومع اللحى (؟). انظر كتابنا الجزء الاول التاريخ الاجتماعي.

(٢) لعل الصواب : الزيمة.

(٣) صلت بكسر الصاد المهملة وكسر اللام ايضا آخره ثم ياء مثناة من تحت ثم تاء مثناة من فوق : بلدة خربة في حقل البون وبها آثار.

٣٠٣

الجوينية من قنونا وتسمى القناة ثم دوقة (١) وهي للعبديين من بقايا جرهم (٢) ثم إلى السّرّين ثم المعجر ثم الخيال ثم إلى يلملم ثم ملكان ثم مكة ، هذه طريق الساحل ، والمحجة القديمة ترتفع إلى حلي العليا وتسمى حلية وإليها ينسب أسود حلية وهي التي يعني الشنفرى بقوله (٣) :

بريحانة من بطن حلية نوّرت

لها أرج من حولها غير مسنت

ثم إلى عشم ثم على الليث ومركوب إلى يلملم ، ولطريق صنعاء هذه مختصر في بلد همدان من صنعاء إلى ريدة ثم إلى رأس الشرّوة من بلد وادعة ثم البطنة ثم خرج.

محجة عدن : من عدن إلى المخنق ، ومن المخنق الحجار ، ومن الحجار المسيل ، ومن المسيل عبرة ، ومن عبرة إلى كهالة بئر ذي يزن مطوية بحجارة سود من رأسها إلى الماء طويلة ، ومن كهالة الماجلية ثم المقعدية ثم إلى زبيد ثم الى المعقر ثم الكدراء ثم المهجم وبالمهجم ، تفضي محجة صنعاء على وادي سهام وهي بعيدة إلا أنها تسلك الأمان ، ثم بلحة (٤) من وادي مور ثم الحسارة ثم العباية ثم الشرّجة ثم العرش ثم عثر.

محجة حضرموت : من العبر إلى الجوف ثم صعدة ، وينضم معهم في هذه الطريق أهل مأرب ، وبيحان ، والسرّوين ، ومرخة ، فهذه محجة حضرموت العليا.

__________________

(١) دوقة بفتح الدال المهملة آخره هاء : بلدة قائمة يسكنها قوم من أزد السراة ، اوردها ياقوت.

(٢) ملكان بكسر الميم وسكون اللام آخره نون أو بالتحريك : جبل بالطائف. وفي «معجم ما استعجم» بفتح أوله وسكون ثانيه : جبل مذكور في الجزيرة ، وعندنا أماكن كلها بالكسر وذكرها كلها في المعجم.

(٣) الشنفرى : شاعر مشهور وأحد الصعاليك والعدّائين.

(٤) المخنق : يحمل اسمه الى هذا التاريخ ، والحجاز زنة الحجار التي هي الصخور وهي التي تسمى اليوم الاحجار ، والمسيل : غير معروف ، وعبرة بفتح المهملة وسكون الباء الموحدة ثم راء وهاء : هي اليوم أنقاض وخرائب ، وبئر كهالة بضم الكاف آخره هاء : أنا وردتها وشاهدتها وهي كما وصفها المؤلف مطوية بحجارة سوداء وأثر الحبال مؤثرة في أحجارها العليا ولكنها اليوم أسفت عليها الرياح ولم يبق ظاهر منها إلا قدر قامة ولا ينتفع بها ، وتبعد عن المخا في الشرق الشمالي بمسافة ثلاثين كيلا ، وبلحة : تأكد من المصادر انها بالباء الموحدة وسكون اللام ثم حاء مهملة مفتوحة ثم هاء : هي اليوم لا عين ولا أثر.

٣٠٤

وأما محجتها السفلى فمن العبر في شئيز (١) صيهد إلى نجران شبه من ثمانية أيام ، ثم من نجران حبونن ، وهو واد يغيب من بلد يام من ناحية سمنان ، وهي كثير الأرطى ، وبه بئر زياد الحارثي جاهلية ، وحبونن بكسر الحاء من مناهل العرب المشهورة وكذلك بئر الربيع بن عبد الله من نجران على مرحلة لمن قصدها من حضرموت ومأرب.

وقتل عبد الله بن الصّمّة أخو دريد بخليف دكم من أعلى حبونن قتله بنو الحارث ابن كعب وفيه يقول القائل : اشجع من الماشي بترج.

وفيه يقول دريد :

تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا

فقلت أعبد الله ذلكم الرّدي

وفي بلحارث سيف دريد ذو الجمر والذي أخذه هبيرة بن مالك الحماسي وفيه يقول دريد :

أتيح له من أرضه وسمائه

هبيرة ورّاد المنايا على الزّجر

وسمي ذا الجمر لفقر في سنة واحدة منها جمرة وهو اليوم في آل بسطام منهم ، ثم الملحات ثم لوزة ثم عبالم ثم مريع ثم الهجيرة ثم تثليث ثم جاش ثم المصامة ثم مجمعة ترج والتقت بمحجة صنعاء بتبالة ومحجة صنعاء تلتقي بها محجة العراق واليمامة والبحرين بالمشاش بين حنين والعوارة.

محجة عدن على طريق صنعاء منها ، من عدن لحج بلد الأصابح ، ثم الصّهيب وبها سبأ الصهيب قبيلة من سبأ ، ثم الحبيل وليس بقرية وهو حبيل تزخم كالجبوب البسيط (٢) ، ثم أسفل الأردم (٣) وهو وادي الأجعود ، ثم صور ، ثم ثريد

__________________

(١) الشئز : بالشين المعجمة وبالهمزة أو بالياء آخره زاي : وهو المائل عن الجهة. يقال : هذا شيز هذا ، أي غير مقابل له بل يميل عنه الى جهة أخرى ، ويقال : فلان يجزع شيز : أي منحرفا عن الجادة : لغة يمنية مستعملة.

(٢) تزخم بالتاء المثناة من فوق والزاي ثم خاء معجمة اخره ميم : هكذا صححناه مما سبق ومن «الاكليل» ج ٢ ـ ٣٦ ، حيث قال : ازحم أو أرخم الشك من ابن يعقوب والى ازخم ينسب حبيل ازخم في طريق عدن وقد يقال فيه اسخم مثل الزقر والصقر والسقر. وهو المسمى اليوم الحبيلين بلفظ التثنية بكثرة وأسحم بقلة ولا يعرف بأزخم أو تزحم وهو ما بين الضالع وقعطبة ، وكان في الأصول كلها «ترخم» : أي بالتاء المثناة من فوق ثم راء مهملة وخاء معجمة آخره ميم.

(٣) هو ما يسمى اليوم جبل ذي ردم وهو هناك كما ذكره المؤلف.

٣٠٥

من رعين ، ثم ذو بلق من أرض رعين ، ثم شراد من أرض رعين ، ثم أعلى شرعة من ناحية عباصر (١) ، ثم يكلى ، ثم صنعاء ، ثم محجة صنعاء ، وربما طرحوا الكثيب الأبيض بين لحج والصهيب ، وربما طرحوا من ثريد أخطام عهان ثم بدر ثم الصهيب.

محجة عدن العليا على الجند ثم محجة الجند معها إلى صنعاء ، من عدن إلى لحج ثم ثعوبة (٢) ثم ورزان ثم الجند ثم السّحول ثم حقل قتاب ثم ذمار ثم خدار ثم صنعاء وهي أقصد وأوعر ، فيها نقيل صيد ، يسار بالحمائل مرحلتين هذه الطريق اليسرى للجند ، ومن أخذ اليمنى فعلى علصان وفي هذه الطريق من النقل يسلح وصيد ونخلان وحزر (٣) وأما ما دون هذه النقل فلا يعد.

عجائب اليمن التي ليس في بلد مثلها

منها باب عدن وهو شصر (٤) مقطوع في جبل كان محيطا بموضع عدن من الساحل فلم يكن لها طريق إلى البر إلا للرّجل لمن ركب ظهر الجبل فقطع في الجبل باب مبلغ عرض الجبل حتى سلكه الدواب والجمال والمحامل والمحفات (٥).

وقطع بينون جبل قطعه بعض ملوك حمير حتى أخرج فيه سيلا من بلد وراءه إلى

__________________

(١) عباصر : بالعين المهملة والباء الموحدة ثم صاد وراء : بلدة في ظاهر شرعة من عنس جنوب ذمار بمسافة فرسخين فأكثر وبها تحصن ملك اليمن أبو حسان أسعد بن أبي يعفر الحوالي من علي بن الفضل سنة ٢٩٩ ه‍ ، ويكلى : مر ذكرها. وهذه المرحلة وما بعدها مرحلة صنعاء كبيرتان يقطع كل واحد منهما بياض النهار.

(٢) ثعوبة : بفتح الثاء المثلثة فواو ثم باء ثم هاء : بلد ما بين كرش والرما القبيطة عدادها من الأصابح والصبيحة من الجنوب ، والثعوبة أيضا : قرية من الكلاع : العدين ثم من عزلة حرد وأخرى من وادي ظبا أعمال ذي السفال.

(٣) يسلح : بفتح الياء المثناة من تحت آخره حاء مهملة : وهو المطل على جهران من الشمال الممر المفضي الى خدار فوعلان فصنعاء ، وصيد سمارة : وقد سلف التعريف به ، ونخلان : يختلف باختلاف مقاطيعه فيسمى ما يطل على وادي نخلان نقيل المحرس ونقيل المنزل السياني ثم يواجهه النجد الأحمر الذي تقع عليه اليوم طريق السيارات من ظاهر نعيمة صبهان ثم نقيل المحمول المطل على مدينة اب من الشمال والمفضي اليها والأرض التي بين جبلة وإب.

(٤) الشصر : بكسر الشين المعجمة وسكون الصاد المهملة آخره راء : وهو الشق ويتصرف منه الفعل والمصدر وغيره ، ومنه قولهم : شصر الأرض ، إذا شقها للفلاحة : كلمة يمانية جاءت على الألسن ولم أجدها في المعاجم التي بين يدي.

(٥) المحفّات : جمع محفة ـ بكسر الميم ـ مركب للنساء كالهودج ، وفي الأصول الجفات.

٣٠٦

أرض بينون (١). وقلعة الجؤة لأبي المغلس في ارض المعافر وهو مرّاني من همدان وهي تطلع بسلم ، فإذا قلع لم تطلع.

ومنها جبل تخلي وهو جبل واسع الرأس ذو عرقة مطيفة به تزلّ الوبرّ والقرد وتحت العرقة عرقة وفي مواضع منه عرق مترادفة ، وليس تعم جميعه إلا العرقة العليا والتي تحتها ورأسه واسع جدا فيه ثلاث قلاع حصون فأولها بيت فائس (٢) وهو من أرفع ما فيه وفيها مسجد قائم كان الناس يزورونه ، والمضمار مثلها في الرفعة ، وبيت ريب (٣) حصن ذو عرقة منقطعة عليها قصور آل المنصور وحرمهم وأموالهم لا مسلك لها غير باب واحد ، والأراس حصن بينها وبين فائس وهو حصن واسع ، وفيه من القرى قرية بيت ريب وهي قرية السّوق التي بها التجار وقرية الجوش وميدان وبيت زود وبيت البوري وسمع وبيت فائس والمضمار هذه كلها قرى (٤) ، وله من الأبواب التي لا تدخل إلا بإذن باب السروج (٥) وهو باب صنعاء وبلد همدان وباب البرار لبلد قدم ونمل وشرس ، وباب المكاحل لعيان والمخلفة وبلد حجور والشرف وبلد حكم ومكة ، وباب أدام لطمام وبلد عكّ وملحان والمهجم والكدراء وزبيد وعدن. وباب العشة ليس محجة ، وباب غبقان ليس محجة وباب العدن ، وتغلق هذه الأبواب (٦)

__________________

(١) بينون : بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت ثم نون وواو آخره نون : بلد ونفق وتقول العرب النقب وجمعه النقوب وهي لغة فصحى ، ويقع في ثوبان من بلد عنس شمال ذمار بشرق وعداده اليوم من الحداء ، وقد شاهدته وهو من أبدع ما صنعته يد الانسان وفي مدخله من الشرق الشمالي ثلاث لوحات مكتوبة في المسند في أصل الجبل إحداها مقابلة لوجه الداخل واثنتان على جانبي الباب من أعلاه ، ودوّنت مشاهداتي في الجزء الثامن الذي نزمع على إعادة نشره إن شاء الله.

(٢) بالسين المهملة آخر الحروف ويسمى اليوم بيت فايز بالزاي آخره.

(٣) المضمار : لا يزال يحمل اسمه الى هذا التاريخ وكذا بيت ريب زنة ريب الذي هو الشك ، قال ابن اقنونة قاضي آل يعفر يذم بيت ريب ويتشوق الى صنعاء :

لا حبذا بيت ريب لا ولا نعمت

عينا غريب يرى يوما بها بهجا

وحبذا أنت يا صنعاء من بلد

وحبذا عيشك الغض الذي درجا

أرض كأن ثرى الكافور تربتها

وماؤها الراح بالماذي قد مزجا

تهدي الى الشم انفاس الرياح لها

ما هبّت الريح فيها العنبر الأرجا

راجع ج ٢ ـ ٢١٥ الاكليل.

(٤) هذه المواضع لا تزال تحتفظ باسمائها.

(٥) باب السروج بكسر السين المهملة وسكون الراء وفتح الواو وآخره جيم يحتفظ باسمه وهو الباب الرئيسي لهذه الغاية.

(٦) هذه الابواب تحمل اسماءها وتؤدي ما كانت تؤدي عليه الا ان ليس لها اليوم ابواب واغلاق.

٣٠٧

على هذه الحصون وهذه القرى على ضياع تؤدي خمسة آلاف ذهب برا وشعيرا يكون سبعة آلاف وخمسمائة قفيز (١) ، ومن البرك والغيول على غيل عبلة وبركة سمع وبركة ميدان وبركة حالة وبركة السوق وبركة بيت فائس وعلى غيل عين بياضة وعين العشّة وعين بيت الهتل وعين الوعرين وتغلق على ميدانه وأنو باته ومجزرته ومساجده ، ومراعيه وأغنامه وبقره وخيله ما خلا الإبل فانها لا تطلعه وهو مع ذلك كثير السّباع في رأسه ، ولا مؤذ به من هوام الأرض ، لم ير فيه ثعبان ولا أفعى ولا عقرب ولا ضفرة ولا قعص (٢) ولا بعوض ولا بنات وردان وهي الضّوامير ولا خنفساء ولا كتّان وهو البق وقد يدخل البق في أمتعة المسافرين إليه فيمتن إذا صرن فيه وهو قليل الذباب والعنكبوت كثير الغراب والحدأة. فأما جوّه وهواؤه فمعتدل في الشتاء خاصة لأنه يكون في الشتاء صاحيا والذي عنيت من الشتاء فهو فصل الخريف عند الحسّاب وهو عصر الميزان والعقرب والقوس وقد ربما شابهه فيه عصر الجدي والدّلو والحوت وأكثر ذلك يعظم فيه نوء الثريا وهو عصر الجدي ونصف الدلو ونوء الصواب في الحوت ، وعصر الحمل والثور والجوزاء وهو الربيع عند الحساب فيه صرير كثير المطر والبرد والهجاء فاذا اتصل الثريا بالصواب بالربيع كادت أن لا ترى عليه الشمس مدة للضباب الذي يتعصب به فيفقدها الكلاب فإذا أتى عصر الصّحو وظهرت الشمس نبحتها الكلاب ، والخريف وهو عند الحساب الصيف وهو عصر السّرطان والأسد والسنبلة به كثير الأمطار والصواعق فيه كثيرة لارتفاعه وقد تحدث فيه وتختطف من أهله وإنما الرعد لقوة قادحة البرق ، ومبادىء حركتها وكل راعدة صاعقة لأنها إذا علت في الجو بلغت تلك الحركة منتهى مداها في الجو قبل ان تصل الأرض فإذا قربت اللامعة من الأرض وقع صوتها وحركتها إلى الأرض ولم تبلغ مداها فأحدثت فيما لقيته من الأجسام كالسهم الذي يلقاه الجسم عن قريب فيمخطه بشدة درأته فإذا أصاب جسما في أقصى مداه وقع فيه وهو عال ذاهب

__________________

(١) الضياع بالضاد المعجمة جمع ضيعة الأموال الرغيبة والكلمة من الدارجات على الألسن لاسيما في بلد ذي رعين والذهب بالذال المعجمة ثم هاء ساكنة وباء موحدة مكيال معروف عندنا وكان مستعملا في الجبال اليمنية إلى عهد قريب كما لا يزال يستعمل في تهامة اليمن إلى عهدنا وفي «ب» زهب بالزاي وهم مطبعي والقفيز مكيال مصري معروف.

(٢) القعص بفتح القاف وتسكين العين آخره صاد مهملة : نوع من الذر يلدغ وهو معروف عندنا وبنات وردان الشصاص والشوصر في اللغة الدارجة.

٣٠٨

الدّرأة وكان المستولي على كثير من طباعه القمر فلا يزال في أيام الصحو صاحيا حتى يدحض الشمس من جزء وسط السماء والقمر منها بمنظر ، وحينئذ يثور البخار من بطون الأودية حوله ومن بطون شعابه سحابا أبيض كثيفا وهو يظهر ويكثف ويرتفع في سرعة فلا يدور من الفلك جزءان أو ثلاثة حتى قد التبس ذلك البخار رأس الجبل من جميع جوانبه فيعتم به ونظرته عليك طلعا يحول بينك وبين النظر إلى دابتك إذا كانت قدامك أو بينك وبين رفيقك إذا بدرك ، فإن كنت في وقت نوء كان ذلك السّحاب الذي أنت فيه ينهمل رذاذا غزيرا ثم ارتفع وتكاثف فإذا تكاثف وقع فيه لامعة البرق وتبعها صوت الرعد عجلا وريثا على قدر بعد العقيقة من البرق ، ومثال ذلك انك إذا كنت في بعض السهول وكان منك على مدى البصر من يضرب بصاقور في حجر أو بفأس في شجر فنظرت إلى وقعة الفأس لم يتأد إليك صوتها إلا عند وقوع الضربة الثانية وصوت الضربة الثانية عند وقوع الضربة الثالثة وربما كان ابطأ على قدر البعد وكذلك البرق ربما التمع ثلاث لمعات متتابعات فلم يسمع رعدة الأولى إلا بعد تقضّي اللمعة الثالثة ، وربما تكاثف ذلك السحاب إذا ظهر من بطون الأودية دون الشعاب والتف وتضاغط على المنتصف من قعدة الجبل فوقع فيه لامعة البرق فبرقت تحتك ونظرت الأودية متشققة بالسحاب وفوقه الشمس فإذا انقشع السحاب نظرت إلى ماء المطر يسيل في بطون الأودية وإذا أصبح على رأسه الصحو غب المطر وصفا الجو نظرت من أي مرائيه شئت ومن أي أشرافه ركبت أرض تهامة من تحته من موسط بلد حكم إلى المهجم ومن سردد وتنظر سائلة مور كالشيبة البيضاء ، بين خمل تهامة وزغبها وعرفانها ثم تنظر البحر طريدة باقوتيّة فأما الحاد البصر فإنه ينظر من خلف البحر جزائر الفرسان (١) ، وأما ما ينظر منه من الجبال فعرّ خولان من شماليّة وأكمة خطارير ، ورأس وتران عن مسيرة سبعة أيام وستة وخمسة وسحيب جبل بني عامر بحرض ، ومن غربيه جبال الشرف وريشان جبل ملحان عن قرب كقرب هنوم منه من شماليه ، ومن جنوبيه برع وشبام حراز ومسار وضلع جبلان وحرف أنس وضوران ورأس سحمّر (٢) ويخار وينظر هو من هذه المواضع ولو لا أن قعدته في الأودية دون أن يكون

__________________

(١) هذا الوصف الدقيق الرائع والتشبيه اللطيف ربما شاهدنا احيانا من جبال حجة أيام المنفى وعرفانها بضم العين وكسرها وتشديد الفاء فيهما جندب ضخم كالجراد أو نبت.

(٢) هو ما يسمى اليوم قلة بني مسلم. وسحمر من عرضه.

٣٠٩

على ظاهر منجد لكان يرى من أرض نجد ، وأما من شرقيه فلا يرى بلد لأن جبال المصانع تعلوه مثل جبل ذخار ومدع وحضور بني أزاد وهي في أعلى خط السراة وهو في موسطها ولذلك اعتدل هواؤه لأنه ارتفع من حر تهامة وسمومها وتطامن من نجد اليمن وبرده ويبسه ، فأما سعة رأسه الذي تحويه العرقة وتدور به الأبواب فإنه يكون لمن مسحه ميلا ونصفا في مثله أو يزيد إلى ميلين إلا ثلث وإذا رآه الجاهل حكم على انه ميلين (١) وزيادة في مثلهما وتحف به من الأودية وادي لاعة وهو طمام وفرعاه عطوة ورأسها بياضة والعشّة من رأس الجبل والتهام (٢) وهو من جبل ذخار والشوارق ومسور والحتر وتصب فيه أودية أخرى مثل اليعمل وضلع الجنات وغيرها ووادي عيّان ووادي نمل ووادي قيلاب ، وكل هذه الأودية غيول مخارجها من صفوحه عليها الأمواز والأقصاب أعني قصب الشيرين ويقال الشيري وهو قصب المضّار وقصب السكر ، وسمي قصب المضار (٣) لأنه يمضر بالفم أي يمضغ فيبلع ماؤه ، وصفوحه مكتسية بالمزارع والعشاش التي تكون للبقر مراتع ، ومن ولد في رأسه فقبيح غير صبيح وخاصة النساء ، ومن ولد في صفحه فصبيح غير قبيح وطباع سكنه وأهله تخالف طباع من في صفوحه (٤) في العقل والنجدة والطول والتمام والفصاحة وانشراح الألسن ، ونبت رأسه البرزغة والأثبة والصعتر (٥) ومن الزرع البر والعلس والشعير والجعرة (٦) واسم هذا الجبل وفيت وهو منسوب إلى تخلى بن عمرو الحميري من ولد شمر ذي الجناح بن العطاف وأخبار تخلى كثير (٧).

ومنها جبل هنوم ، وأهله الأهنوم من همدان ثم من حاشد (٨) وفيهم بطن من

__________________

(١) كذا في الاصول كلها وصوابه ميلان على القاعدة النحوية.

(٢) وادي عطوة بفتح العين المهملة آخره هاء مشهور معروف. وكذا بياضة بضم الباء الموجدة آخره والعشة معروفة الضبط وتحمل اسمها للتاريخ والتهام بكسر التاء المثناة من أعلى آخره ميم بلدة من مسور كبيرة آهلة بالسكان وفيها من آل ذي حوال.

(٣) المضار لغة غالب أهل اليمن وقد يقال له القند لغة صنعاء وذمار.

(٤) يبدو أن الصفح بالصاد المهملة كالسفح بالسين المهملة أيضا وهو أصل الجبل وأسفله ومضطجعه الذي ينصب فيه الماء كما في القاموس وان كان اللغة الدارجة ان سفح الجبل حرفه الذي يظهر منه غيره والصفح الجانب.

(٥) البرزعة غير معروفة والاثبة والصعتر مشهور معروف.

(٦) العلس معروف والجعرة بكسر الجيم والضم نوع من الذرة الحمراء. وفي نسخة زيادة والبلسن.

(٧) راجع الاكليل في نسب تخلى وقد غلب عليه اليوم اسم مسور المنتاب وكان اسم مسور في ذلك التاريخ يطلق على جانب من جبل تخلى.

(٨) هذا قول نساب همدان راجع ج ١٠ من الاكليل.

٣١٠

خولان بن عمرو بن الحاف ، ثم من ولد يعلى بن سعد بن عمرو بن زيد بن مالك بن زيد بن أسامة وهو قبالة تخلى من شماليه وعلى وصفه من جبال السراة وهو أحصن وأتلع وأوسع وقعدته على بلد غير ذي أودية فهو يكون أكثر دهره صاحيا إلا في أيام الأمطار ولذلك خالف جبل تخلى لما في رأسه من العنب والخوخ والرمّان والتين وغير ذلك ، وفيه نبات شبيه بالصندل الأبيض يقاربه في الرائحة ، وقد يداخل الصندل الهندي (١) وزرع رأسه في الكثرة مقارب لزرع جبل تخلى إلا أن البر في هنوم أكثر وهو منقطع العرق وليس له غير طريقين لا يطلعهما سوى الرجال ولا يطلعه مثل جبل تخلى دابة لوعرة طريقه فإذا أرادوا دابة يستنفعون بها في رأسه مثل البقر للحرث والحمير للحمل حملها الرجال عجلة وعفوة صغارا ، وطباع ساكنة رأسه كطباع ساكنة رأس جبل تخلى ... الغباوة عليهم وسلامة الناحية والعفّة وكلال اللسان وخساسة الخلق وحزونتها أغلب ، وفي صفوح هنوم من بطن حاشد خمسة آلاف مقاتل وزروع صفوحه الذّرة ، وصفوحه أكثر بلاد الله نحلا وعسلا ربما كان للرجل خمسون جبحا (٢) وأكثر ، ويكون العسل هنالك ستة أرطال بالبغدادي وسبعة وثمانية بدرهم قفلة ، ومن في صفوحه أهل نجدة وصباحة وحسن نساء ، على سبيل من في صفوح تخلى إلا أن هؤلاء أرجل وأحد ، وفي رأسه عيون غزيرة وقرن مرتفع عليه مسجد وتحته غيل وأخباره كثيرة (٣).

ومنها جبل برط (٤) وساكنه دهمة من شاكر بن بكيل ورأسه واسع في عداد بلد من البلدان وزروعه كثيرة أعقار وعلى المساني وهي النواضح وخبّرني من قبض عشور العلوي (٥) خمسة آلاف فرق (٦) ، وأهله انجد همدان وحماة العورة ومنعة الجار (٧)

__________________

(١) هكذا أخبرنا أهل الاهنوم انه يوجد فيه هذا النبات.

(٢) الجبح بالكسر أكثر وأشهر من الضم والفتح وهو وعاء مطوي من شجر اليراع وغيره من النباتات التي تنعطف بلين ، وتتخذ منه خلية النحل مفتوح الجهتين ثم يسد اعلاه لخروج النحل ودخولها في عيون محكمة كما يسد أسفله ولا يفتح الا عند جني العسل ولغة الجبح دارجة ومعروفة.

(٣) هو ما يسمى اليوم قرن جمع في جبل شهارة يخرج من باب شهارة ثم يتجه غربا قليلا ويطلع هذا المكان وفيه الماء والقات والمسجد.

(٤) جبل برط مشهور واسع وفي برط اليوم مطار ومضخات ومدرسة ومستوصف وهي في عمل ونشاط مطرد.

(٥) العلوي هو يحيى بن الحسين المتقدم الذكر.

(٦) الفرق بالتحريك وقد يسكن مكيال معروف لا يزال يستعمل عندهم الى التاريخ وقد ورد ذكر فرق في حديث قيس ابن نمط انظر الوثائق السياسية ص ١١٠.

(٧) هم كذلك الى اليوم ولهم في التاريخ صولات وجولات ذكرناها في محالها.

٣١١

ويسمون قريش همدان وبلغ القتل بين دهمة وأختها وائلة ابني شاكر في عصرنا هذا ثلاثمائة رجل من الجميع الخيّر فالخيّر في جار كان لوائلة قتلته دهمة وهم على أشد ما كانوا عليه ورأس برط من أصح اليمن وأطيبه وأعدله (١) هواء وهو بين الغائط ونجد.

ومنها جبل تنعمة (٢) لخولان العالية وهو حصن حصين وليس مثل برط في السعة وفي رأسه زروع أعقار وعلى الآبار.

فهذه الحصون التي بها ماؤها ومرعاها وجميع مرافقها.

ومنها جبل ذخار فيه قرى ومياه وعيون وحصنان أحدهما كوكبان من جانب ، وشربب الثاني من جانبه الآخر.

من عجائب اليمن حقل صنعاء وأول من ارتاده بعد الطوفان سام بن نوح بعد الغرق المتعالي (٣) فوجده من أطيب (٤) الإقليم الأول ، قيل فتذكر علماء صنعاء عن كابر فكابر انه وضع مقرانه (٥) وهو الخيط الذي يقدر به البناء على موضع الظبّر بالظاء والظبّر جبل قريب من صنعاء (٦) كما يقولون وهو حرف الجبل وحرف البناء ولا يذهبون إلى التّضبير من الأساوة وتضبير الناقة ناقة مضبّرة (٧) ، فبني الظبر فلما أجد في البناء أتى طائر مسفّا للمقراة فاختطفها وطار بها وأتبعه بصره حتى ألقاها على جبوبة النعيم (٨) فوضع ليبني به فأسف ذلك الطائر للمقراة فاحتملها حتى ألقاها على حرة غمدان فأس

__________________

(١) اندهش ابو الاحرار الزبيري على صحة ونضارة هذا الجبل العظيم الذي فيه عز اليمن.

(٢) تنعمة هو ما يسمى اليوم جبل اللوز لكثرة شجر اللوز فيه وفي رأسه ما ينوف على مائة بئر وهو غير تنعمة الذي في قروي من خولان العالية أيضا.

(٣) كذا في اصلنا الغرق المتعالي وفي «ل» و «ب» العرق المتعال بالعين المهملة ولم يظهر معنى ذلك بعد البحث.

(٤) كذا في اصلنا وفي الجزء الثامن وفي «ل» و «ب» طيب.

(٥) المقرانة بكسر الميم وآخره نون وهاء كذا في اصلنا وفي الجزء الثامن من الاكليل وفي «ل» و «ب» بالتاء المثناة من فوق قبل الهاء وقد فسر ذلك المؤلف وهي قطعة حديد تشبه اللوح الصغير فيها خرت ينظم فيه خيط لتقدير البناء فيكون متساويا ولا زال يستعمل عندنا الى هذه الغاية ويسمى المقراة.

(٦) الظبر بضم الظاء المشالة وسكون الباء آخره راء وهو معروف عندنا الى التاريخ وينطق به وهو حرف البناء من ركن البيت أو نحوه والظبر جبل الخ .. هو ما يسمى ظبر خيرة وهو جنوب صنعاء بين عد ورد ، وسامك معروف.

(٧) التضبير الجمع وشدة تلزلز العظام واكتناز اللحم وناقة مضبرة مفعلة مجتمعة الخلق موثقة ولم يظهر قوله : ولا يذهبون الى التضبير من الاساواة.

(٨) جبوبة النعيم هي التي تسمى اليوم جبوبة النعامي وهي التي شرقي القصر ببضع مترات والتي وضع فيها اليوم خزان المياه.

٣١٢

سام غمدان واحتفر به بئره التي هي اليوم معروفة ببئر سام (١). فاما طباع صنعاء فصحيح على أن الغالب عليها البرد ولصحتها يلبس الإنسان بها في الشتاء عند جمود الماء لباس الخز والكتان والرقائق فلا يدخلها البرد لأنه برد يابس والدليل على يبسه أنه يفطر أطراف العمال والصناع ويشنها (٢) بالدم ، ويلبس الإنسان الصوف والمبطنات ودواويج الثعالب (٣) في صيفها فلا تؤذيه ، وخبرني عمر الشهابي عن أحمد بن يوسف الحذاقي (٤) انه نظر إلى ماء جامد بناحية بيت بوس في أول حزيران وهو أصفى قليل ، ولا يتحول الإنسان الشتاء والصيف من مكانه فإذا اشتد به الصيف وحر فدخل الرجل يقيل على فراشه لم يكن له بد من أن يتدثر لأن بيوتها في الصيف باردة لأجل قصة الخير المسيّع (٥) بها بواطن البيوت فيدخل في المخدع على فراشه ويطبق عليه الباب ويسبل السترين والسجف ، فلا يتغير ضياء البيت لأجل الرخام الذي يكون في الجدرات (٦) والسقف ، بل إذا كان في السقف رخامة صافية نظر عوم الطائر بظله (٧) عليها إذا حاذاها وتؤدي الرخامة لمعان الشمس إلى القصة فتقبلها بجوهرها وبريقها.

وقال بعض من دخل صنعاء من العراقيين : من العجب أن بيت قصة بصنعاء بدينارين يريد القصة المخيرة ، والخيرة عضة مثل عضة الصبر فيها غرى تغرى به قداح النبل ، ويلصق به الغرار ، فتطبخ هذه العضة حتى تذيب ماءها ، ويستولى على ذلك الغري (٨) ثم خيض به الغرّة ويقال الجص فلا تموت مع الخيرة إلا لأوان بعد ما

__________________

(١) راجع الجزء الثامن فقد حققنا مكانها هنالك.

(٢) كذا في اصلنا من الشن اي يخرج منها الدم قطرات وهي لغة دارجة فيقول الصبيان في ايام الشتاء وكثرة اللعب قد رجلي تشن بالدم وفي «ل» و «ب» يشينها من الشين وهو القبح وهم.

(٣) الدواويج هي الفراء المدبوغة من جلود الثعالب.

(٤) الحذاقي كان يتولى قضاء صنعاء أيام الفتنة لأسعد الحوالي وغيره من سنة ٢٩٣ إلى سنة ٢٩٩ راجع التاريخ وما ذكره هو صحيح لما اعرف من طباع صنعاء والمؤلف يروي عن محمد بن عمر الشهابي ، «الاكليل» ١ / ٦٠.

(٥) المسيع المصهور والممروج بها.

(٦) كل هذا الوصف لا يزال في صنعاء وذمار للمناخ وطبيعة الأرض والرخام هو يسمى في عرفنا اليوم بالقمريات لانه يشبه القمر ويكاد اليوم يختفي لاستبداله بالزجاج.

(٧) عوم الطائر بالعين المهملة كغومه بالغين المعجمة فالاخر ، لغة ذمار وما جاورها شمالا والاولى لغة الكلاع وما انسحب جنوبا حتى عدن وهو ظل الشيء ولم اجدهما في القاموس فهما لغتان يمانيتان.

(٨) الخيرة معروفة وهي بكسر الخاء كالصبر الذي يقال له الصّبّار فعّال موجود معروف لا سيما بتهامة لكن اليوم لا يستعمل مع الجص كما ذكر المؤلف وقد رأيت في بعض البيوت القديمة بقية من هذه الصنعة الخلابة البراقة وظننتها لأول وهلة زجاجا.

٣١٣

يستمسك الجصاص ترقيعها وتصريفها على ما يريد فإذا جمدت أركبت الأيدي فمسحت فظهر لها بريق جوهري كبريق المصقول من الجواهر ، ثم دخلها البياض مع ذلك الصقال حتى تشاكله الفضة المصقولة وسائر الجصّ في البلاد يطبّع اللباس ببياضه ، ولا يكون له جوهرية ومن عتق قصة اليمن أنها إذا خيضت بالماء ، ثم ضرب به على موضع خشن ثم الزمتها يد الرّجل وهو فوق شيء يحمله ، ثم ضرب منها بشيء على يده ثم تركت حتى تموت فإنه إذا نحّي ما تحت الرّجل وترك علقته بيده تلك القصة بشدة قبضها واجتماعها فيرزب (١) وهي تجبر الكسر بقبضها هذا وقضيتها وحيلتها (٢).

جميع الثمار بها من العنب الملاحي ، والدوالي والأشهب والدّربج والنواسي والزيادي ، والأطراف والعيون والقوارير والجرشي والنشاني والتابكي والرازقي والضّروع ، ويؤتى اليها من خيوان بالرومي ومن الجوف بالوادي ، وبها الرمان الحلو والحامض والممزوج والمليّسيّ ، والسفرجل ، وليس يلحق به سفرجل البلاد لأن فيه شيئا من الحموضة والقبض (٣) ، والإجّاص والمشمش والتفاح الحلو ، والتفاح الحامض والممزوج ، والخوخ الحميري ، والخوخ الفارسي ، والخوخ الهندي (٤) ، والجوز الفرك ، واللوز الفرك والحلو منه والمر (٥) والكمثرى ، وقد وفد إلى صنعاء قدمة (٦) ، وبها الورد والباقلاء الأخضر ولا يتركونه يبلغ ، وجميع أصناف البقول ، وجميع الحبوب. والقدر بها لها رائحة وللخبز بها رائحة عجيبة شهية تشمّ من بعد وكذلك القدور وكيزان الماء من الفخار لها عند مباشرة الماء ، وهي جدد رائحة طيبة مقوية للروح وترد إلى المغشيّ عليه نفسه وهذه الثلاثة الأرواح لا يشاركها فيها شيء من البلاد (٧). ثم إذا طبخ اللحم بالخل وأنزلت القدر بها مغطاة شهرا أو شهرين ثم أتيت

__________________

(١) قوله يرزب من رزب إذا لزم وقبض بشدة.

(٢) لا تزال تستعمل القصة لجبر الكسر الى يوم الناس هذا وبالفن الحديث.

(٣) هذه الانواع لا زالت معروفة راجع الجزء الثامن من الاكليل.

(٤) غير معروف الخوخ الهندي اليوم والخوخ ما يسمى الفرسك وهي تسمية قديمة. ولعل الخوخ الهندي هو الخلاسي كما في الجزء الثامن.

(٥) الفرك الذي يسقط نواه بسرعة ولكن يشمل قوله الحلو منه والمرّ ولعل المز هو جوز البرقوق لا نعرف غيره.

(٦) في هذه العبارة قلق ولعل ثم سقط ففي الجزء الثامن من الاكليل ما لفظه : يقول ذلك من يفد إلى صنعاء من الغرباء. وربما العبادة وفد الى صنعاء قدمة.

(٧) هذه النعوت صادقة على صنعاء وما صاقبها في الاتجاه شرقا وجنوبا إلى يريم وبلد ذي رعين وشمالا الى صعدة ولكن صنعاء لما كانت حاضرة البلد كان الوصف بها ضروريا.

٣١٤

بعد هذه المدة فتجده جامدا فأسخنته فتظهر فيه رائحة يومه ، وهذا لا يكون إلا بصنعاء (١) ، وقد خبر بذلك جماعة ، منهم إبراهيم بن الصّلت طبخ قدرا له وكان عزبا (٢) ، فلما كملت وكلت نارها عزم على الغداء فهو كذلك حتى أتاه رسول ابي يعفر إبراهيم بن محمد بن يعفر ، فاتبعه من ساعته إلى شبام فلما وصله أمره بالمضي إلى مكة وكان أحد الطرادين وأمر له بناقة وزاد ، ودفع إليه كتبا يوصلها بوالي مكة فمضى إلى مكة وأقام حتى خرج جوابه وعاد إلى شبام ، فأوصل جوابه ثم صرف إلى منزله. قال : فدخلت وأنا جائع فنظرت إلى ذلك القدر على الأثافي وإلى ذلك الخبز قد يبس في منديل. قال فكسرت من الخبز شيئا في قصعة وأحررت ذلك القدر ونكبته (٣) على ذلك الخبز حتى تشرّبه فكان كقدر أسخنته يوم ثالث ، وذلك بعد شهر وكسر. وكان الحاج يأكلون سفرهم طرية الخبز ويابسة غير متغيرة من صنعاء إلى كتنة ، وإلى أبعد (٤) وكنت أنظر إلى التجار إذا حملناهم إلى مكة من صعدة يأكلون سفرهم طرية إلى نصف الطريق ويابسة تدق وتطرأ إلى مكة ، وكنا نحن نستعمل في أسفارنا خبز الملة والسمن واللحم والكشك والمهّاد (٥) ، ونرى أن خبز السفرة إذا فتّ من وعثاء السفر (٦) ، وقال لي أبي رحمه‌الله تعالى : سألني رجل ببغداد بماذا تأدمون في أسفاركم؟ قلت : بالسمن ، قال : أبا السمن؟ قال قلت : وما للسمن؟ قال هو ضرب من السمّ ، قال قلت : أما والله لو ذقت البرطي منه ، والمغربي والكليبي والجنيبي (٧) لعلمت أن دهن اللوز معه

__________________

(١) بل وفي ذمار ونحوها ولقد اخبرني من اثق به من أخل ذمار انه أبقى قلية عيد الاضحى بودكها إلى شهر رجب ثم فتح عليها فلم يتغير منها شيء والقلية هي من لحوم الاضحية التي سمنت وعلفت سنة وتطبخ وحشوها العقاقير ثم تنزل من على النار ولا يمسها يد وتترك الى ما يشاء وقد تفتح في اول السنة محرم. ولا يزالون ينتفعون بلحمها وودكها مدة على حسب الحاجة وهذه القاعدة سارية الى يوم الناس هذا وكل ذلك راجع الى جفاف البلاد ويبوستها.

(٢) انظر «أحسن التقاسيم» : ٥٥.

(٣) نكسه وكفأة.

(٤) وهذا يؤيد ما قلته ان الخاصة هذه لا تنفرد بها صنعاء بل الجهة الشمالية والشرقية ولا زال الحجاج الذي عرفناهم قبل أربعين عاما والتي كانت رواحلهم ارجلهم والحمير والبغال والابل يعتمدون في اسفارهم على ما ذكره المؤلف أما اليوم عصر البخار والسرعة فقد بطل كل شيء.

(٥) الكشك بالكسر ضبط بالشكل لا بالحرف وكذا القاموس : طعام يتخذ من نقع البرغل باللبن بعد اختماره فيفت ويطبخ قلت : ولعله الذي يسمى المطيط ، والمهادة الشيء المنبسط المسهد والذي لين وهو الممهود معروف.

(٦) خبر أنّ محذوف ولعل هنا سقطا.

(٧) السم بالفتح والضم معروف والبرطي نسبة الى جبل برط والمغربي نسبة الى مغرب حمير ، والكليبي بضم الكاف نسبة لآل كليب من صحار والجنبي نسبة إلى جنب هران أو الى جنب خشعم أو غيرهما وفي اصلنا الجبني بضم الجيم وفتح الباء الموحدة نسبة إلى جبن بضم الجيم أيضا مقاطعة من جنوب رداع لا يزال سمنها يعبق ريحا طيبة ويشم من مسافة وكذلك العودي والرعيني ، وقوله ان دهن اللوز معه وضر الوضر الوسخ.

٣١٥

وضرّ ، ولذلك لا يعمل أهل اليمن حلاواهم إلا به ، لأنه أطيب وأجود من الشيرق المقشر (١) ومن دهن الجوز واللوز ، ولطيبه يشربه الناس شربا ، ويكون له رائحة شهية تدعو النفس معها إلى شربه والاستكثار من التأدم به ، وله لطف ، فلا يكاد يجمد لرقته ولطفه وخفته ، والسمن مما يبين به اليمن (٢). وتجد ذلك كذلك في لطافة لحوم الضأن ولحوم البقر ، فأما الجنديّ منها فربما بلغ الثور منها ثلاثين دينارا مطوقا فإنه أطيب من لحم الحمل الشهري في سائر البلاد لرقته ، ولطفه ، ودسمه ، ولا يكون له رائحة (٣) ، ولأهل صنعاء الرقاق (٤) الذي ليس هو في بلد رقة وسعة وبياضا لمؤاتاة متانة البر. وإبرار اليمن العربي التليد ، والنسول برّ العلس ، وهو ألطفها خبزا وأخفها خفة (٥). والرغيف بصنعاء لا ينكسر ، ولكنه ينعطف ويندرج طومارا وكسره السفار قطعا ، والخبز بها ضروب كثيرة ، ولمضائرهم فضل لحال اللبن ، واللبن الرائب بصنعاء ، وبلد همدان ومشرق خولان وحزيز وجهران اثخن من الزبد في غير اليمن مع الغذاء واللذة والطيب ، وزبدها بمنزلة الجبن الرطب في غيرها وأشد وتحمل القطعة ، فلا يعلق بيدك منها كثير شيء ، ولهم مع ذلك ألوان الطعام والحلاوى والشربة التي تؤثر على غايات ألوان كتب المطابخ ، ولهم مثل ألوان السمائد وألوان البقط والكشك السري وألوان الحلبة ، ومعقدات الأترج والقرع والجزر وقديد الخوخ والرانج والليّ (٦) ، وغير ذلك مما إذا سمع به الجاهل ازدراه ، وإذا شرع فيه قضم على طيبه بعض أنامله ، وبه الشهد الحضوري (٧) الماذي الجامد الذي يقطع بالسكاكين ، وقد ذكره امرؤ القيس بقوله :

__________________

(١) الشيرق بالشين آخره قاف كذا في الأصول كلها وهو الشيرج بكسر المعجمة آخره جيم وهو دهن السمسم الجلجلال.

(٢) هكذا أوصاف السمن اليمني كما وصفه المؤلف ولهذا تقول الاغراب السمن سم العلل وهم غالطون فرغم أوصافه التي تفتح النفس لشربه مجردا فانه يضر بالكبد لا سيما من كان مريضا بها وقوله يبين به اليمن أي يتميز.

(٣) هو كذلك لهذه الغاية.

(٤) الرقاق لغة جارية لا سيما في الكلاع وفي الجهات الاخرى الخير وهو غير الملوج.

(٥) هذه اسماء ابرار اليمن معروفة لهذه الغاية ومنها الميساني وياتي ذكره ويرادفه الوسني ومنه الحوروري العنسي نسبة الى قرية حورور من عنس.

(٦) هم كذا إلى اليوم والرانج في القاموس بكسر النون تمر املس والجوز الهندي واللي الدعبب يأتي ذكره للمؤلف.

(٧) نسبة إلى حضور الصقع المذكور ايضا.

٣١٦

كأنّ المسك والكافو

ر بالراح اليماني

على أنيابها وهنا

مع الشهد الحضوري

ويهدى إلى العراق ومكة وسائر البلدان في القصب ، وصفة عمله أن يحر في الشمس ويصير في عقود قصب اليراع ، وأقيمت تلك القصبة أياما في بيت بارد حتى يعود إلى جموده ، ثم ختمت أفواه القصب بالقصّة ، وحمل ، فإذا أراد تقديمه على الموائد ضرب بالقصبة الأرض فانفلقت عن قصبة عسل قائمة ، فقطعت بالسكين على طيفورية أو رغيف. وباليمن من غرائب الحبوب ، ثم من البر العربي الذي ليس بحنطة ، فإذا ملك عجينة ، ثم أردت قطع شيء منه تبع القطعة تابعة منه تطول كتابعة القبيط (١) والميساني والنسول والهلباء لا يكون الا بنجران ، ومنه الأدرع الأملس والأحمر الأحرش ، واللوبياء ، والعتر ، والأقطن والطهف (٢) ، والوان الذرة البيضاء والصفراء والحمراء ، والغبراء ، والسمسم الذي لا يلحق به لاحق خاصة المأربي والجوفي كثير الضياء صاف طيب ، وقد يزرع بها الحمص والباقلي والكمون وغير ذلك (٣).

ومن عجائب اليمن أن أكثر زروعها أعقار ، فلذلك متن عجينها ، ولان خبزها وهو ان تشرب الجربة في آخر تموز وأول آب ، ثم تحرث بأيلول إذا حمّت (٤) أي شربت ماءها وجف وجهها ، ثم تحرث في تشرين كرة أخرى ، ثم في تشرين الآخر كرة ثالثة ، ثم بذرت في كانون الأول فأقام فيها الزرع إلى ايار وصرب ولم يصبه ماء (٥) ، فأما القرارة بالهجيرة فإنه يصرم بها متعجلا بنيسان وآخر آذار ، فتكون الجربة بها كثير من حمّها فتحرث وتبذر فيها ثانية ، فتأتي بطعام معجل لحرارة الزمان يصرم بحزيران. وأما مأرب والجوف وبيحان ، فإن الودن وهو الجربة

__________________

(١) القبيط بضم القاف وتشديد الباء الموحدة مكسورة نوع من الحلويات وكل هذه النعوت لا تزال كما ذكر المؤلف.

(٢) العتر بفتح العين والتاء المثناة من فوق زرع معروف يشبه ما يسمونه بالبساليا والطهف بفتح الطاء والفاء وقد تسكن آخره فاء نبت وزرع يزرع في مأرب وتهامة غب نزول السيول تكون الجربة ملآنة بالماء فيلقى عليها هذا الحب ما يجف الماء الا ونبت وأتى بأكله والطهف أصغر حبا من الدخن.

(٣) كل هذا معروف والذرة هى عدة أصناف ، والحمص كالحميص وهو يشبه العتر.

(٤) في الاصول كلها جمت بالجيم والمشهور عندنا معاشر اليمنيين والمتداول : حمّت بكسر الحاء المهملة اذا جف الماء منها وصلحت ان تحرث هكذا المعروف عندنا ولهذا صححنا الكلمة بالحاء المهملة فصاحب البيت أدرى بالذي فيه وكذا ما بعد كلمة حمت صححنا ذلك.

(٥) لا تزال هذه العادة مستمرة الى التاريخ واكثر ما يكون في نجد اليمن ، راجع تفسير الدامغة.

٣١٧

والزّهب بلغة أهل تهامة (١) يمتلي من السيل ، فإذا امتلأ نف (٢) فيه الطّهف والدخن فنضب الماء ثار نبته ، فلا يحم الجربة في شهر وأيام حتى تصرم وتحرث للزرع الذي ذكرناه ، فربما طرح في الودن مع بذر الذرة السمسم واللوبياء والعتر والقثّاء والبطيخ والقرع (٣) ، فبلغ كل ذلك أوّل أوّل ، وهذا يكون في أقاصي الجرز (٤). مثل أعراض نجد ونجران والجوف ، ومأرب وبيحان وتهامة عن كملها. ومن ذلك الذّرة بنجران في قابل يام من ناحية رعاش وراحة يكون في قصبة الذرة مطوان (٥) وثلاثة وأكثر ، ولا يكون فيها بالموضع على هذا.

ومن ذلك الأترج بنجران ليس حماض فيه كبار أحلى من العسل ، تبلغ الواحدة ربع دينار وخمس وسدس ، وليس له نظير في بلد. ومن ذلك سكر العشر (٦) لا يكون إلا بنجران ، ولا يكون منها إلا شق بلحارث فيما بين الهجر وسرّ بني مازن ، وهو سكر ينزل من الهواء على ورق العشر في قولهم وإخاله ، فيكون بقدرة الله عزوجل من العشر ، وقد يوجد منه شيء في الموضع على غير العشر ، وهو ضرب من المنّ وهيئته مثل قطع اللّبان والمصطكى ، وقد يحمل ويعمل منه سكر كبار مطبّع في القوالب وقد أهديت منه إلى أخ لي بالعراق فأعجب منه من رآه. ومنها المحط ، ويسمى القصاص وهو حالق للبواسير (٧) ، ولا تصيب هذه العلة أحدا بخيوان لاستعمالهم إياه في القدور ويعقد بالعسل ، ويهدى ، وأهدى منه بعض سلاطين تهامة إلى العراق ، وجرت كتب اليه أن احتفظ بحظائر هذه الشجر فأعلمهم أنه نبات جبال قبائل وادعة وأرحب.

__________________

(١) هذه الاسماء تطلق على القطعة من الارض معروفة للتاريخ مستعملة والزهب بالزاي بمثابة الفدان بمصر وفي «ل» و «ب» بالذال المعجمة وهم.

(٢) النف هو ان يأخذ حبا ملء قبضته ثم يرمي به الى الجربة باسلوب زراعي معروف.

(٣) السمسم هو الجلجلان واللوبيا بضم اللام الدجرة وجدرة في لغة حجة وما جاورها أي ان هذه النباتات تذرى معها في جربة واحدة وآن واحد وتأتي بثمرها بسرعة وهكذا اليوم يعملون وذلك لطيب الارض وجودها.

(٤) الجرز بالجيم والراء آخره زاي معجمة مر الكلام عليه وفي «ب» و «ل» الجزر بالجيم والزاي ثم راء وهم.

(٥) مطوان تثنية مطوى وهي السنبلة السبولة وهي لغة حاشد ومغاربها وورد بهذا اللفظ في المساند الحميرية.

(٦) العشر بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة شجر معروف ولكن لا يأتي بما ذكره المؤلف الا في نسق بلحارث.

(٧) القصاص معروف ومنتشر في عموم اليمن لا سيما في جنوبه ومغاربه.

٣١٨

ومنها الورس واللبان اللذان لا يكونان في غير اليمن ويصيران في جمع الأرض (١) ، وبها النخل البعل الذي لا يشرب إلا من السيل ، وربما أسنت فأتى بالتمر عن ريّ سنة واثنتين ، وبها القسب (٢) من التمر الذي يسحق ، ويحلو مع السويق كالقند فذاك بنجران ، وبها المدبّس الذي لا يلحق به بردي خيبر. قال لي أبي رحمه‌الله تعالى : قد دخلت الكوفة وبغداد والبصرة وعمان ومصر ومكة ، وأكثر بلاد النخل وطعمت التمران ما رأيت مثل مدبس نجران جودة وعظم تمره خاصة تملأ الكف التمرة ، وبها من الجرب الكبار التي تأتي بعشرين الف ذهب فذاك ثلاثون ألف قفيز ، سيوان في جانب صنعاء (٣) وجربة حران بشراد والحضر (٤) وأرض الرزم بالجوف والحرجة بمأرب.

ومن الآبار العجيبة : البئر المعطلة بريدة ، ومنها بئر سراقة لمراد في أسفل الجوف ، طولها خمسون باعا ، وماؤها عذب فرات ، لا تكدرها الدلاء ، وبئر سام بن نوح بصنعاء ، وكهالة بئر ذي يزن بين زبيد وعدن ، وبرهوت بسفلى حضرموت وبئر ميمون المذكورة في القرآن (٥).

والمواضع التي لا تضر فيها الأفاعي : ناعط يلدغ بها أحد ولا بموضع تشرف عليه ، ويكون منها بمنظر ، وصنعاء لطلسم كان بها في باب المصرع ومثلها ظفار ، وبها تراب إذا طلي به بيت مصهرج لم يدخله كتانة ، يحمل ويباع (٦) ، وبالمعافر عضاه

__________________

(١) قال الاصمعي : ثلاث قد عمت الارض ولا توجد الا في اليمن : اللبان والورس والعصب.

(٢) القسب نوع من التمر.

(٣) سيوان بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة من تحت آخره نون كذا صححناه من الاكليل ج ١ ـ ومن ابن خرداذبه ـ ١٣٦ قال الهمداني كانت للامير عباد بن محمد الشهابي زميل معن بن زائدة باعها في اغاثة الملهوف وعمل الكل وكسب الثناء وللآخرة والاولى وتقع في شعوب شمال صنعاء وهي اليوم مجزأة وقال ابن خرداذبه : ويشق صنعاء واديها السرار يجري اذا جاء المطر في شهور الصيف ويصب في سيوان فتكون كأنها بحيرة قال الشاعر :

ويلي على ساكني شط السرار

يسكنه ريم شديد النفار

والسرار هي المعروفة اليوم بالسائلة.

(٤) جربة حران بكسر الحاء المهملة هو اليوم البعض منها خزجة ترعى فيها البقر لانها صارت مستنقعا للمياه والبعض منها صالحة للزراعة من ارض الوقف الراجع إلى مدينة ذمار وشراد وادي المطاحن والشلالة.

(٥) بئر ريدة هي اليوم أغزر ما تكون ماء واعذبه ونعتها المصنف في الجزء الثامن نعتا جميلا وفيها اليوم مضختان ولا تنكش وبئر شراقة في مدينة براقش من أسفل جوف مراد وكان يسكنه عهد المؤلف بلحارث بن كعب ومراد.

(٦) وهذا في مدينة ذمار ايضا ولا يوجد بها الحنشان ولا شيء من الهوام.

٣١٩

كثيرة تدفع مضارّه (١).

وبها جبل الملح في بلاد مأرب ، ولا نظير له وهو ملح ذكر ذو جوهرية وصفاء كالبلور وهو الملح البري ، وكان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أقطعه الأبيض بن حمّال السبائي يوم وفد عليه ، فلما ولى قيل : إنك اقتطعته يا رسول الله الماء العدّ فاستقاله فيه فأقاله (٢) ، وبالشرّف من همدان الموز العري أي لا يشرب من عين إلا من المطر.

وباليمن من كرام الإبل الأرحبية لأرحب بن الدّعام من همدان ، والمهرية ثم من المهرية العيدية تنسب إلى العيد قبيلة من مهرة (٣) والصدفيّة ، والجرمية والدّاعرية تنسب إلى داعر من بلحارث ، والمجيدية ومنها الإبل المهرية المعنبرة.

ومن البقر الجندية والخديرية في الجسم والقوة وطيب اللحم ، وتبلغ في الجسم مبلغا عظيما ، والجبلانية السود الحرش التي تدبغ جلودها للنعال يبلغ الجلد منها عشرة مثاقيل وأكثر وإلى عشرين ، ومنها الشرّع المدرهمة العرسية السّمسمية ، ويبلغ الأشرع المدنر الأحرش دنانير ، ولهذه البقر صيالة وحد في قرونها وبأس ، وتقتل السباع وهي العراب من البقر والأخرى الدّرب والدربة السنام (٤).

ومن الحمير للسّروج : الحضرمية ، ثم المعافريّة وذوات الأشر والخفة والسرّع والشّهومة والخشونة الخشبية منها (٥).

ومن الخيل : العنسية والجوفية والحجيجية (٦) ، وهي خيل لها أنفس وخرجات وانحرافات ، وليست مثل المصرية والجزرية متنا ، ولها صبر وصباحة على أنها ليست بجسام ، وهي أشهم وأجمع قلوبا ، ويطأن القتيل ، ويحملن السلاح الثقيلة ،

__________________

(١) لعلها التي تسمى اللاعية فان من أكل منها لا تضره لسعة الافاعي ولا العقرب ولا الثعبان وهذا أمر مشهور.

(٢) راجع الاكليل ج ٢ ـ ٢٤١.

(٣) راجع ج ١ ـ من الاكليل ص ١٩١.

(٤) الشرع بالكسر شراك النعل واوتار العود جمعه شرع بالكسر كذا في القاموس. والمدرهمة التي تشبه الدرهم ولم يظهر قوله : العرسية والسمسمية كأنها التي تشبه السمسم وقوله المدنر بتشديد النون الذي فيه نكت والحرش والاحرش التي فيه خشونة وصلابة والدرب بالضم جمع الدربة وهي الهجين الضعيفة.

(٥) ذوات الاشر بفتح الهمزة وهو المرح والنشاط والسرع بالفتح والكسر : السرعة معروفة والشهومة كالشهامة معروفة والخشونة الصلابة والقساوة والتي في ملمسها نبو ، الخشبية نسبة الى الخشب.

(٦) العنسية نسبة الى بلد عنس والجوفية نسبة الى الجوف المشهور. واما الخجيجية فغير معروفة.

٣٢٠