طلوع سعد السّعود - ج ٢

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ٢

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

سنة سبع وتسعين (٧٣) من الخامس المذكور على قلعة جعبر والرقة واستاقوا مواشيهما وأسروا من وجدوه بالعلانية لا بالسرقة. ثم سار صنجيل لما وصله مدد الفرنج من البحر إلى طرابلس الشرق ، في تلك السنة باليقين والحق ، فحاصرها برا وبحرا ، ولما لم يجد لها مطمعا رحل عنها فورا ، وعاد إلى جبلة من أرض الشام بالعيان ، فحاصرها وتسلمها بالأمان ، ثم سار إلى عكّا ووصله مدد من بيت القدس الأطهر ، وحصروا (كذا) عكّا في البر والبحر ، وجرى بينهم وبين أميرها بنازهر الدولة الجيوشي قتال طويل الفضيعة ، فملكوها بالسيف وفعلوا بأهلها الأفعال الشنيعة ، وهرب ملكها ثم قصدوا حران ، فاتفق ملك الموصل مع سقمان ومعه التركمان ، وقصدوا للفرنج فاجتمعا على الخابور ، والتقا (كذا) الجمعان على نهر البليخ ، فكانت الدائرة على الفرنج وقتل منهم خلق كثير / وأسّر ملكهم القومص الفليخ؟ وفي السنة التي بعدها استولى على ارتاح ثم في سنة تسع وتسعين من الخامس (٧٤) ساروا إلى قامية لنيل ارتياح فحصروها (كذا) وملكوا البلد والقلعة وقتلوا قاضيها المتغلب عليها وبقوا في انشراح ، ثم سار صنجيل إلى طرابلس الشرق فحصرها (كذا) وبنا (كذا) بالقرب منها حصنا وقهرها وبنا (كذا) تحته ربضا وهو المعروف بحصن صنجيل ، فخرج إليه أبو علي ابن عمار صاحب طرابلس بجيش حفيل ، فأحرق الربض ووقف صنجيل على بعض سقفه المحرقة فانخسف به فمرض من ذلك وبقي عشرة أيام ومات في القلقلة وحمل إلى القدس فدفن فيه ودام الحرب بين الطرابلسيين والفرنج خمسة أعوام وظهر في الحرب من صاحبها ما يعنيه ، ثم ساروا ثالثا إلى طرابلس الشرق وحلوا بها في أول رمضان سنة ثلاثة من القرن السادس (٧٥) فحاصروها في البر والبحر وضايقوها ، وشددوا عليها وخانقوها فأرسل إليها نواب خليفة مصر العلوي اسطولا ، فرده الهواء ولم يقدر على الوصول إليها ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، فملكوها بالسيف وقتلوا ونهبوا وأسروا وسلبوا وذلك في حادي عشر ذي الحجة

__________________

(٧٣) الموافق ١١٠٣ ـ ١١٠٤ م.

(٧٤) الموافق ١١٠٥ ـ ١١٠٦ م.

(٧٥) الموافق ٢٤ مارس ١١١٠ م.

٤١

من السنة المذكورة (٧٦) وقد طلب بعض أهلها قبل استلائهم (كذا) عليها الأمان ، وخرجوا منها إلى دمشق فنجاهم الله مما كان. وفي التي بعدها ملكوا صيدا في ربيع الآخر بالأمان (٧٧) ثم ساروا ومعهم صاحب أنطاكية إلى الأرثاب لقربها من حلب فحصروه (كذا) ودام القتال ثم ملكوه عنوة بعد ما قهروه وقتلوا من أهله ألفي رجل وأسروا الباقين ثم ساروا إلى ـ ذردنا ـ فملكوها عنوة وجرى لهم كأهل الأرثاب باليقين ، ثم ساروا إلى منيح وبالس ، فألفوهما خاليين من أهلهما فعادوا عنها بلا مخالس ، وصالحهم رضوان صاحب حلب على اثنين وثلاثين ألف دينار مع خيول وثياب ، ودخل الخوف والرعب قلوب أهل الشام منهم وصاروا في هم وكراب ، فشرعوا في الصلح ببذل الأموال خشية من النكال والوبال. فصالحهم أهل مدينة صور على سبعة آلاف دينار وصاحب شيرز على أربعة آلاف ، وصاحب حماه على ألفي دينار ، وزادوا في هذه السنة وقيل في سنة إحدى عشر للديار المصرية ، وكبيرهم بردويل فانتهوا إلى الفرما فدخلوها بالقهرية ، وأحرقوها ومساجدها وجوامعها ، وأفسدوا محاسنها ومصانعها ، ورجعوا إلى الشام ، وكبيرهم بردويل مريض بالحريش فهلك في الطريق قبل وصولهم إلى العريش ، فشق أصحابه جوفه ورموا هنالك حشوته ، فهي تعلّم للآن بالحجر فورته ، وزادوا بجثته فدفنوها بقمامة ، وهو صاحب القدس وعكّا ويافا وغيرهم من المدن المرامة.

ثم هجموا على ربض حماة ولم يتمكنوا منها ، لكنهم قتلوا من أهلها ما يزيد على مائة رجل ، ثم عادوا عنها ، وذلك سنة إحدى عشر من القرن السادس الشهير (٧٨) ثم زادوا سنة ثلاثة عشر من ذلك القرن ، بالتحرير (٧٩) إلى ربض حلب فلقيهم ايلغازي بن أرتق الأمير واشتد القتال بينه وبينهم فدارت عليهم الدائرة حال التدوير فهزمهم وقتل وأسّر منهم كثيرا وكان في القتلى سرجال صاحب أنطاكية شهيرا ، وكانت الواقعة في منتصف ربيع الأول من تلك السنة (٨٠) وزاد

__________________

(٧٦) الموافق ١ جويلية ١١١٠ م.

(٧٧) الموافق اكتوبر ، نوفمبر ١١١٠ م.

(٧٨) الموافق ١١١٧ ـ ١١١٨ م.

(٧٩) الموافق ١١١٩ ـ ١١٢٠ م.

(٨٠) الموافق جوان ١١١٩ م.

٤٢

إيلغازي عقبها بالبينة ، ففتح الأثارب وذردنا ورجع فارحا لأهله يترنّنا فمدحه بعض الشعراء بقصيدة منها هاتان (كذا) البيتان :

قل ما تشاء فقولك المقبول

وعليك بعد الخالق التعويل

واستبشر القرآن حين نصرته

وبكا (كذا) لفقد رجاله الإنجيل

وفي التي بعدها أغاروا ورايسهم (كذا) جوسلين صاحب الرها على جموع العرب والتركمان ، وهم نصفين فغنموا من أموالهم ومواشيهم شيئا كثيرا وعادوا إلى تراعة فخربوها بالبيان. ثم ساروا في سنة سبعة عشر من السادس (٨٢) إلى خرتبرت التي بها منهم جوسلين وغيرهم حال كونهم محبوسين ، فاستولوا عليها وخلصوهم من سجنهم في الساعة والحين ، وفي التي بعدها استولوا بالأمان على صور ، فدخلوها في العشرين من جمادى الأولى (٨٣) وخرج أهلها بما قدروا على حمله من أموالهم لغيرها من المدن والثغور وفيها / حاصروا حلب فلم ينتج لهم منها شيء ، وارتحلوا وقصدوا محلهم فله ولوا وانتحلوا. ثم في سنة عشرين من السادس (٨٤) قصدوا دمشق ونزلوا عند قرية شقحب ، فلقيهم طغتكين الأمير مع التركمان في أواخر ذي الحجة (٨٥) منها واشتد القتال فانهزم جيش طغتكين وانقلب ، واتبعهم الفرنج فثبت التركمان على الهروب وقصدوا مخيم الفرنج فقتلوا كل من وجدوه وأخذوا الأموال والأثقال وسلموا من العطوب ، ولما رجع الفرنج وجدوا أثقالهم وخيمهم قد نهبت ، فانهزمت حينئذ وهربت. وفيها حصروا (كذا) رقينة وملكوها ، وبرجالهم دخلوها وسلكوها ، ثم قصدوا دمشق أيضا سنة ثلاث وعشرين من المذكور (٨٦) فحصروها (كذا) ولم يظفروا بشيء منها ، وكان البرد والشتاء شديدا فرحلوا شبه المنهزمين عنها ، فأتبعهم تورى بعسكر دمشق في

__________________

(٨٢) الموافق ١١٢٣ م.

(٨٣) الموافق ٢٤ جويلية ١١٢٣ م.

(٨٤) الموافق ١١٢٦ م.

(٨٥) الموافق أوائل جانفي ١١٢٧ م.

(٨٦) الموافق ١١٢٨ م.

٤٣

أثرهم وقتلوا كثيرا منهم من غير أسرهم. وهذه الوقائع كلها في أيام فيليب الأول سلطان الفرانسيس ، الذي به حصل لدولتهم القوة والتأسيس.

ثم أنهم لما رجعوا من المشرق لبلادهم ، بضعفائهم وشدادهم وتركوا بالقدس كما مرّ أميرا ، وحلوا ببرهم خفيا وشهيرا ، أسس أحد أجوادهم جرارد مرتين محلا للغربا (كذا) ومن ليس له رفيق ، وذلك سنة سبعة عشر من السادس (٨٧) وعظمت شوكة هؤلاء الأجواد وشاع خبرهم في البلاد والعباد ولهم عند أجناس النصارى خواتم للتمييز ، منقوش عليها ما يحصل لهم به من العلامات الشريف وعلو النسب والتبريز ، كصورة الأسد وغيره ، وسببها أن أسلافهم حال على حربهم بالمشرق جعل كل منهم على درقته وبيضته ما يمتاز به من تلك العلامات على غيره فاتخذ النسل تلك العلامة ، يتذكر بها سلفه حال السلامة.

الملك لويس السادس السمين

والموفيّ لأربعينهم ابنه لويز السادس تولى يوم موت أبيه وهو سنة خمس وعشرين من القرن السادس (٨٩) ولقبه عندهم لوقّر ومعناه الضخم بالأشهر ، وكان أبوه في حياته عاهد له بذلك وألبسه التاج وأناله الكمال والادراج وتوفي سنة أربع وخمسين / من السادس المذكور (٩٠) بعد ما ملك تسعا وعشرين سنة في المسطور. ومن خبره أنه كان ذا عقل ورأي ، وشجاعة وتدبير وقوة وصناعة ، واشتغل بحرب أجوادهم الذين خلعوا طاعته فحاربهم جهده واستطاعته ، فنصره الله عليهم بسبب خلع الرعية لطاعتهم ، لما أضرّوا بهم في أنفسهم وبضاعتهم فجعل لهم ساداتهم القوانين المتضمنة عتقهم وطلبوا من الملك الموافقة عليها فأجابهم ولنيل عتقهم ، فمالت له الرعية ، وصيّر لهم القوانين لفصل دعاويهم المرعية ، وعين حكّاما لتنفيذ الأمور وفصل الدعاوى وتيسير

__________________

(٨٧) الموافق ١١٣٢ ـ ١١٣٣ م.

(٨٩) الموافق ١١٣١ م.

(٩٠) الموافق ١١٥٩ م.

٤٤

المعسور ، وعدمت حكومة الأجواد ، وحلّ الهناء بالمملكة في العباد والبلاد وتحارب مع أنري الأول سلطان الانقليز ، ليتميّز كل منهما بالملك والتحييز وذلك سنة ست وثلاثين وخمسمائة (٩١) فالتقيا برانفيل واشتد القتال ، فانهزم الفرانسيس وبقي ملكهم وحده للنزال ، فتعلق بلجام فرسه أحد عساكير (كذا) الانقليز وهو ثابت في القتال من غير فرار ولا تحييز ، ونادى العسكري أن الملك في يدي أسيرا ، فأكذبه (كذا) الملك وضربه بحسامه (كذا) فتركه ميتا خسيرا ، ثم انعقد الصلح بين الجانبين وصارت الأمة في الراحة التي ليس بها المين. ثم في سنة سبع وثلاثين من المذكور (٩٢) سارت الفرنج من صقلية إلى طرابلس الغرب ، فحاصروها وعادوا عنها بلا نيل الأرب. ثم ساروا في الأسطل من صقلية إلى ساحل إفريقية بالتختيم فملكوا مدينة برسك (٩٣) وقتلوا أهلها وسبوا الحريم. وذلك سنة تسع وثلاثين من المذكور (٩٤) ثم ساروا في سنة إحدى وأربعين منه (٩٥) إلى طرابلس الغرب فملكوها ودخلوا شوارعها وسلكوها ، وسبب ملكها أنهم نزلوا عليها وحاصروها وضايقوها وقهروها ، فلما كان في اليوم الثالث من نزولهم عليها ، سمعوا ضجة عظيمة وخلت الأسوار من المقاتلة ولم يرجع أحد إليها ، بسبب اختلاف أهل المدينة المحصورة ، فمنهم من أراد تقديم بني مطروح للإمارة ومنهم من أراد الملثمين ولم ينظروا للحالة المقهورة ، فنشأ الحرب بين الفريقين وخلت الأسوار ، فاغتنم الفرنج الفرصة / وصعدوا بالسلالم (كذا) الأسوار ، وملكوها بالسيف في محرم السنة المذكورة (٩٦) وسفكوا دماء أهلها في القولة المشهورة. ثم أعطوا الأمان لمن بقي من أهلها ، فتراجعت الناس وحسن حالها بأهلها.

__________________

(٩١) الموافق ١١٤١ ـ ١١٤٢ م.

(٩٢) الموافق ١١٤٢ ـ ١١٤٣ م.

(٩٣) يقصد مدينة برشك (بالشين) بين مدينتي شرشال وتنس غرب مدينة الجزائر.

(٩٤) الموافق ١١٤٤ ـ ١١٤٥ م.

(٩٥) الموافق ١١٤٦ ـ ١١٤٧ م.

(٩٦) الموافق جوان جويلية ١١٤٦ م.

٤٥

الملك لويس السابع

وحادي أربعينهم ابنه لويس السابع الملقب لجون ومعناه الصغير فيما يرجون ، تولى يوم موت أبيه وهو سنة أربع وخمسين وخمسمائة (٩٧) ومات سنة سبع وتسعين وخمسمائة بعد ما ملك ثلاثا وأربعين سنة مرتبة معينة ، ومن أخباره أنه لمّا تزوج بايلير نورا بنت سلطان الأكيتين ، أتته في مهرها بوطني البواطر ، والأكيتين ، فعظمت بهما مملكة افرانسا ، وترافعت عن غيرها وسلطانها تواسا ، ووقع الحرب بينه وبين البّابّ شنئان ، فتعصّب أمير الشمبانية مع البّابّ وبان منه العدوان فغضب عليه الملك وذهب له بجيوشه من مدائنه وعروشه ، واستولى على فيتري وأحرق كنيستها بما فيها ، وهو ثلاثة عشر مائة نسمة لدخولهم على سبيل الالتجاء فيها ، ثم ندم وسأل للتكفير ، فقال له البّابّ لا بد من قدومك للقدس ليكون لك التطهير ، وفي خلال هذه المدة تغلّب المسلمون على النصارى الذين بالشام ، واستولوا على مدينة أرفة بالتزام ، وقتلوا ثلاثين ألفا وأسروا عشرين ألفا في منقول الكلام ، وذلك سنة إحدى وستين من القرن المار (٩٨) فحين وردت عليه بذلك الأخبار ، توافق مع البّابّ وسلطان الألمان وراموا القتال والأشرار ، وقد قال أحد القسيسين للملك لا يغفر ذنبك إلّا بالقتال وقال له الآخر اللائق بالملك الاستقرار في ملكه ولا يليق به أن يكون من أهل الجوال ، فرحل في جيش قدره مائة ألف وخلف بمكانه سوجر وعزم بالمسير وابتدر ، وذلك سنة أربع وستين من المذكور (٩٩) بإلزام ووقع القتال بينه وبين الأتراك باحتكام ، فمات له نحو النصف من جيشه ما بين القتل والجوع وأسقام ، وبلغ القدس سنة خمس وستين من المذكور (١٠٠) ثم توجّهوا لعكّا وعقدوا مجلسا على محاربة / دمشق في المسطور فجهز لها الجيش وقصدوها وحصروها فعجزوا عن الحصار ، فتركوها ورجع كل منهم لمحله بالاشتهار ، وكان الألمان

__________________

(٩٧) الموافق ١١٥٩ ـ ١١٦٠ م.

(٩٨) الموافق ١١٦٥ ـ ١١٦٦ م.

(٩٩) الموافق ١١٦٨ ـ ١١٦٩ م.

(١٠٠) الموافق ١١٦٩ ـ ١١٧٠ م.

٤٦

حصرها في سنة ثلاث وأربعين من المذكور فلم يفد حصارهم شيئا ورجعوا عنها خائبين وعن الرجوع لها في رأيهم نادمين وتائبين.

ثم أن زوجة ملك الفرانسيس لويز السابع طلبت منه الطلاق والخروج عن عصمته في الشائع ، فطلقها وتزوّجت بأنري سلطان الانقليز وحاز لعدة بلاد بغاية التحويز ورام قتال السلطان ، والخروج عن طاعته ، بكل ما كان ، وذلك سنة ست وسبعين (١٠١) ، وحصلت بينهما المهادنة سنة سبع وسبعين كل ذلك من القرن السادس (١٠٢) الذي فيه الكلام المنافس. وفي أيامه صارت المدن بأنفسها قائمة ، وارتفع حجاب الجهل عن بريز ورجعت العلوم له لازمة ، فأنشئت به المدارس إلى أن قصدته الناس من كل ناحية للعلوم ، وسعا (كذا) أهله في زيادة البناء المحكوم المعلوم.

الملك فيليب الثاني أوغسطس

وثاني أربعينهم ابنه فيليب الثاني المقلب أوقست ومعناه العظيم المشهور ، تولى يوم موت أبيه المذكور ، وهو سنة سبع وتسعين وخمسمائة (١٠٣) وتوفي سنة أربعين وستمائة. وكان بطلا شجاعا ، وعابدا عندهم متورعا مطاعا ، ومن خبره أنه بمجرد أوليته بالارتفاق ، بادر لطرد اليهود من مملكته وحاز كل ما لهم من الأملاك والأرزاق ، لا حتوائهم على الصنائع وحوزهم لأموال الغير بتعاطيهم الربى وكثرة التجارة فصار كل منهم في الضير ثم أمرهم بالرجوع ولم يرد لهم أموالهم ، وأمرهم بأن يكونوا تحت الذمة ومن الأرذال. ثم حصلت فتنة بسبب أن أعمامه أرادوا التصرف في الملك عليه لصغره ، فأزال ذلك سلطان الانقليز وصيّر كلا منهم في حجره. وبلغه الخبر قلقا بأن الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب الكردي قد استولى على القدس سنة أربع وستمائة (١٠٤) بعد هزمه لملك طبرية

__________________

(١٠١) الموافق ١١٨٠ ـ ١١٨١ م.

(١٠٢) الموافق ١١٨١ ـ ١١٨٢ م.

(١٠٣) الموافق ١١٩٩ ـ ١٢٠٠ م.

(١٠٤) الموافق ١٢٠٧ ـ ١٢٠٨ م.

٤٧

وأخذه أسيرا مع جملة من الأمراء وأربعة عشر ألفا من النصارى ، وطرده لمائة ألف من القدس بالتقدم والسبق واستلائه على ما عدا صور وأنطاكية وطرابلس الشرق ، فاشتدّ حزم النصارى / واتفقوا على الرحيل للقتال وقالوا لا بد من تذويق المسلمين بالنكال ، والاجتماع بعكّا بلا شك ولا إخلال ، فذهبوا بجيوشهم سنة سبع وستمائة (١٠٥) وشرع القتال بينهم وبين أهل المدينة بالبيان ، إلى أن ضعف أهل المدينة وسألوا الأمان. ثم حصل التحالف بين ملوك النصارى ، خصوصا بين فيليب وريشار ، وبقوا حيارى ، فمرض فيليب شديدا ورجع لبلاده ، وبقي غيره وهو ريشار بجيوشه وقواده ثم وقعت المهادنة بين الفريقين ، على أن يكون بيد النصارى من يافا إلى صور بلا مين. ولسياسة فيليب الثاني قالت له النصارى أبا الملك الباني.

الملك لويس الثامن

وثالث أربعينهم ابنه لويس الثامن ، الملقب بالأسد ، لبطشه وصبره على الكد ، تولى يوم موت أبيه وهو سنة أربعين وستمائة (١٠٦) واجتمعت على توليته جميع الأمة من غير ملك الانقليز ، وهو أنري الثالث وكان حقه الحضور لوضع التاج على رأس السلطان بالتنجيز. ومن خبره أن أجل المهادنة التي بين الفرانسيس والانقليز ، لما تمّ أراد لويز الحرب وجهّز الجيوش بقصد حرب الانقليز. فاشتدّ القتال بين الفريقين ، وانهزم الانقليز بغير المين ، واستولى لويز على ما كان بولايتهم من بعض الأوطان ، ولم يترك لهم إلّا القسقونية وبوردو بالتبيان. ونشأ (كذا) الحرب مع الأليبجو وأذلهم بعد امتيازهم ، واستولى على أفينيون التي كانت في احيازتهم ثم أصيب بمرض شديد وبه مات بمدينة مونبانسي سنة ثلاث وأربعين من السابع (١٠٧) بعد ما ملك ثلاثة أعوام ، والله منفرد بالبقاء والدوام. وذكر بعض المؤرخين أن أمير الشمبانية هو الذي سقاه السم

__________________

(١٠٥) الموافق ١٢١٠ ـ ١٢١١ م.

(١٠٦) الموافق ١٢٤٢ ـ ١٢٤٣ م.

(١٠٧) الموافق ١٢٤٥ ـ ١٢٤٦ م.

٤٨

السمين الذي يمتزج به الجسد بالجلد واللحم والعظم والدم والعصب ويسري لشاربه بجميع العلل والعطب.

الملك لويس التاسع وحملاته على مصر وتونس

ورابع أريعينهم ابنه لويز التاسع الملقب صان ومعناه بلغتهم القديس الشان ، تولى يوم موت أبيه وهو عام ثلاث وأربعين من القرن السابع ، ومن / خبره أنه جلس على كرسي المملكة في الشايع ، وهو ابن اثنا عشر سنة بمعاهدة أبيه في حياته إليه بذلك وصارت أمه بلانش تتصرف عنه في الملك تصرّف المالك إلى أن بلغ سن التصرف فبادر لقمع أعدائه وشمر عن ساعده لطردهم بحمل لوائه ، فجهّز الجيوش العظيمة لحرب المعاندين ، وهم أمير المارش وأمير الانقليز بالجيوش الواردين وارتحل نحوهم سنة تسع وخمسين من القرن المار (١٠٨) وتقدم بغاية الاشتهار ولما وصل إلى وادي الشارنت ألفى أعداءه بجيوشهم هنالك وتمكن ملك الانقليز من قنطرة بون د طابيور التي يكون عليها المسالك. فهجم عليه ببعض خواصه فأتبعه قومه وبدأهم بالحرب الشديد فزال لومه ، وزاد عليهم إلى أن هزمهم وأبلغهم إلى سانط المدينة المشهورة ، وجدّد من الغد الحرب فهزمهم وأطرد الانقليز بملكهم وهم في الحالة المغمورة ، وطلب منه أمير المارش الأمان فأمنه وعفى عنه. ورده لمحله والمحل الأول أبعده منه ، وحصلت المهادنة بينه وبين الانقليز خمس سنين وأصيب بمرض شديد فنذر إن شفاه الله أن يزور القدس في الحين ، فشفي ورام أن يتمّ نذره ، فمنعته أمه ورؤساء قومه فلم يلتفت إليهم وفعل أمره ، ورحل سنة خمس وستين من المار (١٠٩) وعين أمه وإخوته في التصرّف في المملكة ، لكي يرتفع الغبن لارتفاع المهلكة. وكانت جنوده مائة ألف مقاتل فعين لاجتماع جنوده جزيرة قبرص ذات الخارج والداخل ، ولما اجتمعت تعسّر عليه الذهاب لمصر لشدة البحر وهيجانه فمكث بها إلى الربيع وقد أعانه ملكها بالزاد وروجانه ثم ركب في الربيع أساطيله

__________________

(١٠٨) الموافق ١٢٦١ م.

(١٠٩) الموافق ١٢٦٦ ـ ١٢٦٧ م.

٤٩

ونحا (كذا) من ديار مصر ثغر دمياط فبلغه بعد أربعة أيام وهو في أشد رباط ، وذلك سنة ست وستين وستمائة (١١٠) في صحيح الأقوال ، فنزل في الزوارق للبر بجيشه ، فألفى المسلمين مستعدين للحرب والقتال ، نازلين بالشواطىء بالخيل والرجال ، ولما رأى ذلك رمى نفسه في الماء وذهب سابحا إلى أن بلغ البر ناجحا ، فتبعه قومه والتحمت ببعضها بعضا الرجال واشتد الحرب / والقتال ، ثم خرج المسلمون من دمياط منهزمين ودخلها لويز التاسع واستولى على جميع ما فيها من أموال بالجيش المتتابع ، وذلك في سابع ينيه (١١١) ، ومكث بها خمسة أشهر ونصفا ، ثم توجّه لمصر وسار لقرية على مرحلتين منها وصفا ، فألفى المسلمين مخيمين بمقربة منها بالعدوة القصوى من النيل ، فاشتغل بعمل رصيف خمسين يوما بلا طائل ، والقتال متكرر وليس بالقليل ، فجاءه رجل من أهل البلد وأظهر له موضعا سهلا للعبور ، على أخذ مال منه فوفاه به بلا تراخ منه ولا فتور. وقطع صنو الملك وهو الكونت دارتوه النيل فورا ، ومعه ألف وأربعمائة وهجموا على المسلمين جورا وألزموهم الفرار إلى أن دخلوا للقرية المذكورة فدخلوا أثرهم من غير انتظار لملكهم وأغلق المسلمون عليهم أبواب القرية المسطورة ، وشرعوا في مقاتلتهم إلى أن قتلوهم عن آخرهم بعد المحاربة سبع ساعات وصار القطع لدابرهم ، وذلك في ثامن فبراير سنة سبع وستين من المذكور (١١٢) ثم اشتد القتال بين لويز والمسلمين إلى أن حلّ بهم الانهزام في النزال ومن الغد تجدّد بين الفريقين القتال ، ودام مدة بين هؤلاء الرجال وجاءت ريح لوجوه المسلمين صيّرتهم في النكال. وكان حاضرا للواقعة القاضي الولي العلامة العزّ بن عبد السلام الشافعي فقال يا ريح خذيهم فانقلبت عليهم شديدة العصف المتتابعي ، فقال الناس الحمد لله الذي أرانا في هذه الأمة رجلا سخّر الله له الريح ورام الطاغية الرجوع لدمياط فالتجأ إلى المنصورية ليستريح ، وإذا بشخص من جيشه توجه للجيوش في الساعة والحين وقال إن السلطان يأمركم بإبطال الحرب

__________________

(١١٠) الموافق ١٢٦٧ ـ ١٢٦٨ م.

(١١١) من عام ١٢٦٨ م ـ الموافق شوال ٦٦٦ ه‍.

(١١٢) فبراير من عام ١٢٦٩ م والموافق ٦٦٧ ه‍.

٥٠

وتسليم أنفسكم للمسلمين فتمكن المسلمون من الملك وأخويه وجملة من الأمراء المشهورة فقيدوهم وأرسلوهم إلى قرية المنصورة ، ووقع القتل فيهم كثيرا بالتحرير ، بحيث بلغ ذلك خمسين وقيل سبعين ألفا ما بين جريح وقتيل وأسير ، وبعث بلويز ومن معه إلى دار ابن لقمان فاعتقل بها ووكل به الطوائي صبيح ، وبقي هناك إلى أن فدا (كذا) نفسه ومن معه بتسليم دمياط فأسلمها وذهب صريح ، وكان ذلك سنة سبع وستين وستمائة (١١٣) وقال أبو الفدا وغيره أن ذلك كان سنة ثمان وأربعين وستمائة (١١٤) وربك أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمئاب. وفي هذه الواقعة يقول جمال الدين أبو زكرياء يحيى بن مطروح ، الشاعر بأبيات منها هذه بالشروح :

قل للفرنسيس إذا ما جئته

مقاله صدق عن قول نصيح

أتيت مصر تبتغي ملكها

تحسب أنّ الزّمر يا طبل ريح

وكل أصحابك أوردتهم

بحسن تدبيرك بطن الضريح

وخمسون ألفا لا يرى منهم

غير قتيل أو أسير جريح

وقل لهم إن أضمروا عودة

لأخذ ثأر أو لقصد صحيح

دار ابن لقمان على حالها

والقيد باق والطوائي صبيح

ثم توجه لعكّا مع أربعة آلاف مقاتل ، ومكث بالمشرق نحو الأربع سنين في الحاصل ، ثم أوقع الحرب مرارا مع المسلمين وأصلح أسوار عكّا ويافا وغيرهما من المدن الباقين (كذا) وخلص جميع من كان بمصر أسيرا بالتحريز ، فبلغه خبر موت والدته فركب البحر وتوجّه لباريز ، وذلك سنة سبعين وستمائة (١١٥) بالتبريز ولما بلغ بلده شرع في تأسيس الملك واجتناء العافية ، ودفع المضار وجلب المنافع الوافية وحطّ على الناس من واجب الغرامة وخفض جناحه للضعفاء ، وهو من أهل الزعامة وجعل القوانين النافعة ، وترك الأمور القامعة ، ونصب نفسه للتسوية بين الناس ، وأبعد عن الرعية ما هو من ذات البأس ، وصار

__________________

(١١٣) الموافق ١٢٦٨ ـ ١٢٦٩ م.

(١١٤) الموافق ١٢٦٩ ـ ١٢٧٠ م.

(١١٥) الموافق ١٢٧١ ـ ١٢٧٢ م.

٥١

يخرج لغاية بوادي فانسين ويجلس لفصل الدعاوى بين الأقوياء والأغنياء والضعفاء والمساكين ، وصارت معه فرانسا في أطيب عيش ، وإبعاد همّ وطيش.

ثم توجه لتونس بقصد القتال ، وجهز جيشا قدره ستون ألفا للنزال ، ورحل / لها في أول يليل (كذا) باللام سنة سبع وثمانين من السابع (١١٦) ، وقال الحافظ أبو راس سنة ثمان وستين من السابع ، وربك أعلم بمن هو أهدى سبيلا ، وأقوم قيلا ، ومعه أولاده وأخوه وابن أخيه ومواليه ، فلما بلغ أرضها أنزل الجيش من أساطيله وشرع في حصار قرطاجنة (كذا) الكائنة بغرب تونس المدينة ، واشتد بأسهم وحصروا (كذا) تلك المدينة وبها خندقوا ، وبالمسلمين أحدقوا ، وقد أمر السلطان محمد ابن أبي زكرياء الحفصي ممدوح حازم المسلمين بلا منازعة بحمل السلاح وجمع الحشود فامتلأ الساحل بالأجناد والمطاوعة ، حتى أن أهل المغرب الأوسط حضروا ذلك في عسكر ضخم ، وعليهم زيان بن عبد القوي التجيبي (كذا) صاحب تاقدمت رائسا (كذا) في أشد عزم ، فكان المصاف بخرب قرطاجنة (كذا) حيث البحيرة اليوم ، فاشتد القتال وكثر صياح البوم. ثم هجم الفرانسيس على العسكر فأثخنوا فيه بالبيان ، بعد أن قتل منهم نحو الخمسمائة وظنّ المسلمون الظنون وهم السلطان بالرحيل للقيروان ، واستولى النصارى على تلك الخربة ، دون مشقة ولا محنة تضاحيها ، واستقر البعض منهم بها والبعض بنا (كذا) بنواحيها وصار لويز يرتجي قدوم أخيه شارل صاحب صقلية بجيوشه من أقطارها ليزحف إلى تونس بقصد حصارها ، فكان من لطف الله بالمسلمين أن أحاط الوباء بجيش الفرانسويين إلى أن مات منهم خلق كثير وأصاب سلطانهم المرض العسير ، فمكث به اثنين وعشرين يوما ومات والقتال حوما حوما ، وذلك خامس عشرين غشت سنة سبع وثمانين (١١٧) المارة ، بعد ما ملك أربعا وأربعين سنة بالحارة ، ويقال أنّ سبب موته أن السلطان الحفصي دسّ له سيفا مسموما كثير الضّرر ، من سلّه ونظر فيه أثّر فيه سمه نظير الأفاعي التي تقتل بالنظر ، فبعثه له مع رسول بعد أن رصّعه بنفيس اليواقيت والجوهر ، وقال للرسول هذا الطاغية

__________________

(١١٦) يوليو عام ١٢٨٨ م يوافق جمادى الثانية ٦٨٧ ه‍.

(١١٧) ٢٥ أوت ١٢٨٨ م يوافق ٢٥ رجب ٦٨٧ ه‍.

٥٢

كثير الطمع ولو لا ذلك ما عاود بالمسلمين بعد أسره بمصر فسيرى السيف ويكثر النظر إليه فإن فعل فانزعه من عنقك والقه إليه ، وقل له هو هدية مني إليك فلا / نملكوه ، لأن من رأينا أن كلّما وقع النظر إليه بالقصد يحرم علينا أن نمسكه ، فلما وصل الرسول ورأى الطاغية السيف وبقلبه استحوذه ، فعل معه الرسول ما أمر به ففرح الطاغية بذلك وأخذه ، وأسرع الرسول في الرجوع لمدينه ، فلما سلّه الطاغية ونظر إليه هلك من حينه ، وفرج الله على المسلمين بموته وحصلت لهم الغنيمة ، فرام ابنه إنشاء الحرب ثانيا لتكون له الرفعة والقيمة ، فمنعه من ذلك قومه ، ولازمه غبنه ولومه ، ثم اصطلح السلطان مع زوجة لويس على عشرة أحمال من النقد المصون ، وتولى عقد الصلح القاضي أبو القاسم بن زيتون ، ثم انصرفوا وتركوا تسعين منجنيقا ، وأمر الحفصي بهدم قرطاجنة (كذا) التي تترسوا فيها وكانت لهم توثيقا ، ولما انصرف ابنه فيليب حمل معه تابوت أبيه ومن معه من صهره وأخته وزوجته وأخيه ، ودفنهم بمقبرة ملوكهم سانداني التي يدفن فيها كل ملك منهم قاص أو داني ، ورحلتهم لتونس هذه هي آخر رحلات الملوك النصرانية للقتال لأقاليم الإسلام ، وإنما صاروا يبعثون الجيوش للقتال تحت رئاسة من انتخبوه من العمال والحكام ، وبهذه الرحلات حصل لهم ضعف الخزائن ومات لهم نحو ألفي ألف بالاحتكام غير أنهم برحلتهم للمشرق وتسلطهم عليه ، استفادوا العلوم من المسلمين وجلب المنفعة منهم وإليه ، فانتشرت في بر النصارى بذلك الصنائع والفنون والتجارة وحصول التفريح ، واستعملوا أقماش الخيط والمقانات وطواحين الريح.

الملك فيليب الثالث

وسادس أربعينهم إبنه فيليب الثالث الملقب لوهردي ومعناه المتجاسر بالأزواج والفردى ، تولى يوم موت أبيه وهو عام سبع وثمانين من القرن السابع المذكور ، ومات سنة اثنين وسبعمائة (١١٨) في المسطور ، بعد ما ملك خمسة عشر سنة ، متوالية معينة. ومن خبره أن في وقته وقعت الفتنة بقصد قتل الفرانسيس

__________________

(١١٨) الموافق ١٣٠٢ ـ ١٣٠٣ م.

٥٣

الذين بصقلية وذلك في ثلاثين / مارس الذي هو يوم العيد الكبير عند النصارى بالكلية ، فهجم الصقليون على الفرانسيس الذين بها وقت صلاة العصر ، وقتلوهم عن آخرهم بغير التراخي والفتر ، وجملتهم ثمانية آلاف نسمة حتى أن من شدة بغض الصقليين ، شقوا بطون نسائهم ذات الحمل من الفرانسويين ، واستخرجوا الأجنّة فقتلوهم ، ولما كان أصلهم الفرانسيس فلم يقبلوهم ، فعند ذلك جهّز فيليب جيشا وأخذ في الرحلة للأندلس وهم مشاقون ، لأخذ الثأر من ملك الأراقون وذلك سنة اثنين وسبعمائة فأوقع الحرب معهم واستولى على بعض مدونهم (كذا) وقريهم (كذا) وحصونهم فأصاب قومه المرض فارتحل راجعا بما معه من الجيش فأدركته منيته بالطريق وهو في حال الطيش.

الملك فيليب الرابع

وسادس أربعينهم (كذا) ابنه فيليب الرابع الملقب لوبيل ومعناه بلغتهم الجميل ، تولى يوم موت أبيه وهو سنة اثنين وسبعمائة حارس ، وهو ابن سبعة عشر سنة فلبس التاج بمدينة رانس ومن خبره أنه لمّا تزوّج بابنة الملك النّفار ساقت له في مهرها ذلك الوطن مع وطن السمبانية فضمهما إلى مملكته واتسع في القرار ، وجهز جيشا لقمع الفلاندر لما قتلوا من جنسه الذين عندهم ثلاثة آلافا (كذا) وريّس عليهم ابن أخيه الكونت سرت اتصافا ، فجدّ مرتحلا إلى أن اجتمع بالفلاندري بنواحي كوتوري وتقابلت المحال ، فاشتد القتال وضاق المجال ، فكانت الدائرة على جيش فيليب ، ومات من جيشه نحو العشرين ألفا بتقريب وذلك سنة تسعة عشر من الثامن المذكور (١١٩) عاجلة ، ثم جهّز جيشا قدره اثنان وستون ألفا الراكب منها اثنا عشر ألفا والباقي راجلة ، وذهب مع الجيش فكان المصاف بمونس انيوال واشتدّ بين الفريقين القتال فكانت الدائرة له وقتل من عدوه نحو الخمسة عشر ألفا ثم وقعت المهادنة بينهما عشرة أعوام تلفا ، وذلك سنة إحدى وعشرين من القرن المذكور (١٢٠) وسجن البّابّ وقتل الأخوان في

__________________

(١١٩) الموافق ١٣١٩ م.

(١٢٠) الموافق ١٣٢١ م.

٥٤

المشهور ، ومات سنة إحدى وثلاثين من المذكور التزاما (١٢١) بعد ما ملك / تسعا وعشرين عاما ، وخلف ثلاثة أولاد كلهم بويعوا على التّوال ، كما ستراهم إن شاء المتعال.

الملك لويس العاشر

وسابع أربعينهم ابنه لويز العاشر الملقب لوهوتان ، تولى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة بالبيان (١٢٢). ومن خبره أنه قتل خزناجه أنقيران شنقا وصدر الحكم منه على أكثر وزراء أبيه بالقتل سيفا وخنقا وغزى الفلاندر فعسرت عليه الأحوال ، لكثرة المطر وضاق بجيشه المجال ، فارتحل وترك ما له من الأثقال فضاعت له بأقلّ الحال ، وأمر أصحاب الفلاحة بعتق رقابهم بالمال ، فالبعض اشترى نفسه وصار من حينه حرا ، والبعض رضي بما كان عليه لألفته بذلك ولم يرد فخرا ، ومات سنة ثلاث وثلاثين من الثامن بعد ما ملك عامين ولم يخلف عقبا ، وكانت زوجته وقت موته حبلى رقبا.

الملك فيليب الخامس

وثامن أربعينهم أخوه فيليب الخامس ، الملقب بلولون ومعناه الطويل ، تولى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة بالتكميل (١٢٣). ومن خبره أنه كان في ابتداء أمره نائبا عن الحمل الذي خلفه أخوه باحتكام ، ولما ولدت زوجة أخيه ولدا ذكرا ومات بعد ثمانية أيام ، اختصّ بالملك لما أراده له المالك العلام ، وكان له علم مديد ، وعقل رشيد ، ورأي سديد فاستيقظ لأحوال البلاد ، وتحصيل النفع للعباد ، واجتهد في جلب العافية للرعية ، التي غاية الأمنية ، وجعل كأخيه قانونا للحرية ، فمن رامها فليشترها بالفورية ، ورام التوجّه للمشرق فمنعه البّابّ ، فغضبت الرعية وأرادوا التوجّه للقدس بلا ارتياب ، فلم تكن لهم طاقة ، وألفوا الأمور

__________________

(١٢١) ١٣٣٠ ـ ١٣٣١ م.

(١٢٢) الموافق ١٣٣٠ ـ ١٣٣١ م.

(١٢٣) الموافق ١٣٣٢ ـ ١٣٣٣ م.

٥٥

شاقة ، فشرعوا في فساد الأوطان ، وقتل اليهود بالعدوان ، فجمع فيليب جيشا قاهرا ، وقصدهم باطنا وظاهرا ، وذلك سنة سبع وثلاثين من الثامن الشهير (١٢٤) ، فقاتلهم وهزمهم بالتدمير ، وفرّق أخرابهم بعد موتهم الكثير ، وقتل في سنة ثمان وثلاثين من المذكور جميع المجذومين واليهود حيث كانوا ، وحيث ما وجدوا وبانوا ، وكان بافرانسا ما يزيد على ألفي مرستان ، لهؤلاء المرضى الخدام وغيره بالبيان ، وإنما قتلهم لاتهامهم بجعل السم في العيون والأبار ، بقصد هلاك الناس وحصول الأضرار ، واستولت الدولة على / ما لهم من الأرزاق ، إلى أن وسم بالطمع بقصد الارتزاق.

الملك شارل الرابع

وتاسع أربعينهم أخوه شارل الرابع الملقب لوبل ومعناه الجامع ، تولى عام تسع وثلاثين من الثامن (١٢٥) المسطور ، وتوفي سنة خمس وأربعين من المذكور. وبعد ما ملك ستة سنين وخلف زوجه حبلى فولدت بنتا بالتعيين. ومن خبره أنه بوقته حصل النّزاع بين الفرانسيس والانقليز بسبب القويان ، فادعى الانقليز أنها له واستولى عليها بالقهر والعدوان ، فزحف إليه الفرانسيس واستولى عليها ، وخلع سلطان الانقليز من كرسيه لما لم يطق إليها. وانقرض الفرع الأول من الطبقة الثالثة بموت شارل بعد ما كانت من المملكة اللّابثة ، وقد ملك أحد وأربعين وثلاثمائة سنة. متوالية محققة مبيّنة.

الملك فيليب السادس

وخمسينهم فيليب السادس الملقب دوفال (١٢٦) وهو أول ملوك الفرع الثاني ، من الطبقة الثالثة ذات الأفحال ، تولى سنة خمس وأربعين وسبعمائة (١٢٧) في صحيح الأنقال. ومن خبره أنه وقع النزاع بينه وبين الانقليز على المملكة

__________________

(١٢٤) الموافق ١٣٣٦ ـ ١٣٣٧ م.

(١٢٥) الموافق ١٣٣٨ ـ ١٣٣٩ م.

(١٢٦) يقصد فالوا من أسرة فالوا.

(١٢٧) الموافق ١٣٤٤ ـ ١٣٤٥ م.

٥٦

فصحت له بإجماع الرؤوس من أهل المملكة وأرادت أمة الفلاندر خلع الطاعة ، والخروج عن تلك الجماعة ، وجمعت جيشا محتويا على ستة عشر ألف مقاتل ، وجعلوا صورة ديك على سور المدينة وجاهة الخارج والداخل ، وكتبوا تحته سخرية إذا ظهر هذا الديك بكلامه يصيح ، فثمّ يدخل الملك المدينة ليستريح ـ فجهز فيليب لقمعهم جيشا قدره ثلاثون ألفا وأخذ مرتحلا نحوهم عزما وشضفا ، وذلك سنة توليته ، وهو جازم بنصرته وحليته ، ولما وصلهم خيّم قرب كسل بمحلته فهجم رايسهم (كذا) عليه ليلا ، واشتد القتال بين الفريقين بجملته ، ومات خلق وافر من جيش فيليب ولم يخلص من القبض عليه إلّا لشجاعته وعظم سطوته ، ثم جاءت جيوشه وأحاطت بالعدوّ إحاطة الخاتم بالخنصر فهزموهم ولم يجدوا سبيلا للمفر ، ومات منهم ثلاثة عشر ألف مقاتل ، واستولى الملك على مدينة كاسل ، ثم جال في الفلاندر بأقطارها ، وهدم عدّة من أسوار أمصارها ، ورجع / مرتحلا لبلده كثيرة البضاعة ثم خلع الفلاندر ما كان لهم معه من الطاعة وأمدهم ملك الانقليز بالجيوش ، وزاد بنفسه إلى كامبري فحاصرها مظهرا للفشوش ، ثم تلاقت مراكب الفرانسيس مع مراكب الانقليز واشتد القتال بينهما لأجل التحويز ، فهزمت مراكب الفرانسيس لقلتها هزيمة شنيعة ، وبقيت بيد الانقليز مائتا اسطول بقاء مطيعة وذلك سنة سبع وخمسين من الثامن (١٢٨) ثم حصلت المهادنة ، وتجددت سنة ثلاث وستين منه (١٢٩) العداوة المباينة وفي هذه الفتنة استعمل الانقليز المدافع ، فكانت من أعظم الصواعق التي تدافع. ومات فيليب السادس سنة سبع وستين من الثامن التزاما ، بعد ما ملك اثنين وعشرين عاما.

الملك جان الجميل

وحادي خمسينهم ، ابنه جان الملقب لبون ومعناه سليم القلب من الظنون ، تولى سنة سبع وستين وسبعمائة (١٣٠) ومات بالانقليز سنة إحدى وثمانين من

__________________

(١٢٨) الموافق ١٣٥٦ م.

(١٢٩) الموافق ١٣٦١ ـ ١٣٦٢ م.

(١٣٠) الموافق ١٣٦٥ ـ ١٣٦٦ م.

٥٧

المذكور ، بعد ما ملك أربعة عشر سنة في المسطور. ومن خبره أنه كان ذا شجاعة وكرم ، غير أنه كان سريع الخفة وللرأي غير محتكم فاشتدت الفتنة في أيامه وضاق بالعباد الحال ، فجددت الانقليز المحاربة فجددها معهم بالاستعجال وجهز جيشا فيه ستون ألف مقاتل ، وبادر بالارتحال من غير التفات في ذلك لقول قائل ، وذلك سنة ثلاث وسبعين من المذكور فكان الاجتماع بنواحي بواط وأحاط بها كالحلقة ولما رأى رايس (كذا) الانقليز قوة الجيوش طلب الأمان لدفع المشقة ، فأبى جان وشرع في القتال فكانت الدائرة عليه ووقع في الوبال ، فأخذ أسيرا نادما للرأي يلفا ، وهزم جيشه وقتل منه إحدى عشر ألفا ، فعظم قدره سلطان الجيوش وبعثه لأبيه ، فسجنه وبقي في السجن أربعة أعوام بالتنبيه. وأقامت دولته ابنه شارل للتصرف في الملك ، ليزيل مائة من الحلك. وتشتت عليهم القتال من كل ناحية ، وقامت عليهم أهل كل ضاحية ، ثم حصلت المهادنة بين الانقليز والفرانسيس سنة سبع وسبعين من الثامن بالبيان (١٣١) وألزم الملك جان بعد إخراجه من السجن بدفع الأموال وتسليم بعض الأوطان ، ثم هرب بعد ذلك أحد ولديه المرهونين مما فيه من الهوان / وذلك سنة إحدى وثمانين من السابق ، ولما بلغه الخبر قال الملوك أوفى باللائق فرجع فورا للانقليز وسلّم إليهم نفسه ، وأزال عنه من فرار ولده بخسه ظنا منه أنهم يردونه لمحله ، ولم يدر أنهم يسجنونه بمحلّه ، وقال إذا كانت النية من الأرض منفية فيحق أن توجد في قلوب الملوك ذوي الهمم العلية.

الملك شارل الخامس

وثاني خمسينهم ابنه شارل الخامس الملقب لساج ، ومعناه الحكيم بالأصول والنتاج. تولى سنة إحدى وثمانين وسبعمائة (١٣٢) وتوفي سنة سبع وتسعين من المسطور ، بعد ما ملك ستة عشر عاما في المشهور. ومن خبره أنه كان من أفاضل الملوك الفرانسوية في صحيح الأقوال ، فشرع من حينه في

__________________

(١٣١) الموافق ١٣٧٥ ـ ١٣٧٦ م.

(١٣٢) الموافق ١٣٧٩ ـ ١٣٨٠ م.

٥٨

إصلاح الأحوال ، لكون الملك في ولاية أسلافه حصل في الضعف والاختلال واشتدت في وقته الفتنة ، وانتقض ما كان بينهم وبين الانقليز من الهدنة فحصلت بين الفريقين الحروب العظيمة ، والمقاتلة الجسيمة ، وكان رايس (كذا) جيوشه بطلا اسمه دوكيكلين مهمى التقى بأعدائه إلا ويصيرهم منهزمين ، وانتزع من أيديهم الأوطان الفرانسوية التي استولوا عليها في الفارط ، حتى أخذهم منه البأس الشديد القاحط ، فجعله لذلك أمير أمراء الجيوش بجعله لأعدائه كالعهن المنفوش ، ولما مات هذا الشجاع وهو ابن ست وعشرين سنة في السلوك ، دفنه شارل في سانداني مقبرة الملوك. وهذا الملك شارل هو الذي جعل في وقته القانون الباقي بينهم التزاما ، بأنه يحقّ للملك التصرف في ملكه إذا بلغ في عمره أربعة عشر عاما.

الملك شارل السادس

وثالث خمسينهم ابنه شارل السادس ، تولّى يوم موت أبيه وهو سنة سبع وتسعين من القرن الثامن (١٣٣) وهو ابن اثنا عشر عاما. لا غيرها التزاما ، وتوفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة مبيّنة (١٣٤) ، بعد ما ملك اثنين وأربعين سنة. ومن خبره أن أعمامه الثلاثة وخاله تنازعوا فيمن ينوب منهم عنه لما رأوه صغيرا وخشوا (كذا) أن ينزع الملك منه. ثم اتّفقوا على نصب عمه دنجو للتصرف عليه ، فنهب الخزنة واشتدّ ظلمه وبغضته الرعية ، ولم يملّ أحد منهم إليه / ففرّ هاربا للنبوليطان وبقي الأمر شورى بين الأقارب بالتبيان وذلك سنة تسع وتسعين من الثامن (١٣٥) بالتحصيل ، ثم خرج عن طاعته الفلاندر وأميرهم در تفيل فبادر شارل لقمعهم وجهّز الجيش الحفيل ، وأمّر عليه أوليفي الكونطابل والتقى الجمعان بنواحي روزبك الحاصل ، فاشتد القتال إلى أن هزمت الفلاندر بكبيرهم وصغيرهم ، ومات منهم نحو الخمسة وعشرين ألفا بأميرهم. ولما قتل صاحبه

__________________

(١٣٣) الموافق ١٣٩٤ ـ ١٣٩٥ م.

(١٣٤) الموافق ١٤٣٥ ـ ١٤٣٦ م.

(١٣٥) الموافق ١٣٩٦ ـ ١٣٩٧ م.

٥٩

أوليفي اشتد غضبه على قاتله وأراد عقابه ، وهو مستقر بالبرطانية يرتجي جوابه ، فزحف له بجيوشه سنة تسع من القرن التاسع (١٣٦) ولما وصل لغابة دومان ، وهو مع جيشه في أمن وأمان ، خرج له رجل عاري الرأس غير متنعل ليس عليه إلّا قميص به مستور ، فهجم عليه وقبض لجام فرسه وقال أيها الملك ارجع خلفك ولا تزد أمامك خطوة فإنك في هذا اليوم مغدور ، وإن خالفت هلكت لا محالة ، وتبقى جثتك مثالة ، فذهل الملك من ذلك ودخله الخوف الشديد ، وزال من حينه عقله السّديد ، وكان سابقا قد أصابه الاختلاط ، لكنه يأتي ويذهب بالنشاط. ولما أصيب في عقله تولى النظر في الملك في موضعه دوبيري ثم أنه رجع إليه عقله وجعل أخاه دورليان هو المتصرف في الملك بالتصييري ، ثم بعده ابنه جان وقتل ابن عمه دورليان سنة أربع وعشرين من القرن التاسع بالتبيان (١٣٧) وفي أيام شارل اخترع اللعب بورقة الكاغط لتسليته لما أصابه اختلال عقله ببليته.

الملك شارل السابع

ورابع خمسينهم ابنه شارل السابع ، المشهور الملقب لوفيكتوريو ، ومعناه بلغتهم المنصور. تولى عام تسع وثلاثين وثمانمائة (١٣٨) ومات سنة ثمان وسبعين من المذكور ، بعد ما ملك تسعا وثلاثين سنة في المشطور. ومن خبره أنه كان ذا شجاعة عجيبة وأخلاق لطيفة غريبة ، لكنه مال في أيامه للزهو والانطراب ، وغفل عن ملكه فلم يستيقظ له حتى استولى الانقليز على كثيره بغير الارتياب. وكان القتال بين الفريقين فهزمت جيوش شارل بنواحي فيرنوايل سنة إحدى وأربعين من التاسع في صحيح المقايل ، فجاءته يوما امرأة من / جيشه يقال لها جان دارك ، ابنة تسعة عشر سنة وكانت راعية فقالت له إن نصرك على عدوك لا يكون إلّا على يدي فاجعل أذنك لي واعية ، فوافقها وذهبت معه للحروب ، وتقلدت بآلة الحرب فصارت عارفة للدروب ، وذلك سنة ست وأربعين (١٣٩) من المذكور فصار

__________________

(١٣٦) الموافق ١٤٠٦ ـ ١٤٠٧ م.

(١٣٧) الموافق ١٤٢١ م.

(١٣٨) الموافق ١٤٣٥ ـ ١٤٣٦ م.

(١٣٩) الموافق ١٤٤٢ ـ ١٤٤٣ م.

٦٠