شرح أبيات سيبويه - ج ٢

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي

شرح أبيات سيبويه - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي


المحقق: الدكتور محمّد علي سلطاني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٣
الجزء ١ الجزء ٢

(ألم تر إني وابن أسود ليلة

لنسري إلى نارين يعلو سناهما)

إذا هبطت أيدي الرّكاب قرارة

بنا ، مدّ علباويه حتى يراهما (١)

الشاهد (٢) فيه أنه كسر (إني) لأن اللام في خبرها.

ونسري : نسير بالليل ، والسنا : ضوء النار ، والقرارة : منخفض من الأرض والركاب : الإبل ، والعلباوان : عصبان في جانبي العنق. حتى يراهما : يعني النارين.

يريد أن رفيقه الذي كان معه ، وهو ابن أسود ، كان إذا هبطا مكانا ـ بعد مارأيا النارين ـ يمد عنقه ليرى النار حتى يقصدها. وفي شعره :

ألم تر أني وابن أسود ليلة

سرينا الى نارين ...

[تجرد خبر عسى من (أن)]

٤٢٦ ـ قال سيبويه (١ / ٤٧٨) في باب من أبواب إنّ ، قال سماعة النعاميّ :

إنا وجدنا العجرديّ ابن قادر

نسيب العميريين شرّ نسيب

غضوبا إذا لم يملأ الجار بطنه

وعند اهتضام الجار غير غضوب

(عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر

بمنهمر جون الرّباب سكوب) (٣)

__________________

(١) روي البيت الأول ـ بلا نسبة ـ عند سيبويه ، وفي اللسان (سنا) ١٩ / ١٢٨

(٢) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٤٧٤ والكوفي ٢٤٣ / أوالأشموني ١ / ١٣٨

(٣) ذكر سيبويه ثالث الأبيات في ٢ / ٢٦٩ ونسبه إلى هدبة بن الخشرم ، وهو لسماعة النعامي في : شرح الكوفي ٢٤٣ / ب واللسان (عسا) ١٩ / ٢٨٤ ورغبة الآمل ٢ / ٢٤٤ واسمه في اللسان (ابن اسول) وهو تصحيف ، انظر حواشي الفقرة ٣١٥. وذكر المرصفي أن صواب الرواية (عن بلاد ابن قارب) وقيل : (عن تلاد ابن قارب) وروي : (عن تلاد ابن قادر) في شرح المرزوقي ٢ / ٦٧٨

١٤١

الشاهد (١) فيه أنه أتى بالفعل بعد (عسى) وليست فيه (أن).

يهجو سماعة بهذا الشعر رجلا من بني نمير ثم أحد بني عجرد ، وكان يقال له ابن قادر ، وكان له نسب في بني عمرو بن جذيمة بن نصر ، واهتضام الجار : أن يظلم ويؤذى.

يقول : هو يغضب على جاره إذا لم يطعمه ، وإن ظلم جاره لم يغضب له. والمنهمر : المطر الكثير ، والجون (٢) الأسود ، والرّباب : جمع ربابة وهو سحاب دون سحاب ، أي يسير تحت السحاب. والسكوب : الكثير الصب.

يقول : عسى الله أن يمطر بلادنا فتخصب فنتحول / عن جوار ابن قادر.

ـ قال سيبويه (٤٧٧ ـ ٤٧٨) : «وأعلم أن من العرب من يقول (عسى يفعل) تشبيها ب (كاد يفعل) ف (يفعل) حينئذ في موضع الاسم المنصوب في قوله : عسى الغوير أبؤسا (٣)».

(الغوير) اسم عسى و (أبؤسا) مفعوله ، وهو مثل اسم كان وخبرها ، وإذا جاز أن يقع الاسم الذي هو غير (أن والفعل) في موضع مفعول (عسى) وأجريت مجرى (كان) ، جاز أن يقع في موقع الاسم الفعل كما يجوز ذلك في (كان). قال هدبة بن الخشرم :

__________________

(١) ورد الشاهد في : سيبويه ثانية ٢ / ٢٦٩ والكامل للمبرد ١ / ١٩٦ والمقتضب ٣ / ٤٨ و ٦٩ والنحاس ٩٩ / أوالأعلم ١ / ٤٧٨ و ٢ / ٢٦٩ والكوفي ٢٤٣ / ب وأوضح المسالك ش ٥٦٠ ج ٣ / ٣٠١ والأشموني ٣ / ٧٧١ والخزانة ٤ / ٨٢

(٢) الجون : الأسود أو الأبيض. وهي هنا الأسود ، انظر الأضداد لابن الدهان ص ٨

(٣) مثل يضرب للرجل يعني : لعل الشر من قبلك. والغوير تصغير غار ، وأبؤس : جمع بؤس وهو الشدة. انظر مجمع الأمثال (٢٤٣٥) ٢ / ١٧

١٤٢

فقلت له : هداك الله مهلا

وخير القول ذو العيج المصيب

(عسى الكرب الذي أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب) (١)

الشاهد (٢) فيه أنه أتى ب (يكون) ، ولم يدخل عليها (أن).

والعيج من القول : ما ينتفع به ، وهو مأخوذ من قولهم : ما عجت بكلامه أي ما انتفعت به ، وكذا وجدته : العيج بفتح العين والياء (٣).

وكان هدبة قد هرب من أرض قومه لأن السلطان طلبه لأجل قتله (٤) ابن عمه زيادة بن زيد.

[التصدر ـ من شروط عمل (إذن)]

٤٢٧ ـ قال سيبويه (١ / ٤١٢) في باب (إذن) : «ولو قلت : والله إذن أفعل. تريد أن تخبر أنك فاعل لم يجز ، كما لا يجوز : (والله أذهب إذن) [إذا](٥) أخبرت أنك فاعل ، فقبح هذا يدلك على أن الكلام معتمد على اليمين».

__________________

(١) البيتان لهدبة في أمالي القالي ١ / ٧١ وجاء في عجز الأول (وخير القول ذو اللب المصيب) وفي الخزانة ٤ / ٨٢ ورغبة الآمل ٢ / ٢٤٢ من قصيدة قالها هدبة في محبسه بالمدينة. وروي ثانيهما للشاعر في حماسة البحتري ق ١١٩٦ ص ٢٢٤ الباب ١٣٥

(٢) ورد الشاهد في : المقتضب ٣ / ٧٠ والنحاس ٨٨ / ب والإيضاح العضدي ٨٠ والأعلم ١ / ٤٧٨ وأسرار العربية ١٢٨ والكوفي ١٥٥ / أوالمغني ش ٢٤٩ ج ١ / ١٥٢ وأوضح المسالك ش ١٢٤ ج ١ / ٢٢٤ وابن عقيل ش ٨٦ ج ١ / ٢٢٩ وشرح السيوطي ش ٢٣٧ ص ٤٤٣ والأشموني ١ / ١٢٩ والخزانة ٤ / ٨١

(٣) ضبطها اللسان (عيج) بسكون الياء.

(٤) انظر لهذا الخبر ما جاء في حواشي الفقرة (٣١).

(٥) تتمة من الكتاب ، ساقطة في الأصل.

١٤٣

يريد أن القسم إذا جاء في أول الكلام ، رجب أن يكون الفعل الذي يأتي بعده جوابه ، وتكون (إذن) ملغاة ـ فالفعل الواقع بعد (إذن) جواب ، ولا يخلو من أن يكون إيجابا أو نفيا ، والفعل في جواب القسم إذا كان إيجابا ، تدخل عليه النون الثقيلة أو الخفيفة ، ويدخل في أوله اللام.

فلو كان الفعل في هذه المسألة جوابا لليمين ـ وأنت تريد إثبات الفعل ـ لوجب أن تقول : (والله إذن لأفعلنّ) ولا يجوز في جواب القسم أن تقول : (والله أذهب) فكذا لا يجوز (والله إذن أفعل) وإن أردت أن يكون الجواب منفيا ، صلح الكلام فقلت : (والله إذن لا أفعل). وتحذف (لا) وأنت تريدها فتقول : (والله إذن أفعل). قال كثيّر :

حلفت برب الراقصات الى منى

يغول البلاد نصّها وذميلها

(لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها

وأمكنني منها إذن لا أقيلها) (١)

الرقص : ضرب من الخبب في العدو. حلف برب الإبل التي يسار عليها إلى الحج ، وتغول البلاد : تقطعها ، والنص والذميل : ضربان من العدو. (لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها) أي بمثل المقالة التي كان قالها لي. وكان عبد العزيز (٢) وعد

__________________

(١) البيتان لكثيّر عزة في شرح شواهد المغني للسيوطي ٦٣ ـ ٦٤ وأورد الجاحظ ثانيهما في خبر عن الشاعر دعاه إلى جعله إياه في عداد الحمقى. في البيان والتبيين ٢ / ٢٤١

وقد ورد الشاهد ـ وهو إلغاء (إذن) لاعتمادها على القسم ـ في : النحاس ٨٨ / ب والأعلم ١ / ٤١٢ والكوفي ٢٣٧ / ب والمغني ش ١٩ ج ١ / ٢١ وأوضح المسالك ش ٤٩٥ ج ٣ / ١٦٩ وشرح السيوطي ش ١٦ ص ٦٣ والأشموني ٣ / ٥٥٤ والخزانة ٣ / ٥٨٠

(٢) هو عبد العزيز بن مروان والد الخليفة عمر بن عبد العزيز ، ولي مصر لأبيه مروان منذ ٦٥ ه‍ إلى أن توفي سنة ٨٥ ه‍. ترجمته في : الكامل لابن الأثير ٣ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨ و ٤ / ١٠١ والخزانة ٣ / ٥٨٣

١٤٤

كثيّرا عدة ، فتأخر كثيّر عنه. فقال : لئن عاد لي عبد العزيز بعدة أخرى ، سارعت إليها. ولا أقيلها : لا أردها. ويروى (لا أفيلها) أي لا أفيل في التأخر عنه والتثبط عن تنجز ما وعدني به. وفال يفيل : إذا ترك الرأي الجيد ، وفعل ما لا ينبغي للعقلاء أن يفعلوه.

[(أم) المنقطعة ومعناها]

٤٢٨ ـ قال سيبويه (١ / ٤٨٤) : «ومن ذلك أيضا (أعندك زيد أم لا) كأنه حيث قال : (أعندك زيد) ، كان يظن أنه عنده ، ثم أدركه مثل ذلك الظن في أنه ليس عنده فقال : (أم لا)». يعني أن المستفهم قد يستفهم عن شيء يظن أنه كائن فيقول : أعندك زيد ، فالسائل سأل وهو يظن أن زيدا قد حصل عند المسؤول ، فربما أدركه ظن غير ظنه الأول في أنّ زيدا ليس عند المسؤول فيأتي ب (أم) ويجعل الذي بعدها جملة ، وتكون (أم) هذه منقطعة.

يعني أن الكلام الذي بعدها منقطع عن الكلام الأول ، ويكون في (أم) معنى الإضراب عن الكلام الأول ، وإذا جاءت (أم) على هذا الوجه ، جاز أن تأتي بعد جملة فيها استفهام ، وبعد جملة لا استفهام فيها.

وعلى كل وجه يكون الكلام بها في تقدير استفهام مستأنف ، وقد أضرب عن الكلام المتقدم.

قال كثيّر :

(أليس أبي بالنّضر أم ليس والدي

لكلّ نجيب من خزاعة أزهرا) (١)

__________________

(١) ورد البيت في أبيات لكثيّر في : الأغاني ٩ / ١١ والرواية فيه تتفق مع الرواية الثانية التي ذكرها ابن السيرافي بعد سطور.

١٤٥

أراد النضر بن كنانة ، وولد النضر هم قريش.

والشاهد (١) فيه أنه جاء ب (أم) منقطعة وفيها معنى الإضراب. والتقدير : أليس أبي النضر ، بل أليس والدي لكل نجيب.

والأزهر : الأبيض ، وأراد به أنه / هو مشهور يضيء بحسنه وشرفه. ويروى :

أليس أبي بالصّلت أم ليس إخوتي

لكل هجان من بني النّضر أزهرا

ويقال : إنه إنما قالها لأنه كان يزعم أنه من بني الصلت ، والصلت من ولد النضر بن كنانة ، وعنى بإخوته قبيصة (٢) بن ذئب الخزاعي ، وكان أخا عبد الملك ابن مروان من الرضاعة ، وكان على فلسطين استعمله عليها عبد الملك.

ـ قال سيبويه (١ / ٤٨٨) : «وتقول : (أتضرب زيدا أو تشتم عمرا) ، إذا أردت : هل يكون شيء من هذه الأفعال. وإن شئت قلت : (أتضرب زيدا أم تشتم عمرا) على معنى : أيهما».

يريد أنك إذا عطفت ب (أو) فأنت شاك في وقوع واحد من الأمرين ، وإنما تستفهم لتعلم أوقع واحد منهما؟.

وإذا عطفت ب (أم) فأنت مدّع أن أحدهما كائن وإن لم تعرفه بعينه.

وهذا الحكم ثابت في الأفعال المعطوف بعضها على بعض كثباته في الأسماء. نحو قولك : أزيد في الدار أم عمرو؟.

__________________

(١) ورد الشاهد في : المقتضب ٣ / ٢٩٣ والنحاس ٩٩ / ب والأعلم ١ / ٤٨٥ والكوفي ٢٤٣ / ب.

(٢) صحابي فقيه ، روى عن أبي بكر وعائشة وغيرهما ، وكان على خاتم عبد الملك بالشام (ت ٨٦ ه‍) ترجمته في : تهذيب الأسماء ٢ / ٥٦

١٤٦

قال حسان :

ربّ حلم أضاعه عدم الما ..

ل وجهل غطا عليه النعيم

(ما أبالي أنبّ بالحزن تيس

أم لحاني بظهر غيب لئيم) (١)(٢)

يعني أن الفقر قد يذهب بمحاسن الفقير ومكارم أخلاقه ، فإن الناس يطّرحونه لأجل فقره فلا تعرف أخلاقه ، فإن كان غنيا قصدوه وسألوه فعرفت أخلاقه.

__________________

(١) ديوان حسان ق ٥ / ١٤ ـ ١٥ ص ٤٠ كما رواهما البغدادي لحسان في الخزانة ٤ / ٤٦٢ من قصيدة طويلة قالها الشاعر في غزوة أحد ، وصرح البغدادي بنقلها عن ديوان حسان لجامعه محمد بن حبيب برواية السكري. وروي أولهما لحسان في : اللسان (غطي) ١٩ / ٣٦٦

ـ الشاهد في البيت الثاني دخول (أم) معادلة للألف ، للتسوية بين شيئين حيث لا تصلح (أو) وقد ورد الشاهد في : المقتضب ٣ / ٢٩٨ والأعلم ١ / ٤٨٨ والكوفي ٢٤٤ / أوالخزانة ٤ / ٤٦١

(*) عقب الغندجاني على نسبة البيتين إلى حسان بقوله :

«قال س : هذا موضع المثل :

أنّى بك اليوم وأنّى منك

ركب أنا خوا موهنا بالنّبك

أي كيف يدركك ويدنو منك. كيف يكون هذا البيت الثاني تاليا للأول؟ والأول لحسان والثاني لعبد الرحمن ابنه في أبيات هجابها مسكين بن عامر الدارمي. وهي ثلاثة أبيات أوردها :

أيها الشاتمي ليحسب مثلي

إنما أنت في الضلال تهيم

لا تسبّنّني فلست بسبّي

إن سبّي من الرجال الكريم

ما أبالي أنبّ بالحزن تيس

أم لحاني بظهر غيب لئيم».

(فرحة الأديب ٢٩ / أ)

١٤٧

وقوله : (وجهل غطا عليه النعيم) بني أءن الغنى يسترعيب صاحبه لمحبة الناس للمال وإكرامهم للغني. والحزن : الغليظ من الأرض ، والحزن (١) مكان بعينه في بلاد بني تميم. يقول : كلام اللئيم لي وعيبه لي ، بمنزلة صياح التيس حين يصيح عند النزوّ. ولحاني : لامني.

[في الحال]

٤٢٩ ـ قال سيبويه (١ / ٤٨٩ ـ ٤٩٠) : «وتقول : لأضربنّه ذهب أو مكث كأنه قال : لأضربنه ذاهبا أو ماكثا ، ولأضربنه إن ذهب أو مكث».

يعني أن الفعل الماضي قد وقع في هذا الموضع حالا ، وهذا لا يسوغ في كل موضع. وفيه معنى الشرط ، كأنه قال : لأضربنه على كل حال. وقال زيادة العذريّ :

(إذا ما انته علمي تناهيت عنده

أطال فأملى أو تناهى فأقصرا) (٢)

الشاهد (٣) فيه أنه عطف (تناهى) على الحال ، كأنه قال : تناهيت عنده مطيلا أو متناهيا. و (أطال) وزنه (أفعل) (فأملى) معطوف على (أطال) ،

__________________

(١) انظر الجبال والأمكنة ٦٢ والبكري ٢٨٠ وقال الزمخشري : الحزون في جزيرة العرب ثلاثة : حزن بني يربوع ـ وهو التميمي منها ـ وحزن بني غاضرة ، وحزن كلب.

(٢) روي البيت لزيادة بن زيد العذري في : البيان والتبيين ٣ / ٢٤٤ والموشح ١٩١ واللسان (نهى) ٢٠ / ٢١٨ وورد في الخزانة في ٤ / ٤٧٠ مطلع مقطوعة للشاعر عن رواية ابن الأعرابي في النوادر كما ذكر البغدادي.

(٣) أي دخول (أو) لأحد الأمرين ، وقد ورد الشاهد في : المقتضب ٣ / ٣٠٢ ومجالس العلماء ١٧٦ والأعلم ١ / ٤٩٠ والكوفي ٢٤٤ / أوالخزانة ٤ / ٤٦٩ وذكر المبرد أن البيت ينشد (أم تناهى) وقال : «أما (أو) فعلى قولك : إن طال وإن قصر ، وأما (أم) فعلى قولك : أيّ ذلك كان». ويبدو الفرق أوضح بين (أو) وبين (أم) حين يكون في المعنى استفهام.

١٤٨

(فأقصر) معطوف على (تناهى). وقوله : أطال يعني به أن علمه إذا امتد في شيء ، واستتبّ له معرفته ، ووضح له معناه ، تكلم فيه ، وأنه [إذا](١) لم يعرف سكت ولم يتكلم بما لا يعلمه.

وقوله : (إذا ما انته علمي تناهيت عنده) يريد أنه إذا بلغ علمي بالأشياء إلى موضع ، بلغت إليه : ولم أتجاوزه فأتكلم بما لا أعلمه ، مطيلا كان علمي أو متناهيا ، وقوله : فأملى أي امتد في الزمان ، والملاوة : الحين من الدهر ، يعني أنه إذا امتد علمه ـ حالّا حينا طويلا ـ تبعه ، وإن تناهى أي انقطع ، أقصر ولم يتكلم.

وقال مليح (٢) بن علّاق القعيني يرثي ابنه :

(ألا لا أبالي بعد يوم مطرّف

حتوف المنايا أكثرت أو أقلّت)

لعمري لئن أمست ركاب مطرف

تعفّت ، لقد كانت أهينت وذلّت (٣)

ويروى : (بعد موت مطرف) يريد مكثرة أو مقلة. والحال حال من الحتوف. يريد أنا لا / أبالي بعد موت ابني على من وقعت المنايا ، ولا أبالي أكثرت من أخذها أو أقلّت.

[نصب المضارع بعد فاء السببية]

٤٣٠ ـ قال سيبويه (١ / ٤٢١) : وتقول : (كأنك لم تأتنا فتحدثنا)

__________________

(١) زيادة تقتضيها العبارة.

(٢) ويعرف بابن أم علاق الأعيوي ، واسمه مليح بن طريف الأسدي من بني أعيا ترجمته في : معجم الشعراء ص ٤٧٣ وحاشيتها. وذكره المطبوع : مليح بن غلّاق القعنبيّ!

(٣) أورد سيبويه أولهما ولم ينسبه وذكر البغدادي أنه من شواهد سيبويه (الخمسين!) التي لا يعرف قائلها. والبيتان للشاعر مليح بن علاق في شرح الكوفي ٢٤٤ / أ

وقد ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٤٩٠ والكوفي ٢٤٤ / أوالخزانة ٤ / ٤٦٧

١٤٩

تقديره : كأنه لم يكن منك إتيان فحديث. قال رجل (١) من دارم :

(كأنك لم تذبح لأهلك نعجة

فيصبح ملقى بالفناء إهابها)

إهابها : جلدها. والشاهد فيه نصب (فيصبح) وجعل (فيصبح) (٢) جوابا للأول ، كأنه قال : كأنك لم يكن من شأنك أنك متى ذبحت ، ألقيت إهابها بفنائك.

وسبب هذا الشعر ، أن أبا بدر اليربوعي قتل ، وادّعى الأحوص اليربوعي قتله على بني دارم. وقال :

سيأتي الذي أحدثتم في صديقكم

رفاقا من الآفاق شتى مآبها

خطا طيف ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعبا إلا بشؤم غرابها (٣)

فأجابه سويد بن الطويلة :

ليبك أبا بدر حمار وثلّة

وسالية راثت ، عليها وطابها

كأنك لم تذبح لأهلك نعجة

فيصبح ملقى بالفناء إهابها (٤)

يهجو أبا بدر ويقول : إنه كان صاحب قطيع من غنم وفيها حمار. والوطاب : زقاق اللبن ، راثت : ابطأ عليها اللبن الذي يستخرج زبده فيعمل منه السمن.

__________________

(١) هو الشاعر سويد بن الطويلة. تقدمت ترجمته.

(٢) قوله : (وجعل «فيصبح») ساقط في المطبوع.

(٣) انظر الشعر وصاحبه في خبر القوم مفصلا في حاشية الفقرة (٢٩) عن فرحة الأديب ٣ / أوما بعدها.

(٤) تقدم الشعر ومناقشة الشاهد في الفقرة (١٤٥) وحاشيتها.

١٥٠

والسالية : التي تسلأ السمن فتعمله ، وقوله : (كأنك لم تذبح لأهلك نعجة) يريد أن أكثر ما يذكر من أمره ، وأعلى مراتب أفعاله ذبح نعجة لأهله.

ويحكى عن شيخ من بني حنيفة أنه قال : مررت بخباء عظيم فيه عجوز ، بين يديها شاب يجود بنفسه ، وحولها نسوة ، وهي تبكي وتقول :

أصعصع مالي لا أراك تجيبنا

أتسمع نجوا ناك أم ليس تسمع

فلو كان والي الموت يقبل فدية

فدتك ثمان مشفقات وأربع (١)

ثم تلتفت إليهن وتقول : أتفعلن؟ فيقلن : اللهم نعم. ثم تقول :

كأنك لم تذبح لأهلك نعجة

وتلق على باب الخباء إهابها

ولم تجب البيد التنائف تقتنص

بها جرة حسلانها وضبابها

فإن متّ أردى الموت أبناء عامر

وخصّ بى كعب وعمرو كلابها (٢)

وإنما كتبت هذه الأبيات ، لئلا يرى إنسان أن سيبويه وقع عليه غلط في رفع البيت الذي استشهد به ، وليعلم أن هذا البيت وقع في أبيات مرفوعة لشاعر ، وفي أبيات منصوبة لغيره.

[حذف ألف الاستفهام وهي مرادة]

٤٣١ ـ قال سيبويه (١ / ٤٨٥) قال عمر بن أبي ربيعة :

(لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان)

__________________

(١) ورد الخبر وفيه الأبيات الخمسة في شرح الكوفي ٢٤٥ / أ، وكان قد ذكر الأبيات البائية الثلاثة في شرحه ١٤٨ / ب منسوبة إلى امرأة من بني حنيفة.

١٥١

هذا إنشاد الكتاب وإنشاد كل مستشهد. ورأيت في شعره :

بدا لي منها معصم يوم جمّرت

وكفّ خضيب زينت ببنان

فلما التقينا بالثنيّة سلّمت

ونازعني البغل اللعين عناني

فو الله ما أدري ـ وإني لحاسب ـ

بسبع رمين الجمر أم بثمان (١)

والشاهد (٢) فيه حذف ألف الاستفهام ـ وهي تراد ـ وتقديره : أبسبع رمين الجمر أم بثمان. يعني أبسبع حصيات رمين أم بثمان حصيات.

والجمر : جمع جمرة ، والجمار ثلاث وهي معروفة بمنى. والمعصم : طرف الذراع مما يلي الكف ، وجمّرت : رمت الجمار ، والثنيّة : عند جمرة العقبة.

[نصب المضارع بعد فاء السببية]

٤٣٢ ـ قال سيبويه (١ / ٤٢١) في الجواب بالفاء ، قال البرج (٣) بن مسهر / :

__________________

(١) ديوانه (ليبسيك) ق ١١٣ / ٢ ـ ٣ ـ ٤ ج ١ / ٨٨ من مقطوعة في أربعة أبيات قالها في عائشة بنت طلحة أحد العشرة المبشرين. وجاء في عجز الثالث (بسبع رميت الجمر) وهو الصواب ، وفيه الدلالة المرادة على شغفه بها حتى أذهله عما يفعل.

(٢) ورد الشاهد في : الكامل للمبرد ٢ / ٢٤٥ والمقتضب ٣ / ٢٩٤ والأعلم ١ / ٤٨٥ والكوفي ٢٤٥ / أوالمغني ش ٦ ج ١ / ١٤ وابن عقيل ش ٧٢ ج ٢ / ١٧٨ وشرح السيوطي ش ٥ ص ٣١ والخزانة ٤ / ٤٤٧

(٣) البرج بن مسهر بن جلاس الطائيّ ، شاعر معمر ، ويغلب أنه لم يدرك الإسلام. له أكثر من مختارة في حماسة أبي تمام. ترجمته في : المؤتلف (تر ١٥٣) ص ٦١ وشرح المرزوقي ق ١٢٢ ج ١ / ٣٥٩ وكذلك ق ٢٠١ ج ٢ / ٦١٦ والتبريزي ١ / ١٨٦ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٢٨٠

١٥٢

(ألم تربع فتخبرك الرّسوم

على فرتاج والعهد القديم)

تحمّل أهله وجرت عليه

رياح الصيف والسّبط المديم (١)

الشاهد (٢) فيه أنه نصب (فتخبرك) على جواب الاستفهام. أي لو ربعت لخبرتك الرسوم عن أهلها إذا سألتها. وليس أنها تخبر بالقول ، وإنما يريد أن الآثار التي تراها في الرسم تدل على ذهاب الذين كانوا فيه ، فكأنها تخبره بالقول.

وفرتاج : موضع بعينه ، والرسم : ما لم يكن له شخص قائم في الدار ، والطلل : ما شخص من الدار ، ورياح الصيف : تسفي الرياح التراب على الآثار ، وإنما خص الصيف لأن الأرض فيه يابسة لا تمطر ، فالريح تثير العجاج لجفاف الأرض. ورياح الشتاء تهب والأرض ندية فلا تسفي (٣) التراب ، والسبط المديم : السحاب الذي مطره دائم.

[رفع جواب الشرط على تقدير التقديم]

٤٣٣ ـ قال سيبويه (١ / ٤٤٢) قال العجير السلولي :

ومستلحم قد صكّه الخصم صكّة

قليل الموالي نيل ما كان يمنع

رددت له ما أفرط القول بالضحى

وبالأمس حتى اقتافه وهو أضرع

__________________

(١) أورد سيبويه أولهما ولم ينسبه ، والبيتان للبرج بن مسهر في شرح الكوفي ٢٣ / ب و ٢٤٥ / أوورد أولهما بلا نسبة في اللسان (فرتج) ٣ / ١٦٩

(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٩٠ / أوالأعلم ١ / ٤٢١ والكوفي ٢٢ / أو ٢٣ / ب و ٢٤٥ / أ

(٣) في الأصل : تسيف. وهو سهو.

١٥٣

(وما ذاك أن كان ابن عمي ولا أخي

ولكن متى ما أملك الضرّ أنفع) (١)

الشاهد (٢) فيه أنه رفع (أنفع) في موضع الجواب ، وإنما رفعه لأنه قدره قبل الشرط ، كأنه قال : ولكن أنفع متى ما أملك الضّر.

والمستلحم. وأصله في الحرب : وهو الذي أحيط به فأثخن فلم يمكنه أن يبرح. أراد : ورب مستلحم قد صكه خصمه بحجة (٣). وبنو عمه وأنصاره أذلاء لم يكن فيهم من يعينه ، نيل منه ما كان يمنعه.

__________________

(١) رويت الأبيات للعجير في الأغاني ١٣ / ٧١ من قصيدة قالها في ابنة عم له اختارت غيره ليساره.

وجاء في الأول (صكه القوم .. بعيد الموالي) ، وفي الثاني (ما أفرط القتل .. حتى اقتاله فهو أصلع) وفي الثالث (ولست بمولاه ولا بابن عمه .. ما أملك النفع ..) ورويت الأبيات للشاعر في : فرحة الأديب ٢٩ / ب وسيلي نصه ، والخزانة ٣ / ٦٥٣ ، وورد أولهما في اللسان (لحم) ١٦ / ١٠

(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٩٤ / ب والأعلم ١ / ٤٤٢ والكوفي ٢٤٥ / ب والخزانة ٣ / ٦٥٢

(*) عقب الغندجاني ـ إذ أورد هذا القدر من شرح ابن السيرافي للأبيات ـ بقوله :

«قال س : هذا موضع المثل :

أصبحت تنهض في ضلالك سادرا

إن الضلال ابن الإلال فأقصر

ضل ابن السيرافي ههنا في قوله : (ورب مستلحم) من حيث أنه لم يعرف البيت الذي يتقدم هذا البيت ، وأنه معطوف عليه. والبيت الذي قبله :

بلى سوف تبكيني خصوم ومجلس

وشعث أهينوا حضرة الدار جوّع

وأول الأبيات :

١٥٤

رددت له ما أفرط القول : يريد أنه قد فرط منه قول غلط فيه ، فوقع في أمر من المكروه لا يستطيع دفعه. ويروى : (أفرط القول) بالنصب. أراد أنه قدم قولا خطأ.

ورأيته في موضع آخر مرفوعا ، يريد : الذي أفرطه القول ، أي قدمه ، ويكون الضمير الذي يعود إلى (ما) محذوفا ، تقديره : أفرطه القول. واقتافه : أخذه عني ولقنه ، يعني أنه لقّنه حجته.

واقتافه : تتبعه ، تقول : قفت (١) الشيء واقتفته (٢) إذا اتّبعته. وهو أضرع : أي ذليل. وما فعلت ذلك لأنه ابن عمي ولا أخي ، يريد : وما كان نصري له لأن كان ابن عمي ولا أخي. وقوله : متى ما أملك الضر ، يريد متى ما أملك دفع الضر أنفع ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

[النصب بعد (إلا) على الحال بعامل قبلها]

٤٣٤ ـ قال سيبويه (١ / ٣٧٢) في الاستثناء : «وتقول : (من لي إلا

__________________

١) إذا متّ كان الناس نصفان : شامت

وآخر مثن بالذي كنت أصنع

٢) بلى سوف تبكيني خصوم ومجلس

وشعث أهينوا حضرة الدار جوّع

٣) ومضطهد قد صكه الخصم صكّة

ذليل الموالي نيل ما كان يمنع

فلفظ البيت (مضطهد) لا (مستلحم) كما زعم ابن السيرافي.

٤) رددت له ما سلّف القوم بالضحى

وبالأمس حتى ناله وهو أضلع

٥) ولست بمولاه ولا بابن عمه

ولكن متى ما أملك الضّرّ أنفع».

(فرحة الأديب ٢٩ / أوما بعدها)

(١) انظر القاموس (قوف) ٣ / ١٨٨

١٥٥

أبوك صديقا) حين جعلته مثل : ما مررت بأحد إلا أبيك خيرا منه».

(أبيك) مجرور لأنه بدل من (أحد) و (خيرا منه) منصوب على الحال ، وهي حال من (أبيك) وكأنه : ما مررت إلا بأبيك خيرا من كل أحد. والضمير المجرور يعود إلى (أحد).

وقال سيبويه : «ومثله قول الشاعر ـ وهو الكلحبة (١)». واسمه هبيرة بن عبد الله من بني عرين بن ثعلبة بن يربوع :

(أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى

ولا أمر للمعصيّ إلا مضيّعا) (٢)(٣)

__________________

(١) شاعر جاهلي اسمه هبيرة بن عبد مناف ، أحد فرسان تميم وساداتها ، وهو فارس العرادة وذي الخمار. ترجمته في : أنساب الخيل ٤٧ و ١٣٠ ـ ١٣١ وأسماء خيل للعرب وفرسانها لابن الأعرابي ص ٦٣ وألقاب الشعراء ـ نوادر المخطوطات ٧ / ٣٠٦ وهو فيه (ابن الكلحبة) والمؤتلف (تر ٥٨٧) ص ١٧٣ وأسماء خيل العرب وأنسابها للغندجاني ٢٤ / أوهو فيه (ابن الكلحبة) وجمهرة الأنساب ٢٢٤ وشرح الاختيارات ١ / ١٤١ ورغبة الآمل ١ / ٩

(٢) روي البيت للكلحبة في : أنساب الخيل ٤٨ من مقطوعة في سبعة أبيات. وكذا في المفضليات ص ٣٢ ونسبها البحتري في حماسته (ق ٩٢٦ ص ١٧٣) إلى زهير بن كلحبة اليربوعي ، وهي للكلحبة في شرح الاختيارات ق ٢ / ٦ ج ١ / ١٤٧ والخزانة ١ / ١٨٧ وفيها جميعا ما عدا أنساب الخيل (أمرتكم).

(*) وقد عقب الغندجاني على ما ذكره ابن السيرافي من اسم الشاعر ـ بقوله :

«قال س : هذا موضع المثل :

وكلّ هوى إلا لسعدى مخلّص

إلى أهله من عندنا بسلام

يجب أن ترد هذه الحكمة على ابن السيرافي ذميمة ، فإن الرجل هو ابن الكلحبة لا الكلحبة كما ذكره ، والكلحبة أمه ، وهى امرأة من جرم ربّان.

١٥٦

الشاهد (١) فيه أنه نصب (مضيّعا) على الحال ، ودخلت (إلا) على الحال ، والاستثناء إنما وقع على بعض الأحوال ، والعامل للحال (للمعصي) كما تقول : المال لك ثابتا ، وهو لك خالصا. وجعل دخولها على الحال بمنزلة دخولها على (غير) في الاستثناء ، وبمنزلة دخولها قبل (إلا). و (صديقا) منصوب في قولك : (من لي إلا أبوك صديقا) بقوله (لي). و (لي) خبر الابتداء وهو (من).

فجعل (مضيّعا) في أن ما قبل (إلا) يعمل فيه بمنزلة (صديقا) في أن الذي قبل (إلا) يعمل فيه. وعلى مذهب أبي العباس يكون العامل فعلا محذوفا و (إلا) في موضعه وهو خلاف في أصل الاستثناء.

ثم قال سيبويه (١ / ٣٧٢) بعد إنشاده البيت : «وقد يكون أيضا على قوله (لا أحد فيها إلا زيدا). يريد أن (مضيعا) قد ينتصب أيضا على غير وجه الحال ، على أن تكون مستثنى من (أمر) في قوله : (ولا / أمر) كما استثني زيد من رجل في قوله : (لا رجل فيها إلا زيدا) وكأنه قال : ولا أمر للمعصي إلا أمرا مضيعا ، فحذف المنعوت وأقام النعت مقامه.

واللوى : مسترقّ الرملة ، ومنعرجه : منعطفه. وقوله : (ولا أمر للمعصي

__________________

واسمه هبيرة بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع ، وهو عم واقد بن عبد الله بن عبد مناف».

(فرحة الأديب ٢٩ / ب)

(١) ورد الشاهد في : النحاس ٨٣ / ب والأعلم ١ / ٣٧٢ والكوفي ١٢٨ / أوما بعدها و ٢٤٥ / ب والخزانة ٢ / ٣٦

١٥٧

إلا مضيعا) أي من عصي ولم يقبل ما يأمر به ، ضاع رأيه لأنه لا يعمل به فيعرف موقع جودته.

قال هذا الشعر في يوم (١) زرود ، وهو يوم فرّت فيه بنو تغلب من بني يربوع. فلما التقوا هزمتهم بنو يربوع. وحديثه مشهور.

[(كأن) المخففة]

٤٣٥ ـ قال سيبويه (١ / ٤٧٠) في باب (إنّ) قال النابغة الجعدي :

وأحضرهم خصما شديدا ضريره

بني دارم أهل التّبول ونهشلا

وذو التاج من غسان ينصر جاهدا

ليجعل فيها جدّنا هو أسفلا

(قروما تسامى عند باب دفاعه

كأن يؤخذ المرء الكريم فيقتلا) (٢)

الشاهد (٣) فيه على أنه جعل (كأن) مخففة من كأنّ ، أراد : كأنه يؤخذ المرء الكريم فيقتلا.

و (يؤخذ) مرفوع. وقوله (فيقتلا) منصوب لضرورة الشعر (٤). كما قال الأعشى :

__________________

(١) ويدعى (يوم زرود الآخر). انظر خبره في : العمدة ٢ / ٢١٦ ومجمع الأمثال ٢ / ٤٤٠

(٢) في ديوان النابغة الجعدي قصيدتان متتاليتان من البحر والقافية ، أولاهما في هجاء سوّار القشيري والتالية في هجاء زوجه ليلى الأخيلية. وورد البيت الثالث فحسب في الثانية منهما ق ٧ ب / ي ص ١٣١ وفي صدره (قروم) بالكسر. هذا مع ثغرات في خلال القصيدتين تشير إلى وقوع نقص فيهما. ورويت الأبيات للشاعر في : شرح الكوفي ٢٤٦ / أ

(٣) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٤٧٠ والكوفي ٢٤٦ / أ

(٤) نقل الأعلم جعل (أن) ناصبة للفعل (يؤخذ) بدليل قوله (فيقتلا) بالنصب.

١٥٨

 .....

ويأوي إليها المستجير فيعصما (١)

وفي (أحضرهم) ضمير يعود إلى ملك تقدم ذكره ، والضمير المنصوب يعود إلى قوم النابغة ، وهم بنو عامر بن صعصعة. ويقال : إنه لذو ضرير ، إذا كان ذا صبر على الخصومة والشر والبلاء.

والتّبول : جمع تبل وهو التّرة والذّحل ، و (نهشلا) معطوف على (بني دارم) وذو التاج : الملك من ملوك غسان ، ينصر خصمنا علينا ويعينهم حتى يقضي لهم منا ، فيعلوا ونسفل. والقروم : جمع قرم وهو الفحل من الإبل ، شبه السادات بالفحول من الإبل ، عند باب : يريد باب الملك ، وتسامى : يعلو بعضها على بعض ويرتفع. وقوله (دفاعه) يريد الدفع عن الدخول فيه والوصول إلى ما وراءه ـ وهو حضرة الملك ـ كأخذ الرجل وقتله.

[في الاستثناء المنقطع]

٤٣٦ ـ قال سيبويه (١ / ٣٦٨) في الاستثناء ، قال النابغة الجعدي :

لو لا ابن عفان الإمام لقد

أغضيت من شتمي على رغم

__________________

(١) لا وجود للبيت في ديوان الأعشى الذي لم يحو سوى قصيدة واحدة من البحر والقافية ـ ق ٥٥ ص ٢٩٣ وهي تخلو من معاني الفخر ، ويبعد أن يكون البيت منها.

والبيت عند سيبويه (١ / ٤٢٣) لطرفة بن العبد ، وهو في ديوانه (بشرح الأعلم الشنتمري) ق ٨٣ / ٢ ص ١٩٤ من قصيدة يهجو بها عبد عمرو بن بشر. وصدره : (لنا هضبة لا يدخل الذل وسطها).

ـ والشاهد فيه نصب (يعصم) بإضمار (أن) ضرورة. وقد ورد في : المقتضب ٢ / ٢٤ والأعلم ١ / ٤٢٣ والكوفي ٢٤ / أ. وقال المبرد : «وأكثرهم ينشد (ليعصما) وهو الوجه الجيد». قلت : هذا من حيث صحة الإعراب ، أما قوة المعنى وتحقيق الإثارة فبالفاء أجود ، إذ لا تجعل الاستجارة قاصرة على مسالمهم ..

١٥٩

ودعوت لهفك بعد فاقرة

تبدي محارفها عن العظم

كانت فريضة ما تقول كما

كان الزّناء فريضة الرّجم

(إلا كمعرض المحسّر بك ..

ريه يسبّبني على الظّلم) (١)

الشاهد (٢) فيه أنه استثنى استثناء منقطعا ، لأن (معرضا) لم يجر قبله ما يستثنى منه ، ولكن هذا الاستثناء بمعنى لكن ، وليس من الأول في شيء. والكاف (٣) زائدة ، أراد : إلا معرضا.

وإنشاد البيت الأول في الكتاب على صحة وزن ، وهو من العروض الثانية من الكامل ، والبيت الثاني يخرج من العروض الأولى من الكامل. وقد أنشد مع البيتين من القصيدة ما يوضح المعنى والوزن.

وأغضيت : أسبلت جفنك على عينك ـ لما قد (٤) أصابك من الغلبة والقهر ـ

__________________

(١) أورد سيبويه الأول والرابع بلا نسبة ، والأبيات للنابغة الجعدي في ديوانه ق ٢٩ / ٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٦ ص ٢٣٤ بترتيب مغاير. وجاء في صدر الأول (لو لا ابن حارثة الأمير) وفي صدر الثالث (ما أتيت) بدل ما تقول. وجاء في رواية الرابع (المحسر بكره عمدا يسببني).

ورويت الأبيات متفرقة بلا نسبة في اللسان : الأول والرابع في (عرض) ٩ / ٤٧ والرابع في (سبب) ١ / ٤٣٨ و (حسر) ٥ / ٢٦١

(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٨٢ / ب وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٠١ والأعلم ١ / ٣٦٨ والإنصاف ٢٠٧ والكوفي ٢٤٦ / أ

(٣) وقد انفرد النحاس بجعل (إلا) في معنى الواو ، كأنه قال وكمعرض ، ولم ينصبه على الاستثناء المنقطع.

(٤) في المطبوع (على ما أصابك) خلافا للأصل.

١٦٠