طلوع سعد السّعود - ج ٢

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ٢

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

حالة المخدوع ، ثم أسرع في السير بجيشه إلى أن وصل للمدشر وبه أحاط ، فوجد الأمير قد تم إتمام نشاط بأن قتل العسكر من محلة الأحمر ثمانمائة وأخذوا المحلة بأجمعها وظفروا بالأحمر بغاية التحصيل. فقتله محمد بن الخير الذي هو آغة بموضع الميموني الذي هلك واجتز رأسه وجعله على رمح طويل. وهذا محمد بن الخير قد كان ارتكب ذنبا يعاقب به وتضرر بذلك الأمير ، فأمر بعقوبته إذا ظفر به لكونه فر ، ولما قتل الأحمر عفى عنه الأمير ، وتركه / في رتبته وظفروا بابني الأحمر وجاريته وفرسه الأشقر بسرجه ذهبا وجميع ذخائره.

ودخل الطلبة المشارقة الذين مع العسكر لغرفة الأحمر وشرعوا في تلاوة القرآن جماعة لهم دوي عظيم نكاية لنظرائه. وفي وقت المقاتلة افترق العسكر على المحلة فلم يهتدوا بعد الفراغ من قتلها لبعضهم بعض لشدة الظلام. فقال أحد الطالبين لصاحب الترنبيط (كذا) وهي الموزقة (كذا) الذي معهما اتبعني لجمع العسكر والانتظام. فصعد به لمحل مرتفع وأمره بضربها ولما سمع العسكر صوتها أتوها إلى ان اجتمع الجميع عندها بالتحرير. ثم ذهب الطالبان بالعسكر لقصبة الأحمر إلى أن علا النهار فذهب الجميع مع الطالبين عند الأمير ، فجاء الأمير ودخل إلى القصبة ثم ارتحل راجعا بجيشه بما في أيديهم من الغنائم لدائرتهم إلى أن استقر بها في فرح وسرور. ثم أن الحشم وبني عامر والجعافرة المضافين لهم الذين ذهبوا سابقا من عند الأمير كاتبوا الأمير بالقدوم إليهم لأنهم صاروا مع المغاربة في المقاتلة ذات الشرور. ولما بلغه الخبر (كذا) سار لناحيتهم خمس ليال متتابعة إلى أن بلغ لمكناسة بإزاء غياثة. ولم يبقى بينه وبين الذين بعثوا له إلا يوم واحدا فبلغه الخبر ثانيا أنهم رفضوا القدوم لناحيتهم وراموا البقاء بالمغرب فرجع الأمير لدائرته وترك الإغاثة. فبينما هو بدائرته وإذا به أتاه الخبر مرة أخرى من عنده وذكر بأنه إذا لم يدركهم هلكوا لا ريب وأنهم قادمون إليه ، فركب وسار لنجدتهم فأدركه الخبر بالطريق بأنهم أخذوا وشتت شملهم فلم يحصل له تصديق إلى أن لقي فلّهم قادمين عليه ، وكانت واقعة الحشم بموضع يقال له المزارية حذاء زرهون ، وواقعة بني عامر بوادي ورغة وجبالها فيما يروون ، فأخذوا شنيعا ، وقتلوا قتلا ذريعا ، بحيث ملكت بناتهم ونسائهم وبيعت بالأسواق. فسبحان المعز المذل العظيم المالك الخلاق. وسبب ذلك أنهم لما

٢٤١

أرادوا الرجوع للدائرة وقد كانوا في غاية الراحة والتوفير ، فشرعوا في نهب الأموال وحرق الأندر والأشجار وقطع السبل ووقع ذلك منهم من الكبير والصغير. ولما سمع سلطان المغرب مولاي عبد الرحمان بذلك ، أمر القبائل كأولاد جامع والشراقة وغيرهما من القبائل والبرابر بالتسلط عليهم لذلك. فتسلطوا عليهم بالأخذ والقتل والأسر والسبي والإجلاء في كل زمان ومكان ، فحل بهم ما وقع ووقعت لهم الإهانة الكبيرة وشأن العز والذل يتعاقبان. ولما وصل للدائرة من خلص منهم كان ذا مال أم لا أكرمه الأمير بما عنده وصار في عز وعلو كلمة ، بعد أن كان في ذل وإهانة.

ثم انتقل الأمير بدائرته من سيدي وردان ونزل بكهف سيدي الحاج بالغربة بلا نكث. فمكث أياما ثم ارتحل ونزل بقصبة سلوان ويقال له أوزيّ وهي عين تخرج من جبل كبدرانة وتصب في واد سلوان ومكث. فبينما هو في ذلك المكان وإذا بطالب اغرسي كان متزوجا بمزوجة (كذا) أحد بطون قلعية جاءه فورته ، وقال له أيها الأمير إن الوطن والإنافة لم يدعيا لي صبرا على ما سمعته ، وذلك أن قبائل الريف الشلحية / من بني يزناسن إلى صنهاجة الأخماس ، قد اتفقوا مع سلطانهم مولاي عبد الرحمان ابن هشام على قتلك ونهبك وسبيك واجلائك من رعيتك بالعلانية والاختلاس ، وأنه سيجهز جيشا عظيما لنظر خليفته ولده مولاي محمد يقدم به لقتالك ، وأن قلعية هم الذين يبتدئون (كذا) كما ستراه بقتالك ، فقال له الأمير جزاك الله خيرا ، وأعد لك مثوبة وأجرا ، فإني لا أكذب طلبة المشارقة في قولهم من قضية الأحمر ، ولا أنسا (كذا) خيرهم معي في واقعة سيدي إبراهيم وما سمعته الآن منك وواقعة الأحمر ، وأنه لم يكن لي صدوق من طلبة الشلح إلا الفقيه السيد جدّ بن محمد التمساني (كذا) ، وغيرهم أعداء لا خير فيهم ولو كان البعض فيهم أصله تلمساني. وكان الأمير قد أراد القبض على الفقيه السيد محمد الحضري السعيدي لما سمع بأنه يغري (كذا) أهل الريف على الفتك به. فوجده هرب لمدينة تيطاون لما بلغه الخبر بأنه وقع في شبكة الأمير ولا محالة يظفر به.

ثم أن قلعية صاروا في كل يوم يجيشون الجيوش ويريدون الهجوم على الأمير. ولما رأى الأمير ذلك جمع جيشه لغزوهم وبعث إلى قبائل العرب الدائرة

٢٤٢

به في المنزل كالأحلاف والمطالعة والسجع وغيرهم بالتحرير. ولما جاءته قال لهم ما عندكم من الرأي في شأن قلعية فإنهم أرادوا الهجوم عليّ وأني أريد الغزو عليهم. فأما أن تكفوهم عنا ونحن أخوة في الدين ومهاجرون بأرضكم وأما أن تكونوا لنا عونا عليهم.

فقال له الأحلاف أيها الأمير أما الكف فلا سبيل لنا إليه. وأما الإعانة فنحن لا نعينك ولا نعينهم فيما مآل أمركما إليه. وإنما ننتظر الغالب لنشاركوه (كذا) في الغنيمة ، سواء كنت أنت أو هم في القولة العميمة. فضحك الأمير وقال صار حالكم كسلوقي الفارس بلا محالة ، إذا مات الفارس أكل منه وإذا مات الفرس أكل منه فهو آكل على كل حالة. فجهز الأمير جيشا لنظر خليفته البوحميدي وأمره بالذهاب ليلا للوادي من ناحية زغنغان أحد بطون قلعية ولا يظهر لهم ولا يبدأهم بالقتال إلا إذا بدوه به وما وقع يخبره به بغاية البيان. فذهب البوحميدي ليلا إلى أن وقف بجيوشه بالمحل الذي عينه الأمير إليه وإذا بأهل أزغنغان وغيرهم من أهل قلعية جاءوا بجيوشهم عسكرا وخيلا لدائرة الأمير بقصد الهجوم عليه فألفوا بطريقهم البوحميدي فبدؤه (كذا) بالقتال. ولما رأى البوحميدي ذلك أمر جيشه بالقتال وبعث للأمير فارسا على الواقع ، فذهب وأخبره بالأمر الواقع ، فلم يك (كذا) غير ساعة وإذا بالأمير بجيشه ركابا ومشاتا قد وصل للبوحميدي وقد ارتفع النهار ، فشرع في قتالهم وأثخن فيهم إثخانا عظيما وحلت بهم الهزيمة شديدة الفرار. واتبعهم الأمير وركب جيشه أكتافهم ارتكابة قطيعة. فلم يك غير ساعة إلا وانفصل القتال عن قتله لسبعمائة وخمس وسبعين من قلعية.

يحكى أن أربعين امرأة من الذين (كذا) مات أزواجهم (كذا) بها أسماؤهن عائشة فضلا عن أسامي النساء الأخرى (كذا) بالتتمة.

ورجع الأمير لدائرته فارحا مسرورا ظافرا بالغنيمة / ثم صارت القبائل والأعراش ثانية بالهدايا والخيول المسوّمة قادة. وهو يقول لهم ما كان زيارة وهدايا فنأخذه عادة. وما كان قادة فلا نأخذه لأني لست عليكم بسلطان. وأنا وأنتم كلنا في طاعة السلطان مولانا عبد الرحمان وأن الأقوام الذين حل بهم الانتقام إنما ذلك لما تعدوا علينا واجترءوا وبدأ منهم الظلم والخصام ، ولو كفهم السلطان عنا

٢٤٣

لم يصدر منا شيء ، ولا يكون منا ولا منهم شيء. قال فاستحسن كبراء العرب كالأحلاف والمطالسة وهوارة والسجع وغيرهم كلامه وكتبوا بذلك لمولاي عبد الرحمان مخبرين له بأن الأمير معترف له بالفضل والمملكة وأنه كواحد من خلفائه ونحن نشهد له بذلك فإنه لا يريد مقاومته ولا خصامه ، ولما بلغ لمولاي عبد الرحمان مكاتب العرب حوقل وقال الناس ما بين مادح وقادح ، وزام ومازح ، والله أعلم بمن هو أهدى سبيلا ، وأصدق قيلا ، وبقي الأمير بسلوان أمدا وقد أذعنت له الشلح وأجرى حكمه عليهم ، بحيث أمر بحفر مطمورة قدر ما يجلس ثلاثة ثلاثة بلا مزيد عليهم ، ثم صار كل من يسجنه منهم يدخله لتلك المطمورة ويناوله القفة والفأس بتحقيق الأمر ، ويقول له احفر لنفسك فيها محلا لجلوسك إلى أن عظمت تلك المطمورة بالحفر ، ثم أن المولود بن عراش وسي المولود بوطالب وأخاه سي أحمد بوطالب الذين فروا من الأمير لفاس ، اجتمعوا بمولاي عبد الرحمان على وزرائه وقالوا له لنا علم بحيل الأمير وحربه فجهز لنا جيشا نذهب به لحربه لاجلائه عن طاعتك أو الاتيان به حيا أو برأسه ميتا لك فوافقهم على ذلك بغاية الاقتباس.

فأشار عليه بعض وزرائه بإبطال ذلك وقال له هذا من خبث فعلهم وقبح نعوتهم ، لأنهم لما أرادوا خديعة أميرهم وقريبهم الذين كانوا في نعمته وحرمته لا ريب أنهم يخدعونك أو جيشك فأطردهم مولاي عبد الرحمان وأمرهم بإلزام بيوتهم.

ثم أن كبراء الأحلاف وغيرهم من العرب أتوا للأمير وحثوا عليه في إرسال الهدية التي كان جهزها لمولاي عبد الرحمان وتوانى عن إرسالها بسبب واقعة الأحمر وقلعية فتشاور مع خلفائه وأعيان دائرته وجيشه على ذلك فأشاروا عليه بإرسالها ، فانتخب من جيشه فرسين ذكرين من عتاق الخيل أحدهما للجيلاني ولد السايح ، وثانيهما لمحمد ولد العزري الحشمي فتبين بفرس الثاني عيب مفرط فتركه في القول الراجح. وأخذ فرس السيد أحمد بن الشريف المعسكري وكان كميتا وبأرجله الأربعة سواد خلقة سار بهم في غاية الجمال يقال له البصري لكونه اشتراه من قبيلة بإزاء تيارت يقال لهم البصرة وهو في غاية الكمال. وجعل عليهما سرجين جيدين من ذهب خالص مع أشياء جليلة في الهدية وبعثها مع

٢٤٤

خليفته البوحميدي وكان غرض هذا الخليفة السكنة في فاس والراحة من التعب إلى أن يموت في القولة المحكية ، بعد ما كتب له الأمير المكاتب لمولاي عبد الرحمان / ومكنه من المكاتب التي كان يكاتبه بها الوزير السيد محمد بن إدريس وزير مولاي عبد الرحمان ، وأمر بأنه إذا لم يتعرض له أحد من الوشاة بشيء فلا يظهرها للسلطان ، وإلا فليظهرها والأمر كله للمالك الديان. ثم شيعه ورجع وقلبه في فلق من فراقه. وأما السيد محمد البركاني خليفته أيضا فكان قدم سابقا بالإذن لفاس بقصد السكنى فأكرم مثواه مولاي عبد الرحمان وعين له خراجا لاتفاقه. ثم جدّ البوحميدي السير بتلك الهدية. وصحبته أعيان الدائرة وأعيان العرب المريدين للهدية. ولما وصل لفاس اجتمع بالسلطان فدفع له الهدية ووقع الكلام بينهما على الأمير بالإحسان فبالغ البوحميدي في الثناء على الأمير ، وزينه في قلب السلطان فأصغى له السلطان غاية الإصغاء بالتحرير. فقام الوزير ابن ادريس وقال له يا سيدنا لا تصغي لكلام هذا الخلاط الشيطان ، فإنه هو وأميره وجميع الخلفاء شياطين مفسدين في الأرض وأن كلامه هو البهتان ، قد أفسدوا المغرب الأوسط بفعلهم وقولهم وعثوا فيه إلى أن فر أهله منهم للفرانسيس فإنهم لأولاد إبليس لصلبه. ثم جاءوا لمغربنا وشرعوا في الفساد فغزوا الأحلاف ثم الأحمر وقتلوه وأخذوا محلته ثم قلعية وقتلوهم وأخذوا أموالهم وتصرفوا بالحكم فيهم فقد وقع هذا كله منهم وظفرت بواحد منهم ولم تبادر بالفتك به. فعلا الغضب على وجه مولاي عبد الرحمان ، ولما رآه البوحميدي قال له يا سيدنا نعم السلطان إن ما نسبه لنا من الشيطان والخلاطة ليس ذلك من شئننا وإنما ذلك من شأنه الغادر اللئيم. وأنت خبير بأن أميرنا هو بايالته وفي أيامه وهو مذعن لك بالطاعة ومعترف لك بالبيعة ومرسل لك بالهدايا الجليلة ومكاتبه لا تنقطع عنك فما تأمره به يفعله وما تنهاه عنه يتركه بمحله فضلا عن هذا المحل العظيم. وإنما الذي جعل الخلاط الجليل ، وأبعد بينك وبين الفعل الجميل ، وصار بينكما شيطان ، وأوقد للحرب بينكما النيران ، هو الغادر لك والماكر بك فرخ إبليس ، وهو وزيرك هذا محمد بن إدريس لأنه كان يكاتب الأمير بغير قياس ، ويقول له في مكاتبه جدّ السير لتملك المغرب بأسره وتسكن مدينة فاس ، فإن بابها من كل ناحية لك مفتوح ، إن شئت فادخل من باب القيسة وإن شئت من باب الفتوح ،

٢٤٥

وأني متفق مع الكبراء من التجار والأعيان والعلماء وأهل الديوان ، على تمليك المغرب لك على حسب ما تريد ، وتكون أنت سلطانه الطود العظيم والليث الشديد. فإن وطئة العلاويين وظلمهم قد عظمت عجل الله بمحقها على يد الأدارسة. فالغرب لا يسعد إلا على الأدارسة وأنت واحد من الأدارسة. وإن أكذبتني يا سيدنا في مقالتي ، وأصدقته في تغيير حالتي ، فمكاتبه تحتي خذها واقرأها ثم قل له اقرأ كتابك ليزول / عنك الريب ويحل لك الانتقام منه لأنه عدو غادر ماكر لك وبك في الشهادة والغيب.

ثم استخرج المكاتب من جيبه بسرعة وناولها للسلطان ، ولما قرأها الأمير مولاي عبد الرحمان ، اشتد الغضب به على وزيره الغادر ، ابن ادريس الخادع الماكر ، وقال له اقرأ كتابك يا خادع ، لتعرف أنك أنت الماكر وهو الصدوق الذي بأمره مصادع. ثم أمر مولاي عبد الرحمان كل من حضر بقتل ابن ادريس بالنعال ولا يدعوا له بابا للمفر. فاشتغلت الناس بضربه بالنعال. لكل ناحية من جسده إلى أن مات بأشد النكال. وأمر بطبع أبواب ما يملكه من الدور ، ونزع الملك من يد الجسور ، فنزعت في الحين ، وصارت ورثته من جملة الفقراء والمساكين. وقرب البوحميدي وأدناه. ولأحسن الدور بفاس ملّكه وأعطاه ، وزوجه من ابنة العلامة السيد محمد بن عبد الله سقاط ، وتولى مئونه (كذا) وجعل له راتبا شهريا وأعطاه من يخدمه من الإيماء فصار في عز وانبساط. ولا زال كذلك إلى أن سأل الزيارة لدار وازان ، وضريح القطب مولاي عبد السلام فأذن له السلطان. ولما تمت زيارته ورجع لأهله بفاس قبض عليه السلطان لكون الوشاة قالوا له أن جولانه ليس للزيارة وإنما هو للتجسس والاختلاط والاتفاق مع الناس ، وسجنه إلى أن سقاه سما به مات ثم ندم السلطان على ذلك. وعلم أن تلك شيطانة حلت به إلى أن ارتكب تلك المهالك.

قال ولما رجع أصحاب البوحميدي المصاحبين له لفاس ، اعلموا الأمير فتأسف كثيرا وحصلت له الندامة على إرساله وقال يا ليتني لم أتركه ذهب (كذا) عند الظالمين البخاس.

ثم ارتحل الأمير بدائرته من سلوان ، ونزل بملوية ومكث بغاية الإطمنان

٢٤٦

(كذا). فبينما هو بها وإذا بالخبر بلغه أن سلطان المغرب جهز جيشا لنظر ولده مولاي محمد خليفة عهده محتويا على سبعة محال كل محلة لا طاقة على إحصاء عددها بلا محال. وأمره بالغزو على الأمير ليأخذ دائرته ويقتله إن ظفر به أو يجليه من طاعته ، فجاء ابن السلطان بجيوشه ونزل بقارت ، ثم بسلوان ، ثم بملوية ، بالارتحال والمكث على عادته. ولما رأى الأمير ذلك انتقل من الجهة الغربية فعبر ملوية وهي (كذا) حاملة ونزل بالجهة الشرقية ، وهيأ نفسه وجيشه للقتال وذلك سنة أربعة وستين ومائتين وألف. الموافقة لسنة سبع وأربعين وثمانمائة وألف ، ولما كان اليوم الرابع من محرم تلك السنة كما للقائل ، زحف الأمير ليلا للمغاربة فلم يحصل على طائل. وكانت الدولة الفرانسوية واقفة في الحدود ، ولها جيش عظيم لتنظر من هو الغالب ممن هو في الصدود ، فصار الأمير بين الجيوش فجيش الدولة من جملته المخزن من الجهة الشرقية إن اتصل (كذا) به قتله بجيشه وأخذ محلته ، وجيش المغاربة من الجهة الغربية ، إن اتصل به قتله / بجيشه وأخذ محلته. وكان رائس (كذا) الجيوش الفرانسوية كبيرين (كذا) أحدهما ولد الرّي (٢٦٥) صاحب الدراوة ، والآخر الجنرال أبي هراوة ، واستدارت جيوش المغاربة بالأمير واتبعته من البعد وخشيت أن تقربه فتحل في الأمر العسير. وكان ابن سلطان المغرب قد فتح طريقا للأمير ليخلصه من الأهوال إلى جانب الظهرة. فلم يلتفت الأمير لذلك لأمرين : أحدهما خشية أن تكون تلك مكيدة. والثاني لقربه من الجنرال أبي هراوة بجيوشه وظن أنه إن فعل يحل في الحسر. وكان الواحد من جيش الأمير يقابل العشرين من المغاربة ، الذين لا خير فيهم بالقاطبة. ولشدة شجاعته وثباته في الحروب ، لم يلتفت لكثرة المغاربة ولم يظن أصلا أنه في الكروب.

قال ثم إن الأمير مكث إلى اليوم التاسع من المحرم ودبر حيلة لعله يظفر بابن سلطان المغاربة ، ويخلص نفسه من الأهوال القاطبة. فعقد إلى جملين من خيار الإبل وجمع الحلفاء وجعلها حملين مشدودين بالغاية ، وطلاهما بالقطران

__________________

(٢٦٥) يقصد الملك من الكلمة الفرنسية : Le Roi ، والابن المقصود هو الدوك دومال : Le Duc D\'aumal.

٢٤٧

ووضعهما على أظهر الجملين وأحسن ربطهما في البداية والنهاية ، وأمر أصحابه أن يعبروا بهما وادي ملوية ليلا ويضرمون الناس في حملي الجملين بوسط محال المغاربة ليلا ، ثم يرتكبون ظهور المغاربة بالقتل حال الفرار. وكان ابن سلطان المغرب سمع بذلك فصار مرتقبا للأخبار. ففعل جيشه ذلك غير أنهم أتوا بالجملين من الجهة الغربية لنيل المراد ، ولو فعلوا ذلك من الجهة الشرقية لنالوا المراد لكون المغاربة لما فروا للمغرب وجدوا الخيالة أمامهم ، فرجعوا لناحية البحر فنجوا وبلغوا ذمامهم ، ولو كان فرارهم لناحية المغرب لم تقم لهم قائمة. ووقع الرغاء بالجملين والصدود من مكان إلى مكان وأحوالهما سائمة. وصار جيش الأمير يقتل في المغاربة شديدا إلى أن أصبح الله بخير الصباح. ونادى المؤذن بحيّى على الفلاح. وغنموا من فسطاط ابن السلطان نحو المدفعين. ولما علا النهار اجتمعت الأمحال من الفريقين ، وكثر القتل من جيش الأمير في المغاربة وهم ابن سلطانهم بالفرار فثبته ولد البشير بن المسعود كبير بني يزناسن وقال لا بد من المحاربة. وكان للأمير في حال القتال زهير كزهير الأسد : وهو من شدة الشجاعة لا يخشى في الحرب من أحد. وقد ضاع له النصف من الجيش. وصار في حالة الغضب والطيش. ثم تقدم مولاي محمد بجيشه لناحية الأمير. فازداد الأمير في الغضب والزهير. ولمّا رأى الحشم وبنوا عامر ذلك فروا وجاءو (كذا) بأموالهم ودوابهم لناحية الدولة وخدعوا. وتلك عادتهم من أسلافهم فقبحهم الله على فعلهم وبئس ما صنعوا.

ثم بعث الأمير خليفته الحاج مصطفى للحشم وبني عامر ليردهم إلى الجهاد في سبيل الله. ولما وصلهم أمرهم بالرجوع فأبوا فشدد عليهم فضحكوا منه ثم سألهم برفق فأبوا فتركهم ورجع / له ولم يرجع منهم عنده إلّا من لحقه الحياء أو دخله خوف الله. ولمّا لم يبق الأمير إلا في قليل الجيش تأخر عن الوادي وصار ابن السلطان يعبر فيه بجيوشه فأكمن له الأمير شرذمة من جيشه ما بين العسكر والخيالة. فشعلت نار الحرب وتقدم الأمير للحرب ببقية جيشه وهو في غاية العيالة. فالتقت الأبطال بالأبطال ، والفرسان بالفرسان والرجال بالرجال. وطلع لجو السماء الغبار ، وعظمت المصيبة وكبر النهار ، واشتد القتال ، وكثر الطعن والضرب والنزال. وصارت الحرب بين الفريقين تارة في الغلب وتارة في

٢٤٨

السجال. وحمي الوطيس ، وغاب الأنس عن الأنيس وبقي الحرب بينهما من أول النهار إلى أن قرب اليل (كذا). وفشت الجراحات في جيش الأمير وكثر القتل في جيش المغاربة مع الويل. ودخل الأمير للحرب بنفسه وهو في غيظه وعبوسه ، بمكحلته وسيفه وكبوسه ، وانحرقت ثيابه بالبارود ، وانجرح من ساقه ومات تحته ثلاثة من الخيل في المعدود ، وخلصه أصحابه من يد العدو ، وهو كالأسد الغضبان ، وتغير وادي ملوية من دم الفريقين ، فرجع مختلف الألوان وكان ذلك عند الموضع الذي مات فيه كبراء الدولة. وضعف حاله ونقص جيشه من الصولة. وهرب كثير أصحابه إلى وادي كيس ، ودخل كثير دائرته إلى وطن الدولة للراحة من الطيش. وقد مات من المغاربة نحو الألف وستمائة في صحيح الرواية. ولما رأى الأمير قلة جيشه صعد ليلا لبني يزناسن. ومن الغد أخذ عياله وصار بمن معه في التردد هل يرجعون لناحية الدولة أو يذهبون على وجدة لناحية توات في غاية الدراية. وقد سدت الدولة عليه طرق المجاز وهو لا علم له بذلك. ثم أسرع السير بقصد أن يأخذ أسفل الجبل ، ويصعد على وجدة ، ويذهب لصحراء المغرب إلى أن يصل إلى توات ، ويستريح من جميع المهالك.

فبينما هو سائر إذا به وجد نفسه قد دخل بعسة الدولة. وكان في تلك العسة رجلان أحدهما يقال له محمد بن خوية الزمالي ، والآخر يقال له أحمد بن حطّاب الدايري ، وهما من أهل السياسة في الفعلة والقولة فاجتمعا به وعرفاه بأنفسهما (كذا) وقالا له أيها الأمير أين تريد الذهاب ، فأخبرهما بالواقع فقالا له نحن لا طاقة لنا على إهلاكك ولا تسريحك للجواز بغير ارتياب. ولكن الرأي عندنا الذي لا ندلّاك (كذا) عليه هو أن تسلم نفسك للدولة وتكتب لهم بأنك رجعت لهم برضائك ونحن نضمن لك إن شاء الله تعالى أنه لا يقع لك شيء وتريح نفسك من هذا التعب. ونحن من تلامذتك فخذ رأينا لأنه لك مصلحة وتصير من أهل الراحة لا من أهل الوصف.

٢٤٩

الأمير يستسلم وينقل إلى فرنسا

قال فوافقهما على ذلك وكتب لهما كتابا للجنرال لمنسير (٢٦٦) يطلب فيه من الدولة الأمن والأمان لكون الدولة في غاية تأسيس البنيان. فأخذ محمد بن خوية الزمالي تلك الرسالة وذهب مسرعا لولد الرّي وأبي هراوة. ولما وصلهم ذلك حصل بهم السرور للمقيمين وأهل السراوة. / وقد ذهب مع خوية طائفة من كبراء الأمير لاتمام الأمر وإزالة التعسير. فبعث الجنرال سيفه للأمير علامة الأمان على القدوم. فقدم الأمير وسلم نفسه للجنرال وكان غائبا فعرض خليفة الجنرال وهو الكلونيل منتوبه للأمير فاجتمع به بسيدي إبراهيم المعلوم. ولما أقبل الأمير عليهم ، جاز على الفرسان وحياهم بغاية التحية وتوجه إلى جامع الغزوات وقلبه مائيل غاية إليهم. فوصل إليه عشية فألفى هناك أهل بيته ، فأتى الجنرال في أثره مع الباقين من ناس الأمير في وقته. وفي ثاني يوم اتفق الجنرال مع الدولة على بعث الأمير وكبراء دائرته لمكة أو عكة وكان يوم دخول الأمير في حماية الدولة يوما مشهورا بإقليم الجزائر. وضربت المدافع بجامع الغزوات الدالة على سرور القاطن والزائر.

وكان الأمير لما دخل الغزوات دخلها حاملا لسيفه ، علامة على أنه لم يؤخذ قهرا وإنما أسلم نفسه للدولة وليس به شيء من خوفه. ولما اجتمع الجنرال بالأمير أهدى له الأمير سيفه وتأسّف وأخذه البكاء والحزن وبات هو وخلفاؤه في غاية من الحزن. ومن الغد صباحا ركب فرسه وذهب معه أصحابه إلى محل ولد الرّي وهو الدوك دومال فنزل بالبعد وأخذ فرسه بيده وأقبل على ابن السلطان فرحب به وهنأه وأظهر له جميع الكمال. ثم رجع الأمير ماشيا إلى قيطونه ، وعند الزوال ركب ابن الرّي والجنرال والأمير البحر فوصلوا للمرسى الكبير بوهران في نصف اليل (كذا) وأزال الأمير ما كان بقلبه من حزونه (كذا) ، وفوض أمره لله وتوكل عليه. فكان مآله الصلاح في كل ما عول عليه.

__________________

(٢٦٦) يقصد لاموريسيير. الذي يلقبه بأبي هراوة. أما ولد الرّاي فهو الدوك دومال ابن الملك الفرنسي لويس فيليب.

٢٥٠

ثم كلفت الدولة بحفظ الأمير وخدمته من كان مريشالا مرطمبري (٢٦٧) صاحب التأليف المشهور. فطلب منه الأمير أن يأتيه بطبيب لدواء ساقه المجروح منه في المسطور. فأنسه وأجابه بلذيذ الخطاب. وقال له لا تجزع فلقد نلت على دينك ما نلت من الملك الوهاب. وإنك في عام خمس وثلاثين وثمانمائة وألف حصل لك الرج في تافنة ، وفيض العطش ، والزبوج والمقطع ، لما كانت صولة ملكك لأني حضرت لتلك الوقائع والآن لما زال ملكك فلا تكن من أهل الجزع. لأن الأيام جعلها الله متداولة بين عباده. وكل منهم يبلغ منها بإذن الله ما شاء من مراده. وكان الأمير منكسا لرأسه لا يتكلم بشيء من الكلام. وإنما هو مشغل بالكتابة وحوله خليفته صهره السيد الحاج مصطفى بن التهامي يملي عليه في بعض الأحيان بعض الكلام. وعند الثمانية جاءت الفرقاطة لحمله بأصحابه وخلفائه وأهلهم وهم في غايات الجراح. فركبوا بقصد الذهاب لمرسيلية ولزموا أنفسهم بالانشراح. وعند العشرة توجهوا لافرانسا بمراء (كذا) العيون. ووقت الاثنا عشر غابت بهم في لجة البحر عن العيون. ولما دخل ولد الرّي لوهران ذهب ومعه الجنرال والحكام أهل النظام. للكنيسة وأنشدوا أشعار السلطان / لوي (LOUIS) وبالغوا في الثناء على إزالة الفتنة بعد هطل الدماء الكثير وعلى قبضهم للأمير وبعثهم إياه لافرانسا وعلى تملك الوطن والعلو على الإسلام. ولما أثبتت الدولة للجنرال أبي هراوة قبض الأمير هنوه (كذا) على ذلك بغير الحدسة.

فأجابهم بأنه قبضه على وجه أن يبعثه للمشرق هذا وجه القبض لا مطلقا فقالوا له هذا منك وقع على وجه الهندسة ، فإنه لا يخرج من افرانسا أبدا لأنه إذا خرج بأهله لا محالة أنه يأتي من صحراء القبلة ويعود لما كان عليه. فقال لهم الجنرال الشرط لازم وقد ذكرته لكم من غير ميل مني إليه. ثم إن الدّوك خرج من وهران لمسرقين ومنها زاد لسيق. ثم لمستغانيم ثم رجع للمقطع وركب البحر من رزيو لوهران ثم توجه للجزائر بالتحقيق. ثم توجه الجنرال لمنسير (كذا) لافرانسا ليتكلم في قضية الأمير مع أهل القامرة. ولما ذهب الأمير لافرانسا رجع بنوا عامر من المغرب لبلادهم بعضهم برا وبعضهم بحرا وهم في سوء حال وقلة عيش والكثير منهم ضاع في القولة القامرة.

__________________

(٢٦٧) يقصد الضابط مارتيمبري : Martimprey.

٢٥١

إطلاق سراح الأمير وذهابه

إلى تركيا ثم دمشق ووفاته

ومكث الأمير بافرانسا بعد مروره بمدينة طولون بمدينة يقال لها أنبواز (٢٦٨) فيما يقولون من سنة سبع وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة أربعة وستين ومائتين وألف إلى سنة اثنين وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام ثمانية وستين ومائتين وألف. فاتفقت الدولة على تسريحه للمشرق وسرح لمدينة برسا وهي ابروس فحل بها وصار في غاية الهناء وعلت كلمته عند جميع الرءوس (كذا) ، ثم انتقل إلى دمشق الشام في سنة خمس وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام اثنين وسبعين ومائتين وألف ، فحل بها واستراح ، ونال العز والأفراح وصار مقصودا عند الخاص والعام لقضاء الأوطار ، وجعلت له الدولة راتبا جليلا سنويا شهريا للإنفاق بغاية الاشتهار. وارتفعت رتبته عند جميع الدولة ، وعلت كلمته على الآخر والأول. وصار لا يضاهيه في الرتبة من أبناء جنسه عند الدول إلا القليل ولا يرقا (كذا) لسمائه إلا بضوء المصباح والقنديل. ولا زال على ذلك إلى أن نشبت فيه المنية أظفارها لما دعاه داع الارتحال ، والإقبال في قدومه على الكبير المتعال. فتوفي في منتصف ليلة السبت من آخر رجب سنة ثلاثمائة وألف ، الموافق لخامس عشرين ميي (كذا) سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة وألف. ودفن بالصالحية جيرة ضريح ولي الله الأكبر الشيخ محي الدين بن العربي الحاتمي داخل القبة بالإيصاء منه ، فنفذت وصيته من غير إحالة عنه. ولما توفي أخبرت الدولة بموته في الورقة الخبرية التي يقال لها المبشر المؤرخة بثالث شعبان سنة ثلاثمائة وألف في المشتهر ، المعلمة بعدد ٢٤٣٨ بالتحقيق. وهاك نصها بالحرف في الأمر الحقيق ، قد صار / إلى رحمة الله السيد الحاج عبد القادر بدمشق وكان ازدياده بالمعسكر سنة ١٨٠٦ وأما سبب موته فهو مرض بقلبه لازمه مدة سنين حتى أن أقاربه كانوا يتوقعون وفاته في كل وقت فأخبرنا بوفاته ولده السيد محمد برسالة تلغرافية وجهها إلى رائس (كذا) الحكومة الجمهورية في يوم ٢٧ مي (كذا) ونص عبارته : ها أنا أخبر أيها السيد بما قد لحقني من

__________________

(٢٦٨) يقصد : Amboise.

٢٥٢

الحزن بوفاة والدي في منتصف ليلة السبت وأنه أوصاني وقت وفاته أن أكون متصرفا على عائلته ورضي بي جميع العائلة فاقبل مني أيها الحضرة السنية مزيد السلام لجنابكم وتأكيد محبتي للدولة الفرانسوية ، ففي سنة ١٨٨٠ كان المظنون أنه قد قضى نحبة لورود رسالة أشاعت وفاته ونقلتها الأوراق الخبرية ورثوه بما علموا من سيرته فذكروا بطوليته (كذا) وحسن أخلاقه إلى غير ذلك فعربت تلك النبذات وأطلع عليها المذكور في حياته بعد أن شفاه الله مما كان اعتراه فاضطرب قلبه عند قراءتها اضطرابا عظيما وتفكر هنيئة ثم قال : الحمد لله الذي أجرى الوهم في افرانسا بوفاتي حتى تحققت بذلك أنه لا ينقطع احترامي لديها بعدي وهذا المؤمل من البخت ومقالته هذه لا ريب فيها لأنه بعد أن قاومنا مدة خمسة عشر سنة ودارت عليه الدائرة سلم للقضاء والقدر وأحب الأمة التي قهرته وتمتت (كذا) اعتزازها بتعظيم من ألزمته بالطاعة والإذعان وصار يستحيل التغلب عليها حتى أنه في سنة ١٨٧٠ لما تحتم انكسارنا لم يصدق بالواقع وعندما تحقق لديه ما لحقنا من الانهزام اعتراه حزن شديد ورأى ذلك مما يستهون به فشله وفي ذلك الأيام (كذا) قدم إلى دمشق عدة من المسافرين الأجنبيين فزاروه وظهر لهم أنه يشفي غليله بذكرهم له ما حاق بافرانسا فاعتذر إليهم بمفارقته إياهم برهة ثم عاد إليهم وهو متقلد بنيشان الحرمة فأعلمهم بذلك سماحة كلامهم ومن ذلك اليوم صار يتجنب من الزائرين ولا يقبل إلّا من قدمه القنصل بل رغب منه أن يخفف عنه مشقة الزائرين ولازم المكث بداره الموجودة في حومة كان تملك لديارها شيئا فشيئا وكل من تلك الديار مختصة لشأن من الشئون (كذا) فبعضها لجميع حريمه ونحو عشرة منها لولديه الذين (كذا) هما من زوجته التي أخذها بالمعسكر في صغره منذ سنة ١٨٣٠ وأعظم الديار التي في الوسط صيرها مسجدا للعبادة وديارا صغيرة جعلها سكنى لأهل الجزائر الذين رحلوا معه وهم ما بين ٣٠٠ إلى ٤٠٠ نفر فكان الحاج عبد القادر في وسطهم شيخا مالكا بل أبا وسلطانا وكان يلقبه بالسلطنة كل من قصده وقبل يده وبايعه ولم يزل وجهه إلى آخر ساعة من حياته في سماحة وبشاشة ومن طبعه أنه دائما يكتحل بالإثمد كعادة العرب ويخضب لحيته وأنه قصير القامة نحيل الجسم منطلق في حركته كالسهم وذلك مما يذكر كل من رآه في فروسيته وحزمه وضربه بالحسام /. ومن ثيابه أنه يلبس

٢٥٣

عباءة زرقاء مفتوحة اللون وعلى رأسه عمامة بيضاء ومما اتصف به خلاف ما هو في عادة العرب أنه لم يتعاطى الفروسية وأهمل العلم بل أنه جمع بينهما كما قال رحمه‌الله في قصيدته التي كان أنشدها في أيام سلطنته:

فإن شئت علما تلقاني خير عالم

وفي الروع والوغا أحاديثنا تروى

نشاط الأمير في دمشق

هذا وله خوض في جميع الفنون لم يقتصر على الفقه فقط ، لا سيما علم الأدب والشعر كما شوهد من عدة رسائله ، فقد قال أهل دمشق أنه حصل سرور عظيم حين صادف فرصة في حماية النصارى من الفتك بهم حيث الثورة التي وقعت في سنة ١٨٦٠ ، وفرح بإعادته لما كان متحلفا به من الحومة في ميدان الحروب بعد التخلي عنها زمانا لا سيما إذا كان ذلك دون نقض المعاهدة مع الدولة الفرانسوية فوثب على الفاتكين بالنصارى كالأسد الضاري ولا زالت دكانه في دمشق تشهد على جلوسه عليها متحزما ثلاث ليالي لدفع كل هجوم يقع على المساكين الملتجئين إليه فبينما كان والي دمشق أحمد باشا لم يبرز منه أمر بكف ذبح النصارى تريس (كذا) الحاج عبد القادر على عدة من الجزائريين المصادقين له ، وقصد دار قنصل افرانسا ومنها خرج سبع مرار (٢٦٩) للتفتيش على النصارى الفارين في الأزقة الفازعين من شدة الرعب ليبوأهم (كذا) في داره حتى اجتمع عنده ثلاثة آلاف نفر.

كما أمن في القلعة عشر آلاف وجعلهم تحت حماية جزائرية فمات من خدامه بإزائه سبعة أنفس ثم إن شيخ الإسلام أمر بمقاتلة الأمير عبد القادر في داره وهو تأهب للمدافعة عن نفسه إذا بألف نفس من دروز حوران دخلوا البلاد تحت أمر أسعد عمر الذي هو محب لقنصل اليونان ووعده بنصرته كلما حل الخطر وحمي الوطيس وكان الأمير كذلك فجاء أسعد إلى الأمير وقال له ها أنا بين يديك فأمرني بما شئت ؛ وبمساعدته أمكن للأمير تخليص الثلاثة آلاف من الفتك.

__________________

(٢٦٩) يقصد سبع مرات.

٢٥٤

واعلم منذ يوم ٢٢ دسمبر (كذا) ١٨٤٧. الذي طاع فيه الحاج عبد القادر لافرانسا وسلم نفسه إليها التزمت أوربا (كذا) بصرف النظر إليه مراقبة لما يصدر منه. ففي سنة ١٨٦٣ مرّ بمصر وشاهد أعمال خليج السويس وصعد إلى الحج وقضى مناسكه. ثم في سنة ١٨٦٧ حضر المعرض العام المتخذ بباريز. وفي شهر نونبر (كذا) ١٨٦٩ كان في محفل من حضر افتتاح خليج السويس (٢٧٠). ولما اتقدت الحروب بين افرانسا والمانيا طلب هذا الهمام من سلطان افرانسا في شهر جليت ١٨٧٠ أن يعطيه التريس على العساكر الافريقية ، وفي شهر سبتمر (كذا) السنة المذكورة وكذا في شهر جانفي ١٨٧١ جدد طلبه من أرباب الدولة. ثم في شهر جوان ١٨٧١ اتفق أن ولده الكبير تحزب مع بعض الأشرار الساعيين (كذا) في الفساد كي يفتن أهل الجزائر فأنكره والده وتبرأ منه ، وفي سنة ١٨٧٣ أثبت ثانيا محبته لافرانسا بإرساله ثلاثة آلاف فرنك لفقراء ألزاس لورين. هذا وقد / وقعت جنازته يوم ٢٦ ماي ١٨٨٣ حضرها جميع الحكام من الأهاليين والعسكريين بخلعهم الرسمية وكذلك قناصل الدولة وخمسة جنرالات فبلغ عدد من شيعها ما ينيف على ستين الف نسمة وقد دفن بضريح هناك مراعاة لشرف قدره كأنه ولي من أولياء الله رحمة الله عليه ه.

العودة للحديث عن الجزائر

ولنرجع بالكلام على أحوال الدولة بإقليم الجزائر فنقول : ومن الله أسئل (كذا) تمام المأمول ، أن في سابع مارس من سنة سبع وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق للرابع والستين ومائتين وألف ، سأل المخزن من أمراء الدولة تقسيم البلاد عليهم بالتمليك. ويبني كل منهم في المحل الذي يريده فوافقهم على ذلك بغير التحليك. وفي مي (كذا) من السنة المذكورة جال الجنرال كفنياك بالقبلة جولانا عظيما. وزاد لأهلها تدويخا جسيما. وفي أوت منها حصل الجولان من الجنرال طاربوفيل (D\'ARBOUVILLE) بمسيردة وبني سنوس فدوخها تدويخا ، وألزمها بالإذعان والعقوبة ووبخها توبيخا. وفي دسانبر من السنة

__________________

(٢٧٠) يقصد قناة السويس.

٢٥٥

المارة وقع بين الأمير قبل تسليمه نفسه لافرانسا وبين الكماندار (كذا) مليلة (٢٧١) مخالطة عظيمة. وسعى له في الصلح لكنه لم يتم سعية جسيمة. وفي الثاني والعشرين منه سلم الأمير نفسه للدولة كما سبق الكلام ، وحصل الخلاف بين الدولة على شأن الأحكام صارت جمهورية إلى أن لحق ذلك العرب الذين ببر الجزائر بالتمام. وذلك في شهر فبري (كذا) سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة خمس وستين ومائتين وألف. ثم بعد ذلك حصلت الراحة الكثيرة لجميع الناس وصار كل منهم مشتغلا بما ينفعه بغير الاختلاس وفي سنة تسع وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق لسنة ست وستين ومائتين وألف : غزت الدولة على مدينة زعطاشة ففتحها عنوة ، وهي في عمالة قسمطينة (كذا) وليس هفوة (٢٧٢).

الامبراطور نابوليون الثالث

ثم ثالث سبعينهم نابليون الثالث بنبارط القائم بالدولة قيام الارتباط ، تولى في ثاني دسانبر سنة اثنين وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة تسع وستين ومائتين وألف. ومن خبره أنه تولى أول رئاسة الحكم الجمهوري الواقع في عاشر دسانبر سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق لعام خمس وستين ومائتين وألف. ثم تولى ثانيا رئاسة الحكم الجمهوري على عشرة أعوام في ثاني دسانبر سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافق لعام ثمان وستين ومائتين وألف. ثم تولى ثالثا السلطنة بافرانسا في السنة المتقدمة أولا المقررة ، الموافقة للسنة الهجرية المذكورة سابقا المحررة ، وتسمى باسم نابليون الثالث فأذعنت له الأمة الفرانسوية بأجمعها من غير المناكث. ولما على (كذا) الملك احتوى وتولى ،

__________________

(٢٧١) يقصد الاتصالات التي أجراها الأمير مع حاكم مليلية الاسباني في ربيع وصيف ١٨٤٧ م.

انظر كتابنا مراسلات الأمير عبد القادر مع إسبانيا وحكامها العسكريين بمليلية ط ٢ (الجزائر ـ ١٩٨٦ م).

(٢٧٢) يقصد انتفاضة سكان واحة الزعاطشة والشيخ بوزيان. عام ١٨٤٩. انظر عنها كتابنا ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين (الجزائر ـ ١٩٨٠) ص ٥٩ ـ ٦٨.

٢٥٦

ورسخ به قدمه واستقلّى (كذا) سرّح الأمير للمشرق كما سبق عليه الكلام ، وحط كلكله على كل أحد وتم له المرام.

حركة الشريف محمد بن عبد الله

وفي وقته حركت الدولة بجيوشها ومعها المخزن الفخيم ، لصحراء الجزائر ووهران لفتح مدينة الأغواط ، ولها النصر الجسيم ، ولما وصلت الجيوش لموضع يقال له الحويطة ، بقي الجنرال أبو سكران بالمخزن وجل الجيوش بالحويطة ، وسبق المريشال بليسي (PELISSIER) والجنرال دوليني (DELIGNY) بالشاسور (٢٧٣) والصبايحية ونحو الستمائة عسكري محمولة على الإبل في صحيح المقال ، فأسروا ليلا نحو الاثنا عشر ساعة لناحيتها لتمييزها بساحتها ومحلّ النّزال. ومن الغد لحقت الأثقال واجتمعت الجيوش ، وخيمت المحلة على البلد قبالة سيدي عيسى الأغواطي وعظم الحال على أهل البلد وزال الفشوش. وفي اليل (كذا) أمر المريشال بليسي الجنرال بوسكران بالاستيلاء على سيدي عيسى فنصبت المدافع ، واشتد الأمر وزال المدافع. ومن الغد شرع العسكر في القتال ، وإرسال المدافع على البلد واشتعلت نار الحرب واشتد حال النزال ، وجاء الجنرال يوسف العنابي بمحلته من المشرق فنزل من ناحية الخير ، وجاءت محلة من جهة أبي سعاد فنزلت قبلة بغير الطير.

ودام القتال إلى أن انهدم السور وصعد العسكر بالسلاليم والحبال المعدة للصعود. فلم يك (كذا) غير ساعة وإذا بالمدينة فتحت عنوة بعد ما مات من أهلها نحو ألف ونصف في المعدود. وكان الهجوم عليها على السبعة (كذا) صباحا في اليوم الرابع من دسانبر سنة اثنين وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة تسع وستين ومائتين وألف. وكان الإنهدام للسور وقت العشرة (كذا) ، فبانهدامه حصل الدخول للمدينة ، فدخلها المريشال بليسي بجيوشه. وكانت الأغواط على مسافة مائة مرحلة من الجزائر في القولة المدينة. وفي سنة ثلاث

__________________

(٢٧٣) يقصد بالشاسور القناصة : Chasseurs. والحادث هو حركة الشريف محمد بن عبد الله الذي سيطر على الأغواط وورقلة وأعلن سلطانا عليهما.

٢٥٧

وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة سبعين ومائتين وألف ، وجه المريشال راندون (RANDON) محلة لمدينة ورقلة ومعها المخزن الباسل ، لتفقد أحوالها وأحوال سي حمزة البوشيخي (٢٧٤) فيها وسيرته لنظر الكلونيل دوريو (DURIEU) الكامل ومحلة ثانية من المعسكر لنظر الكلونيل نيكو (NICOT) ، ومحلة ثالثة من المكيّة لنظر الكمناندانث (كذا) دورباي وأمرهم بالاجتماع في متليلي في بادي الرأي. فلما وصلوه في ذلك الحال ألفوا به رسول سي حمزة جاءهم بأنه وجه لهم من ينتظرهم في باروخ ، وباروخة ، ليكون قائدا لهم في جميع الأحوال فزادت المحال الثلاثة في سيرها إلى أن وصلت لورقلة وبها جاءهم سي حمزة مع أعيان ورقلة ، وسعيد عتبة ، والمخادمة ، وشعانية متليلي ، فزادوا جميعا للأغواط واجتمعوا بالمريشال راندون ، فكافأهم بالهدايا ، وخاطبهم بخطاب التمرتيلي.

المشاركة في حروب القرم شمال البحر الأسود

وفي سنة رابع وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة إحدى وسبعين ومائتين / وألف ، اتحد السلطان المذكور مع الانجليز على إعانة السلطان العثماني على قتال الموسكوا (٢٧٥) فأعانه إلى أن انعقد الصلح لديه بباريز ما بين سلطان الترك والموسكوا (كذا).

ثم في سنة تسع وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة ست وسبعين ومائتين وألف ، جهز جيشا عظيما لقتال لتريش (كذا) (٢٧٦) والطليان. فانتصر عليهم إلى أن صيرهم في الهوان ، واستولى على مدينة منجينب من بلاد الطليان.

__________________

(٢٧٤) يقصد به سي حمزة ولد سيدي الشيخ الذي عين خليفة على الغرب الوهراني بعد نجاحه في طرد الشريف محمد بن عبد الله من الأغواط. انظر كتابنا ثورات الجزائر. ص ١٢١ ـ ١٣٢.

(٢٧٥) يقصد حروب شبه جزيرة القرم التي نشبت بين روسيا والدولة العثمانية من ١٨٥٤ إلى ١٨٥٦ م.

(٢٧٦) يقصد النمسا بوسط أوروبا.

٢٥٨

أحداث بني يزناسن

وفي هذه السنة جهز جيشا محتويا على مائة ألف من المقاتل (كذا) لقتال بني يزناسن أحد قبائل الريف الذين بالحدود الغربية من بر الجزائر لتغير المشاكل ، فكان الصلح بين الفريقين بلا كبير قتال ، على أن يعطوا بني يزناسن قدرا معينا للدولة من المال. وتم قتاله لبر الجزائر في عام الستين وثمانمائة وألف الموافق لسنة سبع وسبعين ومائتين وألف.

نابوليون يزور الجزائر

وفي هذه السنة قدم نابليون بأهله مرة أولى لمدينة الجزائر ، التي هي مأوى للقاطن والزائر ، فتلقته الرعية بها من العرب والنصارى واليهود من كل جهة بغاية القبول. واجتمعت عليه الجيوش من الفروع والأصول ، وجاء لملاقته (كذا) باي تونس محمد الصادق فأجابهم السلطان بالترحب الذي ذهلت منه العقول ، وأبذل العطا (كذا) بحسب عادة الملوك للكافل والمكفول. وفيها جهز جيشا لفتح لزية من إقليم الصين ، فاستولى على مرسى يقال لها كنشالشين (كوشنشين). وفيها جهز أيضا جيشا لبلاد لمريك (كذا) الشمال (امريكا الشمالية) طالبا للفخارة ، فاستولى على بلد يقال لها المكسيك وذلك للتجارة.

ثورة أول سيدي الشيخ

وفي سنة أربع وستين وثمانمائة وألف. الموافقة لسنة إحدى وثمانين ومائتين وألف ، خرج عن الطاعة أولاد سيدي الشيخ رايسهم (كذا) سليمان بن حمزة مع الأحرار وحميان ، وفليتة تحت رئاسة السيد الأزرق بالحاج فدام القتال عليهم إلى أن حصل منهم الإذعان. وقد مات القبطان (كذا) بوبريط (٢٧٧) بعوينة أبي بكر على ما قيل.

وعظم الأمر واتسع الخرق على الراقع وصار كل واحد من الخارجين

__________________

(٢٧٧) Beapretre. عن ثورة أولاد سيدي الشيخ انظر كتابنا : ثورات الجزائر. ص ١٣٣ ـ ١٧٦.

٢٥٩

كالفيل : وحل بآغة إسماعيل ولد المزاري ما حل من قتل أصحابه ونهب العدو لأموالهم ، والكثير منهم جرح وهم في الحالة الرذيلة الدالة على فساد أحوالهم وخلص إسماعيل من الموت ، ونجا من الفوت. ومات سي الأزرق بالحاج قتيلا ، وتشتت أمر فليتة بحيث صار الوجيه فيهم لا يساوي فتيلا ، كما مات في الصحراء (كذا) من أولاد سيدي الشيخ سليمان بن حمزة أيضا قتيلا. وجاء المريشال مرطمبري (MARTIMPREY) والجنرال لبسيط (لاباسي) لفليتة فمهدوهم (كذا) تمهيدا وأمكرت الدولة بفليتة مكرا عتيدا ، وصار سي محمد بن حمزة وعمه سي العلا يترددان في صحرا (كذا) وهران والدولة تجهز لتدويخهما الجيوش في كل زمان ومكان ، ثم افترق العلا مع محمد بن حمزة. فمنها العلا غرب بمحلته لناحية راس الماء بنواحي بلعباس ، ومنها محمد بن حمزة بقي يجول في نواحي البيض إلى أن حل كل منهما في الإفلاس /.

وفي شهر اكتبر (كذا) من سنة أربع وستين وثمانمائة وألف الموافقة لسنة إحدى ومائتين وألف غزت محلة الدولة ومعها المخزن الذي به يكون الفتح في كل معركة ، ويحصل له الثناء في مقحمة ومحركة ، على دواوير محمد بن حمزة وهو بالبنود ، فلم يشعر بنفسه إلّا وأحاط به المخزن ولم يجد سبيلا للصدود. فقاتل. إلى أن جرح وسقطت به رمكته ميتة ، ثم حمل جريحا بآخر رمق إلى فقيق فمات بها قولة محيتة.

زيارة نابوليون الثانية للجزائر

وفي سنة خمس وستين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة اثنين وثمانين ومائتين وألف ، قدم نابليون (الثالث) مرة ثانية إلى بر الجزائر ، فجاله لتفقد الرعية ، وحصلت منه الصلة العظيمة للمخزن خاصة وإعطاء الهدية ، ولشدة محبته للعرب ورغبته فيهم خاطبهم بالخطاب المقبول ، بأنه سلطانهم كما أنه سلطان النصارى بغير الملل. ونص خطابه وفصاحة جوابه :

٢٦٠