أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٤

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي

أخبار مكّة في قديم الدّهر وحديثه - ج ٤

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن إسحاق ابن العبّاس الفاكهي المكّي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٣٦

١
٢

٣
٤

ذكر

المواضع التي يستحبّ فيها الصلاة بمكة

وآثار النبي صلّى الله عليه وسلم فيها وتفسير ذلك

فمنها البيت الذي ولد فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم (١)

في دار أبي يوسف ، ولم يزل هذا البيت في الدار ، حتى قدمت الخيزران أمّ الخليفتين ، موسى وهارون ، فجعلته مسجدا يصلّى فيه ، وأخرجته من الدار (٢).

وزعم بعض المكيّين أنّ رجلا من أهل مكة ، يقال له : سليمان بن أبي مرحب ، كان يذكر أن ناسا سكنوا هذا البيت ، ثم انتقلوا منه ، قالوا : والله ما أصابتنا فيه حاجة ولا جائحة قطّ ، فلما خرجنا منه اشتدّ علينا الزمان (٣).

وهو من أصحّ الآثار عند أهل مكة ، يحقّق ذلك مشايخهم.

__________________

(١) أنظر الأثر (٢١٠٠) وتعليقنا عليه.

(٢) الأزرقي ٢ / ١٩٨ ، وشفاء الغرام ١ / ٢٦٩ ، والقرى ص : ٦٦٤.

(٣) الأزرقي ٢ / ١٩٩ ، وشفاء الغرام ١ / ٦٩.

٥

٢٢٩٧ ـ حدّثنا الحسن بن علي أبو الزبير ، قال : ثنا [يوسف بن](١) موسى القطّان ، قال : ثنا حكّام بن سلم ، قال ثنا عنبسة بن سعيد ، عن عثمان الطويل ، عن أبي العالية الرياحي ، قال : خطبنا أبو بكر الصدّيق ـ رضي الله عنه ـ فقال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «مولدي مكة ومهاجري المدينة».

٢٢٩٨ ـ حدّثنا محمد بن عبد الملك الواسطي ، قال : ثنا معلّى بن عبد الرحمن / قال : ثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن عبد الله بن أبي جعفر ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين في

__________________

٢٢٩٧ ـ إسناده حسن.

شيخ المصنّف ، هو : الحسن بن علي بن مسلم بن ماهان النيسابوري. ترجمه ابن أبي حاتم ٣ / ٢٢ وقال : كتبت عنه بمكة ، وذكرته لأبي زرعة ، فعرفه ، وقال : كان معنا بالبصرة ، وهو : صدوق.

وعثمان الطويل ، سكت عنه البخاري ٦ / ٢٥٨. وقال أبو حاتم : شيخ. الجرح ٦ / ١٧٣. وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ٥ / ١٥٧. وقال : يروي عن أنس بن مالك ، ربما أخطأ.

وعنبسة بن سعيد ، هو : الرازي.

والحديث رواه أبو بكر المروزي في مسند أبي بكر الصدّيق ص : ١٦٩ من طريق : يوسف بن موسى القطان ، به بأطول منه.

٢٢٩٨ ـ إسناده متروك.

معلى بن عبد الرحمن الواسطي ، متّهم بالوضع ، ورمي بالرفض. التقريب ٢ / ٢٦٥.

رواه أحمد ١ / ٢٧٧ ، والبيهقي في الدلائل ١ / ٧٣ كلاهما من طريق : ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن حنش ، عن ابن عباس ، مختصرا. وذكره الهيثمي في المجمع ١ / ١٩٦ وعزاه لأحمد والطبراني في الكبير ، وقال : وفيه ابن لهيعة ، وهو ضعيف ، وبقيّة رجاله ثقات من أهل الصحيح. وذكره المتقي الهندي في الكنز ١٢ / ٤٤٤ ، وعزاه لابن عساكر.

(١) سقطت من الأصل.

٦

أول شهر ربيع الأول ، وأنزلت عليه السورة يوم الاثنين في أول شهر ربيع الأول ، ودخل المدينة يوم الاثنين في أول شهر ربيع الأول ، وقبض صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين في أول شهر ربيع الأول.

٢٢٩٩ ـ وحدّثنا أحمد بن حميد الأنصاري ، عن المعلّى بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن الزهري ، عن عبيد الله ابن عبد الله ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : ولد النبي صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين في أول شهر ربيع الأول ، وقبض صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين في أول شهر ربيع الأول.

ومنها بيت النبي صلّى الله عليه وسلم

وهو المنزل [الذي] كانت تنزله خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ وفيه كان مسكن رسول الله صلّى الله عليه وسلم معها ، وفيه صلّى الله عليه وسلم ابتنى بها ، وولدت فيه خديجة ـ رضي الله عنها ـ أولادها جميعا ، وفيه توفّيت ـ رضي الله عنها ـ فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيه ساكنا حتى خرج صلّى الله عليه وسلم زمن الهجرة ، فأخذه عقيل بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فيما أخذه ، فاشتراه معاوية ـ رضي الله عنه ـ وهو خليفة ، فاتّخذه مسجدا يصلّى فيه وبناه بناء جديدا.

وحدوده الحدود التي كانت لبيت خديجة ـ رضي الله عنها ـ لم تغيّر ، غير أنّ معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهما ـ لمّا بناه فتح فيه بابا من دار

__________________

٢٢٩٩ ـ إسناده متروك.

ذكره ابن كثير في البداية والنهاية ٢ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ وعزاه لخيثمة بن سليمان ، من طريق : المعلى بن عبد الرحمن به ، وقال : رواه ابن عساكر في تاريخه.

٧

أبي سفيان بن حرب بن أميّة ، فهو فيها قائم إلى اليوم ، وهي الدار التي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيها يوم الفتح : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن»وهي اليوم تعرف برائطة بنت أبي العباس (١).

وفي بيت خديجة ـ رضي الله عنها ـ حجر خارج من البيت كان سليم بن مسلم أو غيره من المكيّين يقول : كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يجلس تحته يستتر من الرمي إذا جاءه من دار عدي بن الحمراء ، ودار أبي لهب.

وذرع ذلك الحجر ذراع وشبر.

فأمّا بعض أهل مكة فكان يقول : إنّ هذه رفاف كان أهل مكة يتّخذونها في بيوتهم ، صفائح من حجارة يكون شبه الرفاف يضعون عليها أمتعتهم التي تكون في بيوتهم ، ولكلّ بيت قديم من بناء المكيّين إلّا وفيه رفاف نحو من ذلك الحجر. والقول الأول أثبت ـ يعني : أصل الحديث ـ (٢).

٢٣٠٠ ـ حدّثنا عبد الله بن شبيب أبو سعيد ، قال : حدّثني ابراهيم بن المنذر ، قال : حدّثني ابراهيم بن علي الرافعي ، عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن ربيعة بن عباد الدّيلي ، قال : لقد أسمعكم تذكرون مما كانت تناله قريش من رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وإن منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان بين منزل أبي

__________________

٢٣٠٠ ـ إسناده ضعيف.

عبد الله بن شبيب : علّامة ، لكنّه واه. وابراهيم بن علي بن حسن الرافعي : ضعيف.

التقريب ١ / ٤٠.

ذكره الهيثمي ٦ / ٢١ وعزاه للطبراني في الأوسط ، وقال : وفيه ابراهيم بن علي بن الحسن الرافعي ، وهو ضعيف.

(١) الأزرقي ٢ / ١٩٩ ، وأنظر ما بعد الأثر (٢١١٢).

(٢) الأزرقي ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.

٨

لهب ، وبين منزل عقبة بن أبي معيط ، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته رجع وقد وضعوا الأنحاث (١) والأرحام والدّماء على بابه ، فينحّيه بسية (٢) قوسه ويقول : يا معشر قريش / ما أسوأ جواركم.

ومنها الموضع الذي بأجياد الصغير

وهو الذي يقال له : المتّكأ. وبعض الناس يقولون : أول ما نزل القرآن في ذلك الموضع نزل فيه : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) وهي أول سورة نزلت من القرآن.

٢٣٠١ ـ حدّثني بذلك ابن منصور ، قال : ثنا سفيان ، عن [ابن](٣) إسحق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.

__________________

٢٣٠١ ـ إسناده حسن.

شيخ المصنّف ، هو : إسحاق بن منصور الكوسج.

رواه البخاري ١ / ٢٢ ، ومسلم ٢ / ١٩٧ ، والطبري في التفسير ٣٠ / ٢٥٢ ، والحاكم ٢ / ٥٢٩ ، والبيهقي في الدلائل ٢ / ١٥٥ كلّهم من طريق : الزهري ، به. وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي.

والمتّكأ : لا زال معروفا في شعب أجياد الصغير ، على ما قال البلادي في معجم معالم الحجاز ٨ / ١٨. وسألت عنه الشريف محمد بن فوزان فلم يعرفه.

(١) كذا في الأصل. وفي مجمع الزوائد (الأنحات) بالتاء. ولم أقف لها على معنى في كتب اللغة التي بين يديّ.

(٢) أي طرف القوس المعرقب. اللسان ١٤ / ٣٦٧.

(٣) في الأصل (أبو).

٩

٢٣٠٢ ـ حدّثنا أبو بشر ، قال : ثنا خالد ، عن قرّة ، عن أبي رجاء ، قال : كان أبو موسى ـ رضي الله عنه ـ يقرئنا ، يجلسنا حلقا حلقا ، وعليه بردان أبيضان ، فأقرأني هذه السورة : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) وقال : هذه أول سورة أنزلت على محمد صلّى الله عليه وسلم.

٢٣٠٣ ـ حدّثنا أحمد بن سليمان ، قال : ثنا زيد بن المبارك ، قال : أنا ابن ثور ، عن ابن جريج ، قال : قال عطاء : عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : أول سورة أنزلت على محمد صلّى الله عليه وسلم (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ).

وبعض المكيّين يضعّف أمر المتّكأ غير أنهم يحقّقون أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم ـ صلّى بأجياد وكان فيه (١).

٢٣٠٤ ـ حدّثني حسين بن حسن ، قال : أنا الهيثم بن جميل ، قال : ثنا

__________________

٢٣٠٢ ـ إسناده صحيح.

خالد ، هو : ابن الحارث ، وقرّة ، هو : ابن خالد ، وأبو رجاء ، هو : عمران بن ملحان.

رواه ابن أبي شيبة ١٠ / ٥٤٢ ، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي في سيرة ابن إسحاق ص : ١٢٣ ، والطبري في التفسير ٣٠ / ٢٥٢ ، وأبو نعيم في الحلية ١ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧ كلّهم من طريق قرّة بن خالد ، به. وذكره السيوطي في الدرّ ٦ / ٣٦٨ ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن الضرّيس ، وابن الأنباري في المصاحف ، والطبراني ، والحاكم ، وابن مردويه ، وأبي نعيم في الحلية.

٢٣٠٣ ـ شيخ المصنّف ، هو : الصفّار الصنعاني ، لم أعرف حاله. وبقية رجاله موثّقون. ومحمد ، هو : ابن ثور الصنعاني.

رواه البيهقي في الدلائل ٧ / ١٤٤ من طريق : خصيف ، عن مجاهد ، به بنحوه.

٢٣٠٤ ـ إسناده مرسل.

زهير ، هو : ابن معاوية ، أبو خيثمة ، وسماعه من أبي إسحاق السبيعي بأخرة.

(١) الأزرقي ٢ / ٢٠٢.

١٠

زهير ، عن أبي إسحق ، قال : كان بين أصحاب الإبل والغنم تنازع ، فاستطال أصحاب الإبل على أصحاب الغنم ، فبلغنا أن ذكر للنبي صلّى الله عليه وسلم ، فقال صلّى الله عليه وسلم : «بعث الله ـ عزّ وجلّ ـ موسى وداود ـ عليهما الصلاة والسلام ـ وهم يرعون الإبل ، وبعثت وأنا أرعى غنما لأهلي بأجياد».

٢٣٠٥ ـ وحدّثنا حسين بن حسن الأزدي ، عن الهيثم بن عدي ، عن أبي اليقظان بن أبي عبيد بن عبد الله بن عمّار بن ياسر ، عن لؤلؤة مولاة عمّار ، قالت : حدّثنا عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ قال : كنت تربا للنبي صلّى الله عليه وسلم في الجاهلية ، وكنت أرعى غنم أهلي ، ويرعى غنم أهله ، فوعدني بموضع نرعى فيه غنمنا. قال : فأتيته صلّى الله عليه وسلم وقد سبقني إليها ، وإذا هو يخلّي غنمه عن الرعي ، فقلت : يا محمد ، مالك تخلّي غنمك عن الرعي؟ فقال صلّى الله عليه وسلم : «واعدتك ولم أكن لأدعها ترعى حتى تأتي». قال أبو سعيد : التخلية : المنع.

٢٣٠٦ ـ حدّثنا محمد بن أبي عمر ، ومحمد بن ميمون ، وعبد الجبار ، قالوا : ثنا سفيان ، قال : ثنا أبو إسحق الشيباني ، عن زرّ بن حبيش ، عن

__________________

رواه ابن سعد ١ / ١٢٦ من طريق : أحمد بن عبد الله بن يونس ، عن زهير به. وانظر سيرة ابن إسحاق ص : ١٢٤.

٢٣٠٥ ـ إسناده متروك.

الهيثم بن عدي الطائي. قال أبو حاتم : متروك. وقال ابن معين : ليس بثقة ، كذّاب.

الجرح ٩ / ٨٥. وقال ابن عدي : هو صاحب أخبار وأسماء ونسب وأشعار. الكامل ٧ / ٢٥٦٣. وقال ابن المديني : هو أوثق من الواقدي ، ولا أرضاه في شيء. اللسان ٦ / ٢٠٩. وأبو اليقظان ، لم أقف على ترجمته.

٢٣٠٦ ـ إسناده صحيح.

رواه البخاري ٨ / ٦١٠ ، ومسلم ٣ / ٣ ، والترمذي ١٢ / ١٦٨ ، والبيهقي في الدلائل ٢ / ٣٦٦ كلّهم من طريق : أبي إسحاق الشيباني ، به مختصرا.

١١

عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)(١) قال : لم يره في صورته إلّا مرّتين ، مرّة عند سدرة المنتهى ، ومرة بأجياد ، له ستمائة جناح ، قد سدّ الأفق.

قال [ابن](٢) ميمون في حديثه : قال سفيان : وقال مجاهد : من نحو أجياد ، منسوج بالدرّ والياقوت.

ومنها مسجد في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي ،

عند الصفا في الدار التي تعرف اليوم بالخيزران ، كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيها مختفيا ، وفيه أسلم عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يدعو فيها إلى الإسلام (٣).

٢٣٠٧ ـ / حدّثنا ابن أبي يوسف المكي ، قال : ثنا اسماعيل بن زياد المكي ، أنّ ابن جريج ، كان يحدّث عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه كان يحدّث عن عامر بن ربيعة ـ حليف بني عدي بن كعب ـ قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : وكان من المهاجرين الأولين. أنه قال :

__________________

٢٣٠٧ ـ إسناده متروك.

إسماعيل بن زياد المكي : متروك ، كذّبوه. التقريب ١ / ٦٩.

ذكره ابن حجر في الإصابة ٢ / ٧٦ ـ ٧٧ نقلا عن الفاكهي بسنده.

وذكره الصالحي في سبل الهدى والرشاد ٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ مختصرا وعزاه للفاكهي والأموي وأبي نعيم في الدلائل.

(١) سورة النجم (١٨).

(٢) سقطت من الأصل.

(٣) الأزرقي ٢ / ٢٠٠ ، وشفاء الغرام ١ / ٢٧٤.

١٢

بينا نحن مع النبي صلّى الله عليه وسلم بمكة وهو يسرّ الإسلام ، ومعه عصابة من المسلمين ، إذ هتف هاتف على بعض جبال مكة من الليل ، وفتية من المشركين يسمعون صوته ويعرفون قوله ، وهو يقول :

قبّح الله رأي كعب بن فهر

ما أدقّ العقول والأحلام

بينها باهي يعيب عليها

دين آبائها الحماة الكرام

حالف الحيّ حليف نصر

عليهم ، ورجال النخيل والآكام

توشك الخيل أن تروها جهارا

تقتل القوم في البلاد التهامي

هل كريم منكم له نفس حرّ

ماجد الوالدين والأعمام

ضاربا ضربة تكون نكالا

ورواحا من كربة واغتمام

قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : قال عامر بن ربيعة : فوثب المشركون علينا وهمّوا بنا. قال : فلما بلغ النبي صلّى الله عليه وسلم صياح الصائح ، قال عامر بن ربيعة : هذا شيطان فيمن يدخل في الأوثان ، ويكلّمهم فيها ، ولم يعلن شيطان بتحريض على نبي قطّ إلّا قتله الله ـ تعالى ـ.

قال عامر بن ربيعة ـ رضي الله عنه ـ : فمكثنا ثلاث ليال ثم دخل علينا النبي صلّى الله عليه وسلم في بيت عند الصفا ـ كنا نجتمع فيه ـ مسرورا ، فقال : «أشعرتم أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قتل الشيطان المحرّض عليكم ، قتله رجل من عفاريت الرجل ، يدعى : سمحجي ، فأسميته : عبد الله ، لم يزل في طلبه منذ ثلاث حتى ظفر به البارحة ، فقتله». قال عامر بن ربيعة : فلما أمسينا من ليلة أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم صادقا مصدّقا ، هتف هاتف بالمكان الذي هتف فيه الشيطان فقال :

نحن قتلنا مسعرا ، لمّا طغى واستكبرا

وصغر الحقّ وسنّ المنكرا

١٣

أتبعته سيفا هذاما مبترا

بشتمه نبيّنا المظفّرا

أنا نذير من أراد البطرا

من قومه وغيره أن يفجرا

أتبعته حتى رئي معفّرا

٢٣٠٨ ـ وحدّثني أبو الحسن ابراهيم بن محمد بن جبير بن محمد بن عدي بن الخيار بن نوفل النوفلي ، قال : حدّثني إسحق بن خنيس مولى النبي صلّى الله عليه وسلم ، عن مسلم الطائفي [](١) عن عزير بن الجريحي [عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس](٢) ، قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم في دار الأرقم مختفيا في أربعين رجلا وبضع عشرة امرأة. قال : فدقّ الباب رجل قصير ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : «افتحوا له إنها لنغمة شيطان». قال : ففتح له فدخل رجل قصير فقال : السلام عليكم يا نبي الله ورحمة الله وبركاته / قال صلّى الله عليه وسلم : «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، من أنت؟»قال : أنا هامة بن

__________________

٢٣٠٨ ـ لم أقف على تراجم رجال هذا الحديث.

والحديث ذكره ابن حجر في الاصابة ٣ / ٥٦٣ ـ ٥٦٤ نقلا عن الفاكهي بسنده.

ورواه أيضا العقيلي في الضعفاء ١ / ٩٨ ـ ٩٩ ، والبيهقي في دلائل النبوّة ٥ / ٤١٨ ـ ٤١٩ بإسناد آخر.

ونسبه الحافظ ابن حجر إلى عبد الله بن أحمد في زيادات الزهد ، وابن مردويه في التفسير ، وأبي موسى المديني في الذيل على معرفة الصحابة ، وإلى كتاب الطيوريات ـ من انتخاب السلفي ـ وإلى ابن عساكر في تاريخه ، والبيهقي في شعب الإيمان أه.

وطرق هذا الحديث كلّها ضعيفة لا تثبت كما قال العقيلي وجعفر المستغفري في الصحابة.

(١) هنا كلمة لم أستطع قراءتها.

(٢) الزيادة من الإصابة.

١٤

[أهيم](١) بن لاقيس بن إبليس. فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم : «ما أرى بينك وبين إبليس إلّا أبوين؟»قال له : نعم يا رسول الله. قال صلّى الله عليه وسلم : «فمثل ما أنت يوم قتل قابيل هابيل؟»قال : أنا يا رسول الله يومئذ غلام قد علوت الآكام ، وأمرت بالآثام ، وإفساد الطعام ، وقطيعة الأرحام. قال له صلّى الله عليه وسلم : «بئس الشيخ المتوشم ، والشباب الناسي». قال : لا تقل ذا يا رسول الله فإني كنت مع نوح ـ عليه السلام ـ ، وأسلمت معه ، ثم لم أزل معه حتى دعا على قومه ، فهلكوا فبكا وأبكاني ، ثم لم أزل معه حتى هلك ، ثم لم أزل مع الأنبياء نبيّا نبيّا ، كلهم يهلك حتى كنت مع عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ ثم رفعه الله إليه ، وقال لي : إن لقيت محمدا صلّى الله عليه وسلم فاقرئه السلام ، فقام على قدميه النبي صلّى الله عليه وسلم فقال : «وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ، وعليك السلام يا هامة بن الهام كما أقرئتني من حبيبي السلام».

٢٣٠٩ ـ حدّثنا ابن أبي سلمة ، قال : ثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز ، عن أبيه ، قال : حدّثني ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ قال : لمّا ظهر أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم قام رجل من الجن على أبي قبيس ، يقال له مسعر ، فقال :

قبّح الله رأي كعب بن فهر

ما أقلّ العقول والأحلام

حالف الحيّ حيّ نصر عليهم

ورجال النخيل والآكام

هل على امرئ منكم له نفس صدق

واحد الوالدين والأعمام

__________________

٢٣٠٩ ـ شيخ المصنّف لم أقف عليه.

والحديث ذكره ابن حجر في الإصابة ٢ / ٧٧ نقلا عن الفاكهي.

(١) في الأصل (الهام) والتصويب من الإصابة.

١٥

قال : فأصبحت قريش تقول : توانيتم ، حتى خرج منكم الجن ، قال : فلما كان القابلة قام في مقامه رجل من الجنّ يقال له سمحج ، فقال :

نحن قتلنا مسعرا

لمّا طغى واستكبرا

بشتمه نبيّنا المظفّرا

أوردته سيف جزور مفترا

أنا نذير من أراد البطرا

فسمّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم : عبد الله.

ومنها موضع فوق أبي قبيس يقال له : مسجد ابراهيم ـ صلوات الله على نبيّنا محمد وعليه وسلّم ـ.

وزعم أهل مكة عن أشياخهم ، عن [ابن](١) مجاهد ، عن أبيه ، قال : إن ابراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما أمر أن يؤذّن بالحجّ ، قام فوق أبي قبيس ، فقال : يا عباد الله ، أجيبوا داعي الله ، فكانوا يرون ذلك المسجد حيث قام ابراهيم ـ عليه السلام ـ فالله أعلم كيف كان (٢).

وقد زعم بعض أهل مكة أنه بلغه أنّ رجلا من أهل الجاهلية قال : رأيت ذات يوم شخصا على رأس أبي قبيس يرفع ويخفض ، فارتقيت إليه ، فإذا أنا برسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو قائم يصلّي. فالله أعلم كيف ذلك ، ولم يسمع فيه بأكثر من هذا.

__________________

(١) في الأصل (أبي) وهو خطأ.

(٢) الأزرقي ٢ / ٢٠٣.

١٦

٢٣١٠ ـ غير أنّ حسين بن حسن حدّثنا ، قال : ذكره عبد الواحد بن زيد [البصري](١) / قال : كنت مع أيوب السختياني على أبي قبيس ، فصلّى ، فأطال الصلاة. قال : والحرّ شديد. قال الحسين : ولم يكن يومئذ على أبي قبيس بيوت ، إنما حدثت بعد. قال : فعطشت ، فقلت : يا أبا بكر العطش.

فقال : تكتم عليّ؟ قلت : نعم. فقال بيده. بسم الله. قال : فإذا ماء قد نبع. قال : فشربت منه ، ثم قال : بسم الله. قال : فما ذكرته لأحد حتى مات أيوب ـ رحمه الله ـ.

٢٣١١ ـ وحدّثنا سلمة بن شبيب ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : أنا ابن جريج ، قال : سألت عطاء عن الرجل يصلّي على أبي قبيس بصلاة الإمام ، فقال : ذلك جائز ، وليس لك تضعيف الإمام. قال : فأما بعض أهل مكة فكان يقول : هو مسجد ابراهيم القبيسي ، كان يسكنه في الزمن الأول ، فنسب إليه (٢) ، فالله أعلم.

٢٣١٢ ـ وحدّثنا سعيد بن عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عمرو بن

__________________

٢٣١٠ ـ إسناده ضعيف جدا.

رواه أبو نعيم في الحلية ٣ / ٥ من طريق : عبد الواحد بن زيد ، به. والذهبي في السير ٦ / ٢٣ من طريق عبد الواحد ، أيضا ، وقال : لا يثبت.

٢٣١١ ـ إسناده صحيح.

٢٣١٢ ـ تقدّم هذا الخبر برقم (١٨٨٤).

(١) في الأصل (البصروي) وهذه النسبة إلى (بصرى) البلد المعروف بالشام ، وعبد الواحد بن زيد من أهل البصرة ، قال عنه ابن معين : ليس بشيء ، ضعيف الحديث. وقال البخاري : تركوه. وقال الفلّاس : كان قاصّا ، وكان متروك الحديث. التاريخ الكبير ٦ / ٦٢.

ولسان الميزان.

(٢) الأزرقي ٢ / ٢٠٢.

١٧

دينار ، قال : كان ابن لنواس ، أو نواس (١) ، يضحك ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فكان يقول : ليت أبا قبيس ذهبا. فيقول ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : وما تصنع به؟ قال : أموت عليه.

ومنها مسجد بعرفة عن يمين الإمام في الموقف ، يقال له : مسجد ابراهيم صلّى الله عليه وسلم ، وليس بمسجد عرفة.

٢٣١٣ ـ حدّثنا علي بن المنذر الكوفي ، قال : ثنا ابن فضيل ، قال : ثنا يزيد بن أبي زياد ، قال : خرجنا مع مجاهد نسير حتى إذا خرجنا من الحرم نحو عرفات ، قال : هل لكم في مسجد ، كان ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ يستحبّ أن يصلّي فيه؟ قال : قلنا نعم. فصلّينا فيه ، ثم قال : لقد صلّى فيه سبعون نبيا كلّهم يؤمّ الخيف.

ومنها مسجد الكبش الذي بمنى

وإنّما سمّي : مسجد الكبش ، لأن الكبش الذي ذبح ابراهيم فداء اسماعيل ـ صلوات الله على محمد وعليهما وسلّم ـ نزل عليه في موضع المسجد ، وقد كتبنا ذكره مفسّرا في موضعه (٢).

__________________

٢٣١٣ ـ إسناده ضعيف.

يزيد بن أبي زياد : ضعيف.

وأنظر الأزرقي ٢ / ٢٠٢.

(١) كذا في الأصل ، وقد تقدّم باسم (ابن أبي النواس) ... ووقع في صحيح البخاري ، ومسند الحميدي (نوّاس).

(٢) الأزرقي ٢ / ١٧٥.

١٨

ومنها مسجد بأعلى مكة عند الردم الأعلى عند بئر جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل ـ رضي الله عنه ـ

ويقال لها : البئر العليا. يقول (١) : إنّ النبي صلّى الله عليه وسلم صلّى فيه.

٢٣١٤ ـ حدّثنا سعيد بن عبد الرحمن ، قال : ثنا بشر بن السري ، قال : ثنا عمر بن كثير المكي ، قال : حدّثني عبد الرحمن بن كيسان ـ مولى خالد بن أسيد ـ قال : حدّثني أبي ، قال : رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلم يصلّي الظهر والعصر متلببا بثوب عند البئر العليا.

هكذا قال سعيد : عمر بن كثير ، وإنّما هو عمرو.

وقد بنى هذا المسجد عبد الله بن عبد الله بن العباس بن محمد ، وبنى جنيبذا إلى جنبه ، حوضا يسقى فيه الماء (٢).

وسمعت بعض أهل مكة من الفقهاء يقول : كان الناس لا يجاوزون في السكن في قديم الدهر هذه البئر إنما كان الناس فيما دونها إلى المسجد ، وما فوق ذلك خال من الناس.

وقال / عمر بن ربيعة أو غيره يذكر هذه البئر :

نزلت بمكة في قبائل نوفل

ونزلت خلف البئر أبعد منزل

حذرا عليه من مقالة كاشح

ذرب اللسان يقول ما لم يفعل (٣)

__________________

٢٣١٤ ـ إسناده حسن.

رواه ابن أبي شيبة ١ / ٣١٣ ، وأحمد ٣ / ٤١٧ ، وابن ماجه ، ١ / ٣٣٤ كلّهم من طريق : عمرو بن كثير ، به. وذكره ابن حجر في الإصابة ٣ / ٣٩١ وعزاه لابن أبي خيثمة والبغوي ، وحسّن إسناده. وذكره السيوطي في الجامع الكبير ٢ / ٥٩٤ وعزاه لابن أبي شيبة.

(١) كذا في الأصل. وأنظر الأزرقي ٢ / ٢٠٠.

(٢) الأزرقي ٢ / ٢٠.

(٣) البيتان في ديوانه ص : ٣٤٠.

١٩

٢٣١٥ ـ وسمعت أبا يحيى بن أبي مسرّة ، يقول : كان آخر البيوت عند الردم نحوا من هذا الموضع ، واحتجّ في ذلك بقول عطاء : إذا جاوز الردم ـ يعني الحاجّ ـ صنع ما شاء.

ومنها مسجد بأعلى مكة يقال له : مسجد الحرس

وهو الذي يعرف به اليوم ، وإنّما سمّي مسجد الحرس ، لأن صاحب الحرس بمكة كان يطوف فيجتمع إليه أعوانه من شعاب مكة وأرباعها عند ذلك المسجد ، فسمّي مسجد الحرس. وهو في طرف الحجون ، وهو مسجد الجنّ ، الذي خطّ فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ خطّا (١).

٢٣١٦ ـ حدّثنا هارون بن موسى بن طريف ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي عثمان بن سنّة الخزاعي ـ وكان من أهل الشام ـ قال : إنّ عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي

__________________

٢٣١٥ ـ نقله الفاسي في شفاء الغرام ١ / ١٤ عن الفاكهي. ثم قال الفاسي : والمسجد المشار إليه هو المسجد المعروف بمسجد الراية ، والبئر المشار إليها لعلّها البئر التي عند هذا المسجد. وأوضح الأستاذ ملحس في تعليقه على الأزرقي في أنّ البئر تعرف اليوم ب (بئر الدشيشة) بالكمالية ، وقد تقدّم تحديد موضعه في الردوم.

٢٣١٦ ـ شيخ المصنّف لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات.

رواه النسائي ١ / ٣٧ ـ ٣٨ ، والطبري في التفسير ٢٦ / ٣٢ ، كلاهما من طريق : ابن وهب ، به. ورواه البيهقي في الدلائل ٢ / ٢٣٠ من طريق الليث بن سعد ، عن يونس ، به.

(١) الأزرقي ٢ / ٢٠١.

٢٠