شرح اللّمع في النحو

أبي الفتح عثمان بن جنّي

شرح اللّمع في النحو

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور محمّد خليل مراد الحربي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4863-6
الصفحات: ٤٠٠

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدمة

الحمد لله على ما أنعم والصلاة والسّلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد فإن شرح اللمع لجامع العلوم أثر في علم النحو نفيس شاء الله تعالى أن يجعل تحقيقه موضوع رسالتي للدكتوراه.

وإن طبيعة الدراسة في مثل هذا الفن أملت علي تقسيم العمل على قسمين الأول للدراسة والثاني لتحقيق نص الشرح.

أما قسم الدراسة فقد اشتمل على خمسة مباحث على النحو الآتي :

المبحث الأول تناولت فيه حياة جامع العلوم فتكلمت عن اسمه ومولده ووفاته وعما خلف لنا من الآثار فاستطعت أن أحصي كتبه وتحدثت عن مكانته العلمية.

المبحث الثاني : تحدثت فيه عن شرح اللمع عن اسمه ونسبته الى جامع العلوم وبينت الطرائق التي سلكتها للتحقق من ذلك كما إني تحدثت عن منهجه في تقديم مادته العلمية.

المبحث الثالث : وعنونته ((بين يدي شروح اللمع الأخرى)) إذ انتخبت فيه خمسة من شروح اللمع وقعت بين يدي كلها لما تزل مخطوطة أو غير منشورة عدا شرح اللمع لابن برهان فقد حقق ونشر وصفت مزاياها ومناهجها وقيمتها العلمية وكانت غايتي من ذلك هو إيضاح موقع شرح اللمع لجامع العلوم من تلك الشروح ثم الكشف عن تلك الشروح لأنها تمثل بعضا من ذخائرها النفيسة.

المبحث الرابع : تناولت فيه المذهب النحوي لجامع العلوم وقطعت بأنه بصري المذهب دون تردد أو ترجيح كما إني تعرضت إلى بعض من آرائه النحوية من خلال رده واستدراكاته على النحويين السابقين.

المبحث الخامس : وقد استعرضت فيه موقف جامع العلوم من النحويين السابقين من رجال المدرستين البصرية والكوفية فبينت موقفه إزاء خمسة من النحويين البصريين وثلاثة من النحويين الكوفيين ليكون التمثيل مستوعبا لحاله مع رجال المدرستين ثم أتيت على الخاتمة ونتائج البحث إذ أثبت ثلاث عشرة نتيجة ثم وصفت المخطوطة وأفضيت الى السبل التي سلكتها في تحقيق النص.

وأما القسم الثاني وهو تحقيق الشرح فقد وثقت ما ذكر من آراء أو استشهد به من قرآن وحديث وأثر وشعر وبحسب ما أقدرني الله عليه من مظانها ومن آثار سابقيه أو لاحقيه.

٣

وبعد ذا وذاك فإني أبقى أتلو آيات الشكر والامتنان وأدعو الله العلي القدير أن يحفظ ويمد في عمر أستاذي الكبير الدكتور طارق عبد عون الجنابي لما أولانيه من الفضل العميم الذي لا ينسى يوم كرمني بإهدائه إياي هذه المخطوطة النادرة الوحيدة في العالم ثم الإشراف عليها رسالة للدكتوراه.

المحقق

٤

القسم الأول / الدراسة

المبحث الأول حياة جامع العلوم ومكانته العلمية

١ ـ حياته :

أـ اسمه ومولده ووفاته :

هو الشيخ ، الإمام ، الأجل ، نور الدين ، جامع العلوم ، أبو الحسن ، علي بن الحسين بن علي ، النحوي ، الضرير ، الباقولي ، الأصبهاني (١).

لم تذكر المصادر التي اطلعت عليها ، سنة ولادته ، إذ لم يكن يعتنى بوفاة المؤلف إلا بعد أن يشتهر ، وقليل من المؤلفين من ذكرت سنة ولادته ، ومع ذلك قد يختلف كتاب التراجم في سنوات وفيات كثير من المشاهير ، فذكر بعضها أنه كان حيا سنة (٥٣٥ ه‍) (٢). وذكر بعض آخر أن وفاته كانت سنة (٥٤٣ ه‍) (٣).

الغريب أن المصادر التي ترجمت له ، لم تذكر شيوخه ، أو من أخذ عنه علومه ، كما لم تذكر من تتلمذ له ، وأفاد منه ، ووصفته ؛ بالشيخ ، والإمام نور الدين ، وجامع العلوم ، والنحويّ ، وكلها أوصاف وألقاب تدل على التجلة الكبيرة التي حظي بها لدى مترجميه ، فوصفوه ولقبوه بذلك ، وأما (الباقولي) ؛ فلم أجد من ذكر عن هذه النسبة شيئا ، والباقولي في اللغة : هو الكوب ، أو الكوز بلا عروة (٤) ، فلعل أباه أو عائلته شهرت بصناعة البواقل ؛ أي : الكيزان ، فنسبت إلى هذه المهنة ، فلحقت هذه النسبة جامع العلوم ؛ فلقب ب (الباقولي) ، وأما (الأصبهاني) ؛ فلأنه نشأ في أصبهان ، أحد أقاليم إيران المشهورة (٥). وذكر القفطي أن له ولدا اسمه الصفي (٦).

ب ـ كتب جامع العلوم

لجامع العلوم مصنفات كثيرة ، فقد كان مولعا بالتأليف ؛ ولا سيما بما له اتصال بعلوم القرآن الكريم ، وعلم النحو. فمن كتبه التي عرفت عند الدارسين ، والباحثين ، تراثا غاليا ، يرى النور ، ويرى العلماء النور فيه ، هي :

١ ـ الجواهر : وهو الكتاب الذي حققه الأستاذ إبراهيم الأبياري باسم (إعراب القرآن المنسوب للزجاج) ، وطبعته دار الكتاب اللبناني عدة طبعات بثلاثة أجزاء.

__________________

(١) مخطوطة الكشف : صفحة العنوان ، ضمن رسالة ، الجامع النحوي ١ : ٢٢٣ ، ومعجم الأدباء ١٣ : ١٦٤ ، وإنباه الرواة ٢ : ٢٤٧ ، ونكت الهميان ٢١١ ، والبلغة ١٥٥ ، وبغية الوعاة ٢ : ١٦٠ وكشف الظنون ٢ : ١٤٩٣ ، وهدية العارفين ١ : ٦٩٧ ، والأعلام ٥ : ٩٠ ومعجم المؤلفين ٧ : ٧٥.

(٢) كشف الظنون ١ : ٦٠٣ ، ومعجم المؤلفين ، ٤ : ٧٥.

(٣) هدية العارفين ١ : ١٩٧ ، وفهرس المخطوطات العربية في صوفيا / منشورات دمشق ٢ : ١٣٠ ، ١٣١.

(٤) أساس البلاغة (بقل) ٤٧.

(٥) معجم البلدان ١ : ٢٠٦ ـ ٢١٠.

(٦) إنباه الرواة ٢ : ٢٤٧.

٥

وقد حقق نسبة هذا الكتاب إلى جامع العلوم ، الأستاذ أحمد راتب النفاخ (١) ، على سبيل الرجحان (٢) ؛ إذ وجد أن جامع العلوم قد أكثر في كتابه (الكشف) من الإحالة على كتاب بهذا الاسم ، وقد أورد أحد عشر موضعا أحال فيها من (الكشف) على (الجواهر).

وقد وجدت تلك الإحالات كلها في المطبوع ب (إعراب القرآن) المنسوب للزجاج ، منها على سبيل المثال :

قوله تعالى : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ)(٣) ... قيل في قوله : (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) الآية. إن اللام زائدة وهو استثناء مقدم ، والتقدير : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم ، وقد ذكرناه في (الجواهر) بأتم من هذا (٤).

ب ـ وقوله تعالى : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٥) ... وأما العامل في قوله (فإذا هي) فقوله : (شاخصة) ، وقد ذكرته في (الجواهر) (٦).

ثم قطع باسم هذا الكتاب ونسبته إلى جامع العلوم ، الدكتور محمد الدالي فأضاف إلى ما أورد الأستاذ النفاخ خمسة مواضع أخر ، استخرجها من (الكشف) أحال فيها جامع العلوم إلى (الجواهر) (٧) ، ووجدها هي في المطبوع ، فقال : ((فهذا الكتاب المطبوع باسم (إعراب القرآن) المنسوب للزجاج ، إنما هو (الجواهر) لجامع العلوم الأصبهاني ، غير شك)) (٨).

٢ ـ شرح اللمع : وهو موضوع دراستنا هذه.

٣ ـ الكشف في نكت المعاني والإعراب وعلل القراءات المروية عن الأئمة السبعة ، رسالة دكتوراه ، لعبد القادر عبد الرحمن السعدي ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ، عام ١٩٨٦ م.

وأما الكتب التي ذكرها العلماء له في مصنفاتهم ، أو ذكرها هو في كتبه الثلاثة المذكورة آنفا ، في أثناء الإحالة عليها ، أو وجود المطلب فيها ، فهي :

١ ـ الاستدراك على أبي علي : وفيه استدرك جامع العلوم على أبي علي الفارسي ، في

__________________

(١) حققها بمقالين نشرهما في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق : المجلد ٤٨ ج ٤ : ٨٤٠ ـ ٨٦٣. عام ١٩٧٣ م ، والمجلد ٤٩ ج ١ : ٩٣ ـ ١١٢ عام ١٩٧٤ م.

(٢) المقال الثاني ٩٣ ، ١١٢ ، حيث قال :((وأغلب ظني أن اسمه الصحيح : الجواهر .. ولا يعدو أن يكون ظنا من الظن يرتفع عندي إلى مرتبة الرجحان)).

(٣) ٣ : سورة آل عمران ٧٣.

(٤) الكشف ١ : ١٨٨ ـ ١٨٩ ، والجواهر (إعراب القرآن) ١ : ١١٢ ـ ١١٣.

(٥) ٢١ : سورة الأنبياء ٩٧.

(٦) الكشف ٢ : ٦٥٠ ـ ٦٥١ ، والجواهر ٢ : ٧٠٥ ، والمقال الثاني للنفاخ ٩٨ ـ ٩٩.

(٧) مقالة الدكتور محمد الدالي المنشورة في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق : المجلد ٦٦ ج ١ : ٧٧ ـ ١٠٦ عام ١٩٩١ ، والتي بعنوان : كتاب إعراب القرآن المنسوب للزجاج هو كتاب الجواهر لجامع العلوم الأصبهاني.

(٨) مقالة الدكتور الدالي ١٠٦.

٦

كتابه (الحجة في علل القراءات السبع) (١) ، وقد ذكره في (الكشف) (٢) ، وأشار إليه ب (الكتيّب في المسائل المأخوذة عليه) (٣) ، وب (المسائل التي على أبي علي) (٤) ، كما ذكره في (الجواهر) (٥) باسم (المستدرك).

٢ ـ البيان في شواهد القرآن : ذكره في (الكشف) في عدة مواضع (٦) ، وفي (الجواهر) (٧).

٣ ـ التتمة : ذكره في (الجواهر) (٨) ، ولم يذكر شيئا عن موضوعه.

٤ ـ الخلاف بين النحاة : وقد أشار إليه في (الكشف) (٩) ، و (الجواهر) (١٠) و (شرح اللمع) (١١).

٥ ـ الشامل : ذكره في (الكشف) عند ما أتى على سورة الناس ، آخر سور القرآن ؛ إذ قال ((وهذا آخر ما خرج من كشف المشكل ، وقد أمللته بعد تصنيف ؛ الجواهر ، والجمل ، والشامل ، والاستدراك على أبي علي ، والبيان في شواهد القرآن)) (١٢).

٦ ـ شرح كتاب عثمان ، وسماه (مسائل عثمان) ذكره في (الكشف) (١٣).

٧ ـ المجمل في شرح الجمل لعبد القاهر : ذكره في (الكشف) ونسبه إليه الصفدي (١٤) ، والسيوطي (١٥).

٨ ـ نتائج الصناعة : سماه (النتائج) ، ذكره في (الكشف) (١٦).

٩ ـ الوقف : ذكره في (الكشف) (١٧).

وبهذا يكون ما خلف جامع العلوم ، اثني عشر كتابا ، تسعة منها لما تزل في ضمير المجهول.

٢ ـ مكانته العلمية :

يعد جامع العلوم أحد كبار أئمة العربية في المئة السادسة للهجرة (١٨). وليس هناك أدل على مكانته العلمية من إطلاق الكثير من الألقاب عليه ؛ إذ كانت تلك الألقاب تدل على رسوخ قدمه ،

__________________

(١) معجم الأدباء ١٣ : ٦٥ ، ١٦٦ ، وبغية الوعاة ٢ : ١٦٠.

(٢) الكشف ٨٩٩.

(٣) الكشف ٨٣٤.

(٤) الكشف ٨٩٩.

(٥) الجواهر ٢ : ٦٤٠ ، ٦٨٤ ، ٨٣٥.

(٦) الكشف : ١٠٢ ، ٢١٨ ، ٤٠٣ ، ٩٠٨ ، ٩١٢.

(٧) الجواهر : ٢ : ٥٩٤ ، ٦٨٤.

(٨) نفسه : ٢ : ٥٩٥.

(٩) الكشف : ١ : ١٩٢.

(١٠) الجواهر : ١ : ١٠٦ باسم (الخلاف) و ١ : ١٢٨ ، ١٢٩ باسم (المختلف) و ١٧١ باسم (الاختلاف) و ٢ : ٦٥٨ باسم (الخلاف).

(١١) شرح اللمع لجامع العلوم : ٢٣٨ ، ٢٥٦ ، ٣٨١.

(١٢) الكشف : ٢ : ١٠٩٥.

(١٣) الكشف ١ : ٢١٨.

(١٤) نكت الهميان : ٢١٦.

(١٥) بغية الوعاة : ٢ : ١٦٠.

(١٦) الكشف : ١ : ٢١٨.

(١٧) نفسه : ٢ : ٧٧٦.

(١٨) مقالة الدكتور محمد الدالي المنشورة في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق : المجلد ٦٦ ج ١ : ٣٩٣ ـ ٤١٦ عام ١٩٩١ م.

٧

وتمكنه من فنه ، فهو : الإمام ، والجامع ، والنحوي والبصير ، وجامع العلوم ، وواحد الزمان (١).

غير أن أشهر تلك الألقاب هو لقب (جامع العلوم) (٢). وهو اللقب الذي غلب عليه ، وأنا أقطع بهذه الغلبة ، يدفعني إليها أمران :

الأول : أن هذا اللقب كان قد زين صفحة العنوان الأولى ، من كتاب الكشف ، إذ جاء العنوان هكذا : " كتاب الكشف في نكت المعاني والإعراب وعلل القراءات المروية عن الأئمة السبعة ، صنعة الشيخ الإمام الأجل نور الدين ، جامع العلوم ، أبي الحسن علي بن الحسين بن علي النحوي ، تغمده الله برحمته ، وألبسه لباس مغفرته)) وقد كان نسخ سنة (٥٨٢ ه‍) (٣).

الثاني : أن الشيخ الطبرسي ، قد صرح في تفسيره بهذا اللقب حيث قال : ((وأخذ عليه (أي على أبي علي الفارسي) البصير النحوي ، الملقب بجامع العلوم)) (٤)

لذا لا أجد اختيار لقب (الجامع النحوي) بحسب ما ذهب إليه الدكتور عبد القادر السعدي ، عنوانا لرسالته ، سديدا.

وأرى أن إطلاق العلماء عليه لفظ (الجامع النحوي) أو (الجامع) هو من باب الاجتزاء بالمضاف دون المضاف إليه ، وبالمضاف إليه دون المضاف ؛ وهو من سنن الكلام في لغة العرب ، وباب من النحو معروف (٥).

فإذا قيل : (الجامع النحوي) و (الجامع) ، فالأصل فيه : جامع العلوم النحوي ، وجامع العلوم على حد قوله تعالى : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ)(٦) ؛ أي : كل الأنام ، ومنه مما فيه (أل) قوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)(٧). أي : نصف الميراث.

ومما يدل على علو منزلته العلمية ، وشهرته ، وبعد صيته ، واحترام العلماء إياه أنه بعث ببيت للفرزدق ، إلى علماء خراسان يسألهم عن معناه ، ثم مبادرة أولئك العلماء ، في الإجابة عنه ، وشرحه (٨).

والبيت هو :

فليست خراسان التي كان خالد

بها أسد ، إذ كان ، سيفا أميرها (٩)

ومعنى البيت كما شرحه جامع العلوم ، في (الجواهر) (١٠) :

((وليست خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفا ، إذ كان أسد أميرها)).

__________________

(١) مجمع البيان ٣ : ٤٧١.

(٢) إنباه الرواة : ٢ : ٢٤٧ ، والبلغة ١٥٥.

(٣) الجامع النحوي ١ : ٧٣ (المقدمة).

(٤) مجمع البيان ١٠ : ٤٠٩.

(٥) الجواهر : ١ : ٤١ ، ٢ : ٦٥٣.

(٦) ٢٧ : سورة النمل ٨٧.

(٧) ٤ : سورة النساء ١١.

(٨) معجم الأدباء ١٣ : ١٦٤ ، وبغية الوعاة ٢ : ١٦٠.

(٩) البيت من الطويل ، لم أجده في ديوان الفرزدق ، وهو في الخصائص ٢ : ٣٩٧ بلا نسبة ، وفي الجواهر ٢ : ٧٠٥ وفيه الذي بدل التي.

(١٠) الجواهر ٢ : ٧٠٥.

٨

ففصل بين اسم (كان) ، وهو (خالد) وبين خبرها الذي هو (سيفا) بقوله (بها أسد إذ كان) ، بمعنى : أن خراسان ، أيام ولاية خالد ، خير منها أيام ولاية أخيه أسد ، وقد وهم ابن جني ؛ إذ زعم أن خالدا هذا هو خالد بن الوليد (١) ، وإنما هو خالد بن عبد الله القسري ، وأسد هو أخوه ، كانا قد وليا العراق وخراسان ، في العصر الأموي سنة (١٠٦ ه‍ وعزلا سنة ١٠٩ ه‍) (٢). وخالد هذا من ممدوحي الفرزدق.

وكان جامع العلوم ؛ مجلا لعلم النحو ، مولعا به ، مكبرا لفائدته ، إذ وصف النحوي بالشهاب الثاقب ؛ حيث روت العلماء عنه ، أو له ثلاثة أبيات ، يحض فيها على تعلم النحو ، وهي :

أحبب النّحو من العلم فقد

يدرك المرء به أعلى الشّرف

إنما النّحوي ، في مجلسه

كشهاب ثاقب بين السّدف

يخرج القرآن من فيه كما

تخرج الدّرّة من بين الصّدف (٣)

وقد أثنى على جامع العلوم معاصروه من العلماء الذين نقلوا عنه ؛ إذ وصفوه بأجمل الوصف وأبلغه ، ومن هؤلاء العلماء الشيخ الطبرسي (ت ٥٤٨ ه‍) حيث نقل عنه في تفسيره (مجمع البيان) مشيرا إلى مكانته العلمية ، قائلا : ((وقال البصير ، وهو واحد زماننا في هذا الفن)) (٤).

وذكره مرة أخرى ، يصفه ب ((الإمام النحوي البصير)) ، ولا يخفى علينا ما في كلمة (البصير) من التلميح البعيد ، والمعنى الطريف ؛ لأن جامع العلوم ، كان ضريرا ، فوصفه الطبرسي بالبصير ، لا الضرير ، اعترافا بعلميته ، وإعظاما لمنزلته ، ونجده ثالثة ينقل عنه ويصفه ب ((البصير النحوي الملقب بجامع العلوم)) (٥).

هذا ، وقد نقل من ترجم لحياته من العلماء الذين جاؤوا بعده بأنه : ((في النحو والإعراب كعبة ، لها أفاضل العصر سدنة ، وللفضل بعد خفائه أسوة حسنة)) (٦).

وأجد أن أكبر ميزة لجامع العلوم ، تنبئ عن المكانة العلمية التي استحقها في نفوس معاصريه ، ومن بعده هي اعتداده بنفسه ، واطمئنانه إلى ما عنده من بضاعة العلم النفيسة ؛ فلم ينكر أحد استدراكه على أبي علي الفارسي ، وعلى عبد القاهر الجرجاني ، وهما هما في طول الباع بهذا الفن! بل قالوا : ((وهذا الإمام (أي جامع العلوم) استدرك على أبي علي الفسوي ، وعبد القاهر ، وله هذه الرتبة)) (٧).

فعبارة : ((وله هذه الرتبة)) تبين مكانته العلمية ، وتعطيه الحق في الرد والمناقشة والاستدراك ،

__________________

(١) الخصائص ٢ : ٣٩٧.

(٢) البداية والنهاية ٩ : ٢٣٤ ، ٢٥٩.

(٣) معجم الأدباء ١٣ : ١٦٦ ، وإنباه الرواة ٢ : ٢٤٩ ، والبلغة ١٥٥.

(٤) مجمع البيان ٤ : ٤٧١.

(٥) نفسه ١٠ : ٤٠٩.

(٦) معجم الأدباء ١٣ : ١٦٥ ، ونكت الهميان ٢١١ ، وبغية الوعاة ٢ : ١٦٠ ، وروضات الجنات ٥ : ٢٥١.

(٧) معجم الأدباء ١٣ : ١٦٥ ، وبغية الوعاة ٢ : ١٦٠.

٩

وستأتي ـ إن شاء الله ـ في مبحث (المذهب النحوي لجامع العلوم وآراؤه) نكت من مناقشته لسابقيه ، من النحويين واستدراكاته عليهم ، وستجد بحق أنه وإن كان رجلا لاحقا ، قد سبق السابقين.

المبحث الثاني

شرح اللمع ، لجامع العلوم ومنهجه فيه :

شرح اللمع :

وهو الكتاب الثالث (١) ، من كتب جامع العلوم ، التي شاء الله تعالى أن ينفض عنها غبار الزمن الداثر ، على أيدي الباحثين فكانت دراسته وتحقيقه قد أمليا عليّ أن أتكلم على الأمور الآتية :

١ ـ اسم الكتاب :

ورد اسمه على الصفحة الأولى من المخطوط بعنوان (كتاب شرح اللمع في علم النحو) (٢).

وعلى الصفحة الثانية ، وبخط كبير جاء بعنوان (كتاب شرح اللمع) (٣) ، وهو العنوان الذي اخترته لهذه الرسالة ؛ لثلاثة أسباب :

الأول : أن عبارة (في علم النحو) أحسبها كانت تزيدا أضافه الناسخ من عنده ؛ ليبين للقارئ عما يشتمل عليه هذا الكتاب من أصناف العلم.

الثاني : أن جميع من ترجموا لجامع العلوم ذكروا هذا الكتاب بقولهم : ((وله كتاب شرح اللمع)) (٤).

الثالث : ذكر الناسخ نفسه هذا العنوان ، في آخر الشرح ، حيث قال : ((فهذا آخر كتاب شرح اللمع)) (٥).

٢ ـ نسبة الكتاب :

ونسبة شرح اللمع إلى جامع العلوم ، نسبة قطعية ، بالأدلة الآتية.

الأول : أن العلماء الذين ترجموا لجامع العلوم ذكروا له هذا الكتاب ، كما سبقت الإشارة إليه.

والثاني : أن الذين وصفوا مخطوطة هذا الكتاب ، ذكروا أولها ، بعد البسملة وهي قوله :

((الحمد لله رب العالمين ، وصلواته على رسوله ، محمد وآله الطيبين الطاهرين ، قال أبو الفتح)) (٦) وخاتمتها ، وهي قوله : (فهذا آخر كتاب شرح اللمع ، والحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على

__________________

(١) الكتاب الأول هو : الجواهر ، والكتاب الثاني هو : الكشف.

(٢) مخطوط كتاب شرح اللمع : ١.

(٣) نفسه : ٢.

(٤) معجم الأدباء ١٣ : ١٦٦ ، وإنباه الرواة ٢ : ٢٤٩ ، ونكت الهميان ٢١١ ، والبلغة ١٥٥ ، وهدية العارفين ١ : ٦٩٧.

(٥) شرح اللمع لجامع العلوم ٤١٦.

(٦) شرح اللمع ١ : أ.

١٠

محمد المصطفى وآله الطاهرين) (١).

وهذا دليل ناصع ، وحجة بالغة ، على نسبة هذا الكتاب إلى جامع العلوم ؛ إذ إن هذا الافتتاح والاختتام ، هو عينه في شرح اللمع.

الثالث : أن جامع العلوم نفسه ، ذكر في شرح اللمع ، كتابيه : الكشف ، والمختلف ؛ إذ أحال على الأول ، فقال : (وقد ذكرت هذا في الكشف ، بأتم من هذا) (٢) ، وأحال على الثاني ، فقال : (وقد ذكرنا هذا في المختلف مستقصى) (٣).

وهذا من أقوى الأدلة ، وأعلاها في القطع بنسبة (شرح اللمع) إلى جامع العلوم.

٣ ـ منهجه فيه :

يستطيع دارس شرح اللمع أن يتلمس فيه النهج الآتي :

١ ـ أبواب الكتاب :

سار جامع العلوم ، في ترتيب أبواب كتابه ، على نهج ابن جني في لمعه ، ولم يخالفه قط في تقديم أو تأخير ، أو تسمية أو دمج ، فابتدأ بأجزاء الكلام ، وباب المعرب والمبني ، وانتهى بباب الإمالة ؛ كما بدأ ابن جني ، وكما انتهى.

٢ ـ التعامل مع النص :

أـ يتناول جامع العلوم ، نص ابن جني بعبارة (قال أبو الفتح) ، وابتداء كلامه بعبارة (قلت) ولا يلتزم بها أحيانا ، وهو يتصرف كثيرا ، في نص ابن جني بالتقديم ، والتأخير ، والصياغة والزيادة ، بما لا يخرج عن روح النص ، واكتفى بالمثال الآتي : جاء في لمع ابن جني ، في باب المعرب والمبني ، ما نصه : (الكلام في الإعراب والبناء على ضربين : معرب ومبني ، والمعرب على ضربين :

الأول : الاسم المتمكن ، والآخر : الفعل المضارع وما عداهما من سائر الكلام فمبني) (٤).

نقل جامع العلوم ، هذا النص بعد عبارة (قال أبو الفتح) على النحو الآتي : (الكلام في الإعراب والبناء ، على ضربين : معرب ومبني فالمعرب على ضربين : أحدهما : الاسم المتمكن ، والآخر : الفعل المضارع وما عداهما من سائر الكلام ، فمبني غير معرب) (٥).

ففي المقارنة بين النصين ، تجده قد تصرف في ثلاثة مواضع :

الأول : استأنف بالفاء بدل الواو ، فقال : فالمعرب.

الثاني : قال على ضربين : أحدهما ، بدل الأول.

الثالث : زاد عبارة ((غير معرب)) على الأصل.

وهذا النهج يمتد على مساحة الكتاب كله ، فرأيت أن لا ألتفت إليه ، في التحقيق ، لعدم جدوى ذلك معرفيا.

__________________

(١) شرح اللمع لجامع العلوم ١.

(٢) نفسه ١٩٦.

(٣) نفسه ٢٣١.

(٤) اللمع في العربية ٥٥.

(٥) شرح اللمع لجامع العلوم ٣ : أ، ب.

١١

ب ـ قد يترك جامع العلوم شرح اللمع بالقول ، ويستغني عن عبارة (قال أبو الفتح) ، ويكتفي بعنوان الباب فقط كما صنع ابن برهان ، والثمانيني ، كل منهما يشرح ، ونص ابن جني في ذهنه ، وكأنه أثبته بالقول ، وهذا لديه كثير أيضا ، ومن الأمثلة على ذلك : (باب إعراب الاسم المعتل ؛ إذ بدأه بعد العنوان ، بقوله : الاسم المعتل : ما كان آخره ياءا قبلها كسرة أو ألفا .. الخ) (١).

ونص ابن جني في اللمع : (الاسم المعتل على ضربين : منقوص ، ومقصور) (٢).

ح ـ ترك جامع العلوم الكثير من الأبيات التي استشهد بها ابن جني في لمعه فلم يستشهد بها أو يشرحها ، فمنه قوله ، في باب المفعول معه :

فكونوا أنتم ، وبنو أبيكم

مكان الكليتين من الطحال (٣)

وقول الآخر ، في باب : لا ، في النفي :

فلا لغو ، ولا تأثيم فيها

وما فاهوا به ، أبدا ، مقيم (٤)

٣ ـ الاستشهاد :

أـ الاستشهاد بالقرآن الكريم : كان للقرآن الكريم النصيب الأوفر في الاستشهاد عند جامع العلوم ، وقد احتفل به احتفالا عظيما ، وجعله في الصدارة من شواهده ، وعاب من قدم عليه الشعر في الاستشهاد ، إذ استهجن ولوع ابن جني في الاستشهاد بالشعر ؛ فقال : (فإذا نظرت إلى عثمان) (٥) وقد أخذ في تعداد الشواهد على أصل واحد (٦) ، فاعلم أن أفضل منه وأنبل ، وأخص وأحسن مقالا من بدل شواهده من الشعر بشواهد من التنزيل .. ألا ترى أنه عليه السّلام قال : (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ، ولم يقل : أهل أبيات ذي الرمة ، ولا أبيات النابغة ، فلم أفنيت عمرك (٧) في تعداد هذا .. وأين أنت من قوله : (لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)(٨) ، وقوله : (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي)(٩). وقوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(١٠) ، وقوله : (هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي)(١١) ، وقوله : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ)(١٢). أفترى هو في حكايته : جاءته كتابي (١٣) ، هذا فائزا بالحظ الأوفى ، أم الذي يعد لك هذه الآي) (١٤).؟!

وقال أيضا : (وإنما ينبغي أن تعنى بالشواهد من التنزيل ، وطلب المعاني من الكتاب في التنزيل ، بعد إحكام ظاهر التنزيل ، يسمح لك بهذه الأشياء ، فإن خالفت هذه الصفة تحقق فيك

__________________

(١) شرح اللمع لجامع العلوم ٣٤.

(٢) اللمع في العربية ٦٢.

(٣) نفسه ١٣٢.

(٤) نفسه ١١١.

(٥) الكشف ٦٣٥ ، ٦٥٤ ، ٦٥٧.

(٦) الخصائص ٢ : ٤١١ ، والجواهر ٢ : ٦٧٥.

(٧) الخطاب لابن جني.

(٨) ٢ : سورة البقرة ٦٩.

(٩) ٦ : سورة الأنعام ٧٨.

(١٠) ٧ : سورة الأعراف ٥٦.

(١١) ١٨ : سورة الكهف ٩٨.

(١٢) ٢ : سورة البقرة ٢٧٥.

(١٣) الخصائص ٢ : ٤١٦.

(١٤) الكشف ٢ : ٦٥٤.

١٢

المثل السائر (١). : كطالب القرن جدعت إذنه) (٢).

ونظرة في فهرسي الشواهد القرآنية ، والقراءات ، في هذه الرسالة ، تنبيك عن شغف هذا الرجل في الاستشهاد بالقرآن الكريم.

ب ـ الاستشهاد بالشعر : رغم أن جامع العلوم ، قدم القرآن الكريم ، على الشعر في الاستشهاد ؛ فقد استشهد بالشعر كثيرا ، إذ استشهد في شرحه بثلاث مئة وستين بيتا ، وكان منهجه في إيراد الشاهد الشعري ، أن يذكر البيت كاملا في الغالب ، أو يذكر صدره ، أو عجزه أحيانا ، أو يذكر بعضه أحيانا قليلة ، مكتفيا بموطن الشاهد فيه ، ومن أمثلة ذلك قول الشاعر :

وإنني حيثما يسري الهوى بصري

من حيثما سلكوا أثني فأنظور (٣)

وقول أخر :

كتائب يردي المقرفين نكالها (٤)

 ...

وقول أخر :

 ...

 ... والكافون ما جرموا (٥)

هذا وقد جنح في الاستشهاد إلى الشعراء الجاهليين والإسلاميين والأمويين وأما الشعراء العباسيون فلم يستشهد لأحد منهم ، سوى المتنبي ، إذ استشهد بشعره للنحو واللغة (٦) ، ومن أمثلة ذلك ما ذكره للاستشهاد ل (من) الموصوفة ، قال : قال الشاعر (أي المتنبي) :

لا افتخار إلّا لمن لا يضام

مدرك ، أو محارب لا ينام (٧)

ويبدو لي أن جامع العلوم كان معجبا بعبقرية المتنبي ؛ إذ لا أظنه يجهل استشهاد النحويين ل (من) الموصوفة ، بقول سويد بن أبي كاهل اليشكري :

ربّ من انضجت غيظا قلبه

قد تمنّى لي موتا لم يطع (٨)

وقول كعب بن مالك :

فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حب النّبي محمد إيانا (٩)

وقول الفرزدق :

إني وإياك ، إذ حلّت بأرحلنا

كمن بواديه بعد المحل ممطور (١٠)

__________________

(١) الكشف : ٢ : ٦٥٧.

(٢) مجمع الأمثال ٢ : ١٣٩ رقم (٣٠٢٢).

(٣) نفسه ٢١٨.

(٤) نفسه ٣٠٩.

(٥) شرح اللمع لجامع العلوم ٨.

(٦) شرح اللمع لجامع العلوم ٥٣ ، ٦٤ ، ٣٢٠ ، ٤٠٣.

(٧) شرح اللمع لجامع العلوم ٤٠٣.

(٨) المفضليات ١٩٨ ، والمغني ١ : ٣٢٨.

(٩) شرح اللمع لجامع العلوم ٢٠.

(١٠) ديوانه ١ : ٣٦١ ، والمغني ١ : ٣٢٨.

١٣

ج ـ الاستشهاد بالحديث الشريف : كل أبناء هذه الأمة يقرون أن الحديث النبوي الشريف ، يأتي بعد كلام الله ، جل شأنه ، في علو الطبقة والفصاحة والبلاغة وصحة العبارة ومتانة التركيب ، وجمال الأداء ، فكان ينبغي أن يلي القرآن الكريم ، في قوة الاستشهاد ، والمصدر الثاني في الاحتجاج نحوا أو لغة.

غير أن الحديث الشريف ، لم يلق هذا الاهتمام من النحويين الأوائل ، وبقوا صامتين ؛ حتى جاء أبو الحسن علي بن محمد المعروف بابن الضائع المتوفى سنة (٦٨٦ ه‍) فعلل عدم احتجاج النحويين بالحديث لكونه مرويا بالمعنى (١).

لذا نجد جامع العلوم يجري على سنن من سبقه من النحويين الأوائل ، في مسألة الشاهد النحوي وشرائطه ، فكان استشهاده من الحديث قليلا ، إذ استشهد به سبع عشرة مرة فقط.

٤ ـ مصادر شرح اللمع : إن كتاب سيبويه يأتي في المقدمة من الكتب التي استقى جامع العلوم معارفه منها ، فنهل من هذا الكتاب ما شاء الله له أن ينهل ، فلا غرو أن نجد جامع العلوم ناقلا منه ، ومودعا شرحه آراء سيبويه والخليل ويونس. ثم نجده قد وعى آراء المبرد وأبي الحسن الأخفش والفراء فيتعرض لآرائهم ناقلا لها أو رادا عليها ، فهؤلاء العلماء جميعا يلقون بظلالهم في شرح اللمع لجامع العلوم ، أيضا.

وابن السراج ، في أصوله ، من مصادره المهمة ؛ إذ صرح بالنقل من كتابه عدة مرات (٢).

ويعد أبو علي الفارسي ، بكتبه الثلاثة : التذكرة ، والحجة ، والإيضاح ، المصدر الأكبر ، بعد كتاب سيبويه ، إذ كان جامع العلوم ، كثير الأخذ من هذه الكتب الثلاثة ، ولا سيما الحجة ، وقد ذكرها جميعا في شرحه ، وكان مولعا بآراء أبي علي وتتبعها.

٥ ـ العلة النحوية : كلنا يعلم أن علل النحو ليست موجبة ، وإنما هي مستنبطة أوضاعا ومقاييس (٣) ، يتوصل بمعرفة تلك الأوضاع والمقاييس إلى تعلم كلام العرب وضبطه ، وعلة مجيئه مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مجرورا ، أو مبنيا ، أو معربا ، أو على هذا الوزن ، أو ذاك ، إلى غير ذلك.

وقد كانت العلة عند النحويين ، مطلبا مهما ، حرصوا على ذكره وتأشيره في مصنفاتهم ؛ إذ نجد التعليل النحوي والتوسع فيه ، ماثلا في كتاب سيبويه (ت ١٨٠ ه‍) وآثار من بعده ، كالمقتضب للمبرد (ت ٢٨٦ ه‍) والأصول لابن السراج (ت ٣١٦ ه‍) والإيضاح في علل النحو للزجاجي (ت ٣٣٧ ه‍) والحجة لأبي علي الفارسي (ت ٣٧٧ ه‍) وعلل النحو لابن الوراق (ت ٣٨١ ه‍) والخصائص لابن جني (ت ٣٩٢ ه‍) وثمار الصناعة للجليس النحوي (ت ٤٩٠ ه‍) وغيرهم.

واستقرى النحويون واللغويون ما وصل إليهم من كلام العرب ، فدققوا في علله ، حتى

__________________

(١) الاقتراح ٤٣ ، والخزانة ١ : ١٠ ، وموقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف ١٦ ، ١٧.

(٢) شرح اللمع لجامع العلوم ٣ ، ٤ ، ٧٠ ، ٢٠٨.

(٣) الإيضاح في علل النحو ٦٤.

١٤

اطردت عندهم إعرابا وتصريفا ، واشتقاقا ، فإذا وجدوا ما خرج على تلك القوانين عدوه شاذا (١) ، وبحثوا عن علة ، أو سبب لذلك.

وقسم الزجاجي ، صاحب أقدم كتاب وصل الينا في علل النحو ، العلة النحوية على ثلاثة أقسام (٢) :

١ ـ العلة التعليمية : وهي التي يتوصل بها إلى معرفة ما يلحق كل كلمة من الرفع ، والنصب ، والجر ، والجزم ، وعن العامل فيها تلك الأحوال ، وسمى العلماء هذه العلل ب (العلل الأول) ، وهي بحق عماد الاستقراء اللغوي ، وأجل وسيلة لتعليم النحو ، وتعلمه ؛ لأن النحو ، كما عرفه ابن جني هو : ((انتحاء سمت كلام العرب ، في تصرفه من إعراب وغيره ليلحق من ليس من أهل هذه اللغة العربية بأهلها في الفصاحة ، فينطق بها وإن لم يكن منهم)) (٣).

٢ ـ العلل القياسية :

وأما العلل القياسية ، فهي أن يقال ، مثلا : لم نصب (إن) زيدا ، قال الزجاجي ، فيقال : لأنها ضارعت الفعل المتعدي إلى مفعول ؛ فحملت عليه (٤).

وقد أطلق ابن السراج على هذا النحو من العلل (علة العلة) أو (العلل الثواني) (٥). وأنكر ابن جني عليه ذلك ، وعد ما مثل به شرحا وتتمة للعلة ، وهو قوله : إذا سئلنا عن علة رفع الفاعل ، قلنا : ارتفع بفعله ، فإذا قيل : ولم صار الفاعل مرفوعا؟ فهذا سؤال عن علة العلة (٦). وأيد ابن مضاء القرطبي ابن جني في إنكارها ؛ بل دعا إلى إلغائها ، وقال : (إنها لا تفيدنا) (٧).

٣ ـ العلل الجدلية النظرية :

وهي كل ما يعتل به بعد العلل التعليمية والقياسية ، فما يعتل في باب (إن) كأن يقال : من أي جهة شابهت هذه الحروف الأفعال؟ وبأي الأفعال شبهتموها؟ أبالماضية أم المستقبلة أم الحادثة في الحال ، أم المتراخية ..؟ إلى غير ذلك من السؤالات مما لا طائل تحته ؛ وإنما هي من صنع

__________________

(١) الشاذ عندهم : هو ما فارق ما عليه بقية بابه ، وانفرد عن ذلك إلى غيره ، أي فارق القياس ، وشذ عن الأصول ؛ إذ جعل أهل علم العربية ما استمر من الكلام في الإعراب وغيره من مواضع الصناعة مطردا ، وما خالف ذلك شاذا.

ينظر : الخصائص ١ : ٩٦ ، ٩٧ ، والتاج (شذذ) ٩ : ٢٤٢.

أما القراءة الشاذة في القرآن الكريم ، فهي القراءة التي فقدت أحد الأوجه الثلاثة للقراءة الصحيحة ، وهي : صحة السند ، وموافقة العربية ، وموافقة الرسم.

ينظر : النشر في القراءات العشر ١ : ٩ ، وأثر القراءات القرآنية في الدراسات النحوية ٤٦ ، والقراءات القرآنية : تأريخ وتعريف ٥٩.

(٢) الإيضاح في علل النحو ٦٤.

(٣) الخصائص ١ : ٣٤.

(٤) الإيضاح في علل النحو ٦٤.

(٥) الأصول ١ : ٣٧ ، ٥٨.

(٦) الخصائص ١ : ١٧٣ ، والاقتراح ٤٩.

(٧) الرد على النحاة ١٣١.

١٥

السائل ، طلبا للجدل والنظر (١). إذ معنى الجدل النظري ، اللدد واللجاج في الخصومة (٢).

وهذا النوع من العلل أطلق عليه ابن مضاء القرطبي (العلل الثوالث) ودعا إلى إسقاطه ؛ إذ ليس في تلك التعليلات نفع ولا فائدة في ضبط الألسنة (٣).

وأجد من الحري بمتكلمي العربية أن يعرفوا من العلل ، العلل التعليمية ؛ إذ عرفنا من الدرس النحوي أن (زيدا) مرفوع في (قام زيد) ، لأنه فاعل ومنصوب في (إن زيدا قائم) لأنه اسم (إن) إلى ما لا حصر له من مشابهة هذه العلل.

وأولع جامع العلوم ، في شرح اللمع ، الولع كله بذكر العلل التعليمية فافاد الدارس ثروة أيما ثروة ؛ إذ زوده بالأسباب المستنبطة من كلام العرب ، في أن يجري على ذلك السنن ، وجل علله هي علل النحويين البصريين ، وكان من شأنه أن يتتبع العلة ليزيدها إيضاحا ، فيدلي في أثناء ذلك بكل ما هو مفيد من العلل المضافة والرأي النادر ، له أو لمن سبقه من النحويين.

وأذكر ، من باب التمثيل على اهتمامه بالعلة ، مسألتين :

الأولى : علة بناء الأسماء.

قال ابن جني : (الاسم المتمكن ما لم يشابه الحرف) (٤).

شرح جامع العلوم ، هذه العبارة ، فقال : (يعني أن الأصل في الأسماء الإعراب ، فما بني منها ، فلأنه يشابه الحرف ، وحقيقة هذا الكلام أن الأسماء المبنية ، منها ما بني لتضمنه معنى الحرف ، نحو (من) إذا كان بمعنى الاستفهام ، أو بمعنى الشرط كقولك : من في الدار؟ فمعناه : أزيد في الدار أم عمرو؟. وإنما بني (من) لتضمنه معنى الهمزة ، وكذلك إذا قلت : من يأتنا نكرمه ، إنما بنيت لتضمنها معنى (إن).

ومنها ما بني لمشابهته الحرف ، وذلك نحو (من) إذا كانت موصولة ، كقولك : من في الدار أكرمته ف (من) هاهنا مبنية ؛ لاحتياجها إلى الصلة ، والصلة بعض الموصول ، ف (من) كأنه بعض الاسم ، وبعض الاسم لا يستحق الإعراب ؛ فهو بمنزلة الحروف التي هي أداة ، فكل ما لم يتضمن معنى الحروف ، ولا يشبهه من الأسماء ، فهو معرب) (٥).

الثانية : علة كون الفتحة في (مررت بأحمد) فتحة إعراب لا فتحة بناء :

قال جامع العلوم والفتحة في (مررت بأحمد فتحة إعراب ، لا فتحة بناء لأن الشبهية بالأفعال (٦) ، لا توجب البناء ، وإنما تمنع الصرف ، والشبهية بالحروف توجب البناء ، وها هنا لم توجد الشبهية بالحروف ؛ فلهذا قلنا : إن هذه الفتحة ، في حالة الجر ، فتحة إعراب لا فتحة بناء.

__________________

(١) الإيضاح في علل النحو ٦٥.

(٢) المنطق ٣٧١.

(٣) الرد على النحاة ١٣١ ، والمدارس النحوية (شوقي ضيف) ٣٠٦.

(٤) شرح اللمع لجامع العلوم ٧.

(٥) شرح اللمع لجامع العلوم ٨.

(٦) يعني أن (أحمد) على وزن الفعل فله شبه به.

١٦

فإن قلت : يجوز أن يكون هذا الاسم ، في حالة الرفع والنصب معربا ، وفي حالة الجر مبنيا ؛ لأن المعرب قد يعود مبنيا ، هذا كما تقول في قولك : يا زيد ؛ وذلك لأن (زيدا) معرب ، ثم يطرأ عليه ما يبنيه ، فكذلك أيضا ، جاز أن يكون هاهنا في حالة الرفع والنصب معربا ، وفي الجر يعود مبنيا.

الجواب : قلنا ليس كذلك : وذلك لأن في المنادى ، إنما بني لأنه وقع موقع المضمر فبني وها هنا لم يقع موقع المضمر ، فلم يبن) (١).

ألا ترى كم ذكر من العلل ، أو أتى به من المحاورة ، حتى يصل بنا إلى أن الفتحة في (مررت بأحمد) فتحة إعراب لا بناء؟!.

لقد وصل بنا إلى ذلك خلال الأمور أو التعليلات الآتية :

١. إن (أحمد) اسم على وزن الفعل.

٢. ما كان على وزن الفعل فهو يشبه الفعل.

٣. ما أشبه الفعل يعرب ولا يبنى.

٤. أشكل على نفسه ؛ إذ من المعرب ما يعود مبنيا ، كالمنادى ، نحو (يا زيد).

٥. دفع الإشكال بأن (زيدا) في المنادى يقع موقع المضمر ؛ إذ التقدير يا أنت (٢).

٦. أحمد في (مررت بأحمد) لا يقع موقع الضمير (٣) ، فلا يبنى وهذا النهج من ذكر العلل التعليمية المتعددة للمسألة الواحدة ، أو الأسلوب من (الفنقلة) نجده ماثلا وجاريا على جميع موضوعات شرحه.

المبحث الثالث بين يدي شروح اللمع الأخرى

حظي كتاب اللمع في العربية ، لابن جني ، بانتشار واسع لما تميز به من سهولة العبارة ، واتباع المنهج التعليمي في : ترتيب الأبواب ، وتهذيب القواعد ، واختيار الشواهد ، والإحاطة في إيراد الأمثلة ، والعناية بالمصطلح النحوي إلى غير ذلك من السمات التي جعلت الناشئة والمتعلمين يقبلون عليه إقبالا شديدا ؛ بدليل كثرة شروحه ، واقتباس العلماء اسمه عنوانا لمؤلفاتهم في شتى فروع المعرفة ، فهناك اللمع في الفقه ، واللمع في التصوف ، واللمع في الأصول (٤).

ومن أجل هذه المكانة التي احتلها كتاب اللمع في الدرس النحوي ، فقد عني علماء النحو بشرحه ، كل بحسب ما أوتي من حكمة هذا العلم ؛ فجاءت شروحهم مختلفة في البسط والإيجاز ، والعمق إلى غير ذلك من الفوارق ، حتى بلغت عشرين شرحا ونيفا.

__________________

(١) شرح اللمع لجامع العلوم ٣٣٣.

(٢) شرح اللمع لجامع العلوم ٢٨٤.

(٣) لأنه في جملة خبرية ، فلا يصح : مررت ب (هو).

(٤) كشف الظنون ٢ : ١٥٦١ ـ ١٥٦٦.

١٧

وفيما يأتي تقويم لما وقع بين يدي من شروح اطلعت عليها ، بعضها طبع وبعضها حقق ولم يطبع ، وبعضها لما يزل مخطوطا ، وغايتي من هذه الموازنة ، هو أن يرى الدارس ، أو القارئ مكانة شرح اللمع لجامع العلوم ، وقد مر عليه بين تلك الشروح واهتمام العلماء بلمع ابن جني ، ورأيت أن أتناولها بحسب تسلسلها التاريخي.

١ ـ شرح اللمع ، المسمى ب (الفوائد والقواعد) (١) ، لعمر بن ثابت الثمانيني المتوفى سنة (٤٤٢ ه‍).

لقد اتبع الثمانيني في شرح اللمع المنهج الآتي :

أـ شرح اللمع شرحا حرا ، إذ أخذ من ابن جني العنوان فقط ، ثم بدأ يشرح مضمون كلام ابن جني ، وما نقل ، مع طول شرحه ، نصا واحدا قط من اللمع.

ب ـ اعتمد على كتاب سيبويه خاصة ، وأكثر النقل عنه ، والإفادة منه ، وأحيانا أخرى يكتفي بالأفكار التي يتحدث عنها سيبويه.

فمثال النص ، قوله : (قال صاحب الكتاب : المبتدأ كل اسم ابتدأته) (٢) ، و (إنّ" قلت" وقعت في كلام العرب على أن يحكى بها) (٣).

وقد جعل الثمانيني (على أن يحكى) : ليحكى (٤).

وقال أيضا في باب البناء على الضم والكسر والفتح في الاسم والفعل والحرف : (وهم لا يجمعون بين ساكنين إلا إذا كان الأول حرف لين والثاني مشددا) (٥).

فإن نصه في كتاب سيبويه (٦) : (هذا باب اختلاف العرب في تحريك الآخر لأنه لا يستقيم أن يسكن هو والأول من غير أهل الحجاز).

فإن الناظر في شرح الثمانيني ، وكتاب سيبويه ، يدرك تماما مدى اعتماد الثمانيني على أفكار سيبويه ، يقول

الثمانيني : (فأما قولهم في الفعل : مد ، وعض ، فهذا عارض ؛ لأنه في الأمر خاصة) (٧).

ويقول سيبويه : (اعلم أن منهم من يحرك الآخر كتحريك ما قبله ، فإن كان مفتوحا فتحوه ، وإن كان مضموما ضموه ، وإن كان مكسورا كسروه ، وذلك قولك : رد ، وعض ، وفر يا فتى) (٨).

فمثل ب (مد ، وعض) كما مثل سيبويه ب (رد ، وعض).

وقال : هذا في الأمر خاصة ، كما قال سيبويه : وفر يا فتى ، إذ عنى به الأمر خاصة أيضا.

ولم يحظ غير هذا الكتاب عنده بشيء ، وإنما كان يكتفي بذكر بعض الآراء منسوبة إلى أصحابها ، وكثيرا ما كان يكتفي بقوله : قال بعضهم ، وقال بعض النحويين ، وقال قوم ؛ مما يؤدي

__________________

(١) الفوائد والقواعد ، رسالة دكتوراه ، قدمها عبد الوهاب محمود الكحلة ، إلى كلية التربية في جامعة الموصل ، ١٤١٥ ه‍ ـ ١٩٩٥ م.

(٢) نفسه ١٥٦.

(٣) الكتاب ١ : ١٢٢.

(٤) الفوائد والقواعد ١.

(٥) نفسه ١٨.

(٦) الكتاب ٣ : ٥٣٢.

(٧) الفوائد والقواعد ١٨.

(٨) الكتاب ٣ : ٥٣٢.

١٨

ذلك إلى عسر الوقوف على تلك الآراء عند ذلك (البعض) ، أو أولئك القوم (١).

ج ـ يتحدث ، وفي ذهنه ، كأنه يتحدث إلى المتعلمين ، إذ كان منهجه يمتاز بتقسيم المسائل النحوية ، وضرب الأمثلة ، وسهولة العبارة ، ووضوح المراد ؛ ولا يغمض في كلامه إلا نادرا.

والإطناب سمة من سمات أسلوبه ، فكان يشبع المسألة النحوية إحاطة وإيضاحا عن طريق افتراض السؤال ، ثم الإجابة عليه ، ومن باب التمثيل على ذلك ؛ قال في باب (حتى) : ((فإن قيل : إذا كانت (إلى) تقوم مقام (حتى) وهي أمكن منها في الغاية ، و (الواو) تقوم مقام (حتى) وهي أمكن منها في العطف. و (إنما) تقوم مقام (حتى) وهي أمكن في قطع الجمل التي بعدها ؛ فهلا استغنوا عن (حتى) واطرحوها؟!

قيل له : إن (حتى) لها معنى في نفسها لا تدل عليه الحروف ، وإنما جاءت (حتى) لذلك المعنى خاصة ، وهو دلالتها على قوة ما بعدها ، أو ضعفه ، أو تحقيره ، أو تعظيمه ، ألا تراهم يقولون : (قدم الحاج حتى المشاة) فيدلون على ضعف المشاة ، ويقولون : (مات الناس حتى الأنبياء) ليدلوا على تعظيم الأمر ، ويقولون : (ظلم السلطان الناس حتى الصالحين) فيدلون على تعظيم الأمر ، فهذا المعنى الذي تختص به (حتى) وجاءت لأجله)) (٢).

د ـ الشاهد النحوي : أكثر الثمانيني في شرحه ، من الشاهد القرآني ، وكان هو المقدم عنده ، ثم الشاهد الشعري ، إذ دار في كتابه أغلب ما دار في مصنفات النحويين قبله ، فاستشهد بكثير من الشعر ، يلي ذلك أمثال العرب وأقوالهم ، وقل استشهاده بالحديث النبوي الشريف.

ه ـ التعليل : علل الثمانيني الظواهر النحوية بعللها المعروفة ، وربما علل بأكثر من علة للظاهرة النحوية.

وجل تلك العلل هي العلل التعليمية ، ولا يركب متن العلل الجدلية إلا نادرا منها تعليله في حمل الجر على النصب في مالا ينصرف في نحو ((مررت بأحمد)) حيث قال : ((ولما حذفوا الجر جعلوه تابعا للنصب لأنهما أخوان ويتقاربان)) (٣).

وـ لهجات العرب : يتعرض الثمانيني في أثناء مباحثه النحوية ، إلى لهجات العرب ، ويسميها (لغات) ، فإذا ما استشهد لواحدة من تلك اللهجات ، قال : هذه لغة طيئ ، أو لغة سليم ، أو لغة عكل.

ومن الأمثلة على ذلك قوله في لزوم الألف المثنى في الأحوال الثلاثة ، نحو (أحب منها الأنف والعينانا) ، إنها لغة بني العنبر ، وبني الهجيم ، وبني الحارث (٤).

وكان يعرض إلى نقد تلك اللهجات ، فيقول : (وغير تلك القبائل التي ذكرناها من العرب أفصح منهم) (٥) ، أو هي لغة قليلة لا يعتد بها (٦).

__________________

(١) الفوائد والقواعد ٥ ، ٩٧.

(٢) الفوائد والقواعد ٩٨.

(٣) نفسه ٢٢.

(٤) نفسه ٣٥.

(٥) الفوائد والقواعد ٣٥.

(٦) نفسه ١٦٩.

١٩

ومن أمثلة ، ذلك قوله في تثنية الأسماء الخمسة على النقص ، نحو : أبان وأبين ، وأخان ، وأخين ، بأنها (لغية) عن بعض العرب (١).

٢ ـ شرح اللمع لابن برهان العكبري :

للإمام أبي القاسم عبد الواحد بن علي الأسدي المتوفى سنة ٤٥٦ ه‍ (٢).

وأما منهج ابن برهان في شرح لمع ابن جني ، فنستطيع أن نتعرف سماته مما يأتي :

أـ طريقة الشرح : شرح ابن برهان ، اللمع كسابقه الثمانيني شرحا حرا فقلما نقل نصا متلوا بالشرح ؛ بل وضع أمامه أبواب كتاب اللمع ، عارضا لها بالشرح بابا بابا ، ولم يؤثر له شرح بالقول عدا شرحه لبابي النسب والتصغير ؛ إذ كان ينقل قول ابن جني تحت عبارة (قال أبو الفتح) ثم يشرحه (٣).

كما كان كتاب سيبويه حاضرا في ذهنه يمتح منه كل حين ، أحيانا بالمعنى كقوله : (في عرف سيبويه) (٤). وأحيانا أخرى بالنص ، كقوله في باب (لات) قال سيبويه : وزعموا أن بعضهم قرأ : (ولات حين مناص) (٥) بالرفع.

كما كان يستقي آراء أبي الحسن الأخفش من كتابه (معاني القرآن) فقد دار اسمه في شرحه كثيرا.

ب ـ أسلوبه : إن الناظر في شرح ابن برهان ، يدرك لأول وهلة عدم قدرة ابن برهان على تطويع العبارة ، وتذليلها على ما في ذهنه من معلومات ، فاتخذ أسلوبه بذلك منحيين :

الأول : يسير بعيد عن التعقيد المعنوي ، غير أن ارتباط الألفاظ بعضها ببعض ، وصياغة الجمل ، وتعاقب الفقرات ، جاء ضعيفا ، غثا ، خاليا من الرواء والجمال ، وأنقل ، مثالا على ذلك حديثه عن (كيف) وأقرن معه حديث الثمانيني عن هذه الأداة ، لتعرف الفرق بين الأسلوبين.

قال ابن برهان (٦) : (كيف) : اسم ، لأنك تقول : كيف زيد؟ فيكون ذلك كلاما تاما ، وقد صح أن (زيدا) اسم ، بقي الكلام في (كيف) ، فلو كانت حرف معنى ، كانت الجملة نداءا ، وليست كذلك ، ولو كانت فعلا ، انبغى أن يحسن قبلها (قد) أو (السين) أو (سوف) أو تكون أمرا أو نهيا ، وليس الأمر فيها كذلك ، فبقي أن تكون اسما ، ولأن الاسم هو الأصل ، والفعل هو الفرع ، فرددناها إلى الأصل.

__________________

(١) نفسه ٣٢.

(٢) حقق هذا الشرح الدكتور فائز فارس.

(٣) شرح اللمع لابن برهان ٦٠٩ ، ٦٣٨.

(٤) نفسه ٣.

(٥) ٣٨ : سورة ص ٣.

وينظر : الكتاب ١ : ٥٨.

(٦) شرح اللمع لابن برهان ٥.

٢٠