الدعوة في كلمة التوحيد

الشيخ محمّد صالح

الدعوة في كلمة التوحيد

المؤلف:

الشيخ محمّد صالح


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٢١

١
٢

٣
٤

٥
٦

مقدّمة التحقيق

٧
٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمِ

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله علىٰ محمد رسوله الأمين وآله الغرّ الميامين ، الدعاة إلىٰ تأليف الاُمّة ، والهداة إلىٰ تأسيس أركان هذا الدين الحنيف.

وبعد :

فإنّ الاُمّة الإسلاميّة بعد وفاة رسول الأكرم صلى الله عليه واله قد أصابها شدخ عظيم بنشوء التحزّبات وعودة القبليّة حينما كان كل طرف من المهاجرين والأنصار يريد أن يكون الخليفة والأمير منه ، وحينما تعيا بهم السبل يقترح أحدهم قائلاً : منّا أمير ومنكم أمير (١).

وتستمرّ حالة من الفوضىٰ والمهاترات لترسو أخيراً علىٰ حلّ للأزمة هو ليس بحلّ حقيقي. وكان على أثر هذا أن تشعّبت الاُمّة واختلفت مذاهبها في الفروع والاُصول ، فحدثت هناك مدارس فقهيّة متعدّدة بعضها اتّخذ طابع الاجتهاد مقابل النصّ ، وبعضها

__________________

(١) انظر البداية والنهاية ٢٦٧ : ٥.

٩

اتّخذ من السنّة والالتزام الحرفيّ بها مذهباً له ، ومال بعض إلى الأقيسة والاستحسانات.

هذا علىٰ صعيد الواقع الفقهيّ ، أما على الصعيد المذهبيّ والعقائديّ ، فقد حدثت هناك صدمة في واقع الإسلام بعد الاختلاف في قضيّة خلافة الرسول صلى الله عليه واله وفي الخليفة بعده.

وقد أرجع بعض الكتّاب نشوء المذاهب والفرق التي تكوّنت بعد حادقة السقيفة إلىٰ تظافر عدة عوامل منها :

١ ـ ابتعاد الاُمّة عن الخط الرسالي الصحيح المتمثّل بالأئمّة ، سلام الله عليهم.

٢ ـ بروز ظاهرة تحريف الأخبار الواردة عن الرسول صلى الله عليه واله وتأويلها بما يناسب الحكام في ذلك الزمان.

٣ ـ الأفكار المستوردة من اليونان والهند بعد اتّساع ارقعة الأُمّة الإسلاميّة عبر الفتوحات الّتي حصلت في عهد الخليفة الثاني ومن بعده.

٤ ـ الرواسب القبليّة الّتي كانت ولا تزال آثارها باقية في نفوس بعض الأعراب ممّن دانوا بالإسلام لا عن عقيدة واقتناع واضحين.

وفي مقابل كل ذلك ظلّت مدرسة أهل البيت عليهم السلام محافظة علىٰ نهجها الرسالي الّذي رسمه رسول الله صلى الله عليه واله لها ، سواء علىٰ صعيد الفروع أو الاُصول. وتمثّل امتداده بإفاضات أهل البيت عليهم السلام سبل

١٠

الهداية لهذه الاُمّة والتصدّي لكلّ انحراف أو فكر دخيل على الإسلام يطرأ علىٰ معتقدات الناس أو أحكامهم (١).

وكان للأئمّة عليهم السلام دور بارز في شدّ عرىٰ الاُمّة ، وتأليف كلمتهم ، وتوجيه الساسة والحكام ، وتقديم النصح الخالص لهم. ولو تتبّعنا هذا لرأيناه معلماً بارزاً في حياة كل حلقة من حلقات السلسلة الذهبيّة المباركة. فكم أبدىٰ أمير المؤمنين عليه السلام من حل لكثير من قضايا عويصة اعترضت الخلفاء الثلاثة حتّىٰ قال فيه أبو بكر : (أقيلوني فلست بخيّركم وعليّ فيكم) (٢).

وقال عمر بن الخطّاب : (لولا عليّ هلك عمر) (٣).

وقال : سعيد بن المسيّب : (كان عمر يتعوّذ بالله عن معضلة ليس لها أبو الحسن) (٤).

وقال : (عليّ أفضلنا) (٥).

وقال : (عليّ أقضانا) (٦).

ولعلّ من أبرز مظاهر ذلك وقوف الحسنين عليهما السلام دون عثمان في تلك الفتنة المشهورة ، وإصابة الحسن عليه السلام وهو يدافع عنه.

__________________

(١) انظر الملل والنحل (السبحاني) ٤٧ : ١ ـ ١٠٩.

(٢) تجريد الاعتقاد : ٢٤٤ ، إحقاق الحقّ ٢٣٩ : ٨.

(٣) إحقاق الحقّ ١٨٢ : ٨ ـ ١٩٢ ، ذخائر العقبىٰ : ٨٢.

(٤) إحقاق الحقّ : ١٩٣ : ٨ ـ ٢٠١ ، كفاية الطالب : ٢١٧ ، الاستيعاب (هامش الإصابة) ٣٩ : ٣.

(٥) الاستيعاب ٢٠٥ : ٣.

(٦) الاستيعاب (هامش الإصابة) ٣٩ : ٣.

١١

ومن أراد ان يستزيد فليرجع إلىٰ موصوعة (إحقاق الحقّ) (١).

وهذا الإمام الباقر عليه السلام ينقذ الدولة الإسلاميّة وعبدَ الملك بن مروان من أزمة اقتصاديّة كادت تعصف بالدولة آنذاك حينما هدّد ملك الروم عبدَ الملك إن هو لم يَنْصَع له أن يقطع عنه المسكوك من العملة. وكان أشار الباقر عليه السلام بضرب النقود في البلاد الإسلاميّة؛ كي تتحرّر من تبعيّتها لدولة الروم (٢).

وهكذا حال سائر الأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ إماماً بعد إمام ، فهم لا يألون الخلفاء نصحاً ، ولا يبخلون عليهم بتوجيه؛ وكلّ ذلك من أجل بقاء هذه الدولة الّتي قامت بالإسلام مع علمهم ـ سلام الله عليهم ـ بما لهم من الحق في سياستها ورئاستها وريادتها.

وكان الأئمّة عليهم السلام يحثّون شيعتهم علىٰ وحدة الكلمة؛ حفاظاً علىٰ وحدة المسلمين ، فهذا رئيس المذهب الإمام الصادق عليه السلام يحثّ على الصلاة مع إخواننا أهل السنّة حتّىٰ إنّه قال : «من صلّىٰ معهم في الصفّ الأوّل ، كان كمن صلّىٰ خلف رسول الله صلى الله عليه واله في الصفّ الأوّل» (٣).

وفي بعضها : «كالشاهر سيفه في سبيل الله» (٤).

والإسلام الحنيف إذا كان يدعونا للحوار مع أهل الكتاب ويؤكّد

__________________

(١) إحقاق الحقّ ١٨٢ : ٨ ـ ٢٤٢.

(٢) انظر حياة الحيوان الكبرىٰ ٩٠ : ١ ـ ٩١.

(٣) الكافي ٣٧٩ : ٣/ باب : الرجل يصلّي وحده ثم يعيد جماعة ، ح ١. الأمالي (الصدوق) : ٤٩٩/٦٠٦.

(٤) التهذيب ٢٧٧ : ٣/٨٠٩.

١٢

علىٰ ذلك : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ) (١) ، فإن الدعوة إلى الحوار داخل الهيكل الإسلامي هي أكثر مطلوبيّة ، فصاحب البيت أدرىٰ بالّذي فيه؛ ولذا نجد الأئمّة ـ سلام الله عليهم يؤكّدون علىٰ هذا الجانب عبر إرشاداتهم ووصاياهم للاُمّة. يقول أمير المؤمنين عليه السلام : «والزموا السواد الأعظم؛ فإن يد الله مع الجماعة وإيّاكم والفرقة؛ فإن الشاذّ من الناس الشيطان» (٢).

وكيف لايكون هذا ، والرسول صلى الله عليه واله يقول : «الناس مثل أسنان المشط ، لا فضل للعربيّ على العجميّ ولا للأحمر على الأسود إلّا بالتقوىٰ؟» (٣)

وعلى أيّة حال ، فإن دعوة أئمّتنا ـ سلام الله عليهم ـ واضحة في مجال الوحدة والانتظام في صفّ الجماعة شريطة مراعاة أحكامها ولوازمها. وقد سار علماؤنا علىٰ هذا النهج؛ إرساء لدعائم الدين عبر الحفاظ علىٰ قاعدته متراصّة قويّة ، وكان ممّن أدلىٰ بدلوه في هذا الباب ، وأولىٰ هذا الأمر أهميّة كبرىٰ في نشاطه العلمي. مؤلّف هذا الكتاب سماحة العلّامة الحجّة الشيخ محمد صالح المبارك القطيفي.

الكتاب ومنهجيّة المؤلّف فيه

وقد اتّبع في كتابه هذا طريق التقريب بين المسلمين ودعوتهم إلىٰ فهم بعضهم البعض قبل أن يكيل أحدهم الاتّهامات الجائرة

__________________

(١) آل عمران : ٦٤.

(٢) نهج البلاغة : ٢٤١/ الكلام : ١٢٧.

(٣) الاختصاص : ٣٤١.

١٣

لإخوانه. ويمكن لنا أن نتبيّن بعض ملامح منهجيّة المؤلّف في كتابه هذا بالآتي :

١ ـ تأكيده على أن الخلافات التي بين السنّة والشيعة ـ إذا لم ينظر فيها جانب مذهبيّ ـ لاتعدو أن تكون خلافات طبيعيّة كتلك الّتي بين المذهب الحنفي والمالكي وغيرهما. فكما أنه لم يقل أحد من أهل السنّة : إنّه لا يصح المتذهب بمذهب أبي حنفية أو المالكي أو... كذلك لا يمكن أن يقال : لايصح التمذهب بمذهب جعفر الصادق عليه السلام. وهذا جارٍ في كلّ موارد الخلاف إلّا في مسألة الإمامة فالخلاف فيها أبعد من هذا.

٢ ـ إيضاح ما عليه الشيعة من عقائد والتزامات بالأحكام الشرعيّة ، وبيان أنهم لا يختلفون عن غيرهم من المذاهب في ذلك كالتوحيد ومعرفة الخالق والنبوّة والصلاة والحجّ والزكاة وما إلىٰ ذلك.

٣ ـ دعوة الإخوان من أهل السنة إلىٰ فهم الفكر الشيعيّ وحقيقة المذهب الشيعي من خلال كتب أساطينه لا من خلال ما يُكتب عنهم؛ فقد يكتب عنهم من لا اطّلاع له علىٰ حقيقة هذا المذهب ، ولا يعرف مشاربه.

٤ ـ تأكيده على أن الوحدة والتديّن بها لا تتنافىٰ مع اعتراف الطرف الآخر بكون دليله ضعيفاً ، فاعترافه بهذا فضيلة له دون أن يعني هذا أنه مبطل وندّه محقّ.

١٤

٥ ـ إرجاع الحالة التي يعيشها المسلمون من تنابذ وتناكر وما يعانون منها أشدّ المعاناة إلى العدوّ الأجنبي ما انفكّ يترصّد بالاُمّة ليوقع بها.

٦ ـ توجيه بعض التصرّفات عند الخلفاء بوجه لايبقىٰ معه مجال للتهمة ضدّه كما فعل مع مسألة تحريم الخليفة عمر للمتعة ، حيث فسّرها على أنها اجتهاد من الخليفة الثاني الغرض منه حفظ الدين وصون حدوده؛ إذ كانت ردّة فعل لقضيّة جزئيّة كان قد استنكرها؛ لأنه رأىٰ فيها خروجاً علىٰ حدود هذا الدين.

وخلاصة القول أن الكتاب كلّه ينصبّ باتّجاه هذه المحاور ويدور حولها مؤكّداً على أهميّة الوحدة في كل حال وزمان ومكان.

مؤلف الكتاب

هو الشيخ محمد صالح ابن الشيخ علي ابن الشيخ سليمان آل حميدان الأحسائي الصفواني القطيفي ، من أعلام القطيف البارزين.

ولد في السادس والعشرين من شهر رجب عام (١٣١٨) ه في (القطيف) ، وبها نشأ وترعرع. درس المقدّمات عام (١٣٣٠) ه ، فقد قرأ الآجُرّوميّة علىٰ والده وبقيّة متون النحو وحاشية الملا عبدالله في المنطق على الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الله البصريّ ، والشرائع واللمعة والقوانين والرسائل والكفاية والعرشية عند الشيخ علي ابن الحاج حسن علي الخنيزي ، وقد تولّى القضاء في (القطيف) بعد وفاة

١٥

العلّامة آية الله الشيخ علي الجيشي عام (١٣٧٦) ه.

وكان ينظم الشعر لكنه كان مقلّاً؛ حيث يقتصر في ذلك علىٰ بعض المناسبات كما في تأبين الشيخ عبد الله بن معتوق التاروتي المتوفّىٰ عام (١٣٦٢) ه ، فقد أبّنه بقصيدة مطلعها :

نبأ منه في القلوب كلوم

رسخت والقضا به محتوم

وله من الآثار العلميّة حواشٍ كثيرة علىٰ (المكاسب) و (اللمعة) و (الكفاية) و (الرسائل) إضافة إلىٰ كتابه الفقهي الاستدلالي : (هداية العقول في فقه الرسول) ، وفي مقدّمته بعض إجازات الاجتهاد الصادرة في شأنه ، وكتاب (الدعوة في كلمة التوحيد) الذي بين يديك عزيزي القارئ.

توفي رحمه الله عام (١٣٩٤) ه.

منهج التحقيق

لقد اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب علىٰ نسخة مطبوعة في النجف الأشرف عام (١٩٣٣ م / ١٩٥٣ م) ، وكانت ـ لما كانت عليه حال الطباعة آنذاك ـ مليئة بالأخطاء المطبعيّة ، وقد عمدنا إلىٰ تصحيحها فكنّا نشير إلى أصل الكلمة المصحّحة في الهامش بعد وضعها بين معقوفتين [ ] في المتن. أمّا الكلمات الّتي تضاف إلى النصّ؛ لاقتضاء السياق ذلك فكنا نضعها بين معقوفتين [ ] أيضاً دون أن نشير إليها في الهامش ، وكذلك الكلمات التي أضفناها إلى المتن

١٦

من المصدر فقد وضعناها بين خطين عموديين || مع عدم الإشارة إليها في الهامش مكتفين في كلّ ذلك بالإشارة إليه في المقدّمة.

أمّا العناوين الّتي أضفناها إلى الكتاب ، فقد عمدنا إلىٰ تظليلها داخل مستطيل ، وتركنا العناوين الّتي أضافها المؤلّف بنفسه دون تصرّف فيها.

وقد تشكّلت لجنة لتحقيق الكتاب وفق المراحل التالية :

١ ـ مرحلة الصف والإخراج الفني.

٢ ـ مرحلة مقابلة المطبوع على الأصل.

٣ ـ مرحلة التخريج.

٤ ـ مرحلة التقويم.

٥ ـ المراجعة النهائية.

شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث

مصطفى آل مرهون

ضياء ال سنبل

١٧
١٨

مقدّمة الكتاب

١٩
٢٠