شرح جمل الزجّاجى - ج ٣

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٣

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٤٦١

وقالوا : صواحبات يوسف ، وحمر وحمرات ، وطرق وطرقات ، وجزر وجزرات ، وقالوا : أنضاء وأناض ، وهو ما رعي من النبات حتى أضعف ، وعليه قوله [من الرجز] :

٨٢٨ ـ ترعى أناض من جزيز الحمض

وقالوا : آصال في جمع أصل الذي هو جمع أصيل.

ومن الناس من زعم أن آصالا لا يمكن أن تكون جمع أصل ، لأنّ أفعالا من أبنية

__________________

٣ / ٦١٩ ؛ ولسان العرب ١١ / ١٦١ ، ١٦٢ (حقل).

اللغة : حقيل والثميرة : موضعان. العوذات : الحديثات النتاج التي تعوذ بها أولادها ، المتالي : التي تتلوها أولادها وتسايرها وأصلها للإبل فاستعارها للوحش.

المعنى : الشاعر يصف ديار الحبيبة بأنها أقوت من أهلها وأصبح الوحش يرتع بها ويولد ويطمأن ، لبعد الناس عنه.

الإعراب : لها : جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف. بحقيل : جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف. فالثميرة : «الفاء» : حرف عطف ، «الثميرة» : اسم معطوف على مجرور ، مجرور مثله. منزل : مبتدأ مؤخر مرفوع. ترى : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره : (أنت). الوحش : مفعول به منصوب. عوذات : حال منصوبة بالكسرة عوضا عن الفتحة لأنه جمع مؤنث بألف وتاء مزيدتين. به : جار ومجرور متعلقان بعوذات. ومتاليا : «الواو» : حرف عطف ، «متاليا» : اسم معطوف على «عوذات» منصوب مثله ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة «لها منزل» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «ترى الوحش» : في محل رفع صفة.

والشاهد فيه قوله : «عوذات» وهي جمع عوذ.

٨٢٨ ـ التخريج : الرجز لأبي عوف في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٧١ ؛ وبلا نسبة في لسان العرب ١٥ / ٣٢٩ (نصا) ، ٣٣٠ (نضا) ؛ والكتاب ٣ / ٦٢٠.

اللغة : النضو : الدقيق المهزول من الحيوان وأراد به هنا ما دق من النبت. الجزيز : ما جز وقطع ، الحمض : ما ملح من النبات.

المعنى : يريد أن الإبل ترعى ما ذكر من النبات.

الإعراب : ترعى : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (هي). أناض : مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الياء المحذوفة للضرورة. من جزيز : جار ومجرور متعلقان بصفة ل «أناض». الحمض : مضاف إليه مجرور.

وجملة «ترعى» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «أناض» وهي جمع أنضاء.

١٤١

القليل ، وفعل من أبنية الكثير ، فلا يتصوّر جمع ما هو للكثير على صيغة جمع القلة ، لأنّ ذلك نقيض ما أريد بجمع الجمع من التكثير ، وزعم أنّ آصالا جمع أصل الذي هو بمعنى أصيل ، واستدلّ على ذلك بقوله [من الكامل] :

٨٢٩ ـ وخمار غانية شددت برأسها

أصلا وكان منشّرا بشمالها

وهذا الذي ذهب إليه هذا الذاهب من أنّه جمع أصل المفرد أحسن من أن يجعل جمع جمع ، إلّا أنّ ما التزم من أنّ جمع الكثرة لا يجمع على صيغة تكون لجمع القليل لأنّ ذلك تناقض. باطل ، لأنّ العرب قد جمعت بيوتا وعوذا وموالي ، وهي جموع كثرة ، جمع سلامة بالألف والتاء ، وجمع السلامة للقليل.

ووجهه أن يوضع الجمع على قطعة ، ثم ينزل منزلة الواحد فيجمع.

ومن جمع جمع الجمع أصائل ، ألا ترى أنه جمع آصال ، وآصال جمع أصل على ما تقدّم ، وأصل جمع أصيل وكان أصله أأصل فقلب ، على أنّه قد حكى يعقوب : أصيلة في معنى أصيل ، فعلى ذلك يكون أصائل جمعه ولا يدعى فيه قلب ، ولا أنّه جمع جمع.

هذا ما جمع من الجموع في الكلام ولا يقاس عليه. وما عدا ذلك لا يجوز لأحد أن

__________________

٨٢٩ ـ التخريج : البيت لباعث بن صريم اليشكري في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٣٥ ؛ وشرح ديوان الحماسة للتبريزي ٢ / ٥٠.

اللغة : الخمار : الغطاء ، الغانية : المرأة التي تستغني بجمالها عن الزينة. منشرا : مبعثرا منتشرا على شمالها

المعنى : يقول الشاعر : رب امرأة تبرجت فبرزت حاسرة الرأس لما استولى الخوف عليها وهي لا تشعر أني أمنتها حتى لبست خمارها وأمنت مما كانت تخاف منه ، لما لاحظته من دفاعي عنها.

الإعراب : وخمار : «الواو» : واو رب ، «خمار» : اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنه مفعول به مقدم للفعل شددت. غانية : مضاف إليه مجرور بالكسرة. شددت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. برأسها : جار ومجرور متعلقان بالفعل ، و «ها» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. أصلا : مفعول فيه ظرف زمان متعلق بالفعل «شددت». وكان : «الواو» : حالية ، «كان» : فعل ماض ناقص. واسمها ضمير مستتر تقديره : (هو). منشرا : خبر كان منصوب. بشمالها : «الباء» حرف جر ، «شمال» : اسم مجرور بالكسرة والجار والمجرور متعلقان بخبر كان و «ها» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة.

وجملة «شددت» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «كان منشرا» : في محل نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «أصلا» التي هي بمعنى أصيل ، وجمعها : آصال.

١٤٢

يستعمله إلّا في ضرورة ، إلّا أن يسمع من ذلك شيء يحفظ.

وممّا جاء في الضرورة من جمع الجمع قوله [من الرجز] :

٨٣٠ ـ ترمي الفجاج والفيافي القصى

بأعينات لم يخالطها قذى

وقول الآخر [من الرجز] :

٨٣١ ـ قد جرت الطير أيامنينا

__________________

٨٣٠ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٠٩ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٣٠١ (عين)

اللغة : القصى : جمع القصوى وهي البعيدة أو النائية. القذى : ما يسقط في العين أو الشراب. أعينات : جمع أعين جمع عين.

الإعراب : ترمي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (هي). الفجاج : مفعول به منصوب بالفتحة. والفيافي : «الواو» : حرف عطف ، «الفيافي» : اسم معطوف على منصوب منصوب مثله بالفتحة. القصى : صفة منصوبة بالفتحة المقدرة. بأعينات : جار ومجرور متعلقان بالفعل ترمي. لم يخالطها : «لم» : حرف جزم وقلب ونفي ، «يخالطها» : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، و «ها» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. قذى : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة.

وجملة «ترمي الفجاج» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «لم يخالطها» : في محل جر صفة ل «أعينات».

والشاهد فيه قوله : «أعينات» حيث جمع «أعين» التي هي جمع «عين» ، وذلك للضرورة.

٨٣١ ـ التخريج : الرجز لأعرابي في المقاصد النحوية ٢ / ٤٢٥ ؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٤٥٦ ؛ والدرر ٢ / ٢٧٢ ؛ وسمط اللآلي ص ٦٨١ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٦٤ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٢٢٩ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٣٢٣ (فطن) ، ٤٥٩ ، ٤٦٠ (يمن) ؛ والمعاني الكبير ص ٦٤٦ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٥٧ ؛ وجمهرة اللغة ص ٢٩٣ ؛ وتاج العروس (فطن) ، (يمن) ، (سرو) ؛ جمهرة اللغة ص ٢٩٣ ؛ والمخصص ١٣ / ٢٨٢.

اللغة : أيامنينا : جمع أيامن وهي جمع يمين.

الإعراب : قد : حرف تحقيق. جرت : فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة منعا لالتقاء الساكنين ، و «التاء» : للتأنيث ، وحركت بالكسر منعا لالتقاء الساكنين. الطير : فاعل مرفوع بالضمة. أيامنينا : مفعول فيه ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه عومل معاملة جمع المذكر السالم ، و «الألف» : للإطلاق ، والظرف متعلق بالفعل جرت.

وجملة «جرت الطير» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «أيامنينا» حيث جمع أيامن على غير قياس وهو شاذ للضرورة.

١٤٣

وقول الآخر [من الرجز] :

أشكو إلى مولاي من مولاتي

تربط بالحبل أكيرعاتي(١)

وقول الآخر [من الكامل] :

وإذا الرّجال رأوا يزيد رأيتهم

خضع الرّقاب نواكس الأبصار(٢)

ومثل ذلك كثير في الشعر ، إلّا الجمع المتناهي ، فإنّه لا يجوز جمعه لا في ضرورة ولا في غيرها ، إلّا أن يجمع سلامة خاصة ، مثل : أيامنين.

هذا حكم جمع الجموع ما لم يكن أعجميا ، فإن كان أعجميا ، فهو موافق للعربي في جميع ما ذكرناه ، إلّا أنّه يلزم جمع الرباعي منه تاء التأنيث نحو سبج وسبابجة ، قوم يبذرقون السفن أي يخرقونها ويأخذون ما فيها ، إلّا أن يشذّ من ذلك شيء ، فيحفظ ولا يقاس عليه ، نحو : جورب وجوارب ، وكرفح وكرافيح ، وهو البقّال.

وكذلك المنسوب يلزمه تاء التأنيث ، نحو : مهالبة ، ومناذرة ، ومسامعة ، وكأنّ التاء هنا عوض من ياء النسب ، كما عوّضت من الياء في صياقلة ، إلّا ما شذّ فاستعمل بغير تاء ، وذلك : الدياسم والمعاول ، وهما قبيلان من العرب ، والمعاول من الجهاضمة من الأزد.

فأمّا قولهم : «أناسية» في جمع إنسان ، فيحتمل أن يكون أصله أناسيّ ، فتكون الياء الأولى ، عوضا من ألف إنسان ، والياء الثانية بدلا من النون ، ثم حذفت إحدى الياءين ، وأبدلت منها التاء ، ويحتمل أن تكون الأولى هي الياء المردودة في تصغير أنسان حين قالوا : أنيسان.

فإن كان الاسم المجموع منقوصا ، كان حكم جمعه كجمعه لو كان الاسم غير منقوص ، نحو : أخ وزنه فعل ، فيجمع على أفعال ، قالوا : آخاء ، قال الشاعر [من الطويل] :

٨٣٢ ـ [وجدتم بنيكم دوننا إذ نسيتم]

وأيّ بني الآخاء تنبو مناسبه

__________________

(١) تقدم بالرقم ٦٩٣.

(٢) تقدم بالرقم ٨٢٢.

٨٣٢ ـ التخريج : البيت لبشر بن المهلب في الخصائص ١ / ٢٠١ ؛ ولبعض بني المهلب في

١٤٤

ونحو : يد ، فإنّ وزنه فعل ، فلذلك جمع كجمع فعل من الصحيح ، فقالوا : أيد.

إلّا أن تكون فيه تاء التأنيث ، فإنّه لا يكسّر منه إلّا ما شذّ. والذي شذّ من ذلك أمة وإماء وإموان وآم ، وبرة (١) وبرى ، ولغة ولغى ، وشفة وشفاه ، وشاة وشياه ، بل بابه أن يجمع بالألف والتاء أو بالواو والنون ، نحو : سنة وسنوات وسنون وسنين ، وتكون الألف والتاء للقلة والواو والنون للكثرة.

وأما أسماء الأجناس ، فلا يخلو أن تكون فيها تاء التأنيث ، أو لا تكون. فإن لم تكن فيها علامة تأنيث ، فإنّك إذا أردت الواحدة أدخلت على اسم الجنس تاء التأنيث ، نحو : تمر اسم الجنس ، وتقول في الواحدة : تمرة ، وليس تمر وأشباهه جمعا لتمرة ، بل هو اسم جنس كما ذكرناه ، والدليل على أنّه مفرد تصغيرهم له على لفظه ، فتقول تمير ، ولو كان جمعا لردّ إلى مفرده في التصغير ، ولذلك كان الباب فيه أن لا يجمع لأنّه جنس ، فإن جمع فبعد الذهاب به مذهب النوع.

وإن كان في اسم الجنس علامة تأنيث ، لم يجز إدخال التاء إذا أردت الواحدة ، لأنّه لا

__________________

الخصائص ١ / ٣٣٨ ؛ وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ص ١٥٠ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٢٠ (أخا).

المعنى : الشاعر يسأل : أي الناس من الأهل الأقارب يستطيع أن يبتعد عن أصوله وأقاربه ، لأن الإنسان إذا ابتعد عن أهله فقد يغدو معيبا.

الإعراب : وجدتم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل ، و «الميم» : للجمع. بنيكم : مفعول به منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، و «الميم» : للجمع. دوننا : «دون» : مفعول فيه ظرف مكان متعلق بالفعل وجدتم ، و «نا» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. إذ : مفعول فيه ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق ب «وجد». نسيتم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل ، و «الميم» : للجمع. وأي : «الواو» : استئنافية ، «أي» : اسم استفهام في محل رفع مبتدأ. بني : مضاف إليه مجرور بالياء ، لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وحذفت النون للإضافة. الآخاء : مضاف إليه مجرور بالكسرة. تنبو : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة. مناسبه : فاعل مرفوع بالضمة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة.

وجملة «وجدتم» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «نسيتم» : في محل جر بالإضافة. وجملة «تنبو» : في محل رفع خبر. وجملة «أي تنبو» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «الآخاء» وهو جمع أخ.

(١) البرة : الدملج ، وهو ما تلبسه المرأة في يدها.

١٤٥

يجمع بين علامتي تأنيث ، بل قد يكون الفارق بين الواحدة وبين الجنس الوصف ، وذلك نحو شكاعى (١) ، وشقارى (٢) ، وحلفاء ، وطرفاء ، تقول : هذه شكاعى كثير ، إذا عنيت الجمع ، وهذه شكاعى واحدة إذا عنيت الواحدة. وكذلك تفعل بسائر الباب.

فأمّا ما حكاه أبو بكر بن دريد : شقارى وشقارة ، في الواحدة ، ولصيقى (٣) ولصيقات فلا ينبغي أن يعوّل عليه ، لأنّ أهل الضبط كسيبويه والخليل وأبي زيد وأعلام النحويين لا يعرفونه ، فإن صحّ فينبغي أن تقدر الألف زائدة لغير تأنيث.

__________________

(١) الشكاعى : ضرب من النبات.

(٢) الشقارى : ضرب من النبات ، وكذلك الحلفاء والطرفاء.

(٣) اللصيقى : عشبة.

١٤٦

باب ما يجوز للشاعر أن يستعمله في ضرورة الشعر

اختلف النحويون في الضرائر الجائزة في الشعر. فمنهم من جعل الضرورة أن يجوز للشاعر ما لا يجوز في الكلام ، بشرط أن يضطرّ إلى ذلك ، ولا يجد منه بدّا ، وأن يكون في ذلك ردّ فرع إلى أصل ، أو تشبيه غير جائز بجائز. فهؤلاء لا يجيزون للشاعر في شعره ما لا يجوز في الكلام ، إلّا بشرط أن يضطرّ إلى ذلك. هذا الظاهر من كلام سيبويه. وقد صرّح به في أول باب من أبواب الاشتغال.

ومنهم من لم يشترط في الضرورة أن يضطرّ الشاعر إلى ذلك في شعره ، بل جوّزوا له في الشعر ما لم يجز له في الكلام ، لكون الشعر موضعا قد ألفت فيه الضرائر ، وإلى هذا ذهب ابن جني ومن أخذ بمذهبه. واستدل صاحب هذا المذهب بقول الشاعر [من المتقارب] :

فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها (١)

ألا ترى أنه حذف التاء من أبقلت وقد كان يمكنه أن يثبت التاء وينقل حركة الهمزة فيقول : أبقلت ابقالها.

واستدلّ أيضا بقول الآخر [من الرجز] :

٨٣٣ ـ ربّ ابن عمّ لسليمى مشمعلّ

طبّاخ ساعات الكرى زاد الكسل

__________________

(١) تقدم بالرقم ٧٢٤.

٨٣٣ ـ التخريج : الرجز للشماخ في ديوانه ص ٣٨٩ ؛ والكتاب ١ / ١٧٧ ؛ ولجبار بن جزء في خزانة

١٤٧

ففصل بين «طباخ» وبين ما أضيف إليه وهو «زاد الكسل» ، وقد كان يمكنه أن لا يفصل بين المضاف والمضاف إليه بل يجعل «طباخ» مضافا إلى ساعات ، وينصب زاد الكسل بطباخ.

ولا حجة لهم في شيء من ذلك. أما قوله :

 ...

ولا أرض أبقل إبقالها

فيحتمل أن يكون الذي اضطرّه إلى حذف التاء أنّه ليس ممن لغته النقل ، فلو قال : أبقلت ابقالها ، من غير نقل على لغته لا ختلّ الوزن.

وأما قوله :

طباخ ساعات الكرى زاد الكسل

فالذي اضطرّه إلى الفصل أنّه لو أضاف لكان متجوزا فيه ويجعل الساعات كأنّها هي المطبوخة في المعنى ، إذ لا يضاف إلى الظرف حتى يتجوز فيه. فإذا فصل كان الكلام حقيقة لا مجازا ، فلما أراد الحقيقة اضطرّ إلى الفصل.

ومنهم من ذهب إلى أنّ الشاعر يجوز له في كلامه وشعره ما لا يجوز لغير الشاعر في كلامه ، لأنّ لسانه قد اعتاد الضرائر ، فيجوز له ما لا يجوز لغيره لذلك ، وهو مذهب الأخفش ، فكثيرا ما يقول : جاء هذا على لغة الشعر ، أو يحمل على ذلك قوله تعالى :

__________________

الأدب ٤ / ٢٣٣ ، ٢٣٥ ـ ٢٣٧ ، ٢٣٩ ، ٨ / ٢١٢ ، ٢١٣ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٣ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ١٦٧ ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ٢ / ٤٦ ؛ ولسان العرب ١١ / ٤٤٧ (عسل) ؛ ومجالس ثعلب ١ / ١٥٢.

اللغة : المشمعل : الجاد في أمره الماضي فيه.

الإعراب : رب : حرف جر شبيه بالزائد. ابن : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. عم : مضاف إليه مجرور بالكسرة. لسليمى : جار ومجرور بالكسرة المقدرة متعلقان بخبر محذوف. مشمعل : صفة مجرورة لابن. طباخ : صفة ثانية مجرورة. ساعات : مفعول فيه ظرف زمان متعلق ب «طبّاخ». الكرى : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة. زاد : مضاف إليه مجرور بالكسرة. الكسل : مضاف إليه مجرور بالكسرة وسكّن لضرورة الشعر.

وجملة «رب ابن عم لسليمى» : مع الخبر المحذوف ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «طباخ ساعات الكرى زاد الكسل» حيث فصل بين «طباخ» وما أضيف إليه «زاد الكسل» للضرورة الشعرية.

١٤٨

(قَوارِيرَا* قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ)(١) ، في قراءة من قرأ بصرف الأول. وهذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون التنوين في قوله : «قواريرا» ، بدلا من حرف الإطلاق ، فكان في الأصل «قواريرا» ، وحرف الإطلاق يكون في الشعر وفي الكلام المسجوع إجراء له مجرى الشعر ، فأجريت رؤوس الآي مجرى الكلام المسجوع في لحاق حرف الإطلاق ، فيكون مثل قوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا)(٢) ، و (هؤُلاءِ أَضَلُّونا) السبيلا (٣).

والصحيح ما بدأنا به. فإن جاء في خلاف موضع الإضرار فلا يقاس عليه لشذوذه وقلته.

وإن جاء في مواضع اضطرار فإنّه ينقسم إلى مقيس وغير مقيس ، وسنبيّن ذلك كلّه في موضعه إن شاء الله.

فالضرائر تنحصر في الزيادة والنقص والتقديم والتأخير والبدل. والزيادة تنحصر في زيادة حرف أو زيادة حركة. فمن زيادة الحرف التنوين المزيد في الاسم الذي لا ينصرف إذا صرفته ضرورة نحو قوله [من الرجز] :

٨٣٤ ـ قواطنا مكّة من ورق الحمي

__________________

(١) سورة الدهر : ١٥ ـ ١٦.

(٢) سورة الأحزاب : ١٠.

(٣) سورة الأعراف : ٣٨.

٨٣٤ ـ التخريج : الرجز للعجاج في ديوانه ١ / ٤٥٣ ؛ والدرر ٣ / ٤٩ ؛ والكتاب ١ / ٢٦ ، ١١٠ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٢٩٣ (منى) ؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٥١ ؛ والمحتسب ١ / ٧٨ ؛ والمقاصد النحويّة ٣ / ٥٥٤ ، ٤ / ٢٨٥ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٢٩٤ ؛ والإنصاف ٢ / ٥١٩ ؛ والخصائص ٣ / ١٣٥ ؛ والدرر ٦ / ٢٤٤ ؛ ورصف المباني ص ١٧٨ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٧٢١ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٨٩ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٤٣ ، ٤٧٦ ؛ وشرح المفصل ٦ / ٧٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٨١ ، ٢ / ١٥٧.

وقبله :

* والقاطنات البيت غير الرّيّم*

اللغة : القواطن والقاطنات : يريد بها حمام مكة. الورق : ج الورقاء ، وهي الحمامة البيضاء. الحمي : الحمام.

الإعراب : «قواطنا» : حال من «القاطنات» في البيت السابق. «مكّة» : مفعول به ل «قواطنا». «من ورق» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت «قواطنا» ، وهو مضاف ، «الحمي» : مضاف إليه.

الشاهد : قوله : «قواطنا مكّة» حيث نوّن «قواطن» ضرورة.

١٤٩

فنون قواطن. ونحو قوله [من الخفيف] :

٨٣٥ ـ فأتاها أحيمر كأخي السهم

بعضب فقال كوني عقيرا

فصرف أحيمر. ونحو قوله [من الكامل] :

٨٣٦ ـ ممّن حملن به وهنّ عواقد

حبك النطاق فعاش غير مهبّل

فنوّن «عواقد». وذلك جائز عندنا في كل ما لا ينصرف إلّا فيما آخره ألف ، فإنّه لا يصرف لأنّه لا فائدة في صرفه ، وذلك أنّ صرف ما لا ينصرف إمّا أن يكون لزيادة حرف أو

__________________

٨٣٥ ـ التخريج : البيت لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص ٣٥ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٣٧٧ ؛ والمقرب ٢ / ٢٠٢.

اللغة : أحيمر : من عقر ناقة صالح. العضب : القاطع.

الإعراب : فأتاها : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، و «أتاها» : فعل ماض ، و «ها» : ضمير في محلّ نصب مفعول به. أحيمر : فاعل مرفوع. كأخي : جار ومجرور متعلقان ب «أتاها» ، وهو مضاف. السهم : مضاف إليه مجرور. بعضب : جار ومجرور متعلقان ب «أتى». فقال : «الفاء» : عاطفة ، «قال» : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو». كوني : فعل أمر ناقص ، و «الياء» : ضمير في محلّ رفع اسم «كان».

عقيرا : خبر «كان» منصوب.

وجملة «أتاها» : بحسب ما قبلها. وجملة «قال» : معطوفة على (أتاها). وجملة «كوني عقيرا» : في محلّ نصب مقول القول.

الشاهد : قوله : «أحيمر» حيث نوّنه للضرورة مع أنّه من حقّه المنع من الصرف.

٨٣٦ ـ التخريج : البيت لأبي كبير الهذلي في خزانة الأدب ٨ / ١٩٢ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ؛ وشرح أشعار الهذليين ص ١٠٧٢ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٥ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٢٢٧ ، ٢ / ٩٦٣ ؛ وشرح المفصل ٦ / ٧٤ ؛ والشعر والشعراء ٢ / ٦٧٥ ؛ والكتاب ١ / ١٠٩ ؛ ولسان العرب ١١ / ٦٨٨ (هبل) ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٥٥٨ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣٥٦ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٤٣ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٦٨٦.

اللغة : حملن : الضمير يعود إلى النساء وإن لم يجر لهن ذكر. الحبك : الطرائق. النطاق : الإزار ، ما تشده المرأة في حقوها. المهبّل : المدعو عليه بالهبل وهو الثكل ، وقيل : هو المعتوه الذي لا يتماسك.

المعنى : إن هذا الفتى من الفتيان الذين حملت أمهاتهم بهم وهن غير مستعدات للفراش فنشأ محمودا مرضيّا.

الإعراب : «ممن» : «من» : حرف جر ، «من» : اسم موصول مبني على السكون في محل جر بحرف الجر ، والجار والمجرور متعلقان بلفظ في بيت سابق. «حملن» : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة والنون ضمير متصل في محل رفع فاعل. «به» : جار ومجرور متعلقان بالفعل «حملن». «وهن» :

١٥٠

لأجل حركة. فزيادة الحرف نحو ما تقدّم ، والذي يجيء منه لأجل حركة ، نحو قوله [من الطويل] :

٨٣٧ ـ إذا ما غزوا بالجيش حلّق فوقهم

عصائب طير تهتدي بعصائب

فصرف «عصائب» لأنّ القافية مخفوضة ، فلو صرفنا ما في آخره ألف لم يكن في صرفه فائدة ، لأنّه مستوي الرفع والنصب والخفض ، ولأنّه إذا زيد فيه التنوين ، سقطت الألف لالتقاء الساكنين فنقص بقدر ما يزيد.

__________________

«الواو» : حالية ، «هن» : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. «عواقد» : خبر مرفوع بالضمة الظاهرة. «حبك» : مفعول به لاسم الفاعل عواقد منصوب بالفتحة. «النطاق» : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. «فعاش» : «الفاء» : عاطفة ، «عاش» : فعل ماض مبني على الفتحة الظاهرة ، والفاعل (هو). «غير» : حال منصوبة بالفتحة. «مهبّل» : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

وجملة «حملن» : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة «عاش» : معطوفة على السابقة لا محل لها من الإعراب. وجملة «هن عواقد» : في محل نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «عواقد» : فهذه الكلمة على صيغة منتهى الجموع وهي تقتضي المنع من صرف الاسم ، ولكن الشاعر قد صرف هذه الكلمة ونونها حين اضطر لإقامة الوزن.

٨٣٧ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٤٢ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٢٨٩ ؛ والشعر والشعراء ص ١٧٥ ؛ ولسان العرب ١ / ٦٠٥ (عصب) ، ١٠ / ٦٣ (حلق) ؛ وبلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ٢٢٧ ؛ وشرح المفصل ١ / ٦٨.

المعنى : يشير الشاعر إلى قوة الجيش وشدة فتكه بالأعداء ، فالطيور الجوارح تتبع هذا الجيش لتأكل من حثث القتلى.

الإعراب : إذا : ظرفية شرطية متعلقة بالجواب. ما : زائدة لا عمل لها. غزوا : فعل ماض مبني على الضم على الألف المحذوفة لاتصاله بواو الجماعة ، و «الواو» : ضمير متصل في محل رفع فاعل و «الألف» : للتفريق. بالجيش : جار ومجرور متعلقان بالفعل «غزوا». حلق : فعل ماض مبني على الفتح. فوقهم : «فوق» : مفعول فيه ظرف مكان منصوب متعلق ب «حلّق» ، و «هم» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. عصائب : فاعل مرفوع بالضمة. طير : مضاف إليه مجرور بالكسرة. تهتدي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره : (هي). بعصائب : جار ومجرور متعلقان بالفعل تهتدي.

وجملة «غزوا» : في محل جر بالإضافة. وجملة «حلق» : جواب شرط غير جازم لا محل لها. وجملة «تهتدي» : في محل نصب حال. وجملة «إذا ما غزوا .. خلّق» ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «بعصائب» حيث صرف ما حقه المنع من الصرف لأن القافية مخفوضة وهذا لا يجوز إلا لضرورة شعرية.

١٥١

وزعم أهل الكوفة أنّه لا يجوز في الضرورة صرف «أفعل من» (١). وذلك أن التنوين عندهم إنّما حذف منه لأجل «من» ، فلا يمكن أن يجتمع معها كما لا يجتمع التنوين مع الإضافة. وصرفه عندنا جائز ، لأنّ الذي منعه من الصرف ، إنّما هو وزن الفعل والصفة كأحمر ، بدليل صرف «خير منك» و «شرّ منك» ، وإن كانت من باقية فيه ، لزوال الوزن.

ومن زيادة الحرف أيضا التنوين الذي يلحق المنادى في الضرورة ، نحو قوله [من الوافر] :

٨٣٨ ـ سلام الله يا مطر عليها

[وليس عليك يا مطر السلام]

وقول الآخر وهو مهلهل [من الخفيف] :

ضربت صدرها إليّ وقالت

يا عديّ لقد وقتك الأواقي(٣)

وقد تقدّم الخلاف في ذلك بين سيبويه وأبي عمرو.

__________________

(١) انظر المسألة التاسعة والستين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٤٨٨ ـ ٤٩٣.

٨٣٨ ـ التخريج : البيت للأحوص في ديوانه ص ١٨٩ ؛ والأغاني ١٥ / ٣٣٤ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ١٥٠ ، ١٥٢ ، ٦ / ٥٠٧ ؛ والدرر ٣ / ٢١ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٦٠٥ ، ٢ / ٢٥ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٧١ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٦ ؛ والكتاب ٢ / ٢٠٢ ؛ وبلا نسبة في الأزهيّة ص ١٦٤ ؛ والأشباه والنظائر ٣ / ٢١٣ ؛ والإنصاف ١ / ٣١١ ؛ وأوضح المسالك ٤ / ٢٨ ؛ والجنى الداني ص ١٤٩ ؛ والدرر ٥ / ١٨٢ ؛ ورصف المباني ص ١٧٧ ، ٣٥٥ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٨ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٥١٧ ؛ ومجالس ثعلب ص ٩٢ ، ٥٤٢ ؛ والمحتسب ٢ / ٩٣.

الإعراب : سلام : مبتدأ مرفوع ، وهو مضاف. الله : اسم الجلالة مضاف إليه مجرور. يا : حرف نداء. مطر : منادى مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب على النداء. عليها : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر المبتدأ. وليس : الواو : حرف عطف ، ليس : فعل ماض ناقص. عليك : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر «ليس». يا : حرف نداء. مطر : منادى مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب على النداء. السلام : اسم «ليس» مرفوع.

وجملة (سلام الله ...) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (يا مطر) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها اعتراضيّة. وجملة (ليس عليك ...) الفعليّة معطوفة على جملة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة (يا مطر) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها اعتراضيّة.

والشاهد فيه قوله : «يا مطر» ، والقياس : يا مطر بالبناء على الضمّ ، لأنه منادى مفرد علم ، ولكنّ الشاعر نوّنه اضطرارا لإقامة الوزن.

(٢) تقدم بالرقم ٥٠٠.

١٥٢

ومن زيادة الحرف أيضا الحروف التي تلحق القوافي المطلقة نحو قوله [من الوافر]

٨٣٩ ـ أقلّي اللوم عاذل والعتابا

 ... (١)

وقول جرير [من الوافر] :

متى كان الخيام بذي طلوح

سقيت الغيث أيّتها الخيام

وقول امرى القيس [من الطويل].

 ...

بين الدخول فحومل(٣)

وكذلك التنوين المبدل منها ، نحو : «العتابا» ، و «الخيام» ، و «فحومل» ، إلّا أنّ التنوين إنّما يبدل منها في الوصل ، خاصة نحو قوله [من الوافر] :

[متى كان الخيام بذي طلوح

سقيت الغيث] أيتها الخيام

__________________

(١) تقدم بالرقم ١٣.

٨٣٩ ـ التخريج : البيت لجرير في ديوانه ص ٢٧٨ ؛ والأغاني ٢ / ١٧٩ ؛ وجمهرة اللغة ص ٥٥٠ ؛ والجنى الداني ص ١٧٤ ؛ وخزانة الأدب ٠ / ١٢١ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٤٩ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣١١ ، ٢ / ٧٨٥ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٦١٧ ؛ وشرح المفصل ٩ / ٧٨ ؛ والكتاب ٤ / ٢٠٦ ؛ ومعجم ما استعجم ص ٨٩٣ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٤٦٩ ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ١٦٤ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٤٧٩ ، ٤٨٠ ، ٤٨١ ، ٤٩٣ ، ٥٠٢ ، ٥٠٣ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٧٦٢ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٣٤٩ (روي) ، ١٥ / ٢٠٩ (قوا) ؛ والمنصف ١ / ٢٢٤.

اللغة : ذو طلوح : واد في أرض بني العنبر من تميم ، سمي به لكثرة شجر الطلح به ، وهو شجر عظيم ترعاه الإبل. الغيث : المطر.

المعنى : يتساءل الشاعر فيقول : متى كانت الخيام منصوبة في هذا المكان ومتى فارقه أهله ، ثم يتوجه بالدعاء ـ وهو يتذكر أهل هذه الخيام ـ أن ينزل عليها المطر.

الإعراب : متى : اسم استفهام في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالفعل «كان» بعده أو بخبره. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الخيام : اسمها مرفوع بالضمة. بذي : «الباء» : حرف جر ، «ذي» : اسم مجرور بالباء وعلامة جرة الياء لأنه من الأسماء الستة ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب خبر كان. طلوح : مضاف إليه مجرور. سقيت : فعل مضارع مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. أيتها : «أية» : منادى نكرة مقصودة ، بحرف نداء محذوف مبني على الضم في محل نصب على النداء ، و «ها» : حرف تنبيه لا محل له. الخيامو : بدل من أيتها مرفوع مثله على البناء وقد أشبعت الضمة فقلبت واوا.

وجملة «كان الخيام بذي» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «سقيت الغيث» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «الخيامو» حيث أشبعت الضمة التي على الميم ، فتولدت واو الإشباع.

(٢) تقدم بالرقم ١٦٢.

١٥٣

بنفسي من تجنّبه عزيز

عليّ ومن زيارته لمام

ومن أمسي وأصبح لا أراه

ويطرقني إذا هجع النيام

فأمّا حروف الإطلاق التي هي الياء والواو والألف ، فإنّها تثبت وصلا ووقفا ، وقد أحكم ذلك في كتاب الوقف.

فأما صرف ما لا ينصرف وتنوين المنادى ، فمن باب ردّ الفرع إلى الأصل ، لأنّ الأصل في المنادى والاسم الذي لا ينصرف أن يكونا منوّنين.

وأما لحاق حرف الإطلاق فلتبيّن الإعراب والترنّم الذي يكون في الشعر ، فهو مشبه بالحروف التي تلحق في الوقف لبيان الحركة.

ومن زيادة الحرف أيضا ثبات الحروف التي تلحق لبيان الحركة في الوصل. وبابه أن لا تلحق إلّا في الوقف تشبيها للوقف بالوصل ، نحو قوله [من الوافر] :

أنا سيف العشيرة فاعرفوني

حميدا قد تذرّيت السناما(١)

وقول الآخر [من المتقارب] :

٨٤٠ ـ فكيف أنا وانتحالي القوافي

بعد المشيب كفى ذاك عارا

__________________

(١) تقدم بالرقم ١٩٢.

٨٤٠ ـ التخريج : البيت لجرير في ديوانه ص ٥٤٩ (مع تغيير العجز والقافية) ؛ ولسان العرب ١٢ / ٢٩ (أمم) ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٣٠٨ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٥٦٥.

اللغة : انتحال القوافي : سرقة الشعر ونسبتها للنفس.

المعنى : ينفي الشاعر عن نفسه أن يكون بعد المشيب يأخذ الشعر من الآخرين ويدعيه لنفسه ، وهو الشاعر المعروف منذ صغره.

الإعراب : فكيف : «الفاء» : استئنافية ، «كيف» : اسم استفهام في محل رفع خبر مقدم. أنا : ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ مؤخر. وانتحالي : «الواو» : واو المعية ، «انتحالي» : مفعول معه منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل الياء و «الياء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. القوافي : مفعول به منصوب للمصدر انتحال. بعد : مفعول فيه ظرف زمان متعلق بالمصدر «انتحال». المشيب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. كفى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر. ذاك : «ذا» : اسم إشارة في محل رفع فاعل ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. عارا : تمييز منصوب بالفتحة.

وجملة «كيف أنا» : استئنافية لا محل لها. وجملة «كفى ذاك» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «فكيف أنا وانتحالي» حيث أثبت ألف «أنا» في الوصل والأصل فيها الحذف.

١٥٤

فأثبت ألف «أنا» في الوصل ، وبابها الحذف. ونحو قوله أيضا [من الرجز] :

يا مرحباه بحمار ناجيه(١)

فأثبت الهاء في الوصل ، وإنّما بابها أن تلحق في الوقف أيضا. فإن قيل : فإذا كان ذلك من الضرائر ، فكيف جاز لمن قرأ : (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ)(٢). وأمثاله بإثبات الألف؟ فالجواب : إنّ ذلك جائز على نية الوقف فقصر زمن الوقف يوهم وصلا. وعلى هذا ينبغي أن يحمل (كِتابِيَهْ إِنِّي)(٣) وأمثاله.

ومن زيادة الحرف أيضا قطع ألف الوصل في الحشو تشبيها لها في ذلك الموضع بكونها مبتدأة. وأكثر ما يكون ذلك في أوائل أنصاف الأبيات ، لأنّها إذ ذاك كأنّها في ابتداء الكلام ، نحو قوله [من الكامل] :

٨٤١ ـ ولا يبادر بالعشاء وليدنا

ألقدر ينزلها بغير جعال

وقول الآخر [من البسيط] :

٨٤٢ ـ لتسمعنّ سريعا في دياركم

ألله أكبر يا ثارات عثمانا

__________________

(١) تقدم بالرقم ٥١٧.

(٢) سورة الممتحنة : ١.

(٣) سورة الحاقة : ١٩ ـ ٢٠.

٨٤١ ـ التخريج : البيت للبيد العامري في شرح شواهد الشافية ١٨٧ ؛ وليس في ديوانه ؛ ولحاجب بن حبيب الأسدي في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٧٤ ؛ وبلا نسبة في الدرر ٦ / ٣١٣ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٦٦ ؛ والكتاب ٤ / ١٥٠ ؛ ولسان العرب ٦ / ١٩٠ (كأس) ، ١١ / ١١٢ (جعل).

اللغة : الجعال : الخرقة التي تنزل بها القدر عن النار.

المعنى : يصف الشاعر أولاده بحسن الأدب ، وبأنهم لا يبدأون الطعام قبل الضيف أو قبل غيرهم ، ويحسنون أيضا التصرف.

الإعراب : ولا يبادر : «الواو» : حسب ما قبلها ، «لا» : نافية لا عمل لها ، «يبادر» : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة. بالعشاء : جار ومجرور متعلقان بالفعل «يبادر». وليدنا : «وليد» : فاعل مرفوع بالضمة ، و «نا» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. القدر : مفعول به لفعل محذوف منصوب بالفتحة. ينزلها : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره : (هو) ، و «ها» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. بغير : جار ومجرور متعلقان بالفعل ينزلها. جعال : مضاف إليه مجرور.

وجملة «لا يبادر وليدنا» : حسب ما قبلها. وجملة «ينزل القدر» : في محل نصب حال. وجملة «ينزلها» : تفسيرية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «القدر» حيث قطع ألف الوصل في كلمة «القدر» للضرورة.

٨٤٢ ـ التخريج : البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص ٢١٦ ؛ ولسان العرب ٤ / ٩٦ ، ٩٨ (ثور) ،

١٥٥

فقطع ألف الوصل في القدر وفي الله.

وذهب ابن كيسان إلى أنّ الهمزة التي مع لام التعريف همزة قطع ، إلّا أنّها حذفت تخفيفا. واستدلّ على ذلك بكثرة وجودها في أوائل الأنصاف. وقد تقدّم الردّ عليه في موضعه.

ومما يبيّن أنّ قطعها في أوائل الأنصاف ليس بخاص مع لام التعريف قوله [من السريع] :

لا نسب اليوم ولا خلّة

إتسّع الخرق على الراقع(١)

فقطع ألف «اتّسع» لمّا جاءت في أول النصف الثاني. وقد تقطع في حشو البيت ، وذلك قليل جدّا ، نحو قوله ، وهو قيس بن الخطيم [من الطويل] :

٨٤٣ ـ إذا جاوز الإثنين سرّ فإنّه

ببثّ وتكثير الوشاة قمين

__________________

١٠ / ٥١٣ (وشك) ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٧ / ٢١٠ ؛ ورصف المباني ص ٤١ ؛ والمنصف ١ / ٦٨.

الإعراب : لتسمعن : «اللام» : لام رابطة لجواب القسم ، «تسمعن» : فعل مضارع مرفوع بالنون لأنه من الأفعال الخمسة ، والنون حذفت لتوالي الأمثال ، فالتقى ساكنان واو الجماعة ونون التوكيد ، فحذفت واو الجماعة ، و «النون» : نون التوكيد الثقيلة ، و «الواو» : المحذوفة في محل رفع فاعل. سريعا : حال منصوبة بالفتحة. في : حرف جر. دياركم : «ديار» : اسم مجرور بالكسرة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، و «الميم» : للجمع ، والجار والمجرور متعلقان بحال محذوفة من الفاعل. الله : لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع بالضمة. أكبر : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. يا ثارات : «يا» : حرف نداء «ثارات» : منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الكسرة عوضا عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم. عثمانا : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة «لتسمعن» : جواب قسم ، والتقدير : والله لتسمعن ، لا محل لها. وجملة «الله أكبر» : في محل نصب مفعول به. وجملة «يا ثارات عثمان» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «الله أكبر» حيث قطع ألف الوصل في لفظ الجلالة وحقه في الأصل أن تكون ألفه ألف وصل.

(١) تقدم بالرقم ١٥٦.

٨٤٣ ـ التخريج : البيت لقيس بن الخطيم في ديوانه ص ١٦٢ ؛ وحماسة البحتري ص ١٤٧ ؛ والدرر ٦ / ٣١٢ ؛ وسمط اللآلي ص ٧٩٦ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ١٨٣ ؛ ولسان العرب ٢ / ١٩٤ (نثث) ، ١٣ / ٣٤٧ (قمن) ، ١٤ / ١١٧ (ثني) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٥٦٦ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٢٠٤ ؛ ولجميل بثينة في ملحق ديوانه ص ٢٤٥ ؛ وكتاب الصناعتين ص ١٥١ ؛ وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٤٢ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢٦٥ ؛ وشرح المفصل ٩ / ١٩ ، ١٣٧ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٢١١.

١٥٦

بقطع همزة «اثنين».

ومن زيادة الحرف أيضا تشديد الآخر في الوصل. وبابه أن يكون في الوقف كما تقدّم ، نحو قوله [من الرجز] :

٨٤٤ ـ ببازل وجناء أو عيهلّ

__________________

اللغة : القمين : الجدير بالشيء.

المعنى : إن السر لا يعود سرا إذا جاوز الاثنين ، ومن يدع سره بين الناس فهو جدير بما سيلحق به جراء ذلك.

الإعراب : إذا : ظرفية شرطية متعلقة بالجواب. جاوز : فعل ماض مبني على الفتح الظاهر. الاثنين : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بالمثنى ، و «النون» : عوض عن التنوين في الاسم المفرد. سر : فاعل مرفوع بالضمّة. فإنه : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «إن» : حرف مشبه بالفعل ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل نصب اسم إن. ببث : جار ومجرور متعلقان بخبر إن. وتكثير : «الواو» : حرف عطف ، «تكثير» : اسم معطوف على مجرور ، مجرور مثله بالكسرة. الوشاة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. قمين : خبر إن مرفوع بالضمة.

وجملة «جاوز سر» : في محل جر بالإضافة. وجملة «إنه قمين» : جواب شرط غير جازم لا محل لها ، وجملة «إذا جاوز سر ... فإنه قمين» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «الإثنين» حيث قطع ألف «الاثنين» الوصلية للضرورة.

٨٤٤ ـ التخريج : الرجز لمنظور بن مرثد في خزانة الأدب ٦ / ١٣٥ ، ١٢٦ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٧٦ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٧٦ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ٢٤٦ ؛ ولسان العرب ١١ / ٤٨١ (عهل) ؛ ونوادر أبي زيد ص ٥٣ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٨٠ ؛ وجواهر الأدب ص ٩٤ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٤٩٤ ؛ والخصائص ٢ / ٣٥٩ ؛ ورصف المباني ص ١٦٢ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ١٦١ ، ٤١٧ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣١٨ ؛ وشرح المفصل ٩ / ٦٨ ؛ والكتاب ٤ / ١٧٠ ؛ ولسان العرب ١ / ٢٥٥ (جدب) ، ٧ / ٤٦٧ (ملظ) ، ١١ / ٤٩ (بدل) ، ٥٧٠ (قندل) ، ١٣ / ٥٢٦ (فوه) ، ١٤ / ٢٩٨ (دمى) ؛ والمحتسب ١ / ١٠٢ ، ١٣٧ ؛ والممتع في التصريف ١ / ١١١ ؛ والمنصف ١ / ١١.

اللغة : الوجناء : الناقة الشديدة. العيهل : الناقة السريعة.

المعنى : يقول في بيت سابق : إن تبخلي يا هند أو ... نسل عنك بالسفر على هذه الناقة الشديدة الفتية.

الإعراب : «ببازل» : جار ومجرور متعلقان بالفعل «نسل» في البيت السابق. «وجناء» : صفة مجرورة وعلامة جرها الفتحة نيابة عن الكسرة لأنها ممنوعة من الصرف. «أو عيهل» : «أو» : حرف عطف ، «عيهل» : اسم معطوف مجرور بالكسرة.

والشاهد فيه قوله : «عيهل» حيث زاد حرفا بتشديده الآخر في الوصل ، وذلك للضرورة.

١٥٧

فشدّد اللام من «عيهل» مع وصل اللام بحرف الإطلاق. وكذلك قول الآخر [من الرجز] :

في عامنا ذا بعدما أخصبّا(١)

تشبيها للوصل بالوقف.

وجميع هذه الزيادات التي ذكرنا مقيس في الشعر. وأما الزيادة غير المقيسة فزيادة نون مشددة بعد الآخر تشبيها أيضا بالتشديد الذي يكون في الوقف ، إلّا أنّ الزيادة التي تكون في الوقف واحدة وهنا زيادتان ، فلذلك بعد التشبيه ولم يقس ، نحو قوله [من الرجز] :

٨٤٥ ـ قطنّنة من جيّد القطننّ

يريد : القطن.

وقد يلتزمون فتح ما قبل هذه النون نحو قوله [من الرجز] :

٨٤٦ ـ أحبّ منك موضع الوشحنّ

وموضع الإزار والقفنّ

يريد الوشح والقفا فحذف ألف القفا لالتقاء الساكنين وفتح ما قبل النون تشبيها لها بالنون الشديدة التي تلحق الفعل المضارع.

وكذلك أيضا زيادة حرف مدّ ولين قبل الآخر في جمع الرباعي تشبيها له بجمع

__________________

(١) تقدم بالرقم ٧٥٠.

٨٤٥ ـ التخريج : الرجز لجندل بن المثنى في لسان العرب ١ / ٢٥٥ (جدب) ، ١١ / ٤١٣ (طول) ؛ ولدهلب بن قريع في لسان العرب ١٣ / ٣٤٤ (قطن) ؛ وبلا نسبة في الممتع في التصريف ١ / ١٢٦. وقبله :

* كأنّ مجرى دمعها المستنّ

الإعراب : قطننة : خبر «كأن» مرفوع بالضمة. من جيد : جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت ل (قطننة). القطنن : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

والشاهد فيه قوله : «القطنن» في «القطن» حيث زاد نونا مشدّدة للضرورة الشعرية.

٨٤٦ ـ التخريج : الرجز لدهلب بن قريع في لسان العرب ٢ / ٦٣٢ (وشح) ؛ والتنبيه والإيضاح ١ / ٢٧٩ ؛ وبلا نسبة في لسان العرب ١٣ / ٣٤٦ (قفن) ؛ وكتاب العين ٥ / ١٧٦ ، ٢٢٢ ؛ وتهذيب اللغة ٥ / ١٤٦ ، ٩ / ١٩١ ؛ وتاج العروس (قفن).

اللغة : الوشاح : نسيج عريض تشده المرأة بين عاتقها وكشحيها. القفن : القفا.

الإعراب : أحب : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره : (أنا). منك : جار ومجرور متعلقان بحال من «موضع». موضع : مفعول به منصوب بالفتحة. الوشحن : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة. وموضع : «الواو» : حرف عطف ، «موضع» : اسم معطوف على منصوب منصوب

١٥٨

الخماسي ، فتقول في جمع «درهم» : «دراهيم» ، قال الشاعر [من البسيط] :

٨٤٧ ـ تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة

نفي الدراهيم تنقاد الصياريف

فزاد في «الدراهم» و «الصيارف» وهما جمع «درهم» و «صيرف».

__________________

مثله بالفتحة. الإزار : مضاف إليه مجرور بالكسرة. والقفن : «الواو» : حرف عطف ، «القفن» : اسم معطوف على «موضع» منصوب مثله.

وجملة «أحب موضع» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «الوشحن والقفن» حيث أراد الوشح والقفا فحذف ألف القفا لالتقاء الساكنين وفتح ما قبل النون تشبيها لها بنون التوكيد الثقيلة التي تلحق بالفعل المضارع.

٨٤٧ ـ التخريج : البيت للفرزدق في الإنصاف ١ / ٢٧ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٤٢٤ ، ٤٢٦ ؛ وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٥ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٣٧١ ؛ والكتاب ١ / ٢٨ ؛ ولسان العرب ٩ / ١٩٠ (صرف) ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٥٢١ ؛ ولم أقع عليه في ديوانه ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٤٥ ؛ والأشباه والنظائر ٢ / ٢٩ ؛ وأوضح المسالك ٤ / ٣٧٦ ؛ وتخليص الشواهد ص ١٦٩ ؛ وجمهرة اللغة ص ٧٤١ ؛ ورصف المباني ١٢ ، ٤٤٦ ؛ وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٦٩ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٣٧ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٤٧٧ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٤١٦ ؛ ولسان العرب ١ / ٦٨٣ (قطرب) ، ٢ / ٢٩٥ (سحج) ، ٣ / ٤٢٥ (نقد) ، ٨ / ٢١١ (صنع) ، ١٢ / ١٩٩ (درهم) ، ١٥ / ٣٣٨ (نفي) ؛ والمقتضب ٢ / ٢٥٨ ؛ والممتع في التصريف ١ / ٢٠٥.

اللغة : شرح المفردات : تنفي : تفرّق ، تدفع. الحصى : الحجارة الصغيرة. الهاجرة : اشتداد الحرّ عند الظهيرة. تنقاد : من نقد الدنانير أي نظر فيها ليميّز جيّدها من رديئها. الصياريف : ج صيرفي وصيرف.

المعنى : يقول الشاعر واصفا ناقته بأنّها تفرّق الحصى بيديها عند الظهيرة ، وقت اشتداد الحرّ ، كما يفرّق الصيرفيّ الدنانير.

الإعراب : تنفي : فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الياء للثقل. يداها : فاعل مرفوع بالألف لأنّه مثنّى ، وهو مضاف ، و «ها» ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. الحصى : مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على الألف للتعذّر. في : حرف جرّ. كلّ : اسم مجرور بالكسرة. والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «تنفي» ، وهو مضاف. هاجرة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. نفي : مفعول مطلق منصوب بالفتحة ، وهو مضاف. الدراهيم : مضاف إليه مجرور بالكسرة. تنقاد : فاعل «نفي» مرفوع بالضمّة الظاهرة ، وهو مضاف. الصياريف : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

الشاهد فيه قوله : «نفي الدراهيم تنقاد الصياريف» حيث زاد في كلّ من «الدراهم» و «الصيارف» حرفا ، وهذا للضرورة.

١٥٩

ومن ذلك زيادة حرف مدّ ولين إشباعا للحركة. فممّا جاء من ذلك في الياء [من الطويل] :

يحبّك قلبي ما حييت فإن أمت

يحبّك عظم في التراب تريب(١)

أراد تربا.

ومما جاء من ذلك في الألف قوله [من الرجز] :

أعوذ بالله من العقراب

الشائلات عقد الأذناب(٢)

ومما جاء من ذلك في الواو قوله [من البسيط] :

 ...

من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور(٣)

ومن الزيادة ما اختلف في جوازه في الضرورة وهو مدّ المقصور. فمذهب أهل البصرة أنّه لا يجوز أصلا لأنّه لا يثبت سماعا ولا يقبله قياس ، لأنّه ليس فيه رجوع إلى أصل ولا تشبيه غير جائز بجائز.

ومذهب أهل الكوفة أنّه يجوز (٤) ، وهو مذهب الفراء أيضا ، إلّا أنّ الفراء لم يجزه إلّا بشرط أن يكون المقصور ليس له قياس يوجب قصره ، نحو : «رحى» مثلا ، فإن كان له ما يوجب قصره لم يجز مدّه عنده ، نحو : «سكرى» ، فإنّه لا يجوز ، لأنّه مؤنث سكران ، وفعلى فعلان لا يكون إلّا مقصورا.

وكلّ ذلك عندنا فاسد.

واستدلوا على ذلك بقول الشاعر [من الوافر] :

٨٤٨ ـ سيغنيني الذي أغناك عنّي

فلا فقر يدوم لا غناء

__________________

(١) تقدم بالرقم ٢٤.

(٢) تقدم بالرقم ٢٣.

(٣) تقدم بالرقم ٢٢.

(٤) انظر المسألة التاسعة بعد المئة في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٧٤٥ ـ ٧٥٤.

٨٤٨ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الإنصاف ص ٧٤٧ ؛ وتذكرة النحاة ص ٥٠٩ ؛ والدرر ٦ / ٢٢٢ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٦٥٨ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٩٣ ؛ وشرح ديوان زهير ص ٧٣ ؛ ولسان العرب ١٥ / ١٣٦ (غنا) ؛ والمقاصد النحويّة ٤ / ٥١٣ ؛ والمنقوص والممدود ص ٢٨.

١٦٠