تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٩

شاء. كذلك ربنا. لم يزل ربا عالما سميعا بصيرا.

وفي كتاب علل الشرايع (١) : بإسناده الى أبي خديجة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : سأل أبي ـ عليه السلام ـ رجل. وقال : حدثني عن الملائكة ، حين ردوا على الرب ، حيث غضب عليهم. وكيف رضي عنهم؟

فقال : ان الملائكة ، طافوا بالعرش ، سبع سنين (٢). يدعونه. ويستغفرونه.

ويسألونه أن يرضى عنهم. فرضي عنهم ، بعد سبع [سنين] (٣).

فقال : صدقت. ومضى.

فقال أبي ـ عليه السلام ـ : هذا جبرئيل ـ عليه السلام ـ أتاكم يعلمكم معالم دينكم. والحديث طويل. أخذت منه ، موضع الحاجة.

وفي مجمع البيان (٤) : روى عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : ان الملائكة سألت الله تعالى ، أن يجعل الخليفة منهم. وقالوا : نحن نقدسك. ونطيعك. ولا نعصيك كغيرنا.

قال : فلما أجيبوا بما ذكر في القرآن ، علموا أنهم تجاوزوا ما لهم. فلاذوا بالعرش ، استغفارا. فأمر الله تعالى آدم ، بعد هبوطه ، أن يبني في الأرض بيتا ، يلوذ به المخطئون ، كما لاذ بالعرش الملائكة المقربون. فقال الله تعالى للملائكة اني أعرف بالمصلحة منكم. وهو معنى قوله : أعلم ما لا تعلمون] (٥).

(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) :

__________________

(١) علل الشرايع / ٤٠٧ ، مقاطع من ح ٢.

(٢) المصدر : سبعة آلاف سنة.

(٣) يوجد في ر والمصدر.

(٤) مجمع البيان ١ / ٧٥.

(٥) ما بين القوسين ليس في أ.

٣٤١

وذلك اما بخلق علم ضروري بها فيه ، أو إلقاء في روعه ، لا يفتقر الى سابقة اصطلاح ليتسلسل.

و «التعليم» : جعل الشيء ، عارفا بشيء ، من غير انتساب حكم اليه ، من العلم المتعدي الى مفعول واحد.

و «الاعلام» : جعل الشيء ، عالما بنسبة بين الشيئين. من العلم ، المتعدي الى مفعولين.

و «آدم» : اما من الأدمة ـ بضم الهمزة ـ أي : السمرة. والادمة ـ بفتحها ـ أي : الأسوة. أو الأدم والأدمة ـ بالفتح ـ ، أي : الألفة. أو أديم الأرض ، لما روي : أنه خمرت طينته ، من جميع وجه الأرض. وهو أديمها. ولذلك يأتي بنوه أصنافا (١).

[وفي كتاب علل الشرائع (٢) : بإسناده الى محمد الحلبي ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : انما سمي آدم ، آدم ، لأنه خلق من أديم الأرض.

وبإسناده (٣) الى عبد الله بن يزيد بن سلام ، أنه سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فقال : أخبرني عن آدم ، لم سمي آدم؟

قال : لأنه من طين الأرض وأديمها].

ووزنه على هذه التقادير ، أفعل ، أو اسم أعجمي على فاعل ، كآذر وعاذر وشالخ. فلا يكون مشتقا مما ذكر. لأن اشتقاق الأعجمي من العربي. غير معهود.

قيل (٤) : وهو أولى والأول ، تعسف (٥) كاشتقاق إدريس ، من الدرس ويعقوب ، من العقب وإبليس من الإبلاس. وهو اليأس.

__________________

(١) ر. علل الشرايع ١ / ٢ ، ح ١.

(٢) نفس المصدر ١ / ١٤ ، ح ١.

(٣) نفس المصدر ١٢ / ٤٧ ، ح ٣٣.

(٤) ر. الكشاف ١ / ١٢٥.

(٥) أ : نصف.

٣٤٢

والاسم في اللغة ، ما يكون علامة الشيء. يرفعه من مكمن الخفاء ، الى منصّة الظهور ، من الألفاظ والصفات والأفعال. وفي العرف ، اللفظ الموضوع لمعنى ، مركبا أو مفردا. فعلا كان ، أو حرفا ، أو غيرهما. وفي الاصطلاح ، يخص القسم الأخير. والاول والثاني ، متلازمان هنا.

فان العلم بالألفاظ ، من حيث الدلالة ، متوقف على العلم بالمعاني.

والمعنى : أنه سبحانه ، أراه الأجناس التي خلقها. وألقى في روعه : أن هذا ، اسمه فرس. وهذا ، اسمه بعير. وهذا ، اسمه كذا. وهذا ، اسمه كذا. وعلّمه أحوالها وما يتعلق بها ، من المنافع الدينية والدنيوية.

والذي يدل على ارادة العموم ، ما رواه الشيخ الطبرسي ، عن الصادق ـ عليه السلام ـ (١) أنه سئل عن هذه الاية. فقال : الأرضين والجبال والشعاب والأودية.

ثم نظر الى بساط تحته ، فقال : وهذا البساط ، مما علّمه.

[وفي بصائر الدرجات (٢) : أحمد بن محمد ويعقوب بن يزيد ، عن الحسن ابن علي بن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد الحلبي (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : ان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قال : ان (٤) الله مثل لي أمتي ، في الطين. وعلمني أسماءهم [كلها] (٥) كما علم آدم الأسماء ، كلها.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٧٦.

(٢) بصائر الدرجات / ١٠٣ ، صدر حديث ١.

(٣) المصدر : محمد بن الحلبي.

(٤) «ان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قال :» ليس في المصدر. والظاهر أنه سقط منه.

(٥) يوجد في المصدر.

٣٤٣

محمد بن عيسى (١) ، عن النضر بن سويد ، عن الحسين بن موسى ، عن الحسين بن زياد ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ [قال] (٢) : أهدي الى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ والجوج. فيه حب مختلط. فجعل رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يلقي الى علي ، حبة حبة. ويسأله أي شيء هذا. وجعل علي يخبر.

فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : أما ان جبرئيل أخبرني أن الله علمك اسم كل شيء ، كما علم آدم الأسماء ، كلها.

وفي تفسير علي بن ابراهيم (٣) ، قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ ، كُلَّها) قال : أسماء الجبال والبحار والأودية والنبات والحيوان] (٤).

وأما ما رواه رئيس المحدثين ، في كتاب كمال الدين وتمام النعمة (٥) ، بإسناده عن الصادق ، جعفر بن محمد ـ عليهما السلام ـ : ان الله ـ تبارك وتعالى ـ علم آدم ـ عليه السلام ـ أسماء حجج الله تعالى ، كلها. ثم عرضهم وهم أرواح ، على الملائكة (. فَقالَ : أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بأنكم أحقاء (٦) بالخلافة في الأرض ، لتسبيحكم وتقديسكم ، من آدم.

(قالُوا : سُبْحانَكَ! لا عِلْمَ لَنا ، إِلَّا ما عَلَّمْتَنا. إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (يا آدَمُ! أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ).

(فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) ، وقفوا على عظيم منزلتهم ، عند الله تعالى ذكره. فعلموا

__________________

(١) نفس المصدر / ٤٣٨ ، ح ١.

(٢) يوجد في ر والمصدر.

(٣) تفسير القمي ١ / ٤٥.

(٤) ما بين القوسين : ليس في أ.

(٥) كمال الدين ١ / ١٣ ـ ١٤ ، مقدمة المصنف.

(٦) المصدر : أحق.

٣٤٤

أنهم (١) أحقاء (٢) بأن يكونوا خلفاء الله ، في أرضه وحججه على بريته. ثم غيبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبتهم. وقال لهم : الم أقل لكم اني أعلم غيب السموات والأرض؟ وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون؟

فيدل على العموم ـ أيضا ـ فان المعنى علم آدم ـ عليه السلام ـ أسماء الأشياء ، أي : صفاتهم المختصة بهم وصفات حججه ـ صلوات الله عليهم ـ أيضا ، ليظهر أنهم أحقاء بأن يكونوا خلفاء في أرضه. فانه لو لم يعلم أسماء الأشياء ، لجاز عند عقولهم ، مساواة جميع ما سواهم ، في تلك الأسماء ، فلا يظهر أحقية الحجج ، بالخلافة.

لا يقال : المراد أحقيتهم ، بالنسبة الى الملائكة. وهو يظهر ، بتعليم أسمائهم ، فقط.

قلنا : نعم. لكن أحقيتهم بالنسبة الى سائر ما من نوعهم ، كأنه معلوم للملائكة.

والنزاع ، انما وقع في أحقيتهم بالنسبة اليهم. لكن يظهر من تنزيههم فيما بعد واطمئنانهم أنه تعالى أظهر خاصية جميع الأشياء وأحوالها لهم وظهر لهم المزيّة.

هكذا ، حقق المقام ، حتى تتفطن لما قاله العلامة السبزواري ، في الجمع بين الحديثين ، من أن الأخير ، لا ينافي العموم. لأنه ـ عليه السلام ـ يمكن أن يقتصر في هذا الحديث ، على ما هو الأهم في هذا المقام وهو إراءتهم الأنبياء والأوصياء ، خصوصا ، خاتم النبيين وسيد الأولين والآخرين وأولاده المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ.

وقرئ : وعلم آدم الأسماء ـ على البناء للمفعول ـ.

(ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) :

__________________

(١) المصدر : أحق.

(٢) أ : أنه.

٣٤٥

وقرأ أبيّ : ثم عرضها. وقرأ ابن مسعود : ثم عرضهن.

والضمير على الاول ، للمسميات : اما على الاستخدام. وهو أن يذكر لفظ وأريد معنى. وبضميره ، معنى آخر ، كقوله :

إذا نزل السماء بأرض قوم

رعيناه. وان كانوا غضابا

أريد بالسماء ، المطر وبضميره ، النبت النابت به.

أو على حذف المضاف اليه وإقامته مقامه ، في افادة تعريف المضاف ، نحو :«واشتعل الرأس شيبا». ويكون من تغليب العقلاء الذكور ، على غيرهم.

وعلى الثاني والثالث ، للأسماء : اما على الاستخدام ـ ايضا ـ أو على حذف مضاف.

والمعنى : عرض مسمياتهن ، أو مسمياتها.

(فَقالَ : أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) :

الانباء : اخبار ، فيه اعلام.

فطلب العالم الانباء ، بما يعلمه ، تحصيل للحاصل. وأمر الجاهل بالانباء بما يجهله ، تكليف بما لا يطاق.

فالأمر هنا ، ليس على حقيقته. بل لإظهار عجزهم ، عن أمر الخلافة. فان الجاهل بأحوال المستخلف عليهم ، لا يتأتى منه ذلك.

(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١)) فيما يلزم مقالتكم. وهي أتجعل فيها ـ الى آخره ـ من دعوى استحقاقكم الخلافة.

والتصديق ، يتعلق بالانشاء ، باعتبار لازمه.

والمعنى : ان كنتم صادقين في دعواكم استحقاق الخلافة ، فأنبئوني بأسماء المستخلف عليهم وأحوالهم. فان منصب الخلافة ، لا يتيسر بدون ذلك.

(قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا)

٣٤٦

سبحان : مصدر ، كغفران. ويندر انقطاعه عن الاضافة. ويمتنع ، حينئذ ، من الصرف. ويحكم عليه ، بأنه علم لجنس التسبيح ، قال : سبحان من علقمة الفاخر.

وإذا أضيف ، ينتصب بفعل مضمر ، نحو : معاذ الله.

وتصدير الكلام به ، لتنزيه الحق سبحانه ، عن منقصة ينبئ الكلام عنها ، بالنسبة الى غيره ، كنفي العلم في الاية. والتوبة المنبئة عن الذنب ، في قول موسى ـ عليه السلام ـ : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) (١). ونسبة الظلم ، في قول يونس ـ عليه السلام ـ : (سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٢).

وهو ، اما مصدر مضاف الى المفعول ، ان كان قائما مقام فعل متعد ، مثل : نسبحك. أو الى الفاعل ، ان كان قائم مقام فعل لازم ، مثل : تنزهت.

والتقدير في قوله (إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) ، اما الّا علم ما علمتنا ، أو بسبب ما علمتنا ، ان كان «ما» موصولا ، أو بسبب تعليمك إيانا ، ان كانت مصدرية. أو لا علم لنا الا ما أعطيتناه ، على أن يراد بالتعليم ، جزء معناه. فان التعليم ، إعطاء العلم.

(إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢)) الذي لا يخفى عليك خافية الحكيم المحكم ، لمبدعاته الذي لا يفعل الا ما فيه ، حكمة بالغة.

و «أنت» ، فصل ، أو تأكيد للكاف ، كما. أو إبطال منفصلته. لأنها ليست حقيقية. ولا مانعة الجمع. وهو ظاهر. ولا مانعة الخلو ، لجواز ارتفاع جميع تلك الوجوه ، لما ذكرنا. اللهم الا أن يقال : انها ليست منفصلة. ولا يخفى ما فيه.

[وفي كتاب التوحيد (٣) : خطبة لعلي ـ عليه السلام ـ ويقول فيها : عجزت

__________________

(١) الاعراف / ١٤٣.

(٢) الأنبياء / ٨٧.

(٣) التوحيد / ٥٠.

٣٤٧

الملائكة على قربهم من كرسي كرامته وطول ولههم اليه وتعظيم جلال عزه وقربهم من غيب ملكوته ، أن يعلموا من أمره ، الا ما أعلمهم. وهم من ملكوت القدس ، بحيث هم. ومن معرفته ، على ما فطرهم عليه ، أن (قالُوا : سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). فما ظنك أيها السائل ، من هو هكذا؟] (١).

(قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) :

للرد عليهم. والتنبيه على أن فيمن يستخلفه ، فضيلة العلم التي هي مناط استتهال الاستخلاف.

وقرئ بقلب الهمزة ، ياء وبحذفها ، أيضا. والهاء ، مكسورة فيهما.

فلما أنبأهم بأسمائهم ، قال : ألم أقل لكم حيث قلت ، اني أعلم ما لا تعلمون.

(إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

فان ما لا يعلمون ، أعم من غيب السماوات والأرض. والقول بالعلم الأعم ، على وجه الشمول ، قول بالعلم ، بالأخص.

(وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣)) :

هذا ـ أيضا ـ من تتمة مقول القول. وانما يلزم القول به ، بالطريق الأولى.

لأنه إذا علم ما لا يعلمون فبالطريق الأولى ، يعلم ما يعلمون.

والمراد بالأول ، أحوالهم الظاهرة. وبالثاني ، الباطنة.

أو ، بالأول ، قولهم أتجعل ـ الى آخره ـ وبالثاني ، ما يلزمه من استبطانهم ، أنهم أحقاء بالخلافة.

أو ، بالأول ، ما أظهروا من الطاعة. وبالثاني ، ما أسر منهم إبليس ، من المعصية.

__________________

(١) ما بين القوسين ، ليس في أ.

٣٤٨

وفي الاية دلالة :

على أن العلوم ، كلها ، من جهته تعالى. والأمر ، كذلك. لأنها ، اما ضرورية ، فعلها الله ، أو نظرية ، أقام الأدلة عليها. فالعلم كله ، من عند الله.

وعلى شرف الإنسان ، من حيث أنه انسان.

وعلى مزيّة العلم ، على العبادة.

وعلى أنه شرط في الخلافة.

وأنه لا يكون الأسفل ، خليفة للأفضل. وأن له شرف التقدم. وقد قال : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (١).

قال بعض الفضلاء : وتأويل الاية في بعض بطونها ، أن الله سبحانه «علم آدم» ، أي : الأناسي الكاملين «أسماءه كلها» ، سواء كانت إلهية ، أو كونية. فان الحقيقة الانسانية الكمالية أحدية ، جمع (٢) الحقائق المظهرية الكمالية. والأسماء الالهية الظاهرة فيها وبها. فان الكل ، اسماء وتعينات وجوده. وتعليمهم إياه ، عبارة عن جعلهم عارفين بما ، في أنفسهم.

«ثم عرضهم» ، أي : أوردهم في معرض المعارضة ، للملائكة. فقال لهم ، أي : للملائكة : «أنبئوني» من حيث ظهوري فيهم. فان انبائي من هذه الحيثية ، انباؤهم بأسماء هؤلاء الأناسي الكاملين ، أي : بأسمائي المودعة فيهم ، إلهية كانت أو كونية. وإنباءكم عنها ، لا يتصور الا بتحققكم بها والظهور بأحكامها.

قالوا : سبحانك لا علم لنا بتلك الأسماء ، الا بما علمتنا بايداعه فينا.

وجعلنا عارفين به. وذلك لا يستوعب جميع تلك الأسماء. فكيف ننبئهم بها؟ (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) بما فينا وفيهم ، «الحكيم» المجري علينا أحكامنا ، على ما يقتضيه

__________________

(١) الزمر / ٩.

(٢) ر : جميع.

٣٤٩

علمك. وبهذا ظهر عدم استحقاق الملائكة للخلافة. لأن من شرطها الاحاطة بأحوال المستخلف عليه.

ثم أقبل سبحانه ، على آدم ، لإظهار استحقاقه لها. «فقال : (يا آدَمُ! أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) المودعة فيهم. فإنها بعض ما أودعنا فيك. فعلمك بتفاصيل ما فيك ، يستلزم العلم بما فيهم.

(فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ، قالَ) لهم : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ) سماوات الأسماء ، أي : ما استجن فيها ، من الأحكام والآثار وغيب أرض الحقائق الإمكانية ، من الاستعدادات الغير الظاهر ، الا بعد ظهور أحكام الأسماء وآثارها فيها. «وأعلم ما تبدون» لاقتضاء استعدادكم ابدائها ، من تلك الأحكام والآثار. «وأعلم ما كنتم تكتمون» لعدم وفاء استعدادكم ، بإبدائه.

وانما قال ، أولا ، أنبئوني ، وثانيا ، أنبئهم ، اشارة الى صحة اسناد الأفعال وإيقاعها على كل من الظاهر والمظهر.

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) :

عطف على الظرف السابق. ان نصبته بمضمر. والا عطف ، مع ما يقدّر عاملا فيه ، على الجملة المتقدمة ، لبيان نعمة رابعة عامة لجميع الناس.

والمراد بالملائكة ، كلهم.

وقيل : المراد ، ما عدا الملائكة المهيمنين الذين منذ خلقوا ، هاموا في جمال الله وجلاله. ولا شعور لهم ، بوجود العالم. فكيف بوجود آدم؟ وبعد ذلك ، اما مخصوصة بملائكة الأرضين ، أو أعم.

قيل : وهذا القول ، بعد الانباء واظهار فضل آدم ، على الملائكة.

والأظهر ، أنه أمرهم به ، قبل أن يسوى خلقه ، لقوله تعالى : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ، فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (١) ، امتحانا لهم وإظهارا لفضله. ولما

__________________

(١) ص / ٧٢.

٣٥٠

رويناه سابقا ، من قول امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ وكان ذلك من الله ، تقدمة في آدم ، قبل أن يخلقه واحتجاجا منه عليهم.

و «السجود» : الخضوع والتذلل. وصورته الكاملة ، وضع الجبهة على الأرض. وهو لله سبحانه ، على سبيل العبادة ولغيره على وجه التكرمة.

والمسجود له ، اما الله سبحانه. وآدم ، جعل قبلة. فاللام فيه ، كاللام في قول حسان :

أليس أول من صلى لقبلتكم

وأعرف الناس بالقرآن والسنن؟

أو سببا لوجوبه. فاللام فيه كاللام في قوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ ، لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) (١).

أو آدم. فاللام فيه ، كاللام ، في قولهم : سجدت له.

(فَسَجَدُوا) :

قيل : الضمير راجع الى المأمورين بالسجود ، أعم من الملائكة والجن.

فان الجن كانوا ـ ايضا ـ مأمورين. لكنه استغنى بذكر الملائكة ، عن ذكرهم.

فانه إذا علم ، أن الأكابر ، مأمورون بالتذلل لأحد والتوسل به ، علم ـ أيضا ـ أن الأصاغر مأمورون به.

[وفي تفسير العياشي (٢) : عن بدر بن خليل الأسدي ، عن رجل من أهل الشام ، قال : قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ : أول بقعة ، عبد الله عليها ، ظهر الكوفة ، لما أمر الله الملائكة ، أن يسجدوا لآدم. سجدوا على ظهر الكوفة] (٣).

(إِلَّا إِبْلِيسَ) :

اختلفوا في أنه من الملائكة ، أو من الجن. والحق هو الثاني. يدل عليه ،

__________________

(١) الاسراء / ٧٨.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٣٤ ، ح ١٨.

(٣) ما بين القوسين ، ليس في أ.

٣٥١

ما رواه علي بن ابراهيم (١).

قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : سئل عما ندب الله الخلق (٢) اليه ، أدخل فيه الضلّال؟

قال : نعم. والكافرون دخلوا فيه. لان الله ـ تبارك وتعالى ـ أمر الملائكة بالسجود لآدم ، فدخل في أمره الملائكة وإبليس وان (٣) إبليس كان مع (٤) الملائكة في السماء. يعبد الله. وكانت الملائكة تظن أنه منهم. ولم يكن منهم. فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ، أخرج ما كان في قلب إبليس ، من الحسد. فعلم الملائكة عند ذلك ، أن إبليس لم يكن منهم (٥).

فقيل له ـ عليه السلام ـ : فكيف وقع (٦) الأمر على إبليس وانما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟

فقال : كان إبليس منهم ، بالولاء. ولم يكن من جنس الملائكة. وذلك أن الله خلق خلقا ، قبل آدم وكان إبليس فيهم (٧) ، حاكما في الأرض. فعتوا. وأفسدوا.

وسفكوا الدماء. فبعث الله الملائكة. فقتلوهم وأسروا إبليس. ورفعوه الى السماء.

فكان (٨) مع الملائكة ، يعبد الله ، الى أن خلق الله ـ تبارك وتعالى ـ آدم.

وما رواه الشيخ الطبرسي (٩) ، عن رئيس المحدثين أبي جعفر بن بابويه ـ

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٣٥ ـ ٣٦.

(٢) ليس في أ.

(٣ و ٤) المصدر : فان. من.

(٥) المصدر : مثلهم.

(٦) كذا في المصدر. والأصل ور : وقع فكيف.

(٧) المصدر : منهم.

(٨) المصدر : وكان.

(٩) مجمع البيان ١ / ٨٢.

٣٥٢

رحمه الله ـ في كتاب النبوة ، بإسناده عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ. قال : سألته عن إبليس ، كان من الملائكة ، أو كان يلي شيئا ، من أمر السماء؟.

قال : كان من الجن. وكان مع الملائكة. وكانت الملائكة ترى أنه منها.

وكان الله سبحانه يعلم أنه ليس منها. فلما أمر بالسجود لآدم ، كان منه الذي كان.

وما وقع في القرآن ، من قوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ ، كانَ مِنَ الْجِنِ) (١) ، ومن قوله : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ ، وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٢) ، فنفى المعصية عنهم ، نفيا عاما.

وفي روضة الكافي (٣) : أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن دراج. قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن إبليس. أكان من الملائكة ، أم كان يلي شيئا من أمر السماء؟

فقال : لم يكن من الملائكة. ولم يكن يلي من أمر السماء. ولا كرامة. فأتيت الطيار. فأخبرته بما سمعت. فأنكره.

وقال : كيف لا يكون من الملائكة؟ والله ـ عز وجل ـ يقول : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ. فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ). فدخل عليه الطيار. وسأله وأنا عنده.

فقال له : جعلت فداك! أرأيت (٤) قوله ـ عز وجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، في غير مكان من مخاطبة المؤمنين؟ أيدخل في هذا المنافقون؟

قال : نعم. يدخل في هذا المنافقون والضلّال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة.

وفي أصول الكافي (٥) : علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن

__________________

(١) الكهف / ٥٠.

(٢) التحريم / ٦.

(٣) الكافي ٨ / ٢٧٤ ح ، ٤١٣.

(٤) المصدر : رأيت.

(٥) أصول الكافي ٢ / ٤١٢ ، ح ١.

٣٥٣

جميل. قال : كان الطيار يقول لي : إبليس ليس من الملائكة. وانما أمرت الملائكة بالسجود ، لآدم. فقال إبليس : لا أسجد. فما لإبليس يعصى حين لم يسجد. وليس هو من الملائكة.

قال : فدخلت أنا وهو ، علي أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ.

قال : فأحسن والله في المسألة.

فقال : جعلت فداك! أرأيت ما ندب الله ـ عز وجل ـ اليه المؤمنين ، من قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)؟ أدخل في ذلك المنافقون معهم؟

قال : نعم. والضلّال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة ، وكان إبليس ممن أقر بالدعوة الظاهرة معهم.

وبإسناده (١) الى أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : ان الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم. وكان في علم الله ، انه ليس منهم. فاستخرج ما في نفسه ، بالحمية والغضب. فقال : خلقتني من نار. وخلقته من طين.

الحسين بن محمد (٢) ، عن معلى بن محمد ، عمن أخبره ، عن علي بن جعفر.

قال : سمعت أبا الحسن ـ عليه السلام ـ يقول : لما رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ تيما وعديا وبني امية ، يركبون منبره ، أفظعه. فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ قرآنا ، يتأسى به ، (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ. أَبى). ثم أوحى اليه : يا محمد! اني أمرت ، فلم أطع. فلا تجزع أنت ، إذا أمرت ، فلم تطع ، في وصيك.

وفي كتاب الاحتجاج (٣) ، للطبرسي ـ رحمه الله ـ روى عن موسى بن جعفر

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٣٠٨ ، ح ٦.

(٢) نفس المصدر ١ / ٤٢٦ ، ح ٧٣.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣١٤

٣٥٤

ـ عليه السلام ـ عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي ـ عليهم السلام ـ قال : ان يهوديا من يهود الشام وأحبارهم ، قال لعلي ـ عليه السلام ـ في كلام طويل : هذا آدم ، أسجد الله له ملائكته ، فهل فعل بمحمد (١) شيئا من هذا؟

فقال له علي ـ عليه السلام ـ : لقد كان كذلك. ولئن أسجد الله لآدم ملائكته ، فان سجودهم ، لم يكن سجود طاعة [و] (٢) أنهم عبدوا آدم من دون الله ـ عز وجل ـ ولكن اعترافا لآدم (٣) ، بالفضيلة. ورحمة من الله ، له. ومحمد ـ صلى الله عليه وآله ـ أعطي ما هو أفضل من هذا ، ان الله ـ عز وجل ـ صلى عليه في جبروته والملائكة ، بأجمعها. وتعبد المؤمنون بالصلاة عليه. فهذه زيادة له ، يا يهودي!

وفي عيون الأخبار (٤) ، عن الرضا ـ عليه السلام ـ حديث طويل. وفيه : ان الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق آدم وأودعنا (٥) صلبه. وأمر الملائكة ، بالسجود له ، تعظيما لنا وإكراما. وكان سجودهم لله تعالى ، عبودية ولآدم ، إكراما وطاعة ، لكوننا في صلبه. فكيف لا نكون أفضل من الملائكة؟ وقد سجدوا لآدم ، كلهم أجمعون.

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة (٦) ، بإسناده الى محمد بن الفضل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ـ عليهما السلام ـ حديث طويل يقول فيه ـ عليه السلام ـ بعد أن ذكر وفاة آدم ـ عليه السلام ـ وهبة الله : حتى إذا بلغ الصلاة عليه ، قال هبة الله : يا جبرئيل! تقدم ، فصل على آدم.

__________________

(١) المصدر لمحمد.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) عيون الاخبار ١ / ٢٦٣. والحديث عن الرضا ، عن آبائه. عن رسول الله ـ صلوات الله عليهم أجمعن ـ.

(٥) المصدر : فأودعنا.

(٦) كمال الدين وتمام النعمة / ٢١٤.

٣٥٥

فقال له جبرئيل ـ عليه السلام ـ : يا هبة الله! ان الله أمرنا أن نسجد لأبيك في الجنة. فليس لنا أن نؤم أحدا من ولده.

وفي كتاب علل الشرايع (١) : بإسناده الى هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : لما أسري برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وحضرت الصلاة ، أذن جبرئيل وأقام الصلاة. فقال : يا محمد! تقدم.

فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : تقدم ، يا جبرئيل.

فقال له : انا لا نتقدم على الآدميين. منذ أمرنا بالسجود ، لآدم.

وفي كتاب التوحيد (٢) : عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ حديث طويل ، يقول في آخره : لعلك ترى أن الله انما خلق هذا العالم الواحد أو (٣) ترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم. بلى! والله لقد خلق الله ألف ألف عالم وألف ألف آدم ، أنت في آخر تلك العوالم. وأولئك الآدميين.

وقد سبق في الفاتحة.

وفي كتاب معاني الأخبار (٤) : بإسناده الى العباس بن هلال ، عن أبي الحسن الرضا ـ عليه السلام ـ أنه ذكر : أن اسم إبليس ، «الحرث» (٥). وانما قول الله ـ عز وجل ـ يا إبليس! يا عاصي! وسمي إبليس ، لأنه إبليس من رحمه الله ـ عز وجل ـ

وفي كتاب الخصال (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : الاباء ثلاثة :

__________________

(١) علل الشرائع / ٨ ، ح ٤.

(٢) التوحيد / ٢٧٧ ، ذيل حديث ٢.

(٣) المصدر : و.

(٤) معاني الاخبار / ١٣٧.

(٥) المصدر : الحارث.

(٦) الخصال ١ / ١٥٢.

٣٥٦

آدم ، ولد مؤمنا. والجان ، ولد كافرا ومؤمنا. وإبليس ، ولد كافرا. وليس فيهم نتاج. وانما يبيض ويفرخ. وولده ذكور. ليس فيهم أناث] (١).

(أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤)) :

أي : امتنع أشد امتناع عن قبول ما أمر به وتعظم على آدم.

وكان في علم الله ، قبل ظهور هذا الامتناع والاستكبار من الكافرين المطرودين.

فظهر آخرا ، ما كان أولا.

[وفي أصول الكافي (٢) : بإسناده الى موسى بن بكير (٣) ، قال : سألت أبا الحسن ـ عليه السلام ـ عن الكفر والشرك ، أيهما أقدم؟

قال : فقال لي : ما عهدي بك تخاصم الناس؟

قلت : أمرني هشام بن سالم ، أن أسألك عن ذلك.

فقال لي : الكفر أقدم. وهو الجحود. قال الله ـ عز وجل ـ : (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ. وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ).

وفي شرح الآيات الباهرة (٤) : ذكر في تفسير الحسن العسكري ـ عليه السلام ـ : ان الحسين ـ عليه السلام ـ قال لأصحابه بالطف : أولا أحدثكم بأول أمرنا وأمركم؟

معاشر أوليائنا ومحبينا والمبغضين لنا! يسهل (٥) عليكم احتمال ما أنتم له معرضون.

قالوا : بلى ، يا بن رسول الله! قال : ان الله لما خلق آدم ، وسواه ، وعلمه أسماء كل شيء ، وعرضهم على الملائكة ، جعل محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين ، أشباحا خمسة ، في ظهر

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في أ.

(٢) أصول الكافي ٢ / ٣٨٥ ، ح ٦.

(٣) الأصل ور : بكر.

(٤) شرح الآيات الباهرة / ١٢.

(٥) المصدر : المبغضين لأعدائنا ، يسهل.

٣٥٧

آدم. وكانت أنوارهم ، تضيء في الآفاق ، من السماوات والحجب والجنان والكرسي والعرش. ثم أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ، تعظيما له. وأنه [قد] (١) فضله بأن جعله وعاء لتلك الأشباح التي قد عم أنوارها الآفاق. فسجدوا الا إبليس.

أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله ، وأن يتواضع لأنوارها أهل البيت. وقد تواضعت الملائكة ، كلها. فاستكبر. وترفّع. وكان بابائه ذلك وتكبره من الكافرين (٢).

وفي تفسير فرات بن ابراهيم الكوفي (٣) ، قال : حدثني أبو الحسن ، أحمد ابن صالح الهمداني. قال : حدثنا الحسن بن علي ، عن (٤) زكريا بن صالح بن عاصم بن زفر البصري. قال : حدثنا زكريا بن يحيى التستري. قال : حدثنا أحمد ابن قتيبة الهمداني ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ.

قال : ان الله ـ تبارك وتعالى ـ كان ولا شيء. فخلق خمسة من نور جلاله. ولكل واحد منهم ، اسما من أسمائه المنزلة : فهو الحميد وسمى محمدا ـ صلى الله عليه وآله ـ وهو الأعلى وسمى أمير المؤمنين ، عليا ـ عليه السلام ـ وله الأسماء الحسنى ، فاشتق منها حسنا وحسينا. وهو فاطر ، فاشتق لفاطمة من أسمائه ، اسما (٥).

فلما خلقهم ، جعلهم في الميثاق. فأقامهم (٦) عن يمين العرش. وخلق الملائكة ، من نور. فلما أن نظروا اليهم وعظموا أمرهم وميثاقهم (٧) وشأنهم ولقنوا التسبيح.

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) المصدر : بابائه ذلك وتكبر وكان من الكافرين.

(٣) تفسير الفرات / ١١.

(٤) المصدر : يعنى.

(٥) المصدر : اسما من أسمائه.

(٦) المصدر : فأنهم.

(٧) ليس في المصدر.

٣٥٨

فذلك قوله تعالى : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ. وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) (١).

فلما خلق الله تعالى ، آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ نظر اليهم ، عن يمين العرش ، فقال : يا رب! من هؤلاء؟

قال : يا آدم! هؤلاء صفوتي وخاصتي. خلقتهم من نور جلالي. وشققت لهم ، اسما من أسمائي.

قال : يا رب! فبحقك عليهم ، علمني أسماءهم.

قال : يا آدم! فهم عندك أمانة ، سر من سري. لا يطّلع عليها (٢) غيرك ، الا باذني.

قال : نعم ، يا رب.

قال : يا آدم! أعطني على ذلك العهد (٣).

ثم علمه أسماءهم. ثم عرضهم على الملائكة. ولم يكن علّمهم بأسمائهم.

(فَقالَ : أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. قالُوا : سُبْحانَكَ! لا عِلْمَ لَنا ، إِلَّا ما عَلَّمْتَنا. إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. قالَ : يا آدَمُ! أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ. فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ ، بِأَسْمائِهِمْ) ، علمت الملائكة أنه مستودع. وأنه تفضل (٤) بالعلم.

وأمروا بالسجود ، إذ كانت سجدتهم لآدم ، تفضيلا له وعبادة لله ، إذ كان ذلك بحق له. فأبى إبليس الفاسق ، عن أمر ربه. فقال : ما منعك أن لا تسجد ، إذ أمرتك؟

__________________

(١) الصافات / ١٦٥.

(٢) المصدر : عليه.

(٣) المصدر : عهدا. فأخذ عليه العهد.

(٤) المصدر : مفضل.

٣٥٩

قال : أنا خير منه.

قال : فقد فضلته عليك ، حيث أقر (١) بالفضل ، للخمسة الذين لم أجعل (٢) لك عليهم سلطانا ولا من يشبههم. فذلك (٣) استثناء اللعين : (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٤).

قال (٥) : (إِنَّ عِبادِي ، لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ ، سُلْطانٌ). وهم الشيعة] (٦).

(وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ. وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ، فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥)) رغدا : وصف للمصدر ، أي : اكلا رغدا واسعا. و «فتكونا» ، جزم عطف على «تقربا». أو نصب ، جواب للنهي (٧).

قيل (٨) : الشجرة الحنطة. وقيل : الكرمة. وقيل : التينة.

وفي عيون الأخبار (٩) ، بإسناده الى عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : قلت للرضا ـ عليه السلام ـ : يا بن رسول الله! أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحوا ، ما كانت؟ فقد اختلف الناس ، فيها. فمنهم من يروي أنها الحنطة. ومنهم من يروي أنها العنب. ومنهم من يروي أنها شجرة الحسد.

__________________

(١) المصدر : أمر.

(٢) المصدر : لم يجعل.

(٣) المصدر. ولا على شيعتهم ، فبان لك.

(٤) الحجر / ٤٠.

(٥) الحجر / ٤٢.

(٦) ما بين القوسين ليس في أ.

(٧) العبارة الاخيرة ، ليست في أ.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٤٩ ، مجمع البيان ١ / ٨٥.

(٩) عيون الاخبار ١ / ٢٣٩ ، ح ٦٧.

٣٦٠