صفة جزيرة العرب

الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني

صفة جزيرة العرب

المؤلف:

الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني


المحقق: محمّد بن علي الأكوع الحوالي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

قرّة (١) صاحب المسند ، وعبد الرحمن بن عبد الله قارىء المساند. ثم رداع (٢) وهي مدينة يسكنها خليط من حمير من الأسوديّين ومن خولان وبلحارث وعنس ويكتنفها في باديتها الربيعيون والزياديون وبلحارث وبنو حبيش من زبيد ، ومن أهلها أحمد بن عيسى الخولاني صاحب ارجوزة الحج ، وقد أثبتناها في آخر الكتاب وابن أبي منى الشاعر فارسي من الأبناء ، ورداع بين نجد حمير الذي عليه مصانع رعين وبين نجد

__________________

الأبناء : بقية الجيش الفارسي الذين قدموا مع الملك سيف بن ذي يزن الحميري وسموا بذلك لأنهم تأهلوا باليمن ورزقوا اولادا فصار اولادهم واولاد اولادهم يدعون الأبناء لأنهم من اولئك الفرس وليس لهم بقية بذمار فقد ذابوا في المجتمع ولهم بقية في قريتي الفرس والأبناء من بني حشيش خولان وفي بيت بوس وبني بهلول وسنحان. والذماري المحدث منها هو أبو هشام عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري الابناوي صاحب المسند إمام حافظ مرحول إليه سمع عن الثوري ومن في طبقته وأخذ عنه احمد بن حنبل والبخاري وابن معين وغيرهم ممن دخل اليمن تولى القضاء بذمار لابراهيم بن جعفر الملقب الجزار ولما قدم حمدويه بن علي بن ماهان واليا على اليمن لمحاربة الجزار نقل إليه ان عبد الملك يكرهه ويميل الى الجزار فلما وصل الى ذمار قبض عليه يوم الجمعة وقتله في شهر رمضان سنة ٢٠٠ ه‍ وألقاه مجدّلا على وجه الأرض ثلاثة أيام لم يدفن ، ثم دفن رحمه‌الله «تاريخ الجندي» مطبوع بتحقيقنا.

(١) كان في الأصل ابن قرة والتصحيح من المراجع الآتية ترجم له البخاري في تاريخه الكبير. وفي تذكرة الحفاظ ج ١ ـ ٢٦٥ ، والجندي والميزان وتهذيب التهذيب وبامخرمة ، وذكر وفاته سنة ٢٠٢ ه‍. وطبقات ابن سمرة وانظر ترجمته في هذه الكتب.

(٢) رداع بفتح الراء لا يعرف أهل اليمن غيره وفي «معجم ما استعجم» : ورداع وثات باليمن ذكره الهمداني وفيه منازل كرع بن عدي بن زيد بن سدد بن زرعة بن سبأ الأصغر. أما ياقوت فقد تشوش عليه الأمر فقال : رداع بالفتح وهي وثات كانتا مدينتي أهل فارس باليمن عن نصر ثم قال : ورداع : مخلاف من مخاليف اليمن وهو مخلاف خولان وهو بين نجد حمير الذي عليه مصانع رعين وبين نجد مذحج الذي عليه ردمان وقرن ، وقال الصليحي اليمني يصف خيلا :

حتى إذا جزنا رداع ألانها

بلّ الجلال بماء ركض مرهج

وبه وادي النمل المذكور في القرآن المجيد وخبرني بعض أهل اليمن انه بكسر الراء ومنها احمد بن عيسى الرادعي له ارجوزة في الحج تسمى الرداعية. فأنت ترى اضطراب كلام ياقوت والبكري وكلاهما ينقلان عن الهمداني وهو لم يتكلم إلا عن رداع. وهي مدينة عامرة نزهة نضرة ذات سور وقلعة شماء والكلام عنها طويل ورداع أيضا بليدة في ريمة الأشابط ورداع أيضا ويقال لها رداع الحرامل فوق عقبة دثينة ورداع أيضا قرية خربة في بلاد السر والبيضاء وكلها بالفتح وتقع رداع العرش شرق مدينة ذمار بمسافة مرحلة أو ما يقارب مائة كيل والاسوديون كنسبة إلى الأسود بن عمرو بن مالك بن يزيد ذي الكلاع راجع الأكليل ج ٢ ـ ٢٦٥ ، وقوله «خليط» كذا في أصلنا وفي «ب» و «ل» خلط يحذف الياء المثناة من تحت والمراد خولان العالية وقبائل الزياديين ، والربيعيون لهم بقية في شرقي رداع وجنوبها وبنو حبيش بضم الحاء المهملة وفتح الياء الموحدة وسكون الياء المثناة من آخره شين معجمة وهم الذين يقال لبلدهم «الحبيشيّة» الواقعة في الجنوب الغربي من رداع. وزبيد : بضم الزاي وفتح الياء الموحدة ثم ياء من تحت ساكنة ودال آخره قبيلة هنالك وما يسمّى باسم زبيد قد ذكرنا البعض منها في الاكليل ج ١ ـ ٣٠١ ، واستوفينا ذلك في المعجم.

١٠١

مذحج الذي عليه ردمان وقرن (١) وفي جنوبيها مدينة حصي (٢) وبترى والخنق من ارض السّرو.

ثم مدينة صنعاء

وهي أم اليمن وقطبها لأنها في الوسط منها ما بينها وبين عدن كما بينها وبين حد اليمن من أرض نجد والحجاز ، وكان اسمها في الجاهلية أزال (٣) ويسميها أهل الشأم القصبة (٤) ، وتقول العرب : (لابد من صنعا ، ولو طال السفر (٥)) وينسب إلى

__________________

(١) قرن بالتحريك وهو بالقاف والراء آخره نون وفي «ل» و «ن» بالزاي وهو وهم.

(٢) حصي : بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين ثم ياء أخيرة والنسبة لها حصوي : مدينة أثرية قديمة لم يبق من معالمها غير هياكلها ومساندها والدهرية التي تنبىء عن ماضيها الغابر ، وقد عثر على تماثيل وكتابات كما تشير الدلائل انه يوجد تحت انقاضها معبد وكانت عاصمة السرو ولم تختف عن مسرح الحياة إلا في القرن العاشر حيث حلت محلها مدينة البيضا وكان يسكنها آل الجلال سلاطينها من بني مسلية : وتقع شرق شمالي البيضاء بمسافة نصف ساعة.

والبترا : بالباء الموحدة والتاء المثناة من فوق ثم راء والف وينطق بها أهل السرو أم بترا بابدال لام التعريف بأم وهي لغة سائدة في كثير من أصقاع اليمن ، والبترا هذه قرية خربة قرب حصي وشرقي البيضاء بنحو ثلاثين كيلا وفي الاصول كلها بالباء الموحدة والتاء المثلثة. والخنق بالخاء المعجمة والنون ثم القاف : بلدة قائمة آهلة بالسكان من ارض دبا من أرض السرو والخنق ايضا أرض بين الفلج ونجران يسكنها خليط من همدان ونهد وزبيد وغيرهم من اليمانية «معجم البلدان» والحنق بالحاء المهملة وبقية الحروف كالاول بلدة من سرو حمير وسيأتي الكلام على السرو.

(٣) ولا زالت تسمى صنعاء بازال إلى يوم الناس هذا ، قال الشاعر :

لي في ازال وديعة خلفتها

أودعتها يوم الوداع مودعي

واظنها لا بل يقيني انها

قلبي لاني لم أجد قلبي معي

وقد جاء ذكرها مصرحا به في المسند الذي عثر عليه في قرية حاز ، كما أن الامام نشوان بن سعيد قال : انها تنسب إلى ازال بن يقطن : قحطان بن عابر بن شالخ ، وازال ايضا مقاطعة من آل عمار من ذي رعين.

(٤) القصبة وقصبة بدون تعريف : القرية أو القصر ، وقصبة الكورة او القطر مدينتها العظمى ، والقصبة في عرفنا البناء المدور الشكل الذي ليس له أركان.

(٥) هذا شطر بيت وتمامه عند العامة : ونقصد القاضي الى هجر دبر.

ولا زالت الأعراب والناس تلهج بهذا البيت ، وهو مثل يضرب على إمكان المستحيل ، وقال ابن خرداذبه في المسالك والممالك : قال الراجز :

لا بد من صنعا وإن طال السفر

وإن تحنّى كل عود وانعقر

ورواه في كتاب «النسبة» بقوله : وله يعني الحادي في طريقها ـ يعني صنعاء ـ :

لا بد من صنعا وإن طال السفر

لطيبها والشيخ فيها من دبر

١٠٢

صنعاء صنعاني مثل بهراء بهراني (١) لأنهم رأوا النون أخف من الواو وخولان لا تنسب إليها إلا على بنية الأصل صنعاوي ، وكلهم يقولون في ساكن الكدراء كدراوي ولا يقولون كدراني ، وصنعاء أقدم مدن الارض لأن سام بن نوح الذي أسّها. وقد جمعت أخبارها في القديم في كتاب «الإكليل» (٢) وأضربنا عن ذكر قديمها في هذا الموضع صفحا ، ولم يزل بها عالم وفقيه وحكيم وزاهد ، ومن يحب الله عزوجل المحبة المفرطة ، ويخشاه الخشية اليقظى على نحو ما ذكره بطليموس في طبائع أهل هذا الصّقع وهم مع ذلك أهل تمييز لعارض الأمور وخدمة السلطان بأهبة وتملك وتنعم في المنازل ولهم صنائع في الأطعمة التي لا يلحق بها أطعمة بلد ، ولهم خط المصاحف الصنعاني المكسر والتحسين الذي لا يلحق به ولهم حقائق الشكل ذكرهم بذلك الخليل (٣) ، ولهم الشروط (٤) دون غيرهم ، ولا يكون لفقيه من أهل الأمصار شرط إلا ولهم ابلغ منه وأعذب لفظا وأوقع معنى وأقرب اختصارا. ومنهم الخطباء كمطرّف بن مازن وابراهيم بن محمد بن يعفر (بضم الياء وكسر الفاء) (٥). وفيها العلماء كوهب بن منبه وأخويه همّام ومعقل ؛ وعبد الرّزّاق ، وعبد الرحمن بن داود ، وابن الشرود

__________________

(١) بهراء : قبيلة من قضاعة «راجع الاكليل» ج ١ ـ ١٨٨.

(٢) الاكليل : هو الجزء الثامن منه. وصنعاء لا تزال إلى يوم الناس هذا تسمى مدينة سام بن نوح عليه‌السلام ، ويدل على قدمها انه ورد ذكرها بنفس هذا اللفظ في عدة مساند ، أحدها ما وجد في قرية حاز وثانيها ما أورده الدكتور جواد علي في ج ٢ ـ ٢٥٢ من كتابه «العرب قبل الاسلام» بلفظ : «هجر صنعو ورحبتين» أي مدينة صنعاء ورحبتها. ومنها ما عثرت عليه أنا بالذات في قرية رخمة من ضواحي مدينة ذمار بما نصه : «ذات صنعن» ، وقد قدمنا المسند هدية للمتحف بصنعاء. قال ياقوت : وفي صنعاء لغة «صنعان» بزيادة نون آخر الحروف حكاها عن نصر الاسكندري ، قلت : وهي لا تزال لغة الكلاع : إب ومخاليفها ولغة حجة وبواديها فيقولون في صنعاء :

صنعان.

(٣) التحسين نوع من الخطوط الجميلة وهو خلاف المشق ، والشكل : إعجام الكتاب : وإزالة لبسه ، وانظر الاكليل ٢ / ١٣٥. والخليل : هو ابن احمد بن عمر الفراهيدي الأزدي احد مفاخر الاسلام ، وشهرته تغني عن إيراد ترجمته.

(٤) الشروط : جمع شرط وهي الوثائق وسجلات المعاملات كالبصائر وورق الأجائر والأحكام وغيرها من العقود ، وعندي مجموعة منها قديمة لعهد المؤلف وما قبله أثبتناها في الوثائق السياسية.

(٥) مطرف ـ بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الراء آخره فاء ـ : هو ابن مازن الكناني وقيل القيسي بالولاء الصنعاني مولدا ومنشأ ، قاضي صنعاء بل قاضي اليمن واحد حكام الآفاق ، ترجمته في الوفيات ج ٤ ـ ٢٩٧ ، والرازي الصنعاني والجندي وابن حجر في تهذيبه والبخاري في تاريخه والذهبي في تذكرته وميزانه وغيرهم ، واوفينا ترجمته في كتابنا في التاريخ وقوله يضم اليا وكسر الفاء كانه دخيل وليس من الأصل. والمجاز الاكليل الثاني في الكلام على ابراهيم بن محمد بن يعض.

١٠٣

وهشام بن يوسف (١) ، ومطرّف بن مازن المخترع لمفارع الغيول (٢). ومن أصحاب النجوم : دردان ، وأبو عصمة ، وأبو جندة ، وابن عاصم ، وابن المنيذر ، وابن عبد الله وغيرهم. ومن الشعراء مثل علقمة ذي جدن (٣) ، ووضّاح اليمن (٤) ووفد بشعره على الوليد (٥) واغتيل بسبب أم البنين (٦) بنت بشر بن مروان ، وبكر بن مرداس وكان ظريفا آدم حسن الهيئة والنظارة وكانت له ثياب بعدد أيام مخرجه من منزله في السنة وكان من تمام مروءته ألّا يخرج من منزله حتى يعقد (٧) شسعي نعله فلم يره احد منقطع الشسع في طريق ، وكان شعره سائرا ، فخبرني ابن مرزا الأبناوي عن بعض من

__________________

(١) وهب بن منبّه بن كامل الأبناوي الصنعاني ويقال له الذماري لأنه سكنها : أحد التابعين الكبار وكان باقعة في الحكايات بارعا بالروايات ، وكان كما قيل يتقن اللغة اليونانية والعبرية والسريانية والحميرية ، ومعظم اخباره عن اليمن وشعوب العرب التى بادت. وقال : قرأت من كتب الله اثنين وسبعين كتابا. وينسب اليه كتاب «الملوك المتوجة من حمير وأخبارهم» وكتاب «المغازي» الذي ذكر المستشرق كارل هينرش بكران هناك بضع اوراق منه في مكتبة هايدلبرج ، ولد سنة ٣٤ وتوفي ١١٠ او ١١٤ وترجمته في تاريخنا.

وعبد الرزاق هو الامام الحافظ المرحول اليه ابو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري المغيثي من ذي مغيث ثم من ذوي الثوجم الأوزاعي الصنعاني حافظ الدنيا ومحدث اليمن ومؤرخها اوفينا الكلام عنه في التاريخ ولد سنة ١١٦ وتوفي سنة ٢١٠ ه‍.

وابن الشرود ـ بفتح الشين المعجمة وضم الراء ـ واسمه بكر بن عبد الله بن الشرود الابناوي الصنعاني تلميذ عبد الرزاق والمملي له ، ترجم له الذهبي في الميزان ج ١ ـ ٢٤٦ بتوثيقه يروى عن عبد الرزاق ومعمر بن راشد ومالك ومن مناكيره حدثنا الثوري عن سهيل عن ابيه عن ابي هريرة : الناس كإبل مئة لا تجد فيها راحلة. وكان ابن الشرود هذا بليغا مفوها شديد العارضة ، ذكره المؤلف في الاكليل ج ١ ـ ٤٠٩.

وهشام هو ابن يوسف الابناوي قاضي صنعاء ، ولاه حماد البربري صنعاء بعد عزل مطرف بن مازن ، وحديثه في الصحيحين وأخباره كثيرة وذكره المؤلف في الإكليل ج ١ ـ ٤١٧ ، وتوفي سنة ١٩٧.

(٢) الغيول : جمع غيل وهو الماء الجاري على وجه الارض الذي يتحلب من الجبال بعد انقطاع الأمطار سواء كانت عظيمة كغيل بناء ولحج وزبيد ومور ، او دون ذلك كغيل وادي ضهر والضباب ومحفد والسحول وشراد ـ الشلالة ، أم هي كالينابيع وهي كثيرة باليمن ومفارع المياه والغيول جمع مفرغ وهي مجاري المياه وسواقيه ويطلق على الدول وتوقيت توزيع السقي ، قال في التاريخ المجهول : ومطرف بن مازن هو الذي دق الدول بضلع ورتب قسمة ذلك لأن غيول ضلع لم تكن تكفي اهلها وكانت على دول يسمى البين الكبير وشيء منه يسمى البين الصغير ، وكان أهل الضياع لا يكادون ينتفعون بها في سقي املاكهم فلما ولي مطرف اجراها على هذا الرسم وكانت من قبل على رسوم لا ينتفع بها ، ثم ولي القضاء يحيى بن عبد الله بن كليب الحميري فأمر أخاه اسماعيل بحسابها واختصارها. قلت : وهذه العادة لا تزال الى يومنا هذا ، والبين الكبير يوم وليلة ، والبين الصغير يوم أو ليلة.

(٣) راجع الاكليل ج ٢ ـ ٢٩٦ لترجمة علقمة ونسبه.

(٤) وضاح اليمن : لقب غلب عليه لجماله وبهائه واسمه عبد الرحمن بن اسماعيل بن عبد كلال [انظر الأغاني].

(٥) الوليد : هو ابن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي.

(٦) في الأغاني : ان أم البنين هي بنت عبد العزيز بن مروان ، وبشر بن مروان هو الذي تولى العراقين لأخيه عبد الملك بن مروان.

(٧) في نسخة : يتفقد. ولعلها أصح.

١٠٤

حدثه من أهل صنعاء عن أبيه قال : وافيت الحج فرأيت في الطواف فتى ظريفا خفيف الروح يعصب به جماعة حتى قضى طوافه وصلاته فقلت : من هذا؟ فقيل أبو نواس الحسن بن هانىء (١) ، فسلمت عليه وفاوضته وأخبرته بنفاق أشعاره وأخباره بصنعاء وسألته شيئا منه فقال : تطلبني مثل هذا وعندكم بكر بن مرداس قال : قلت وإنه عندك بهذه المنزلة؟ فقال : أما هو القائل :

يا إخوتي إن الطبيب الذي

ترجون أن يبرئني مسقمي

وما آلى نصحا ولكنه

عن علم ما بي من سقام عمي

فسائلوه عن عقاقيره

وسائلوه ما الذي احتمي

فانما الطب لمن داؤه

من مرّة أو بلغم أو دم

والحب لا يشفي بايّارج (٢)

ولا بترياق ولا محجم

إلا بشم الحبّ أو ضمه

ومجّ ريق من فم في فم

فيا شفاء النفس من دائها

داوي سقامي وارحمي ترحمي

فلو بعينك (٣) إذا جنّنى

ليل واغفت اعين النوّم

طوفي على بابكم باكيا

لحرّ شجو في الحشا مضرم

لخلت أني طائف محرم

في ساحة البيت الى زمزم

واستيقنت نفسك ان الهوى

اشد ما يعلق بالمسلم

فأعتقي عبدك مما به

واكرمي وجهك ان تظلمي

وقال بكر ايضا على لسان اعرابيين وفدا على يزيد بن الوليد والي اليمن (٤) وذكر اللحية :

فقدنا لحانا ما أقل غناءها

واضيع فيها الدهن يا ابن مطيع

دهنّا ونفّشناهما لأميرنا

كخافيتي نسر هوى لوقوع

فما ساقتا خيرا سوى الطول منهما

وأنهما غمّ لكل ضجيع

فيا ليتنا كنا سناطين (٥) منهما

نؤمل كالأعراب كل ربيع

__________________

(١) أبو نواس : مشهور ، وترجمته مثبتة في المعاجم.

(٢) الايارج : معجون مسهل.

(٣) في نسخة : بعينيك بلفظ التثنية.

(٤) اليزيد بن الوليد بن عبد الملك : من خيرة خلفاء بن أمية. وكان خليفة على الامبرطورية الاسلامية لا على اليمن فحسب.

(٥) السناطان ـ بالسين المهملة والنون ـ تثنية سناط ـ بكسر السين وضمها ـ وهو الكوسج الذي لا لحية له.

١٠٥

فنسلب مالا لا نروّع بعده

مخافة عري ، أو مخافة جوع

ومن شعراء صنعاء ابو السمط الفيروزي من الأبناء شاعر مفلق وفد على المهدي (١) ممتدحا فقبل مدحته ، ومدح البرامكة وقاموا به على حد الفارسية واقتطعوا له من المهدي اموالا بصنعاء وعقارا وقد أثبتنا مرثيته في أخيه وهي من أحسن شعر في كتاب «الاكليل» (٢).

ومن شعراء صنعاء مرطل وكان هجاء للأشراف داخلا في أعراضهم وفعل مثل ذلك بيعفر بن عبد الرحمن (٣) فجهز من نادمه فلما شرب ذات يوم مع أولئك الندامى وسكر حمل فراشه على بعض ما ماسكه على الدابة وسروا به فوافوا به شبام (٤) الى يعفر فانتبه وهو بين يديه فقال كيف أصبحت يا مرطل قال : في طختي يا سيدي يعني الوعاء الذي حمل من فراشه (٥) فضحك منه ومن عليه وسرحه فقطع لسانه بذلك الجميل عن أذاء الناس فلم يكن بالمرتفع. ومن شعراء صنعاء بل من باديتها عبد الخالق بن أبي الطلح الشهابي وكان مطبوعا مفوّها (٦) مفلقا وقد أثبتنا قصائد من شعره في الكتاب [الأول](٧) من «الاكليل» مع أخبار بني شهاب. ومن شعراء صنعاء نفسها ابراهيم ابن الجدوية (٨) وقد ذكرنا شيئا من شعره في كتاب الاكليل (٩) وكان مطبوعا في الشعر وكان في الرجز أبرع وكان ربما يشابه في بعض مذهبه مذهب الكميت (١٠) في مثل كلمته في العلوي الناصر :

__________________

(١) المهدي محمد بن جعفر المنصور : ثالث الخلفاء العباسيين ـ راجع التواريخ.

(٢) لعل المرثاة في أحد الأجزاء المفقودة.

(٣) يعفر ـ بضم الياء وسكون العين وكسر الفاء ـ وهكذا كل ما جاء من الأسماء على وزنه من قبائل قحطان مثل يحصب ويحمد وأمثالها ، وفي غيرهم يعفر ـ بفتح الياء وسكون العين وضم الفاء ـ راجع الاكليل ج ٢ ـ ٧١ ، ويعفر هذا مؤسس الدولة الحوالية واليعفرية ، راجع التاريخ والاكليل.

(٤) هذه شبام حمير ويقال لها شبام يحبس ، وشبام أقيان وشبام يعفر ، ويأتي الكلام عنها.

(٥) في نسخة : في فراشه.

(٦) انظر ترجمة عبد الخالق في الاكليل ج ١ ـ ١٣٣ ، ٢٤٥ ، ٣٥٧ ، ٣٧٩.

(٧) ما بين القوسين زيادة يقتضيها المقام لأن في الأصل : في الكتاب ... من الاكليل.

(٨) هو ابراهيم بن محمد بن الجدوية الابناوي الصنعاني ترجم له العلامة أحمد بن صالح أبو الرجال في تاريخه ، ولم يأت بكثير على ما هنا ، ويظهر أن ابن الجدوية طال عمره إذ نجد له أخبارا في عهد الناصر وأنه سجنه وهجا الناصر انظر العسجد.

(٩) ذكر له المؤلف قصيدته التي امتدح بها العشيين في الاكليل ج ١ ـ ٣٤٣ ، فلا علم لنا هل هي التي قصدها المؤلف أم غيرها في الأجزاء المفقودة.

(١٠) الكميت ـ بالتصغير : هو ابن زيد الأسدي وترجمته في الأغاني وغيره من كتب الأدب ـ راجع تفسير الدامغة.

والعلوي الناصر : هو أحمد بن يحيى بن الحسين ، راجع ترجمته في الإكليل ج ١ ـ ٣٢٩ ، وكتب التاريخ.

١٠٦

ناصر الدين لم تزل منصورا

شكر الله سعيك المشكورا

وله في أبي الحسين الرسي (١) مرثية وهي :

وهت عضد الاسلام واندقّ كاهله

وغالت بنيه في الأنام غوائله

وكان يستغرق أكثر شعره هجاء السوقة والسقاط (٢) ومن احسن شعره كلمته في أسعد بن أبي يعفر وأولها (٣) :

يا طائرين أخال البين فارتفعا

ان النوى قد قضت أوطارها فقعا

ولم يزل فيها من كتبة الديوان بلغاء غير مولدي الكلام ولا مستخفي المعاني ومبعدي الاستعارات مثل بني أبي رجا وغيرهم. وكان بشر بن أبي كبار البلوي من أبلغ الناس وكانت بلاغته تتهادى في البلاد وكان له فيها مآخذ لم يسبقه اليه أحد ولم يلحقه فيه ، وتعجب بلاغته ونفاستها وأنه فيها أو حد وأنه لا يشابه بلاغته البلغاء وانه منفرد بحسن اختلاس القرآن اثبتنا منها عشر رسائل ليستدل بها على ما وراءها وأقل الأثر دليل على قدر المؤثر (٤). كتب بشر إلى ابراهيم بن عبد الله الحجبيّ (٥) والى صنعاء لهارون الرشيد ـ وكان قدم صنعاء سنة اثنتين وثمانين ومائة فأقام بها سنة وشهرا ثم صرف ـ في بغي هشام الأبناوي عليه وكان قد عزم على أن يولي بشرا بعض نواحي اليمن فكسر غلّته هشام بن يوسف (٦) : أما بعد فان رآى الأمير امتع الله به أن لا يعلم هشاما ما يريد من صلتي فانه لم يردني وآلي قط بخير ولم يفتح لي باب صلة فتكون منه خالصة

__________________

(١) أبي الحسين الهادي : انظر ترجمته ج ١ ـ ٢٥٠ ، الاكليل والتاريخ وقرة العيون ، وسيرته أيضا.

(٢) كذا في الأصل و «ب» وفي «ل» : السقط.

(٣) أسعد بن يعفر : هو المكنى أبا حسان فارس حمير وملك اليمن ، انظر ترجمته ج ٢ ـ ١٨٤ من الاكليل وتاريخ عمارة والتاريخ وقرة العيون ، ولم أعثر على هذه القصيدة.

(٤) أورد الرسائل العشر صاحب التاريخ المجهول ، كما أني عثرت لدى الأخ الوزير محمد بن عبد الله العمري ـ رحمه‌الله ـ على فهرست الكتب التي قد تفهرست في خزانة ميلانو بايطاليا فطالعتها فوجدت في مضامينها رسائل البلوي (؟) ففرحت بذلك ظنا أنها غير ما في صفة جزيرة العرب فكلفت الوزير الايطالي لدى الجمهورية اليمنية أن يطلب لي صورة منها ففعل مشكورا ، فلما وصلت طالعتها فاذا هي نفس هذه الرسائل. فرحم الله أبا محمد فانه بحق سباق غايات وصاحب آيات.

(٥) في التواريخ اليمنية ان اسمه ابراهيم بن عبيد الله بن عبد الله بن طلحة ، وأنه أقام سنة ـ راجع التاريخ ٥.

(٦) هو هشام بن يوسف المتقدم ترجمته وكان له ضلع في عزل الحجبي.

١٠٧

لا يريد بها إلا وجه الله وحده ، ولا يرجو بها إلا ثوابه الا عرض هشام من دونها فثقلها وكرهها وأدار القياس فيها وضرب لها الأمثال وألقى الحيلة فيها الى الكاتب والحاجب (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) ومدحني بما لا يسمع به من اخلاقي وانتقصني فيما لا يطمع بغيره مني ليكون ما أظهر من المدحة مصدّقا لما أسر من العيبة ثم زخرف ذلك بالموعظة وزينه بالنصيحة وقاربه بالمودة وأغراه من ناحية الشّفقة وشهد عليه أربع شهادات بالله (إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) فاذا الحاجب يزلقني ببصره وإذا الكاتب يسلقني بلسانه وإذا الخادم يعرض عني بجانبه وإذا الوالي ينظرني (نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) فصارت وجوه النفع مردودة ، وأبواب الطمع مسدودة ، وأصبح الخير الذي كنت أرجوه (هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) والصلة التي كنت أشرفت عليها (صَعِيداً زَلَقاً) وأصبح ماؤها غورا فما أستطيع له طلبا فأسأل الذي جعل (لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) أن يكفيني شره ويصرف عني كيده فانه يراني هو وقبيله من حيث لا أراهم. والسلام.

وله إلى يزيد بن منصور ـ عامل أبي جعفر المنصور على اليمن (١) وقدم الى صنعاء في أول سنة أربع وخمسين ومائة فأقام بها باقي خلافة المنصور وسنة من خلافة المهدي وكان قدومه بعد الفرات بن سالم : أما بعد فانه قدم عليّ كتاب من الأمير حفظه الله مع رسوله نعمان الهمداني يأمرني أن أبعث اليه بفرض الفرات بن سالم ـ يريد بالفرض شيئا كان فرضه على أهل اليمن ـ وأنا أخبر الأمير أكرمه الله أنه كان قدم علينا قبل كتابه كتاب الله تعالى مع رسوله محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يأمرنا فيه أن نفرق ما جمع الفرات وان نهدم ما بنى ، وان نوالي من عادى وأن نعادي من والى ، ونظرت في الرسالتين وقست بين الرسولين بغير تحيز عرض (٢) ولا لشبهة بحمد الله دخلت فرأيت أن لا انقض ما جاء به محمد بن عبد الله لما قدم به النعمان لعنه الله وغضب عليه. وعلمت انه من يزغ منا عن أمر الله يذقه من عذاب السعير ، فليقض الأمير حفظه الله فيّ ما كان قاضيا ثم ليعجل

__________________

(١) هو يزيد بن منصور بن يزيد بن مثوب من ولد شمر ذي الجناح الأكبر وكان أميرا سريا كريما عقدت له الدولة العباسية الألوية وولته ولايات كبيرة منها البصرة واليمن وغيرها لرئاسته وصهارته لهم وهو خال المهدي ، وقد أقام خمس سنوات أيام أبي جعفر المنصور وأقام سنة في خلافة المهدي وأمره أن يقيم للناس الحج فقدم بغداد بعد الحج فمات سنة ١٦٥ ه‍ ، وفي تاريخ اليعقوبي سنة ثمان وستين ، وذكره أبو نواس في شعره في مدح الأمين.

(٢) غرض : بالغين المعجمة في الأصل وفي «ب» و «ل» بالمهملة.

١٠٨

ذلك ولا ينظرني فوالله إن العافية لفي عقابه وان العقاب لفي عافيته وان الموت لخير من الحياة معه ، إذا كان هذا الجد منه والحق عنده والسلام.

ولبشر أيضا : أما بعد فان من الناس من تحمّل حاجته أهون من فحش طلبه ، ومنهم من حمل عداوته أخف من ثقل صداقته ، ومنهم من إفراط لائمته أحسن من قدر مدحته ، وان الله خلق فلانا ليغم الدنيا ويقذر به أهلها فهو على قذره فيها من حجج الله على أهلها ، فأسأل الذي فتن الأرض بحياته وغم أهلها ببقائه ان يديل بطنها من ظهرها والسلام.

ومن بشر الى الشافعي (١) في عبد الله بن مصعب : أما بعد فانك تسألني عن عبد الله كأنك هممت به إذ سرك القدوم عليه فلا تفعل يرحمك الله ، فان الطمع بما عنده لا يخطر على القلب إلا من سوء التوكل على الله عزوجل ، وان رجاء ما في يده لا يكون إلا بعد اليأس من روح الله ، لأنه يرى الاقتار الذي نهى الله عنه هو الاسراف الذي يعذب الله عليه ، وان الصدقة منسوخة ، وأن الضيافة مرفوعة ، وأن إيثار المرء على نفسه عند الخصاصة إحدى الكبائر الموجبة الهلكة ، وكأنه لم يسمع بالمعروف إلا في الجاهلية الأولى الذين قطع الله دابرهم ونهى المسلمين عن اتباع آثارهم ، وكأن الرجفة لم تصب أهل مدين عنده إلا لسخاء كان فيهم ، ولم يهلك الريح العقيم عادا إلا لتوسع ذكر منهم ، وهو يخاف العقاب على الانفاق ، ويرجو الثواب على الاقتار ، ويعد نفسه الفقر ، ويأمرها بالبخل ، خيفة أن ينزل به بعض قوارع الظالمين ، ويصيبه ما أصاب القوم المجرمين ، فأقم يرحمك الله على مكانك ، واصطبر على عسرتك وتربص به الدوائر ، عسى الله ان يبدلنا واياك خيرا منه زكاة وأقرب رحما والسلام.

ومنه إلى بشّار بن رضابة (٢) : أما بعد فاني رأيتك في أول زمانك تغدو على العلماء وتروح عنهم ، وتحدث عن الله وعن ملائكته ورسله ، وقد أصبحت تحدث عن معن وعن عماّله ، وعن أبي مسلم (٣) وعن أصحابه ، فبئس للظالمين بدلا ، فمن

__________________

(١) الشافعي : هو الإمام محمد بن إدريس المشهور. ومصعب : هو أبو عبد الله مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام ولاه الرشيد اليمن ، قال الامام الشافعي : فسألني أن أخرج معه لعلمه بفقري وفاقتي ، فلما صرنا الى اليمن ولاني قضاء نجران. انظر طبقات ابن سمرة ـ ١٣٨.

(٢) في «ل» : ابن رضية.

(٣) راجع أخبار معن بن زائدة ج ١ ـ ٣٩٧ ، وج ٢ ـ ٣٧٤ من «الاكليل» وقرة العيون والأغاني وتفسير الدامغة وابن خلكان وغيرها من كتب الأدب. وأبو مسلم : هو عبد الرحمن الخراساني المشهور الذي مهد الملك لبني العباس.

١٠٩

خلّفت على أهلك أو على من تتكل في هول سفرك أو بمن تثق في حال غربتك؟ أبا لله أم عليه؟ وكيف ولست أخشى عليك إلا من قبله لأنه قد أعذر اليك وأنذر ، فعصيت أمره ، وأطعت أعداءه ، وخرجت مغاضبا تظن أن لن يقدر عليك ، فاتق على نفسك الزلل ، وانزل عن دابتك في كل جبل ، فاذا استويت أنت ومن معك على ظهورها فلا تقل : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) لأن الله تبارك وتعالى قد كره أن يحمد على ما نهى عنه ولكن قل : (رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) والسلام.

ومنه الى الحجبي : أما بعد فان الله وله الحمد قد كان عرّضني وجوها كثيرة وخيرني في مكاسب حلال ، وكنت بتوفيق الله عزوجل وإحسانه قد اخترت منها ناحية الأمير حفظه الله تعالى ورضيت به من كل مطلب ، واقتصرت على رجائه من كل مكسب ، فأثابه الله عزوجل بذلك فتحا قريبا ، ومغانم كثيرة عجّلها وكان الله عزيزا حكيما ، وقد عرف الأمير حفظه الله تعالى طول مودتي له ، وقديم حرمتي ، وأني ممن أنفق من قبل الفتح وقاتل ، ثم إني لم أتعرب بعد الهجرة ، ولم أنافق بعد النصرة ، ولم أكن كحاطب (١) حين ألقى بالمودّة ، ولا كتميم يوم نادوا من وراء الحجرات (٢) ، بل أقمت على مكانتي ، واصطبرت على عسرتي ، حتى جاء الفتح من عند الله ، وطلع الأمير حفظه الله ، فلما ظهر وتمكن ، ورجونا الغنى معه حين أيسر واثخن ، والعز تماما على الذي أحسن ، قرّب الأحزاب ، وأدنى المخلّفين من الأعراب ، وآثر بالفيء من لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وأصبحت أياديه عند المؤلفة قلوبهم ، ومن كان يلمزه في الصدقات منهم ، وصنائعه عند المعذّرين من الأعراب الذين جاءوا من بعدهم ، ظاهرة في الآفاق وفي أنفسهم ، وأصبح نقباء العقبة وفقراء الهجرة ومساكين الصفّة تفيض أعينهم حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ، والسابقون الأولون منا ومن أهل النصرة مرجوون لأمر الله ، فان رأى الأمير حفظه الله أن يعطف علينا من قبل أن يزيغ قلوب فريق منا فعل فان (الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) ، ولست أدري ماذا أعتذر به اليوم الى الناس في أمري عن الأمير ،

__________________

(١) حاطب بن أبي بلتعة : صحابي بدري أنزل الله في حادثته قرآنا يتلى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) ـ سورة الممتحنة ـ راجع التفاسير والسيرة النبوية.

(٢) تميم. قبيلة مشهورة ، ولما وصل وفدهم الى المدينة نادوا بجلافة الأعراب : يا محمد اخرج الينا ؛ فأنزل الله فيهم الآيات في سورة الحجرات.

١١٠

وهم يعلمون أني قد رأيت فيه ثلثي أملي ، ولم أبلغ في نفسي ربع رجائي ، أم ماذا ينتظر الأمير حفظه الله فيّ بعد أن آتاه الله الملك ، وعلمه الحكمة ، ومكنه من خزائن الأرض وجعله في الدنيا وجيها ، وفي الاسلام مكينا ، وعند الخليفة ـ أبقاه الله تعالى ـ مطاعا أمينا ، فمن يفر (١) الأمير بعد هذه النعمة أو من يعذره مع هذه الكرامة ، ومن يرضى منه بأقل من جبرانه الا من سفه نفسه والسلام.

وكتب إلى يحيى بن خالد بن برمك يستمتع بالحجبيّ : أما بعد حفظ الله أبا علي ، وحفظ لك ما استحفظك من دينك ، وأمانتك وخواتيم عملك ، أما ما تحب أن ينتهي إليك علمه من قدوم الحجبي علينا ، وما عمل به فينا ، وعلى ما أصبح المسلمون معه قبلنا ، فكل ذلك ـ بحمد الله ونعمه ـ على أفضل سرورك ، وأعظم رجائك ، ومنتهى أملك ، من سكون الدهماء وأمان السبل ، وحسن الحال وتتابع الأمطار ، وقد أصبح الناس بحمد الله رحماء بينهم لا يسمع إلا سلام سلاما ، فذلك أنّ الحجبي لما قدم علينا فزع إلى خيار الناس وأهل الصلاح منهم فقربهم وأدناهم ، وغلظ على أهل الفجور والريبة وأبعدهم وأقصاهم ، وبعث لحملة القرآن فلما اجتمعوا إليه من أطراف البلاد وتخير الفقهاء وذوي الرأي منهم فجعلهم بطانته وأهل مشاورته ، وبعث كثرتهم عمالا على كثير من نواحي عمله ، وعهد إليهم ما عهد إليه أمير المؤمنين في أخذ الصدقات والزكاة على وجوهها وقسم السّهمان الخمسة موفّرة بين أهلها ، وأعلمهم أن امير المؤمنين لم يأمره ولا من قبله من ولاة اليمن وغيرها إلا بالعدل والإحسان ، وأن أمير المؤمنين يبرأ إلى الله من ظلم كل ظالم وجور كل جائر وأنه قد خلع ما يتثقل به عن رقبته وجعله في دين الحجبيّ وامانته ، فلم يبق عند ذلك فرقة من فرق المسلمين ، ولا جماعة من الصالحين ، ولا أحد من الفقراء المساكين ، إلا دعا لأمير المؤمنين بطول البقاء ، ثم دعوا لك يا أبا علي بأفضل الدعاء ، ونشروا عنك أحسن الثناء ، لما ساقه الله إليهم بسببك وجعله بيمن مؤازرتك ، وأجراه لهم على لسانك ويدك ، ولما أخذ الحجبي فيهم من ورائك فإنا قد عرفناه بالرفق الذي ليس معه ضعف وبالشّدّة التي ليس معها عنف ، وبالجد الذي لا يخالطه هزل ، ثم هو مع ذلك قليل الغفلة شديد التهمة ، لا يتكل على كتابه ولا يفوض أمره إلى أمنائه ، ولا يطمئن إلى جلسائه حتى

__________________

(١) يفر : بالياء المثناة من تحت والفاء. وفي نسخة بالقاف من أقره على الشيء ، وفي كلتا العبارتين غموض.

١١١

يتفقد الأشياء بنفسه فيورد ما حضر منها على عينه ويصدر ما غاب عنه منها على علمه ، لا يمنعه من مطالبة (١) الصغير مزاولة الكبير ، قد أحكم السياسة ورسخ في التدبير ، فأشد الناس خوفا لغضبه أرجاهم جميعا لمثوبته ، وأقلهم أمانا لعقوبته أطولهم لزوما لمجالسته ، قد أشغل كلا بنفسه فأقبل كل على شأنه فليس أحد يجاوز حده ولا يعدو قدره ، ولا يتكلم إلا فيما يعنيه ، ولسنا نراه بحمد الله يزداد في كل يوم إلا شدة ولا تزداد الأمور معه إلا إحكاما فليس لمغتاب اليه سبيل ولا لمنتقص معه طمع. والسلام.

وله إلى الحجبي ـ وكان نهاه عن التعرض للوزراء ولأهل العراق : ـ أما بعد فإنك كتبت إلي تنهاني عن السلطان وعن قربه ولست اعتذر اليك في ذلك ، إن دعاني السلطان سارعت ، وإن أبطأ عني تعرضت ، فإن كان الله تبارك وتعالى أحل لك خدمة أمير المؤمنين ومنادمة الفضل ومسامرة جعفر ، وأباح لك أن تأخذ من أموالهم القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، وحرم عليّ مكاتبة الشرط ومراسلة البرد والتخدّم للخصيان والتعرض للدايات (٢) وحضر عليّ من اموالهم ما أسد به الفورة (٣) وأواري به العورة فأنا الهالك وأنت الناجي ، وإن لم يكن الأمر على ذلك وكان لكل امرىء منا ما اكتسب من الإثم فأنت الذي تولى كبره منهم ، وضرب لنا مثلا ونسي خلقه والسلام.

وله إلى يحيى بن خالد بن برمك : أما بعد فإني كتبت اليك كتبا لم أر لشيء منها جوابا ، ولست امتع الله بك أتكبر عن مواترة الكتب إليك ولا أستنكف على تركك الكتاب إلي لأن مثلك لا يكتب إلى ضعيف مثلي إلا بعون الله وتأييده ، ولا يلقى الحكمة كتّابه إلا بتوفيق الله عزوجل وإحسانه ولعلك أمتع الله بك لم يوافق نزول ذلك من ربك فإنه تبارك وتعالى يقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير. والسلام.

وله أيضا إلى علي بن سليمان (٤) ـ وكان قدومه إلى اليمن واليا لها عن المهدي سنة

__________________

(١) وفي نسخة : مطالعة.

(٢) للخصيان جمع خصي : معروف وفي «ل» و «ب» : للحضان بالضاد المعجمة جمع حاضن وهو ايضا معروف والدايات جمع داية : القابلة وهي المولدة بلغة العامة.

(٣) الفورة سورة الجوع وشدته.

(٤) علي بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس فهو ابن عم المنصور والسفاح ، وفي التاريخ المجهول والخزرجي في العسجد : انه قدم في المحرم سنة واحد وستين ومائة وهو الذي بنى مسجد السرار المسمى اليوم مسجد القاسمي بصنعاء وله قصة ذكرناها في بعض كتبنا وكان كثيرا ما يتولى أعمال البصرة وله أخبار كثيرة.

١١٢

اثنتين وستين ومائة وأقام بها سنة ونصفا ـ : أما بعد فإنه لما اختلط عليّ من عقلي ، واشتبه علي من رأيي وشككت فيه من أمري ، فلست أشك في أن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يقدر عليّ رزقي وأن يبتليني بالشدة على عيالي أطلعك على ذات طمعي ، ودلّك على وجه طلبي ، وجعلك جليسا لأهل حاجتي ، ثم ابتلائي بطلبها إليك ، فإذا ذكرتها أسفرت وأبشرت ، ووعدت من نفسك وعدا حسنا ، ففرقت نفقتي لإسفارك ، ووسعت على عيالي لإبشارك ، وتسلّفت من إخواني لوعدك ، فإذا أتيتك منتجزا عبست وبسرت ، ثم أدبرت واستكبرت ، وقد تصرمت النفقة وانقطع الرجاء وأيست من الطمع (كما يئس الكفار من أصحاب القبور) ، وأعظم ذلك عندي كربا وأشده جهدا أن غيرك يعرض عليّ الحاجة التي طلبتها إليك ، فأكره أن تكون إلا بسببك ، وأن تجري إلا على يدك ، ولعمري ما كان ذلك إلا لسابق العلم في شقوتي بك ، فأسأل الله عزوجل الذي جعل جاهك من بليتي وحسن منزلتك من مصابي ، وطول حياتك فتنة لعيالي أن ينقلك إلى جنته قبل أن يرتد اليك طرفك والسلام.

ومن بشر إلى آخر : اما بعد ، فإني رأيتك في أمر دينك متصنعا مخذولا وفي أمر دنياك فاجرا مثبورا ، وفيك خصال لا تجتمع في مسلم إلا بسوء سريرة أو مقارفة كبيرة او إضمار عظيمة ، يعم بها اولياء الله ويخص بها ولد رسول الله ، ومن آيات ذلك انها تشمئز قلوب أهل الحرمين إذا ذكرت وتقشعر قلوب أهل المصريين إذا مدحت ، وأنهم لا يزدادون لك إلا بغضا ولا في الشهادة عليك إلا قطعا ، لمعرفتهم بك قديما وعلمهم بحالك صغيرا وكبيرا ، فلعمري لئن كنت إلى يومك هذا كما زعموا إنك إذا من المستهزئين ، ولئن كنت قد نزعت عما عهدوا ما أخلصت لله إذن توبتك ، ولا صدقت نيتك ، وإن في إيمانك لضعفا ، وإن في نفسك لوهنا ، وإن في صدرك لكبرا وإن في قلبك لقساوة ، وان في معيشتك لإسرافا ، وما أحسبه صح في يدك من زينة الله التي أخرج لعباده وأرزاقه الطيبة التي بسطها على خلقه ما تبلغ به لذة ، ولا تقضي به ذمة ، لأن ذلك لم يصل إليك إلا ببغي المسلمين ، وبطالة المستهزئين ، وإفك المفترين ، فلا أحسبك إذا كنت بهذا وأشباهه تبرأ بشيء من كسبك عن شيء من دينك إلى أحد من غرمائك ، إلا صرت ممن يبرأ من ذلك إلى أهل الأرض غريما لأهل السماء ، ولا تصل

١١٣

بشيء من جمعك أحدا من ذوي قرابتك إلا كانت مسألة الله إياك عن قطيعتهم أهون عليك من محاسبته إياك بما يصل إليهم ، ولا تنفق نفقة صغيرة ولا كبيرة إلا وقّعت لك في سجين ، ولا ترفع منزلة إلا هبطت بك في أسفل السافلين ، وما سلم قلبك حتى عرفت به وصليت في المشرق إلا من ضعف قلبك ، ولا صح عقلك حتى رجب (١) أهلك إلا من قلّة عقلك ولو نفرت في الأرض حيران على وجهك أو سرت إلى الجبال هاربا من خطيئتك أو ترممت (٢) العظام مع الكلاب ، أو ولغت فضول الماء مع السباع لكان ذلك بقدر جرمك خفضا ودعة من جنائك وبقدر عملك رغدا من معيشتك ، ولو ابيضت عيناك من الحزن ، وعضضت على يديك فأبنتهما من الغبن وتقطع قلبك من الهم أو ذهبت نفسك حسرات لما كان ذلك أرش ما جرحت به من دينك ولا نذر ما لويت به من أمانتك ولا قيمة ما فاتك من ربك فإذا بلغت من نفسك المسكينة ما بلغت ورضيت عنك نفسك الضعيفة ما صنعت فلا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد ملوما مخذولا.

قال أبو محمد : ثم من بعد صنعاء من قرى همدان في نجدها بلدها ريدة وبها البئر المعطلة والقصر المشيد وهو تلفم (٣) وفيه يقول علقمة بن ذي جدن :

وذا لعوة المشهور من رأس تلفم

أزلن وكان الليث حامي الحقائق

ويسكنها اللّعويون (٤) وأثافت

وتسمى أثافة (٥) بالهاء وبالتاء أكثر

__________________

(١) رجب كفرح وفزع واستحيى وكنصر هابه وعظمه ومنه شهر رجب لتعظيمه.

(٢) ترممت العظام : الرميم من العظام باليها وما نخر منها وقوله ولغت من الولوغ وهو شرب الكلاب والسباع بطرف ألسنتها.

(٣) ريدة بفتح الراء وسكون الياء المثناة من تحت ثم دال وهاء هي منزل الهمداني وكانت معقله الذي يلجأ اليه من صروف الزمن وكوارث المحن في كنف الاسد الهصور ابي جعفر احمد بن محمد بن الضحاك ، وهي اليوم آهلة بالسكان والحياة وهي لا تزال سوقا لحاشد وبكيل وعدادها من بكيل وتقع في البون لحف جبل تلفم بفتح التاء المثناة من فوق وسكون اللام وضم الفاء آخره ميم والعامة تنطق به اليوم بالقاف راجع الكلام على ريدة وتلفم في الجزء الثامن والثاني من الاكليل ج ٢ ـ ٩٨. والثامن ـ ١٦٥ باخراجنا.

(٤) راجع انساب وأخبار اللعويين في الاكليل ج ١٠ ويقال لهم بقية في عفار من خارف.

(٥) أثافت بضم الهمزة وكسر الفاء وفيه لغة ثالثة وهي ثافت باسقاط الهمزة حكاها ابن فند شارح البسامة وكذا حكاها ياقوت وفي معجم ما استعجم. وقال الهمداني : أثافة على من يقول في تابوت تابوه. وهي اليوم لا أثر فيهما وكانت تقوم على مصنعة منيعة لا ترام وتقع في بني صريم ثم في آل أبي الحسين وقد عاصرت أحداثا رهيبة لا زالت تنتقص منها حتى اختفت حوالي القرن السابع الهجري ، راجع التاريخ ، وضبطها ياقوت بفتح الهمزة.

١١٤

وخبرني الرئيس الكباري من أهل أثافت قال كانت تسمى في الجاهلية درنى (١) وإياها التي ذكرها الأعشى (٢) بقوله :

أقول للشرب في درنى وقد ثملوا

شيموا وكيف يشيم الشارب الثمل؟

وكان الأعشى كثيرا ما يتخرّف فيها وكان له بها معصر للخمر يعصر فيه ما أجزل له أهل أثافت من أعنابهم ، ويروون في قصيدته البائية :

أحب أثافت وقت القطاف

ووقت عصارة أعنابها

ويسكنها آل ذي كبار ووادعة (٣).

وخيوان : أرض خيوان (٤) بن مالك وهو من غرر بلد همدان وأكرمه تربة وأطيبه ثمرة ويسكنها المعيديون (٥) والرضوانيون وبنو نعيم وآل أبي عشن وآل أبي حجر من اشراف حاشد ، وهي الحد بين بكيل وحاشد وكان معيد جدهم مع علي عليه‌السلام فأغضبه فبات يكدم واسط كوره حتى أفناه ولحق بمعاوية ولم يزل بها نجد وفارس وشاعر ، ومن شعرائهم ابن ابي البلس (٦) وهو القائل في أبي الحسين يحيى بن الحسين الرّسي في كلمة له سينية :

لو أن سيفك يوم سجدة آدم

قد كان جرّد ما عصى إبليس

ثم من هذه السراة في بلد خولان (٧) بن عمرو بن الحاف مدينة صعدة (٨) وكانت

__________________

(١) بضم أوله وسيأتي ذكره للمؤلف وانها من ارض اليمامة بلد الأعشى.

(٢) الأعشى هو أبو بصير ميمون بن قيس من بكر بن وائل وهو عند الاطلاق لا ينصرف إلا إليه وشهرته تغني عن ترجمته وديوانه مطبوع.

(٣) الكباريون لا يعرفون اليوم ، وجدهم ذو كبار بضم الكاف ، راجع العاشر من الاكليل. وتوجد قرية في همدان تسمى الكبار كما توجد فرقة في ذي السفال الكلاع وأحوازها يدعون ببني الكباري يتسمون بالفقه والمعرفة ، ووادعة قبيلة من حاشد لها بقية ، راجع العاشر من الاكليل.

(٤) تمام نسب خيوان في الجزء العاشر وخيوان لا تزال عامرة.

(٥) معيد جد الرؤساء آل الضحاك الذين لعبوا دورا كبيرا في تاريخ اليمن وأحداثه ، وكدم عض بأطراف اسنانه ، والكور بضم الكاف : ما يركب عليه وهو الرحل.

(٦) لم أجد ترجمة لابن أبي البلس.

(٧) راجع نسب خولان قضاعة وخولان العالية في الجزء الأول من الاكليل.

(٨) صعدة بفتح فسكون آخره هاء : مدينة جميلة نزهة نضرة ولا تزال الاحداث تأخذ منها حتى يومنا هذا ، انجبت من حملة العلم ورواة الأخبار وأصحاب الأدب وأهل السيف والقلم جملة مستكثرة ومنهم الى أبي النجم الحميريين

١١٥

تسمى في الجاهلية جماع وكان بها في قديم الدهر قصر مشيد ، فصدر رجل من اهل الحجاز من بعض ملوك البحر ، فمر بذلك القصر وهو تعب ، فاستلقى على ظهره وتأمل سمكه فلما اعجبه قال : لقد صّعده لقد صعّده!! فسميت صعدة من يومئذ ، وقال بعض علماء العراق : إن النّصال الصاعدية تنسب إلى صعدة وانما يقال فيها الصعدية فاذا اضطر شاعر قال صاعدية في موضع صعدية. وهي كورة (١) بلاد خولان وموضع الدباغ في الجاهلية الجهلاء وذلك انها في موسط بلاد القرظ وهو يدور عليها في مسافة يومين فحده من الجنوب خيوان وبلاد وادعة ، ومن الشمال مهجرة في رأس المنضج (٢) من أرض بني حيف من وادعة ايضا ومن المشرق مساقط برط في الغائط ، ومن المغرب معدن القفاعة من بلد الاجدود (٣) من خولان ، ثم لا مدينة بعدها من نجد اليمن ، وكان بها حروب وايام قد ذكرناها في بعض كتبنا وذكرنا من كان بها من شعراء خولان ، وكذلك نجران كان بها ايام وحروب وشعراء من بلحارث وهمدان وكان من شعرائها ابن البيلماني من الأبناء.

ما وقع باليمن من جبل السراة وأوله اليمن

أما جبل السراة الذي يصل ما بين اقصى اليمن والشأم فانه ليس بجبل واحد وانما هي جبال متصلة على نسق واحد من أقصى اليمين الى الشأم في عرض أربعة أيام في جميع طول السراة يزيد كسر يوم في بعض هذه المواضع وقد ينقص مثله في بعضها ، فمبتدأ

__________________

الذي قال فيهم الأمير محمد بن الهادي تاج الدين من قصيدة له :

آل أبي النجم هم ما هم

هم خير من يمشي على الأرض

لو سرت في الأرض جميعا إلى

أن تقطع الطول مع العرض

لم تلق مثلا لهم في الورى

من أهل رفع الأرض والخفض

ومنهم آل عطية وآل الدواري وآل حابس من بلحارث بن كعب المذحجيين وغيرهم وقد الممنا بأخبارها في غير هذا التعليق ، ونسب اليها ياقوت أبا عبد الله بن محمد بن ابراهيم بن مسلم البطال محدث. وصعدة ايضا بليدة من مخلاف خدير جنوب تعز.

(١) الكورة بالضم كل صقع يشتمل على عدة قرى ولا بد لتلك القرى من مدينة أو قصبة.

(٢) المهجرة بفتح فسكون قال ابن خرداذبة قرية كبيرة تحت عقبة المنضج والمنضج بفتح فسكون ويأتي ذكرهما للمؤلف وبالمنضج كانت تقف حجاب التبابعة لمن أتى من الشمال فيبلغون خبره الى العاصمة وفيها كانت وقعة هائلة للأمير محمد بن أبان الخنفري على معن بن زائدة.

(٣) الاجدود بالجيم كما في «الاكليل» ج ١ ـ ٣٥٠ وفي أصلنا وفي «ب» و «ل» بالحاء وهو وهم.

١١٦

هذه السراة من أرض اليمن أرض المعافر فحيق بني مجيد فعرّ عدن (١) وهو جبل يحيط البحر به ، وهي تجمع مخلاف ذبحان والجوءة وجبأ وصبر وذخر وبرداد (٢) وصحارة

__________________

(١) هذا من عكس الترتيب فانها تبدأ بعر عدن فحيق بني مجيد فأرض المعافر والعر بضم المهملة وتشديد الراء وهو عدة جبال بركانية كان يطلق عليها العر ، ثم أطلق عليها التعكر واليوم جبل شمسان ولبعد ذكره نوه به الشعراء فمن ذلك قول الوليد بن عقبة بن أبي معيط يوم الجمل :

يا ليتني كنت في العرين من عدن

يوم البصيرة أو صنعاء والجند

(٢) الضمير في هي يعود الى المعافر : ذبحان بضم الذال المعجمة وآخره نون عزلة من المعافر في الجنوب منه وورد ذكره في المساند القتبانية كما جاء منوها به في الأنساب راجع الاكليل ج ٢ ـ ٣٥.

والجؤة ضبطها الجندي لوحة ٧٥ ـ بضم الجيم وهمزة على الواو مفتوحة ثم هاء وذكرها ياقوت في موضعين فضبطها وقال هي قرية قرب الجند من أرض اليمن خرج على السلطان منها رجل من السكاسك يقال له عبد الله بن زيد والجؤة أيضا من قرى زبيد باليمن وقال : الجوة بالضم قرية باليمن معروفة ينسب اليها أبو بكر عبد الملك بن ابراهيم السكسكي الجوي حدث بها عن أبي محمد القاسم بن محمد بن عبد الله الجمحي روى عنه أبو القاسم هبة الله بن عبد الوارث قلت أنا لا يوجد باليمن غير جؤة المعافر هذه وعلى ما ضبطها الجندي وياقوت للأولى ومنها خرج الرجل السكسكي على السلطان وخرج منها الحافظ عبد الملك المقبور قرب الراهدة وعليه مسجد وضريح مشهور يزار وتقع الجؤة في عزلة الأشعوب على سفح حصن الدملوة والصلو من شرقيه وكانت مساكن الملوك ، والفضلاء المعدودين وكان فيها الأمير محمد بن أحمد بن المفضل بن عبد الكريم بن سعد بن سبأ الأبيني ، أيام الملك المنصور عمر بن علي بن رسول فقصدته الشعراء وامتدحوه فمن ذلك قول بعضهم :

يا طالب الجود يمم للندى جؤة

فانه حل فيها الوابل السكب

واقصد بمدحي أمير الدين ان له

مواهبا ليس يحصى عدها الكتب

واستصغرت نفسه الدنيا لقاصده

فلو حواها لكانت بعض ما يهب

وهي اليوم متشعثة تكاد تلحق بالموتى وتقع جنوبي شرقي مدينة تعز لمسافة مرحلة. وجبأ سلف ذكرها.

وصبر بفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة آخره راء زنة كتف وهو الجبل الشامخ العظيم الذي تقع على سفحه مدينة تعز من شماليه وقلعتها الشماء القاهرة وفي سفح غربيه مدينة جبأ الأثرية وهو من الجبال المباركة كثير الخيرات والعيون والمناهل حتى قيل ان فيه من العيون عدد أيام السنة وفي مؤلف يسمى «نزهة المعتبر في فضائل جبل صبر» حفقناه ونشرناه ، وورد التنويه به في الأخبار النبوية في حديث المكاتب الذي عجز عن أداء مال الكتابة فقال علي عليه‌السلام اعلمك كلمات تقولهن علمنيهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولو كان عليك مثل جبل صبر دينا اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك أخرجه الترمذي والحاكم. وذكره الأمير محمد بن ابان الخنفري من قصيدة له :

وفي صبر لنا شاد المعالي

أبونا ذو المهابة والجلال

وقال الملك علي بن محمد الصليحي :

حتى رمتهم ولو يرمى به كنن

والطود من صبر لانهدّ أو كادا

ونسب إليه أبو الخير النحوي الصبري شيخ الأهنومي الذي كان بمصر ذكره ياقوت ، وصبر بفتح الصاد والباء في صحار خولان من صعدة يأتي ذكره للمؤلف وصبر بفتح فسكون جبل من مخلاف نقذ وصاب ، وذخر بفتح الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة أيضا آخره راء ويقال له ذخر الله وهو جبل عظيم الخيرات معاند لجبل صبر من الغرب بينهما الضباب وبرداد ووصفه طويل ذكر في غير هذا وبرداد بكسر الباء الموحدة وسكون الراء ويأتي ذكرها وفي «ل» و «ب» بالياء المثناة من تحت والزاي غلط.

١١٧

والظّباب والعشيش ورسيان وتباشعة (١) ويسكن هذه المواضع نسل المعافر بن يعفر ومن همدان ومن السكاسك وبني واقد ، ووادي الملح (٢) ويسكنه الأشعر ، وفيما بينه وبين تباشعة بلد العشورة قبيلة من الأشعر.

ثم يتصل ببلد المعافر في هذه السراة بلد الشراعب من حمير منها دخان (٣) ورؤوس نخلة (٤) ويصلاه من بلد الكلاع نخلان والثجة والسحول والملحة وظبا وقلامة والمذيخرة وريمة وقرعد وحرقة وملحّة وموضان والخنن والرّبادي وتعكر والزواحي (٥) وغور سراة

__________________

(١) صحارة يأتي ذكره والضباب بفتح الضاد المعجمة المشددة والباء آخره باء ورسمه في «ب» بالظاء المشالة وهم وهو ما يسمى ضباب الغرس لكثرة المغروس والفواكه وهو في فصول الربيع والصيف والخريف قطعة من الجنان أو لوحة من لبنان ، بل أجمل وأروع منه وعداده من صبر ونسب اليه الشيخ عبد الله بن يحيى الصبري الضبابي أحد المتهمين في محاولة انقلاب سنة ١٣٤١ ه‍ فزج مع ولده الشيخ علي في قصر صنعاء ومات الأب في سجنه مع آخرين من الرؤساء راجع تاريخنا والضباب أيضا واد في قدس من المعافر ايضا جنوبي هذا والضباب أيضا في المفاليس من المعافر أيضا والضباب يأتي ذكره للمؤلف من الأجعود ، والعشيش بضم العين المهملة وياء من تحت ساكنة بين شينين معجمتين هو ما يسمى اليوم العشش بحذف الياء لا تزال تحمل هذا الاسم ورسيان بكسر الراء وسكون السين المهملة ثم فتح الياء المثناة من تحت آخره نون ورسمت في «ل» و «ب» بالباء الموحدة خطأ وهو ملتقى السيول والروافد الآتي ذكرها للمؤلف وهو معروف ومشهور وتباشعة بضم التاء المثناة من فوق وفتح الباء الموحدة ثم شين وهاء وهي قرية كبيرة ذات مسجد جامع في عزلة بني وافي من جبل ذخر الذي يسمى اليوم جبل حبشي وكل هذه الأماكن غربي مدينة تعز وتباشعة أيضا عزلة شرقي صبر.

(٢) وادي الملح هو ما يسمى اليوم وادي المالح وهو واد مغيول موبوء بينه وبين وادي الضباب وادي حذرار وكلها ذات غيول كبيرة منهمرة وتقع على طريق مخلاف شرعب ومن تعز في الشمال الغربي وعداده من أعالي تعز.

(٣) الشراعب هو ما يسمى اليوم مخلاف شرعب وهو يشكل عمل ناحية خصبة التربة طيبة الهواء كثيرة إنتاج الموز والقات وغيرهما ويقع في الشمال الغربي بمسافة ثلاثين كيلا والشراعب أيضا في الكلاع العدين والشراعب أيضا في بلاد حجة في غربيها. ودخان بفتح الدال المهملة وتشديد الخاء المعجمة : جبل عال وواد أيضا في عزلة الشجاني من شرعب.

(٤) يأتي ذكرها.

(٥) هذه أماكن نذكرها على التوالي والكلاع بالفتح كان يطلق في القديم على : العدين وبلاد ذي السفال وبلد حبيش وبلاد إب. راجع الاكليل ح ٢ ـ ٢٤٤. والكلاع أيضا اقليم بالأندلس من نواحي بطليموس وكلاع اشبان محلة بنيسابور وقلعة بالشام. عن ياقوت ، كل ذلك نسب الى الكلاع القبيلة المشهورة من حمير التي نزلت أيام الفتوحات بهذه الأصقاع.

ونخلان بفتح النون وسكون الخاء المعجمة آخره نون ويقال له وادي نخلان وهو من الأودية الكريمة وفيه قرى عامرة جميلة ويقع في الشرق الشمالي من تعز على بعد ٤٥ كلم وبمسافة نصف ساعة بالسيارة راجع الاكليل ج ٢ ـ ٨ وفي «ب» بالحاء المهملة غلط وكذا فيما يأتي والثجة بفتحات مع التشديد آخره هاء بلدة كانت عامرة في ظاهر جبل التعكر وهي اليوم مزارع وحروث وقد يطلق المعاصرون عن أسلافهم ان الثجة مدينة اب ويروي أهلها حديثا.

وقد حققنا الموضوع في المعجم.

والسحول بفتح السين وضم الحاء وهو الجاري على الألسن اليوم وكذا ضبطه البكري ، وضبطه ياقوت بضم أوله

١١٨

__________________

وهو مخلاف يأتي ذكره للمؤلف ويطلق اليوم على بطن السحول ما بين عقبة إب الذهوب جنوبا حتى القفر شمالا وما اكتنفه من الجبال.

والملحة : بفتحات وقد تكسر اللام قرية كبيرة في بطن السحول وملحة أيضا قرية في عزلة السيف من الكلاع بلد ذي السفال.

وظبا بضم الظاء المعجمة ثم باء موحدة وألف مقصورة كان يطلق في القديم على قرية «الجامع» اليوم الواقعة في متوسط الوادي وكان سوقا ويقال له : وادي ظبا وهو من أكرم الأودية لو لا الندوب التي شوهت به السيول وتقوم في أعلاه مدينة ذي السفال وفي أسفله مدينة القاعدة الجديدة التجارية وعلى جنبات وادي ظبا ما ينوف على ثلاثين قرية كالنجوم الزاهرة ووادي ظبا ووادي نخلان متعاندان فظبا في الغرب الجنوبي ونخلان في الشرق الجنوبي ليس بينهما فاصل ونسب إلى ظبا أبو الخير بن محمد بن كديس الظبائي كان عالما فاضلا وقبره بقرية الجامع وكانت وفاته في سنة عشر وأربعمائة ه ، ووهم ياقوت في معجمه فرسمه في حرف الطاء المهملة قال وينسب اليها أبو القاسم عبد الرحمن ابن عبد الله القرشي الفقيه روى عنه أبو القاسم عبد الله بن عبد الوارث الشيرازي وكذا وهم صاحب «اللباب» والظبا أيضا معرفا بالألف واللام بلدة في الأشعوب المذكورة آنفا من خدير والصلو ، وظبا أيضا : بلدة في شمال الحجاز مشهورة بين الوجه والمويلح على شاطىء البحر ، ولها ذكر في الكتب المتعلقة بوصف طريق الحجاج من مصر.

وقلامة بالفتح : بلدة تقع شمال المذيخرة نسب اليها أحد العلماء كما في الجندي ويقال إن بها مسجدا أثريا.

والمذيخرة بضم الميم وفتح الذال المعجمة وسكون الياء المثناة من تحت ثم خاء معجمة وآخره هاء : تعتبر المذيخرة روضة فواحة بالشذا ، ذات ينابيع غزيرة وزروع وفواكه وفي ذلك يقول بعض الأدباء :

مذيخرة تخضرّ في زمن الشتا

وتزهو بأسنى بهجة وسرور

وفي بطنها الأنهار تزهو كأنها

سلوك لجين في بساط حرير

وهي مقر الملوك المناخيين الحميريين ، وعاصمة ابن الفضل ولا يزال فيها نجد وشهم حتى اليوم والمذيخرة هذه عزلة لا قرية وريمة ـ بفتح الراء وسكون الياء المثناة من تحت ثم ميم وهاء ـ ويقال لها ريمة المناخي وهي قلعة شماء بها آثار المناخبين ومعين ماء عذب نقاخ ، وتطل على المذيخرة من الغرب ، كما أن قرعد ـ بضم القاف وسكون الراء آخره دال ـ جبلها الشرقي ، وقرعد أيضا بلدة في سرو مذحج البيضاء ، وقرعد أيضا في ذي رعين ثم في كحلان خبان.

وحرقة ـ بفتح الحاء المهملة والراء والقاف آخره هاء : بلدة عامرة في ايفوع ، أعلا غربي المذيخرة ويقال لها الحرقة ، وفي «ب» و «ل» رسمها بالخاء المعجمة غلطا. والحرقة أيضا قرية من أعمال ذي السفال ثم من عزلة الصفة ، وملحة ـ بفتح الميم واللام وتشديد الحاء المهملة آخره هاء : بلدة عامرة وواد في بني زهير غربي المذيخرة ، وموضان ـ بفتح الميم وسكون الواو والضاد المعجمة آخره نون : قرية آهلة بالسكان في عزلة حمير جنوب المذيخرة ، وفي «ل» و «ب» بوصان بالباء الموحدة والصاد المهملة وهو خطأ.

والخنن ـ بفتح الخاء المعجمة وكسر النون الأولى ثم نون آخره : بلد وجبل غربي المذيخرة ، وفي «ل» و «ب» بالحاء المهملة وباقي الحروف كالأول ، وهذه الأماكن من قلامة الى قوله الخنن تقع شمالي مدينة تعز بمسافة مرحلة.

الربادي ـ بفتح الراء المشددة ثم باء موحدة دال وياء : عزلة خصبة تقع جنوب مدينة ذي جبلة وفي أعلاها يقوم حصن التعكر الشهير ، ومن منتوجاتها البر ـ القمح ـ والقلا ـ الفول ـ والورد الناهي ، ولها ذكر في التاريخ ، وكان في الأصول : الزيادي ـ بالزاي والياء المثناة من تحت وباقي الحروف كالأول ، ولم نجد هذا الاسم بعد البحث المتواصل وكذا تكرر فيما يأتي وفي ابن خرداذبه والبشاري.

وتعكر : ويقال له التعكر وحصن التعكر ، وهو بفتح التاء المثناة من فوق وسكون العين المهملة وفتح الكاف آخره راء ، ولا يعرف اليمنيون غير هذا الضبط ، وهو حصن عظيم الشأن ومن أقدم معاقل اليمن وأحصنها ، قال ابن

١١٩

الكلاع الجبجب ووحفان (١) ووحاظة ، وقبلة بلد الكلاع قينان ومنوب وشيعان والصنّع وهما الواديان وفيهما الورس الناهي (٢) ويخار وصيد (٣) ومغرب الجميع في بلد الكلاع

__________________

سمرة في «طبقاته» ص ١٥٩ : حدثني السلطان وائل بن علي بن أسعد الكلاعي الحميري ان التعكر أسس قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة ، وذكره الأمير محمد بن أبان الخنفري بقوله من قصيدة له في الاكليل ج ٢ ـ ١١٢ :

وفوق التعكرين لنا قصور

تشاييد الشرامخة الطوال

وقال الملك علي بن محمد الصلحي :

قالت ذرى تعكر فيها بكونك في

عليائها علما أو في علا علم

والتعكر اليوم ومن قبل أربعمائة سنة خراب وأطلال تنوح فيه البوم والغربان.

والزواحي ـ بفتح الزاي المشددة آخره ياء : قرية عامرة في جبل حبيش بعزلة العارضة وبها مسجد جامع عمّره السلطان القاسم بن حمير الوائلي الحميري ووقف عليه وقفا جيدا وشرط فيه مدرسا ومدرسته تخرج فيها جماعة من الفضلاء كالامام يوسف بن علي الهيثمي وتلميذه عبد الله بن عمران.

(١) الجبجب ـ بجيمين وبائين : معروف بهذا الاسم الى هذه الغاية ويقام فيه سوق كبير موعده يوم الأحد وهي من وحاظة جبل حبيش ثم من عزلة يريس وهو غور وفيها وقعت الحادثة للمؤرخ الشهير والشاعر الكبير عمارة اليمني ، راجع تاريخه ـ ٨٨ باخراجنا ، وما يحمل اسم الجبجب كثير.

ووحفان ـ بفتح أوله وسكون ثانيه : تثنية وحف ، وهو في الأصل الشعر الكثير الأسود وعلى الأديم المدبوغ بشعره الذي يوضع أسافل الأماكن والغرف لوقاية الأوساخ ، ووحفات هضاب ومزارع وأودية في عزلة يريس.

(٢) الناهي : لغة يمنية مستعملة الى هذا التاريخ. ومعناه : الجيد الطيب المرغوب فيه ، وقينان ـ بفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحت وآخره نون : بليدة متشعثة قد أسرع اليها الخراب وكانت عامرة وبها مسجد جامع مجاورة لقرية رفود وقصبة الوادعي ، وشمال مركز المخادر بفرسخ تقريبا من بطن السحول ، وفيها قتل قاتل علي بن الفضل وبها قبره في قصة طويلة مذكورة في التاريخ ، وتسمى اليوم قرية المنارة.

ومنوب ـ بفتح الميم وسكون النون آخره باء موحدة ـ كذا في الأصول كلها ولم نعثر على موضع في هذه المنطقة بهذا الاسم بعد احفاء السؤال ولكمال خبرتي بها ، ويعتقد من يسمع بهذا الاسم من أهل البلد انها تصحيف منوز ـ والزاي آخر الحروف ـ وهي قرية كبيرة مشهورة من السحول ثم من بني سرحة ، كما أنه يوجد قرية صغيرة لا يتجاوز أبياتها خمسة وليست من النباهة والشأن حتى تذكر وتقع في بني سيف العالي وفيها يقول شيخنا العلامة الحجة يحيى بن محمد الأرياني وكتب الى ولده الزاهد الأديب علي بن يحيى من مقطوعة :

سقى الحيا المنوب والجامشا

وبات في أنحائها هابشا

أرض بها يخضل عيش الفتى

طوبى لمن كان بها عائشا

يريش من كان بها حارثا

حتى يصير الحارث الرائشا

ومنوب أيضا قرية خربة من عزلة الصّفي في أعالي المخادر بها آثار.

وشيعان ـ بفتح الشين المعجمة وسكون الياء التحتانية وآخره نون ـ ويقال له وادي شيعان وهو واد مشهور ، وكذا الصنع ـ بفتحتين ـ وفيهما اليوم شجر البن الناهي ، وشيعان : من سنحان جنوب صنعاء ، والورس : نبات طوله نحو ثلثي قامة الانسان ذو أوراق وأغصان دقيقة تتخللها براعم مسطحة وعلى ظهر البراعم ثمر الورس وهو زغب أحمر بصفرة ويجنى وقت حصاده في تشرين أول أو الثاني ويوضع في مكان نظيف ويضرب بخطرة فيخرج منه ما يشبه الغبار في الدقة والنعومة ، ولا يزرع الا باليمن ويبقى عشرين سنة لا يتغير ، وقد قل غرسه لأنهم استبدلوا القات به.

(٣) يخار ـ بضم الياء المثناة من تحت ثم خاء معجمة آخره راء. وهو جبل وفي قمته حصن أثري يسمى بالقائد الحميري يخار بن فلان وفيه كانت الوقعة العظيمة بين العرب والشراكسة سنة ٩٢٣ ه‍ ـ راجع التاريخ.

وصيد ـ بفتح الصاد المهملة وسكون الياء المثناة من تحت ثم دال مهملة وهو سمارة ، ولي معه حديث ذكرته في بعض التآليف ، وهو يطل على وادي الصنع من الجنوب ، ويخار يطل على شيعان من الشمال الشرقي.

١٢٠