حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢

وأخرج عنه قال : لمّا مات يوسف استعبد أهل مصر بني إسرائيل.

وأخرج عن سماك بن حرب ، قال : دفن يوسف عليه الصلاة والسلام في أحد جانبي النيل (١) ، فأخصب الجانب الذي كان فيه ، وأجدب الجانب الآخر ، فحوّلوه إلى الجانب الآخر ، فأخصب الجانب الذي حوّلوه إليه ، وأجدب الجانب الآخر ؛ فلمّا رأوا ذلك جمعوا عظامه فجعلوها في صندوق من حديد ، وجعلوه في سلسلة ، وأقاموا عمودا على شاطىء النيل ، وجعلوا في أصله سكّة من حديد ؛ وجعلوا السلسلة في السكّة ، وألقوا الصندوق في وسط النيل ، فأخصب الجانبان جميعا.

رجع إلى حديث ابن لهيعة ، وعبد الله بن خالد ، قالا : ثمّ إنّ دارما طغى بعد يوسف وتكبّر ، وأظهر عبادة الأصنام ، وركب النيل في سفينة ، فبعث الله عليه ريحا عاصفا ، فأغرقته ومن كان معه فيما بين طرا (٢) إلى موضع حلوان (٣) ؛ فملكهم من بعده كاشم (٤) بن معدان وكان جبّارا عاتيا. ثمّ هلك كاشم بن معدان ، فملكهم من بعده فرعون (٥) موسى من العماليق ، فأقام خمسمائة سنة ، حتّى أغرقه الله.

وأخرج ابن عبد الحكم ، عن ابن لهيعة واللّيث بن سعد ، قالا : كان فرعون قبطيّا من قبط مصر ، اسمه طلما (٦).

وأخرج عن هانىء بن المنذر ، قال : كان فرعون من العماليق ، وكان يكنى بأبي مرّة.

وأخرج عن أبي بكر الصدّيق ، قال : كان فرعون أثرم (٧).

وقال : حدثنا سعيد بن عفير ، حدّثنا عبد الله بن أبي فاطمة ، عن مشايخه ، أنّ ملك مصر توفّي ، فتنازع الملك جماعة من أبناء الملك ـ ولم يكن الملك عهد ـ ولمّا

__________________

(١) في مرآة الزمان ١ / ٣٧٥ : فدفن في النيل في الليل في صندوق من مرمر ... ثم أجمعوا على أن يدفنوه في النيل حيث يفترق الماء عليه حتى تصل بركته إلى الجميع ، ففعلوا.

(٢) في معجم البلدان : طرا قرية في شرقي النيل قريبة من الفسطاط من ناحية الصعيد.

(٣) حلوان قرية من أعمال مصر ، بينها وبين الفسطاط نحو فرسخين من جهة الصعيد مشرفة على النيل.

(٤) في مروج الذهب ١ / ٣٩٧ : كامس.

(٥) في مروج الذهب ١ / ٣٩٧ : الوليد بن مصعب ، وهو فرعون موسى.

(٦) في مروج الذهب ١ / ٣٩٧ : ومنهم من رأى أنه من الأقباط وكان يعرف بظلما.

(٧) الأثرم : من كسر سنّه من أصلها.

٤١

عظم الخطب بينهم تداعوا إلى الصّلح ، فاصطلحوا على أن يحكم بينهم أوّل من يطلع من الفجّ ـ فجّ الجبل ـ فطلع فرعون بين عديلتي (١) نطرون (٢) ، قد أقبل بهما ليبيعهما ، وهو رجل من فران بن بليّ ـ واسمه الوليد بن مصعب ، وكان قصيرا أبرص ، يطأطئ في لحيته ـ فاستوقفوه ، وقالوا : إنّا جعلناك حكما بيننا فيما تشاجرنا فيه من الملك ، وأتوه مواثيقهم على الرّضا. فلمّا استوثق منهم ، قال : إنّي قد رأيت أن أملّك نفسي عليكم ؛ فهو أذهب لضغائنكم ، وأجمع لأموركم ، والأمر من بعد إليكم. فأمّروه عليهم لمنافسة بعضهم بعضا ، وأقعدوه في دار الملك بمنف ، فأرسل إلى صاحب أمر كلّ رجل منهم ، فوعده ومنّاه أن يملّكه على ملك صاحبه ، ووعدهم ليلة يقتل فيها كلّ رجل منهم صاحبه ، ففعلوا ، ودان له أولئك بالربوبيّة ، فملكهم نحوا من خمسمائة سنة ، وكان من أمره وأمر موسى ما قصّ الله تعالى من خبرهم في القرآن.

وأخرج ابن عبد الحكم عن أبي الأشرس ، قال : مكث فرعون أربعمائة سنة ، الشباب يغدو عليه ويروح.

وأخرج عن إبراهيم بن مقسم ، قال : مكث فرعون أربعمائة سنة لم يصدع له رأس ، وكان يملك ما بين مصر إلى إفريقيّة.

وأخرج من طريق الكلبيّ عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس ، قال : كان يقعد على كراسي فرعون مائتان عليهم الديباج وأساور الذهب.

وأخرج ابن عبد الحكم ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ؛ أنّ فرعون استعمل هامان على حفر خليج سردوس ، فلما ابتدأ حفره أتاه أهل كلّ قرية يسألونه أن يجري الخليج تحت قريتهم ، ويعطوه مالا ؛ فكان يذهب به إلى هذه القرية من نحو المشرق ، ثمّ يردّه إلى قرية في المغرب ، ثمّ يردّه إلى أهل قرية في القبلة ، ويأخذ من أهل كلّ قرية مالا ؛ حتّى اجتمع له في ذلك مائة ألف دينار ، فأتى بذلك كلّه إلى فرعون ، فسأله فرعون عن ذلك ، فأخبره بما فعل في حفره. قال له فرعون : ويحك! ينبغي للسيّد أن يعطف على عباده ، ويفيض عليهم ولا يرغب فيما يأيديهم ، وردّ على أهل كلّ قرية ما أخذ منهم. فردّه كلّه على أهله. قال : فلا يعلم بمصر خليج أكثر عطوفا منه لما فعل هامان في حفره.

قال ابن عبد الحكم : وزعم بعض مشايخ أهل مصر أنّ الذي كان يعمل به بمصر

__________________

(١) العدل : الجوالق (الكيس) لأنه يحمل على جنب البعير ، ويعدل بآخر.

(٢) النطرون : البورق. (يونانية).

٤٢

على عهد ملوكها ، أنّهم كانوا يقرّون القرى في أيدي أهلها ، كلّ قرية بكراء معلوم ، لا ينقض عليهم إلّا في كلّ أربع سنين من أجل الظمأ وتنقّل اليسار ؛ فإذا مضت أربع سنين نقض ذلك ، وعدّل تعديلا جديدا ، فيرفق بمن استحقّ الرّفق ، ويزاد على من يحتمل الزيادة ، ولا يحمل عليهم من ذلك ما يشقّ عليهم ؛ فإذا جبي الخراج وجمع ، كان للملك من ذلك الرّبع خالصا لنفسه يصنع فيه ما يريد ، والربع الثاني لجنده ومن يقوى به على حربه وجباية خراجه ودفع عدوّه ، والربع الثالث في مصلحة الأرض وما يحتاج إليها من جسورها وحفر خلجها ، وبناء قناطرها ؛ والقوّة للمزارعين على زرعهم وعمارة أرضهم ، والربع الرابع يخرج منه ربع ما يصيب كلّ قرية من خراجها فيدفن ذلك فيها لنائبة تنزل ، أو جائحة بأهل القرية ؛ فكانوا على ذلك. وهذا الربع الذي يدفن في كلّ قرية من خراجها ، هو كنوز فرعون الّتي يتحدّث بها أنّها ستظهر ، فيطلبها الذين يتّبعون الكنوز.

حدّثنا أبو الأسود نصر بن عبد الجبار ، حدّثنا ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، قال : خرج وردان من عند مسلمة بن مخلد ـ وهو أمير على مصر ـ فمرّ على عبد الله بن عمرو مستعجلا ، فناداه : أين تريد؟ قال : أرسلني الأمير مسلمة أن آتي منفا ، فأحضر له من كنز فرعون ، قال : فارجع إليه ، وأقرئه منّي السلام وقل له : إنّ كنز فرعون ليس لك ولا لأصحابك ، إنّما هو للحبشة ، إنّهم يأتون في سفنهم يريدون الفسطاط ، فيسيرون حتّى ينزلوا منفا ، فيظهر لهم كنز فرعون ، فيأخذون ما يشاءون ، فيقولون : ما نبتغي غنيمة أفضل من هذه ، فيرجعون ، ويخرج المسلمون في آثارهم فيقتتلون ، فيهزم الجيش ، فيقتلهم المسلمون ويأسرونهم ؛ حتّى إن الحبشيّ ليباع بالكساء.

قال أهل التاريخ : كان فرعون إذا كمل التحضير في كلّ سنة ينفذ مع قائدين من قوّاده اردبّ قمح ، فيذهب أحدهما إلى أعلى مصر ، والآخر إلى أسفلها ، فيتأمّل القائد أرض كلّ قرية ، فإن وجد موضعا بائرا عطلا قد أغفل بذره ، كتب إلى فرعون بذلك ، وأعلمه باسم العامل على تلك الجهة ، فإذا بلغ فرعون ذلك ، أمر بضرب عنق ذلك العامل ، وأخذ ماله ، فربّما عاد القائدان ولم يجدا موضعا لبذر الإردبّ لتكامل العمارة واستظهار الزرع.

وأخرج الحاكم في المستدرك ، وصحّحه عن أبي موسى الأشعريّ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «إنّ موسى حين أراد أن يسير ببني إسرائيل ، ضلّ عنه الطريق ، فقال لبني إسرائيل : ما هذا؟ فقال له علماء بني إسرائيل : إنّ يوسف حين حضره الموت ، أخذ علينا موثقا من الله ألّا نخرج من مصر حتّى ننقل عظامه معنا ، فقال موسى : أيّكم يدري

٤٣

أين قبره؟ فقالوا : ما يعلم أحد مكان قبره إلّا عجوز لبني إسرائيل ، فأرسل إليها موسى ، فقال : دلّينا على قبر يوسف ، قالت : لا والله حتّى تعطيني حكمي ، قال : وما حكمك؟ قالت : أن أكون معك في الجنّة ؛ فكأنّه كره ذلك ، فقيل له : أعطها حكمها ، فأعطاها حكمها ، فانطلقت بهم إلى بحيرة مستنقعة ماء ، فقالت لهم : نضّبوا عنها الماء ، ففعلوا ، قالت : احفروا ، فحفروا ، فاستخرجوا عظام يوسف ؛ فلما أن أقلّوه من الأرض إذا الطريق مثل ضوء النهار».

وأخرج ابن عبد الحكم ، عن سماك بن حرب ، مرفوعا نحوه ، وفيه : «فقالت : إنّي أسأل أن أكون أنا وأنت في درجة واحدة في الجنّة ، ويردّ عليّ بصري وشبابي ، حتّى أكون شابّة كما كنت ، قال : فلك ذلك».

وأخرج من طريق الكلبيّ عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس نحوه ، وفيه : فقالت عجوز يقال لها سارح ابنة آشر بن يعقوب : أنا رأيت عمّي حين دفن ، فما تجعل لي أن دللتك عليه؟ فقال : حكمك ، قالت : أكون معك حيث كنت في الجنّة.

وأخرج عن ابن لهيعة عمّن حدّثه ، قال : قبر يوسف بمصر ، فأقام لها نحوا من ثلاثمائة سنة ، ثم حمل إلى بيت المقدس.

رجع إلى حديث ابن لهيعة وعبد الله بن خالد : قالا : ثمّ أغرق الله فرعون وجنوده ، وغرق معه من أشراف أهل مصر وأكابرهم ووجوههم أكثر من ألفي ألف ، فبقيت مصر من بعد غرقهم ؛ ليس فيها من أشراف أهلها أحد ، ولم يبق بها إلّا العبيد والأجراء والنساء ، فأعظم أشراف من بمصر من النساء أن يولّين منهنّ أحدا ، وأجمع رأيهنّ على أن يولّين امرأة منهنّ يقال لها دلوكة بنت زباء ، وكان لها عقل ومعرفة وتجارب ، وكانت في شرف منهنّ وموضع ، وهي يومئذ بنت مائة سنة وستّين سنة ، فملّكوها ، فخافت أن يتناولها ملوك الأرض فجمعت نساء الأشراف ، فقالت لهنّ : إنّ بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد ، ولا يمدّ عينه إليها ، وقد هلك أكابرنا وأشرافنا ، وذهب السحرة الذين كنّا نقوى بهم ، وقد رأيت أن أبني حصنا أحدق به جميع بلادنا ، فأضع عليه المحارس من كلّ ناحية ، فإنّا لا نأمن أن يطمع فيها الناس ؛ فبنت جدارا (١) أحاطت به على جميع أرض مصر كلّها المزارع والمدائن والقرى ، وجعلت دونه خليجا يجري فيه الماء ، وأقامت القناطر والتّرع ، وجعلت فيه محارس ومسالح على كلّ ثلاثة أميال

__________________

(١) في مروج الذهب ١ / ٣٩٨ : وأثر هذا الجدار باق إلى هذا الوقت ، وهو سنة ٣٣٢ ه‍ ، ويعرف بحائط العجوز.

٤٤

محرس ومسلحة ، وفيما بين ذلك محارس صغار على كلّ ميل ، وجعلت في كلّ محرس رجالا ، وأجرت عليهم الأرزاق ، وأمرتهم أن يحرسوا بالأجراس ، فإذا أتاهم أحد يخافونه ضرب بعضهم إلى بعض بأجراس ، فأتاهم الخبر من كل وجه كان في ساعة واحدة ، فنظروا في ذلك ، فمنعت بذلك مصر من أرادها (١) ، وفرغت من بنائه في ستّة أشهر ، وهو الجدار الذي يقال له جدار العجوز ، وقد بقيت بالصعيد منه بقايا كثيرة.

وكان ثمّ عجوز ساحرة ، يقال لها تدورة ، وكانت السّحرة تعظّمها وتقدّمها في السّحر ، فبعثت إليها دلوكة : إنّا قد احتجنا إلى سحرك ، وفزعنا إليك ، فاعملي لنا شيئا نغلب به من حولنا ، فقد كان فرعون يحتاج إليك ، فعملت بربى (٢) من حجارة في وسط مدينة منف ، وجعلت له أربعة أبواب ، كل باب منها إلى جهة القبلة ، والبحر والشرق والغرب ، وصوّرت فيه صورة الخيل والبغال والحمير والسفن والرجال ، وقالت لهم : قد عملت لكم عملا يهلك به كلّ من أرادكم من كلّ جهة تؤتون منها برّا أو بحرا ، وهذا يغنيكم عن الحصن ، ويقطع عنكم مؤنته (٣) ؛ فمن أتاكم من أيّ جهة ، فإنّهم إن كانوا في البرّ على خيل أو بغال أو إبل أو في سفن أو رجّالة تحرّكت هذه الصورة من جهتهم التي يأتون منها ، فما فعلتم بالصّور من شيء أصابهم ذلك في أنفسهم على ما يفعلون بهم. فلمّا بلغ الملوك حولهم أنّ أمرهم قد صار إلى ولاية النساء ، طمعوا فيهم ، وتوجّهوا إليهم ؛ فلمّا دنوا من عمل مصر ، تحرّكت تلك الصور التي في البربى ، فطفقوا لا يهيّجون تلك الصور ، ولا يفعلون بها شيئا إلّا أصاب ذلك الجيش الذي أقبل إليهم مثله ؛ من قطع رؤوسها أو سوقها أو فقء عينها ، أو بقر بطونها. وانتشر ذلك ، فتناذرهم النّاس ، وكان نساء أهل مصر حين غرق أشرافهم ولم يبق إلّا العبيد والأجراء لم يصبروا عن الرجال ، فطفقت المرأة تعتق عبدها وتتزوّجه ، وتتزوّج الأخرى أجيرها ، وشرطن على الرّجال ألّا يفعلوا إلا بإذنهنّ ، فأجابوهنّ إلى ذلك ؛ فكان أمر النساء على الرجال.

قال ابن لهيعة : فحدّثني يزيد بن أبي حبيب ، أنّ القبط على ذلك إلى اليوم اتّباعا لما مضى منهم ؛ لا يبيع أحدهم ولا يشتري إلّا قال : استأذن امرأتي. فملكتهم دلوكة بنت زباء عشرين سنة تدبّر أمرهم بمصر ، حتّى بلغ من أبناء أكابرهم وأشرافهم رجل

__________________

(١) وفيه أيضا : وقيل : إنّما بنته خوفا على ولدها ، وكان كثير القنص ، فخافت عليه من سباع البر والبحر والاغتيال.

(٢) في معجم البلدان : برابي جمع بربا ـ كلمة قبطية ، وأظنّه اسما لموضع العبادة أو البناء المحكم أو موضع السحر.

(٣) ويقطع عنكم مؤونة من أتاكم. [معجم البلدان].

٤٥

يقال له دركون (١) بن بلوطس ، فملّكوه عليهم ؛ فلم تزل مصر ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحوا من أربعمائة سنة. ثمّ مات دركون بن بلوطس ، فاستخلف ابنه بودس (٢) ، ثمّ توفّي فاستخلف أخاه لقاس (٣) ، فلم يمكث إلّا ثلاث سنين حتّى مات ، ولم يترك ولدا ، فاستخلف أخاه مرينا (٤) ، ثمّ توفّي ، فاستخلف ولده استمارس (٥) ، فطغى وتكبّر وسفك ، وأظهر الفاحشة ، فأعظموا ذلك ، وأجمعوا على خلعه فخلعوه ، وقتلوه ، وبايعوا رجلا من أشرافهم يقال له بلوطس بن مناكيل ، فملكهم أربعين سنة ثمّ توفّي ، فاستخلف ابنه مالوس ، ثمّ توفّي ، فاستخلف أخاه مناكيل (٦) ، فملكهم زمانا ثم توفّي ، فاستخلف ابنه بولة (٧) ، فملكهم مائة وعشرين سنة ؛ وهو الأعرج الّذي سبا ملك بيت المقدس ، وقدم به إلى مصر. وكان بولة قد تقدّم في البلاد ، وبلغ مبلغا لم يبلغه أحد ممّن كان قبله بعد فرعون ، وطغى فقتله الله ، صرعته دابّته فدقّت عنقه فمات.

أخرج ابن عبد الحكم ، عن كعب الأحبار ، قال : لمّا مات سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام ، ملك بعده عمّه مرحب ، فسار إلى ملك مصر ، فقاتله ، وأصاب الأترسة الذّهب الّتي عملها سليمان ، فذهب بها.

ثم استخلف مرينوس بن بولة فملكهم زمانا ثمّ توفّي ، فاستخلف ابنه قرقورة ، فملكهم ستين سنة ، ثم توفّي فاستخلف أخاه لقاس ؛ وكان كلّما انهدم من تلك البربى شيء لم يقدر أحد على إصلاحه إلّا تلك العجوز وولدها وولد ولدها ، فكانوا أهل بيت لا يعرف ذلك غيرهم ، فانقطع أهل ذلك البيت ، وانهدم من البربى موضع في زمان لقاس (٨) ، فلم يقدر أحد على إصلاحه ومعرفة علمه ، وبقي على حاله ، وانقطع ما كان يقهرون به الناس. ثمّ توفّي لقاس ، فاستخلف ابنه قومس ، فملكهم دهرا. فلمّا ظهر بخت نصّر على بيت المقدس وسبى بني إسرائيل ، وخرج بهم إلى أرض بابل ، أقام إرميا بإيلياء (٩) وهي خراب ؛ فاجتمع إليه بقايا من بني إسرائيل كانوا متفرّقين ، فقال لهم

__________________

(١) في مروج الذهب ١ / ٤٠٤ : دركوس.

(٢) في مروج الذهب ١ / ٤٠٤ : بورس.

(٣) فغامس.

(٤) دنيا.

(٥) نماريس.

(٦) في مروج الذهب ١ / ٤٠٤ : بلوطس بن ميناكيل بن بلوطس.

(٧) وفيه أيضا : بلونا.

(٨) وفيه أيضا : نقاس.

(٩) في معجم البلدان : إيلياء اسم مدينة بيت المقدس.

٤٦

أرميا : أقيموا بنا في أرضنا لنستغفر الله ، ونتوب إليه ، لعلّه أن يتوب علينا ، فقالوا : إنّا نخاف أن يسمع بنا بخت نصّر ، فيبعث إلينا ، ونحن شرذمة قليلون ؛ ولكنّا نذهب إلى ملك مصر فنستجير به ، وندخل في ذمّته ، فقال لهم أرميا : ذمّة الله أوفى الذّمم لكم ، ولا يسعكم أمان أحد من أهل الأرض ، إذا أخافكم. فسار أولئك النّفر من بني إسرائيل إلى قومس ، واعتصموا به ، فقال : أنتم في ذمّتي ، فأرسل إليه بخت نصّر أنّ لي قبلك عبيدا أبقوا (١) منّي ، فابعث بهم إليّ. فكتب إليه قومس : ما هم بعبيدك ؛ هم أهل النبوّة والكتاب وأبناء الأحرار ، اعتديت عليهم وظلمتهم ؛ فحلف بخت نصّر : لئن لم تردّهم لأغزونّ بلادك. وأوحى الله إلى أرميا أنّي مظهر بخت نصّر على هذا الملك الذي اتّخذوه حرزا ؛ ولو أنّهم أطاعوك وأطبقت عليهم السماء والأرض ، لجعلت لهم من بينهما مخرجا. فرحمهم أرميا ، وبادر إليهم ، وقال لهم : إن لم تطيعوني أسركم بخت نصّر وقتلكم ؛ وآية ذلك أنّي رأيت موضع سريره الذي يضعه بعد ما يظفر بمصر ويملكها. ثمّ عمد فدفن أربعة أحجار في الموضع الذي يضع فيه بخت نصّر سريره ، وقال : يقع كلّ قائمة من قوائم سريره على حجر منها. فلجّوا في رأيهم ، وسار بخت نصّر إلى قومس ، فقاتله سنة ، ثمّ ظفر به. فقتل وسبى جميع أهل مصر ، وقتل من قتل.

فلمّا أراد قتل من أسر منهم ، وضع له سريره في الموضع الذي وصف أرميا ، ووقعت كلّ قائمة من قوائم سريره على حجر من تلك الحجارة التي دفن ؛ فلمّا أتوا بالأسارى ، أتى معهم بأرميا. فقال له بخت نصر : ألا أراك مع أعدائي بعد أن أمّنتك وأكرمتك؟ فقال له أرميا : إنّي أتيتهم محذّرا ، وأخبرتهم خبرك ، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك ، وأريتهم موضعه ، فقال له بخت نصّر : وما مصداق ذلك؟ قال أرميا : ارفع سريرك ، فإنّ تحت كلّ قائمة منه حجرا دفنته ، فلمّا رفع سريره ، وجد مصداق ذلك ، فقال لأرميا : لو أعلم أنّ فيهم خيرا لوهبتهم لك. فقتلهم وأخرب مدائن مصر وقراها ، وسبى جميع أهلها ، ولم يترك بها أحدا حتّى بقيت مصر أربعين سنة خرابا ليس فيها أحد ؛ يجري نيلها ، ويذهب لا ينتفع به. وأقام أرميا بمصر ، واتخذ زرعا يعيش به. فأوحى الله إليه : إنّ لك عن الزرع والمقام شغلا ، فالحق بإيلياء. فخرج أرميا حتّى أتى بيت المقدس. ثمّ إنّ بخت نصّر ردّ أهل مصر إليها بعد أربعين سنة ، فعمروها ، فلم تزل مصر مقهورة من حينئذ.

ثمّ ظهرت الرّوم وفارس على سائر الملوك الّذين في وسط الأرض ، فقاتلت الروم

__________________

(١) أبق العبد : هرب من سيّده.

٤٧

أهل مصر ثلاث سنين يحاصرونهم. وصابروهم القتال في البرّ والبحر ؛ فلمّا رأى ذلك أهل مصر صالحوا الروم ، على أن يدفعوا لهم شيئا مسمّى في كل عام ، على أن يمنعوهم ويكونوا في ذمّتهم ، ثمّ ظهرت فارس على الرّوم ، فلمّا غلبوهم على الشام ، رغبوا في مصر ، وطمعوا فيها ؛ فامتنع أهل مصر ، وأعانتهم الرّوم ، وقاتلت دونهم ، وألحّت عليهم فارس ، فلما خشوا ظهورهم عليهم صالحوا فارس ، على أن يكون ما صالحوا عليه الرّوم بين الروم وفارس ، فرضيت الروم بذلك حين خافت ظهور فارس عليها ، فكان ذلك الصلح على مصر ، وأقامت مصر بين الرّوم وفارس سبع سنين ، ثم استجاشت الرّوم ، وتظاهرت على فارس ، وألحّت بالقتال والمدد ، حتّى ظهروا عليهم وخربوا مصانعهم أجمع ، وديارهم الّتي بالشام ومصر ، وكان ذلك في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وفيه نزلت : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ...) [الروم : ١ ، ٢] الآية ، فصارت الشام كلّها صلحا ومصر خالصا للروم ، وليس لفارس في الشام ومصر شيء.

قال الليث بن سعد : وكانت الفرس قد أسّست بناء الحصن الذي يقال له سبيل أليون (١) ، وهو الحصن الذي بفسطاط مصر اليوم ؛ فلمّا انكشف جموع فارس وأخرجتهم الروم من الشام ، أتمّت الروم بناء ذلك الحصن ، وأقامت به ، وأرسل هرقل المقوقس أميرا على مصر ، وجعل إليه حربها وجباية خراجها ، فنزل الإسكندريّة (٢) ، فلم تزل في ملك الرّوم حتّى فتحها الله تعالى على المسلمين.

قال صاحب مباهج الفكر : هذا الحصن يسمّى قصر الشمع.

ذكر من دخل مصر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

قال أبو عمر محمد بن يوسف الكنديّ في كتاب فضائل مصر : دخل مصر من الأنبياء إدريس وهو هرمس ، وإبراهيم الخليل ، وإسماعيل ، ويعقوب ، ويوسف ، واثنا عشر نبيّا من ولد يعقوب ـ وهم الأسباط ـ ولوط ، وموسى وهارون ، ويوشع بن نون ، ودانيال ، وأرميا ، وعيسى بن مريم ؛ عليهم الصلاة والسلام.

قلت : أمّا إبراهيم فقال ابن عبد الحكم : كان سبب دخوله مصر كما حدّثنا به أسد بن موسى وغيره ، أنّه لمّا أمر بالخروج عن أرض قومه والهجرة إلى الشام ، خرج ومعه

__________________

(١) لعلّ الصواب : بابليون.

(٢) في مروج الذهب ١ / ٤٠٥ : ينزل الإسكندرية في بعض الفصول ، وفي بعضها ينزل مدينة منف ، وفي بعضها قصر الشمع في وسط مدينة الفسطاط.

٤٨

لوط وسارة ؛ حتّى أتوا حرّان (١) ، فنزلها ، فأصاب أهل حرّان جوع ، فارتحل بسارة يريد مصر ، فلمّا دخلها ذكر جمالها لملكها ، ووصف له أمرها ، فأمر بها ، فأدخلت عليه ، وسأل إبراهيم : ما هذه المرأة منك؟ فقال : أختي ؛ فهمّ الملك بها ، فأيبس الله يديه (٢) ورجليه ، فقال لإبراهيم (٣) : هذا عملك ، فادع الله لي ؛ فو الله لا أسوؤك فيها. فدعا الله فأطلق يديه ورجليه ، وأعطاهما غنما وبقرا. وقال : ما ينبغي لهذه أن تخدم نفسها ، فوهب لها هاجر.

وأمّا إسماعيل فرأيت عدّة أيضا من الكتب المؤلّفة في مصر ، ولم أقف في شيء من الأحاديث والآثار على ما يشهد لذلك ، وأنا أستبعد صحّته ، فإنّه منذ أقدمه أبوه إلى مكّة وهو رضيع مع أمّه ، لم ينقل أنّه خرج منها ، ولم يدخل أبوه مصر إلّا قبل أن يملك أمّه.

وأمّا يعقوب ويوسف وإخوته فدخولهم مصر منصوص عليه في القرآن.

وكذا موسى وهارون وقد ولدا بها.

وأمّا لوط فيمكن (٤) دخوله مع إبراهيم ؛ ولكن لم أر التّصريح به في حديث ولا أثر.

وأمّا يوشع فهو ابن نون بن إفراييم بن يوسف. ولد بمصر ، وخرج مع موسى إلى البحر لمّا سار ببني إسرائيل. ورد في أثر عن ابن عباس.

وأمّا أرميا فتقدّم دخوله في قصة بخت نصّر.

وأمّا عيسى فتقدّم في قوله تعالى : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) [المؤمنون : ٥٠] إنّها مصر على قول جماعة ، ورأيت في بعض الكتب أنّ عيسى ولد بمصر بقرية أهناس (٥) ، وبها النخلة التي في قوله تعالى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) [مريم : ٢٥] ، وأنه نشأ بمصر ، ثمّ سار على سفح المقطّم ماشيا ، وهذا كلّه غريب لا صحّة له ، بل الآثار دلّت على أنه ولد ببيت المقدس ، ونشأ به ، ثمّ دخل (٦) مصر.

__________________

(١) في معجم البلدان : حرّان وهي قصبة ديار مضر ، بينها وبين الرها يوم ، وبين الرقّة يومان.

(٢) في سفر التكوين أصحاح ١٢ : فضرب الربّ فرعون وبيته ضربات عظيمة.

(٣) وكان يسمّى إبراهيم وقتها أبرام. انظر المرجع السابق.

(٤) في سفر التكوين أصحاح ١٣ : فصعد أبرام من مصر هو وامرأته وكل ما كان له ولوط معه.

(٥) في معجم البلدان : أهناس وهي على غربيّ النيل ليست ببعيدة عن الفسطاط.

(٦) في إنجيل متّى أصحاح ٢ : ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا : قم وخذ الصبيّ وأمّه واهرب إلى مصر ... فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر.

٤٩

وأمّا دانيال ، فلم أقف فيه على أثر إلى الآن ، وعدّه ابن زولاق فيمن ولد بمصر.

والخلاف في نبوّة إخوة يوسف شهير ، ولي في ذلك تأليف مستقلّ ؛ وهو مدفون بمصر بلا خلاف ؛ وهذه أسماؤهم لتستفاد!

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن السدّي ، قال : بنو يعقوب : يوسف ، وبنيامين ، وروبيل (١) ، ويهوذا ، وشمعون ، ولاوي ، ودان ، وقهاث ، وكودي (٢) ، وبانيون (٣). هكذا سمّى عشرة وبقي اثنان.

وتقدّم عن ابن عباس أنّ العجوز التي دلّت موسى على قبر يوسف ابنة أشي بن يعقوب ؛ فهذا أحدهما ، والآخر بقيا.

وبقي من الأنبياء الذين دخلوا مصر ، يوسف المذكور في سورة غافر ، على أحد القولين أنّه غير يوسف بن يعقوب ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) [غافر : ٣٤] قال جماعة : هو يوسف بن إفراييم بن يوسف بن يعقوب ؛ لأنّ يوسف بن يعقوب لم يدرك زمن فرعون موسى حتّى يبعثه الله تعالى ؛ فإن صحّ هذا القول فهو نبيّ رسول ، ولد بمصر ومات بها. ولا نظير له في ذلك.

ومن الأنبياء الّذين دخلوا مصر سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام ، وسيأتي في بناء الإسكندريّة ما يدلّ على ذلك.

ورأيت حديثا يدلّ على أنّ أيّوب عليه‌السلام (٤) دخلها ، أخرج ابن عساكر في تاريخه عن عقبة بن عامر مرفوعا ، قال : قال الله لأيّوب : أتدري لم ابتليتك؟ قال : لا يا ربّ ، قال : لأنّك دخلت على فرعون ، فداهنت عنده بكلمتين ؛ يؤيد ذلك أنّ زوجته بنت (٥) ابن يوسف. أخرج ابن عساكر ، عن وهب بن منبّه قال : زوجة أيّوب رحمة بنت منشا ابن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام.

__________________

(١) في سفر التكوين أصحاح ٣٧ : رأوبين.

(٢) لعلّه جاد.

(٣) لعلّه زبولون. انظر سفر التكوين أصحاح ٤٦ ، حيث ذكر فيه : رأوبين ، شمعون ، لاوي ، يهوذا ، يسّاكر ، زبولون ، جاد ، أشير ، يوسف ، دان ، نفتالي.

(٤) في مرآة الزمان ١ / ٣٧٦ : أيوب بن أموص بن رزاح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم.

(٥) وفيه أيضا : رحمة بن منشا بن يوسف بن يعقوب.

٥٠

ثم رأيت أثرا صريحا في دخول أيّوب وشعيب عليهما الصلاة والسلام مصر ؛ أخرج ابن عساكر عن أبي إدريس الخولانيّ ، قال : أجدب الشّام ، فكتب فرعون إلى أيّوب ؛ أن هلمّ إلينا ، فإنّ لك عندنا سعة ، فأقبل بخيله وماشيته وبنيه ، فأقطعهم ؛ فدخل شعيب على فرعون ، فقال : يا فرعون (١) ، أما تخاف أن يغضب الله غضبه ، فيغضب لغضبه أهل السّماوات والأرض والجبال والبحار؟ فسكت أيّوب ، فلمّا خرجا من عنده أوحى الله تعالى إلى أيّوب : أو سكتّ عن فرعون لذهابك إلى أرضه؟! استعدّ للبلاء.

وعدّ بعضهم ممّن دخلها من الأنبياء لقمان (٢) ؛ وفي مرآة الزمان حكاية تقول إنّه من سودان مصر ، وفي نبوّته خلاف ، والقول بأنّه نبيّ قول عكرمة وليث.

وعدّ الكنديّ وغيره فيمن دخلها من الصدّيقين الخضر (٣) وذا القرنين. وقد قيل بنبوّتهما. والقول بنبوّة الخضر حكاه أبو حيّان في تفسيره عن الجمهور ، وجزم به الثعلبيّ ، وروى عن ابن عباس. وذهب إسماعيل بن أبي زياد ومحمد بن إسحاق أنّه نبيّ مرسل ؛ ونصر هذا القول أبو الحسن بن الرمانيّ ، ثمّ ابن الجوزيّ.

والقول بنبوّة ذي القرنين (٤) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الله بن عمرو ابن العاص. ودخول ذي القرنين مصر ، ورد في حديث مرفوع سيأتي في بناء الإسكندريّة.

ودخول الخضر غير بعيد ؛ فإنّه كان في عسكر ذي القرنين ، بل أحد الأقوال في الخضر أنّه ابن فرعون لصلبه ، حكاه الكنديّ وجماعة ، آخرهم الحافظ بن حجر في كتاب الإصابة في معرفة الصحابة ؛ فعلى هذا يكون مولده بمصر.

وقال ابن عبد الحكم : حدّثني شيخ من أهل مصر ، قال : كان ذو القرنين من أهل لوبية (٥) ، كورة من كور مصر الغربيّة. قال ابن لهيعة : وأهلها روم.

وأخرج ابن عبد الحكم أيضا عن محمد بن إسحاق ، قال : حدّثني من يسوق الحديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علمه ، أنّ ذا القرنين رجل من أهل مصر اسمه مرزبا بن مرزبة اليونانيّ ، من ولد يونان بن يافث بن نوح عليه الصلاة والسلام.

__________________

(١) لعلّ الصواب : فقال فرعون.

(٢) في مرآة الزمان ١ / ٢٦١ : لقمان بن عاد بن عاديا.

(٣) اختلف في اسم الخضر ، وهناك عدة منها. [انظر مرآة الزمان : ١ / ٤٥٦].

(٤) انظر الاختلاف في اسمه في مرآة الزمان ١ / ٣٢١.

(٥) لوبية : ليبيا.

٥١

وذكر صاحب مرآة الزمان (١) : أنّ ذا القرنين مات بأرض بابل ، وجعل في تابوت وطلي بالصّبر والكافور ، وحمل إلى الإسكندرية ، فخرجت أمّه (٢) في نساء الإسكندرية حتّى وقفت على تابوته ، وأمرت به فدفن. وقيل : إنه عاش ألف (٣) سنة ، وقيل : ألفا وستّمائة (٤) سنة ، وقيل : ثلاثة آلاف (٥) سنة.

وقد قيل بنبوّة نسوة دخلن مصر : مريم ، وسارة زوج الخليل ، وآسية (٦) امرأة فرعون ، وأمّ موسى.

وحكى ذلك الشيخ تقي الدين السّبكيّ (٧) في فتاويه المعروفة بالحلبيّات ؛ قال : ويشهد لذلك في مريم ذكرها في سورة الأنبياء مع الأنبياء ، وهو قرينة. وأمّ موسى اسمها يوكابد.

وقد تقدّم أن شيث بن آدم نزل مصر وهو نبيّ ، وأنّ نوحا طافت به سفينته بأرض مصر.

فتمّت عدّة من دخل مصر باتفاق واختلاف اثنين وثلاثين نبيّا غير النسوة الأربع. وقد نظمت ذلك في أبيات فقلت :

قد حلّ مصر على ما قد رووا زمر

من النّبيين زادوا مصر تأنيسا

فهاك يوسف والأسباط مع أبه

وحافدا ، وخليل الله إدريسا

لوطا وأيّوب ذا القرنين خضر سلي

مان أرميا يوشعا هارون مع موسى

وأمّه سارة لقمان آسية

ودانيال شعيبا مريما عيسى

شيئا ونوحا وإسماعيل قد ذكروا

لا زال من ذكرهم ذا المصر مأنوسا

قال أبو نعيم في الحلية (٨) : حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، حدّثنا أحمد بن هارون ، حدّثنا روح ، حدّثنا أبو سعيد الكنديّ ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاش ، قال : اجتمع

__________________

(١) شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزاوغلي سبط ابن الجوزي ٥٨١ ـ ٦٥٤. [مقدمة كتابه].

(٢) في مرآة الزمان ١ / ٣٣٦ : في أحسن زيّ.

(٣) قاله ابن إسحاق.

(٤) ذكره جد مؤلف مرآة الزمان.

(٥) حكاه أهل الكتاب. [المرجع المذكور سابقا].

(٦) آسيا بنت مزاحم. [انظر مرآة الزمان : ١ / ٤١٠].

(٧) في الأعلام ٦ / ١١٦. هو علي بن عبد الكافي بن علي الخزرجي.

(٨) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. [انظر الأعلام : ١ / ١٥٠].

٥٢

وهب بن منبّه وجماعة ، فقال وهب : أيّ أمر الله أسرع؟ قال بعضهم : عرش بلقيس حين أتي به سليمان ، قال وهب : أسرع أمر الله أنّ يونس بن متّى كان على حرف السفينة ، فبعث الله إليه حوتا من نيل مصر ؛ فما كان أقرب من أن صار من حرفها في جوفه.

وقال صاحب مرآة الزمان : وأمّا موسى بن يوسف ، فنبيّ آخر ، قبل موسى بن عمران. ويزعم أهل التوراة أنّه صاحب (١) الخضر.

قلت : والقصّة في صحيح البخاري.

ذكر من كان بمصر من الصديقين

كماشطة ابنة فرعون ، وابنها ، ومؤمن آل فرعون

أخرج الحاكم في المستدرك ، وصحّحه عن أبي هريرة ، قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم يتكلّم في المهد إلّا عيسى ، وشاهد (٢) يوسف ، وصاحب جريج ، وابن ماشطة ابنة فرعون».

وأخرج أحمد والبزّار والطّبرانيّ عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لما كانت ليلة أسري بي ، أتيت على رائحة طيّبة ، فقلت : يا جبريل ، ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال : هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها ، قلت : وما شأنها؟ قال : بينما هي تمشّط ابنة فرعون ذات يوم ، إذ سقط المدرى (٣) من يدها ، فقالت : باسم الله ، فقالت لها ابنة فرعون : أولك ربّ غير أبي؟ قالت : لا ، ولكن ربيّ وربّ أبيك الله. قالت : أخبره بذا؟ قالت : نعم ، فأخبرته ، فدعاها ، فقال : يا فلانة ، أو أنّ لك ربّا غيري؟! قالت : نعم ، ربّي وربّك الله ، فدعا ببقرة من نحاس ، ثمّ أحميت ، ثمّ أمر أن تلقى فيها هي وأولادها ، فألقوا بين يديها واحدا واحدا إلى أن انتهى ذلك إلى صبيّ لها مرضع ، فتقاعست من أجله ، قال : يا أمّاه ؛ اقتحمي فإنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة ، فاقتحمت».

قال ابن عباس : تكلّم في المهد أربع صغار : عيسى بن مريم ، وصاحب جريج ، وشاهد يوسف ، وابن ماشطة ابنة فرعون.

__________________

(١) انظر مرآة الزمان : ١ / ٤٣٤ ، ٤٣٥.

(٢) في سورة يوسف : ٢٦ : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) ، واختلفوا في الشاهد على أقوال : ـ أحدها أنه كان صبيا في المهد أنطقه الله تعالى ـ والثاني أن الشاهد ابن عمّ راعيل الذي كان قاعدا على الباب مع زوجها ... [انظر مرآة الزمان : ١ / ٣٥١ ، ٣٥٢].

(٣) المشط.

٥٣

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [غافر : ٥١]. قال : لم يكن من أهل فرعون مؤمن غيره وغير امرأة فرعون وهو المؤمن الذي أنذر موسى الذي قال : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) [القصص : ٢٠].

ذكر السحرة الذين آمنوا بموسى (١) عليه الصلاة والسلام

قال الكنديّ : أجمعت الرواة على أنّه لا يعلم جماعة أسلموا في ساعة واحدة أكثر من جماعة القبط ، وهم السّحرة الذين آمنوا بموسى.

وأخرج ابن عبد الحكم ، عن يزيد بن أبي حبيب ، أنّ تبيعا كان يقول : ما آمن جماعة قطّ في ساعة واحدة مثل جماعة القبط.

وأخرج ابن عبد الحكم ، عن عبد الله بن هبيرة السبئيّ وبكر بن عمرو الخولانيّ ويزيد بن أبي حبيب ، قال : كان السّحرة اثني عشر (٢) ساحرا رؤساء ، تحت يد كلّ ساحر منهم عشرون عرّيفا ، تحت يد كلّ عريف منهم ألف من السّحرة ؛ فكان جميع السحرة مائتي ألف وأربعين ألفا ومائتين واثنين وخمسين إنسانا ، بالرؤساء والعرفاء ، فلمّا عاينوا ما عاينوا ، أيقنوا أنّ ذلك من السماء ، وأنّ السّحر لا يقاوم لأمر الله ، فخرّ الرؤساء الاثنا عشر عند ذلك سجّدا فأتبعهم العرفاء. وأتبع العرفاء من بقي ، وقالوا : (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ* رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) [الأعراف : ٢٢٢].

وأخرج عن يزيد بن أبي حبيب أنّ تبيعا قال : كان السّحرة من أصحاب موسى عليه الصلاة والسلام ، ولم يفتتن منهم أحد مع من افتتن من بني إسرائيل في عبادة (٣) العجل.

وقال ابن عبد الحكم : حدّثنا هانىء بن المتوكّل ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن تبيع ، قال : استأذن جماعة من الذين كانوا آمنوا من سحرة موسى في الرجوع إلى أهلهم ومالهم بمصر ، فأذن لهم ، ودعا لهم ، فترهّبوا في رؤوس الجبال ، فكانوا أوّل من ترهّب. وكان يقال لهم الشيعة ، وبقيت طائفة منهم مع موسى حتّى توفّاه الله ، ثمّ انقطعت الرهبانيّة بعدهم ؛ حتّى ابتدعها بعدهم أصحاب المسيح عليه الصلاة والسلام.

__________________

(١) في مرآة الزمان ١ / ٣٩٠ : نسبه هو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب ، وقيل موسى بن عمران بن يصهير ... ، واسم أمّه يوخابذ.

(٢) في مرآة الزمان ١ / ٤٠٧ : قال مجاهد : إنما آمن رؤساؤهم السبعة ، وقال قوم : إنّما آمن الكلّ.

(٣) انظر ذلك في مرآة الزمان ١ / ٤٢٤ ، ٤٢٥ ، ٤٢٦.

٥٤

ذكر من كان بمصر من الحكماء في الدهر الأوّل

قال الكنديّ وابن زولاق : كان بمصر هرمس ، وهو إدريس عليه الصلاة والسلام ؛ وهو المثّلث لأنّه نبيّ ، وملك ، وحكيم. وهو الذي صيّر الرّصاص ذهبا بصّاصا.

وكان بها أغاثيمون ، وفيثاغورس (١) ، تلاميذ هرمس ، ولهم من العلوم صنعة الكيمياء والنّجوم والسّحر وعالم الروحانيات والطّلسمات والبرابي وأسرار الطبيعة.

وأوسلاوسيزاورس وبندقليس أصحاب الكهانة والزّجر.

وسقراط (٢) صاحب الكلام على الحكمة.

وأفلاطون (٣) صاحب السياسية والنواميس والكلام على المدن والملوك.

وأرسطاطاليس (٤) صاحب المنطق.

وبطليموس صاحب الرصد والحساب والمجسطي (٥) في تركيب الأفلاك وتسطيح الكرة.

وأراطس صاحب البيضة ذات الثمانية والأربعين صورة في تشكيل صورة الفلك.

وإفليسطهوس صاحب الفلاحة.

وإبّرجس صاحب الرصد والآلة المعروفة بذات الحلق.

__________________

(١) فيثاغورس ولد في جزيرة ساموس حوالي سنة ٥٨٠ ق. م ، قام برحلات إلى جزيرة العرب وسورية وبابل وزار مصر وتعلم من رهبانها كثيرا من المسائل الفلكية والهندسية. [تاريخ اليونان للدكتور عياد ص ١٥١].

(٢) ولد سقراط في أثينا حوالي عام ٤٧٠ ق. م ابنا لسوفرنيسكوس النحّات أو البنّاء ، وأمّه كانت تعمل قابلة ، قدّم إلى المحاكمة سنة ٣٩٩ ق. م بتهمة كفرانه بآلهة أثينا ولإفساده الشباب بالمدينة وحكم عليه بالإعدام عن طريق شرب جرعة من الشوكران. [المعرفة : ٤٩٧].

(٣) أفلاطون ولد سنة ٤٢٧ ق. م واتصل بسقراط ودرس الفلسفة وله فيها كتابات مثل (الجمهورية) وتوفّي سنة ٣٤٧ ق. م. [المعرفة : ٥٢٩].

(٤) ولد أرسطاطاليس في سنة ٣٨٤ ق. م في إحدى مدن تراقيا ، كان أبوه طبيب القصر الملكي لمكدونيا. درس في أكاديمية أفلاطون عيّنه فيليب الثاني ملك مكدونية سنة ٣٤٢ ق. م معلما لابنه الصغير الإسكندر ، سمّيت طريقته في التدريس المشائية أو الرواقية ، توفي بعد وفاة الإسكندر بعام واحد أي سنة ٣٢٢ ق. م. [المعرفة : ٥١٣].

(٥) بطليموس القلوذي (كلوديوس) صاحب كتاب المجسطي ـ ومعناه الأعظم ـ ترجم إلى العربية في العصر العباسي. فهو فلكي وجغرافي يوناني نشأ في الإسكندرية ، وتوفي في سنة ١٦٨ ق. م. [المنجد في الأعلام].

٥٥

وثاؤن صاحب الزيج.

ودامانيوس ورابس وإصطقر أصحاب كتب أحكام النجوم.

وإيزل ، وأندريه ، وله الهندسة والمقادير ، وكتاب جرّ الثقيل والبنكامات والآلات لقياس الساعات.

وفليون ، وله عمل الدواليب والأرحية (١) والحركات بالحيل (٢) اللطيفة.

وأرشميدس (٣) صاحب المرايا المحرقة والمنجنيقات الّتي يرمى بها الحصون.

ومارية وقلبطرة وهم أصحاب الطّلسمات والخواصّ.

وابلوسيكوس ، وله كتاب المخروطات قطع الخطوط.

وتابوشيش ، وله كتاب الأكر.

وقيطس وله كتاب الحشائش.

وأفتوقس وله كتاب الأكرة والأسطوانة.

ودخلها جالينوس (٤) ، ودينبقورايدش صاحب الحشائش وأساسيوس ، وترهونوس ووقس ، وهم من حكماء اليونان.

هذا ما ذكره الكندي وابن زولاق.

قلت : قال الشّهرستانيّ (٥) في الملل والنحل :

قيل : أوّل من شهر بالفلسفة ونسبت إليه الحكمة فلوطرخيس ، تفلسف بمصر ، ثمّ

__________________

(١) مفردها الرحى.

(٢) أطلق العرب على الميكانيك اسم (علم الحيل) وقسّموه إلى قسمين : الأول يبحث في جرّ الأثقال بالقوّة اليسيرة والثاني يبحث في آلات الحركات وصناعة الأواني العجيبة.

(٣) أرخميدس ، عاش بين عامي ٢٨٧ ـ ٢١٢ ق. م. ولد وتوفي في سيراكوزة بجزيرة صقلية ، عالم يوناني له الاكتشافات العديدة ، منها نسبة قطر الدائرة إلى محيطها وقانون طفو الأجسام.

[المنجد في الأعلام].

(٤) جالينوس طبيب يوناني عاش بين عامي ١٣١ ـ ٢٠١ ق. م ، له اكتشافات هامة في التشريح تعتبر من أكبر مراجع أطباء العرب. [المنجد في الأعلام].

(٥) أبو الفتح محمد بن أبي القاسم عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني المتكلّم على مذهب الأشعري ، من كتبه نهاية الإقدام في علم الكلام ، وكتاب الملل والنحل ، والمناهج والبيّنات ... توفي في شهرستان سنة ٥٤٨ ه‍. [وفيات الأعيان : ٤ / ٢٧٣].

٥٦

سار إلى ملطية (١) فأقام بها.

وذكر في فيثاغورس أنّه ابن منسارخس ، وأنّه كان في زمن موسى عليه الصلاة والسلام ، وأنّه أخذ الحكم من معدن النبوّة.

وذكر في سقراط أنّه ابن سفرنيسقوس ، وأنّه اقتبس الحكمة من فيثاغورس ، وأرسلاوس ، وأنّه اشتغل بالزهد والرياضة وتهذيب الأخلاق ، وأعرض عن ملاذّ الدنيا ، واعتزل إلى الجبل ، ونهى الرؤساء الذين كانوا في زمنه عن الشّرك وعبادة الأوثان ، فثوّروا عليه الغاغة ، وألجئوا ملكهم إلى قتله ، فحبسه ثمّ سقاه السّم.

وذكر في أفلاطون أنّه ابن أرسطن بن أرسطوقليس ، وأنه آخر المتقدّمين الأوائل الأساطين ؛ معروف بالتوحيد والحكمة ، ولد في زمان أردشير بن دارا ، وأخذ عن سقراط ، وجلس على كرسيّه بعد موته.

وذكر في أرسطاليس أنّه ابن نيقوماخوس ، وأنّه أخذ عن أفلاطون.

وقال ابن فضل الله (٢) في المسالك : الهرامسة ثلاثة : هرمس المثلّث ، ويقال له إدريس عليه الصلاة والسلام ؛ كان نبيّا ، وحكيما ، وملكا ، وهرمس لقب ـ كما يقال ـ كسرى وقيصر. قال أبو معشر : هو أوّل من تكلّم في الأشياء العلويّة من الحركات النجوميّة ، وأوّل من بنى الهياكل ، ومجّد الله فيها ، وأوّل من نظر في الطبّ وتكلّم فيه ، وأنذر بالطوفان ؛ وكان يسكن صعيد مصر ، فبنى هناك الأهرام والبرابي ، وصوّر فيها جميع الصناعات ، وأشار إلى صفات العلوم لمن بعده حرصا منه على تخليد العلوم بعده ، وخيفة أن يذهب رسم ذلك من العالم ، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ، ورفعه إليه مكانا عليّا.

وأمّا هرمس الثاني فإنّه من أهل بابل.

وأمّا هرمس الثالث ، فإنّه سكن مدينة مصر ؛ وكان بعد الطوفان. قال ابن أبي أصيبعة (٣) : وهو صاحب كتاب الحيوان ذوات السّموم ، وكان طبيبا فيلسوفا ، وله كلام

__________________

(١) في معجم البلدان : ملطية بلدة من بلاد الروم تتاخم الشام.

(٢) أحمد بن يحيى صاحب كتاب مسالك الأبصار في عجائب الأمصار.

(٣) ابن أبي أصيبعة عاش بين عامي ١٢٠٣ ـ ١٢٦٩ م ، وهو طبيب ولد في دمشق وتوفي في صرخد ، تعلّم الطب على أبيه ثم في المارستان الناصري في القاهرة. له «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» ذكر فيه مشاهيرهم وأقوالهم ونوادرهم. [المنجد في الأعلام].

٥٧

حسن في صنعة الكيمياء.

وقال عن صاعدين بن أحمد في بندقليس : إنّه كان في زمن داود ، أخذ الحكمة عن لقمان (١) بالشام ، وفي فيثاغورس إنّه أخذ الحكمة عن سليمان عليه الصلاة والسلام بمصر حين دخلوا إليها من بلاد الشام ، وأخذ الهندسة عن المصريين ، ثمّ رجع إلى بلاد اليونان وأدخل عندهم علم الهندسة وعلم الطبيعة ، واستخرج علم الألحان وتوقيع النعم. وفي أفلاطون إنّه لمّا مات دخل مصر للقاء أصحاب فيثاغورس.

ذكر قتل عوج بمصر

قال ابن عبد الحكم : يقال إنّ موسى عليه الصلاة والسلام قتل عوجا بمصر ؛ حدّثنا عمرو بن خالد ، حدّثنا زهير بن معاوية ، حدّثنا أبو إسحاق عن نوف ، قال : كان طول سرير عوج الذي قتله موسى ثمانمائة ذراع ، وعرضه أربعمائة ذراع ، وكانت عصا موسى عليه‌السلام عشرة أذرع ، ووثبته حين وثب إليه عشرة أذرع ؛ وطول موسى كذا وكذا ، فضربه فأصاب كعبه ، فخرّ على نيل مصر ، فجسره (٢) للناس عاما يمشون على صلبه وأضلاعه.

وقال صاحب مرآة الزمان (٣) : حكى جدّي عن ابن إسحاق ، أنّ عوج بن عنق (٤) عاش ثلاثة آلاف سنة وستّمائة سنة ، ولم يعش أحد هذا العمر.

وقال ابن جرير : عاش ألف سنة.

وقيل : إنّه ولد في عهد آدم (٥) وسلم من الطوفان.

وقال الثعلبيّ : لمّا وقع على نيل مصر جسرهم سنة.

ذكر عجائب مصر القديمة

قال الجاحظ وغيره : عجائب الدنيا ثلاثون أعجوبة : عشرة منها بسائر البلاد ،

__________________

(١) لقمان بن عاديا : معمّر عربي تنسب إليه طائفة من الأمثال والأخبار والأقاصيص ، وكان من بقيّة عاد الأولى ، وشخصيته شبه أسطورية. [المنجد في الأعلام].

(٢) جعله جسرا للعبور فوق نهر النيل.

(٣) سبط ابن الجوزي (٥٨١ ـ ٦٥٤ ه‍).

(٤) في مرآة الزمان ١ / ٤٢٩ : عناق.

(٥) وفيه أيضا : عوج بن عناق ولد في دار آدم ، وهو ابن بنته عناق.

٥٨

وهي : مسجد دمشق ، وكنيسة الرّها ، وقنطرة سنجة (١) ، وقصر غمدان (٢) ، وكنيسة روميّة (٣) ، وصنم الزيتون ، وإيوان كسرى بالمدائن ، وبيت الرّيج بتدمر ، والخورنق بالحيرة ، والثلاثة أحجار ببعلبك. والعشرون الباقية بمصر ، وهي :

١ ـ الهرمان ؛ وهما أطول بناء وأعجبه ، ليس على الأرض بناء أطول منهما ، وإذا رأيتهما ظننت أنّهما جبلان موضوعان ؛ ولذلك قال بعض من رآهما : ليس شيء إلّا وأنا أرحمه من الدهر إلّا الهرمان ، فأنا أرحم الدهر منهما.

٢ ـ وصنم الهرمين وهو بلهويه ، ويقال بلهنيت ، وتسمّيه العامة أبو الهول. ويقال : إنّه طّلسم للرّمل لئلّا يغلب على الجيزة.

٣ ـ وبربى سمنّود (٤) ، قال الكنديّ : رأيته وقد خزن فيه بعض العمال قرطا (٥) ، فرأيت الجمل إذا دنا منه بحمله وأراد أن يدخله سقط كلّ دبيب (٦) من القرط ، ولم يدخل منه شيء إلى البربى ، ثم خرب عند الخمسين وثلاثمائة.

٤ ـ وبربى إخميم (٧) ؛ كان فيه صور الملوك الذين ملكوا مصر ؛ قال صاحب مباهج الفكر : وهي مبنيّة بحجر المرمر ، طول كلّ حجر خمسة أذرع في سمك ذراعين ، وهي سبعة دهاليز. ويقال : إنّ كلّ دهليز على اسم كوكب من الكواكب السبعة ، وجدرانها منقوشة بعلوم الكيمياء والسّيمياء والطّلسمات والطبّ ؛ ويقال : إنّه كان بها جميع ما يحدث في الزمان ؛ حتّى ظهور رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنّه كان مصوّرا فيها راكبا على ناقة.

__________________

(١) في معجم البلدان : سنجة نهر عظيم يجري بين حصن منصور وكيسوم من ديار مضر ، وعلى هذا النهر قنطرة عظيمة هي إحدى عجائب الدنيا ، وهي طاق واحد من الشط إلى الشط ، والطاق يشتمل على مائتي خطوة ، وهو متخذ من حجارة.

(٢) في معجم البلدان : غمدان بني هذا القصر على أربعة أوجه مختلفة الألوان ، من سبعة سقوف ، بين كل سقفين أربعون ذراعا ، وسقفه رخامة واحدة ...

(٣) رومية وهي شمال غربي القسطنطينية بينهما مسيرة خمسين يوما أو أكثر. لعلّ المقصود مدينة روما. [معجم البلدان].

(٤) في معجم البلدان : سمنّود بلدة من نواحي مصر جهة دمياط على ضفة النيل. كان فيها بربا ، وكانت إحدى العجائب ثمّ خربت سنة ٣٥٠ ه‍.

(٥) القرط نبات يشبه الفصفصة. [المنجد في اللغة].

(٦) في معجم البلدان ، وفي مادة سمنّود : سقط كل دبيب في ذلك القرط.

(٧) في معجم البلدان : إخميم بلد بالصعيد على شاطىء النيل ، وفيها البرابي وهي أبنية عجيبة فيها تماثيل وصور.

٥٩

٥ ـ وبربى دندرة (١) ، كان فيها مائة وثمانون كوّة ، تدخل الشمس كلّ يوم من كوّة منها ثمّ الثانية ، ثمّ الثالثة ؛ حتّى تنتهي إلى آخرها ؛ ثمّ تكرّ راجعة إلى موضع (٢) بدأت.

٦ ـ وحائط العجوز ؛ من العريش إلى أسوان ، محيط بأرض مصر شرقا وغربا. وقد مرّ ذكره.

٧ ـ والفيّوم ، وهي مدينة دبّرها يوسف عليه الصلاة والسلام بالوحي ، وكانت ثلاثمائة وستّين قرية ، تمير كلّ قرية منها مصر يوما ، وكانت تروى من اثني عشر ذراعا ؛ وليس في الدنيا بلد بني بالوحي غيرها قاله الكنديّ.

٨ ـ ومنف ، وما فيها من الأبنية والدفائن والكنوز وآثار الملوك والأنبياء والحكماء ، وكان فيها البربى الذي لا نظير له ، الذي بنته الساحرة لدلوكه ، وقد تقدّم ذكره.

٩ ـ وجبل الكهف.

١٠ ـ وجبل الطيلمون (٣).

١١ ـ وجبل زماخير (٤) الساحرة ، فيه حلقة ظاهرة مشرفة على النيل ، لا يصل إليها أحد ، يلوح فيه خطّ مخلوق : «باسمك اللهمّ».

١٢ ـ وجبل الطير بصعيد مصر الأدنى ، مطلّ على النيل ، مقابل منية بني خصيب (٥) ، قال في السكردان : فيه أعجوبة لم ير مثلها في سائر الأقاليم ؛ وهي باقية إلى يومنا هذا ؛ وذلك أنّه إذا كان آخر فصل الربيع قدم إليه طيور كثيرة بلق ، سود الأعناق ، مطوّقات الحواصل ، سود أطراف الأجنحة ، في صياحها بحاحة ، يقال لها طير البحّ ، لها صياح عظيم يسدّ الأفق ، فتقصد مكانا في ذلك الجبل ، فينفرد منها طائر واحد فيضرب بمنقارة في مكان مخصوص في شعب الجبل عال ، لا يمكن الوصول إليه ، فإن علّق تفرّق الطيور عنه ، وإن لم يعلّق تقدّم غيره وضرب بمنقاره في ذلك الموضع ، وهكذا واحدا بعد واحد إلى أن يعلق واحد منهم بمنقاره ، فتفترق عنه الطيور حينئذ ، وتذهب إلى حيث جاءت ، فلا يزال معلّقا إلى أن يموت ، فيضمحلّ في العام القابل

__________________

(١) في معجم البلدان : دندرة بليدة على غربي النيل من نواحي الصعيد ، فيها برابي كثيرة.

(٢) وفيه أيضا : الموضع الذي بدأت منه.

(٣) لم أجده في معجم البلدان.

(٤) في معجم البلدان : زماخير قرية على غربيّ النيل بالصعيد الأدنى من عمل إخميم.

(٥) سبق ذكرها : منية أبي الخصيب.

٦٠