الأنوار اللامعة في شرح زيارة الجامعة

السيّد عبد الله شبّر

الأنوار اللامعة في شرح زيارة الجامعة

المؤلف:

السيّد عبد الله شبّر


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٤

متن الزيارة

٢١
٢٢

الزيارة الجامعة

السلام عليكم يا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي ومعدن الرحمة وخزان العلم ومنتهى الحلم وأصول الكرم وقادة الأمم وأولياء النعم وعناصر الأبرار ودعائم الأخيار وساسة العباد وأركان البلاد وأبواب الإيمان وأمناء الرحمن وسلالة النبيين وصفوة المرسلين وعترة خيرة رب العالمين ورحمة الله وبركاته السلام على أئمة الهدى ومصابيح الدجى وأعلام التقى وذوي النهى وأولي الحجى وكهف الورى وورثة الأنبياء والمثل الأعلى والدعوة الحسنى وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى ورحمة الله وبركاته السلام على محال معرفة الله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة الله وحفظة سر الله وحملة كتاب الله وأوصياء نبي الله وذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ورحمة الله وبركاته السلام على الدعاة إلى الله والأدلاء على مرضات الله والمستقرين (والمستوفرين) في أمر الله والتأمين في محبة الله والمخلصين في توحيد الله والمظهرين لأمر الله ونهيه وعباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ورحمة الله وبركاته السلام على الأئمة الدعاة والقادة الهداة والسادة الولاة والذادة الحماة وأهل الذكر وأولي الأمر وبقية الله وخيرته وحزبه وعيبة علمه وحجته وصراطه ونوره وبرهانه ورحمة الله وبركاته أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كما شهد الله لنفسه وشهدت له ملائكته وأولو العلم من خلقه لا إله إلا هو العزيز الحكيم وأشهد أن محمدا عبده المنتجب ورسوله المرتضى أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وأشهد أنكم الأئمة الراشدون المهديون المعصومون المكرمون المقربون المتقون الصادقون المصطفون المطيعون لله القوامون بأمره العاملون بإرادته الفائزون بكرامته اصطفاكم بعلمه وارتضاكم لغيبه واختاركم لسره واجتباكم بقدرته وأعزكم بهداه وخصكم ببرهانه وانتجبكم لنوره (بنوره) وأيدكم بروحه ورضيكم خلفاء في أرضه وحججا على بريته وأنصارا لدينه وحفظة لسره وخزنة لعلمه ومستودعا لحكمته وتراجمة لوحيه وأركانا لتوحيده وشهداء على خلقه وأعلاما لعباده ومنارا في بلاده وأدلاء على صراطه عصمكم الله من الزلل وآمنكم من الفتن

٢٣

وطهركم من الدنس وأذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيرا فعظمتم جلاله وأكبرتم شأنه ومجدتم كرمه وأدمتم (وأدمنتم) ذكره ووكدتم (وذكرتم) ميثاقه وأحكمتم عقد طاعته ونصحتم له في السر والعلانية ودعوتم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة وبذلتم أنفسكم في مرضاته وصبرتم على ما أصابكم في جنبه (حبه) وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم في الله حق جهاده حتى أعلنتم دعوته وبينتم فرائضه وأقمتم حدوده ونشرتم (وفسرتم) شرايع أحكامه وسننتم سنته وصرتم في ذلك منه إلى الرضا وسلمتم له القضاء وصدقتم من رسله من مضى فالراغب عنكم مارق واللازم لكم لاحق والمقصر في حقكم زاهق والحق معكم وفيكم ومنكم وإليكم وأنتم أهله ومعدنه وميراث النبوة عندكم وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم و فصل الخطاب عندكم وآيات الله لديكم وعزائمه فيكم ونوره وبرهانه عندكم وأمره إليكم من والاكم فقد وإلى الله ومن عاداكم فقد عادى الله ومن أحبكم فقد أحب الله ومن أبغضكم قد أبغض الله ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله أنتم الصراط الأقوم وشهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء والرحمة الموصولة والآية المخزونة والأمانة المحفوظة والباب المبتلى به الناس من أتاكم نجى ومن لم يأتكم هلك إلى الله تدعون وعليه تدلون وبه تؤمنون وله تسلمون وبأمره تعلمون وإلى سبيله ترشدون وبقوله تحكمون سعد من توالاكم وهلك من عاداكم وخاب من جحدكم وضل من فارقكم وفاز من تمسك بكم وآمن من لجأ إليكم وسلم من صدقكم وهدي من اعتصم بكم من اتبعكم فالجنة ماويه ومن خالفكم فالنار مثواه ومن جحدكم كافر ومن حاربكم مشرك

٢٤

ومن رد عليكم في أسفل درك من الجحيم أشهد أن هذا سابق لكم فيما مضى وجار لكم فيما بقي وأن أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض خلقكم الله أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين حتى من علينا بكم فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وجعل صلاتنا (صلواتنا) عليكم وما خصنا به من ولايتكم طيبا لخلقنا وطهارة لأنفسنا وتزكية (وبركة) لنا وكفارة لذنوبنا فكنا عنده مسلمين بفضلكم ومعروفين بتصديقنا إياكم فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين وأعلى منازل المقربين وأرفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يسبق سابق ولا يطمع في إدراكه طامع حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد إلا عرفهم جلالة أمركم وعظم خطركم وكبر شأنكم وتمام نوركم وصدق مقاعدكم وثبات مقامكم وشرف محلكم ومنزلتكم عنده وكرامتكم عليه وخاصتكم لديه وقرب منزلتكم منه بأبي أنتم وأمي وأهلي ومالي وأسرتي أشهد الله وأشهدكم أني مؤمن بكم وبما آمنتم به كافر بعدوكم وبما كفرتم به مستبصر بشأنكم وبضلالة من خالفكم موال لكم ولأوليائكم مبغض لأعدائكم ومعاد لهم سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم محقق لما حققتم مبطل لما أبطلتم مطيع لكم عارف بحقكم مقر بفضلكم محتمل لعلمكم محتجب بذمتكم معترف بكم مؤمن بإيابكم مصدق برجعتكم منتظر لأمركم مرتقب لدولتكم آخذ بقولكم عامل بأمركم مستجير بكم زائر لكم لائذ عائذ بقبوركم مستشفع إلى الله عز وجل بكم ومتقرب بكم إليه ومقدمكم

٢٥

أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي في كل أحوالي وأموري مؤمن بسركم وعلانيتكم وشاهدكم وغائبكم وأولكم وآخركم ومفوض في ذلك كله إليكم ومسلم فيه معكم وقلبي لكم مسلم وأني لكم تبع ونصرتي لكم معدة حتى يحيي الله تعالى دينه بكم ويردكم في أيامه ويظهركم لعدله ويمكنكم في أرضه فمعكم معكم لا مع غيركم آمنت بكم وتوليت آخركم بما توليت به أولكم وبرئت إلى الله عز وجل من أعدائكم ومن الجبت والطاغوت والشياطين وحزبهم الظالمين لكم الجاحدين لحقكم والمارقين من ولايتكم أو الغاصبين لإرثكم " و " الشاكين فيكم " و " المنحرفين عنكم ومن كل وليجة دونكم وكل مطاع سواكم ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار فثبتني الله أبدا ما حييت على موالاتكم ومحبتكم ودينكم ووفقني لطاعتكم ورزقني شفاعتكم وجعلني من خيار مواليكم التابعين لما دعوتم إليه وجعلني من يقتص آثاركم ويسلك سبيلكم ويهتدي بهديكم ويحشر في زمرتكم ويكر في رجعتكم ويملك في دولتكم ويشرف في عافيتكم ويمكن في أيامكم وتقر عينه غدا برؤيتكم بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي من أراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم وموالي لا أحصي ثناءكم ولا أبلغ من المدح كنهكم ومن الوصف قدركم وأنتم نور الأخيار وهداة الأبرار وحجج الجبار بكم فتح الله وبكم يختم الله وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وبكم ينفس الهم ويكشف الضر وعندكم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته وإلى جدكم (وإن كانت الزيارة لأمير المؤمنين " ع " فعوض وإلى جدكم قل) وإلى أخيك بعث الروح الأمين آتاكم الله ما لم يؤت أجدا من العالمين طأطأ كل شريف لشرفكم ونجع كل متكبر لطاعتكم وخضع كل جبار لفضلكم وذل كل شئ لكم وأشرقت الأرض بنوركم وفاز الفائزون بولايتكم بكم يسلك إلى الرضوان وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي

٢٦

ومالي ذكركم في الذاكرين وأسماؤكم في الأسماء وأجسادكم في الأجساد وأرواحكم في الأرواح وأنفسكم في النفوس وآثاركم في الآثار وقبوركم في القبور فما أحلى أسماءكم وأكرم أنفسكم وأعظم شأنكم وأجل خطركم وأوفى عهدكم وأصدق وعدكم كلامكم نور وأمركم رشد ووصيتكم التقوى وفعلكم الخير وعادتكم الإحسان وسجيتكم الكرم وشأنكم الحق والصدق والرفق وقولكم حكم وحتم ورأيكم علم وحلم وحزم إن ذكر الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه بأبي أنتم وأمي ونفسي كيف أصف حسن ثنائكم وأحصي جميل بلائكم وبكم أخرجنا الله من الذل وفرج عنا غمرات الكروب وأنقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار بأبي أنتم وأمي ونفسي بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا وأصلح ما كان فسد من دنيانا وبموالاتكم تمت الكلمة وعظمت النعمة وائتلفت الفرقة وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة ولكم المودة الواجبة والدرجات الرفيعة والمقام المحمود والمكان (والمقام) المعلوم عند الله عز وجل والجاه العظيم الشأن الكبير والشفاعة المقبولة ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا يا ولي الله إن بيني وبين الله عز وجل ذنوبا لا يأتي عليها إلا رضاكم فبحق من ائتمنكم على سره واسترعاكم أمر خلقه وقرن طاعتكم بطاعته لما استوهبتم ذنوبي وكنتم شفعائي فإني لكم مطيع من أطاعكم فقد أطاع الله ومن عصاكم فقد عصى الله ومن أحبكم فقد أحب الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك أسئلك أن تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم إنك أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل.

٢٧
٢٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على آلائه والحمد من آلائه والشكر على نعمائه والشكر من نعمائه والصلاة على محمد خاتم أنبيائه وعلى سيد أصفيائه وأوليائه وآلهما الطاهرين خيرة خلفائه وأمنائه.

«أما بعد» فيقول العبد الآثم العاصي الغريق في بحار الخطايا والمعاصي أفقر الخلق إلى ربه الغني (عبد الله بن محمد رضا الحسيني) ختم الله لهما بالحسنى ورزقهما خير الآخرة والأولى لا يخفي على أولي البصاير النقادة وأرباب الأذهان الوقادة وذوي العقول السليمة وأصحاب الأفهام المستقيمة أن الزيارة الجامعة الكبيرة أعظم الزيارات شأنا وأعلاها مكانة ومكانا وأن فصاحة ألفاظها وفقراتها وبلاغة مضامينها وعباراتها تنادي بصدورها من عين صافية نبعت عن (ينابيع الوحي) والإلهام وتدعو إلى إنها خرجت من السنة نواميس الدين ومعاقل الأنام فإنها فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق الملك العلام قد اشتملت على الإشارة إلى جملة من الأدلة والبراهين المتعلقة بمعارف (أصول الدين) وأسرار الأئمة الطاهرين ومظاهر صفات (رب العالمين) وقد احتوت على رياض نضرة وحدائق خضرة مزينة بأزهار المعارف والحكمة محفوفة بثمار

٢٩

أسرار أهل بيت العصمة وقد تضمنت شطرا وافرا من حقوق أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم وأهل البيت الذين حث الله عليه متابعتهم وذوي القربى الذين أمر الله بمودتهم وأهل الذكر الذين أمر الله بمسألتهم مع الإشارة إلى آيات فرقانية وروايات نبوية وأسرار إلهية وعلوم غيبية ومكاشفات حقية وحكم ربانية ولم يتفق لها شرح شاف يكشف النقاب عن وجوه معانيها وبيان كاف يفتح مغلق مشكلها وخافيها سوى ما اتفق من التعليق للعلامتين (المجلسيين) في البحار (وشرح الفقيه) وكنت أحدث نفسي بذلك وأروم ما هنالك وكان يعوقني عن ذلك قلة البضاعة وكثرة الإضاعة وحقارة الاطلاع في هذه الصناعة ورأيت أن ذلك بالنسبة إلى مثلي ممن لم يعض على العلوم بضرس قاطع ولم يعط التأمل والتتبع حقه في المواضع متعسر بل متعذر فشرعت مع تبلبل البال وتفاقم الأحوال في بيان ما أمكن منها بحسب المقدور إذ الميسور لا يسقط بالمعسور وضممت إلى ذلك أحاديث شريفة وأخبارا ظريفة تحل مشكلاتها وتبين مفصلاتها فإن كلامهم عليهم السلام يحل بعضه بعضا ونسئل الله الهداية والتسديد والعصمة والإرشاد والتأييد فإنه قريب مجيد عزيز حميد.

٣٠

مقدمة

(إعلم) أن هذه الزيارة قد رواها جملة من أساطين الدين وحملة علوم الأئمة الطاهرين وقد اشتهرت بين الشيعة الأبرار اشتهار الشمس في رابعة النهار وجواهر مبانيها وأنوار معانيها دلائل حق وشواهد صدق على صدورها عن صدور حملة العلوم الربانية وأرباب الأسرار الفرقانية المخلوقين من الأنوار الإلهية فهي كسائر كلامهم الذي يغني فصاحة مضمونه وبلاغة مشحونة عن ملاحظة سنده كنهج البلاغة والصحيفة السجادية وأكثر الدعوات والمناجاة وقد رواها شيخ الطايفة المحقة في (التهذيب) ورئيس المحدثين الصدوق في (الفقيه) و (العيون) وغيرهما عن محمد بن إسماعيل البرمكي الثقة عن موسى بن عبد الله النخعي عن علي الهادي عليه السلام وسند العيون هكذا (الدقاق) و (الشيباني) و (الوراق) و (المكتب) جميعا (عن الأسدي) عن البرمكي عن النخعي قال قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام علمني يا بن رسول الله قولا أقوله بليغا كاملا إذا زرت واحدا منكم فقال إذا صرت إلى الباب فقف وقل الله أكبر الله أكبر (ثلاثين مرة) ثم امش

٣١

قليلا وعليك السكينة والوقار وقارب بين خطاك ثم قف وكبر الله عز وجل (ثلاثين مرة) ثم ادن من القبر وكبر الله أربعين مرة تمام مائة تكبيرة ثم قل وساق (الزيارة) الآتية وفي الفقيه كذلك.

٣٢

إيضاح

المراد بالوقوف الوقوف على باب الروضة والإتيان بالشهادتين لتقدمهما رتبة أو للتيمن ولعل السر في الإتيان بالتكبير عند رؤية جلال كبريائهم للإشارة إلى أن (الله أكبر) كل كبير وأن الكبرياء والعظمة له تعالى أو لنزول الدهشة عن الداخل إلى محل كبريائهم والسكينة عبارة عن اطمئنان القلب (بذكر الله) وتذكر عظمته بل عظمة أوليائه وأصفيائه فإنها راجعة إلى عظمته والوقار اطمئنان البدن (وقيل) بالعكس ومقاربة الخطأ إما لأجل حصول كثرة الثواب فإن له بكل خطوة أجرا مقدرا أو لحصول الوقار.

(واعلم) أن هذه الزيارة الشريفة لا تحتاج إلى ملاحظة سند فإن فصاحة مشحونها وبلاغة مضمونها تغني عن ذلك فهي كالصحيفة السجادية ونهج البلاغة ونحوهما.

(وقال الفاضل التقي المجلسي) عند شرح هذه الزيارة ما لفظه هذه زيارة جامعة لجميع الأئمة عليهم السلام عند مشهد كل واحد ويزور الجميع قاصدا بها الإمام الحاضر والباقي والبعيد يلاحظ الجميع ولو قصد في كل مرة واحدا بالترتيب

٣٣

والباقي بالتبع لكان أحسن كما كنت أفعل (ورأيت) في الرؤيا الحقة تقرير الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام وتحسينه عليه السلام ولما وفقني الله تعالى لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام وشرعت في حوالي الروضة في المجاهدات وفتح الله تعالى علي ببركة مولانا أبواب المكاشفات التي لا تحتملها العقول الضعيفة رأيت في ذلك العالم وإن شئت قلت بين النوم واليقظة عندما كنت في رواق عمران جالسا أني بسر من رأى ورأيت مشهدهما في نهاية الارتفاع والزينة ورأيت مولاي ومولى الأنام صاحب العصر والزمان عليه السلام جالسا وظهره عليه القبر ووجهه إلى الباب فلما رأيته شرعت في هذه الزيارة بالصوت المرتفع كالمداحين فلما أتممتها قال صلى الله عليه فسلم نعمت الزيارة قلت مولاي روحي فداك زيارة جدك وأشرت إلى نحو القبر فقال نعم أدخل فلما دخلت وقفت قريبا من الباب فقال عليه السلام تقدم فقلت مولاي أخاف أن أصير كافرا بترك الأدب فقال عليه السلام لا بأس إذا كان بإذننا فتقدمت قليلا فكنت خائفا مرتعشا فقال عليه السلام تقدم تقدم حتى صرت قريبا منه عليه السلام قال اجلس قلت أخاف مولاي قال عليه السلام لا تخف فلما جلست جلسة العبد الذليل بين يدي المولى الجليل قال عليه السلام استرح واجلس مربعا فإنك تعبت جئت ماشيا حافيا والحاصل أنه وقع منه عليه السلام بالنسبة إلى عبده ألطاف عظيمة ومكالمات لطيفة لا يمكن عدها ونسيت أكثرها ثم انتبهت من تلك الرؤيا وحصل في ذلك اليوم أسباب الزيارة بعد كون الطريق مسدودا في مدة طويلة وبعد ما حصلت

٣٤

الموانع العظيمة ارتفعت بفضل الله وتيسرت الزيارة بالمشي والحفا كما قاله الصاحب عليه السلام وكنت ليلة في الروضة المقدسة وزرت مكررا بهذه الزيارة وظهر لي في الطريق والروضة كرامات عجيبة بل معجزات غريبة يطول ذكرها.

والحاصل أنه لا شك أن هذه الزيارة من أبي الحسن الهادي بتقرير الصاحب عليه السلام وأنها أكمل الزيارات وأحسنها بل بعد تلك الرؤيا كنت أكثر الأوقات أزور الأئمة عليهم السلام بهذه الزيارة في العتبات العاليات ما زرتهم إلا بهذه الزيارة.

إنتهى كلامه رفع مقامه وهو الثقة العدل الصادق المصدق وربما يتوهم التنافي بين قوله رضي الله عنه رأيت في ذلك العلم وإن شئت قلت بين النوم واليقظة وقوله بعد ذلك ثم انتبهت من تلك الرؤيا ولا منافاة في ذلك فإن رؤياه رضي الله عنه كانت في عالم الانخلاع عن الطبيعة البشرية وتوجه القلب إلى العوالم الملكوتية وتحلي النفس القدسية بالفضائل الفواضل الفيضانية ورجوع النفس المطمئنة إلى ربها راضية مرضية ولما كان ذلك تعجز عنه العقول القاصرة والأفهام الكاسدة الفاترة وتعده أمرا عظيما وخطبا جسيما عدل رضي الله عنه عن التعبير الأول بقوله وإن شئت قلت بين النوم واليقظة كما يتفق ذلك لساير الخلق ولذا أطلق عليه بعد ذلك الرؤيا لا يقال كيف يمكن ادعاء رويته عليه السلام في غير المنام وقد ورد عنهم في التوقيع لعلي بن محمد السمري على ما في الاحتجاج والاكمال وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج

٣٥

السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر لأنا نقول إن ذلك محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه عليه السلام إلى الشيعة الأبرار على نحو السفراء والنواب وإلا فقد استفاضت الأخبار وتظافرت الآثار عن جمع كثير من الثقات الأبرار من المتقدمين والمتأخرين ممن رأوه وشاهدوه في الغيبة الكبرى وقد عقد لها المحدثون في كتبهم أبوابا على حدة وسيما العلامة المجلسي رضي الله عنه في البحار وصرح بحمل هذا الخبر ونحوه على ذلك لئلا ينافي سائر الأخبار.

٣٦

شرح الزيارة

٣٧
٣٨

السلام عليكم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(السلام عليكم) قد اختلف في معنى هذا اللفظ فقيل معناه الدعاء أي سلمت من المكاره وقيل معناه اسم السلام عليكم وقيل معناه اسم الله عليك أي أنت في حفظه كما يقال الله معك وإذا قيل السلام علينا أو السلام على الأموات فليس المراد به الإعلام بالسلامة يقينا وربما يقال أن معناه الدعاء بالسلامة لصاحبه من آفات الدنيا أو عذاب الآخرة أو كليهما ثم وضعه الشارع موضع التحية والبشرى بالسلامة واختار لفظ السلام وجعله تحية لما فيه من المعاني أو لأنه مطابق للسلام الذي هو اسم من أسماء الله تعالى تيمنا وتبركا وكان قبل الإسلام يحيى به قليلا وبغيره أكثر فلما جاء الإسلام اقتصر عليه وصارت تحية. الإسلام السلام ويجوز الإتيان به منكرا تبعا للكتاب ومعرفا ولعل التعريف أزين لفظا وأبلغ معنى وعلى تقدير أن يراد بالسلام اسم الله تعالى عليكم فوجهه أن خاصية ذلك الاسم الرحمة والسلامة أو يراد ذات الله المتصف بالسلامة مما لا يليق به عليكم بأن يرحمكم ويسلمكم منها.

٣٩

يا أهل بيت النبوة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(يا أهل بيت النبوة) أهل البيت هم الأئمة عليهم السلام لأن النبي منهم والرسالة نزلت في بيوتهم وأهل البيت أعرف بما فيه وفي الحديث لا تحل الصدقة لمحمد وآل محمد وسأل الصادق عليه السلام من الآل فقال ذرية محمد فقيل له من الأهل فقال الأئمة وفي معاني الأخبار سأل من آل محمد فقال ذريته فقيل ومن أهل بيته قال الأئمة قيل ومن عترته قال أصحاب العبا قيل فمن أمته قال المؤمنون قال بعض أرباب الكمال في تحقيق معرفة الآل ما ملخصه أن آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل من يؤول إليه وهم قسمان (الأول) من يؤول إليه مآلا صوريا جسمانيا كأولاده ومن يحذو حذوهم من أقاربه الصوريين الذين يحرم عليهم الصدقة في الشريعة المحمدية (والثاني) من يؤول إليه مآلا معنويا روحانيا وهم أولاده الروحانيون من الأولياء الراسخين والعلماء الكاملين والحكماء المتألهين. المقتبسين للعلوم من مشكاة أنوار خاتم النبيين ولا ريب أن النسبة الثانية آكد من الأولى وإذا اجتمعت النسبتان كان نورا على نور كما في الأئمة المشهورين من العترة الطاهرين وكما حرم على الأولاد الصوريين الصدقة الصورية كذلك حرم على الأولاد المعنويين الصدقة المعنوية أعني تقليد الغير في العلوم الإلهية والمعارف الربانية الأحكام الشرعية إنتهى.

والنبوة في الأصل بمعنى الرفعة وسمي النبي نبيا لأنه ارتفع

٤٠