شرح أبيات سيبويه - ج ٢

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي

شرح أبيات سيبويه - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي


المحقق: الدكتور محمّد علي سلطاني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٣
الجزء ١ الجزء ٢

التي يسير فيها إلى من يرجوه ويأمل معروفه ، ثم قيل لكل طالب : خابط ومختبط. ويجوز أن يكون من قولهم : خبطت الشجرة إذا جمعت أغصلنها ، ثم ضربتها ليسقط ورقها ، فتعلفه الإبل ، ثم قيل لكل طالب : خابط. وهذا الوجه أحب إلي من الأول.

ومثله لزهير :

وليس مانع ذا قربى ولا رحم

يوما ولا معدما من خابط ورقا (١)

وليس ثم خبط لورق ، إنما يريد به أنه لا يمنع معروفه من التمسه. وقوله : قد خبطت بنعمة : أي خبطت لكل حي بنعمة ، أي أنعمت عليهم ، فكنت كمن خبط لهم الشجر.

[في الحذف للتخفيف (عالأرض)]

٦٠٢ ـ قال سيبويه (٢ / ٤٣٠) في باب ما جاء شاذا فخففوه على ألسنتهم :

«ومن الشاذ قولهم في بني العنبر وبني الحارث : بلحارث وبلعنبر ، وعلماء بنو فلان».

قال الفرزدق :

هلمّ إلى الإسلام والدّين عندنا

فقدمات عن أرض العراق خبالها

(فما أصبحت عالأرض نفس فقيرة

ولا غيرها إلا سليمان مالها) (٢)

__________________

(١) البيت في : شعر زهير ص ٧٢ وفي : شرح ديوان زهير ص ٥٣ وفيهما في صدره (.. ذي قربى ولا نسب) وروي للشاعر في : الكامل للمبرد ١ / ٣٨٩ و ٣ / ١٥٩ واللسان (عدم) ١٥ / ٢٨٦

(٢) ديوان الفرزدق ٢ / ٦٢٣ من قصيدة في مدح سليمان بن عبد الملك ، وهجاء الحجاج

٤٠١

هذا البيت يقع في بعض النسخ وفي بعضها لا يقع (١).

والشاهد فيه حذف اللام من (على) بعد حذف الألف منه لا لتقاء الساكنين ، كما فعل في : (بني الحارث وبني العنبر). ورأيت هذا الموضع قد ضبط في الخط ، وشددت اللام فكتب (علّرض) عين بعدها لام مشددة. وهذا لا يشبه قولهم : علماء بنو فلان وما تقدم ذكره ، لأن تشديد اللام يوجب أنه : خفف الهمزة من (الأرض) وطرح حركتها على لام التعريف فصار (عللرض) بلامين متحركتين ثم أدغم اللام من (على) في اللام من الأرض ، فليس في هذا الكلام لام محذوفة.

وإنما الشاهد يصحّ إذا أنشد بتحقيق الهمزة (عالأرض) بلام ساكنة ، وهي لام التعريف وبعدها همزة (الأرض).

وفي إنشاد الكتاب : (نفس بريئة) ، وفي شعره : (فقيرة).

ويروى : (فما أصبحت في الأرض ..) وليس في هذه الرواية شاهد.

يمدح الفرزدق بهذا الشعر سليمان بن عبد الملك ، ويهجو الحجاج بعد موته. يقول : ذهب عن أرض العراق / خبالها ، يريد فسادها ، لأن الحجاج مات فصلح أمرها. وقوله : (إلا سليمان مالها) يريد : إنما حفظ أموال الناس وصلاح أمرهم به ، والمعنى واضح.

[الإبدال للتخفيف]

٦٠٣ ـ وقال سيبويه (٢ / ٤٢١) في باب الإدغام في حروف طرف

__________________

وجاء في صدر الأول (والعدل عندنا) وهي أجود في : إغناء المعنى ، ونفي الترادف بين : (الإسلام والدين) ، وفي صدر الثاني (في الأرض) ولا شاهد فيها.

(١) لا وجود لهذا الشاهد في مطبوعة الكتاب بين أيدينا ، ولم يذكره الأعلم أو غيره من شراح أبيات الكتاب لدي سوى ابن السيرافي.

٤٠٢

اللسان : «وقالوا : في مفتعل ـ من صبرت ـ مصطبر ، أرادوا التخفيف حين تقاربا (١)».

يريد أنهم أبدلوا التاء الزائدة طاء لتكون أخف عليهم. لأن الطاء أخت الصاد في الإطباق ، فهي إليها أقرب من التاء. ثم ذكر المواضع التي تبدل فيها التاء طاء ، وذكر إبدالها مع الطاء ، ثم قال : «وذلك قولك : مظطعن ومظطلم» كما قال زهير :

(هو الجواد الذي يعطيك نائله

عفوا ، ويظلم أحيانا فيظطلم) (٢)

الشاهد (٣) في إبدال التاء طاء في فيظطلم (٤).

يمدح بذلك هرم بن سنان المري ، يقول : هو يعطي ماله عفوا بسهولة ، لا يمن به ، ولا يمطل سائله ، ولا يعطي نزرا. ويظلم أحيانا : يطلب منه في غير موضع طلب فيحتمل ذلك لمن يسأله ، ولا يرد من سأله في جميع الأوقات التي مثلها يطلب فيه ، وفي الأوقات التي مثلها لا يطلب فيه.

__________________

(١) في الأصل والمطبوع : تباينا.

(٢) أورد سيبويه عجز البيت لزهير. وعنده (فيطّلم) بالطاء المهملة. والبيت في : شعر زهير ص ١٠٠ وفي شرح شعر زهير ص ١٥٢ من قصيدة في مدح هرم. وروي البيت للشاعر في : اللسان (ظلم) ١٥ / ٢٧٠ و (ظنن) ١٧ / ١٤٤

(٣) الأصل فيه : يظتلم. فيجوز فيه (يظطلم ويظّلم ويطّلم) والقياس (يطّلم) لأن الأول هو الذي يدغم في الثاني. فجاء بها (يظّلم) كراهة إدغام الأصلي (الظاء) في الزائد (الطاء). والبيت يروى على الوجهين. ورواه الأصمعي (ينظلم).

ـ ورد الشاهد في : سر الصناعة ١ / ٢٢٤ والأعلم ٢ / ٤٢١ والكوفي ١١٨ / ب و ٢٦٦ / ب وأوضح المسالك ش ٥٧٦ ج ٣ / ٣٤٠ والأشموني ٣ / ٨٧٣

(٤) في الأصل والمطبوع (مظطلم) وهو تصحيف.

٤٠٣

[من الثلاثي المزيد (فيعول) للاسم والصفة]

٦٠٤ ـ قال سيبويه (٢ / ٣٢٥) في الأبنية التي فيها زوائد من الثلاثي : «ويكون على (فيعول) في الاسم والصفة ، فالاسم نحو قيصوم والحيزوم ، والصفة نحو : عيثوم وقيّوم وديموم». قال علقمة بن عبدة.

إذا تزغّم من حافاتها ربع

حنّت شغاميم من أوساطها كوم

(يهدي بها أكلف الخدّين مختبر

من الجمال كثير اللحم عيثوم) (١)

وصف إبلا ، وحافاتها : جوانبها ، والتزغم في هذا البيت : صوت معه غضب ، والتزغم بزاي معجمة : غضب معه كلام ، والرّبع : ولد الناقة ، والشغاميم : الطوال الجسام الواحد شغموم ، حنت : حن بعضها إلى بعض ، الكوم : العظام الأسنمة جمع أكوم وكوماء.

يريد أنها إذا سمعت صوت الرّبع حنت. وقوله : يهدي بها أي يقدمها ويتقدمها حمل أكلف الخدين ، والأكلف : الذي تضرب حمرته إلى سواد ، وقيل إنه مستحب ، والمختبر : هو المجرّب الذي عرفت نجابته من الفحول وعرف ما عنده ، وقيل : إن المختبر هو الكثير اللحم والوبر. وزعموا أن الخبير هو الوبر ، وقال الشاعر (٢) :

__________________

(١) ديوان علقمة ق ٢١ / ٥٢ ـ ٥٣ ص ٧١ وجاء ثانيهما أولا.

ورويا لعلقمة في : المفضليات ق ١٢٠ ص ٤٠٤ وهما آخر القصيدة ، وجاء في عجز الأول (في حافاتها كوم). وروي الثاني للشاعر في : اللسان (عثم) ١٥ / ٢٧٧

ـ والشاهد فيه مجيء عيثوم (فيعول) صفة لما قبله. وقد ورد عند الأعلم ٢ / ٣٢٥

(٢) هو أبو النجم الراجز.

٤٠٤

حتى إذا ما طال من خبيرها (١)

والعيثوم : الضخم العظيم الخلق ، ويقال لأنثى الفيلة عيثوم.

[(أفعلان) صفة من الثلاثي]

٦٠٥ ـ قال سيبويه (٢ / ٣١٧) في أبنية الثلاثي : «ويكون على (أفعلان) وهو قليل ، لا نعلمه جاء إلا (أنبجان) وهو وصف ، قالوا : عجين أنبجان وهو المختمر ، و (أرونان) وهو وصف. قال الجعدي».

(فظلّ لنسوة النعمان منّا

على سفوان يوم أره ناني)

فعدّينا حليلته وجئنا

بما قد كان جمّع من هجان (٢)

سفوان (٣) موضع معروف ، والأرونان : الشديد ، والهجان : كرام الإبل وخيارها. فعدينا حليلته : يريد عدينا عنها. يريد أنهم انصرفوا عن زوجة النعمان لم يأخذوها ، وأخذوا إبله وماله.

وقد وقع في الكتاب : (يوم أرونان) بالرفع ، وكذا يقع هذا البيت في الشواهد والقصيدة مجرورة. وأولها :

__________________

(١) البيت لأبي النجم في : الصحاح (خبر) ٢ / ٦٤٢

(٢) ديوان النابغة الجعدي ق ١١ / ٩ ـ ١٠ ص ١٦٣ وجاء في صدر الأول ، (وظل) وفي صدر الثاني (فأردفنا حليلته) ورويا للشاعر في : اللسان (رون) ١٧ / ٥١ والأول له في : المخصص ٩ / ٦٢ وجاء في رواية سيبويه واللسان (أرونان) ولا ضرورة للعدول عن (أروناني) والقصيدة على روي النون المجرورة. ويردّ ابن سيده عن سيبويه ويراه من الإقواء المألوف لدى الشعراء.

(٣) سفوان : ماء على أربعة أميال من البصرة عند جبل سنام. انظر البكري ٧٨٨

٤٠٥

جلبنا الخيل من تثليث حتى

أتين على أوارة فالعدان ـ (١)

وينشد البيت في القصيدة : (يوم أروناني) وهو منسوب قد خففت ياء النسب منه ، أراد (أرونانيّ) فخفف. ومثله :

إني لمن أنكرني ابن اليثربي

قتلت علباء وهند الجملي (٢)

أراد : اليثربيّ والجمليّ وينبغي أن يكتب بياء ، لأنه منسوب وتزول عنه الشبهة (٣)

__________________

(١) البيت من قصيدة الجعدي المذكورة قبل ، لكنه ليس مطلعها بل هو السادس منها.

ومطلعها فيه :

فمن يك سائلا عني فإني

من الفتيان في عام الخنان

وروي البيت في : اللسان (عدن) ١٧ / ١٥١ منسوبا إلى يزيد بن الصعق. هذا مع أنه نسب سابقيه إلى النابغة الجعدي.

(٢) البيتان وبعدهما ثالث لعبد الله بن يثربي الضبي في : فرحة الأديب ٤٥ / أوسيلي نصه وهما لعمرو بن يثربي الضبي في : اللسان (جمل) ١٣ / ١٣١ وثانيهما له في : المعارف ٤٠٢ وهما بلا نسبة في : القوافي ٧٥ واللسان (هند) ٤ / ٤٥٠ و (علب) ٢ / ١١٩ والثاني في : المعارف ١٠٦ وشرح ملحة الإعراب ٦٧ واللسان (صوح) ٣ / ٣٥٢

(*) عقب الغندجاني ـ على ما ذكره ابن السيرافي فيما يتعلق بقافية البيتين ، وقائلهما ـ بقوله :

«قال س : هذا موضع المثل :

لذا أصل فما ذا أصل هذا

وما أنا عن أشاوى بالفحوص

(الجمليّ) منسوب كما ذكر ، فأما (اليثربي) فإنه اسم محقق غير منسوب كما قالوا : مكيّ بن سوادة ، وفدكيّ بن عمرو ، وعيديّ بن النّدغى .. وأشباه ذلك كثير في كلام العرب.

٤٠٦

[(أفنعل ويفاعيل) من الثلاثي للاسم والصفة]

٦٠٦ ـ قال سيبويه (٢ / ٣١٧) في الأبنية : «ويكون على (أفنعل) في الاسم والصفة. فالاسم نحو : ألنحج وأبنبم ، والصفة نحو : ألندد». قال الطرمّاح :

كم دون إلفك من نياط تنوفة

قذف تظلّ بها الفرائص ترعد

فيها ابن بجدتها يكاد يذيبه

وقد النّهار إذا استدار الصيخد

(يوفي على جذم الجذول كأنه

خصم أبرّ على الخصوم ألندد) (١)

التنوفة : الأرض الواسعة وجمعها تنائف ، والنياط : البعد ، والقذف :

__________________

ولم يعرف ابن السيرافي قائل هذا الشعر ، ولا من قيل فيه. وهو لعبد الله ابن يثربي الضبي. وهند الجملي هو : هند بن عمرو بن جندلة بن كعب بن عبد ابن ربيعة بن جمل بن كنانة بن ناجية بن يحابر ، وهو مراد. قتل ـ رحمه الله ـ مع علي بن أبي طالب عليه السّلام يوم الجمل ، قتله عبد الله بن يثربي الضبي ، وقال :

إن تنكروني فأنا ابن يثربي

قاتل علباء وهند الجملي

ثم ابن صوحان على دين علي».

(فرحة الأديب ٤٥ / أ)

(١) ديوان الطرماح ص ١٣٨ وهي في القصيدة متوالية. وجاء في عجز الثاني (إذا استذاب الصيخد) وقافية الثالث (يلندد) وهما سواء. وروي الثالث للشاعر في : اللسان (لدد) ٤ / ٣٩٦ وبلا نسبة في : المخصص ١٢ / ٢١٢

ـ وقد ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ٢ / ١١٢ والنحاس ١٠٨ / ب والأعلم ٢ / ١١٢ و ٣١٧

٤٠٧

البعيدة ، والفرائص : جمع فريصة وهي لحمة في مرجع الكتف. وأراد أن فرائص من يسلك هذه التنوفة ترعد من الخوف فيها. وقوله : فيها ابن بجدتها ، يريد : في هذه التنوفة ابن بجدتها وزعموا أنه يعني بابن بجدتها الحرباء ، ويقال للرجل المقيم بالبلد لم يبرح منه قط : ابن بجدته ، ويقال للعالم بالأرض ابن بجدتها.

والصّيخد : الحر الشديد ، ويقال : شمس صيخد إذا كانت حارة. يعني أن الحر يكاد يذيب الحرباء ، واستدار : يريد علت الشمس ، فصار حرها كأنه مستدير على الرؤوس ، ويوفي : يشرف ، والجذم : أصل الشجرة ، والجذول : جمع جذل وهو أيضا الأصل من أصول الشجرة. وأبرّ على الخصوم : غلبهم ، والألندد : الشديد الخصومة.

شبه الحرباء ـ حين ارتفع على أصل الشجرة ، ومد رأسه نحو الشمس ـ بخصم قد غلب خصومه ، فرأسه مرتفع لم يطأطئه ، لأنه لم يغلب فيطأطىء رأسه.

ـ قال سيبويه (٢ / ٣١٩) في الأبنية : «ويكون على (يفاعيل) : في الاسم نحو : يرابيع ويعاقيب ويعاسيب ، والصفة نحو : اليحاميم واليخاضير ، وصفوا باليحموم كما وصفوا باليخضور».

قال غيلان بن حريث :

كأنهم للناظر المتير

(عيدان شطّي دجلة اليخضور) (١)

وصف ظعنا تحملت وسارت ، وشبه الهوادج على الإبل بالعيدان من النخل ،

__________________

(١) أورد سيبويه ثانيهما بلا نسبة بروي مرفوع ، ورواه المخصص كذلك في ١٠ / ١٦

ـ وقد ورد الشاهد عند الأعلم ٢ / ٣١٩ وأكد رفع (اليخضور) نعتا لعيدان «فدل هذا على أن يفعولا يقع صفة». وقد أوضح ابن السيرافي وجه الجر بما هو كاف.

٤٠٨

الذي قد طال وفات المتناول ، كأنهم ـ يعني القوم الذين ساروا ـ للإنسان الذي ينظر إليهم ، والمتير : المتئر بالهمز وبغير الهمز : هو الذي يديم النظر. يقال : أتأر وأتار.

و (عيدان) مرفوع خبر (كأن) وشطا دجلة : جانباه ، و (اليخضور) مجرور ، وظاهره أنه نعت ل (عيدان) و (عيدان) مرفوع ، فكان ينبغي أن يقول : (اليخضور) بالرفع ، ووجه الجر فيه عندي أنه نعت لشيء محذوف ، والتقدير فيه أنه أراد : (عيدان نخل شطي دجلة اليخضور) فحذف (النخل) وأقام المضاف إليه مقامه ، ونعت على لفظ ذلك المحذوف.

فإن قال قائل : فالعيدان هو النخل ، فكيف أضاف العيدان إلى (نخل)؟ قيل له : ليس كل نخل عيدانا ، وإنما العيدان بعضه ، فهو في تقدير قائل قال : كأنهم أوساط النخل أو صغار النخل أو ما أشبه ذلك.

وقال العجاج :

كأنّ ريح جوفه المزبور

بالخشب تحت الهدب اليخضور

مثواة عطارين بالعطور (١) ـ

__________________

(١) الأبيات للعجاج في ديوانه ق ١٩ / ٩٦ ـ ٩٧ ـ ٩٨ ص ٢٣١ من أرجوزة طويلة في (١٧٤) بيت مطلعها (جاري لا تستنكري عذيري) وجاء في مطلع الثاني (في الخشب) ورويت للشاعر في : مجموع أشعار العرب ق ١٥ / ٩٦ ـ ٩٧ ـ ٩٨ ج ٢ / ٢٩ وفي : أراجيز العرب ص ٩١

كما وردت للشاعر في اللسان : الأول والثالث في (هضم) ١٦ / ٩٩ والثاني والثالث في (خضر) ٥ / ٣٢٦ والثالث بلا نسبة في (قفر) ٦ / ٤٢٤

٤٠٩

وصف كناس الثور الوحشي. يعني كأن ريح جوف الكناس ، والمزبور ؛ المطويّ بالخشب ، و (بالخشب) في صلة (المزبور) ، يريد المزبور بالخشب ، وفي الشعر تضمين. والهدب : ورق الشجر ، واليخضور : الأخضر. يريد أنه طوي أسفل الكناس بالخشب الذي ليس فيه ورق ، والورق الأخضر في أعلى الكناس.

والمثواة والمثوى : موضع الإقامة ، والعطور : جمع عطر. يصف طيب ريح الكناس الذي هو بيت الثور الوحشي. و (مثواة) رفع خبر كأنّ.

[في مسألة (لاث وشاك) وأمثالهما]

٦٠٧ ـ قال سيبويه (٢ / ٣٧٨) : «وأما الخليل [فكان](١) يزعم أن قوله : (جاء وشاء) ونحوهما اللام فيهن مقلوبة. وقال : ألزموا ذلك هذا واطرّد فيه ، إذ كانوا يقلبون كراهية الهمزة الواحدة».

يريد أن الخليل يقول : كل ما كان من الأسماء معتل العين ، ولامه همزة ، وبنيت منه (فاعلا) فإنك تقدم اللام إلى موضع العين ، وتجعل العين في موضع اللام. واحتج الخليل بأن قال : قد رأيناهم يكرهون إعلال العين وقبلها همزة ، في بعض الصفات التي لام الفعل منها حرف صحيح ، فيقولون ـ في (لائث) وهو من لاث يلوث ، وفي (شائك) وهو من الشوكة ، وفعله شاك يشاك ـ : (لاث وشاك).

فإذا كانوا قد ثقل عليهم في بعض المواضع أن يعلوا العين مع صحة اللام حتى أخروها ، ألزموا ما كانت عين الفعل فيه حرف علة ولامه همزة ، تقديم الهمزة في موضع العين ، حتى يقل إعلالهم ، لأنهم لو أعلّوا العين لهمزوها ، وإذا همزوها اجتمع في الكلمة همزتان : همزة العين ، والهمزة التي هي لام ، ولزم أن تقلب

__________________

(١) تتمة من الكتاب ، ليست في الأصل والمطبوع.

٤١٠

الهمزة الثانية ياء ، لئلا يجتمع همزتان في كلمة ، فكان عنده أن تقديم اللام ـ في هذا ونحوه ـ أسهل من صنعة النحويين :

قال العجاج ـ ووصف امرأة :

كأنما عظامها برديّ

سقاه ريّا حائر رويّ

بالمأد حتى هو يمؤوديّ

في أيكه فلا هو الضّحيّ

ولا يلوح نبته الشتيّ

(لاث به الأشاء والعبريّ) (١)

عنى بعظامها ساقيها وذراعيها ، وأراد أنها تشبه أصول البرديّ في بياضه ونعمته ، والحائر : المكان الذي يجتمع فيه الماء ، ويتحير فيه فلا يخرج منه ، والمأد : اهتزاز النبت.

__________________

(١) الأبيات للعجاج في ديوانه ق ٢٥ / ٢٧ ـ ٢٨ ـ ٢٩ ـ ٣٠ ـ ٣١ ـ ٣٢ ص ٣١٤ من أرجوزة طويلة في (٢٠٠) بيت مطلعها : (بكيت والمحتزن البكيّ) ورويت الأبيات للشاعر في : مجموع أشعار العرب ق ٤٠ / ٣٧ ـ ٣٨ ـ ٣٩ ـ ٤٠ ـ ٤١ ـ ٤٢ ج ٢ / ٦٧ وفي : أراجيز العرب ص ١٧٥ وروي البيت الأخير للشاعر في : المخصص ١٠ / ٢٢٢ و ١٧ / ٢٠ واللسان (لئي) ٢٠ / ١٠٧ وبلا نسبة في (عبر) ٦ / ٢٠٤ والخامس بلا نسبة في : المخصص ٩ / ٧٥

ـ وقد ورد الشاهد ـ وهو قلبه (لاث) من لائت في : سيبويه أيضا ٢ / ١٢٩ والمقتضب ١ / ١١٥ والأعلم ٢ / ١٢٩ و ٣٧٨

٤١١

يريد أن البرديّ يهتز من نعمته وريّه ، واليمؤودي مثل المأد ، والأيكة : جماعة الشجر المجتمعة بمكان ، والضحي : البارز للشمس و (هو) ضمير يعود إلى (البردي). يقول : البردي نابت في حائر ، حوله نخل وشجر يكنه ، فليس يبرز للشمس. ولا يلوح نبت هذا الحائر أي لا يظهر في الشتاء للشمس ، لأن الشمس لا تعلو في أوسط السماء حتى تقع على ما في وسط الحائر.

والأشاء : صغار النخل ، والعبري : السّدر البري ، واللائث واللاثي : الذي يحيط به ويدور حوله.

[مجيء (فعلاء) اسما]

٦٠٨ ـ قال سيبويه (٢ / ٣٢٢) قال زبّان (١) بن سيار الفزاري :

(رحلت إليك من جنفاء حتى

أنخت فناء بيتك بالمطالي)

فإنّ قلائصا طوّحن شهرا

ضلالا ما رحلن إلى ضلال (٢)

__________________

(١) أحد سادات بني فزارة وشعرائهم ، جاهلي ذكره النابغة في بعض شعره ق ١ ص ٨٥ وأورد له الجاحظ في البيان والتبيين ٢ / ١٦٩ و ٣ / ٣٠٤ أخباره في : المعارف ص ١١٢ وشرح الاختيارات ٣ / ١٤٦٣

(٢) أورد سيبويه البيت الأول بلا نسبة. والبيتان لزبان بن سيار الفزاري في فرحة الأديب ٤١ / أوسيلي نصه. وأولهما لزبان في : اللسان (طلي) ١٩ / ٢٣٩ وهو زياد بن سيار في (جنف) ١٠ / ٣٧٨ وروي لابن مقبل في : البكري ٢٤٦ وعقب بقوله : «وجنفاء من بلاد بني فزارة» وورد منفردا في ذيل ديوان ابن مقبل ص ٣٩٢. وروي بلا نسبة في : المخصص ١٦ / ٦٧ واللسان (ثأد) ٤ / ٧١ و (فرم) ١٥ / ٣٥٠

ـ والشاهد في (جنفاء) اسما على (فعلاء). وذكر سيبويه أنه في الاسم قليل «ولا فعلمه جاء وصفا».

وقد ورد الشاهد عند الأعلم ٢ / ٣٢٢

٤١٢

كان زبّان بن سيار أنعم على حنظلة بن (١) الطفيل بن مالك ، ثم رحل زبان إليه يستثيبه. والمطالي : جمع مطلاء (٢) ، وهي أرض سهلة. يريد أنه رحل إليه ، وأناخ بفناء بيته ليثيبه. و (إن قلائصا طوحن شهرا ضلالا) يعني أنها سارت شهرا حتى وصلت إلى الموضع الذي قصدته. وطوحن : ذهبن وبعدن في الأرض ، والتطويح : بعد الذهاب.

يقول : إن إبلا طوحت شهرا ضلالا ، يعني أنها بعد سيرها ، ووضولها لم يحظ بشيء مما أرادته ـ فسيرها كان ضلالا. يقول : إن قلائص سارت / شهرا في ضلال ما رحلت ضلالا إلى الذي سارت إليه ، لأنه كافأه وأثابه ، فلم تكن قلائصه رحلت ضلالا ، مثل قلائص رجل آخر سار شهرا إلى موضع أراده فلم ينل منه شيئا (٣).

__________________

(١) سيذكره أبو محمد الأعرابي بعد. ولم أجده في غيره مما رجعت إليه.

(٢) ورد في معجم البلدان (صادر) ٥ / ١٤٧ مقصورا مفتوح الأول «كأنه جمع مطلى وهو الموضع الذي تطلى فيه الإبل بالقطران والنفط .. وهي أرض واسعة» ثم ذكره بعد صفحات بكسر أوله (مطلى) احتذاء بما جاء عند البكري (ص ٥٣٠) الذي قال بعد ذلك «وقيل هو ممدود (المطلاء) وجمعه المطالي». وهو عند الغندجاني بالفتح والقصر في نصه بعد.

(*) عقب الغندجاني ـ على ما أورده ابن السيرافي من شرح ـ بقوله :

«قال س : هذا موضع المثل :

حطبتها من يابس ورطب

إلى خباها يتناهى حطبي

نفض ابن السيرافي هاهنا كنانته فأتى بهذيان كثير لا تصح منه سنّة ، وكنت ذكرت لك أن من تصدى لتفسير هذا الشعر من غير إتقان لعلم النسب وأيام العرب ومعرفة المنازل والمناهل كثرت سقطاته.

٤١٣

__________________

أيّ فائدة في قوله : كان زبان بن سيار أنعم على حنظلة بن الطفيل بن مالك ثم رحل إليه زبان يستثيبه .. إذا لم يذكر أنه أثابه أو لم يثبه ، فترك الكلام مبتورا لجهله بهذه القصة.

ولو عرف المنازل والمناهل ، لعلم أن قوله : المطلاء : الأرض السهلة ، فاحش ، والصواب : المطلى بفتح الميم والقصر ، وهو واد في بلاد بني كلاب لبني أبي بكر ، وإياه عنى القائل حيث يقول ـ أنشدناه أبو الندى ـ :

١) غنّى الحمام على أفنان غيطلة

من سدر بيشة ملتفّ أعاليها

٢) غنّين لا عربيات بألسنة

عجم ، وأملح إيحاء تواحيها

٣) فقلت والعيس خوص في أزمّتها

يلوي بأثواب أصحابي تباريها

٤) أرعى الأراك قلوصي ، ثم أوردها

ماء الحويرة والمطلى فأسقيها

٥) يا نخلتي بطن مطلوب ألفتكما

فالنفس لا تنتهي عنكم أمانيها

٦) واليكما قذر بالناس لا رحم

تدنيه منّا ولا نعمى يجازيها

٧) محفوفتين بظل الموت أشرفتا

في رأس رابية صعب مراقيها

٨) من يعطه الله في الدنيا ظلالكما

يكتب له درجات عاليا فيها

٩) تندى ظلالكما والشمس طالعة

حتى يواريها في الغور حاديها

١٠) كلتاهما قضب الرّيحان نبتتها

فاعتمّ بالباسق الميّال ضاحيها

ومطلوب : ماء لبني أبي بكر ، وجمع زبّان المطلى بما حوله فجعله المطالي ، وربما ثنّوا المطالي فقالوا مطليان. وقال أعرابي :

وريت جريرا يوم أذرعة الهوى

وبصرى وقادتك الرياح الجنائب

سقى الله نجدا من ربيع وصيّف

وخصّ بها أشرافها فالجوانب

إلى أجلى فالمطليين فراهص

هناك الهوى لو أنّ شيئا يقارب

٤١٤

__________________

ولم يعرف ابن السيرافي جنفاء أيضا أنها في بلاد بني فزارة ، وأن زبان قال : إنما رحلت إليك من جنفاء ، أي من بلاد قومي. وفي جنفاء يقول الراجز ـ وقصره ضرورة ، وهو بيت مثل :

إذا بلغت جنفا فنامي

واستكثري ثمّ من الأحلام

وقوله بالمطالي : أراد بلاد حنظلة بن الطفيل بن مالك ، فإنه لو عرف قصة الشعر كما هي لم يقل في معنى قوله : ـ ضلالا ما أنخن إلى ضلال ـ إنه مديح ، وهذه بلاهة تامة.

وقصة هذا الشعر أن زبان بن سيار أسر حنظلة بن الطفيل بن مالك ، فأنعم عليه ، ثم أتاه يستثيبه فلم يرض ثوابه ، ويقال إنه حبسه ، وبعث أخاه بفدائه ، فقال :

تسائل عني الحسناء لما

أتى من دون وافدها الشهور

علام تقول يحبسني وعندي

مواشكة وأنساع وكور

فما زال ابتغاء الشكر حتى

قعدت رهينة وأخي نذير

أسيرا في بلاد بني طفيل

وكيف ينام في القدّ الأسير

وقال زبان أيضا :

١) ألا من مبلغ عني طفيلا

وحنظلة الذي أبزى سؤالي

٢) بأن قلائصا طرّحن شهرا

ضلالا ما رحلن إلى ضلال

٣) رحلنا هنّ من جنفاء حتى

أنخن فناء بيتك بالمطالي

٤) فإنّ الضّان قد ربحت لديكم

وإني لن أسدّ بها خلالي

٤١٥

[إدغام (التاء في الضاد) (واللام في الشين)]

٦٠٩ ـ قال سيبويه (٢ / ٤٢٠) في الإدغام ، قال القنانيّ (١) :

عمرك ما زيد بنام صاحبه

ولا مخالط اللّيان جانبه

يرعى النجوم مشرفا مناكبه

إذا القمير غاب عنه حاجبه

__________________

فإنك إن سألت أباك عني

وأمك يوم أمعز ذي طلال

٦) فإنهم على السبي استغاثوا

ببلدة شنّأ صهب السّبال

٧) أآمن بعد حنطلة ابن أنثى

بشيء ما هدت قدمي قبالي

٨) تغيّب عنك ذاك الشهر حتى

أتاك لليلة بعد الهلال

٩) وقال أبوك : إما جاء ربي

له أرب فلا تعطوه مالي

١٠) فإن تشكر فقد أنعمت فيكم

وإن تكفر فإني لا أبالي

١١) ولو لا عامر والمرء عمرو

رميت إليكما رمي المغالي

١٢) ولو لا عتبة المحمود أدنى

إليك الرّكب رسما غير بالي».

(فرحة الأديب ٤٠ / أوما بعدها)

(١) هو أبو خالد القناني من قعد الخوارج ، وهو الذي قال فيه قطري بن الفجاءة :

أبا خالد يا انفر فلست بخالد

وما جعل الرحمن عمرا لقاعد

والقنانيّ نسبة إلى قنان وهو جبل لبني أسد ، وقد ورد في شعر زهير في بيته :

جعلن القنان عن يمين وحزنه

وكم بالقنان من محلّ ومحرم

انظر : الكامل للمبرد ٣ / ١٦٧ والجبال والأمكنة ١٨٩ والقاموس (القن) ٤ / ٢٦١ ورغبة الآمل ٧ / ٨١

٤١٦

(ثار ، فضجت ضّجّة ركائبه) (١)

يقول : ما زيد برجل نام صاحبه ، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. يريد إن الذي يصاحبه في السفر لا ينام ، لأنه هو قليل النوم متيقظ جلد لا يكسره السفر ، ولا ترخيه سرى الليل ، ولا يلين جانبه من تعب ولا عمل ، يرعى النجوم لئلا يضل في سيره.

والمشرف : العالي المرتفع ، وحاجب القمر : جانبه ، والركائب : جمع ركاب ، والركاب : جماعة الإبل التي تركب في الأسفار. يعني أن القمر لما غاب ثار هو ، فشد الرحال على الإبل ، فضجت : رغت وصاحت.

والشاهد (٢) فيه إدغام التاء في الضاد.

ـ قال سيبويه (٢ / ٤١٧) في الإدغام ، قال طريف بن ربيعة العنبري :

(تقول إذا استهلكت شيئا للذّة

فكيهة هشّيء (٣) بكفيك لائق)

فقلت لها : إن الملامة نفعها

قليل ، وليست تستطاع الخلائق (٤)

الشاهد (٥) فيه على إدغام اللام من (هل) في الشين من (شيء).

__________________

(١) أورد سيبويه البيت الخامس ولم ينسبه. وجاء فيه : (فضجضّجة). وروي الأول والثاني بلا نسبة في : اللسان (نوم) ١٦ / ٧٦ وجاء في صدر الأول : (تالله ما زيد) وهو في شرح الكوفي (والله ما ليلي).

(٢) ورد الشاهد في : أسرار العربية ٩٩ و ١٠٠ والأعلم ٢ / ٤٢٠ والإنصاف ٦٨ والكوفي ٧٠ / ب والخزانة ٤ / ١٠٦

(٣) في الأصل والمطبوع : هل شيء. وليس المراد.

(٤) أورد سيبويه أولهما لطريف ، وجاء فيه (هشّيء). وروي البيت بلا نسبة في : المخصص ٦ / ٢١ واللسان (ليق) ١٢ / ٢١٠ و (هلك) ١٢ / ٣٩٦ و (فكه) ١٧ / ٤٢١

(٥) ورد الشاهد عند الأعلم ٢ / ٤١٧

٤١٧

وفكيهة امرأته ، واللائق : اللازم اللازق ، والخلائق : الطبائع. يريد أن امرأته لامته على إنفاق ماله في لذاته وقالت : هل شيء من المال ثابت في كفيك. وقوله : (فقلت لها إن الملامة نفعها قليل) يعني أن ملامتها له لا ينتفع بها ، لأنه لا يقبل منها ما تقول ، ولا يترك إنفاق ماله في لذاته.

وقوله : وليست تستطاع الخلائق ، يريد : وليس يمكن تغيير الخلائق ، أي تغيير الطباع.

يقول : إنه من كان من طبعه الجود والإنفاق ، لا يمكن تغيير خلقه. والمعنى : ليس يستطاع تغيير الخلائق ، حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

[تصحيح عين (تفعلة) اسما]

٦١٠ ـ قال سيبويه (٢ / ٣٦٥) : «وكذلك (تفعلة) منهما» يريد من بنات الواو والياء ـ يتمّ ـ يعني أنه لا يعل ، ليفرّق بين هذا وبين (يفعل فعلا) ـ «ويدلك على أن هذا يجري مجرى ما أوله الهمزة مما ذكرنا قول العرب من : دار يدور تدورة».

يريد أن ما يبنى اسما وفي أوله زائدة من زوائد الفعل وعينه معتلة ، تصحح عينه ولا تعل ، ليفرّق بين هذا البناء اسما وبينه فعلا. وذكر من هذا النوع (تدورة) وهي (تفعله) من : دار يدور ، وصححت فيها العين لأجل أنها اسم. قال ابن مقبل :

ليت الليالي يا كبيشة لم تكن

إلا كليلتنا بحزم طحال

في ليلة جرت النّحوس بغيرها

يبكي على أمثالها أمثالي

٤١٨

(بتنا بتدورة يضيء وجوهنا

دسم السّليط على فتيل ذبال) (١)

كبيشة امرأته ، وطحال : أكمة بعينها ، وحزمها : ما غلظ من الأرض حولها ، في ليلة جرت النحوس بغيرها : أي لم يكن فيها نحس ، والتدورة : قطعة من الرمل تستدير ، والذبال : الفتل ، الواحدة ذبالة وهي الفتيلة. ودسم السليط : أراد به دهن السليط ، وهو دهن السّمسم ، وبعضهم يقول : هو الزيت.

يريد / أنهم أشعلوا في تلك الليلة مصابيحهم بدهن السمسم ، يريد أنه بات هو وكبيشة في الموضع ، على الوصف الذي ذكر. ويروى : (بديّرة) مكان تدورة.

[صيغة (إفعول) للاسم والصفة]

٦١١ ـ قال سيبويه (٢ / ٣١٦) في الأبنية : «ويكون على إفعول». وذكر ما جاء منه اسما ، ثم ذكر الإزمول في الصفة وقال : «إنما يريدون الذي يزمل».

قال ابن مقبل :

ولو تألّف موشيّا أكارعه

من فدر سوطى بأدنى دلّها ألفا

(عودا أحمّ القرا إزمولة وقلا

يأتي تراث أبيه يتبع القذفا) (٢)

__________________

(١) أورد سيبويه البيت الثالث بلا نسبة. والأبيات لابن مقبل في ديوانه ق ٣٣ / ١١ ـ ١٢ ـ ١٣ ص ٢٥٧ وجاء في عجز الأول (بخبت طحال) وفي صدر الثالث (بتنا بديّرة) ولا شاهد فيها. وروي الثالث للشاعر في : اللسان (دور) ٥ / ٣٨٣ وبلا نسبة في : المخصص ١٠ / ١٣٠ واللسان (ذبل) ١٣ / ٢٧١

ـ والشاهد فيه : بقاء الواو غير منقلبة إلى الياء. وقد ورد في : الأعلم ٢ / ٣٦٥ والكوفي ٢٨٠ / ب.

(٢) ديوان ابن مقبل ق ٢٤ / ١٢ ـ ١٣ ص ١٨٣ وجاء في عجز الأول (من

٤١٩

وصف امرأة ثم قال : ولو تألف ـ وأراد تتألف ـ هذه المرأة وعلا موشيا أكارعه ، والموشي : الذي في قوائمه خطوط شبه الوشي في الثوب ، والفدر : جمع فدور ، والفادر والفدور واحد وهو الوعل المسنّ ، وسوطى : موضع بعينه ، والدلّ : الشكل والظرف وحسن الزيّ وعذوبة الحديث.

يقول : لو أرادت أن يدنو إليها الوعل الذي مسكنه في رؤوس الجبال ، لدنا منها لما يدعوه إليها من حسنها وملاحتها ، وهذا على طريق المبالغة. وهو كقول النابغة :

بتكلّم لو تستطيع حواره

لدنت له أروى الجبال الصّخّد (١)

ثم وصف الوعل فقال : عودا أحم القرا. والعود : الكبير المسن ، والأحم الأسود ، والقرا : الظهر ، والإزمولة : الذي يزمل : يمشي في شق من بغيه ونشاطه ، وقيل الإزمولة : الضخم ، الوقل : الذي يتوقل في الجبل يصعد فيه. وقوله : يبغي تراث أبيه : يريد أنه يسكن الجبال الذي كان أبوه يسكنها ، والتراث : الميراث ، والقذف : نواحي رأس الجبل ، وهو الموضع الذي إن زلّ عنه هوى في الأرض.

[في قلب الواو همزة]

٦١٢ ـ قال سيبويه (٢ / ٣٥٥) فيما اعتلّت فاؤه : «ولكنّ ناسا من

__________________

فدر شوط) وفي عجز الثاني : (على تراث أبيه) ، وضبط (إزمولة) أزمولة بالضم. وهما بمعنى.

وروي الثاني للشاعر في : اللسان (قذف) ١١ / ١٨٥ و (زمل) ١٣ / ٣٢٩ و (وقل) ١٤ / ٢٦٠

ـ وقد ورد الشاهد عند الأعلم ١ / ٣١٦

(١) ديوان النابغة ق ٢ / ٩ ص ٣٢ من إحدى اعتذارياته إلى النعمان بن المنذر. وجاء في عجزه (أروى الهضاب). وروي البيت للشاعر في : اللسان (روي) ١٩ / ٧٠

٤٢٠