شرح أبيات سيبويه - ج ٢

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي

شرح أبيات سيبويه - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي


المحقق: الدكتور محمّد علي سلطاني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٣
الجزء ١ الجزء ٢

[حمل (سبأ) على القبيلة فمنعه من الصرف]

٤٩٣ ـ قال سيبويه (٢ / ٢٨) في باب أسماء القبائل : «وكان أبو عمرو لا يصرف سبأ يجعله اسما للقبيلة» وقال النابغة الجعدي :

يا أيها الناس هل ترون إلى

فارس بادت وخدّها رغما

أمسوا عبيدا يرعون شاءكم

كأنما كان ملكهم حلما

(أو سبأ الحاضرين مأرب إذ

يبنون من دون سيله العرما) (١)

يقول : انظروا الى فارس ، ورغم خدها : أي ذلت وقهرت وذهب ملكها ، كأنه كان مناما. (أو سبأ) معطوف على (فارس) كأنه قال : هل ترون الى فارس والى سبأ. ومأرب : موضع باليمن ، والعرم : المسنّاة (٢) الواحدة عرمة.

__________________

تكلم ابن السيرافي في هذا البيت وأكثر ، فتحير فيه وحيّر ، ثم جاء بحديث أمتين بكذب ومين. والصواب أن وبارا هي من ناحية الشحر ، آخر رمال بني سعد بن زيد مناة بن تميم ، وذلك أن وبار بن أميم بن لاوذ بن سام ابن نوح ، نزلها فسميت به».

(فرحة الأديب ٥٦ / أ)

(١) أورد سيبويه البيت الثالث بلا نسبة. والأبيات للنابغة الجعدي في ديوانه ق ٨ / ١٢ ـ ١٣ ـ ١٤ ورويت الأبيات للشاعر في : رغبة الآمل ٧ / ٢٣٤ عن ابن خالويه. وجاء في عجز الأول (وأنفها رغما) وفي صدر الثاني (شاتكم) وفي صدر الثالث (رأوا سبأ) وروي ثالثها المشاعر في : اللسان (عرم) ١٥ / ٢٩٠ وهو بلا نسبة في : المخصص ١٧ / ٤٣ واللسان (سبأ) ١ / ٨٧

ـ الشاهد فيه أنه حمل (سبأ) على القبيلة فمنعه من الصرف ، ولو حمله على الحي لجاز. وقد ورد الشاهد في : الكامل للمبرد ٣ / ٢٨٦ والأعلم ٢ / ٢٨ والإنصاف ٢ / ٢٦٥ والكوفي ٢٥٦ / ب

(٢) المسنّاة : من سنيت الأمر إذا فتحت وجهه ، فهو سد لرد الماء ، فيه مفاتح

٢٤١

[(حلاق) معدول عن الحالقة]

٤٩٤ ـ قال سيبويه (٢ / ٣٨) في باب (فعال) ، قال عدي (١) ابن ربيعة التغلبي أخو كليب ومهلهل ابني ربيعة ـ يرثي مهلهلا ، ويذكر من هلك من قومه :

ظبية من ظباء وجرة تعطو

بيديها في ناضر الأوراق

ضربت صدرها إليّ وقالت

يا عديا لقلبك المشتاق

(ما ترجّي بالعيش بعد ندامى

قد تراهم سقوا بكأس حلاق) (٢)

وجرة : موضع بعينه. شبه المرأة بظبي من ظباء هذا المكان ، وتعطو : تتناول بيديها من ورق الشجر ، وناضر : الأخضر الغض ، والأوراق : جمع ورق. وقوله : ضربت صدرها ، يريد أنه فعلت هذا لاغتمامها بي وبما نزل بقلبي

__________________

(١) عدي هو نفسه مهلهل ، ولقب مهلهلا ببيت قاله. انظر ترجمته ومصادرها في حواشي الفقرة (٢٤٤)

(٢) أورد سيبويه البيت الثالث ونسبه إلى مهلهل. ورويت الأبيات الثلاثة باسم عدي ابن ربيعة في : فرحة الأديب ٣٥ / أ، وروي الثاني والثالث في أبيات لعدي في الأغاني ٥ / ٥٢ وجاء عجز الثاني في كلا المصدرين : (يا عديا لقد وقتك الأواقي). وروي الثاني لمهلهل في اللسان (وقى) ٢٠ / ٢٨٢ والثالث لعدي في معجم الشعراء ٢٤٨ وباسم مهلهل في اللسان (كأس) ٨ / ٧٢ و (حلق) ١١ / ٣٥٢ وبلا نسبة في : المخصص ٦ / ١٢٢ و ١٧ / ٦٤

ـ الشاهد في قوله (حلاق) بني على الكسر لأنه معدول عن (الحالقة). وقد ورد الشاهد في : المقتضب ٣ / ٣٧٣ والأعلم ٢ / ٣٨ والكوفي ٢١٣ / ب و ٢٥٦ / ب و ٢٧٠ / ب وابن عقيل ش ٨٦ ج ٢ / ٢٠٩ والأشموني ٢ / ٤٤٨

٢٤٢

من ألم المصائب. يريد أنه مشتاق إلى من هلك من قومه (١).

ثم قالت له : ما ترجو أن يكون عيشك بعد مفارقة أهلك وقومك ، وقد سقوا بكأس المنية ، أي ماتوا.

[حركة العين في جمع (فعلة) السالم]

٤٩٥ ـ قال سيبويه (٢ / ١٨٢) : «ومن العرب من يفتح العين إذا جمع بالتاء فيقول ركبات وغرفات». يريد أن جمع (فعلة) في السلامة يجوز في عينه أن تضم وأن تفتح وأن تسكّن قال عمرو بن شأس الأسدي :

(فلما رأونا باديا ركباتنا

على موطن لا نخلط الجدّ بالهزل)

تولّوا وأعطونا التي يتّقي بها

الذليل ، ومنا الخرق ذو المنطق الفصل (٢)

ويروى : على مأقط. والمأقط : الموضع يشتد فيه الحرب وهو مهموز ، وجمعه مآقط. يقول : لما رآنا الذين نحاربهم قد نزلنا عن خيلنا ، وجثونا على ركبنا ، علموا أن القتل قد هان علينا فانهزموا ، وبذلوا لنا النزول على حكمنا ، وصبروا على ما نسومهم وأقروا عليه ، كما يصبر الذليل الذي لا طاقة له بالدفع عن نفسه.

والخرق : الرجل السخي الكريم ، والفصل : الذي تفصل به الأمور الملتبسة. يقول : نحن شجعان وخطباء وشعراء.

__________________

(*) عقب الغندجاني على رواية ابن السيرافي بقوله :

«قال س : أخطأ ابن السيرافي في عجز البيت الثاني. والصواب : يا عديا لقد وقتك الأواقي».

(فرحة الأديب ٣٥ / أ ـ ب)

(١) أورد سيبويه أولهما بلا نسبة ، وهما لابن شأس في شرح الكوفي ٢٥٦ / ب.

ـ وقد ورد الشاهد في : المقتضب ٢ / ١٨٩ والأعلم ٢ / ١٨٢ والكوفي ٢٥٦ / ب.

٢٤٣

[إدخال نون التوكيد الخفيفة على فعل الأمر]

٤٩٦ ـ قال سيبويه (٢ / ١٤٩) في باب الثقيلة والخفيفة : «وأما الخفيفة فقوله عز وجل : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ)(١) وقال الأعشى».

(فإياك والميتات لا تقربنّها

ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا) (٢)

الشاهد فيه (٣) : إدخاله النون الخفيفة على (اعبد) الذي هو فعل أمر.

وقوله : فإياك والميتات : يريد به أن الميتة محرّم أكلها ، وإنما ذكر ما يدعو إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان مدحه بهذه القصيدة ، وذكر فيها ما جاءت به الشريعة ، وأراد أن يلحق به ويسلم فمنعته قريش.

والبيت في شعره / :

فإياك والميتات لا تقربنّها

ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا

__________________

(١) سورة العلق ٩٦ / ١٥

(٢) ديوان الأعشى ق ١٧ / ١٩ ص ١٣٧ من قصيدة أعدها ليمدح بها الرسول صلى الله عليه وسلم وقد خرج إليه يريد الإسلام ، وكان ذلك في المدة بين صلح الحديبية ٦ ه‍ وفتح مكة ٨ ه‍ ، فلما بلغ مكة وعرفت قريش مراده ، لم يزالوا به حتى صدوه عن وجهه وقد جمعوا له مائة ناقة حمراء. فقفل راجعا إلى اليمامة ولم يلبث أن مات من عامه. وجاءت رواية البيت : (.. لا تأكلنّها ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا). وهذه الرواية أفضل نفيا للتكرار ، لورود التركيب في بيت آت يقول فيه (ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا) وروي البيت للأعشى في اللسان (روي) ٩ / ٦٨

(٣) ورد الشاهد في : المقتضب ٣ / ١٢ والأعلم ٢ / ١٤٩ وشرح الأبيات المشكلة ١١٥ والإنصاف ٢ / ٣٤٨ والكوفي ١٤٤ / أو ١٦٧ / أو ١٦٩ / أو ٢٥٧ / أوالمغني ش ٦١٦ ج ٢ / ٣٧٢ وأوضح المسالك ش ٤٧٧ ج ٣ / ١٣٩ وشرح السيوطي ش ٥٩٨ ص ٧٩٣ وص ٥٧٧ والأشموني ٢ / ٥٠٥

٢٤٤

وذا النّصب المنصوب لا تنسكنّه

ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا (١)

وكان بعضهم يأخذ سهما يفصد به الناقة فيشرب دمها ، وهذا كان يفعل إذا قلّ اللبن ، فحرم الله عز وجل عليهم الدم إلا عند الضرورة. والنصب : حجر كانوا (٢) ينصبونه ، ويذبحون عنده لآلهتهم.

ويقال : نسك ينسك إذا ذبح على وجه القربة. والمعنى : لا تذبح ذبيحة تتقرب بها إلى الأصنام ، وأراد لا تنسكنّ عنده ، فعدىّ الفعل إليه. والمعنى واضح.

[تقديم (ها) قبل (لعمر الله)]

٤٩٧ ـ قال سيبويه (٢ / ١٤٥) في باب ما يكون ما قبل المحلوف به عوضا من اللفظ بالواو : «وذلك قولك : إي ها الله ذا». ثم تكلم في (ها) وأنها عوض من حرف القسم وفي إثبات الألف بعدها ، الى أن قال : «فأما قولهم : ذا» يريد (ذا) الذي بعد قولك : إي ها الله ذا «فزعم الخليل أنه المحلوف عليه ، كأنه قال : إي والله للأمر هذا ، فحذف الأمر لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم ، وقدّم (ها)».

يريد أن الجملة التي هي جواب القسم (للأمر هذا) و (الأمر) مبتدأ ، وخبره (هذا) واللام تدخل على المبتدأ إذا كان جواب القسم ، كما تقول : والله

__________________

(١) ديوان الأعشى ق ١٧ / ١٩ ـ ٢٠ ص ١٣٧ وجاء في صدر الأول (لا تأكلنّها) وفي عجز الثاني (الأوثان) بدل الشيطان. وهي أدق في الأداء لتوافق الأوثان مع النصب في صدر البيت ولأن النهي عن الشيطان آت في بيت قال : (ولا تحمد الشيطان ..).

وروي الثاني للأعشى في : المخصص ١٣ / ١٠٤ واللسان (نصب) ٢ / ٢٥٦ و (سبح) ٣ / ٣٠١ و (نون) ١٧ / ٣١٨

(٢) في الأصل المطبوع : كان.

٢٤٥

لزيد قائم ، ولعمرو ذاهب ، فحذف المبتدأ مع اللام ، وقدّم (ها) قبل القسم وهي في الأصل تكون في جواب القسم كما تقدم. وأنشد سيبويه بيت زهير :

(تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما

فاقصد بذرعك وانظر أين تنسك) (١)

الشاهد (٢) في تقديم (ها) قبل (لعمر الله) وحذف المبتدأ من جواب القسم وأصله : (تعلمّن لعمر الله للأمر هذا). (فالأمر) مبتدأ و (هذا) خبره فحذف المبتدأ ، فبقي (تعلمن لعمر الله هذا) ثم قدّم (ها) قبل القسم فصار (هالعمر الله).

و (تعلّمن) بمعنى اعلمن يقال تعلّم كذا واعلم كذا ، ودخلت النون الخفيفة للتأكيد ، و (هذا) من قولك (للأمر هذا) إشارة إلى خبر وكلام قد تقدم للمتكلم ، فإذا فرغ من كلامه قال للمخاطب : تعلم والله للأمر هذا ، أي : للأمر هذا الذي أخبرتك به.

ويجوز أن تكون الإشارة إلى أمر يذكره المتكلم في كلام يتلو كلامه هذا ، كأنه يقول : والله للأمر هذا الذي أذكره لك بعد كلامي هذا. وبيت زهير منه ، لأنه قال بعده

لئن حللت بجوّ في بني أسد

في دين عمرو وحالت بيننا فدك

__________________

(١) البيت في : شعر زهير ص ٨٤ وجاء في عجزه (فاقدر بذرعك) وكذا في : شرح ديوان زهير ص ١٨٢ وروي البيت لزهير في : المخصص ١٣ / ١١٣ واللسان (سلك) ١٢ / ٣٢٧ و (ها) ٢٠ / ٣٧٢

(٢) ورد الشاهد في : المقتضب ٢ / ٣٢٣ والنحاس ١٠٣ / ب والأعلم ٢ / ١٤٥ والكوفي ٢٥٧ / أوالخزانة ٢ / ٤٧٥ و ٤ / ٢٠٨ و ٤٧٨

٢٤٦

ليأتينّك مني منطق قذع

باق كما دنّس القبطية الودك (١)

فالإشارة واقعة إلى ما يريد أن يفعله. والمخاطب بهذا الكلام الحارث بن ورقاء الصيداوي وكان قد أغار على غطفان ، وأخذ راعي زهير يسارا وإبله.

وقوله : فاقصد بذرعك ، أي قدّر خطوك وانظر أين تضع رجلك. والذّرع : قدر الخطو ، يتهدده. وانظر أين تنسلك : أين تدخل. يقول : ليس لك موضع تدخله تسلم من هجائي. والجوّ : الوادي ، والدين : الطاعة ، وعمرو : هو عمرو ابن هند الملك (٢).

__________________

(١) في : شعر زهير ص ٨٤ ـ ٨٥ من قصيدته في الحارث بن ورقاء وكذا في : شرح ديوان زهير ص ١٨٢ ـ ١٨٣ وروي أولهما لزهير في اللسان (فدك) ١٢ / ٣٦١ و (دأي) ١٨ / ٢٧١ والثاني للشاعر في : الصحاح (قذع) ٣ / ١٢٦١ واللسان (قبط) ٩ / ٢٤٨ و (قرع) ١٠ / ١٣٤

(*) عقب الغندجاني ـ على ما أورده ابن السيرافي هنا من شعر وشرح ـ بقوله :

«قال س : هذا موضع المثل :

تلمّحت بكلام كنت أرفعها

عنه وجاءت سليمى بالدقارير

كثيرا ما يصحف ابن السيرافي في أشياء ظاهرة لا يصحف فيها صبيان المكاتب ، وذلك قوله (لئن حللت بجو في بني أسد) بالجيم المعجمة واحدة من تحت ، ثم تفسيره له بالوادي ، وقد أخطأ في هذه أيضا.

والصواب : (لئن حللت بخو) بالخاء المعجمة من فوق. وخوّ : واد لبني أسد ، وثم قتل عتيبة بن الحارث بن شهاب. وأنشدنا أبو الندى لرامة بنت حصين الأسدية. وكانت جاهلية كما زعم ، وذكرت خوّا وبلادا أخر من بلاد بني أسد :

١) ألام على نجد ومن يك ذا هوى

بنجد يهجه الشوق شتّى نزائعه

٢٤٧

يقول : لئن اعتصمت مني بأنك في طاعة الملك بحيث لا أصل إليك ، فليبلغنّك هجائي لك. والقذع : القبيح وباق قبحه في الناس ، والقبطية : الثياب البيض المقصورة التي تأتي من مصر والشام.

[في باب نون التوكيد الخفيفة]

٤٩٨ ـ قال سيبويه (٢ / ١٥٠) في باب النون الخفيفة ، قال الأعشى :

(أبا ثابت لا تعلقنك رماحنا

أبا ثابت واقعد وعرضك سالم) (١)

__________________

٢) تهجه الجنوب حين تغدو بنشرها

يمانية والبرق إن لاح لامعه

٣) ومن لا مني في حب نجد وأهله

فليم على مثل وأوعب جادعه

٤) لعمرك للغمران غمرا مقلّد

فذو نجب غلّانه ودوافعه

٥) وخوّ إذا خو سقته ذهابه

وأمرع منه تينه وربائعه

٦) وصوت مكاكيّ تجاوب موهنا

من الليل من يأرق له فهو سامعه

٧) أحبّ إلينا من فراريج قرية

تزاقى ومن حيّ تنقّ ضفادعه

قال : والربائع أكناف من بلاد بني أسد. وأنشدنا :

وبين خوّين زقاق واسع

زقاق بين التين والربائع

والتين جبل لبني أسد. وأنشد غيره :

أرّقني الليلة برق لامع

من دونه التينان والربائع

فواردات فقنى فالنائع

ومن ذرى رمّان هضب فارع

وقال العوّام بن عبد الرحمن يذكر التين فثناه أيضا :

أحقا ذرا التينين أن لست رائيا

قلا لكما إلا لعينيّ ساكب

وفدك على ثلاثة عشر يوما من مكة في بلاد بني سليم».

(فرحة الأديب ٣٥ / ب وما بعدها)

(١) ديوان الأعشى ق ٩ / ٢٥ ص ٧٩ قالها في هجاء يزيد بن مسهر الشيباني. وجاء في عجزه (أقصر وعرضك ..).

ـ وقد ورد الشاهد في : الأعلم ٢ / ١٥٠ والكوفي ٢٥٧ / ب.

٢٤٨

أبو ثابت : يزيد بن مسهر الشيباني ، وكان قد وقع بين شيبان وقوم الأعشى شر ، فتهدد الأعشى. وقوله : لا تعلقنك رماحنا ، يقول : لا تتعرض لقتالنا فتعلقك رماحنا ، فجعل النهي ؛ عن السبب الذي يؤدي فعله إليه.

ـ قال سيبويه (٢ / ١٥٠) : قال النابغة الذبياني :

(فلتأتينك قصائد وليركبا

ألف إليك قوادم الأكوار) (١)

الشاهد (٢) في إدخال النون في (لتأتينك).

يخاطب بذلك زرعة بن عمرو الكلابي / لأجل شيء وقع بينه وبين النابغة ، يقول : ليأتينّك هجوي لك في قصائدي ، يريد أن الرواة تحملها وتشيع ذكرها حتى تبلغه.

والأكوار : الرحال ، الواحد كور ، وقادمة الرحل : العود الذي يكون قدام الرجل إذا جلس على الرحل ، والآخرة : العود الذي يكون خلف ظهره ، والرجل يجلس بينهما على الرحل.

وأراد النابغة أنه يسير إلى زرعة ألف رجل على الرحال. وكانوا إذا أرادوا الغزو جنبوا الخيل وساروا على الإبل. فإذا أرادوا الإغارة نزلوا عن الإبل وركبوا الخيل.

قال الذبياني :

__________________

(١) ديوان النابغة ق ١٢ / ١٣ ص ٩٩ قالها في زرعة أخي يزيد بن عمرو بن الصعق الكلابي. انظر الفقرة (٤٧٥) وحواشيها. وجاء في رواية البيت (وليدفعن ألف ..)

(٢) ورد الشاهد في : المقتضب ١ / ١٤٣ و ٣ / ٣٥٤ والأعلم ٢ / ١٥٠ والكوفي ٢٥٧ / ب

٢٤٩

(لا أعرفن ربربا حورا مدامعها

كأن أبكارها نعاج دوّار)

ينظرن شزرا إلى من جاء عن عرض

بأوجه منكرات الرّق أحرار (١)

ويروى : كأنهن نعاج حول دوّار.

الربرب : القطيع من البقر ، وأراد به في هذا الموضع جماعة من النساء ، والحور : شدة سواد العين في شدة بياض بياضها ، مع نقاء الجلد وصفاء اللون. والحور : جمع حوراء ، ودوّار (٢) قيل فيه : مستدار حيث يدور الوحش حوله ، وقيل : دوار نسك لهم ؛ حجر يذبحون عنده ويطوفون حوله ، وقيل : دوار صنم تدور حوله الجواري. والشزر : النظر في جانب ، وعن عرض : عن اعتراض ، ومنكرات الرق : أي هن حرائر (٣) ، فإذا سبين أنكرن الرق.

يخاطب النابغة بهذا بني ذبيان ، وكانوا قد أغاروا على بعض أهل الشام فنهاهم النابغة عن ذلك ، فبعث إليهم الحارث الجفني جيشا ، عليه النعمان بن الجلاح الكلبي ، فأغار عليهم وأصاب فيهم.

والشاهد (٤) فيه إدخال النون في فعل النهي.

قال سيبويه (٢ / ١٥١) وقال النابغة الجعدي :

(فمن يك لم يثأر بأعراض قومه

فإني وربّ الراقصات لأثأرا) (٥)

__________________

(١) ديوان الذبياني ق ٧ / ٣ ـ ٤ ص ٨١ قالها يحذر حصن بن حذيفة ، وزبّان بن سيار الفزاريين لإغارتهما على أطراف الشام. وجاء في عجز الأول : (كأنهن نعاج حول دوّار) وفي صدر الثاني (من مرّ) بدل من جاء.

(٢) ورد بتخفيف الواو في الصحاح (دور) ٢ / ٦٦١

(٣) فى الأصل والمطبوع : أحرار.

(٤) ورد الشاهد في : الأعلم ٢ / ١٥٠ والكوفي ٢٥٧ / ب وشرح السيوطي ش ٣٨٩ ص ٦٢٥

(٥) البيت للجعدي في ديوانه ق ٣ ـ ج / ي ص ٧٦ من قصيدة.

٢٥٠

الشاهد (١) فيه إدخال النون الخفيفة في (لأثأرا) أراد لأثأرن ، وأبدل من النون الألف ، وهي تبدل ألفا في الوقف.

يقول : من كان من الشعراء لم يهج الذين هجوا قومه ، فإني أنا أهجو من هجا قومي. والذين يهجوهم النابغة في هذا الشعر : بنو سعد بن زيد مناة بن تميم. وثأر بأعراضهم : هجا من هجاهم ، والراقصات : الإبل التي تسير رقصا ، والرقص : ضرب من الخبب. وعنى الإبل التي تحمل الحاجّ وترقص نحو الحرم.

و (لأثأرا) جواب القسم ، والقسم وجوابه في موضع خبر (إنّ) وقوله : فإني وما بعدها ، جواب الشرط.

قال سيبويه (٢ / ١٥١) قال النابغة الجعدي :

(فأقبل على رهطي ورهطك نبتحث

مساعينا حتى ترى كيف نفعلا) (٢)

المساعي : جمع مسعى ومسعاة ، وهي المكرمة التي في فعلها يقال : فلان كريم المساعي ، أي كريم الأفعال فاضلها. يخاطب سوّارا القشيريّ ، وكانا يتهاجيان. يقول : أقبل حتى نعدّد ما في قبيلتي وقبيلتكم من المفاخر ، حتى تعلم أينا أكرم وأجل عند الناس ، و (ترى) بمعنى تعلم ، من رؤية القلب. والجملة في موضع المفعولين.

__________________

(١) ورد الشاهد في : الأعلم ٢ / ١٥١ والكوفي ٢٥٨ / أوالأشموني ٢ / ٤٩٦ و ٥٠٥

(٢) ذكر سيبويه البيت ولم ينسبه إلى أحد ، وقال البغدادي هو من أبيات سيبويه (الخمسين التي لم يعرف قائلها ..) والبيت للنابغة الجعدي في : شرح الكوفي ٢٥٥ / ب.

وفي ديوانه قصيدة قالها في هجاء سوّار بن أوفى أرجّح أن البيت منها وإن لم يرد فيها. مطلعها :

جهلت عليّ ابن الحيا وظلمتني

وجمّعت قولا جاء بيتا مضلّلا

وفي أثناء القصيدة ما يشير إلى وقوع نقص فيها ، وهي القصيدة ٧ ص ١١٣

٢٥١

والشاهد (١) فيه إدخال النون الخفيفة في (نفعلا) لأنه استفهام.

[في (أيادي سبا) وأشباهها]

٤٩٩ ـ قال سيبويه (٢ / ٥٤) : «وأما أيادي سبا وبادي بدا ، فإنما هي بمنزلة (خمسة عشر) تقول : جاؤوا أيادي سبا ، ومن العرب من يجعله مضافا وينوّن [سبا](٢)

قال ذو الرمة :

عرفت لها دارا فأبصر صحبتي

صحيفة وجهي قد تغيّر حالها

فقلت لنفسي من حياء رددته

إليها ، وقد بلّ الجفون بلالها

(أمن أجل دار طيّر البين أهلها

أيادي سبا بعدي وطال احتيالها) (٣)

الشاهد (٤) فيه على أنه أضاف (أيادي) إلى (سبا) ونوّن (سبا) فعلم أنه مضاف إليه. فإن قال قائل : لم لا يكون غير مضاف ، ويكون الاسمان اسما واحدا ، ويكون بمنزلة قولك : هذا معديكرب ومعديكرب آخر ـ فينوّن وهو مجعول مع الاسم الأول اسما واحدا ـ قيل له :

__________________

(١) ورد الشاهد في : الأعلم ٢ / ١٥١ والكوفي ١٧١ / أو ٢٥٨ / ب والأشموني ٢ / ٤٩٥ والخزانة ٤ / ٥٥٨

(٢) تتمة من سيبويه ، ليست في الأصل والمطبوع.

(٣) ديوان ذي الرمة ق ١٤ / ٤ ـ ٥ ـ ٦ ج ١ / ٤٩٩ وجاء في صدر الأول (فأبصر صاحبي) وروي ثالثها للشاعر في : المخصص ١٢ / ١٣٢ واللسان (حول) ١٣ / ٢٠٦ و (سبي) ١٩ / ٩٠ و (يهيا) ٢٠ / ٣٠٩

(٤) ورد الشاهد في : الأعلم ٢ / ٥٤ والكوفي ٢٥٨ / ب.

٢٥٢

هذا غلط ، ليس هذا من ذاك ، لأن (أيادي سبا وخمسة عشر) وما أشبههما ، جعل الاسمان فيهما اسما واحدا ، وبنيا جميعا في حال التنكير ، فالتنوين يمتنع منه وهو نكرة (ومعديكرب) وما أشبهه أسماء مركبة معربة تمنع الصرف ، فإذا زالت العلة التي تمنع الصرف نوّن وجرى بوجوه / الإعراب.

وصحيفة الوجه : جانبه. يريد أنه عرف لميّة دارا ، فتغير وجهه لما تنكرها (فقلت لنفسي في حياء رددته) يقول : لما بكيت ، وبلّ جفوني الدمع ، وتغير وجهي ، عاودني الحياء من صاحبي الذي معي وقد رأى ما نزل بي.

وقوله : (من أجل دار طيّر البين أهلها) يريد أنهم تفرقوا في كل وجه ، تفرقا لا يرجى معه عود ، كما تفرقت سبأ ، و (أيادي سبا) في موضع نصب على الحال. وطال احتيالها : أي أحالت من أهلها ، أتى عليها حول لم ينزل بها. والبين : الفرقة والانقطاع. والذي أنشد في الكتاب :

فيالك من دار تحمّل اهلها

وفي شعره كما قدمته.

[ترك إضافة أمثال (أمام ودون)]

٥٠٠ ـ قال سيبويه (٢ / ٤٧) في باب ما ينصرف وما لا ينصرف : «وتقول [في النصب](١) على حد قولك : من دون ومن أمام : جلست أماما وخلفا كما قلت يمنة وشأمة». قال ابن أحمر :

__________________

(١) تتمة من سيبويه ، ليست في الأصل والمطبوع.

٢٥٣

لقوا أمّ اللهيم فجهّزتهم

غشوم الورد نكنيها المنونا

(لها رصد يكون ولا نراه

أماما من معرّسنا ودونا) (١)

الشاهد (٢) في البيب الثاني على ترك إضافة (أمام ودون).

وأم اللهيم : الداهية وأراد بها المنية. ذكر من هلك فيما تقدم من الزمان ، وأنهم لقوا المنية ، فجهزتهم : جعلت جهازهم الفتناء. غشوم الورد : تغشم من وردت عليه ، نكنيها المنونا : يقول : نكني أم اللهيم المنون.

وهذا الضمير المنتصب ب (نكني) يعود إلى أم اللهيم ، وأراد نكني المنون بأم اللهيم. لها رصد : لأم اللهيم رصد يرصد الناس من بين أيديهم ومن خلفهم ، فهي ترصدهم من حيث لا يرونه ؛ لا يرون ما ترصدهم به المنية. و (أماما) خبر (يكون) و (دونا) معطوف عليه. وهذا البيت في الكتاب منسوب إلى الجعدي وهو لابن أحمر.

[(نصارى) بدون ألف ولام ـ نكرة]

٥٠١ ـ قال سيبويه (٢ / ٢٩) في باب من أبواب ما لا ينصرف : «وأما (نصارى) فنكرة وإنما (نصارى) جمع نصران ونصرانة ، ولكنه لا يستعمل في

__________________

(١) لا وجود للبيتين في مطبوع شعر ابن أحمر وأورد سيبويه ثانيهما منسوبا إلى الجعدي. وهما لابن أحمر في شرح الكوفي ٢٥٨ / ب. وروي أولهما لابن أحمر في : اللسان (منن) ١٧ / ٣٠٥ وفي مقال للدكتور رمضان عبد التواب في نقد الديوان ، انظر (مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق م ٤٧ ج ٢ / ٤٢٢) وروي بلا نسبة في اللسان (لهم) ١٦ / ٢٩ وانظر مجمع الأمثال (٣٩٨) ١ / ٧٧ وروي ثانيهما للجعدي في اللسان (دون) ١٧ / ٢١

(٢) ورد الشاهد في : الأعلم ٢ / ٤٧ والكوفي ٢٥٨ / ب.

٢٥٤

الكلام إلا بياءي الإضافة» يعني أنه لا يلفظ به إلا منسوبا وإن لم يكن النسب إلى شيء. وهو مثل قولك (كرسي) لا ينطق به إلا بياءي الإضافة ، وجمعوه ولم يعتدّوا بياءي النسب فقالوا : نصارى مثل ندمان وندامى.

قال سيبويه : «فالنصارى بمنزلة النصرانيين». يريد أنه كان نكرة قبل دخول الألف واللام كما أن (نصرايين) نكرة ، فإذا دخلت الألف واللام على نصرانيين صار معرفة ، وكذا (نصارى) نكرة ، فإذا دخلت عليه الألف واللام فهو معرفة. قال النّمر بن تولب :

فعافت الماء واستافت بمشفرها

ثم استمرّت سواه طرفها سامي

(صدّت كما صدّ عما لا يحلّ له

ساقي نصارى قبيل الفصح صوّام) (١)

وصف راحلته. قوله : عافت الماء : كرهته ، يريد أنها عرضت على الماء فلم تشربه. واستافت : شمت ، يريد أنها شمت الماء ولم تشربه. وقوله بمشفرها ـ والمشافر لا يشم بها ـ يريد أنها لما قدّمت مشفرها إلى الماء شمته. واستمرت : مضت في ناحية سواه.

و (سواه) منصوب ، يريد به الظرف ، وطريقا (٢) غيره ، من المكان. والسامي : العالي ، يريد أنه لم يذلّها السير. وفي (صدت) ضمير من الراحلة ، يريد أنها صدت عن الماء ولم تشربه ، كما أن الذي يسقي النصارى يمتنع من سقيهم في وقت الصوم.

__________________

(١) أورد سيبويه ثانيهما بلا نسبة ، وأورده الأعلم للنمر ، والبيتان للشاعر في شرح الكوفي ٢٥٩ / أوروي ثانيهما بلا نسبة في المخصص ١٧ / ٤٥

(٢) في الأصل والمطبوع : وطريق.

٢٥٥

وقيل إنه يعني أن النصارى إذا ناموا لا يشربون شيئا ، يقول : من كان يريد سقيهم بعد النوم امتنع لأنه لا يحل له.

والشاهد فيه (١) أنه نعت (نصارى) ب (صوّام) و (صوّام) نكرة فلو كان (نصارى) معرفة ما نعت بنكرة.

[التذكير على اللفظ]

٥٠٢ ـ قال سيبويه (٢ / ٢٠) في ما ينصرف (٢) وما لا ينصرف «وكذلك جنوب وشمال ، وقبول ، ودبور ، وسموم ، وحرور ، إذا سمّيت رجلا بشيء منها صرفته لأنها صفات في أكثر كلام العرب». يريد أن الصفات التي تقع للمؤنث على لفظ التذكير هي مذكرة وإن كانت صفات للمؤنث مثل : حائض وطامث ورغوث وحلوب ، هذه صفات مذكرة وصف بها المؤنث. فإذا سميت رجلا بشيء منها صرفته لأنها مذكرة وإن كانت صفات للإناث. فالتسمية / للرجل بحائض كتسميته بضارب ، وتسميته برغوث كتسميته بشكور.

وجعل قولهم جنوب وأشباهها صفات مذكرة قد وقعت للريح وهي مؤنثة. فإذا سميت رجلا بشيء منها صرفته كما بينت لك فيما تقدم. قال الأعشى :

إذا ازدحمت بالمكان المضي ..

ق حتّ التزاحم منها القتيرا

(لها زجل كحفيف الحصا ..

د صادف بالليل ريحا دبورا) (٣)

__________________

(١) ورد الشاهد في : النحاس ١٠١ / أوالأعلم ٢ / ٢٩ والكوفي ٢٥٩ / أ

(٢) الباب في الكتاب هو : تسمية المذكر بالمؤنث ، وقد تضمن قواعد في صرف العلم ومنعه من الصرف ..

(٣) ورد الشعر والشاهد في الفقرة (٤٩٠) وحواشيها.

٢٥٦

[الفصل بين الهمزتين بألف : (آ أنت)]

٥٠٣ ـ قال سيبويه (٢ / ١٦٨) في باب الهمز : «ومن العرب ناس يدخلون بين ألف الاستفهام وبين الهمزة ألفا إذا القتا ، وذلك لأنهم كرهوا التقاء همزتين ففصلوا». قال ذو الرمة :

أقول لدهناويّة عوهج جرت

لنا بين أعلى عرفة فالصّرائم

(أيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النّقا آ أنت أم أمّ سالم) (١)

دهناوية : ظبية منسوبة إلى الدهناء ، وعوهج : طويلة العنق ، والعرفة : القطعة من الرمل لها مثل العرف ، وهي قطعة مشرفة من الرمل ، والصرائم : جمع صريمة وهي قطعة من الرمل ، وجرت لنا : عرضت لنا سانحة أو بارحة أو نحو ذلك ، والوعساء : موضع مرتفع من الرمل ، الذكر أوعس والأنثى وعساء ، وجلاجل : مكان بعينه ، والنقا : شبه الرابية من الرمل.

وقوله : (آ أنت أم أمّ سالم) : (آ أنت) مبتدأ ، وخبره محذوف ، كأنه قال : آ أنت أحسن أم أمّ سالم.

[تثنية (فم) بردّ الواو (فموان)]

٥٠٤ ـ قال سيبويه (٢ / ٨٣) في باب النسب : «وأما (فم) فقد ذهب من أصله حرفان لأنه كان أصله (فوه) فأبدلوا مكان الواو ميما ليشبه الأسماء المفردة من كلامهم ، فهذه الميم بمنزلة العين نحو ميم (دم)».

__________________

(١) ديوان ذي الرمة ق ٧٩ / ٤٣ ـ ٤٤ ص ٦٢١ وروي ثانيهما للشاعر في اللسان (جمل) ١٣ / ١٣٠ و (ألا) ٢٠ / ٣١٤ وبلا نسبة في المخصص ١٦ / ٤٩

ـ وقد ورد الشاهد في : الكامل للمبرد ٣ / ٥٥ والمقتضب ١ / ١٦٣ والأعلم ٢ / ١٦٨ والإنصاف ٢ / ٢٥٦ والكوفي ١٥٣ / أو ٢٥٩ / أ

٢٥٧

يريد أنّ (فما) بعد إبدال الواو منه ميما ، يجري في التصرف مجرى (دم) الذي ميمه أصلية ، فمن ترك (دما) على حاله في الإضافة التي هي النسب ، ترك (فما) على حاله ، ومن رد إلى (دم) لام الفعل منه فقال : (دموي) رد إلى (فم) الواو التي هي عين الفعل التي الميم في موضعها ، وجعل الواو في موضع لام الفعل من الفم فقال (فموي). قال الفرزدق :

وإنّ ابن إبليس وإبليس ألبنا

لهم بعذاب الناس كلّ غلام

(هما نفثا في فيّ من فمويهما

على النابح العاوي أشدّ رجام) (١)

الشاهد (٢) في تثنية (فموين) برد الواو ، وجعلها في موضع لام الفعل.

وألبنا : سقيا اللبن. يريد أن إبليس وابنه سقيا كل غلام من الشعراء هجاء ، وكلاما قبيحا خبيثا ، وألقيا من فمويهما في فم الفرزدق على كل من هجاه مراجمة شديدة ومكافئة ، والنابح : الذي يتعرض لسبه وهجائه. وفي شعره :

على النابح العاوي أشد لجام

يريد أنه يجعل في فم الذي يسبه ويهاجيه لجاما يسكته به ، معناه أنه يهجوه بما لا يمكنه أن يجيب عنه ، فيكون ذلك الهجو بمنزلة اللجام.

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٢ / ٧٧١ ختام قصيدة قالها وقد وهب لأحد موالي باهلة أعراض قومه. وجاء في البيت الثاني (هما تفلا .. أشد لجامي). وقد تقدم شيء من هذه القصيدة في الفقرة (٧٦). وروي ثانيهما للشاعر في : المخصص ١ / ١٣٦ واللسان (فهم) ١٥ / ٣٥٧ و (فوه) ١٧ / ٤٢٣

(٢) ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ٢ / ٢٠٢ والمقتضب ٣ / ١٥٨ ومجالس العلماء ٣٢٧ والأعلم ٢ / ٨٣ والإنصاف ١٩٣ وأسرار العربية ٢٣٥ والكوفي ٦١ / ب و ٢٥٩ / ب والخزانة ٢ / ٢٦٩

٢٥٨

[في منع أسماء الأرضين من الصرف]

٥٠٥ ـ قال سيبويه (٢ / ٢٣) في باب ما ينصرف (١) وما لا ينصرف قال الفرزدق :

كم من جبان لدى الهيجا دنوت به

إلى القتال ولو لا أنت ما صبرا

(منهن أيام صدق قد بليت بها

أيام فارس والأيام من هجرا) (٢)

يرثي الفرزدق في هذا الشعر عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي (٣) والهيجاء : الحرب. يقول : كم من رجل جبان صبر معك في الحرب لقوة نفسه بك ، ولو لا أنك أميره ما صبر. وبليت بها : اختبرت شجاعتك وتدبيرك وصبرك. وقوله : أيام فارس أي يوم إصطخر ، استشهد به أبوه ، وحسن فيه بلاؤه وصبره. ويوم هجر يوم أبي (٤) فديك الخارجي.

__________________

(١) هو في الكتاب «باب أسماء الأرضين» وقد تضمن تفصيلا في المنع من الصرف.

(٢) ديوان الفرزدق ١ / ٢٩١ من قصيدة قالها في رثاء المذكور في النص. وروي البيتان للشاعر في : اللسان (وسط) ٩ / ٣١١

ـ وقد ورد الشاهد في : الأعلم ٢ / ٢٣ والكوفي ٢٥٩ / ب.

(٣) هو الذي تمكن من هزيمة أبي فديك الخارجي وقتله سنة ٧٤ ه‍ وكان وجّهه إليه الخليفة عبد الملك ، فمدحه الفرزدق بذلك. انظر الكامل لابن الأثير ٤ / ٢٨ (حوادث سنة ٧٤ ه‍) ورغبة الآمل ٨ / ٦ و ٣٧

(٤) اسمه عبد الله بن ثور من قيس بن ثعلبة ، كان خروجه سنة ٧٢ ه‍ وقاد الحرورية بعد أن قتل سلفه نجدة بن عامر ، وغلب على البحرين ، الى أن هزمه عمر بن عبيد الله وقتله مع عدد كبير من أصحابه بالمشقّر من هجر سنة ٧٤ ه‍ ، انظر : البيان والتبيين ٢ / ٢٠٤ وحاشيتها والكامل لابن الأثير ٤ / ٢٠ (حوادث سنة ٧٢ ه‍) و ٤ / ٢٨ (حوادث سنة ٧٤ ه‍) والبكري ٥٦١ وانظر القاموس (فدك) ٣ / ٣١٥

٢٥٩

[ربيب تصغير (رب) مخففة]

٥٠٦ ـ قال سيبويه (٢ / ١٢٣) : «ولو حقّرت (رب) مخففة» يعني إذا سميت بها «لقلت (ربيب) لأنه من التضعيف ، يدلك على ذلك (ربّ) الثقيلة ، وكذلك (بخ) مخففة ، يدلك على ذلك قول العجاج» :

وجدتنا أعزّ من تنفّسا

عند الحفاظ حسبا ومقيسا

 (في حسب بخّ وعزّ أقعسا) (١)

يمدح قومه ، والحفاظ : المحافظة على الأسباب التي توجب الشرف وجميل الذكر ، والمقيس : مقايستهم إلى غيرهم من الناس. يقول : إذا قايسنا مقايس إلى غيرنا ، كنا أعظم منه وأشرف ، والبخّ : الذي يتعجب من / عظمه وشرفه. والأقعس : المنيع الثابت.

[(ضحى وسحر) مذكران بدليل تصغيرهما]

٥٠٧ ـ قال سيبويه (٢ / ١٣٨) في التصغير : «وكذلك سحر تقول : أتانا سحيرا ، وكذلك ضحى ، تقول : أتانا ضحيّا». يريد أن سحر وضحى مذكران. وقال النابغة الجعدي (٢) :

__________________

(١) الأبيات للعجاج في ديوانه ق ١١ / ٦٥ ـ ٦٦ ـ ٦٧ ص ١٣٣ وجاء في أولها (وجدتني ..) وفي الثاني (عند الكظاظ) ورواية الثالث (وعددا بخّا وعزا أقعسا) ورويت كذلك للعجاج في : مجموع أشعار العرب ق ١٦ / ٦٥ ـ ٦٦ ـ ٦٧ ـ ج ٢ / ٣٢

ـ وقد ورد الشاهد ـ وهو أن التشديد هو الأصل في مثل هذه الكلمات ـ في : المقتضب ١ / ٢٣٤ وتفسير عيون سيبويه ٥٢ / أوالأعلم ٢ / ١٢٣ والكوفي ٢٥٩ / ب

(٢) (الجعدي) ساقط في المطبوع.

٢٦٠