دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ٥
ISBN: 964-499-038-2
ISBN الدورة:
964-91559-2-9

الصفحات: ٢١٤
الجزء ١ الجزء ٢

من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستقلة عن الجملة الاولى ؛ احداهما في مجلس والاخرى في مجلس ثان، إلاّ ان الناقل ـ وهو عاقبة بن خالد قد جمع ـ بين الروايتين المستقلّتين في مقام النقل.

ويحتمل انهما صدرتا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مجلس واحد ، بنحو تكون الثانية قد ذكرها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أو تبرع بها الإمام الصادق عليه‌السلام ـ لتكون مكملة للثانية ومبينة للحكمة بالشفعة بين الشركاء.

ويصطلح على الأوّل : الجمع بين الروايتين في مقام النقل ، وعلى الثاني : الجمع بين المرويين.

وقد وقع البحث بين الاعلام في ان الجمع بين الفقرتين المذكورتين هل هو من النحو الأول أو من النحو الثاني.

والسبب في طرح هذا البحث : انّ أحد الاحتمالات في المقصود من قاعدة لا ضرر هو افادة النهي عن ارتكاب الضرر وبيان تحريمه في التشريع الإسلامي.

وشيخ الشريعة الاصفهاني من روّاد هذا الاحتمال ومؤيديه ، إلاّ انّ الذي يقف أمام هذا الاحتمال هو ان قاعدة لا ضرر إذا كان يقصد بها إفادة النهي التحريمي فلما ذا ذكرت في ذيل حديث الشفعة وفي ذيل حديث المنع من فضل الماء؟

ان ذكرها ذيل حديث الشفعة لا وجه له باعتبار ان الشفعة بين الشركاء حكم وضعي ولا معنى لتعليله بما يدلّ على الحكم التكليفي ، فلا معنى لأن يقال : الشفعة ثابتة بين الشركاء لأنّه يحرم الاضرار. ان هذا لا ربط له بهذا حتى يذكر كتعليل له.

وهذا بخلاف ما إذا لم يكن المقصود من قاعدة لا ضرر إفادة‌

١٠١

النهي التكليفي ، بل إفادة معنى آخر كالمعنى الذي ذكره الشيخ الأعظم في الرسائل ، وهو : نفي كل حكم يستلزم ثبوته الضرر بالمكلّف ؛ فكل حكم من هذا القبيل منتف في التشريع الإسلامي وليس بثابت ، انّه بناء على هذا تكون المناسبة واضحة ، فكأنه يراد ان يقال : إذا باع أحد الشريكين حصته فالشفعة ثابتة للشريك الثاني وله الحق في أخذ حصة الشريك بالشفعة ؛ إذ لو لم يكن له هذا الحق وكان بيع الشريك لازما يلزم تضرّر الشريك الثاني ، ولزوم بيع الشريك ما دام يلزم منه الضرر على الشريك الثاني منفي.

هذا بالنسبة إلى حديث الشفعة.

وامّا بالنسبة إلى حديث المنع من فضل الماء فالوجه في عدم صحة ذكر قاعدة نفي الضرر في ذيله هو : ان المنع من فضل الماء ليس محرما بل هو مكروه ، فمن كانت له بئر وفضل من مائها شي‌ء فمن حقه منع الآخرين من الاستفادة من ذلك الماء ، لكن ذلك مكروه.

وما دام مكروها فلا معنى لأن يعلّل بحرمة الاضرار. أجل لو كان المنع من فضل الماء محرما لكان تعليله بحرمة الاضرار وجيها ، إلاّ انه لمّا كان مكروها فلا معنى لتعليله بقاعدة نفي الضرر بناء على كون المقصود منها افادة تحريم الاضرار.

ان اشكال عدم المناسبة بين التعليل والحكم المعلل يتم في حديث الشفعة والمنع من فضل الماء ولا يتمّ وارم في الحديث الناقل لقصة سمرة لأنّه قد حكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله: اذهب فاقلعها بها إليه فانّه لا ضرر ولا ضرار. انّ المناسبة واضحة ، فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جوّز قلع النخلة ،

١٠٢

لأنّ دخول سمرة إليها يوجب اضرار الأنصاري ، والاضرار محرم (١).

وبالجملة ان إشكال عدم المناسبة بين التعليل والحكم المعلل ـ بناء على إرادة التحريم التكليفي من قاعدة لا ضرر ـ يختص بحديث الشفعة والمنع من فضل الماء دون حديث قصة سمرة.

ومن هنا حاول شيخ الشريعة التغلب على هذه المشكلة بدعوى ان فقرة لا ضرر المذكورة في حديث الشفعة والمنع من فضل الماء لم تذكر كتتمة للفقرة الاولى ليرد إشكال عدم المناسبة ، وإنّما ذكرها عاقبة بن خالد من باب نقل روايتين احداهما مستقلة عن الاخرى.

قال قدس‌سره في رسالته التي ألّفها لبحث قاعدة لا ضرر ما نصه : «ان الراجع في نظري القاصر إرادة النهي التكليفي من حديث الضرر ، وكنت استظهر منه عند البحث عنه في أوقات مختلفة إرادة التحريم التكليفي فقط ، إلاّ انه يثبّطني من الجزم به حديث الشفعة وحديث النهي عن منع فضل الماء ، حيث ان اللفظ واحد ولا مجال لإرادة ما عدا الحكم الوضعي في حديث الشفعة ولا التحريم في النهي عن منع فضل الماء ، بناء على ما اشتهر عند الفريقين من حمل النهي على التنزيه فكنت اتشبّث ببعض الامور في دفع الإشكال إلى ان استرحت في هذه الأواخر وتبيّن عندي انّ حديث الشفعة والناهي عن منع الفضل لم يكونا حال صدورهما من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مذيلين بحديث الضرر وان الجمع بينهما وبينه جمع من الراوي بين روايتين صادرتين عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وقتين مختلفين ...» (٢). ثم أخذ في بيان اثبات الدعوى المذكورة.

__________________

(١) ولكن سيأتي إن شاء الله التأمل في ذلك أيضا.

(٢) قاعدة لا ضرر : ١٨ ـ ١٩.

١٠٣

وإذا كانت رسالة لا ضرر لشيخ الشريعة تعدّ من الرسائل الجيدة في هذا المجال فذلك ليس إلاّ من جهة تحقيقه الذي قام به لإثبات دعوى كون الفقرتين روايتين مستقلتين جمعتا في رواية واحدة في مقام النقل.

وأيّده في هذه الفكرة جمع من الأعلام منهم الشيخ النائيني والشيخ الاصفهاني ، ولكن لبيانات أخرى.

وحاصل ما ذكره شيخ الشريعة : انّ قضية «لا ضرر» الصادرة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صدرت كقضاء مستقل ، إلاّ انّ عاقبة بن خالد قد ألحقها بقضية الشفعة. والناظر إلى حديث عاقبة يتخيّل انّ ذلك الالحاق هو من باب كون قضية لا ضرر علّة للحكم بثبوت الشفعة ، والحال أنّ الأمر ليس كذلك بل هو قضاء مستقل.

والدليل على ذلك : ان أحمد بن حنبل في مسنده الكبير روى عن عبادة بن الصامت مجموعة من الأقضية المستقلة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر من جملتها قضية الشفعة من دون أن تكون مذيّلة بحديث لا ضرر ، وهكذا ذكر من جملتها قضية المنع عن فضل الماء من دون ان يكون مذيلا بقضيّة لا ضرر ، وإنّما ذكر عبادة قضيّة لا ضرر بشكل مستقل عن قضيّة الشفعة وقضيّة فضل الماء.

ولأجل ان يتّضح المطلب ننقل رواية عبادة ؛ قال : «ان من قضاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّ المعدن جبار والبئر جبار والعجماء جرحها جبار (١) ، وقضى في الركاز الخمس ، وقضى انّ ثمر النخل لمن ابّرها إلاّ‌

__________________

(١) الجبار هو الهدر الذي لا يغرم. والعجماء هي البهيمة.

١٠٤

ان يشترط المبتاع ، وقضى ان مال المملوك لمن باعه إلاّ انّ يشترط المبتاع ، وقضى ان الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وقضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والدور ، وقضى لحمل ابن مالك الهذلي بميراثه عن امرأته التي قتلتها الاخرى [إلى ان قال] وقضى ان لا ضرر ولا ضرار ، وقضى انّه ليس لعرق ظالم حق ، وقضى بين أهل المدينة في النخل لا يمنع نقع البئر ، وقضى بين أهل البادية انّه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل الكلأ ...».

انّنا نجد بوضوح في هذه الرواية انّ قضية لا ضرر ذكرت كقضاء مستقل.

هذا في روايات العامّة.

ولو رجعنا إلى روايات الشيعة لوجدنا انّ عاقبة بن خالد ينقل مقدارا كبيرا من تلك الأقضية التي نقلها عبادة ، ولكن لم ينقلها علماؤنا مجموعة في رواية واحدة بل فرقت على الأبواب المختلفة (١).

وإذا قارنا بين ما هو المنقول بطرقنا من تلك الأقضية المستقلة وما هو المنقول في رواية عبادة لوجدنا تشابها كبيرا ، الأمر الذي يوجب الوثوق بانّ قضية لا ضرر المذكورة في رواية عاقبة بعد الحكم بالشفعة ذكرت كقضاء مستقل.

وبكلمة اخرى : يحصل وثوق بأنّ ما صدر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قضية الشفعة قد صدر غير مذيّل بقضية لا ضرر ، وإنّما عاقبة قد جمع‌

__________________

(١) ففي الفقيه بسنده إلى عاقبة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من قضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّ المعدن جبار والبئر جبار والعجماء جبار. وفي الكافي والتهذيب عن عاقبة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّ ثمر النخل للذي أبّرها إلاّ أن يشترط المبتاع.

١٠٥

بينهما من باب الجمع بين الروايتين المستقلّتين.

هذا بالنسبة إلى حديث الشفعة.

وهكذا يقال بالنسبة إلى حديث المنع من فضل الماء.

وأضاف شيخ الشريعة قائلا : انّ احتمال كون عبادة قد فصل بين قضية الشفعة وقضية لا ضرر ـ بعد ما كانت الاولى مذيّلة بالثانية ، فصل نتيجة لتصرّف شخصي منه ـ احتمال بعيد جدا ، خصوصا بعد استقراء رواياته وثبوت ضبطه واتقانه ، بل قيل : انّه من أجلاّء الشيعة.

وعن الكشّي عن الفضل بن شاذان : انّه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كحذيفة وخزيمة بن ثابت وابن التيّهان ، وهو ممّن شهد العقبة الاولى والثانية وبدرا واحدا والخندق والمشاهد كلّها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

هذا توضيح ما أفاده قدس‌سره.

وخوفا من الاطالة نترك المناقشة إلى مستوى أعلى من البحث إلاّ انّه بشكل مختصر نقول : انّ ما أفاده قدس‌سره لا يتم إلاّ بناء على انّ جملة لا ضرر الصادرة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صدرت مرة واحدة لا أكثر ، امّا إذا افترضنا انّها صدرت مرّتين ؛ مرة كقضاء مستقل نقله عبادة ، وأخرى كتعليل للحكم بالشفعة وفضل الماء فلا يتم ما ذكره. وواضح انّ احتمال التعدّد موجود ، ومعه تبطل القرينة المذكورة.

وإذا قيل دفاعا عن شيخ الشريعة بانّ من يقارن بين الأقضية التي نقلها عبادة والأقضية التي نقلها عاقبة يجد تشابها تاما ، إلاّ من ناحية تذييل قضية الشفعة وفضل الماء بقضية لا ضرر ، وهذا يورث الاطمئنان بأنّهما بصدد نقل شي‌ء واحد صادر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليسا‌

١٠٦

بصدد نقل شيئين صدرا منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وحيث انّ عبادة من أجلاّء الأصحاب ولا يحتمل وجود مصلحة له تدعوه إلى حذف قضية لا ضرر من الذيلية فيثبت انّ قضية لا ضرر الصادرة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضية واحدة.

ومثل هذا البيان لا ينفع في ردّه احتمال تعدد الصادر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والوجه في ذلك : انّ لنا اطمئنانا بكون عاقبة ناظرا في نقله إلى نقل نفس ما ينقله عبادة ، ولا يقصد عاقبة نقل أشياء اخر غير ما ينقله عبادة ، وحيث انّ عبادة دقيق في نقله ولا نحتمل وجود مصلحة له في الفصل فيثبت انّ قضية لا ضرر حينما صدرت من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدرت مستقلة أيضا.

ويرده : ان قضية لا ضرر في نقل عاقبة لو كانت قضية مستقلة فما معنى اقحامها بين قوله : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن» ، وقوله «إذا أرفت ...»؟ ان هاتين الجملتين مرتبطتان بمسألة الشفعة ، واقحام شي‌ء مستقل بينهما أمر غير مناسب.

وجمعا بين تصديق عاقبة وتصديق عبادة يمكن ان نفترض انّ عبادة قد سمع مرتين من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضية لا ضرر ؛ سمعها مرة كقضاء مستقل ، وسمعها اخرى في ذيل قضية الشفعة ، ونقل القضاء المستقل في روايته السابقة وتساهل عن نقلها ثانية كذيل لقضية الشفعة من باب أنّ إسقاطه لا يغيّر في المعنى شيئا ، إذ هو إسقاط للتعليل لا أكثر ؛ وقد شجّعه على ذلك ذكره لقضية لا ضرر بعد ذلك‌

١٠٧

كقضاء مستقل.

هذا كله لو سلّمنا بوثاقة عبادة وصحّة الرواية من ناحيته ومن ناحية بقية أفراد السند ، وإلاّ فالمجال للمناقشة واسع ، إذ يقال : سلّمنا بوثاقة عبادة وجلالته ، ولكن ذلك لا يلزم منه وثاقة جميع أفراد السند غير عبادة.

ومع عدم ثبوت صحّة الرواية سندا كيف تجعل قرينة على التصرّف في رواية عاقبة بن خالد؟

نكات اخرى‌

ذكر الميرزا في رسالته بعض النكات الاخرى لإثبات انّ قضية لا ضرر قضية مستقلة لا ربط لها بسابقها ، ووافقه السيد الخوئي على بعضها وأشار لها في مصباح الاصول (١) ، نذكر منها :

١ ـ انّ قاعدة لا ضرر لا ربط لها بمسألة الشفعة ، فانّ قاعدة لا ضرر تنفي كل حكم يتولّد منه الضرر.

وفي المقام نقول : انّ الضرر امّا ان ينشأ من بيع الشريك حصته لشخص ثالث أو ينشأ من لزوم ذلك البيع لا من نفسه ؛ وعلى الأوّل يلزم بطلان البيع وانتفاؤه لا الحكم بصحته وثبوت حق الشفعة للشريك.

وعلى الثاني يلزم انتفاء لزوم البيع وكونه مشتملا على الخيار بحيث يحقّ للشريك الأوّل فسخ البيع ورجوع الحصة المباعة إلى ملك الشريك البائع.

وعلى كلا التقديرين لا معنى لثبوت الشفعة للشريك بنحو ينقلها‌

__________________

(١) مصباح الأصول ٢ : ٥٢١.

١٠٨

إلى ملك نفسه. ان هذا حكم لا يستفاد من قضية لا ضرر كما أوضحنا.

أجل ، لو قلنا بأنّ حديث لا ضرر يدلّ على لزوم جبران الضرر الوارد على الشخص لأمكن أن يقال بانّ الاستشهاد بقضية لا ضرر هو من باب إفادة انّ الضرر الوارد على الشريك لا بدّ من جبره ، وذلك لا يكون إلاّ بتشريع حق الشفعة.

ولكن يرد ذلك أنّ حديث نفي الضرر حديث نفي لا حديث إثبات فهو وارد لبيان انتفاء كل حكم يلزم منه الضرر لا اثبات كل حكم ينجبر به الضرر.

هذه حصيلة النكتة الاولى.

ويردها : ان ثبوت حقّ الشفعة لو لم يمكنّا استفادته من حديث لا ضرر فهذا لا يعني رفع اليد عن ظهور حديث عاقبة في كون قاعدة لا ضرر ذكرت فيه كذيل وتعليل ، بل ينبغي ان نقول : انّ وجه التعليل قد خفي علينا ولا نعرفه لا انّه لا يوجد وجه للتعليل وبالتالي ننكر كونه ذيلا.

هذا مضافا إلى إمكان ان يقال : انّ ذكر قضية لا ضرر كتعليل يدل على انّ المقصود منها ـ قضية لا ضرر ـ أوسع ممّا نفهمه ، فنحن كنّا نفهم منها انّها واردة لبيان النفي لا اثبات وتشريع ما يجبر به الضرر ، ومن المناسب انّ نرفع اليد عن هذا الفهم ، ونقول : انّ المقصود منها الأعم من النفي واثبات التشريع الجابر بقرينة ذكرها ذيلا وتعليلا.

على انّ بالامكان استفادة ثبوت حق الشفعة من قاعدة لا ضرر بتقريب : انّ الشريك إذا أراد بيع حصته فالمجتمع والفطرة والعقلاء يحكمون بأحقيّة الشريك الآخر بالحصة فيما إذا استعدّ لأخذها بالثمن‌

١٠٩

الذي يطلبه بائعها ، فانّ غرض البائع ليس إلاّ تحصيل الثمن والمفروض انّ الشريك الآخر يبذله ، وبيع الحصة لغيره دونه ادخال للشريك عليه دون أي مسوّغ.

انّ هذا الحق ثابت للشريك ، فإذا لم يشرّع له حق الشفعة لزم سلب حقه ، وسلب الحق نحو من أنحاء الضرر.

انّ الضرر لا يختص بالنقص في المال أو البدن ، بل يعمّ عدم منح صاحب الحق حقه.

أجل هناك بعض الحقوق الاجتماعية لم يمضها الشارع فعدم منحها لا يعدّ ضررا ، من قبيل عدم تزويج بنت العمّ لابن عمّها.

أما مثل حق الشفعة فهو حق اجتماعي وعقلائي وقد أمضاه الشارع ، وسلب مثله وعدم منحه يعدّ ضررا.

وبهذا يتّضح انّ الضرر اللازم في المقام ليس هو في البيع نفسه ولا في لزومه ، بل في عدم إعمال حق الشريك الذي تولّد بسبب بيع الشريك الآخر.

٢ ـ وهذه النكتة ناظرة إلى حديث فضل الماء ، وحاصلها انّ قضية لا ضرر لا يمكن أن تكون ذيلا وعلّة للحكم بالمنع عن فضل الماء ، لأن الشخص الذي له بئر وفضل قسم من مائها له الحق في منع الآخرين من الاستفادة من مائها لأنّها ملكه وحقه ، غايته ان منعه الآخرين مكروه ومرجوح لا انّه محرّم ، ومع كون المنع جائزا ومرجوحا فلا معنى لتعليله بقضية لا ضرر التي تدل على حكم لزومي.

ان التعليل بقضية لا ضرر يدل على انّ منع الآخرين من الاستفادة من فاضل الماء محرم ، والحال ان المنع مكروه ، وتعليل المنع‌

١١٠

المكروه بما يدل على التحريم غير وجيه ، وعليه فيتعين ان تكون قضية لا ضرر مستقلة.

وتحقيق الحال في هذه النكتة يرتبط بتحقيق الحال في مسألة المنع عن فضل الماء وهل ذلك ـ المنع من الفاضل ـ حق لصاحب البئر أو لا.

ان المعروف انّ من حفر بئرا أو عينا فهو مالك لها ، سواء كان ذلك الحفر في أرض مباحة أو في التي هي ملكه ، إلاّ انّ بالامكان أن يقال : انّه لا يملكها أو بالأحرى يملكها في حدود حاجته ، ولا بدّ له من فسح المجال أمام الآخرين بالمقدار الزائد عن حاجته.

والمستند في ذلك باختصار : ان دليل الملكيّة ، امّا قاعدة من حاز ملك ، أو السيرة العقلائية على انّ من حفر بئرا أو استخرج معدنا فهو ملك له ، أو هو الاجماع التعبّدي.

امّا قاعدة من حاز ملك فهي مردودة ، باعتبار انّها ليست مدلولا لدليل لفظي ليتمسك باطلاقه وإنّما مستندها السيرة العقلائية ؛ وعليه فيلزم الرجوع إلى السيرة.

والسيرة مدفوعة بأن القدر المتيقن منها الحكم بملك الحائز فيما إذا كانت الحيازة للطير أو للسمك أو للأرض أو لغير ذلك مما هو في حدود حاجة الحائز ، اما إذا حاز مقدارا أكبر من حاجته فلا يحرز التعامل معه معاملة المالك.

وعلى تقدير ثبوت مثل هذه السيرة على اطلاقها فهي لا تكون حجة إلاّ مع الامضاء الشرعي ، وهو غير ثابت لاحتمال الردع بمثل رواية عاقبة وغيرها التي نهي فيها عن فضل الماء ليمنع من فضل الكلأ.

١١١

وإذا قيل بأنّ هذه الرواية لم تثبت حجيتها لضعف سندها.

أجبنا : انّ الرواية وانّ كانت ضعيفة السند إلاّ انّه يحتمل صدورها واقعا ، ومع ثبوت الاحتمال المذكور فلا نجزم بعدم الردع وبالتالي لا يجزم بالامضاء.

واما الاجماع التعبّدي فهو مدفوع بمخالفة الشيخ الطوسي ، حيث ذكر في المبسوط : كل موضع قلنا : انّه يملك البئر فانّه أحق بمائها بقدر حاجته لشربه وشرب ماشيته وسقي زرعه ، فإذا فضل بعد ذلك شي‌ء وجب عليه بذله بلا عوض لمن احتاج إليه لشربه وشرب ماشيته من السابلة وغيرهم ، وليس له منع الماء الفاضل من حاجته حتى لا يتمكن غيره من رعي الكلأ الذي يقرب ذلك الماء (١).

وعليه فلا إشكال في التعليل بقاعدة لا ضرر من هذه الناحية.

٥ ـ توضيح مفردات الحديث‌

اشتمل الحديث على كلمة «ضرر» و«ضرار» ، ولا بدّ من توضيح المقصود منهما.

أمّا الضرر فقد ذكر غير واحد أنّه النقص في المال أو البدن أو العرض.

وقد يقيد ذلك بما إذا كان النقص موجبا لوقوع الشخص في الضيق والشدّة؛فالتاجر الذي يملك الملايين إذا ضاع منه بعض الدنانير لا يصدق عليه انّه تضرر ، بخلاف ذلك في الفقير.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٨١.

١١٢

والمناسب عدم تخصيص الضرر بالنقص في أحد الامور الثلاثة المتقدمة ، بل تعميمه للنقص في الحق أيضا ؛ فمن كان له حق عقلائي وشرعي في قضية معيّنة فالمنع من ممارسته لحقه المذكور ضرر أيضا.

فمثلا من حق الشخص ان يعيش في داره حرّا ، والحيلولة دون ممارسة حقه ـ كما حال سمرة دون إعمال الأنصاري حقّه هذا في داره ـ ضرر.

ومن حق كل إنسان ممارسة أي عمل شرعي كالتصدير والاستيراد ونحو ذلك من الأعمال ، والحيلولة دون ذلك ضرر فيما إذا لم يشكّل ذلك خطرا من ناحية اخرى.

وأمّا مثل حق الطباعة والنشر والتأليف وحقّ الاختراع ، وأمثال ذلك من الحقوق المتداولة في يومنا هذا فهي لو ثبت كونها حقوقا عقلائية وشرعية لأمكن ان تعدّ طباعة الغير للكتاب تضييعا لحق دار النشر والطباعة ، ومن ثمّ يلزم أن يكون ذلك محرما ، إلاّ انّ كون هذه حقوقا عقلائية وشرعية لأصحابها أوّل الكلام ، فان كل دار نشر لديها جهاز خاص بالطباعة لنفسها ، ولها حقّ التصرف في جهازها وأوراقها والأدوات الخاصة بها ، والحيلولة دون ممارسة حقّها هذا هو الذي يعدّ ضررا ، وإذا مارست حقها هذا لم يعد ذلك اضرارا بدار النشر التي احتفظت بهذا الحق لنفسها ، فانّ هذا الحق الذي احتفظت به لنفسها ليس حقا في نظر الشرع والعقلاء ؛ وأي حق يتولد بمجرد الكتابة على صفحة الغلاف : ان حقوق الطبع محفوظة لدار النشر؟!! وهل يحتمل ان طبعه‌

١١٣

للكتاب قبل غيره ومسارعته إلى ذلك يولّد له حقا؟! (١) ان ذلك مضحك.

وبالجملة نحن نسلّم ان بعض هذه أو كلها لو ثبت كونها حقوقا عقلائية وشرعية فالتجاوز عليها ضرر ، إلاّ ان الكلام في كونها حقوقا.

والمهم في النتيجة التي نريد الخروج بها هي : ان الضرر لا يختص بالنقص في المال أو العرض أو البدن ، بل التجاوز على حقوق الآخرين والتعدّي عليها ضرر أيضا.

الفرق بين الضرر والضرار :

عرفنا فيما سبق ان مادة الضرر ـ أي كلمة ضرر ـ تدل على النقص ، وكلتا الكلمتين تشتركان في هذا المعنى ، وذلك نقطة اشتراك بينهما ، ولكن ما هي مادة الامتياز؟

فمثلا كلمة كتب وكاتب تشتركان في الدلالة على أصل الكتابة ، ولكن بالرغم من هذا الاشتراك تمتاز كل واحدة عن الأخرى في نقطة ، وهي ان كتب تدل على الكتابة بنحو تلبّس الفاعل بها في الزمن السابق ، وهذا بخلاف كاتب فانّها تدل على التلبّس الفعلي من دون دلالة على الزمن.

والسؤال في مقامنا عن الفارق بين كلمة ضرر وضرار بعد اشتراكهما في الدلالة على أصل النقص.

ويمكن ان يفرّق بينهما بان الضرر اسم مصدر ، بينما الضرار مصدر.

__________________

(١) وإذا قيل : كيف لا يكون للمؤلف حقّ وهو قد بذل جهودا فكرية كبيرة؟ أجبنا : انّ لازم انّ المطالب العلمية التي يسجلها بعض المفكرين في كتبهم لا يحقّ للآخرين الاستفادة منها والتبنّي لها ، وهو واضح البطلان.

١١٤

والفارق بين المصدر واسمه هو : ان الكلمة تارة تدل على مجرد الحدث مع قطع النظر عن حيثيّة صدوره من الفاعل ، أو بالأحرى من دون دلالتها على النسبة إلى الفاعل ، وأخرى تدل عليه مع ملاحظة حيثيّة صدوره من الفاعل. والأول هو اسم المصدر ، والثاني هو المصدر. فمثلا العلم إذا لوحظ منسوبا إلى الفاعل وقيل علم زيد بالقضية ثابت فهو مصدر ، أمّا إذا قيل العلم خير من الجهل فهو اسم مصدر.

وغالبا لا فرق بين المصدر واسمه في اللفظ في اللغة العربية (١) ، بينما على العكس في اللغة الفارسية ، حيث يختم المصدر بالنون بخلاف اسم المصدر فيقال : «گفتن وگفتار ، ورفتن ورفتار ، وكشتن وكشتار ، وكتك وزدن ، و ...».

وإذا أردنا ان نمثل للمصدر واسمه المختلفين في اللغة العربية فيمكن ان نمثل بالضرر والضرار ؛ فان الضرر هو نفس النقص بلا لحاظ حيثية صدوره من الفاعل، فحينما يقال : ضرر فلان عظيم يقصد انّ نفس النقيصة فاحشة وعظيمة ، ولا يراد انّ النقيصة التي أدخلها وفعلها فلان عظيمة. انّ حيثيّة فعلها من فلان أو فلان ليست ملحوظة ، وإنّما الملحوظ هو النقص بما هو نقص بقطع النظر عن صدوره من هذا أو ذاك. وهذا كله بخلاف الضرار فان حيثية الصدور من الفاعل ملحوظة ، فيقال : ضرار فلان عظيم. أي : انّ الضرر الذي قام به فلان وصدر منه عظيم.

__________________

(١) ويمكن أن يمثل للمختلفين لفظا بالضرر والضرار وبالتلف والاتلاف والنفع والمنفعة.

١١٥

معنى الضرار‌

بعد ان عرفنا ان الضرار مصدر نسأل عن معناه ، إذ الضرار يحتمل كونه مصدرا لضرّ ، ويحتمل كونه مصدرا لضارّ ؛ فان ضرّ يأتي مصدره ضرا وضرارا (١). وضارّـ الذي هو على وزن فاعل ـ يأتي مصدره على وزن فعال ومفاعلة ، أي : ضرار ومضارة (٢).

ثم إنّه إذا كان مصدرا لضارّ ، يقال بان الضرار مصدر باب المفاعلة ؛ إذ مصدر ضارّ وإن لم ينحصر بالمفاعلة بل يأتي مصدره على وزن فعال ، إلاّ انّه ينسب إلى باب المفاعلة من باب النسبة إلى أشهر المصدرين.

وبالجملة إذا كان الضرار مصدرا لضارّ ـ أي كان مصدرا من باب المفاعلة ـ فقد يقال بدلالته على المشاركة ، أي لا يضرّ هذا ذاك ولا ذاك هذا فان المنسوب إلى جملة من اللغويين ان باب المفاعلة موضوع للمشاركة ، فقاتل زيد عمرا ، يعني : هذا قاتل ذاك وذاك قاتل هذا ، إلاّ ان النسبة في أحدهما أصلية وفي الآخر تبعية ، فالنسبة بلحاظ الفاعل ـ وهو زيد ـ أصلية بينما بلحاظ المفعول ـ وهو عمرو ـ تبعية.

هذا ، ولكن الشيخ الاصفهاني ـ ووافقه على ذلك جماعة ـ أنكر دلالة باب المفاعلة على المشاركة ، وقال : انّي تتبّعت القرآن من أوله إلى آخره فلم أجد استعمال باب المفاعلة في الدلالة على المشاركة.

__________________

(١) فإنّ الفعل الثلاثي قد يأتي مصدره على فعال ، من قبيل كتب كتابا ، وحسب حسابا ، وقام قياما.

(٢) في شرح ابن عقيل ٢ : ١٣١ ، كل فعل على وزن فاعل فمصدره الفعال والمفاعلة ، نحو :

ضارب ضرابا ومضاربة ، وقاتل قتالا ومقاتلة ، وخاصم خصاما ومخاصمة.

١١٦

وعلى أي حال ، سواء تمّ ما أفاده أو لا ففي خصوص الحديث لم يقصد من كلمة الضرار الدلالة على المشاركة ، إذ الضرر كان صادرا من سمرة فقط دون الأنصاري. وسوف يأتي إن شاء الله تعالى في النقطة التالية أنّ استشهاد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما هو بفقرة «لا ضرار» دون «لا ضرر».

وبعد عدم كون المشاركة مقصودة فما هو المقصود إذن؟

ان المصدر وان دلّ على صدور الحدث من الفاعل ، إلاّ ان هذا المقدار قضية تشترك فيها جميع المصادر ، ولكن دلالة بعض المصادر تختلف عن دلالة بعضها الآخر ، والسؤال عن دلالة هيئة الضرار ما هي؟

لا يبعد دلالة كلمة «ضرار» على صدور الضرر من الفاعل أمّا بنحو الاستمرار والتكرّر ، أو بنحو التقصّد والتعمّد واتّخاذ ذريعة باطلة إليه ، فلا ضرار يعني : لا يصدر منكم الضرر متقصدين إليه ومتشبّثين ببعض الذرائع الواهية.

ولعل بعض الاستعمالات القرآنية تساعد على ذلك ، قال تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) (١) ، وقال : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ...) (٢) ، وقال : (... وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ...) (٣) وقال :

__________________

(١) البقرة : ٢٣١.

(٢) التوبة : ١٠٧.

(٣) البقرة : ٢٨٢.

١١٧

(... لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ...) (١) إلى غير ذلك.

والنتيجة المستخلصة من كل هذا أنّ كلمة الضرر تدل على نفس النقص ، وكلمة الضرار تدل على الضرر الصادر من الفاعل عن تعمّد وقصد.

٦ ـ المقصود من قاعدة لا ضرر‌

بعد أن عرفنا المقصود من كلمة الضرر والضرار يقع الكلام في المقصود من مجموع الجملة وأنّه ما ذا تريد أن تقول وتبيّن.

إن أهم نقطة من نقاط البحث عن قاعدة لا ضرر هي هذه النقطة.

وقد اختلفت الاجابة عن هذا التساؤل ، ونذكر المهمّ منها كما يلي :

أ ـ انّ المقصود النهي وإفادة تحريم الضرر تكليفا. وهذا الرأي ذكره الآخوند في الكفاية ، واختاره شيخ الشريعة الاصفهاني.

ب ـ ان المقصود نفي الضرر غير المتدارك. وهذا هو المنسوب للفاضل التوني.

ج ـ ان المقصود نفي تشريع الحكم الذي يستلزم الضرر ويسببه.

وهذا ما اختاره الشيخ الاعظم والميرزا والسيد الخوئي.

د ـ ان المقصود نفي الحكم بلسان نفي الموضوع. وهذا ما اختاره الآخوند الخراساني في الكفاية.

ويأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى توضيح الفرق بين هذا الرأي وما قبله.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٣.

١١٨

وبعد هذا نأخذ بالتحدّث بشكل مختصر عن كل واحد من هذه الآراء ، ثم بيان ما هو المختار.

توضيح الرأي الأول‌

ان تفسير القاعدة بالتحريم التكليفي للضرر يمكن ان يتم بأحد الطرق الثلاث التالية :

أ ـ استعمال «لا» النافية في النهي بنحو المجاز والاستعمال في المعنى غير الموضوع له.

ب ـ تقدير خبر محذوف ، أي : لا ضرر جائز.

ج ـ ان تكون الجملة مستعملة في الإخبار عن النفي بقصد النهي ، نظير استعمال جملة بعت بداعي الانشاء.

الدليل على الرأي الاول‌

ان كيفية تخريج إرادة النهي من الحديث ليس بمهم ، وإنّما المهم إقامة الدليل على اثبات ذلك.

وإذا رجعنا إلى كلمات شيخ الشريعة في رسالة لا ضرر وجدناه يذكر الوجوه التالية :

أ ـ ان الشائع من الاستعمال المذكور إرادة النهي ، من قبيل(... فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ...) (١) ، (... فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ ...)(٢) ، ومن قبيل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا طاعة لمخلوق في معصية‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٧.

(٢) طه : ٩٧.

وفي مجمع البيان : معنى لا مساس : لا يمسّ بعض بعضا فصار السامري يهيم في البراري لا يمسّه أحد ولا يمسّ أحدا عقوبة من الله سبحانه له ، وكان إذا لقي أحدا يقول : لا مساس ،

١١٩

الخالق» ، و«لا غشّ بين المسلمين». إلى غير ذلك من الشواهد التي أكثر منها.

ومن الغريب في المقام ان الآخوند ذكر في الكفاية ان استعمال التركيب المذكور لإفادة النهي غير معهود ، بينما شيخ الشريعة يقول : إنّ ذلك هو الشائع.

ثمّ إنّه إذا أشكلنا على شيخ الشريعة بأنّ استعمال التركيب المذكور في غير النهي معهود أيضا من قبيل «لا شكّ لكثير الشك» ، «لا ربا بين الوالد وولده» وأمثال ذلك.

أجاب بأنّ الأمثلة المذكورة لا يصح الاستشهاد بها ، لأنّ الشارع المقدّس قد أعطى للربا حكما معينا وهو الحرمة ، وقد أثبت ذلك لطبيعيّه ، واريد بالجملة المذكورة نفي الموضوع وتنزيله منزلة العدم بلحاظ بعض أفراده ، وكأنّه يراد أن يقال : هذا الفرد ليس من الربا ، ومن ثمّ لا يثبت له الحكم الثابت لطبيعي الربا وهو الحرمة ؛ وأين ذلك من المقام الذي لا يوجد فيه حكم عام للضرر ليراد نفي ذلك الحكم من خلال تنزيل بعض أفراده منزلة العدم.

ب ـ التمسك بالتبادر وان الأذهان الفارغة من الشبهات العلمية لا تنسبق إلاّ إليه.

ج ـ ان الوارد في الحديث انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لسمرة : إنّك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن. وهذا بمنزلة صغرى وكبرى ، أي : إنّك مضار ، والمضارة حرام. وهذا وجيه ، بينما لو كان المقصود أي : لا تمسّني.

١٢٠