حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة - ج ١

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة - ج ١

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

التعريف بالمؤلّف

هو عبد الرحمن بن محمد بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب بن محمد بن الشيخ الهمام الخضيري الأسيوطي.

ـ ولد جلال الدين السيوطي مؤلف هذا الكتاب يوم الأحد مستهلّ رجب من سنة ٨٤٩ ه‍ ، وتوفي كما ذكر ابن إياس يوم الخميس في التاسع من شهر جمادى الأولى من سنة ٩١١ ه‍ ، حيث دفن بجوار خانقاه قوصون خارج باب القرافة.

كان أجداده من أهل الوجاهة والرئاسة حكما وحسبة وتجارة واهتماما ببناء المدارس.

أما بالنسبة لجدّه الخضيري فعلى الأغلب نسبة إلى الخضيريّة التي هي محلّة ببغداد ، أمّا جدّ الخضيري فكان أعجميا أو من الشرق.

أمّا عنه شخصيّا فقد حفظ القرآن وله من العمر أقل من ثماني سنين ، كما حفظ العمدة ومنهاج الفقه والأصول وألفية ابن مالك ، وتبحّر في عدّة علوم : كالتفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع ، علاوة على ما دونها ـ كما قال ـ من أصول الفقه والجدل والتصريف والإنشاء والتوسل والفرائض ودونها القراءات والطبّ ، وأجيز له تدريس العربية والإفتاء.

وكان السيوطي ـ رحمه‌الله ـ يحب الابتعاد في حياته عن أصحاب السلطان والجاه ، في الوقت الذي كان يأتيه الوزراء والأمراء لزيارته. ولقد سافر إلى عدّة بلاد مثل الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب ، كما لازم كثيرا من الشيوخ مثل محمد المجذوب والبلقيني والمناوي والشبلي الحنفي والكافيجى ، بحيث كان عدّة شيوخه

٥

حوالي مائة وخمسين.

أما مؤلّفاته فكثيرة جدا ، فقد بلغت حوالي ثلاثمائة كتاب سوى ما غسله ورجع عنه.

٦

التعريف بكتاب

حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة

قال الشيخ السيوطي في بداية هذا الكتاب :

لقد سمّيته حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ، أوردت فيه فوائد سنيّة وغرائب مستعذبة مرضية ، تصلح لمسامرة الجليس وتكون للوحدة نعم الأنيس.

لقد اطّلع المؤلّف قبل البدء بوضع هذا الكتاب المفيد الذي رجع إليه المؤرخون والمحقّقون على كتب أخرى ـ كما قال ـ فساهمت في مضمون الكتاب ، مثل : فتوح مصر وفضائل مصر وتاريخ مصر والخطط المقريزية والقضاعية و... الخ ، بحيث كان عدد مراجعه التي اعتمد عليها أكثر من ثلاثين.

وضمّن كتابه هذا أسماء المواضع التي ذكرت فيها مصر في القرآن والحديث ، ثم تحدّث عن إقليم مصر ومن نزلها من أولاد آدم عليه‌السلام ، ومن ملكها قبل وبعد الطوفان ، ومن دخلها من الأنبياء والصدّيقين ومن كان بها من الحكماء. ثم عرّج المؤلف على عجائبها القديمة وذكر الاسكندرية ومنارتها ، وكتاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المقوقس ، ثم فتح مصر وبناء المساجد واختطاط الجيزة وفتح الفيوم وبرقة والنوبة.

كما تطرق المؤلف إلى الخليج الذي يربط نهر النيل بالبحر الأحمر والذي سمّي بخليج أمير المؤمنين ، دون أن ينسى ذكر من دخل مصر من الصحابة ومن سكنها من التابعين ورواة الحديث وحفّاظه ، وفقهاء المذاهب الأربعة ومن كان بها من أئمة العلوم الأخرى المختلفة مستمرا في ذلك إلى العهد الفاطمي فالأيوبيين والمماليك مع ذكر تفاصيل كتقليد الخلافة أو خطب الجمعة وبعض الحوادث التاريخية والطبيعية والمجاعات وخلافات الأسرة الحاكمة مرورا بالجانب العمراني من جوامع ومدارس وخانقاهات وطريق الحج والبريد الجوي (الحمام الزاجل) مما يعطينا فكرة دقيقة عن بعض جوانب الحياة تهمّ المؤرّخ والقارئ.

٧

وإذا كان المؤرخ اليوناني هيرودوت قد قال قديما : مصر هبة النيل ؛ فإنّ السيوطي قد أفرد للنيل بحثا مطوّلا وغنيا بفوائده.

أما المهتمّون بذكر الرياحين والأزهار وما قيل في ثمار مصر من شعر فسوف يجدون ضالتهم في هذا الكتاب لأن المؤلف أفرد لذلك صفحات قيّمة.

لن نطيل عزيزي القارئ في ذكر المزيد من مضمون هذا الكتاب القيّم الذي اعتمده كثير من المؤرخين والمحققين ، متمنين أن نكون قد وفقنا في إعادة تحقيقه بالشكل المناسب ، والله ولي التوفيق.

٨

مقدمة المؤلّف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا دائما أبدا.

الحمد لله الّذي فاوت بين العباد ، وفضّل بعض خلقه على بعض حتّى في الأمكنة والبلاد ، والصّلاة والسلام على سيّدنا محمد أفصح من نطق بالضّاد ، وعلى آله وصحبه السّادة الأمجاد.

هذا كتاب سمّيته : «حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة» ، أوردت فيه فوائد سنيّة ، وغرائب مستعذبة مرضيّة ، تصلح لمسامرة الجليس ، وتكون للوحدة نعم الأنيس ، وفّقنا الله لما يحبّه ويرضاه ، وجعلنا ممّن يحمد قصده ولا يخيب مسعاه ؛ بمنّه وكرمه.

وقد طالعت على هذا الكتاب كتبا شتّى ؛ منها فتوح مصر لابن عبد الحكم ، وفضائل مصر لأبي عمر الكنديّ ، وتاريخ مصر لابن زولاق ، والخطط للقضاعيّ ، وتاريخ مصر لابن ميسّر ، وإيقاظ المتغفّل وإيعاظ المتأمّل لتاج الدين محمد بن عبد الوهاب بن المتوّج الزّبيريّ ، والخطط للمقريزيّ ، والمسالك لابن فضل الله ، ومختصره للشيخ تقيّ الدين الكرمانيّ ، ومباهج الفكر ، ومناهج العبر لمحمد بن عبد الله الأنصاريّ ، وعنوان السّير لمحمد بن عبد الملك الهمذانيّ ، وتاريخ الصّحابة الّذين نزلوا مصر لمحمّد بن الربيع الجيزيّ ، والتجريد في الصحابة للذهبيّ ، والإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر ، ورجال الكتب العشرة للحسينيّ ، وطبقات الحفّاظ للذّهبيّ ، وطبقات القرّاء له ، وطبقات الشافعيّة للسّبكيّ ، وللإسنويّ ، وطبقات المالكيّة لابن فرحون ، وطبقات الحنفيّة لابن دقماق ، ومرآة الزّمان لسبط ابن الجوزيّ ، وتاريخ الإسلام للذهبيّ ، والعبر له ، والبداية والنّهاية لابن كثير ، وإنباء الغمر بأنباء العمر لابن حجر ، والطالع السعيد في أخبار الصعيد للأدفويّ ، وسجع الهديل في أخبار النيل لأحمد بن يوسف التّيفاشيّ ، والسكردان لابن أبي حجلة ، وثمار الأوراق لابن حجّة.

٩
١٠

ذكر المواضع التي وقع فيها ذكر مصر

في القرآن صريحا أو كناية

قال ابن زولاق (١) : ذكرت مصر في القرآن في ثمانية وعشرين موضعا.

قلت : بل أكثر من ثلاثين.

قال الله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) [البقرة : ٦١] ، وقرىء : (اهْبِطُوا مِصْراً) بلا تنوين ، فعلى هذا هي مصر المعروفة قطعا ؛ وعلى قراءة التنوين ، يحمل ذلك على الصرف اعتبارا بالمكان ، كما هو المقرّر في العربيّة في جميع أسماء البلاد ، وأنّها تذكّر وتؤنّث ، وتصرف وتمنع. وقد أخرج ابن جرير في تفسيره عن أبي العالية في قوله : (اهْبِطُوا مِصْراً) قال : يعني مصر فرعون.

وقال تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) [يونس : ٨٧].

وقال تعالى : (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ) [يوسف : ٢١].

وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه الصلاة والسلام : (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) [يوسف : ٩٩].

وقال تعالى حكاية عن فرعون : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) [الزخرف : ٥١].

__________________

(١) أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الحسين بن الحسن بن علي بن خالد ... بن زولاق الليثي مولاهم المصري ، له كتاب في خطط مصر ، وكتاب أخبار قضاة مصر ، ولد سنة ٣٠٦ ه‍ وتوفي سنة ٣٨٧ ه‍. [وفيات الأعيان : ٢ / ٩١].

١١

وقال تعالى : (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا) [يوسف : ٣٠].

وقال تعالى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) [القصص : ١٥].

وقال تعالى : (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ) [القصص : ١٨].

وقال تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) [القصص : ٢٠].

في تفسيره عن السّدّيّ أنّ المدينة في هذه الآية منف (١) ، وكان فرعون بها.

وقال تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) [المؤمنون : ٥٠]. أخرج ابن أبي حاتم ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في الآية ، قال : هي مصر ، قال : وليس الرّبا إلا بمصر ، والماء حين يرسل ، تكون الرّبا عليها القرى ، ولولا الرّبا لغرقت القرى. وأخرج ابن المنذر في تفسيره ، عن وهب (٢) بن منبّه ، في قوله : (إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) ، قال : مصر. وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق ، من طريق جويبر ، عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس ، أنّ عيسى كان يرى العجائب في صباه إلهاما من الله ، ففشا ذلك في اليهود ، وترعرع عيسى ، فهمّت به بنو إسرائيل ، فخافت أمّه عليه ، فأوحى الله إليها أن تنطلق به إلى أرض مصر ؛ فذلك قوله تعالى : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) ؛ قال : يعني مصر. وأخرج ابن عساكر ، عن زيد بن أسلم في قوله : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) ، قال : هي الإسكندرية.

وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه الصلاة والسلام : (قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) [يوسف : ٥٦] ، أخرج ابن جرير ، عن ابن زيد في الآية ، قال : كان لفرعون خزائن كثيرة بأرض مصر ، فأسلمها سلطانه إليه.

وقال تعالى : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) [يوسف : ٥٦] ، أخرج ابن جرير ، عن السّدّيّ في الآية قال : استعمله الملك على مصر ، وكان صاحب أمرها.

وقال تعالى في أوّل السّورة : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) [يوسف : ٢١].

وقال تعالى : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) [يوسف : ٨٠] ، قال ابن

__________________

(١) منف : بينها وبين الفسطاط ثلاثة فراسخ ، وبينها وبين عين شمس ستة فراسخ. [معجم البلدان].

(٢) وهب بن منبّه اليماني أبو عبد الله صاحب الأخبار والقصص ، توفي في المحرم سنة عشر ، وقيل أربع عشرة ، وقيل ست عشرة ومائة بصنعاء اليمن. [وفيات الأعيان : ٦ / ٣٥ ، ٣٦].

١٢

جرير : أي لن أفارق الأرض الّتي أنا بها ـ وهي مصر ـ حتّى يأذن لي أبي بالخروج منها.

وقال تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٤].

وقال تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٥ ، ٦].

وقال تعالى : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) [القصص : ١٩].

وقال تعالى : (لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ) [غافر : ٢٩].

وقال تعالى : (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) [غافر : ٢٦].

وقال تعالى : (أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ...) [الأعراف : ١٢٧] ، إلى قوله : (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ...) [الأعراف : ١٢٨] ، إلى قوله : (قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) [الأعراف : ١٢٩].

المراد بالأرض في هذه الآيات كلّها مصر.

وعن ابن عبّاس ـ وقد ذكر مصر ـ ، فقال : سمّيت مصر بالأرض كلّها في عشرة مواضع من القرآن.

قلت : بل في اثني عشر موضعا أو أكثر.

وقال تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها) [الأعراف : ١٣٧] ؛ قال اللّيث (١) بن سعد : هي مصر ؛ بارك فيها بالنّيل. حكاه أبو حيّان في تفسيره.

وقال القرطبيّ في هذه الآية : الظّاهر أنّهم ورثوا أرض القبط (٢). وقيل : هي أرض الشام ومصر ؛ قاله ابن إسحاق وقتادة وغيرهما.

وقال تعالى في سورتي الأعراف والشعراء : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) [الأعراف : ١١٠ ، والشعراء : ٣٥].

وقال تعالى : (إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها) [الأعراف : ١٢٣].

__________________

(١) أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن إمام أهل مصر في الفقه والحديث ، أصله من أصبهان ، ولد سنة ٩٢ ه‍ أو ٩٤ ه‍ ، توفي سنة ١٧٥ ه‍ ، ودفن في القرافة الصغرى. [وفيات الأعيان : ٤ / ١٢٧ ، ١٢٨].

(٢) في معجم البلدان : وهي مسمّاة بقفط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح ، وقبط أخو قفط.

١٣

وقال تعالى : (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) [الشعراء : ٥٧ ، ٥٨].

وقال تعالى : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) [الدخان : ٢٥ ، ٢٦] ؛ قال الكنديّ : لا يعلم بلد في أقطار الأرض أثنى الله عليه في القرآن بمثل هذا الثناء ، ولا وصفه بمثل هذا الوصف ، ولا شهد له بالكرم غير مصر.

وقال تعالى : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) [يونس : ٩٣] ، أورده ابن زولاق. وقال القرطبيّ في تفسيره : أي منزل صدق محمود مختار ـ يعني مصر. وقال الضّحّاك : هي مصر والشام.

وقال تعالى : (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) [البقرة : ٢٦٥] ، أورده ابن زولاق وقال : الرّبا لا تكون إلّا بمصر.

وقال تعالى : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) [المائدة : ٢١] ، أورده ابن زولاق أيضا ، وحكاه أبو حيّان في تفسيره قولا إنّها مصر ، وضعّفه.

وقال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ)(١) [السجدة : ٢٧]. قال قوم : هي مصر ، وقوّاه ابن كثير في تفسيره.

وقال تعالى : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) [فصلت : ١٠] ، قال عكرمة : منها القراطيس (٢) التي بمصر.

وقال تعالى : (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) [الفجر : ٧ ، ٨]. قال محمد بن كعب القرظيّ : هي الإسكندريّة.

لطيفة

قال الكنديّ (٣) : قالالله تعالى حكاية عن يوسف عليه الصلاة والسلام : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) [يوسف : ١٠٠] ، فجعل الشام بدوا ؛ وسمّى مصر مصرا ومدينة.

__________________

(١) الجرز : اليابسة التي لا نبات فيها.

(٢) القراطيس : البرد المصري الذي يصنع منه الورق وغيره.

(٣) أبو عمر الكندي صاحب كتاب فضائل مصر. [مقدمة المؤلف].

١٤

فائدة

اشتهر على ألسنة كثير من النّاس في قوله تعالى : (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) [الأعراف : ١٤٥] ، أنّها مصر (١) ؛ وقد نصّ ابن الصلاح وغيره على أنّ ذلك غلط نشأ من تصحيف ؛ وإنّما الوارد عن مجاهد وغيره من مفسّري السّلف : (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) ، قال : مصيرهم ؛ فصحّف بمصر.

ذكر الآثار التي ورد فيها ذكر مصر

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم (٢) في فتوح مصر : حدّثنا أشهب بن عبد العزيز وعبد الملك بن مسلمة ، قالا : حدّثنا مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا ؛ فإنّ لهم ذمّة ورحما». قال ابن شهاب : وكان يقال : إنّ أمّ إسماعيل عليه الصلاة والسلام منهم. وأخرجه أيضا اللّيث ، عن ابن شهاب ، وفي آخره : قال الليث : قلت لابن شهاب : ما رحمهم؟ قال : إنّ أمّ إسماعيل منهم. وأخرجه أيضا من طريق ابن عيينة وابن إسحاق عن ابن شهاب. وهذا حديث صحيح ، أخرجه الطّبراني في معجمه الكبير ، والبيهقيّ وأبو نعيم ، كلاهما في دلائل النبوّة.

وأخرج مسلم في صحيحه ، عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ستفتحون مصر ، وهي أرض يسمّى فيها القيراط ؛ فاستوصوا بأهلها خيرا ؛ فإنّ لهم ذمّة ورحما».

وأخرج مسلم ، وابن عبد الحكم في الفتوح ، ومحمد بن الربيع الجيزيّ في كتاب : من دخل مصر من الصحابة ، والبيهقيّ في دلائل النبوّة ، عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإنّ لهم ذمة ورحما ؛ فإذا رأيت رجلين يقتتلان على موضع لبنة ، فاخرج منها». قال : فمرّ أبو ذرّ بربيعة وعبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وهما يتنازعان في موضع لبنة ، فخرج منها.

__________________

(١) كذلك شرحها السيوطي في تفسير الجلالين.

(٢) عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث بن رافع ، توفي سنة ٢٥٧ ه‍ ، وقبره إلى جانب قبر أبيه إلى جانب قبر الإمام الشافعي. [وفيات الأعيان : ٣ / ٣٤ ، ٣٥].

١٥

وأخرج ابن عبد الحكم من طريق بحير بن ذاخر المعافريّ ، عن عمرو بن العاص ، عن عمر بن الخطاب ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ الله سيفتح عليكم بعدي مصر ، فاستوصوا بقبطها خيرا ؛ فإنّ لكم منهم صهرا وذمّة».

وأخرج الطّبرانيّ في الكبير ، وأبو نعيم في دلائل النّبوّة ، بسند صحيح ، عن أمّ سلمة ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوصى عند وفاته ، فقال : «الله الله في قبط مصر ؛ فإنّكم ستظهرون عليهم ، ويكونون لكم عدّة وأعوانا في سبيل الله».

وأخرج أبو يعلى في مسنده ، وابن عبد الحكم بسند صحيح ؛ من طريق ابن هانىء الخولانيّ ، عن أبي عبد الرحمن الحبليّ وعمرو بن حريث وغيرهما ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ستقدمون على قوم جعد رؤوسهم ، فاستوصوا بهم خيرا ؛ فإنّهم قوّة لكم ؛ وبلاغ إلى عدوّكم بإذن الله» ـ يعني قبط مصر.

وأخرج ابن عبد الحكم ، من طريق ابن سالم الجيشانيّ وسفيان بن هانىء ، أنّ بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبره أنّه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إنكم ستكونون أجنادا ، وإنّ خير أجنادكم أهل المغرب ؛ فاتّقوا الله في القبط ، لا تأكلوهم أكل الحضر (١)».

وأخرج ابن عبد الحكم ، عن مسلم بن يسار ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «استوصوا بالقبط خيرا ، فإنّكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوّكم».

وأخرج ابن عبد الحكم ، عن موسى بن أبي أيّوب الغافقيّ ، عن رجل من المربد (٢) ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرض ، فأغمي عليه ثمّ أفاق ، فقال : «استوصوا بالأدم (٣) الجعد» ؛ ثم أغمي عليه الثانية ، ثمّ أفاق ، فقال مثل ذلك ، ثمّ أغمي عليه الثالثة فقال مثل ذلك ، فقال القوم : لو سألنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الأدم الجعد! فأفاق ، فسألوه فقال : «قبط مصر ؛ فإنّهم أخوال وأصهار ، وهم أعوانكم على عدوّكم ، وأعوانكم على دينكم» ، فقالوا : كيف يكونون أعوانا على ديننا يا رسول الله؟ فقال : «يكفونكم أعمال الدّنيا فتتفرّغون للعبادة ؛ فالرّاضي بما يؤتى إليهم كالفاعل بهم ، والكاره بما يؤتى إليهم من الظلم كالمتنزّه عنهم».

وأخرج ابن عبد الحكم عن ابن لهيعة ، قال : حدّثني عمر مولى غفرة ، أنّ رسول

__________________

(١) في المنجد : الحضر ـ الطفيلي ـ الذي يتحيّن طعام الناس حتى يحضره.

(٢) في معجم البلدان : مربد النعم : موضع على ميلين من المدينة. ومربد البصرة على بعد ثلاثة أميال منها ينسب إليها جماعة من الرواة.

(٣) الذين لونهم أسمر.

١٦

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الله الله في أهل الذمّة ، أهل المدرة (١) السّوداء ، السّحم (٢) الجعاد ، فإنّ لهم نسبا وصهرا». قال عمر مولى غفرة : صهرهم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسرّى منهم ، ونسبهم أنّ أمّ إسماعيل عليه الصلاة والسلام منهم. فأخبرني ابن لهيعة أنّ أمّ إسماعيل هاجر أمّ العرب من قرية كانت من أمام الفرما (٣) من مصر.

وقال ابن عبد الحكم : حدّثنا عمر بن صالح ، أخبرنا مروان القصّاص ، قال : صاهر إلى القبط ثلاثة أنبياء : إبراهيم عليه الصلاة والسلام تسرّى هاجر ، ويوسف عليه الصلاة والسلام تزوّج (٤) بنت صاحب عين شمس (٥) ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسرّى مارية (٦). وقال : حدثنا هانىء بن المتوكّل ، حدّثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، أن قرية هاجر ياق (٧) ، التي عند أمّ دنين (٨).

وأخرج الطّبرانيّ عن رياح اللخميّ ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ مصر ستفتح فانتجعوا خيرها ، ولا تتّخذوها دارا ؛ فإنّه يساق إليها أقلّ النّاس أعمارا». وفي إسناده مطهّر بن الهيثم ، قال فيه أبو سعيد بن يونس : إنّه متروك. والحديث منكر جدّا ، وقد أورده ابن الجوزيّ في الموضوعات.

وأخرج مسلم ، عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. «منعت العراق درهمها وقفيزها (٩) ، ومنعت الشّام مديها (١٠) ودينارها ، ومنعت مصر إردبّها (١١) ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم».

وأخرج الإمام الشافعيّ رضي‌الله‌عنه في الأمّ ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها أنّ

__________________

(١) المدرة : الطين العلك الذي لا يخالطه رمل.

(٢) السحم : مفردها أسحم وهو ذو الوجه الأسود.

(٣) الفرما : مدينة على الساحل من ناحية مصر ، بين العريش والفسطاط قرب قطية وشرقي تنيس.

[معجم البلدان].

(٤) في مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي ١ / ٣٧٤ : تزوّج من ازليخا وأولدها اثني عشر ولدا.

(٥) عين شمس اسم مدينة فرعون موسى بمصر ، بينها وبين الفسطاط ثلاثة فراسخ. [معجم البلدان].

(٦) مارية القبطية أم إبراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٧) ياق : قرية كانت بمصر عند أمّ دنين ، منها كانت هاجر أم إسماعيل. [معجم البلدان].

(٨) أمّ دنين : موضع بمصر ، وهي قرية كانت بين القاهرة والنيل. [معجم البلدان].

(٩) القفيز : مكيال. [المنجد].

(١٠) المدّ : ضرب من المكاييل يساوي ١٨ ليترا إفرنجيا على التقريب. [المنجد].

(١١) الإردب : مكيال ضخم في مصر يساوي ٢٤ صاعا. [المنجد].

١٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة.

وأخرج ابن عبد الحكم ، عن يزيد بن أبي حبيب ؛ أنّ المقوقس أهدى إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عسلا من عسل بنها (١) ، فأعجب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعا في عسل بنها بالبركة (٢).

وأخرج ابن عبد الحكم ، عن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إذا فتح الله عليكم مصر ؛ فاتّخذوا فيها جندا كثيفا ؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض» ، فقال أبو بكر : ولم يا رسول الله؟ قال : «لأنّهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة».

وأخرج ابن عبد الحكم ، عن عليّ بن رباح ، قال : خرجنا حجّاجا من مصر ، فقال له سليم بن عتر : اقرأ على أبي هريرة السلام ، وأخبره أنّي قد استغفرت له ولأمّه الغداة ، فلقيته فقلت له ذلك ، فقال : وأنا قد استغفرت له ولأمّه الغداة. ثمّ قال أبو هريرة : كيف تركت أمّ خنّور (٣)؟ قال : فذكرت له من خصبها ورفاغتها ، فقال : أما إنّها أوّل الأرضين خرابا ، وعلى أثرها إرمينية. قلت : أسمعت ذلك من رسول الله أو من كعب؟.

وأخرج الدّيلميّ في مسند الفردوس ، وأورده القرطبيّ في التذكرة من حديث حذيفة مرفوعا : «يبدو الخراب في أطراف البلاد حتّى تخرب مصر ، ومصر آمنة من الخراب حتّى تخرب البصرة ، وخراب البصرة من العراق ، وخراب مصر من جفاف النيل ، وخراب مكّة من الحبشة ، وخراب المدينة من الجوع ، وخراب اليمن من الجراد ، وخراب الأيلة (٤) من الحصار ، وخراب فارس من الصّعاليك ، وخراب الترك من الدّيلم ، وخراب الديلم من الأرمن ، وخراب الأرمن من الخزر ، وخراب الخزر من الترك ، وخراب الترك من الصّواعق ، وخراب السّند من الهند ، وخراب الهند من الصّين ، وخراب الصّين من الرّمل ، وخراب الحبشة من الرّجفة (٥) ، وخراب العراق من القحط»

__________________

(١) بنها : من قرى مصر ، بينها وبين الفسطاط ثمانية عشر ميلا. [معجم البلدان].

(٢) وفي مادة بنها بمعجم البلدان : روى الليث بن سعد عن ابن شهاب قال : بارك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عسل بنها.

(٣) في معجم البلدان : أمّ خنّور اسم لمصر.

(٤) في معجم البلدان : أيلة مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام ، وهي آخر الحجاز وأول الشام.

(٥) الرجفة : الزلزال.

١٨

وأخرج الحاكم في المستدرك عن كعب ، قال : «الجزيرة آمنة من الخراب حتّى تخرب إرمينية ، ومصر آمنة من الخراب حتّى تخرب الجزيرة ، والكوفة آمنة من الخراب حتّى تخرب مصر ، ولا تكون الملحمة حتّى تخرب الكوفة ، ولا تفتح مدينة الكفر حتّى تكون الملحمة ، ولا يخرج الدّجّال حتّى تفتح مدينة الكفر».

وأخرج البزّار في مسنده والطّبرانيّ بسند صحيح ، عن أبي الدرداء رضي‌الله‌عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «إنّكم ستجنّدون أجنادا ؛ جندا بالشام ومصر والعراق واليمن».

وأخرج الطّبرانيّ والحاكم في المستدرك ، وصحّحه ابن عبد الحكم ومحمد (١) بن الربيع الجيزي في كتاب : «من دخل مصر من الصحابة» ، عن عمرو بن الحمق (٢) ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تكون فتنة ، يكون أسلم النّاس فيها الجند الغربيّ» ، قال ابن الحمق : فلذلك قدمت عليكم مصر.

وأخرج محمد بن الربيع الجيزيّ من وجه آخر عن عمرو بن الحمق ، أنّه قام عند المنبر بمصر ؛ وذلك عند فتنة عثمان رضي‌الله‌عنه ، فقال : يا أيّها الناس ؛ إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «تكون فتنة ، خير الناس فيها الجند الغربيّ ، وأنتم الجند الغربيّ ، فجئتكم لأكون معكم فيما أنتم فيه».

وأخرج الطّبرانيّ في الكبير والأوسط ، وأبو الفتح الأزديّ عن ابن عمر أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «إنّ إبليس دخل العراق ، فقضى حاجته منها ، ثمّ دخل الشام فطردوه حتى بلغ ميسان (٣) ، ثم دخل مصر ، فباض فيها وفرّخ ، وبسط عبقريّه».

قال الحافظ أبو الحسن الهيثميّ في مجمع الزوائد : رجاله ثقاة إلّا أن فيه انقطاعا ؛ فإنّ يعقوب بن عبد الله بن عتبة بن الأخنس لم يسمع من ابن عمر. انتهى.

وأفرط ابن الجوزي فأورده في الموضوعات ، وقال : فيه عقيل بن خالد ، يروي عن الزهريّ مناكير ، وابن لهيعة مطروح.

قلت : عقيل من رجال الصحيحين ، وابن لهيعة من رجال مسلم ، وهو حسن الحديث.

__________________

(١) أبو عبد الله محمد بن الربيع بن سليمان ، روى عن أبيه وعن الربيع بن سليمان المرادي. مادة جيزة في معجم البلدان.

(٢) عمرو بن الحمق بن كاهن بن حبيب الخزاعي. [الأعلام للزركلي].

(٣) في معجم البلدان : ميسان كورة واسعة كثيرة القرى والنخل بين البصرة وواسط.

١٩

وأخرج الخلّال في كرامات الأولياء وابن عساكر في تاريخه ، عن عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه قال : «قبّة الإسلام بالكوفة ، والهجرة بالمدينة ، والنّجباء بمصر ، والأبدال (١) بالشام».

وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن عليّ ، قال : «الأبدال من الشام ، والنجباء من أهل مصر ، والأخيار من أهل العراق».

وأخرج ابن عساكر من طريق أحمد بن أبي الحواري ، قال : «سمعت أبا سليمان يقول : الأبدال بالشام ، والنجباء بمصر ، والقطب باليمن ، والأخيار بالعراق».

وأخرج الخطيب البغدادي وابن عساكر من طريق عبيد الله بن محمد العيسيّ قال : سمعت الكتّاني يقول : النّقباء ثلاثمائة ، والنّجباء سبعون ، والبدلاء أربعون ، والأخيار سبعة ، والعمد أربعة ، والغوث واحد ؛ فمسكن النّقباء الغرب ، ومسكن النّجباء مصر ، ومسكن الأبدال الشام ، والأخيار سيّاحون في الأرض ، والعمد في زوايا الأرض ، ومسكن الغوث مكّة ، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامّة ابتهل فيها النقباء ، ثمّ النجباء ، ثمّ الأبدال ، ثمّ الأخيار ، ثمّ العمد ، فإن أجيبوا ؛ ولا ابتهل الغوث فلا تتمّ مسألته حتّى تجاب دعوته.

قال الحافظ الدّمياطي في معجمه : قرأت على أبي الفتح الباورديّ (٢) بحلب ، أخبرني يحيى بن محمود بن سعد أبو الفرج الثّقفي الأصفهانيّ ، أنبأنا أبو عليّ الحدّاد ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن القاسم بن الريّان ، حدّثنا أحمد بن إسحاق ، عن إبراهيم بن نبيط بن شريط الأشجعيّ ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه نبيط ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «الجيزة روضة من رياض الجنة ، ومصر خزائن الله في أرضه».

فصل

في آثار موقوفة

أخرج ابن عبد الحكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : خلقت الدّنيا على

__________________

(١) الأبدال : قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم فإذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر.

[المنجد].

(٢) الباوردي : نسبة إلى باورد ، وهي بلد بخراسان بين سرخس ونسا. [معجم البلدان].

٢٠