طلوع سعد السّعود - ج ٢

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ٢

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

يقال أن الذي قتله من جيش الأمير الشجاع الباسل ، الفارس الكامل السيد الحاج محمد بن أعوالي ، وهو من أعيان الغرابة قيادة وأغواتا فليس في قتاله بأحد يبالي ، وأصله من ذرية سيدي الناصر بن عبد الرحمان ، ولذلك حاز الفضل عن الأقران ، وفي عشية ذلك اليوم وقع التبديل ، بين بن يخّ وعبد الله أكماندار (كذا) فحصل التوصيل.

قال ، وبات الأمير شرقي الوادي والنصارى غربه ، وهو بينهما كالحاجز ، واشتغل النصارى من حينهم لتحصين أنفسهم في محل النزول ، لجعل المتارز ، وتفرّق عن الأمير الكثير من جيوش القبائل ، ظنا منهم / بتلك الواقعة أنه لا يستقيم أمره ولا يجمع شمله كالشمايل ، ولم يبق إلا في القليل من الناس وعسكره وهو لابث لمحلّه ومقرّه ، ولو لا أنّ الله أيّده بقبيل الغرابة المزيل لما به من الضيم واللّوم ، لتفرق جمعه وانقطع ملكه من ذلك اليوم.

ثم رجع الناس بعد المكاتبة ، وصار جيشه كأنّه لم يفترق للمضاربة.

معركة المقطع وضحاياها

وفي سابع عشرين جوان حصلت المكاتبة بين الجنرال والأمير ، على شأن مصالح الجرحى من العسكر بالتحرير ، وقد حصلت للنصارى الحيرة الكبيرة ، وضاعت للأمير المنفعة الكثيرة ، حيث تأخر عنهم عن القتال ، ولو اطّلع لنال المراد بأقرب حال ، واستمر الفريقان بالوادي المذكور ليلتين ، والحرب بينهما متصل والناس في تزايد بغير مين.

ثم رحلت محلة النصارى صباحا في اليوم الثامن والعشرين من جوان ، الموافق لليوم الثاني من ربيع الأول بالتبيان ، قاصدا مرسى رزيو لقربها ويكون ذلك سببا لخلاصها من العدو ونجاتها ، أحسن من رجوعها مع الزبوج البعيد المسافة عن وهران المكثّر لأمواتها ، فدارت (كذا) المسلمون بالعدو وركبت أكتافه ، واشتدت فتنتهم له ورامت انكفافه ، ومحو أثر تلك المحلّة ، التي مع كثرتها صارت مع هذا القتال في غاية القلّة ، ولا زال منادي الحرب ينادي بالقتال الأبادي إلى أن ملّت القلوب وعيت النفوس وكلّت الأيادي ، وقد تعاظم القتال

١٤١

واشتد في أرض حميان ، وتداولت الحملات من المسلمين على المحلّة من كل جانب ومكان ، وكان ذلك في فصل الصيف فاشتد على الفريقين القيظ الحار ، والمحلّة ماشية كأنها داخلة في وسط النار لكون قدور بالمخفي تقدّم إلى المرجة فأوقدها بالنار ، فكم من ميت مات في ذلك اليوم بالرصاص والنغش وكم من آخر مات بالعياء والعطش ، وأسرف جيش الأمير في تلك المحلّة بالقتل والأسر وسبي الأموال ، وهي مبادرة في مشيها للبحر ناحية المقطع بغير الانفصال واتفق الأمر أن الأدلة الذين يمشون بالمحلّة قد ذهلوا عن الطريق ، فتركوها ميسرة ومشوا ميمنة إلى أن دخلوا في المرجة فحصلت العجلات في الوحل لفقد الطريق ، وقد مسّ وقتئذ البعض من عسكر النصارى الرعب والهول ، وتضاعفت العرب واشتد لها الصول ، وهجمت على المحلّة هجوما عنيفا ، وتقدّمت لها تقدّما كثيفا ، وتسارعت لها بالقتل والنهب ، وشدة الطعن والضرب وتيسّرت لها سائر الوجوه ، وعظم الأمر على ذي العقل وأحرى المعتوه ، ودارت طواجين المنايا على رؤوس الرّاجلة والفرسان وتطايرت الرؤوس بذلك عن الأبدان ، وصارت القتلى من الجانبين تحت أرجل الخيل متداثرة ، وزهت العرب وصارت عقولها مستنيرة متكاثرة ، وقذف الله الخوف في قلوب من بقي حول العجلات ، ففرّوا هاربين لاحقين بمتقدم المحلّة من غير التفات ، إلى أن لحقوا بها بقصد المسالك وكانت المحلّة مفترقة / على ربوات هناك ، وصارت كبراء المحلّة في غم ولم يجدوا سبيلا للنجات (كذا) ، وكل من مات من النصارى قطعت العرب رأسه ، ونهبوا المحلّة ولم يمنع من قراريطها إلا واحدة ونكّس كل واحد من النصارى رأسه.

قال العلامة السيد الحاج أحمد بن عبد الرحمان الصديقي في كتابه ، وكان من الحاضرين للواقعة بغير ارتيابه ، وو الله إني رأيت الحجلة تطير يمينا وشمالا في أرض حميان ، ولا تجد منفذا ولا مسلكا حتى تنزل في حجر الراكب أو على رأسه بالعيان ، والأرنب والذئب (كذا) ليجريان كذلك ولا يجدان مأوى يخلصهما من الأسر والقتل ، حتى يقفان رأسا من غير ممسك بتحقيق النقل.

قال : ثم بعد هنيئة من الزمان حصل الكلام من كبراء النصارى لبعضهم بعض فنقرت ما لهم من الطبول ، وغنت ما لهم من المزامر بحنينها المقبول ، ونهضت المحلّة قائمة مجتمعة على ساق ، وبرزت للقتال جميعا من غير تراخ ولا

١٤٢

افتراق ، وامتزج فرقعة البنادق مع صوت المدافع ، فكانت موقعة بوقعات التتابع ، إلى أن أخذت العرب في القهقراء ورجع كل متقدم منهم إلى الوراء ، إلى أن بان للمحلّة صوب الذهاب ، وفرارها إلى المحل الذي لا تصاب فيه بالعطاب وهي جهة المقطع ، فعنت الربوات المتلاسقة (كذا) بالمقطع ، وجنحت بعد ذلك للبحر في المحقق ، ووصلت إلى رزيو ليلا لما أعطاها الله من الصبر وعدم الفلق ، فانجرح لها بالمرجة خمسة عشر نسمة ، ومات لها ما بين الزبوج والمقطع ستمائة نسمة ، ومات في ذلك اليوم من أعيان الغرابة البطل المفقود ، الشجاع القايد خليفة ولد محمود ، وانجرح الشجاع الباسل قدور بالمخفي ومات فرسه الأشقر ، وهو مع الأمير من جيش آغة الحاج المزاري الأفخر ، وقد صحّ في هذه الواقعة قول الشاعر :

وكم من فرقة في الحرب جأت

تركت كأنّها طعم السّباع

تركت ليوثهم في الحرب صرعى

على الرمضاء في تلك البقاع

قال واكتفى الأمير في ذلك اليوم بالغنيمة ولم يرد لحوقهم ، ولو لحقهم لفعل الله ما أراده في غيبه وترك سبوقهم.

ولمّا بلغ الخبر لوهران ، أتى الدوائر والزمالة بجيش حافل من وهران وقصدوا إلى رزيو مع الساحل ، متأسفين على عدم الحضور لتلك المعارك والمقاتل ، فرجعوا في يوم ثلاثين جوان بالخيالة وأهل المدفع والقراريط الذين وجدوهم بالمرسى مع البر لوهران ، كأنهم لم يقع بهم شيء من الهوان ، وأمّا الجنرال والأعيان وباقي العسكر ركبوا في البابور من مرسى رزيو لوهران ، فشكر الجنرال ترزيل وأعيان الدولة الذين معه فعلهم ، وقالوا لهم لمّا أتيتم بالمحلّة مع البر كأنّها لم يقع لها شيء ، وأزلتم عنهم جهلهم ، هكذا قاله بعض المؤرخين.

وقال آخران الجنرال ترزيل والعرب الذين معه صارت لهم معرة وملامة كبيرة من القبرنور (٢٠٦) في التبيين ، وسمي بالأعور ، لأنه أصيب بعينه في بعض الحروب فضاعت له وصار / كالأخفر.

__________________

(٢٠٦) يقصد : الحاكم العام من الكلمة الفرنسية : Gouverneur.

١٤٣

ولمّا جاء الأمر إلى الجنرال ترزيل بالدخول لافرانسا بالتصديق ، وذلك في ثاني عشر جليت (كذا) من السنة المسطورة بالتحقيق ، طلب منه المخزن من الدوائر والزمالة أن يجعل لهم بايا يكونون تحت أمره ونهيه بالحسن ، لكون من عليهما الاعتماد غائبين من المخزن ، وهما الحاج المزاري فإنه آغة الأمير بالمعسكر ، وعمه مصطفى بن إسماعيل فإنه بتلمسان في حكم الأمير أيضا بالمشتهر ، فجعل لهم إبراهيم أبا شناق التركي بغير المنن ، لأنه كان مستقرا بمستغانيم وقت ذهاب الباي حسن ، فذهب الجنرال ترزيل وجاء بمحلّه دارلانج (٢٠٧) جنرالا بوهران ، واستقرّ بها للغزو بغاية ما كان ، ولما رأى الأمير النصر له في واقعتي الزبوج والمقطع ، ظن أن الظفر له ليس بالمنقطع ، ولم يدر أنّ الدنيا يوم بيوم ، والدهر قاض ما عليه لوم ، جاء بجيشه لوهران حاركا ، وللمكث بقاعدته المعسكر تاركا ، وحين حل بساحتها خرج لقتاله الدواير والزمالة ، لأنهم نازلين بخيامهم تحت سورها رايمين خلف ما فات من واقعة الحمّالة ، وقد أغلقت النصارى أبواب المدينة من ورائهم ، لكون بعض الوشاة المكرهين لأفعالهم وآرائهم ، قالوا لهم أنهم يريدون إدخال جيش الأمير عليكم ، ويكون إتفاق العرب بأجمعهم عليكم ، فقاتلوا وحدهم الأمير بحسب الاستطاعة ، وقاوموه مقاومة العناية لرواج البضاعة ، من أول النهار للعشية ، ورجعوا بأمواتهم ومجاريحهم بالكلية ، ولمّا رأى النصارى ذلك خرجوا بالمدافع ، وتيقنوا أن تلك شيطنة المخابع ، فقاتلوا معهم بقية اليوم ، والمخزن معهم كأنّه الطيور الحائمة على البوم ، ورجع الأمير لمحلّه ، واستقر بمكانه لكلّه ، وقد مات من المخزن في ذلك اليوم الشارف ولد خليفة الداير ، ومن الزمالة الحبيب بن شايلة ، وانجرح الحاج الوزاع بن عبد الهادي من فمه برصاصة صائلة ، ومات لمحمد ولد قدور فرسه الأزرق ، وللحاج الجيلاني بن العمري فرسه الأكحل الأسبق ، ولعلي أبي تليليس فرسه الأشهب ، ولبن سعد بالعيشوش فرسه الحماري الأركب ، ومن جيش الأمير ما لا يحصى ، ومن المخزن ما لا به نقصا.

ثم نزل الأمير في ثامن أكتبر (كذا) من تلك السنة بتليلات ، فسمع به أبو

__________________

(٢٠٧) Darlange.

١٤٤

شناق وهو بمسرقين فدخل وهران بالإثبات ، وكان دخوله بأمر دارلانج الجنرال ، ومن الغد غزى الأمير مسرقين فحلّ بينه وبين المخزن شديد القتال ، مات فيه من جيش الأمير الكثير ، ومن المخزن اثنا عشر شجاعا منهم أبو حفص ، وسي غانم الدايران في القول الشهير ، ومحمد ولد عدة ، وقدور بوطمية الزماليان بغير التنكير ، وانجرح ثلاثون رجلا حالة التكرير ، كما انجرح فرس بن عيسى بن عودة الأشهب وهو فوقه يقاتل بالأرهب ، وذهب الأمير بأمر عسير / والمخزن في فوح كثير.

ثم بعد واقعة مسرقين ، جمع الأمير جيشه ونزل به بأغبال بالتبيين وبعث صديقه آغته المزاري البحثاوي في جيش من جملته الزين ابن عودة آغة بني عامر بقومه بالتعيين ، لأخذ مطمر الزمالة وهو مطمر أبي تليليس الذي بمسرقين ، فسمع به أبو شناق وأتاه بالمخزن حاركا من وهران إلى مسرقين ، وكان القتال بينهما شديدا ثم انفصلا بعد ذلك ورجع كل لمحلّه في الحين ، وفي هذه القضية جاء الحاج المزاري ظافرا بقلايع ، والزين بن عودة حصل في بلايع ، فاشتكى الزين للأمير المزاري ، بأنه رجع سالما بجيشه وهو ذرته المداري ، فأراد الأمير أن يتحقق بالخبر ، هل كان من المزاري الكر أو هو في الفر ، فأخبره من حضر للواقعة من الحشم والغرابة ، بأن الضرب كان شديدا من المزاري بجيشه وكان الفرار من الزين بجيشه مريدا الاسترابة ، وأنّ المزاري أتى بعدة قلائع من أبناء عمّه ، والزين أخذت منه القلائع ورجع في همّه ، فعند ذلك قال الحاج عبد القادر بن ونان آغة الغرابة للزين بن عودة غلظت في قولك يا مغرور ، كيف تنازع المزاري بقولك الذميم وتضاهيه بفعلك الرذيل وأنت وليت الأدبار ولست بصاحب السعي المشكور ، فشأنك المضاهة لي ولأمثالي ، لا للمازري يا من لست بذي المنزل العالي ، فقال الأمير لابن ونان كيف تقول هذا لخالي الزين وهو أكبر منك سنا بإعلان ، فقال له ابن ونان يا سيدي لا تنظر لسمنه فإنه كبقرة بني إسرائيل ، لأني أكبر منه سنا وإنما امتلأت بطنه من أكل مواشي بني عامر فعظمت لذلك وصار يضاهي سليل إسماعيل ، فتبسّم الأمير ضاحكا ، وقال للزين لقد صار قولك حالكا ، بهذا حدثني الفقيه السيد الحبيب بن الموفق وكان مع الأمير حاضرا ، ومن جملة الغرابة سامعا وناظرا.

١٤٥

وفي أوّل نونبر (٢٠٨) من تلك السنة حلّ بوهران جيوش افرانسوية لحماية وهران ، وإعانة لمن بها ذات أصناف ثلاثة بالبيان ، أحدهم من علامة إحدى عشر ، وثانيهم من علامة سبعة عشر ، وثالثهم من علامة سبع وأربعين ، فذهبت من حينها ونزلت بالكرمة وجعله خندقا محيطا بها كما جعلت بيوتا من التراب في الحين ، ثم جاءت محلّة أخرى من الجزائر من علامة الاثنين ، تحت رئاسة القبطان شنقرني (٢٠٩) بغير المين ، وتعاظم الجيش الفرانسوي بوهران ، وصار يريد الغزو بكل ناحية ومكان ، ولمّا نزلت الجيوش التي أتت من افرانسا بالكرمة ، ألفت بها محلّة كبيرة مخندقة على نفسها جاعلة طبابين من التراب لنيل الحرمة ، وفي نصف نوانبر (كذا) وقيل في الرابع والعشرين منه جاء المريشال كلوزيل (CLAUZEL) ومعه دوك دليان (٢١٠) من الجزائر لوهران وجيوش عددها اثنا عشر ألفا ، بقصد الغزو على المعسكر مدينة الأمير قصد اشضفاء (كذا) فعيّن له المخزن ألف جمل لحمل الأثقال ، وركبوا معه في خمسمائة فارس من الأبطال ، فاحتوت المحلّة على / ثلاثة رؤساء وهم المريشال كلوزايل والجنرال دارلانج والباي إبراهيم أبو شناق ، مع جملة الجيش العرمرم ما بين النصارى والمخزن الحذّاق ، فكان حلولهم بتليلات في اليوم التاسع والعشرين من نوانبر (كذا) من سنة خمس وثلاثين وثمانمائة وألف المسيحي المشتهر ، ووقعت مقاتلة عظيمة ما بين الكرمة وتليلات ، مات فيها خلق كثير وصارت العرب تقطع رأس العاجز عن المشي من العسكر فدخله الخوف ولحق بعضه بعضا بإثبات ، وفي ثلاثين منه باتت المحلّة بسيق ، وحصل القتال الشديد بين المحلّة والبوحميدي خليفة الأمير بتلمسان بالتحقيق ، وذلك بقرب ضريح سيدي أعمر امهاج المهاجي ، وكان للخليفة الظهور فلم يعنه الأمير بالجيش لأمر حصل فيه التناجي ، وكثر باليل (كذا) على المحلّة نوح الذياب واختلست اللصوص من المحلّة ما حل به الارتهاب ، وأقامت المحلّة بسيق إلى أوّل دسانبر ، وقد قتل منها نحو المائة فرحلت ونزلت بهيرة في القول الناير ، ولما وصل الفريقان لغاية سيدي مبارك بن

__________________

(٢٠٨) يقصد نوفمبر ١٨٣٥ م.

(٢٠٩) يقصد : الضابط شانقارني : Changarnier.

(٢١٠) يقصد : الدوق دورليان : Le Duc D\'orlean.

١٤٦

بخباخ ، كثر القتال بينهما وظهر الوبال واشتد الصراخ ، ولم يفترقا من المقاتلة إلّا بعد الشفق ، فجاوزت المحلّة الوادي إلى الجهة الشرقية ونزلت بالرميلية أسفل مدينة باريق الآن في القول المحقق (٢١١). قال بعض مؤرخي النصارى وانجرح المزاري في هذه الواقعة ، لكنه جرح سلامة لا جرح الصاعقة وأخذوا للأمير مدفعين وقتلوا منه كثيرا بلا مين.

كلوزيل يحرق مدينة معسكر

ثم ارتحلت المحلّة من الغد وذهبت مع طريق سجرارة ، وباتت بالعين الكبيرة مبيتة مختارة ، وصار الحرب كبيرا لما حلت بجبل البرج ، وكثر الهم ووقع الهرج ، وأمر الأمير أهل المعسكر بالانجلا (كذا) فانجلوا عنها ، ودخلها المريشال بجيوشه من الغد عند الغروب دون قتال فلم يجد بها أحدا منها ، وكان ذلك في الخامس عشر من شعبان ، الموافق لسادس دسانبر بالبيان (٢١٢) ، وأقام بها ثلاثة أيام وخرج منها مختارا ، بعد أن أخربها (كذا) وأضرمها نارا ، ورجع في راحة لمستغانيم ، مستبشرا بالفتح ونيل المغانيم ، وفي حال رجوعه اشتد البرد الشديد ، وكثر المطر العتيد ، لكون الفصل فصل الشتاء في صحيح الأقوال ، وقد مات للدوائر وحدهم في تلك الرجعة مائتا جمل فضلا عن الخيل والبغال وانقطعت محلّة دارلانج مع الكونفة (٢١٣) وغلب العدو الجيوش ، إلى أن رجع له المريشال فأطرده ، وصيّره العهن المنفوش.

الآغا المزاري ينضم للفرنسيين

ولمّا انجلا (كذا) الناس من المعسكر ، ورأى آغة المزاري أن الأمير قد غض منه البصر ، وصار لا يوافقه لا في النهي ولا في الأمر ، وسعى الوشاة بينهما

__________________

(٢١١) يقصد : مدينة المحمدية الحالية التي سماها الفرنسيون : Perregaux وهو اسم العقيد بيريقو أحد ضباط الاحتلال.

(٢١٢) يقصد عام ١٢٥١ ه‍ الموافق ٦ ديسمبر ١٨٣٥ م.

(٢١٣) يقصد القافلة من الكلمة الفرنسية : Convoi

١٤٧

وكثر القيل والقال وتفكّر العداوة السابقة فخشى منه النكال ، مع ما سمعه يوما حال دخوله / لمجلس الأمير غفلة ، وألفى الحشم يقولون له كل شيء سألناه منك فقضيته لنا إلّا حاجة لم تقضها ولنا ولك فيها وجلة ، فقال لهم الأمير أني عارف لما تريدونه منّي ، وأجاوبكم بما تأخذونه عنّي ، فقالوا له وما الذي عملت به من قولنا ، فقال لهم إنكم أردتم قتل المزاري وقدور بالمخفي قبل تمام حولنا ، فقالوا له والله لقد اطلعت على ما في قلوبنا من الأسرار ، وإنك لأنت حقا الشريف بن المختار ، فقال لهم من الآن تيقنوا بأني لا أقتلهما ولا واحدا منهما ، ولا أتعرّض لهما بسوء ولا لواحد منهما ، وإني لأعتقد أنهما يموتان ، عليّ في المعارك ، ولا لي مدافع من غيرهما في كلّ المعارك ، فكفّوا عن قولكم فيهما ، وانتهوا عمّا تقولونه لي فيهما ، فإذا أثبت الله يقيني فلا أصغي لما يقال فيهما ، فو الله لهما عندي أعز من كل عزيز وأحبّ من كل حبيب ، وأولى من كل ولي وأقرب من كل قريب ، ولا أسمع فيهما أبدا لكل واش ، ولا للأندال والأوباش ، ولا غش فيهما ولا خديعة وأنهما لفي الحالة المرضية المطيعة ، وأنّ الخديعة والغش في غير الدواير والبرجية ، بل في جميع المخزن أهل النية الصادقة والأحوال المرضية والأفعال الجيدة المرجية ، وأنهما لعضد من أعضادي ، فلا أقطع لرضائكم أعضادي.

قائمة جنود الآغا محمد المزاري

جزم بالذهاب لمستغانيم فقصد بأهله وجيشه لبني شقران ، وكان عدة جيشه وقتذاك الذين في خدمته اثنين وتسعين مقاتلا بالبيان ، وهم قرّة عينه ولده إسماعيل وعبيده الأربعة الملازمون له في الحضر والسّفر أصحاب الحقوق ، وهم : البركة ، ومحمد ، ومسعود ، ومرزق ، وأبناء عمّه الثلاثة النافعين له في الرخاء والشدة ، وهم : قدور الأقرع ، وأخوه محمد ، والحبيب أولاد عدّة ، وأولاد بالفرّاق الثلاثة باتّفاق ، وهم : قدور ، وعلي ، وابنه محمد بالفرّاق ، وأولاد بالغول الثلاثة في صحيح المقول ، وهم : الحاج قادة وابنه محمد ، ومصطفى بالغول ، وأولاد بن عاشت الأربعة في الثابت ، وهم : قدور ، ومحمد ، والمولود ، ومصطفى بن عاشت ، والأربعة أولاد بالشيخي ، وهم : أبو زيان ، وعبد الله ،

١٤٨

وعبد الله أيضا ، ومحمد بالشيخ ، وشاوش آغة الحاج عدّة بالمولود ، وابنه محمد ، وصنوه محمد بالمولود ، وربيبه الحاج العربي قارولد قدور ، ومحمد الشرقي بالانتعاش ، وأولاد بن دعلاش الاثنان وهما : محمد ، ومصطفى بن دعلاش ، ومحمد بن دحّ ، وقدور الأكحل ، وعلي بن عايد ، وبن دحّ بارتفاق ، وعبد القادر بن بركات ، وعابد بن بركات ، وبن عبد الله بن صواف ، وقدور بوزيد ، والسنوسي ولد عبد الرحمان ، والحبيب ابن مقايز ، وأولاد التيجيني الاثنان وهما : محمد وصنوه عدّة بن جريرة ، والحبوشي صاحب بالغول المناهز ، والحاج قانة والرويعي بن كرّوم ، وأبو خديمي وصهره البغدادي وقويدر صهر قدور بوزيد العكروم ، وعدة بالبكوش الحمياني وخالة بن سونة وقادة بالمغني في غاية البياني ، وعلي أبو عمامة / والصايم ولد العرجة والحاج محمد بالوهراني ، والشارف بن عبيد ، والعربي بالقايد ، وصهره محمد بالضياف كثير المزاحة ، وسي المداني ، وقدور بوروبة وسليمن (كذا) بن زيدور البوشيخي وعبد الرحمان بالمصابيح ولد بن ساحة ، وقارة محمد وأخوه عدة والحاج عبد القادر بن عبد الله والحاج الهاشمي بن محلّة وخاله بن شعشوع ، وأحمد بن يخلف والبكوش وعبد القادر السّماتي والجيلاني بن الخالدي وصهره محي الدين المشنوع والشيخ بن دحّ وبالخير قهواجي الباي ، وسي التامي ومحمد ولد البرقي وبن يوسف الشرقي ، فهؤلاء السبع والسبعون كلهم من الدوائر.

ثم من الزمالة خمسة عشر بغير التدابير ، وهم سي الحبيب بوزندار الخوجة ومحمد ولد قاسم وشاوشه بن تبينة وأبو لوفة بن ونزار ومحمد ابن ونزار ، والحاج محمد ولد إبراهيم الونزاري وصهره محمد السني باشتهار ، والبشير بالزبير وبن يحيى بالزبير وأبو معيزة وحسن ابن فريحة ومحمد بالعيشوش ، ومحمد بن شملول ومحمد بونيف وعبد القادر بالعيشوش. وجدّ السير مع خليفته محمد ولد علي بن حميدة كبير بني شقران بجيشه أيضا ، إلى أن نزل بغلّال من مزارع بني شقران فبات به لكثرة المطر المتزايد فيضا ، ثم انحدر لفرقوق من تلك البلاد فخيّم به قلائل أيام ، واقتضى نظره أنه لا يليق به المكث بذلك المحل بإلزام ، فارتحل ونزل بعريش طوبال من بلاد البرجية ، فأتاه البرجية ورائسهم (كذا) قدور بالمخفي بالضيافة والهدية ، وفرحوا به بغاية الفرح والسرور ، «وقالوا الحمد لله

١٤٩

الذي أذهب عنا الحزن إنّ ربنا لغفور شكور» ، فاطمئنّت (كذا) نفسه لمّا حلّ بأخوته وعرشه ، ثم تشاور معهم على الانتقال لمستغانيم والإذعان للدولة لإزالة وحشه فوافقوه على ذلك وقالوا رأيك أصوب ، وتدبيرك أعز وأطرب ، لاكنّا (كذا) لا نذهب حتى نقتسموا (كذا) إبل الأمير ، فإنها بقربنا فقال لهم معاذ الله أن نفعلوا (كذا) ذلك ولا نأخذ لأنفسنا شيئا من رزق الأمير ، ثم بعث مكتوبه خفية للباي إبراهيم أبي شناق ، بمستغانيم ، وسأله الأمن له ولمن معه في حال الإذعان ونيل المغانيم ، فأجابه الباي بأهلا وسهلا ، ومرحبا بك وبمن معك وقولك أفضل وأولا (كذا) ، وكان معه من البرجية تسعة أنفار بغير التخفي وهم : قدور بالمخفي ، وابنه محمد ، وأخوه المجاهد بالمخفي ، وعبداه أبو عبدلة وباهي ، وشاوشه الحبيب بالغماري ، وأبناء عمّه الثلاثة وهم محمد ولد قيشة ، ومحمد الكعبري ، وسي محمد بالصحراوي في القول المختاري.

فارتحل بهم ليلا في العشرة الأخيرة من شعبان ، سنة إحدى وخمسين ومائتين وألف الموافقة للسنة المسيحية المسطورة (٢١٤) فانصدع عليه الفجر بمزغران ، فألفى بها من رزيو ثلاثة أنفار وهم سي محمد بالماحي ، وسي محمد بالحاج ، والربيب ، فاجتمع جيشه مائة وأربعة فيه غناء لكل محتاج ، فتلقاه الباي إبراهيم أبو شناق بالفرح والسرور ، والترحب والانبساط الكثير الحبور.

ولمّا سمع بقدومه المريشال كلوزايل وهو بوهران بعثت (كذا) الكماندار (كذا) يوسف العنّابي ليامنه (كذا) ويأت (كذا) به وهران فجاءه يوسف وذهب به وبالباي إبراهيم أبي شناق وقدور بالمخفي فلمّا حلّ الجميع بوهران ، ومثّلوا بين يدي المريشال بشّ في وجوههم وفرح بهم كثيرا وأثنى على المزاري وقدور بالمخفي / بخير وإحسان ، وجعل له راتبا سنويا مؤقّتا شهريا للإنفاق ، وصيّره آغة وطن وهران وخليفة علي الباي إبراهيم أبي شناق ، كما جعل لقدور بالمخفي راتبا يوافقه ، وولّاه آغة المزاري منصبا يطابقه ، فمنها الباي إبراهيم أبو شناق وقدور بالمخفي رجعا لمستغانيم بأمر المريشال ، ومنها آغة المزاري مكث بوهران أمدا

__________________

(٢١٤) الموافق منتصف ديسمبر ١٨٣٥ م.

١٥٠

لترتيب الأحوال ، فأخّر من المنصب عدة ولد عثمان وجعل بدله آغة على الدواير الحاج الحبيب بالشريف الكرطي التلاوي وجعل له قائدا محمدا بالبشير البحثاوي بإتقان ، وأخّر على الزمالة من المنصب الحاج الوزاع بن عبد الهادي وجعل بدله آغة محمد بالمختار وجعل له قائدا قدور بالصحراوي المعروف بولد درباك للاشتهار.

مصطفى بن إسماعيل يستنجد بالآغا المزاري

قال فبينما هو جالس في بعض الأيام ، ويتدبر في أحوال الأمر كيف يكون لغاية الاحتكام ، وإذا برسولين أحدهما يقال له العربي بن حطاب والآخر غاب عني اسمه لكنّه من المقان على يد الحاج محمد بن عبد الهادي المقني جاءاه من عند عمّه مصطفى بن إسماعيل ، بكتاب يقول له فيه أخبرك بأن تلمسان انجلا عنها أهلها وهم باعلا (كذا) عوشبة ولم يبق فيها إلا القرغلان (٢١٥) وهو وإياهم مع الأمير في أرذل الأجاويل ، وأنّ أكثر القرغلان اتفق مع الحضر على تسليمي للأمير ، ولم يبق معي في الكلمة والنعرة والنصرة إلا أبو جنان بحومته وإني أخشى على نفسي حينئذ من فتك الأمير ، فلا بدّ من قدومك لأخذي بمن معي من غير التأخير ، كما بعث مصطفى والقرغلان كتابا للمريشال كلوزيل أيضا ، وسألوه القدوم لتلمسان فرضا ، فبعث المزاري لعمّه رسولا يعلمه بأنه قادم للإتيان به بالجد لا الهزول فأكل السّبع الرسول بشبعة اللحم قبل الوصول.

كلوزيل يغزو تلمسان

ثم ذهب للمريشال وأخبره بذلك ، فقال له قد بلغني الخبر وما تراه الآن في ذلك فقال له المزاري لا بد من الذهاب لتلمسان ولو وحدي ، وسترى إن شاء الله ما يكون في قصدي ، فإني آخذها مع غيرها عنوة ، ولا يكون إلا الفتح بإذن من به الحول والقوّة ، ففرح المريشال بكلامه وأثنا عليه خيرا وعلم أن ذلك سيكون فورا ، فجهّز المريشال محلّة من ستة إلى سبعة إلى ثمانية آلاف مقاتل ،

__________________

(٢١٥) الكراغلة هم العناصر التركية ذات الأم الجزائرية ، والأب التركي.

١٥١

وكانت الإقامة على المخزن بأمر آغة الحاج المزاري وهي اثنا عشر مائة دابة ما بين الخيل والبغال والإبل لحمل المؤنة (كذا) بلا قول لقائل ، وخمسمائة من البقر وأربعون فرسا من عتاق الخيل وصحب معهم من المخزن من يعرف الطريق للسير في النهار واليل (كذا) ولمّا سمع كبراء أنقاد ومن جملتهم أولاد الشيخ بالغماري الذي قتله الأمير شنقا بالمعسكر وهم بقرب تلمسان ، بقدوم المحلّة صحبة المزاري أتوها مسرعين بقصد الإذعان ، ولمّا بلغ الخبر للأمير وهو بالمسيد من بلاد أولاد سليمان ، جمع جيشه من الحشم وبني عامر ومن في سلكهم بالإتقان ، وهجم به من الغد على أنقاد غفلة وهم بالمنصورة ، فحرق خيامهم وقتل كل من اتصل به بالقتلة المقهورة ، ولمّا سمع القرغلان ضرب البارود المترادف بناحية أنقاد الذين في حالة الكروبة ، أدركوهم للإغاثة فأتى الأمير من ورائهم وقتل منهم خمسا وسبعين مقاتلا واجترّ رءوسهم (كذا) وبعثها للمعسكر فعلّقت بالأسوار وتعرف تلك الواقعة بقصّة عوشبة.

ثم بعد ثلاثة أيام دخلت المحلّة / تلمسان ، وخيّمت بديار الحضر منها لانجلائهم لبني ورنيد وبني صميل ولم يبق بها إلا القرغلان ، وكان ذلك في اليوم الرابع عشر من رمضان من السنة العربية المقررة البيان ، الموافق لثالث عشر جانفي سنة ست وثلاثين وثمانمائة وألف بعد ما خرجت في ثامن جانفي تلك السنة من وهران ، وقتل العلامة الأفرد السيد محمد بن مزيان ، صبرا بعد الظفر به بالعيان ، وكان الدخول لتلمسان من غير قتال وجعلوا بها بايا يقال له مصطفى ولد المقلش ، إلا أنه ضعيف الرأي وحكمه في التعش.

ثم خرج المريشال (كذا) بعساكره ومعه الحاج المزاري ومصطفى بن إسماعيل كل منهما بقومه أيضا ، والباي بجيشه من الترك والقرغلان محضا ، وقصدوا الأمير وهو بالجبل الذي بين الصفصيف وعميّر ، ووقع القتال الذريع الذي للأرواح مغيّر ، انجلا فيه الأمر بفرار الأمير وسؤاله للنجات (كذا) بعد ما سبي من جيشه خلق كثير بالثبات.

واختلف مؤرخوا النصارى في عدد المخزن الحاضر لتلك الواقعة فقال بعضهم جملته أربعمائة مقاتل تحت رئاسة المزاري الذي في الحرب بمنزلة

١٥٢

الصاعقة ، لنظر يوسف العنّابي كثير الطعن والضرب ، وبذلك كتب المريشال في عرض حال لوزير الحرب ، قائلا له من كثرة زعامة العرب الذين معنا من الدواير والزمالة ، وخفتهم في القتال وشدتهم في الطعن ومحبّتهم في التقدم أمامنا لم يضرب أحد من عسكرنا في هذه المقاتلة رائمين للجمالة ، وقال بعضهم كان عددهم ألفا وثلاثمائة فارس مقاتل وفي أقل من لحظة العين فتكوا بجيش الأمير من غير مقافل ، وخرجت المحلّة من تلمسان صباحا ومعها المزاري ومصطفى بن إسماعيل فقطعت واد يسر ووقفت بروة (كذا) هناك ، دون قبة سيدي محمد بالأحسن لنيل المسالك ، وكانت تحت رئاسة الجنرال دارلانج ومصطفى والمزاري ، فلم تر شيئا ورجعت بغير التماري.

ثم خرج الجنرلان دارلانج وباريق (بيريقو) الذي تسميه العرب بأبي القباب ، لكونه مهمى نزل بقرب قبة إلا ويبيت بها بغير الارتياب ، والقبطان كافنياك (CAVAIGNAC) كل منهم بالمحلّة العظيمة ، وقصدوا الأمير وهو ببني ورنيد فاطردوه من هنالك بالطردة الجسيمة ، وأتوا بجميع التلمسانيين فادخلوهم لتلمسان ، وحصل منهم من وقتهم للدولة الإذعان ، وتلاقى المزاري ومصطفى في ذلك اليوم بالأمير بجيشه ، فقتلوا منه كثيرا وداموا على ذلك إلى أن هزم واتبعوه لجبل تيزي وقد أبطل من فيشه ، ورجعوا في أمن وأمان ، ظافرين بالغنائم والأسارى بلا توان.

قال وفيها اجتمع المزاري مع المريشال كلوزيل وقال له من عادتنا أن لا يتقدم الصغير مع وجود الكبير بكل الموزيل ، والآن إني خلعت نفسي لعمي مصطفى فيبقى هو الكبير بالجهة الغربية ، وأنا أرجع إلى مستغانيم كبيرا لتدويخ الجهة الشرقية ، فوافقه المريشال على ذلك الرأي السديد ، وأثنى عليه بالثناء الجميل الذي ليس عليه من المزيد وبقّى عمّه / والمريشال وأرباب الدولة على خير ، ورجع لمستغانيم فمكث بها مع الباي إبراهيم أبي شناق لإزالة كل هول وضير ، وصار تارة يجتمع مع عمّه لتدويخ الأعراش ، وتارة يبقى كل بجهته بالعز والاقتراش.

١٥٣

معركة تافنة

ثم خرج المريشال في أربعة آلاف رجل ومعه مصطفى في خمسمائة مقاتل من مخزنه من تلمسان لرشقون ، وكان ذلك في اليوم الرابع والعشرين من جانفي سنة ست وثلاثين وثمانمائة وألف بعد ما ترك بتلمسان محلّته تحت رئاسة الجنرال الباريق (بيريقو) الناظر بها لكل ما كان وما يكون ، وغرض المريشال أن يجعل طريقا تمر له من تلمسان ومدينة به بحرية لأنه مرسى ويسهل القدوم له من البحر وبه المراكب ترسى ، وفي الخامس والعشرين منه نزل بملتقى يسر وتافنة ، وفي السادس والعشرين منه تقاتلوا مع الأمير بكل حافنة ، وآل الأمر إلى انهزام الأمير ، بعد ما قتل المخزن من جيشه عشرين نفرا وأتى برءوسهم للمارشال (كذا) بالحال الهزير ، وكان النزول بالجهة الغربية من الوادي عشية ، وفي السابع والعشرين منه تكرّر القتال ، وتعاظم الحرب والنّزال وتيقن المريشال بعدم الخلاص ، وصارت الناس في هول كيوم الأخذ بالنواص ، فبعث للجنرال باريق (بيريقو) بتلمسان ليأتيه بالعجلة ، فجاءه في تلك اليلة (كذا) ، فألفى الأمير بقبائله وجيوشه متكاثرة وكانت المحلّة غالبة فصارت مغلوبة متداثرة ، وقد هجم مصطفى على الأمير غفلة في نصف النهار فهزمه وقتل منه كثيرا ، وأخّره من مكانه تأخيرا كبيرا ، وحازه في ذلك الوطاء بالمتوز الكبير (كذا) ولم يتيسّر للأمير عبور الوادي إلا بالتعب الكثير ، ودخلت المحلّة تلمسان بالفرح والسرور ، ولعبت العرب كعادتها بضرب البارود بغاية المسابقة والعبور ، وقبل واقعة تافنة وقعت المقاتلة بين الأمير والمحلّة ، بمحل يقال له بيدر إلى أن صار الأمير في المحلّة.

ثم ضرب المريشال (كذا) غرامة حربية على التلمسانيين الذين ظفر بهم ، وترك ستمائة مقاتل مع خمسة أو ستة آلاف ما بين تركي وقرغلي بالمشور تحت رئاسة القبطان كافنياك وزاد ستة أشهر لذلك الجيش الفرانسوي بكلهم ، وترك له المرضى وأخذ لجيشه زاد خمسة أيام ورجع لوهران ، فخرج في سابع فبري (كذا) من تلك السنة من تلمسان ، ومعه مصطفى بمخزنه ومصطفى ولد المقلش مع بعض القرغلان فمرّ بأولاد الزاير وملاتة إلى أن دخل وهران في اليوم الثالث عشر فبري (كذا) بالبيان ، ولما حلّ برجم العيساوي في حال رجوعه في عاشر فبري (كذا) المذكور ، وقعت له مقاتلة به مع الأمير في غاية ما يكون إلى أن حل

١٥٤

بالأمير الفرار المشهور ، فنالت المحلّة من جيش الأمير وهو لم ينل منها شيئا ، بل أخذت منه غنيمة وفيئا.

قال ، وكان المريشال معينا ثلاثة أناس من العرب ، يأتون له بالبراوات (كذا) من وهران لتلمسان مدة مكثه بها لنيل الأرب ، فاثنان منهم أكلهما السبع بجبل كريولس بالتحقيق ، والثالث صار يأتي بالبراوات (كذا) على رجليه في غاية التوفيق.

وفي التاسع عشر من فبري (كذا) المذكور ، سنة ست وثلاثين وثمانمائة وألف المسطور ، ذهب المريشال للجزائر ، وترك بمحلّه الجنرال دارلانج كبيرا على عمالة وهران للتراير / قائما مقامه في الأمور الحربية ، والتصرف بما شاء لإزالة الأمور الكربية ، وأمر الجنرال باريق بالذهاب بمحلّته لنواحي هبرة ومينة ، لكون أهل تلك النواحي طلبوا في القولة المبينة ، من الباي إبراهيم أبي شناق ، أن يذعنوا به على شرط أن تأتيهم محلّة من ناحية شلف ليزول عنهم كل شقاق ، فخرج الجنرال بريق في رابع عشرين فبري (كذا) من السنة المذكورة ، من وهران ليلا وقصد ناحية خروف في القولة المشهورة غازيا على الغرابة النازلين بوطاسيق ، وهم في غفلة من هذا الأمر الوثيق ، فوقع القتال الشديد ، والحرب الكثير العتيد ، وكان في جيش العدو وخيّالة لهم حرص كثير على القتال ، وفيهم طفل صغير السن يراهق البلوغ ، من أبناء الشيوخ أشد اجتهادا على النزال ، إلى أن أصابته رصاصة أشرفته على الهلاك ، فأخذه عبد له وحمله على سرجه وهرب به بقصد الأسلاك ، فباتت المحلّة في ذلك اليوم بسيق ، ومن الغد باتت بتليلات بالتحقيق وهجم عليها العدو في وقت السحور ، واشتبك هذا بهذا وصار القتال في غاية الأمور ودخلت المحلّة لوهران.

ثم جهز الجنرال باريق محلّة أيضا بقصد الذهاب للنواحي الشرقية للتدويخ والإذعان ، فخرج في ثالث أو رابع عشر مارس من السنة المذكورة ، ومعه مصطفى بن إسماعيل في خمس أو ستمائة فارس مقاتل من مخزنه أهل العناية المشهورة ، ومرّ بالساحل على رزيو وقديل في الأحوال الخرّاقة ، وفي اليوم الثاني وصل لفرناكة ببلاد العبيد الشراقة ، وجاءت أيضا محلّة مستغانيم تحت رئاسة

١٥٥

الجنرال والباي إبراهيم أبي شناق ، والشجاع الكرّار المزاري الذي لا يضاهيه كل نطّاق ، وكانت هذه المحلّة ضعيفة ، فاجتمعت بمحلّة وهران بفرناكة واندرجت فيها قولة وصيفة ، وفي الغد بينما المحلّة تحمل أثقالها قاصدة للفراطيس من بلاد البرجية بالتحرير ، وإذا بالحشم والغرابة وكافة أهل غريس أتوها سرعة وهم تحت رئاسة السيد بن فريحة بن الخضير المهاجي خليفة الأمير ، وكان مسموع الكلمة مشهورا في الحشم كأولاد سيدي قادة بن المختار ، فحصلت المقاتلة الشديدة بين الفريقين ومات من جيش الخليفة قايد القلعة السيد محمد بن الجيلاني وكان رجلا طويلا ضخما من الأخيار ، ثم انهزم جيش الخليفة واتبعه المخزن والسرسور إلى نواحي شارب الريح ، قرب مدينة بريق الآن من بلاد بني شقران في القول الصريح ، وغنم المخزن منه غنما كثيرة ، ثم في صبيحة الغد أخذت المحلّة العبيد الشراقة بجبل أبي زيري قولة شهيرة ، ومات من المخزن العربي بالقايد وانجرح محمد المحلّي ومات له فرسه ، كما مات لكل واحد من محمد ولد عدة ولد عثمان والشارف بن عبيد ومحمد ابن جريوة التجيني والعربي قار كلهم من جيش المزاري فرسه ، ثم ذهبت المحلّة بأجمعها للجهة الشرقية / قاصدة تدويخها وإذعانها بالأحوال الحقية ، فمرت بهبرة ونزلت بحاسي الغمري ببلاد بني غدّ فمكثت به للاستراحة يومين ، وزادت ليلّل ثم لمينا بغير مين ، وبها اجتمعت بمخزن شلف وهم أولاد سيدي عريبي والسحاري ، والمكاحلية ، والمحال ، فأذعنوا كما أذعن القلعية وغيرهم على ما يقال ، ولما خرجت المحلّة من أولاد سيدي السنوسي بقرب الملتقى تلاقت ببني زروال وأولاد خلوف وأولاد بورحمة في نار ما بين مينا وكلميت وحصل القتال ، فخرج مصطفى والمزاري كل بجيشه وأثخنوا فيهم غاية وعظم على العدو النّزال ، وانجرح المزاري والحبيب ولد عدة ولد عثمان ، كما مات الشجاع أبو زنبيل بغير بهتان ، وكان وصول المحلّة لمينا في ثالث عشر مارس ، ومجيء بن عبد الله ولد سيدي عريبي لها في ثالث عشرين منه في غاية البيان ، ثم رجعت المحلّة لمستغانيم ودخلت في أول إبريل لوهران ، وذهبت الجيوش للجزائر فلم يبق منها إلا ثلاثة آلاف بوهران ، ما بين المخزن والنصارى بتوضيح البيان ، وصارت الجهة الشرقية تحت المزاري تنظر للمكافحة والجهة الغربية تحت مصطفى تريد المناطحة ، ولما بلغ الخبر

١٥٦

للأمير بقلّة الجيش ، شرع في جمع جيشه من الجهة الغربية لإمرار العيش ، وخرج الجنرال دارلانج إلى البريدية ليجول ويطلع على الأمور فلم ينتج له شيء من الأمور الجديدية ، فجهّر العساكر التي جمعها الجنرال بريق وذهب بها في سابع إبريل من سنة ست وثلاثين المارة لأخذ حب بني عامر الذي بتاسلة وتدويخهم ، وكان جملة جيشه ألفين وأربعمائة مقاتل بتصريخهم ، ومعه من الزاد مسيرة خمسة أيام أو ثلاثة عشر بالتحقيق ، وذلك للدوران وبعد الطريق ، وقد أخذت محلّته على السبخة وقدمها له رسوخ ، فسمع الأمير بذلك واجتمع بجيشه في سبعة شيوخ ، وفي الثاني نزلت أعلا (كذا) واد الحمير بملاتة لكل عابر ، فأقامت به أربعة أيام وفي الخامس رحلت لتاسالة لتدويخ بني عامر ، والمخزن أمامها وقد أفرج له بنو عامر للجواز ، وخشية من حصول الانتهاز ، وأخذت حبّ المطمر بكل مالها ورجعت على حمّام أبي حجر إلى أن دخلت لوهران من غير متعرّض لها.

معارك واد تافنة

ثم في الثالث عشر من الشهر المذكور بالسنة ، خرجت المحلّة من وهران والمخزن أمامها إلى أن نزلت بوادي سنّان ولم تخش السّنة فكانت بالرابع عشر منه بالقطّارة ، وفي الخامس عشر منه للواد الغازر كثير العطّارة ، وبه تلاقت مع العدو خارجا من الجهة الغربية من سبعة شيوخ (٢١٦) فتقاتل معه من الصبح إلى الظهر بالقتال المزيل لليفوخ ، ومات من المخزن أكثر من ثلاثين نفرا ، ونزل الجنرال بمحلّته عشية الواقعة بمشرع مسعودة جهرا ، ومات من المحلّة خمسة عشر نسمة ، وانجرح سبعون نسمة ، وذلك في أقل من رمشة العين ، ونادى المنادي بالفراق والبين ، ثم من الغد نزلت المحلّة بشاطىء البحر يمين تافنة من غير قتال / ولا زال الأمير بسبعة شيوخ بجيشه رائما لعز وإقبال ، وكتب لطاعته بالجهة الغربية والصحراء على القدوم لديه قائلا لهم أني حصرت العدو بشاطىء البحر فلم يطق تقدما ولا تأخرا ولا ريب أتاهم منا القهرا ، فأتته النجوع بقوتها من كل

__________________

(٢١٦) سبعة شيوخ اسم قرية بالجهة.

١٥٧

جهة لنيل الأحور ، ونزل بهم قرب واد يسر وراء الجبل الذي بوسط الوادي المذكور.

ثم رحل الجنرال دارلانج من محله بجيشه بمخزنه قاصدا تلمسان لتبليغ المؤنة (كذا) لها بحسب الإمكان ، وكان جملة الجيش ألف مقاتل زيادة على اسكدرونين (كذا) ومدفعين ، وذلك عشية في الرابع والعشرين من الشهر المذكور بغير مين ، فصعد لموضع مرتفع بسيدي يعقوب ، ليرا (كذا) قوة العدّو وضعفه ويكون ببال في المطلوب ، فلم ير شيئا وظن أنه في أمان ، فبينما هو كذلك وإذا بالعدّو أحاط به غفلة من كل جانب ومكان ، ولم يخلص منه لا مدفع ولا بارود ، ولا قيام ولا قعود ، وتكاثرت منه الحملة ، واختلط الفريقان إلى أن أخذ الأمير مدفعا من المحلّة ، وكان مصطفى بن إسماعيل بمخزنه في جهة أخرى يقاتل العدو إلى أن دخل بجيشه في وسطه ، ولما سمع بأخذ المدفع هجم بجيشه وزاد في تقدمه إلى ردّ المدفع بعد القتال الكبير فلله (كذا) در المخزن ورايسه (كذا) مصطفى ينشطه ، وكادت محلّة الجنرال دارلانج تئول (كذا) للانهزام ، بعد انجراحه (كذا) وتفويضه الأمر للكولونيل كومب (COMB) على المحلّة خشية الانهزام ، ولو لا مصطفى بمخزنه والكولونيل كومب لحصل الفشل للنصارى جهيرا ، فإنه بعد رده للمدفع هجم بمخزنه عشر مرات وفي كلها يهزم العدو ويقتل منه خلقا كثيرا ، وكانت مدة المقاتلة أربعة سوائح (كذا) ونصف بالأقوال ذات الترجيح ، ولمّا رجع المخزن لمحلّة الكولونيل كومب أتوا معهم بثمانية وثلاثين نفرا منهم ما بين الموتى والمجاريح ، فمن الموتى المولود بن خدة وبن زايد ، وغيرهما من كل متزايد ، ومن المجاريح محمد بن الحضري والحاج بن الشريف ، والحاج الجيلاني بالعمري والصحراوي ولد علي وغيرهم مما لا يحصى اسمه للتعريف ، ومات للحاج ابن عودة ولد القادرة ومحمد بن صواق ، والصايم ولد علّال خيولهم باتفاق ، وكان العدو مهمى وجد أحدا من المحلّة طائحا (كذا) إلا ذبحه وغنم ما أراده وصبحه ، ومات من المحلّة صباحا ستون نفرا منهم ثلاثة من الأعيان ، وانجرح (كذا) مائتان وثمانون منهم سبعة عشر من الأعيان ، وهلك من جيش الأمير ما لا يحصى ، ولا يقدر عليه أحد في الاستقصى وهجم العدو في بعض اليالي (كذا) على المحلّة غفلة فأثخن فيها

١٥٨

إلى أن أيقنت الناس بالهلاك ، وضبط المخزن برائسه (كذا) نفسه للخلاص من ذلك والسلاك ، فدفع العدو بقدر ما له من الطاقة ، وقد ارتكب في تلك اليلة (كذا) أمورا شاقة ، ومكثت المحلّة بتافنة نحو الشهر إلى أن انقطع عنهم الزاد وقلّ ما بأيديهم لصوابهم ، فصاروا في نصف الشهر الأول قوتهم نصف الأكل وفي النصف الآخر قوتهم ربع الأكل وكذلك لدوابّهم /.

قال باش آغة السيد أحمد ولد قادي في كتابه وكان حاضرا لتلك الواقعة ذات الويل ، ثم رجعوا إلى المحلّة برشقون فمكثوا بها نحو الشهرين منحصرين حتى اضطروا لأكل لحوم الخيل ، وقال بعض مؤرخي النصارى وكان من الحاضرين للواقعة المذكورة ، وصبرت الجيوش على هذا الامتحان الذي به الواقعة المشهورة ، وفي العشية ذهبوا يلتمسون الحشيش في الموضع الذي صار فيه الحرب ، ولذلك حصلت الإقامة بتافنة حيث تكرر العطب ، وصارت الجيوش بعضها يخدم وبعضها يحارب ، وكل يوم هي في الهلاك والذهول المنجارب ، حتى ظننا ليلة من الليالي أننا هلكنا في مواضعنا ، ومن ذهب للحشيش أتى بسرعة للمحلّة ومكثنا بمواضعنا ، ومنع هيجان البحر المراكب من اتيان الزاد وتعاظم الرعد والمطر على العباد ، وضاعت المراكب بزادها ، ووقعت المشاجرة على لحوم الخيل الذين قتلهم العدو أو عطبها وتركها في نفادها وحصل الاذن في قتل خيول المدفع وتفريقة (كذا) لحمها على الجيش ، وضاعت الدواب من قلة الأكل وطالت الشدة على الجيش ، وذلك من خامس عشر إبريل ، إلى عشرين ميب (كذا) بالترتيل. ه (٢١٧).

وبعد هذه الواقعة بشهر وقع بين المخزن والأمير معركتان إحداهما ميمنة تافنة والأخرى ميسرتها تسميان بواقعتي الشباك ، لكون المعركة تقع بينهما على أخذ التبن من الاندر في الشباك ، وفي الرابع عشر من ميب (كذا) جاءهم شيء من الزاد ، وفي تلك المدة كان البعض من جيش الأمير يأتي من وراء فساطيط المخزن ويقول لهم أن نساءكم وأولادكم هم في السجن عند الأمير وما تركتمونه من أموالكم بنجعكم أخذناه وقسمناه بيننا فموتوا جوعا وحسرة لا نال منكم أحد

__________________

(٢١٧) لعله يقصد شهر ماي ١٨٣٦ م.

١٥٩

للمراد ، وكان الكلام الصادر صحيحا ، لأن الأمير أو خليفته البوحميدي ذهب ليلا لناحية وهران وجال بشاطىء البحر جولانا صريحا ، فخرج بالحفرة والمسيلة وهجم على بعض الدواوير من الدوائر فأخذ نساءهم وصبيانهم وأموالهم ونال للوطاير ، وكانت ثلاثة دواوير بالمعتبر ، وهم أهل الموفق وأهل الحبيب بالشريف كانوا نازلين في خروبة أولاد الباي في المشتهر ، وأهل قادي كانوا نازلين بعين النعجة في الحفرة قرب العنصر ، وقد مات من أهل قادي سي زلاط بالطاوي ، ومن غيره بن عبيد بالهاشم الخضراوي ، والشيخ بوعافية بالنبي والحاج الحبيب بن عودة المعروف بولد القادرة ، ومجاهد بالسنوسي وعدة بن سعد بالمشاهرة.

قال ولنرجع بالكلام إلى الناحية الشرقية فإن أهل مينا وشلف التحتاني السابقين الذكر لما أذعنوا حصل لهم الخوف من العدو وراموا للبرقية ، سألوا من الباي وآغة المزاري أن يجعلا لهم تأويلا ، وكانا لم يكن عندهما أمر على ذلك وخشيا أيضا على أنفسهما فارتحلا من مزغران لمستغانيم وراما تجاويلا ، غير أنّ الجيش الذي عندهما ما بين النصارى والمخزن ليست فيه كفاية ، لكون أكثره ، / بالجهة الغربية من أول الأمر لأخذه وجيشها ليست به وقاية.

قال ولنرجع بالكلام على الجنرال دارلانج بالجهة الغربية فإنه بعد واقعة سيدي يعقوب أراد أن يأخذ نصف الجيش ويدخل به لوهران ويترك النصف الآخر عسة بسيدي يعقوب إلا أنه لم يأته أمر على ذلك وتشاور مع مصطفى بن إسماعيل على السفر هل بالبرّ أو البحر في حال رجوعهم لوهران ، فقال له لا أعرف لا أنا ولا مخزني البحر ومعرفتنا البرّ على ظهور الخيل ، ولا عبرة بالعدو ولو كان عدده كالسيل ، وإنما الذي يذهب في البحر الأمراض لا غير ، وكانوا مائة وأربعين فركبوا مع العسكر وسافروا لوهران في البحر بالمحقق لا ضير.

ثم جاء الخبر بقدوم أربعة آلاف وخمسمائة عسكري في البحر للحماية والنصرة ، وإدراك المراد من العدوّ وحصول الظفرة ، فذهب الجنرال فورا لوهران ، ليتحقق بالخبر وعلى ما وقع من الغرابة وكان ، لكونهم لهم تسلط على وهران عظيم ، ولا فرق عندهم بين النصارى والمخزن ولهم تلصّص جسيم ، ثم

١٦٠