تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٩

فتبادرت (١) الجمال : صدقت صدقت يا وصي محمد. وكذب هؤلاء اليهود.

فقال علي ـ عليه السلام : هؤلاء جنس من الشهود. يا ثياب اليهود! التي عليهم ، اشهدي لمحمد ولوصيه.

فنطقت ثيابهم ـ كلهم : صدقت ، صدقت يا علي. نشهد أن محمدا ، رسول الله حقا وانك يا علي! وصيه حقا. لم يثبت محمدا قدما في مكرمة ، الا وطئت على موضع قدمه ، بمثل مكرمته. فأنتما شقيقان ، من أشرف (٢) أنوار الله. تميزتما (٣) اثنين. وأنتما في الفضائل شريكان. الا أنه لا نبي بعد محمد ـ صلى الله عليه وآله.

فعند ذلك خرست اليهود. وآمن بعض النظارة منهم ، برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وغلب (٤) الشقاء ، على اليهود وسائر النظارة الآخرين. فذلك ما قال الله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ). انه كما قال محمد ووصي محمد ، عن قول محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ عن قول رب العالمين.

وفي مجمع البيان (٥) : اختلف العلماء في الحروف المعجمة المفتتحة (٦) بها السور. فذهب بعضهم الى

أنها من المتشابهات التي استأثر الله بعلمها. ولا يعلم تأويلها الا هو. وهذا هو المروي عن أئمتنا عليهم السلام.

وروت (٧) العامة عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ انه قال : لكل كتاب صفوة

__________________

(١) المصدر : فتبادر.

(٢) المصدر : اشراق.

(٣) المصدر : فميزتما.

(٤) المصدر : فغلب.

(٥) مجمع البيان ١ / ٣٢ ـ ٣٣.

(٦) كذا المصدر والنسخ : المفتح.

(٧) كذا المصدر والنسخ : روى.

١٠١

وصفوة هذا الكتاب ، حروف التهجّي.

وروى أبو إسحاق الثعلبي ، في تفسيره مسندا (١) الى علي بن موسى الرضا ـ عليه السلام ـ قال : سئل جعفر بن محمد الصادق ـ عليه السلام ـ عن قوله «الم» فقال : في «الالف» ، ست صفات من صفات الله ـ عز وجل : الابتداء ، فان الله ـ عز وجل ـ ابتداء (٢) جميع الخلق. و «الألف» ، ابتداء الحروف.

والاستواء ، فهو عادل غير جائر. و «الالف» مستو في ذاته.

والانفراد ، فالله فرد. و «الالف» فرد.

واتصال الخلق بالله. والله لا يتصل بالخلق. وكلهم «يحتاجون اليه» (٣).

والله غني عنهم. و «الالف كذلك» (٤) ، لا يتصل بالحروف. والحروف متصلة به ، وهو منقطع عن (٥) غيره.

والله تعالى بائن بجميع صفاته من خلقه.

ومعناه من الألفة. وكان (٦) الله عز وجل سبب ألفة الخلق ، فكذلك الالف ، عليه تألفت الحروف. وهو سبب ألفتها.) (٧)

وأقول (٨) : ويحتمل أن يكون الكل ، مع احتمالات أخر ، لا ينافي الشرع.

__________________

(١) كذا المصدر والنسخ : سندا.

(٢) المصدر : ابتدأ.

(٣) المصدر : محتاجون الى الله.

(٤) المصدر : كذلك الالف.

(٥) المصدر : من.

(٦) المصدر : فكما ان.

(٧) ما بين القوسين ليس في أ.

(٨) ليس في أ.

١٠٢

ليس هاهنا موضع ذكرها ، مرادا (١). والله أعلم بحقيقة الحال.

وهذه الأسماء ، معربة. وانما سكنت سكون زيد وعمر وبكر ، حيث لا يمسها اعراب ، لفقد مقتضية. والدليل على أن سكونها ، وقف ، أنه يقال : «ص» و «ق» و «ن» ، مجموعا ، فيها بين الساكنين. وإذا وقف على آخرها ، قصرت. لأنها في تلك الحالة ، خليقة بالأخف الاوجز ، ومدت في حال الاعراب. وهي اما مفردة ، كص. أو على زنة مفرد ، كحم. فانه كهابيل ، أو لا.

الأول : يجوز فيه الاعراب والحكاية.

والثاني : ليس فيه الا الثاني.

فقوله «الم» ، في محل النصب ، على حذف حرف القسم ، واعمال (٢) فعله.

أو الجر على تقديره. أو الرفع على أنه مبتدأ ، ما بعده خبره. أو خبر محذوف المبتدأ.

(ذلِكَ) : اسم اشارة ، مركب من اسم وحرفين. فالاسم «ذا» للمذكر الواحد : أما ذكورة المشار اليه. فلتأثيره في نفس المخاطب. وانتاجه فيها ، معرفة الحقّ وصفاته سبحانه.

وأما افراده. فلأن المشار اليه وان كان متعددا في نفسه. لكنه ملحوظ ، من حيث أحدية الجمعية ، كما تدل عليه الاخبار عنه ، «بالكتاب» ، المنبئ عن الجمعية أو توصيفه به.

وأحد الحرفين ، «اللام». الدال بتوسطه ، بين اسم الاشارة والمخاطب ،

__________________

(١) أ : مرارا.

(٢) أ : اعماله.

١٠٣

على بعد المسافة بينه وبين المشار اليه. ووجه البعد ، عدم إمكان احاطة فهم المخاطب ، بما يقصد به.

والاخر «الكاف». الدال على ذكورة المخاطب وافراده. وأما ذكورة المخاطب فلأن المخاطب ، أولا هو النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بحسب حقيقة مرتبة الأبوة ، بالنسبة الى جميع أفراد الآدميين ، كما قيل بلسان مرتبته :

واني وان كنت ابن آدم صورة

فلي فيه معنى شاهد بأبوّتي

وأما افراده ، فلانمحاء كثرته النسبية ، في الوحدة الحقيقية.

(الْكِتابُ) : الكتب ، الجمع. يقال : كتبت القربة ، أي : جمعته. ومنه الكتيبة للجيش. والكتاب بمعناه. سمي به المفعول ، مبالغة.

وقيل : فعال (١) ، بني للمفعول كاللباس. ثم أطلق على الحبارات المنظومة ، قبل الكتابة. لأن من شأنها أن تكتب. والحقائق العلمية ، ان كانت معتبرة ، لا بأحوالها ، يسمى حروفا غيبية. ومع أحوالها كلمات غيبية والوجودية ، بلا أحوالها حروفا وجودية. ومع أحوالها كلمات وجودية. والدالة على جملة مفيدة ، آية. والبعض الجامع ، لتلك الجمل ، سورة. ومجموع تلك المعقولات والموجودات ، «كتابا» و «فرقانا» و «قرآنا» ـ أيضا ـ باعتباري التفصيل والجمع.

وفي تركيب قوله «الم» مع ما بعده ، أوجه : أن جعلت «الم» اسما للسورة ، أو للقرآن. أن يكون «الم» مبتدأ ، و «ذلك» مبتدأ ثانيا ، «والكتاب» ، خبره.

والجملة ، خبر المبتدأ الأول. ومعناه ، ان ذلك الكتاب ، هو الكتاب الكامل. كان ما عداه من الكتب في مقابلته (٢) ناقص. وأنه الذي يستأهل أن يسمى كتابا ، كما تقول :

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) أ : مقابله.

١٠٤

هو الرجل : أي : الكامل في الرجولية ، الجامع لما يكون في الرجال ، من مرضي الخصال.

وأن يكون «الم» خبر مبتدأ محذوف ، أي : هذه الم. ويكون «ذلك» ، خبرا ثانيا ، أو بدلا على أن «الكتاب» صفة.

وان يكون (١) «هذه الم» ، جملة ، و (ذلِكَ الْكِتابُ) ، جملة أخرى.

وان جعلت «الم» ، بمنزلة الصوت ، كان «ذلك» ، مبتدأ ، خبره «الكتاب» ، أي : ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل.

أو «الكتاب» صفته (٢) وما بعده خبره. أو قدر مبتدأ محذوف ، أي : هو ، يعني المؤلف من هذه الحروف ، (ذلِكَ الْكِتابُ).

وقرأ عبد الله : الم تنزيل الكتاب. وتأليف هذا ، ظاهر.

وليس شيء منها ، آية عند غير الكوفيين. وأما عندهم «فالم» في مواقعها.

والمص وكهيعص وطه وطسم ويس وحم ، آية. وحم عسق ، آيتان. والبواقي ليست بآيات (٣).

قيل : ان المفسرين متفقون على أن «ذلك» في موضع الرفع. فاما أن يكون خبرا عن «الم» ، أو عن محذوف. أو مبتدأ وخبره «الم».

وأقول : المبتدأ والخبر ، إذا كانا معرفتين ، وجب تقديم المبتدأ. فالخبر في هذه الصورة ، مع كونه معرفة ، كيف يجوز تقديمه؟

(لا رَيْبَ فِيهِ) : «الريب» في الأصل ، مصدر. رابني الشيء ، إذا حصل

__________________

(١) أ : كان.

(٢) أ : صفة.

(٣) ر. أنوار التنزيل ١ / ١٤.

١٠٥

فيه الريبة. وهي قلق (١) النفس واضطرابها (٢).

قال ـ عليه السلام ـ : دع ما يريبك ، الى ما لا يريبك. فان الشك ، ريبة.

والصدق ، طمأنينة (٣).

أي : كون الأمر مشكوكا فيه ، مما ينفلق (٤) النفس له. ولا يستقر. وكونه صحيحا صادقا ، مما يطمئن له. ويسكن. ومنه «ريبة الزمان» ، لما يطلق النفوس ، من نوائبه. فالمراد به ، الشك. لا معناه المصدري.

وضمير فيه ، راجع الى الحكم السابق ان كان هناك ، حكم ، أو الى «الكتاب» ، أو الى «ذلك».

وانما نفى الريب ، مع كثرة المرتابين ، لأن الريب ، مع وضوح مزيحه (٥) ، كلا ريب.

ويحتمل أن يكون المراد ، أن القرآن ليس مظنة للريب. بمعنى أن العاقل إذا رجع الى عقله وترك العناد ، ظهر حقيته وصدقه عليه ، غاية الظهور. ولم يبق مع شك وريب ، أصلا.

وأن يكون أن (لا رَيْبَ فِيهِ) ، (لِلْمُتَّقِينَ) ، و (هُدىً) ، حالا عن الضمير المجرور.

وأن يكون الريب المنفي ، هو الريب بمعناه المصدري ، أي : ليس فيه إيقاع شك ، بأن يكون فيه ، شيء يوقع في الشك. كالاختلاف المذكور في قوله تعالى (٦) :

__________________

(١) أ : فلق.

(٢) مجمع البيان ١ / ٣٧.

(٣) ر. أنوار التنزيل ١ / ١٥.

(٤) أ : ينفلق.

(٥) أ : مزيجه.

(٦) النساء / ٨٢.

١٠٦

(وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).

وأن يكون أنه لا ريب فيه ، في الواقع. وان كانوا مظهرين للريب.

كما روي عن أبي محمد العسكري (١) ، أنه قال ـ عليه السلام ـ : (لا رَيْبَ فِيهِ) ، لا شك فيه ، لظهوره عندهم. كما أخبرهم أنبياؤهم : أن محمدا نزل (٢) عليه كتاب ، لا يمحوه الماء. يقرؤه (٣) هو وأمته على سائر أحوالهم.

ولم يقدم الظرف ، كما قدم في قوله لا فيها غول. لأنه لم يقصد هنا ، انحصار نفي الريب فيه. كما قصد هناك انحصار نفي الغول ، في خمور الجنة.

وقرأ أبو الشعشعاء (٤) لا ريب فيه بالرفع. والفرق «الأول ونظيره» (٥) ، بينها وبين القراءة المشهورة ، أن المشهورة توجب الاستغراق. وهذه تجوزه.

والوقف على فيه ، هو المشهور.

وعن نافع وعاصم : انهما وقفا ، على (لا رَيْبَ). ولا بد للواقف من أن ينوي خبرا ، ليتم الكلام الأول. ونظيره قوله تعالى : (قالُوا لا ضَيْرَ) (٦) ، وقول العرب : «لا بأس». وهي كثيرة في لسان أهل الحجاز. والتقدير : لا ريب فيه ، فيه.

فعلى التقدير الأول ، يحتمل أن يكون «فيه» ، صفة «للريب» ، والخبر ، محذوفا ، وأن يكون هو الخبر ، والمجموع ، جملة. وقعت مؤكدة «لذلك الكتاب» ،

__________________

(١) تفسير العسكري / ٢٨.

(٢) المصدر : ينزل.

(٣) المصدر : يقرء.

(٤) أ : الشعشعاء.

(٥) يوجد في أ.

(٦) الشعراء / ٢٦.

١٠٧

أو خبرا بعد خبر «لذلك» ، أو لقوله «الم».

وعلى التقدير الثاني ، يحتمل أيضا تلك الاحتمالات ، وأن يكون «فيه» الثاني ، خبر «الهدى» مقدما عليه.

(وفي تفسير علي بن ابراهيم (١) : حدثني أبي ، عن يحيى بن أبي عمران ، عن يونس ، عن سعدان بن مسلم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : «الكتاب» ، علي ـ عليه السلام ـ لا شك فيه) (٢).

(هُدىً) : هو مصدر ، على فعل ، كالسرى والبكى. وهو الدلالة الموصلة ، الى البغية. بدليل وقوع الضلالة في مقابلته. قال الله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) (٣).

ويقال : «مهدي» في موضع المدح ، كمهتد. ولأن «اهتدى» ، مطاوع «هدى». ويكون (٤) المطاوع ، في خلاف معنى أصله. ألا ترى الى قولهم (٥) : غمه ، فاغتم ، وكسره ، فانكسر. وأشباه ذلك؟

وهو اما مبتدأ ، خبره مقدم عليه ، أو محذوف. وعلى التقديرين ، فهو على حقيقته (٦) ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أو خبر بعد خبر ، أو حال ، كما سبق.

اما على المبالغة. كأنه نفس الهدى. أو على حذف المضاف ، أي : ذو هداية.

أو على وقوع المصدر. بمعنى اسم الفاعل.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٣٠.

(٢) ما بين القوسين يوجد في أ.

(٣) البقرة / ١٧٥.

(٤) أور : وأن يكون.

(٥) أ : نحو.

(٦) أ : حقيقة.

١٠٨

(قال أبو جعفر (١) ـ عليه السلام ـ : «الكتاب» أمير المؤمنين ، لا شك فيه ، انه امام هدى) (٢).

(لِلْمُتَّقِينَ) (٣ : «المتقي» ، اسم فاعل من قولهم «وقاه ، يقي». والوقاية :فرط الصيانة وشدة الاحتراس من المكروه. ومنه فرس واق ، إذا كان يقي (٣) حافره أذى (٤) شيء يصيبه.

وهو في عرف الشرع ، اسم لمن يقي نفسه عما يضره في الاخرة.

وله ثلاث مراتب :

الاولى ـ التوقي عن الشرك المفضي الى العذاب المخلد. وعليه قوله تعالى :(وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) (٥).

والثانية ـ التجنب ، عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر عند قوم.

وقيل : الصحيح أنها لا يتناولها. لأنها تقع مكفرة عن مجتنب الكبائر.

والثالثة ـ أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق. ويتبتل اليه ، بكليته. وهو التقوى الحقيقي المطلوب بقوله تعالى (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (٦).

قيل : ومن جملة معاني باب الافتعال ، الاتخاذ. فمعنى «اتقى» على هذا ، اتخذ الوقاية. ولهذا قال بعض العلماء في قوله

تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّقُوا رَبَّكُمُ) (٧) اجعلوا ما ظهر منكم ، وقاية لربكم ، واجعلوا ما بطن منكم ، وهو ربكم

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٣٠.

(٢) ما بين القوسين مشطوب في الأصل وغير موجود في ر.

(٣) أ : بقي.

(٤) أ : إذا.

(٥) الفتح / ٢٦.

(٦) آل عمران / ١٠٢.

(٧) النساء / ١.

١٠٩

وقاية. فان الأمر ، ذم وحمد. فكونوا وقايته في الذم. واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين. فان توحيد الأفعال يقتضي اسناد المحامد والمذام ، الى الله.

فالسالك إذا أسندهما اليه ، قبل زكاء (١) النفس وطهارتها ، يقع في الاباحة. وبعد طهارتها يكون مسيئا للأدب ، بإسناد القبائح اليه. فعلى هذا المتقون ، هم الذين يتخذون ربهم ، وقاية لأنفسهم. وينسبون الكمالات الى ربهم ، لا الى أنفسهم.

ليكون لهم الخلاص (٢) من ظهور نيّاتهم (٣). ويتخذون أنفسهم وقاية لربهم. وينسبون النقائص الى أنفسهم ، لا الى ربهم. ولو كانت في حقيقة التوحيد ، منسوبة الى الله تعالى. لئلا يسيئون الأدب اليه سبحانه.

وانما قال : «هدى للمتقين» ، مع أن المتقين مهتدون ، اما بناء على أن المراد بالمتقين ، المشارفون على التقوى ، أو المقصود زيادة هدايتهم. بأن يراد بالهدى زيادة الهدى الى مطلب آخر ، أو التثبّت على ما كان حاصلا لهم.

ويحتمل أن يراد بالمتقي ، الموحد ـ مطلقا.

روى الصدوق في كتاب التوحيد (٤) : بإسناده ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في قول الله ـ عز وجل ـ (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (٥) قال قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : أنا أهل أن اتقى. ولا يشرك بي عبدي (٦) شيئا. وأنا أهل أن لم يشرك بي عبدي شيئا ، أن أدخله الجنة.

__________________

(١) أ : تكاء.

(٢) أ : اخلاص.

(٣) أ : امنياتهم.

(٤) التوحيد / ٢٠.

(٥) المدثر / ٥٦.

(٦) ليس في أ.

١١٠

قال صاحب الكشف (١) : الأظهر ، أنه لا يحتاج الى أحد التجوّزين ، من حمل «الهدى» على الازدياد ، «والمتقي» على المشارف. لأنه إذا قيل : السلاح ، عصمة للمعتصم أو عصام له. والمال غنى للغني ، على معنى سبب غنائه ، لم يلزم أن يكونا سببي عصمة وغنى ، حادثين غير مساهما ، أي : المعتصم والغني فيه ، إذ لا دلالة له (٢) على الزمان.

وأجيب ، بأن المتبادر الى الفهم ، من تعلق الفعل بشيء ، هو اتصاف ذلك المتعلق بما عبر عنه عند اعتبار المتعلق (٣) ، حتى يقال فيه : شفاء للمريض ، ومرض للصحيح. ولو عكس لم يصح الا بتأويل.

وعن أبى محمد العسكري (٤) ـ عليه السلام ـ : ان معناه بيان وشفاء للمتقين ، من شيعة محمد وعلي ـ عليهما السلام ـ اتقوا انواع الكفر. فتركوها. واتقوا الذنوب الموبقات. فرفضوها. واتقوا اظهار أسرار الله تعالى وأسرار أزكياء عباده الأوصياء بعد محمد ـ صلوات الله عليهم ـ فكتموها. واتقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقين لها. ففيهم (٥) نشروها.

(وفي شرح الآيات الباهرة (٦) : ـ في الحديث المنقول سابقا ـ عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : قلت : قوله (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ).

قال (٧) : الكتاب ، أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ لا شك فيه انه امام «هدى

__________________

(١) الكشف والبيان ، مخطوط والنسخة التي عثرنا عليها ، ناقصة الاول.

(٢) ليس في أ.

(٣) ر : التعلق.

(٤) تفسير العسكري / ٣٠.

(٥) المصدر : وفيهم.

(٦) تأويل الآيات الباهرة / ٦.

(٧) المصدر : فقال.

١١١

للمتقين».

وفي كتاب معاني الأخبار (١) : حدثنا محمد بن القسم الاستبرآباد ، المعروف بأبي الحسن الجرجاني المفسر ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثني أبو يعقوب يوسف ابن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار ، عن أبويهما ، عن الحسن ابن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ أنه قال : كذبت قريش واليهود بالقرآن. وقالوا : سحر مبين [تقوّله] (٢).

فقال الله : الم ذلك الكتاب.

أي : يا محمد! هذا الكتاب ، الذي أنزلته (٣) عليك هو بالحروف المقطعة التي منها الف ، لام ، ميم ، وهي بلغتكم ، وحروف هجائكم ، فأتوا بمثله ان كنتم صادقين.

واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم. ثم بيّن أنهم لا يقدرون عليه بقوله (٤) : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ ، لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ، وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً). ثم قال الله : الم ، هو القرآن الذي افتتح «بالم» هو (ذلِكَ الْكِتابُ) الذي أخبرت به موسى ، فمن بعده من الأنبياء. فأخبروا بنى إسرائيل أني سأنزله عليك ، يا محمد! كتابا عزيزا (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٥) ، لا ريب فيه لا شك فيه ، لظهوره عندهم. كما أخبرهم [به] (٦)

__________________

(١) معاني الاخبار / ٢٢ ، ح ٤.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) المصدر : أنزلناه.

(٤) الاسراء / ٨٨.

(٥) فصلت / ٤٢.

(٦) يوجد في المصدر.

١١٢

أنبياءهم ، أن محمدا ينزل عليه كتاب لا يلحقه (١) الباطل. يقرؤه هو وأمته على سائر أحوالهم. «هدى» بيان من الضلالة «للمتقين» الذين يتقون الموبقات ، ويتقون تسليط السفه على أنفسهم. حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه ، عملوا بما يوجب لهم رضا ربهم) (٢).

(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) : يحتمل الرفع والنصب والجر. والظاهر ، الجر.

على أنه صفة «للمتقين». كما هو الظاهر. أو بدل. أو عطف بيان.

فأما الرفع ، فاما على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هم الذين يؤمنون. أو مبتدأ ، خبره (أُولئِكَ عَلى هُدىً).

وأما النصب ، فعلى المدح بتقدير أعني. وإذا كان صفة ، فهي اما مقيدة ان فسر التقوى ، بترك ما لا ينبغي ، كما هو المناسب لمعناه اللغوي ، وهو الاحتراز.

فحينئذ يراد بالمتقي ، من يحترز عن المعاصي ، أي : فعل القبائح والمنهيات.

سواء يمتثل الأوامر ويأتي بالحسنات ، أم لا. فعلى هذا تكون الصفة ، مقيدة مخصصة.

فان قلت : اجتناب المعاصي ، كلها ، يستلزم الإتيان بالطاعات ، لان ترك الطاعة ، معصية.

قلت : ان المراد بالمعاصي ، كما هو المتبادر ، ما يتعلق به صريح النهي وترك المأمور به ، منهي عنه ـ ضمنا. أو أن مبنى هذا الكلام ، على أن المعصية ، فعل ما نهي عنه ، وأن الترك ليس بفعل. وكذا ، ان أريد بالتقوى ، الأولى ، من مراتبها الثلاث. فان المراد بالمتقين ـ حينئذ ـ من يجتنبون عن الشرك. فتوصيفهم «بالذين يؤمنون» ، لا يكون الا تقييدا وتخصيصا أو كاشفة ، ان فسر بما يعم فعل الحسنات

__________________

(١) المصدر : يمحوه.

(٢) ما بين القوسين ليس في أ.

١١٣

وترك السيئات ، وحمل (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) ـ الى آخره ـ على ما يساويه. والتقوى بهذا المعنى ، بعينه هو المرتبة الثانية ، من مراتبه. وهو حقيقة معناه ، عند الجمهور.

وأما إذا أريد به المرتبة الثالثة ، التي لا يتحقق بها الا الخواص. فيمكن أن يكون أيضا صفة (١) كاشفة ، يظهر وجهه للمتأمل الصادق ، فيما سيأتي من بعض بطون الاية.

أو مادحة. ذكرت لمجرد المدح والثناء. وتخصيص ما ذكر ، إظهارا لفضله على سائر ما يدخل تحت اسم التقوى. وقد فرق بين المدح صفة والمدح اختصاصا ، بأن الوصف في الأول ، أصل ، والمدح ، تبع. وفي الثاني ، بالعكس. وبأن المقصود الأصلي من الأول ، اظهار كمال الممدوح والاستلذاذ بذكره. ومن الثاني اظهار أن تلك الصفة ، أحق باستقلال المدح ، من باقي صفاته الكمالية. اما مطلقا ، أو بحسب ذلك المقام.

و «الايمان» : أفعال ، من الامن. المتعدي الى مفعول واحد.

والهمزة للتعدية الى مفعولين. تقول : أمنت عمرو أو أمنينه زيدا ، أي ، جعلني آمنا منه.

«وقيل : الهمزة للصيرورة. نحو أعشب المكان بمعنى صار ذا عشب. فمعنى أمن ، صار ذا أمن.

وقيل : للمطابعة. نحو كبّه فأكبّه (٢) أي ، أمنه ، فأمن. ثم نقل الى التصديق ووضع له لغة. ثم انك إذا صدقت زيدا ، فقد اعترفت بكلامه. فعدى بالباء على تضمين معنى الاعتراف.

وفي عرف الشرع ، هو التصديق ، بما علم بالضرورة ، من دين محمد ـ صلى

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) تفسير البحر المحيط ١ / ٣٨.

١١٤

الله عليه وآله ـ كالتوحيد والنبوة والامامة والبعث والجزاء ـ كما هو ظاهر.

وقيل : مجموع ثلاثة أمور ، اعتقاد الحق والإقرار به والعمل بمقتضاه ـ وهذا مذهب المعتزلة والخوارج ـ فمن أخل بالاعتقاد وحده ، فهو منافق. ومن أخل بالإقرار فكافر. ومن أخل بالعمل ففاسق ، وفاقا. وكافر عند الخوارج ، خارج عن الايمان ، غير داخل في الكفر ، عند المعتزلة» (١).

واختلف القائلون ، بأن الايمان ، هو التصديق وحده في أن مجرد التصديق بالقلب ، هل هو كاف في المقصود؟ أو لا بد من انضمام الإقرار للمتمكن (٢) منه؟

ولعل الحق ، هو الثاني. لأنه تعالى ذم المعاند ، اكثر من ذم الجاهل المقصر وللمانع أن يجعل الذم للإنكار ، لا لعدم الإقرار.

ولا بأس علينا أن نذكر معنى «التضمين» هنا. فانه يناسبه.

فنقول : «التضمين» أن يقصد بفعل معناه الحقيقي ، ويلاحظ معه ، فعل آخر يناسبه ، ويدل عليه بذكر شيء من متعلقات الاخر ، كقولك : أحمد اليك فلانا.

فإنك لما جعلت فيه ، مع الحمد ، معنى الإنهاء. ودللت عليه بذكر صلته ، أعني كلمة «الى». كأنك قلت : أنهى حمده اليك. ثم انهم اختلفوا. فذهب بعضهم الى أن اللفظ ، مستعمل في معناه الحقيقي ، فقط.

والمعنى الاخر ، مراد بلفظ محذوف. يدل عليه ، ذكر ما هو من متعلقاته.

فتارة يجعل المذكور ـ أصلا. والمحذوف ، قيدا ، على أنه حال. وتارة يعكس.

وذهب آخرون ، الى أن كلا المعنيين ، مراد بلفظ واحد ، على طريق الكناية إذ يراد بها معناه الأصلي ، ليتوسل بفهمه (٣) الى ما هو المقصود الحقيقي. فلا حاجة

__________________

(١) ر. أنوار التنزيل ١ / ١٦.

(٢) أ : للتمكن.

(٣) أ : يفهمه.

١١٥

الى تقدير ، الا لتصور المعنى.

وفيه ضعف. لأن المعنى المكنى به في الكناية ، قد لا يقصد ثبوته. وفي «التضمين» يجب القصد الى ثبوت كل من المضمن والمضمن فيه. والأظهر أن يقال : اللفظ مستعمل في معناه الأصلي ، فيكون هو المقصود ، اصالة. لكن قصد بتبعيته (١) معنى آخر ، يناسبه من غير أن يستعمل فيه ذلك اللفظ ، ويقدر لفظ آخر.

فلا يكون من باب الكناية. ولا من الإضمار. بل من قبيل الحقيقة التي قصد بمعناها الحقيقي ، معنى آخر ، يناسبه. ويتبعه في الارادة. فاحفظ هذه المسألة. فإنها مفيدة (٢).

(بِالْغَيْبِ) : «الغيب» ، مصدر غاب غيبا. حمل على الغائب ، مبالغة.

أو على حذف مضاف. أو على جعل المصدر ، بمعنى اسم الفاعل. واما مخفف فيعل ، كهيّن وهين وأمثاله.

ورد ذلك بأن : هذا لا يدعى الا فيما يسمع مثتقلا (٣) ، كنظائره. وذلك ليس من هذا القبيل. والمراد به الخفي ، الذي لا يكون محسوسا ، ولا في قوة المحسوس كالمعلومات ببديهة العقل. وذلك كذاته سبحانه وأسمائه الحسنى وصفاته العلى وأحوال الاخرة ، الى غير ذلك من كل ما يجب على العبد أن يؤمن به. وهو غائب عنه. لا يشاهده ولا يعاينه. فالإيمان لا يكون عن المؤمن ، الا عن غيب ، سواء كان تقليدا أو نظرا أو استدلالا.

قيل (٤) : فإذا ارتفع عن درجة الايمان ، كان عارفا مشاهدا. ولهذا فرق جبرئيل

__________________

(١) أ : بتبعية.

(٢) أ : مقيدة.

(٣) أ : منتقلا.

(٤) ليس في أ.

١١٦

بين درجة الايمان وما فوقه عند سؤاله النبي (١) ـ صلى الله عليه وآله – حيث قال : يا محمد! أخبرني ما الايمان وما فوقه؟

قال ـ عليه السلام : ـ الايمان أن تؤمن بالله والملائكة والكتب والنبيين وتؤمن بالقدر كله.

ثم قال : يا محمد! أخبرني ما الإحسان؟

قال : أن تعبد الله كأنك تراه. فان لم تكن تراه ، فانه يراك.

فقوله : «أن تعبد الله كأنك تراه»

، أي : تعبده حين تراه ، بعين بصيرتك وقوة يقينك ، كأنك تراه. فكما أن المبصر بعين البصر ، لا يحتاج الى الاستدلال ، فكذلك بعين البصيرة وقوة اليقين ، لا يحتاج اليه. فهو بالنسبة اليك. بمنزلة المشهود المحسوس.

فدرجة الإحسان ، فوق درجة الايمان. وانما سمي ذلك إحسانا ، لأنه انعام من الله تعالى ، وفضل. ليس للعبد فيه تسبب. بخلاف الايمان ، فانه مكتسب.

ويمكن أن يراد «بالغيب» ، غيب الغيوب ، الذي هو ذاته المطلقة وهويته الغيبية السارية ، في الكل ، علما وعينا.

والباء على هذه التقادير ، للتعدية. متعلقه المضمن للايمان.

ويمكن أن يكون للمصاحبة. متعلقة بمحذوف ، يقع حالا.

و «الغيب» بمعناه المصدري ، أي : يؤمنون حال كونهم متلبسين بغيبتهم ، عن المؤمن به. أو بغيبة المؤمن به ، عنهم. أو المعنى ، أنهم يؤمنون غائبين عنكم. لا كالمنافقين. الذين (إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) (٢).

__________________

(١) سنن الترمذي ٤ / ١٢٠ ، ضمن حديث طويل مع يعض الاختلاف.

(٢) البقرة / ١٤.

١١٧

وأن يكون للاستعانة ، أي : يؤمنون باستعانة غيوبهم ، التي هي نفوسهم الناطقة وأرواحهم المجردة ، التي هي غيب وجوداتهم. فان نسبة الحق سبحانه الى العالم ، كنسبة النفس الناطقة الى البدن. فبالقياس اليها ، يعرفون الحق سبحانه ويؤمنون به وبصفاته الكمالية.

وعلى هذا ، حمل بعضهم

قوله ـ عليه السلام ـ من عرف نفسه فقد عرف ربه.

«وقيل : المراد «بالغيب» ، القلب ، أي (١) : يؤمنون بقلوبهم. لا كمن يقولون بأفواهم ما ليس في قلوبهم» (٢).

ومفعول «يؤمنون» ، على هذه التقادير ، محذوف يعم جميع ما يجب أن يؤمن به.

ويحتمل أن يكون المراد «بالغيب» ، قيام القائم ـ عليه السلام ـ.

(وفي تفسير علي بن ابراهيم (٣) : حدثني أبي ، عن يحيى بن أبي عمران ، عن يونس ، عن سعدان بن مسلم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) ، قال : يصدقون بالبعث والنشور والوعد والوعيد.

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة (٤) : بإسناده الى عمر بن عبد العزيز ، عن غير واحد [من أصحابنا ،] (٥) عن داود بن كثير الرقي ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في قول الله عز وجل : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)».

قال : من أقر بقيام القائم ـ عليه السلام ـ أنه حق.

__________________

(١) المصدر : لأنه مستور والمعنى.

(٢) ر. أنوار التنزيل ١ / ١٧.

(٣) تفسير القمي ١ / ٣٠.

(٤) كمال الدين وتمام النعمة ٢ / ٣٤٠ ، ح ١٩.

(٥) يوجد في المصدر.

١١٨

وبإسناده (١) الى علي بن أبي حمزة ، عن يحيى بن أبي القاسم. قال : سألت الصادق ، جعفر بن محمد ـ عليهما السلام ـ عن قول الله ـ عز وجل : (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)».

فقال : «المتقون» ، شيعة علي ـ عليه السلام ـ و «الغيب» هو الحجة الغائب.

وشاهد ذلك ، قول الله ـ عز وجل ـ : (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ؟ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ. فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (٢).

فأخبر ـ عز وجل ـ أن «الاية» ، هي «الغيب». و «الغيب» هو «الحجة» وتصديق ذلك ، قول الله ـ عز وجل : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ، آيَةً) (٣) ، يعنى : حجة.

وفي مجمع البيان (٤) : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) ، قيل : بما غاب عن العباد ، علمه ، عن ابن مسعود وجماعة من الصحابة.

وهذا أولى لعمومه. ويدخل فيه ما رواه أصحابنا من [زمان] (٥) غيبة المهدي [عليه السلام] (٦) ووقت خروجه) (٧).

(ويدل عليه ، ما روي (٨) عن داود [بن كثير] الرقي ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في قول الله ـ عز وجل ـ : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٩) (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)»

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٣٤٠ ، ح ٢٠.

(٢) الاعراف / ٧١.

(٣) المؤمنون / ٥٠.

(٤) مجمع البيان ١ / ٣٨.

(٥ و ٦) يوجد في المصدر.

(٧) ما بين القوسين ليس في أ.

(٨) كمال الدين وتمام النعمة / ٣٤٠ ، ح ١٩ ، تفسير البرهان ١ / ٥٣.

(٩) ما بين القوسين ليس في المصدر.

١١٩

قال : من أقر بقيام القائم ـ عليه السلام ـ أنه حق.

وروى (١) ـ أيضا ـ : بإسناده عن يحيى بن أبي القاسم. قال سألت الصادق ـ عليه السلام ـ عن قول الله ـ عز وجل ـ (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).

فقال : المتقون ، شيعة علي ـ عليه السلام ـ والغيب ، هو الحجة الغائب) (٢).

(وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) : «القيام» في الأصل ، الانتصاب. واقامة الشيء ، جعله منتصبا. فكأنهم يجعلون الصلاة ، منتصبة من حضيض ذل العدم أو النقصان ، الى ذروة عن الوجود أو الكمال ، أي : يحصلونها أو يأتون بها ، على ما ينبغي. وأيضا «قيام الشيء» ، وجوده. ومنه قولهم : انه قائم بنفسه أو بغيره. وقولهم : القيوم ، هو القائم بنفسه ، المقيم لغيره. والقوام ، لما يقام به الشيء ، أي : يحصل.

فعلى هذا ، معنى «اقامة الصلاة» ، تحصيلها وإيجادها. كما في الوجه الأول ، من الاقامة ، بمعنى الانتصاب. ويلائم الوجه (٣) الثاني ، جعله من اقام العود ، إذا قومه ، أي : سواه على أن يستعار من تسوية الأجسام ، كالعود ونحوه ، لتعديل الأركان ، نقلا من المحسوس الى المعقول.

ويحتمل أن يجعل من «قامة السوق». إذا نفقت ، أي : راجت. وأقامها ، أي : جعلها نافقة رائجة (٤). ويقصد بها ، الدوام ، والمحافظة عليها. لأنها إذا حوفظت عليها ، كانت كالشيء النافق. الذي يتوجه اليه الرغبات. وإذا عطلت

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) ما بين القوسين مشطوب في المتن وغير موجود في ر.

(٣) أ : الوجود.

(٤) أ : رائحة.

١٢٠