شرح أبيات سيبويه - ج ٢

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي

شرح أبيات سيبويه - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي


المحقق: الدكتور محمّد علي سلطاني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٣
الجزء ١ الجزء ٢

وتقدّر أنك أضفت السورة إليه فتقول : هذه هود فتصرف ، لأنك قدّرت : هذه سورة هود ، وكذا الفعل في جميع السور.

قال سيبويه : حاميم أعجمي معرفة ، فإن جعلته اسما لسورة لم ينصرف ، لأنه لو كان عربيا ـ وعلى هذه العدة وسميت به مؤنثا ـ لم تصرفه ، فكيف تكون حال الأعجمي؟ وإن قدّرت الإضافة لم تصرف ، كما كان لا ينصرف قبل أن تضيف إليه.

قال الكميت :

(وجدنا لكم في آل حاميم آية

تأوّلها منّا تقيّ ومعرب) (١)

يخاطب أهل بيت النبي صلّى الله عليهم ورضي عنهم ، يقول : وجدنا لكم آية في القرآن في (آل حاميم) توجب علينا لكم المحبة والود ، وهي قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(٢) والمعرب : المبين لما يتكلم به الموضح لما في نفسه.

يقول : التقي ، والذي يتأوّل تأويلا صحيحا ، يعلم ما أوجب الله عز وجل لكم من المودة والمحبة. وقال رؤبة :

__________________

(١) روي البيت للكميت في : اللسان (عرب) ٢ / ٧٨ و (حمم) ١٥ / ٤٠ و (طعن) ١٧ / ١٣٥ وبلا نسبة في : المخصص ١٧ / ٣٧ واللسان (حيا) ١٨ / ٢٣٠ وذكر ابن منظور في (عرب) أن سيبويه أنشده (تقي معرّب). وليس كذلك في نسخة الكتاب لدينا بل هو (ومعرب).

وقد ورد الشاهد ـ وهو عدم صرف (حاميم) ـ في : المقتضب ١ / ٢٣٨ و ٣ / ٣٥٦ وأسرار العربية ١٨ والأعلم ٢ / ٣٠ والكوفي ٢٦٣ / ب

(٢) سورة الشورى ٤٢ / ٢٣

٣٠١

كما رأيت في الكتاب الجيما

والقاف تتلو أسطرا والميما

أو كتبا بيّنّ من حاميما

بحيث ناصى المدفع النظيما

وفي الكتاب بعد إنشاده :

(أو كتبا بيّنّ من حاميما):

قد علمت أبناء إبراهيما (١)

وموضع هذا البيت في القصيدة ببعد من موضع البيت الذي أنشد قبله.

شبه آثار ديار ـ قد درس أكثرها ـ بحروف باقية في كتاب دارس ، فذكر الجيم والقاف والميم ، وذكر كتبا فيها حاميم. وناصى : اتصل ، والمدفع : مدفع الماء يريد مسيل الماء ، والنظيم : المتصل بما بعده. ويقال لما يصل بين شيئين نظيم.

[حذف نون الوقاية]

٥٣٦ ـ قال سيبويه (٢ / ١٥٤) في النون الخفيفة والثقيلة ، ذكر سيبويه حذف إحدى النونات في قولهم (لتفعلنّ) إذا أراد الجمع ، لأنه اجتمعت

__________________

(١) أورد سيبويه البيتين الأخيرين بلا نسبة وقال الأعلم مقدما لهما : «وأنشد ـ أي سيبويه ـ في الباب للحمّاني» وهو من تعدد نسخ الكتاب ونساخه ـ والأبيات الأربعة الأولى لرؤبة في شرح الكوفي ٢٦٣ / ب وروي بيتا الكتاب بلا نسبة في المخصص ١٧ / ٣٧

وقد ورد الشاهد ـ وهو ترك صرف (حاميم) ـ في : المقتضب ١ / ٢٣٨ والنحاس ١٠١ / أوالأعلم ٢ / ٣٠ والكوفي ٢٦٣ / ب

٣٠٢

فيه ثلاث نونات ، فحذفوا استثقالا ، ونون الرفع هي المحذوفة. ثم قال : «وقد حذفوها فيما هو أشد من ذا. بلغنا أن بعض القراء قرأ : (أَتُحاجُّونِّي)(١) بنون واحدة وكان يقرأ : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ)(٢) وهي قراءة أهل المدينة وذلك لأنهم استثقلوا التضعيف» (٣).

يريد أنهم استثقلوا الجمع بين النون التي هي علامة الرفع وبين النون التي تكون مع ضمير المتكلم ، فحذفوا إحداهما (٤) ، والمحذوفة التي تكون مع الياء ، لأن النون الأولى علامة ، واثانية ليست بعلامة. فإن قال قائل : فالنون التي هي علامة مبنية على الفتح ، والنون التي مع ياء المتكلم مكسورة ، وهذه النون الباقية مكسورة ، فينبغي أن نجعلها النون التي تستعمل مكسورة ، ولا نجعلها النون التي هي مبنية على الفتح ثم كسرت لمّا حذفت النون التي مع الياء.

قيل له : لا ينكر أن تكسر النون التي هى علامة إذا وقعت بعدها الياء ، وقد رأيناهم فعلوا مثل هذا في قولهم (ليتي) حين اضطروا ، فكسروا تاء (ليت) وهي مبنية على الفتح. وقال عمرو بن معديكرب :

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ / ٨٠

(٢) سورة الحجر ١٥ / ٥٤

(٣) أشار القرطبي في تفسير عيون سيبويه ٥٦ / ب إلى الفرق بين التضعيف والإدغام : فالتضعيف هو التكرير ، والإدغام ألين من التضعيف لخفته ، والذي يستثقل إنما هو تضعيف النون ، فيفر منه إلى أحد وجهين : الإدغام أو الحذف ، والذي كره الإدغام كره التقاء الساكنين.

(٤) فصّل في هذا صاحب (الكشف عن وجوه القراءات وحججها وعللها) فأورد حجج من قرأ بالتخفيف ثم قال : «والاختيار تشديد النون لأن الأكثر عليه ، ولأنه أخف من الإظهار ، ولأنه وجه الإعراب». (الكشف ٢١٠ / ب) وهذا يؤيد ما جاء من التفريق بين التضعيف والإدغام وأن الإدغام أخف فيفر إليه.

٣٠٣

تقول حليلتي لما رأته

شريجا بين مبيضّ وجون

(تراه كالثّغام يعلّ مسكا

يسوء الفاليات إذا فليني) (١)

الشاهد (٢) فيه أنه حذف إحدى النونين ، والمحذوفة التي مع الياء ، والأولى لا يجوز حذفها لأنها ضمير الفاعلات ، والفاعل لا يجوز حذفه. وهذا يبين لك أن النون الثانية هي المحذوفة ، فيما ذكرته قبل هذا البيت.

والشريج الذي فيه لونان : سواد وبياض ، والجون : الأسود (٣) ، وقوله : لما رأته : يريد رأت شعر رأسه ، والثغام : نبت إذا أخذ في الجفوف أبيضّ ، واختلط بياضه بخضرته فيشبّه الشيب به.

[جمع (سماء) على (سمائي) فعائل]

٥٣٧ ـ قال سيبويه (٢ / ٥٩) في باب ما ينصرف وما لا ينصرف ، قال أميه بن أبي الصلت :

وإن يك شيء خالدا أو معمّرا

تأمّل تجد من فوقه الله عاليا /

__________________

(١) ديوان عمرو ق ٨١ / ١ ـ ٢ ص ١٧٣ وجاء في رواية الأول :

تقول حليلتي لما قلتني

شرائج بين كدريّ وجون

وفي مجموع أشعار العرب ق ٩٠ / ١ ج ٢ ص ٩٠ ذكر البيت الثاني منسوبا إلى العجاج وروي الأول بلا نسبة في اللسان (جون) ١٦ / ٢٥٥ والثاني لعمرو في (فلا) ٢٠ / ٢٢

(٢) ورد الشاهد في : معاني القرآن ٢ / ٩٠ وتفسير عيون سيبويه ٥٦ / أوالأعلم ٢ / ١٥٤ والمغني ش ٨٧١ ج ٢ / ٦٢١ والخزانة ٢ / ٤٤٥

(٣) ليس الأسود فحسب ، فهو من الأضداد. وقال الفيروز أبادي : هو الأحمر والأبيض والأسود والنهار. انظر القاموس (الجون) ٤ / ٢١١

٣٠٤

(له ما رأت عين البصير وفوقه

سماء الإله فوق ستّ سمائيا) (١)

الشاهد (٢) فيه أنه جمع (سماء) على (سمائي) على فعائل ، وكان ينبغي أن يقول (سمايا) وذلك أن الهمزة الواقعة بعد ألف الجمع عارضة ، وقد وقع بعدها حرف علة. وإذا كان الأمر على هذا وجب أن نقلب حرف العلة الذي في آخر الجمع ألفا ، وإذا قلب ألفا صارت الهمزة بين ألفين ، فوجب أن تقلب ياء ، وعلة هذا مشروحة في التصريف.

وهذا الجمع هو جمع كثير ، فاضطر الشاعر إلى أنه لم يقلب هذه الياء ألفا ، واضطر إلى فتح هذه الياء المكسور ما قبلها في موضع الجر ، وجعلها بمنزلة الأسماء الصحاح. ولم يقل (سماء) مثل : جوار وغواش. والشاهد على هذا المعنى.

وفي البيت ضرورة غير ما ذكرنا ، ولسنا نحتاج إلى ذكرها في هذا الموضع. و (تجد) جواب الشرط و (تأمل) أمر وقع اعتراضا بين الشرط وجوابه ، كأنه قال : تأمل ما أقول لك ، و (تجد) بمعنى (تعلّم). وقوله : (له ما رأت عين البصير) يريد أن له تعالى ما رأته عين البصير بين الأرض والسماء الدنيا ، وله السماء السابعة التي هي فوق ست سماوات.

والضمير المضاف إليه (فوق) يعود إلى (ما) ، يريد : وله فوق ما رأته عين

__________________

(١) أورد سيبويه عجز الثاني بلا نسبة ، والشعر لأمية في ديوانه ص ٧٠ من قصيدة طويلة في التأمل وقصص الأنبياء. وجاء في رواية البيت الأول : (وإن كان شيء .. باقيا) وفي عجز الثاني : (فوق سبع سمائيا) وروي الثاني للشاعر في اللسان (سما) ١٩ / ١٢٢ وعجزه بلا نسبة في المخصص ٩ / ٣

(٢) ورد الشاهد في : المقتضب ١ / ١٤٤ وشرح الكتاب للسيرافي (خ) ١ / ٢٤٦ والأعلم ٢ / ٥٩ والكوفي ٢٦٣ / ب والخزانة ١ / ١١٨

٣٠٥

البصير. و (سماء الإله) مبتدأ و (فوق ست سمائيا) خبره. وفي الكتاب ، وجميع الكتب التي يستشهد فيها بهذا البيت :

سماء الإله فوق سبع سمائيا

وفي شعره : فوق ست سمائيا. والذي في شعره ظاهر ، لأنه يريد به : السماء السابعة ، وتحتها ست سماوات. ووجه رواية الكتاب ، أنه يريد بسماء الإله : العرش ، والسموات السبع تحته.

[إبدال الهمزة ياء ـ ضرورة]

٥٣٨ ـ قال سيبويه (٢ / ١٧٠) في الهمز ، قال عبد الرحمن بن حسان :

فأمّا ذكرك الخلفاء منكم

فهم منعوا وريدك من وداجي

ولولاهم لكنت كعظم حوت

هوى في مظلم الغمرات داجي

(وكنت أذلّ من وتد بقاع

يشجّج رأسه بالفهر واجي) (١)

هجو عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي ويقول له : ذكرت أن الخلفاء منكم ـ يعني من قريش ـ ولو لا أن الخلفاء منكم لودجتك في حلقك ، والوريد : عرق في العنق ، وودجته : قطعت وداجه ، ولو لا الخلفاء لكنت كعظم سمكة وقع في البحر لا يشعر به.

والغمرات : جمع غمرة وهي قطع الماء التي بعضها فوق بعض ، والداجي :

__________________

(١) رويت الأبيات لعبد الرحمن بن حسان في الكامل للمبرد ١ / ٢٦٣ و ٢ / ١٠٢ وجاء في صدر الأول : (فأما قولك الخلفاء منا) وفي صدر الثاني (ولولاهم لكنت كحوت بحر) وروي الثالث لعبد الرحمن في المخصص ١٤ / ١٤ واللسان (ودأ) ١ / ١٨٦ وبلا نسبة في المخصص ١٥ / ١٢٨ والأول للشاعر في اللسان (ودج) ٣ / ٢٢١

٣٠٦

الأسود ، والقاع : أرض حرّة طيبة الطين مستوية ، والواجي (١) أصله الواجىء ، وهو الذي يدقّ ، يقال : وجأت عنقه دققتها.

[بناء (دراك) على الكسر]

٥٣٩ ـ قال سيبويه (٢ / ٣٧) فيما ينصرف (٢) وما لا ينصرف ، قال طفيل (٣) بن يزيد المعقلي ، حين أغارت كندة على نعمه فلحقهم وهو يقول :

(دراكها من إبل دراكها)

أما ترى الموت لدى أوراكها (٤)

ويروى :

قد لحق الموت على أوراكها

وحمل على فحل الإبل فعقره ، فاستدارت النعم حوله ، ولحقت به بنو الحارث بن كعب فاستنقذوا ماله ، وهربت كندة.

__________________

(١) والشاهد فيه إبدال الهمزة ياء ضرورة. وورد الشاهد في : المقتضب ١ / ١٦٦ والكامل للمبرد ٢ / ١٠٠ والأعلم ٢ / ١٧٠ والكوفي ٢٦٤ / أ

(٢) هو في الكتاب «باب ما جاء معدولا عن حده من المؤنث».

(٣) نقل البغدادي عن ابن خلف أن اسم الشاعر هو طفيل بن يزيد الحارثي ، وهو شاعر فارس جاهلي. انظر الخزانة ٢ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥

(٤) البيتان عند سيبويه بلا نسبة ، وهما لطفيل بن يزيد المعقلي في شرح الكوفي ٢٦٤ / أولطفيل بن يزيد الحارثي في اللسان (ترك) ١٢ / ٢٨٦ ورغبة الآمل ٤ / ٢٠٧ وفيه (تراكها ..

تراكها). والراجح أن الشاعر واحد فاسم جده معقل بن الحارث. انظر : معجم قبائل العرب (كحالة) ٣ / ١١٢٣

ـ وقد ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ١ / ١٢٣ والكامل للمبرد ٢ / ٦٩ والمقتضب ٣ / ٣٦٩ والنحاس ٤٠ / أوالأعلم ١ / ١٢٣ وشرح ملحة الإعراب ٧٨ والإنصاف ٢ / ٢٧٨ والكوفي ٢٦٤ / أوالخزانة ٢ / ٣٥٤. وانظر ما جاء في الفقرة (٥٣٣).

٣٠٧

[إدخال النون الخفيفة في غير موضعها ـ ضرورة]

٥٤٠ ـ قال سيبويه (٢ / ١٥٢) في النون الخفيفة والثقيلة. قال النجاشيّ :

فيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن

بني عامر عني لديك ابن صعصعا

(نبتّم نبات الخيزرانيّ في الثرى

حديثا متى ما يدرك الخير ينفعا)

نبتّم نبات العفل لؤما ودقّة

ينال ويعلى بالمواسي فيجدعا (١)

الشاهد (٢) في إدخاله النون الخفيفة في الفعل الذي هو جواب الشرط.

يهجو بني عامر بن صعصعة. وقوله : نبات الخيزراني يريد به الخيزران. وأدخل عليه ياء في النسب. يعني أن الخيزران لا يعلو ولا يسمو ويرتفع ، إنما هو يسير ويمتد في الأرض. يعني أنهم لا يعلون ولا يذكرون بشيء من المفاخر.

وقوله : حديثا أي عن قرب. يريد أنهم ليس لهم قديم. متى ما يدرك الخير ينفعا ، يقول : إذا أدرك الخير انتفع به /.

[بناء (نظار) على الكسر]

٥٤١ ـ قال سيبويه (٢ / ٣٧) في ما ينصرف (٣) وما لا ينصرف ، قال العجاج

__________________

(١) أورد سيبويه ثانيهما بلا نسبة والأبيات للنجاشي في شرح الكوفي ٢٥٨ / أ. وروي الثاني للنجاشي في الخزانة ٤ / ٥٦٣ ونقل أن الجاحظ ذكره في فخر قحطان على عدنان في شعر كله مخفوض. فكان عجز البيت الأول (بني عامر عني وأبناء صعصع) والثاني (متى ما يأتك الخير ينفع). وانظر رواية الخفض للبيتين الأول والثاني في : العقد الفريد ٥ / ٣٩١

(٢) وقد برر الأعلم هذا التوكيد لفعل خبري يحتمل الصدق والكذب بأنه يشبه الاستفهام في أنه مستقبل مثله. ولا يخرج الأمر في الحقيقة عن الضرورة الشعرية.

ـ وقد ورد الشاهد في : الأعلم ٢ / ١٥٢ والكوفي ١٧١ / أو ٢٥٨ / أوالأشموني ٢ / ٥٠٠ والخزانة ٤ / ٥٦٣

(٣) هو في الكتاب «باب ما جاء معدولا عن حده من المؤنث».

٣٠٨

أتيح مسحول مع الصّبّار

ملالة المأسور للإسار

يفني جميع الليل بالتّزفار

وعبرات الشوق بالإدرار

 (نظاركي أركبه نظار) (١)

الشاهد (٢) في (نظار) وهو مبني ، ووقع في موقع : انظري ، وهو بمعنى (انتظري) ومسحول : اسم جعل العجاج. وأتيح : قدّر عليه أن يكون مع الإبل التي صبرت فلم ترحل. ويجوز عندي أن يكون أراد به : قدّر أن يكون مع الإبل التي تديم السير وتصبر عليه. وقوله : ملالة المأسور (ملالة) ينتصب بإضمار : ملّ ما هو فيه مثل ملالة المأسور للشد والاستيثاق منه.

والتزفار : التنفس لألم يجده المتنفس ، ويفني عبرات الشوق بالإدرار ؛ يريد : يفني دموعه بالبكاء واللفظ للجمل والمعنى له. ونظار كي أركبه : الهاء تعود إلى مسحول ، وهو جمله.

[إظهار التضعيف ـ ضرورة]

٥٤٢ ـ قال سيبويه (٢ / ١٦١) في التضعيف ، قال العجاج :

فكم حسرنا من علاة عنسل

__________________

(١) أورد سيبويه البيت الخامس ونسبه إلى رؤبة والأبيات للعجاج في ديوانه ق ٤ / ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥ ص ٧٥ وجاء في أولها (أنيخ مسحول ..) وفي الخامس (نظار أن أركبه) ووردت له كذلك في مجموع أشعار العرب ق ١٤ / ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥ ج ٢ / ٢٥ وكذا في أراجيز العرب ص ١٥٧ وروي الخامس لرؤبة في المخصص ١٧ / ٦٣

(٢) انظر له ما ورد في الفقرتين (٥٣٣) و (٥٣٩) وحواشيهما. وقد ورد الشاهد في : الكامل للمبرد ٢ / ٦٩ والمقتضب ٣ / ٣٧٠ والأعلم ٢ / ٣٧ والإنصاف ٢ / ٢٧٩ والكوفي ٢٦٤ / أ

٣٠٩

حرف كقوس الشّوحط المعطّل

لا تحفل السّوط ولا قولا حلي

 (تشكو الوجى من أظلل وأظلل) (١)

الشاهد (٢) فيه أنه اضطر إلى إظهار التضعيف في (أظلّ).

والأظلّ : باطن خف البعير وهو ما يصيب الأرض منه ، والعلاة : الناقة الصلبة ، والعنسل : السريعة ، وحسرناها : أتعبناها حتى أعيت ، والحرف : الصلبة

__________________

(١) أورد سيبويه البيت الرابع بلا نسبة ، والأبيات للعجاج في ديوانه ق ١٢ / ٨٥ ـ ٨٦ ـ ٨٧ ـ ٨٨ ص ١٥٥ من أرجوزة طويلة قالها يمدح يزيد بن معاوية مطلعها :

ما بال جاري دمعك المهلّل

وجاء في البيت الثالث (لا تحفل الزجر ولا قيل حل).

ووردت كذلك للعجاج في مجموع أشعار العرب ق ٢٩ / ٨٥ ـ ٨٦ ـ ٨٧ ـ ٨٨ ج ٢ / ٤٧ وكذا في أراجيز العرب ص ١٧ وجاء فيه أن العجاج قالها يمدح يزيد بن عبد الملك. ويبدو كلا القولين محتملا وقد عايش العجاج كلا الرجلين خليفة أو أميرا. توفي ابن معاوية ٦٤ ه‍ والعجاج ٩٠ ه‍ وابن عبد الملك ١٠٥ ه‍ ولكن رواية سيبويه لأحد أبيات الأرجوزة يجعل المديح لابن معاوية ، وذلك في ذكره معاوية بقوله :

إنك يا معاوي ابن الأفضل

انظر لذلك ما ورد في الفقرة (٣٠٥) وقد تقدم شيء من هذه الأرجوزة أيضا في الفقرات (١٥٧) و (٢٦٢) ورويت الأبيات متفرقة. فورد الثاني والثالث والرابع للعجاج في اللسان (ملل) ١٤ / ١٥٣ والرابع فقط للعجاج في اللسان (كدس) ٨ / ٧٦ و (ظلل) ١٣ / ٤٤٦ وروي بلا نسبة في : زينة الفضلاء ٨٩

(٢) ورد الشاهد في : المقتضب ١ / ٢٥٢ و ٣ / ٣٥٤ والنحاس ٥ / ب والأعلم ٢ / ١٦١ والكوفي ٢٦٤ / ب

٣١٠

التي كأنها حرف جبل ، وقيل : الحرف التي ذهب لحمها ، والشوحط : شجر معروف وشبهها بقوس من القسي التي تعمل من الشوحط. يعني أنه قد اعوجّت وضمر بطنها فبقيت كأنها قوس معمولة من خشب الشوحط.

والمعطّل : الذي قد أخذ منه الوتر وترك ، لا تحفل السوط : أي لا تسرع إذا ضربتها بالسوط لأنها قد أعيت ولم يبق عندها بقية من العدو تخرجها إذا أفزعت ، ولا تحفل : لا تبالي به و (حل) : زجر من زجر الإبل. يقول : هي لا تبالي بضرب السوط ، ولا بزاجر. والوجى : أن يرق جلد خفها وينشق ويخرج منه الدم. من أظلل وأظلل : أراد من أظلّ يدها ومن أظلّ رجلها.

[جرّ ياء المنقوص بالفتحة ـ ضرورة]

٥٤٣ ـ قال سيبويه (٢ / ٥٨) فيما ينصرف وما لا ينصرف ، قال الفرزدق :

(فلو كان عبد الله مولى هجوته

ولكنّ عبد الله مولى مواليا) (١)

الشاهد (٢) في البيت أنه فتح الياء من (موالي) في موضع الجر ، واضطر إلى فتحها وجعلها كالحروف الصحاح.

__________________

(١) لم أعثر على البيت في ديوان الفرزدق ، غير أن معظم المصادر تردد نسبته إلى الفرزدق في خبر مفصل حول تعقب عبد الله لبعض اللحن في شعره. وقد ورد البيت للفرزدق في : طبقات الشعراء لابن سلام ١ / ١٨ والموشح للمرزباني ٩٩ واللسان (ولى) ٢٠ / ٢٩٠ و (عرا) ١٩ / ٢٧٥ ثم قال في (عرا) ويرويه ابن بري للمتنخل الهذلي.

(٢) ورد الشاهد في : المقتضب ١ / ١٤٣ والفاضل ص ٥ والنحاس ٦ / أوالأعلم ٢ / ٥٨ وشرح الأبيات المشكلة ٢٠٦ والكوفي ٢٦٤ / ب وأوضح المسالك ش ٤٨٩ ج ٣ / ١٦١ والأشموني ٢ / ٥٤١ والخزانة ١ / ١١٤ وكلهم نسبه إلى الفرزدق إلا من أغفل أمر ذلك منهم.

وأشار البغدادي إلى أن جرّ نحو (جواري وموالي) بالفتحة دون حذف الياء لغة لبعض

٣١١

والمولى : الحليف الذي انضم إلى قوم ليعزّ بعزّهم ، ويمتنع ممن ظلمه بنصرهم ودفعهم عنه. والذين ينضم إليهم الحلفاء هم يكونون أعزّ وأشرف ممن ينضم إليهم ، لأنهم إنما انضموا إليهم لقوتهم وعزتهم ، والحليف دون الذي انضم إليه ، وإن حالف محالف الحليف صار مولى مولى ، فهو دون الحليف الأول.

وعبد الله (١) بن أبي إسحق الحضرمي هو مولى بلحضرمي ، وبنو الحضرمي حلفاء بني عبد شمس بن عبد مناف ، فهو مولى مولى. وسبب هذا الهجاء أن ابن أبي إسحق عاب شيئا من شعر الفرزدق ، فهجاه ، وله معه قصة مشهورة. يقول أنا لا أهجوه لأنه مولى مولى ، فأنا أرفع نفسي عنه.

[في تنوين العلم]

٥٤٤ ـ قال سيبويه (٢ / ١٤٨) في تنوين أسماء الأعلام. قال الأغلب العجلي :

(جارية من قيس بن ثعلبه)

قبّاء ذات سرّة مقعّبه

__________________

العرب كغير المصروف على وزن (مفاعل) وعلى هذا لا يكون الفرزدق لاحنا. غير أن جمهور العرب يحذفها. ومن هنا كان تمسك ابن أبي إسحق بدافع الحرص على إقامة القواعد القياسية الموحدة ، وخيرا فعل. وتبقى مثل هذه الحالات المخالفة بسبب الضرورة .. مما لا يقاس عليه.

(١) اسمه عبد الله بن زيد بن الحارث الحضرمي ، أبو بحر بن أبي إسحق ، أحد الأئمة في العربية والقراءات ، كان أشد تجريدا للقياس ، وأبو عمرو أوسع علما بكلام العرب ولغاتها (ت ١١٧ ه‍). ترجمته في : الفاضل للمبرد ص ٥ وأخبار النحويين البصريين ٦١ وغيرها والموشح ٩٩ وبغية الوعاة ٢ / ٤٢ والخزانة ١ / ١١٥

٣١٢

ممكورة الأعلى رداح الحجبه

كأنها حلية سيف مذهبه (١)

الشاهد (٢) في إثبات تنوين (قيس) وتحريكه لالتقاء الساكنين.

وقيس (٣) بن ثعلبة بن عكابة قبيلة عظيمة ، والقباء : التي ضمر بطنها ، والمقعبة :

السّرّة التي قد دخلت في البطن وغمضت ، فعلا ما حولها ، فصار موضعها كأنه قعب.

والممكورة : المطوية الخلق. وأراد بالأعلى بطنها وما يليه ، والرّداح الثقيلة الضخمة ، والحجبة : رأس الورك. أراد أن عجيزتها ثقيلة ضخمة ، كأنها حلية سيف في بريقها وحسنها. (٤)

__________________

(١) الأبيات للأغلب العجلي في فرحة الأديب ٣٨ / ب وسيلي نص ذلك ، ورويت للأغلب بدون ثالثها في اللسان (حلا) ١٨ / ٢١٢ وأولها للشاعر في (ثعلب) ١ / ٢٣١ وروي الثاني والرابع بلا نسبة في المخصص ١٢ / ٢٢ والأول والثاني والرابع في اللسان (قبب) ٢ / ١٥٢

(٢) ورد الشاهد في : المقتضب ٢ / ٣١٥ والنحاس ١٠٤ / أوالأعلم ٢ / ١٤٨ والكوفي ٢٦٤ / ب وشرح أبيات المفصل ٢٠٣ / أوالخزانة ١ / ٣٣٢

وذكر المبرد أن الثاني (ابن) إذا لم يكن نعتا ، فليس في الأول إلا التنوين. وذكر البغدادي أن (ابن) هنا ـ عند ابن جني ـ بدل مما قبله ، فوجب أن ينوي انفصاله عما قبله ، فاحتاج إلى الألف لئلا يبتدىء بالساكن.

ويبقى تنوين (قيس) هنا للضرورة أقرب إلى واقع الحال ، وأبعد عن التكلف مما ذهب إليه ابن جني.

(٣) انظر جمهرة الأنساب ٣١٤ و ٣١٩

(*) عقب الغندجاني ـ بعد أن أورد الأبيات والعبارة الأخيرة من الشرح ـ بقوله :

«قال س : هذا موضع المثل :

هوى ناقتي خلفي وقدّامي الهوى

وإني وإياها لمختلفان

٣١٣

__________________

مراد الشاعر في هذه الأبيات غير ما ذهب إليه ابن السيرافي ، وذلك أنه توهم أبيات غزل أريد بها أمر جميل لم يعرف ما بعده ، فإنه ينجرّ إلى هجاء مقذع ، وأن هذه الصفة استطراد له ، وهذه الأبيات للأغلب يهجو بها كلبة ، وكانت كلبة تهاجيه وهي التي تقول للأغلب :

ناك أبو كلبة أمّ الأغلب

فهي على جردانه توثّب

توثّب الكلب لحسّ الأرنب

 ....

وأبيات الأغلب هي :

١) جارية من قيس بن ثعلبه

٢) قبّاء ذات سرّة مقعّبه

٣) ممكورة الأعلى رداح الحجبه

٤) كأنها خلّة سيف مذهبه

٥) أهوى لها شيخ شديد العصبه

٦) خاظي البضيع أيره كالخشبه

٧) فضربت بالودّ فوق الأرنبه

٨) ثم انثنت به فويق الرقبه

٩) فأعلنت بصوتها أن يا أبه

١٠) كل فتاة بأبيها معجبه

١١) فقال في الألطاف عند الأربه

١٢) يكفي عتاب الفارك المخضّبه

١٣) عرد كساق البكرة المشذّبه

١٤) في رأسه مثل الفريّ المكربه

١٥) يعجل قبل ما بها بالقبقبه

وقال الأغلب أيضا فيها :

١) هل يغلبنّي شاعر رطب حره

٢) مختلط أسوده وأحمره

٣) سلاحه يوم الهياج مجمره

٤) رخص إذا عارك قرنا يبهره

٥) مكحّل العينين حلو منظره

٦) أتمّ منه لونه ومحجره

٧) والجسم قد تم وتم مخبره

٨) مقلّدا تقصاره وجبره

٣١٤

[توكيد جواب القسم بالنون لتقدمه على الشرط]

٥٤٥ ـ قال سيبويه (٢ / ١٥١) في النون الخفيفة ، قالت ليلى الأخيلية : /

(تساور سوّارا إلى المجد والعلا

وفي ذمتي لئن فعلت ليفعلا) (١)

الشاهد (٢) فيه إدخال النون الخفيفة في جواب القسم ، وهو قوله (ليفعلا).

ويروى :

وأقسم حقا إن فعلت ليفعلا

وسوّار هو سوّار القشيري ، وكان يهاجي النابغة الجعديّ ، فقال النابغة

__________________

٩) أقبّ قدما زانه مؤخّره

١٠) مثل نقا الرمل حشاه مئزره

١١) مخضّب الأطراف حرّ بشره

١٢) يرضي الضجيع دلّه ونظره

١٣) وهي تنادي تحته وتذمره

١٤) وهو شديد نعظه وذكره

١٥) حتى يغيب في القراب مسبره

١٦) قالت له في بعض ما تشطّره

١٧) من يشتري سيفي وهذا أثره

«هذا مثل يقول : من يريد هذا وهذا أثره ، كأنها ترغّب في متاعها ، تقول : هذا هو».

(فرحة الأديب ٣٨ / أوما بعدها)

(١) ديوان ليلى ق ٣٣ / ٧ ص ١٠١ من قصيدة قالتها في هجاء النابغة الجعدي وكان بلغها أن بني جعدة استعدوا عليها أمير المدينة. وجاء في رواية البيت :

(تنافر .. وأقسم حقا إن فعلت)

(٢) ورد الشاهد في : المقتضب ٣ / ١١ والأعلم ٢ / ١٥١ والكوفي ٢٦٥ / أ

٣١٥

لسوّار شيئا أغضب ليلى ، فهجت النابغة (١). وقولها تساور : تفاخر وتعاظم ، والمساورة : المواثبة ، أي تفاخر سوارا وتفاضله ، ولئن فعلت ليفعلا : ليفاخرنك ويغلبنك. ويروى

تنافر سوارا ...

تريد أنّ مناقب سوّار وقومه ومفاخرهم كثيرة لا تقعد بهم ، ولا يخشون ـ إن فاخرتهم ـ أن تفضل عليهم. وقولها : وفي ذمتي أي في ذمتي القيام بما أدّعيه لسوّار ، وما أضمنه من مفاخرتك ومغالبتك.

وليست (في) معلقة بالشرط ولا بجوابه ، إنما هي في موضع خبر ابتداء محذوف.

[بناء (يسار) على الكسر معدولا عن الميسرة]

٥٤٦ ـ قال سيبويه (٢ / ٣٩) فيما لا ينصرف (٢) قال حميد بن ثور :

__________________

(*) عقب الغندجاني ـ على ما تقدم من شرح ابن السيرافي للبيت ـ بقوله :

«قال س : هذا موضع المثل : لا تنشد القريض

فسر ابن السيرافي هذا الشعر من غير روية. لم تغضب ليلى لما قاله ابن السيرافي ، وإنما غضبت لأجل قول النابغة فيها في كلمة له :

دعي عنك تهجاء الرجال وأقبلي

على أذلعيّ يملأ استك فيشلا

وإنما هجاها النابغة لقولها :

قشير وإن أمدح قشيرا فإنهم

بناة مساعي عامر وفرومها

فلما هجاها النابغة ؛ قالت ليلى في كلمة لها تجيبه : تساور سوّارا .. البيت».

(فرحة الأديب ٣٩ / أ)

(١) هو في الكتاب «باب ما جاء معدولا عن حده من المؤنث».

٣١٦

(فقلت امكثي حتى يسار لعلنا

نحجّ معا ، قالت أعاما وقابله!)

الشاهد فيه أن (يسار) مصدر بمعنى الميسرة ، والبيت في شعره مرفوع وإنشاده :

فقلت امكثي حتى يسار لعلنا

نحج معا قالت أعام وقابله؟

لقد طال ما أكببت تحت بجادكم

وما كسرتني كلّ عام مغازله (١)

وأول القصيدة :

وقالت أغثنا يابن ثور ألا ترى

إلى النّجد تحدى نوقه وجمائله

كانت امرأته سألته أن يتركها حتى تمضي إلى الحج ، فقال لها : اصبري حتى يصير لي يسار وأنفق عليك ، ولعلي أخرج أنا وأنت. فقالت له : أعام ، تقديره : أوقت حجنا عامنا هذا وقابله؟ وقولها : أعام وقابله ؛ تريد أن الاستعداد للحج ، والخروج إلى مكة ، والرجوع ، يكون في بعض سنتين ، فيكون الاشتغال بأسباب الحج وبالحج ، يكون بعض شهور السنة التي هي فيها ، وبعض شهور السنة التي بعدها. وهذا التأويل أحب إليّ من أن أجعل الواو في معنى (أو) وتكون أرادت أن تقول (٢) : أعام أو قابله.

__________________

(١) ورد البيت الأول عند سيبويه بلا نسبة. والأبيات لحميد في شرح الكوفي ٢٦٥ / أوروي البيت الثاني فقط في ديوانه ص ١١٧ وجاء في روايته ـ وفيه تحريف ـ (لو اننا نحج فقالت لي أعام وقابل). وروي الثاني بلا نسبة في : المخصص ١٧ / ٦٤ واللسان (يسر) ٧ / ١٦٠ ورواية سيبويه والأعلم والمخصص واللسان (أعاما وقابله) غير أن هذه الرواية لا تتفق مع بقية الأبيات وهي مضمومة الروي ، ولا ضرورة لهذا الإقواء.

ـ وقد ورد الشاهد في : الأعلم ٢ / ٣٩ وشرح ملحة الإعراب ٧٨ والكوفي ٢٦٥ / أ

(٢) (أن تقول) ساقط في المطبوع.

٣١٧

وقولها : لقد طال ما أكببت تحت بجادكم ، تريد : لقد طال ما أكببت على المغزل. والبجاد : بت (١) يعمل من الصوف. تريد أنها لزمت القعود في البيت مكبة على المغزل. وما كسرتني المغازل : تريد أنها قوية ، وما أضعفها كثرة غزلها.

[تأنيث حرفي الكاف والميم]

٥٤٧ ـ قال سيبويه (٢ / ٣١) قال سيبويه فيما لا ينصرف (٢) ، قال الراعي :

أشاقتك آيات أبان قديمها

كما بيّنت كاف تلوح وميمها) (٣)

الشاهد (٤) فيه أنه أنث الكاف والميم.

وأبان قديمها : بمعنى تبيّن واستبان ، ويقال بان الشيء وأبان وبيّن وتبيّن واستبان بمعنى واحد. ويروى : (كما تبيّنت كاف) بفتح الباء والياء.

شبه ما بان من آثار الديار. التي ذهب أهلها منها ـ بالحروف المكتوبة.

وهذا معنى يتداوله الشعراء وهو واضح.

[تذكير (حي) وصرفه]

٥٤٨ ـ قال سيبويه (٢ / ٢٧) فيما لا ينصرف (٥) ، قال الراعي :

__________________

(١) في المطبوع : بيت.

(٢) هو في الكتاب : (باب تسمية الحروف والكلم التي تستعمل ـ وليست ظروفا ، ولا أسماء غير ظروف ، ولا أفعالا ، فالعرب تختلف فيها ، يؤنثها بعض ويذكّرها بعض).

(٣) لم يرد البيت في ديوان الراعي. غير أن فيه مقطوعة من البحر والقافية. مطلعها ـ وليس بمطلعها في الحقيقة ـ :

ومستنبح تهوي مساقط رأسه

على الرّحل في طخياء طلس نجومها

وروي البيت للراعي في : المخصص ١٧ / ٤٩ واللسان (كوف) ١١ / ٢٢٢

(٤) ورد الشاهد في : المقتضب ١ / ٢٣٧ والأعلم ٢ / ٣١ والكوفي ٢٦٥ / ب

(٥) هو في الكتاب (باب أسماء القبائل والأحياء).

٣١٨

فأما مصاب الغاديات فإننا

على الهول راعوه ولو أن نقارعا

(بحيّ نميريّ عليه مهابة

جميع إذا كان اللئام جنادعا) (١)

الشاهد (٢) فيه أنه ذكّر الحي ووصفه ب (نميري).

والغاديات : السحاب التي تمطر غدوة ، ومصابها : مواقع مطرها ، وراعوه : يعني أنهم يرعون العشب الذي ينبت بالمواضع التي يقع فيها الغيث أين كان من الأرض ، والهول : الفزع. يقول : إذا فزعوا أن يردوا مكانا فيه عشب ـ خوفا أن يغار عليهم ـ فإننا نرعاه ولو أن نقارع ، أي ولو أن نقاتل حتى نغلب عليه.

وجميع : مجتمع الشأن ، أمره واحد لا يخالف بعضهم بعضا. والجنادع : جمع الجندع وفسروا الجنادع بالأوائل. وأظن أنهم يعنون الأوائل في الهرب. ويجوز عندي أن يعني بالجنادع الأقلّاء ، والجنادع : دوابّ صغار تكون [في] جحرة الضباب واليرابيع وما أشبهها إذا حفرت الجحرة خرجت. المعنى أنهم يكونون بمنزلة الجنادع في الذلة. ويقال في الشر : ظهرت جنادعه ، إذا ظهرت أوائله.

[إسكان الياء في حالة النصب ـ ضرورة]

٥٤٩ ـ قال سيبويه (٢ / ٥٥) فيما لا ينصرف ، قال الحطيئة : /

(يا دار هند عفت إلا أثافيها

بين الطويّ فصارات فواديها) (٣)

__________________

(١) أورد سيبويه ثانيهما بلا نسبة ، والبيتان ليسا في ديوان الراعي. وروي ثانيهما للراعي في اللسان (جدع) ٩ / ٣٩٣ و (جندع) ٩ / ٤١٣ وبلا نسبة في المخصص ١٧ / ٤٢

(٢) ورد الشاهد في : الأعلم ٢ / ٢٧ والكوفي ٢٦٥ / ب

(٣) أورد سيبويه شطره الأول ـ حيث الشاهد ـ ونسبه إلى بعض السعديين. والبيت للحطيئة في ديوانه ص ١١١ من قصيدة هو مطلعها. وروي بلا نسبة في اللسان (ثفا) ١٨ / ١٢٢

٣١٩

الشاهد (١) في إسكان الياء من (أثافيها) وهي منصوبة.

والأثافيّ : الحجارة التي تنصب عليها القدر ، والطويّ وصارات : مواضع. يعني أنه درست معالمها فلم يبق منها إلا الأثافي.

[الاقتصار على ذكر حرف من جملة الكلام]

٥٥٠ ـ قال سيبويه (٢ / ٦٢) في باب ما لا ينصرف. وأنشد :

(بالخير خيرات وإن شرّا فا)

(ولا أريد الشرّ إلا أن تا) (٢)

بألف بعد الفاء في البيت الأول ، وألف بعد التاء في البيت الثاني. والشاهد (٣) فيه أنه اقتصر على ذكر حرف من جملة الكلام ، وذكر الحرف يدل على بقية الكلمة ، وتكون الألف للمد تابعة لفتحة الفاء وفتحة التاء.

وأراد بالخير خيرات وإن شرا فشر ، فذكر الفاء وحدها ومدّها ، ولا أريد الشر إلا أن تشائي أيتها المرأة ، فذكر التاء وحدها ، ثم أتبعها الألف.

وعلى هذا الوجه يكون حرف الروي مختلفا : يكون في البيت الأول فاء ،

__________________

(١) ورد الشاهد في : النحاس ١٠٢ / ب والأعلم ٢ / ٥٥ والكوفي ٦٣ / أ. سكنت الياء ضرورة في (أثافيها) ويجوز تشديدها.

(٢) أورد سيبويه البيتين بلا نسبة. وهما لحكيم بن معيّة التميمي في اللسان (معي) ٢٠ / ١٥٧ في أربعة أبيات ، جاء فيها روي البيتين (فأى) (تأى) ونسبهما ابن منظور بعد سطور إلى لقمان بن أوس بن ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن غنم. وورد البيتان وقبلهما آخر بلا نسبة في اللسان (آ) ٢٠ / ٣١٣ و (تا) ٢٠ / ٣٣٠ والشعر في شرح الكوفي لنعيم ابن أوس بن مالك.

(٣) ورد الشاهد في : النحاس ١٠٢ / ب وسر صناعة الإعراب ١ / ٩٤ والأعلم ٢ / ٦٢ والكوفي ٦٢ / ب

٣٢٠