شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٩

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٩

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما قوله : إن ياء التصغير لمعنى ، والمعنى فالجواب عندي من وجهين ؛ أحدهما : أن المحذوف لإعلال تصريفي في حكم المذكور. ثانيها : أن الياء وحدها لم تكن المستقلة بالدلالة على التصغير ؛ بل الدال عليه مع الياء ضم أول الاسم ، وفتح ثانيه فبزوال الياء لم تفت الدلالة على التصغير.

وأما قوله : أن حذف الثانية لا يجوز لتوالي إعلالين ، فهذا منه بناء على أن الياء التي كانت حذفت من : كسّي المصغر قبل النسب إليه هي الياء المبدلة من الألف الزائدة في : كساء ، والأمر ليس كذلك ، فإن النحاة نصوا على أن المحذوف في مثل ذلك إنما هو الياء الأخيرة (١) ، وقد قال سيبويه ـ رحمه‌الله تعالى : واعلم أنه إذا كان بعد ياء التصغير إن حذفت التي هي آخر الحروف (ويصير) (٢) الحرف على مثال : فعيل ، ويجري على وجوه العربية وذلك قولك في عطاء : عطي وقضاء :قضي وسقاية : سقيّة وإداوة : أديّة وفي شاوية : شويّة ، وفي غاو : غوي ، إلا أن تقول : شويوية وغويو في من قال : أسيود (٣) ؛ وذلك لأن اللام إذا كانت بعد كسرة (اعتلت ، واستثقلت إذا كانت بعد كسرة) في غير المعتل فلما كانت بعد كسرة في ياء قبل تلك اليائيان التحقير ـ ازدادوا لها استثقالا فحذفوها (٤). انتهى كلام سيبويه ـ رحمه‌الله تعالى ـ وإذا قلت : إن المحذوف قبل النسب في مصغر :عطاء وكساء ، إنما هو الياء التي هي لام الكلمة ، فإذا جاء النسب وحذفنا لأجله ياء التصغير وقلبنا الياء الأخرى واوا كان توالي الإعلالين منتفيا ، وقوله ـ أعني المصنف ـ وقد يعامل ، نحو : قاض ومرمي معاملة : شج وعلي ، وقد تقدم الكلام عليه ولاختصاصها بحكم صار ، نحو : قاض كأنه مستثنى من المنقوص الذي ذكره. ـ

__________________

فيقال : (أميّة) والأصل : أميوة ، وبالمصغر سمي الرجل .... والنسبة إلى (أميّة) : أموي بضم الهمزة على القياس) وانظر : اللسان (أما). وفي الكتاب (٣ / ٣٤٤) (وزعم يونس أن ناسا من العرب ، يقولون : أميّيّ ، فلا يغيرون لما صار إعرابها كإعراب ما لا يعتل).

(١) المنقلبة عن الهمزة الواقعة بعد ألف كساء ، وهي لام الكلمة. انظر : الرضي (١ / ٢٣١) ، والمساعد (٣ / ٣٦١) ، وابن جماعة (١ / ٨٤ ، ٨٥).

(٢) كذا في الكتاب وفي نسختي التحقيق (فيصير).

(٣) ينظر : الخصائص (١ / ١٥٥ ، ٣٥٤) ، (٣ / ٨٤) ، والمقتصب (١ / ٢٥٦) ، (٢ / ٢٤١) ، والرضي (١ / ٢٣٠).

(٤) الكتاب (٢ / ١٣٢).

٤٠١

[ما يحذف قبل الآخر لأجل النسب]

قال ابن مالك : (ويحذف أيضا لياء النّسب ما يليه المكسور لأجلها من ياء مكسورة مدغم فيها [ما لم ينفصل]).

______________________________________________________

قيل : ومرمي كأنه مستثنى من المختوم ياء مشددة ، الذي ذكره أيضا. وشاهد الحذف من المنقوص قول الشاعر :

٤٢٢٠ ـ كأس عزيز من الأعناب عتّقها

لبعض أربابها حانيّة حوم (١)

وشاهد الإثبات فيه قول الآخر :

٤٢٢١ ـ وكيف لنا بالشّرب إن لم يكن لنا

دراهم عند الحانوي ولا نقد (٢)

قال الشيخ : وحانية وقاص [٦ / ٦٣] ونحوهما عند سيبويه القياس فيه الحذف ، وأما القلب فمن شواذ تغيير النسب (٣).

قال ناظر الجيش : يشير بهذا الكلام إلى مسألة يحذف منها لأجل النسب حرف قبل الآخر ، ولا شك أن من جملة التغييرات لبعض الأسماء المنسوبة الحذف ، كما عرفت ، وأن الحذف إما حذف كلمة أو حذف حرف هو آخر أو قبل الآخر ، وقد تقدم الكلام على حذف آخر ما هو كلمة ، وما هو آخر ، وبقي الكلام على حذف ما هو قبل الآخر ، والمصنف أورد ذلك في الفصل الذي يأتي ، وقد كان الأليق أن يضم هذه المسألة إلى المسائل التي سيذكرها ، لكنه أفردها بالذكر هنا والمراد أنه إذا كان قبل الحرف الذي هو آخر الكلمة ياء مكسورة مدغم فيها تحذف ـ

__________________

(١) من البسيط لعلقمة الفحل يصف خمرا ويقصد بالعزيز ملكا من ملوك الأعاجم ، عتقها : تركها حتى عتقت فرقّت. وأربابها : أصحابها ، ويروى : أحبابها أي : أوقاتها من فصح أو عيد ، والحانية :الخمارون ، وهي موضع الشاهد حيث نسب إلى الحانة على القياس ، وحوم : سود يريد أنها من أعناب سود ، ويقال : الحوم جمع حائم ، وهو الذي يقوم على الخمر ويحوم حولها ، وانظر في : ديوانه (ص ١٣١) ، والكتاب (٣ / ٣٤٢) ، والمقرب (٢ / ٦٥) ، والمفضليات (ص ٤٠٢).

(٢) من الطويل قائله ذو الرّمة : وموضع الاستشهاد في البيت ، قوله : حانوي فإنه نسبه إلى الحانية تقديرا ، فقلبت الياء واوا كما في النسبة إلى قاضي على غير القياس ، قال سيبويه : الوجه الحاني ، لأنه منسوب إلى الحانة وهي بيت الخمار. انظر : الكتاب (٣ / ٣٤٠) ، والمحتسب (١ / ١٣٤) ، وابن يعيش (٥ / ١٥١) ، والمقرب (٢ / ٦٥) ، والعيني (٤ / ٥٣٨) ، ملحق ديوان ذي الرّمة (ص ٦٦٥).

(٣) الكتاب (٣ / ٣٤٠) ، والتذييل (٥ / ٢٥٤) (أ).

٤٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وتلك الياء المكسورة وجوبا حال (١) النسب ، فيقال في النسب إلى : سيّد وطيّب :سيديّ وطيبيّ ، ويقال في النسب إلى مهيّم اسم فاعل من هيّم (٢) مهيميّ ، وإنما قالوا ذلك فرارا من الثقل بسبب وجود ياء مشددة قبلها كسرة ، وقبل الكسرة ياء مكسورة مشددة أيضا ومن ثمّ القياس أن يقال : طيئي في النسب إلى : طيي ، لكنهم شذّوا فيه ، فقالوا : طائي (٣) بقلب الياء الساكنة المفتوح ما قبلها ألفا ، كما قالوا في يجل : يا جل ، ثم إن المصنف قيد الياء المدغم فيها التي يجب حذفها لأجل ياء النسب بقيدين ؛ أحدهما : أن المكسور لأجل ياء النسب وهو آخر الكلمة يلي تلك الياء التي تحدث ، فلو لم يل المكسور الياء بأن فصل بينهما حرف ساكن امتنع الحذف ، وذلك نحو أن ينسب إلى نحو : مهيّم مصغر مهوّم اسم فاعل من هوّم الرجل إذا نام (٤) فإنك تقول : مهيّميّ ، لما سنذكره. فقد ولي الحرف المكسور ـ وهو الميم ـ حرفا ساكنا وهو الياء التي جيء بها في المصغر تعويضا مما حذف منه فلم نحذف الياء المكسورة المدغم فيها للفصل بينهما وبين المكسور الذي هو آخر بحرف ساكن ، وليعلم أن التعويض حال النسب مما ذكر لازم ، وتقرير ذلك أن مهوّما إذا صغر وجب أن يحذف منه إحدى الواوين ، ثم يصغر فتنقلب الواو ياء ، لوقوع الياء ساكنة قبلها فيصير لفظه مهيّم ، ولا شك أن لفظ اسم الفاعل من هيّم مهيّم فلو ذهبوا ينسبون إليهما على ذلك الأصل لالتبس فنسبوا إلى اسم الفاعل من هيّم على الأصل المقرر ، فقيل : مهيمي ، ونسبوا إلى مهيّم تصغير مهوّم : مهيّمي ، بالتعويض وكان بالتعويض أحق ؛ لأنه قد حذف منه إحدى العينين ، فكان التعويض ـ

__________________

(١) قال الرضي (٢ / ٣٢): (لكراهتهم في آخر الكلمة الذي اللائق به التخفيف اكتناف ياءين مشددتين بحرف واحد مع كسرة الياء الأولى ، وكسرة الحرف الفاصل ، وكان الحذف في الآخر أولى ، إلا أنه لم يجيز حذف إحدى ياءي النسب لكونها معا علامة ، ولا ترك كسرة ما قبلهما لالتزامهم كسرة مطردا ، ولا حذف الياء الساكنة ؛ لئلا يبقى ياء مكسورة بعدها حرف مكسور بعدها ياء مشددة ...

فلم يبق إلا حذف المكسورة) وانظر : الكتاب (٢ / ٧٠ ، ٧١) ، والمقتضب (٣ / ١٣٥) والتكملة (ص ٥٨) ، والخصائص (٢ / ٢٣٢) وابن يعيش (٥ / ١٤٧).

(٢) من هيّم الحب الرجل إذا جعله هائما. انظر : اللسان «هيم».

(٣) بقلب الياء الأولى ألفا. وانظر الكتاب (٢ / ٨٦) ، والخصائص (١ / ١٥٥) ، والمقرب (٢ / ٦٨) ، والتصريح (٢ / ٢٣٠) ، والهمع (٢ / ١٩٤).

(٤) ينظر : الصحاح (٥ / ٢٠٦٢) ، ومختار الصحاح (ص ٤٧٩).

٤٠٣

[النسب إلى المركب]

قال ابن مالك : (وقد يبنى من جزئي المركّب (فعلل) بفاء كلّ منهما وعينه ، فإن اعتلّت عين الثّانى كمل البناء بلامه أو بلام الأوّل ونسب إليه ، وربّما نسب إليهما معا : مزالا تركيبها أو صيغا على زنة واحدة أو شبّها به فعوملا معاملته).

______________________________________________________

به أجدر ولم يبقوه على أصله استثقالا لمهيّمي فزادوا ياء مع الكسرين ، وأربع الياءات ؛ لأن السكون من غير إدغام ، كالاستراحة وهو في حرف المدّ أقعد ، (١) القيد الثاني أن الياء التي يليها الآخر وهي التي يجب حذفها تكون مكسورة ، كما هي في : سيّد وطيّب وأسيّد وحميّر وغزيّل ، فلو كانت مفتوحة امتنع الحذف لانتقاء الثّقل ، فيقال في النسب إلى هبيّخ هبيّخي دون حذف ، وخرج بقوله :مدغم فيها من ياء مكسورة لا إدغام فيها وينكسر ما بعدها لأجل ياء النسب ، وذلك نحو : مغيل ومغيم اسم فاعل من أغيمت السماء وأغيلت المرأة إذا سمي بهما ونسب إليهما ، فإن الياء المقصورة لا تحذف بل يقال : مغيلي ، ومغيمي.

قال ناظر الجيش : إتيان المصنف بكلمة قد يعرف منه أن الذي يذكره قليل ولا شك أنه موقوف على السماع ، ولا مجال فيه للقياس والمنقول عن العرب :عبشمي وعبدري ، (٢) في عبد شمس وعبد الدار ، ومرقسيّ وعبقسيّ في امرئ القيس ، وعبد القيس وحضرمي وتيملي في حضرموت وتميم اللات فعبشمي وعبدري بني منهما فعلل بفاء كل منهما وعينه وقد اعتلت عين الثاني من قيس من امرئ القيس ، ومن عبد القيس ، ومن تيم اللات ، فكمل البناء بلام الثاني في مرقسي وعبقسي ، وبلام الأول في : حضرمي وتيملي ، وأشار بقوله : وربما نسب إليهما معا هزالا تركيبهما ، إلى أنهم يقولون جاءني البعليّ البكيّ (٣) ، قال الشاعر :

٤٢٢٢ ـ تزوّجتها راميّة هرمزيّة

بفضل الّذي أعطى الأمير من النّقد (٤)

__________________

(١) ينظر : الرضي (٢ / ٣٣ ـ ٣٥) والخصائص (٢ / ٢٣٢).

(٢) ينظر : ابن يعيش (٦ / ٧) ، والرضي (٢ / ٧٢ ، ٧٣) ، والهمع (٢ / ١٩٣) ، الأشموني (٤ / ١٩٠).

(٣) جوز هذا أبو حاتم السجستاني. راجع ابن يعيش (٦ / ٧) ، والرضي (٢ / ٧٢) ، ٧٣ ، والهمع (٢ / ١٩٣) ، والأشموني (٤ / ١٩٠).

(٤) من الطويل ، قائله مجهول ، ويروى الشطر الثاني : بفضل الذي أعطى الأمير من الرزق. والشاهد في قوله : رامية هرمزية. على أنه جاء النسب إلى الجزأين في : رامهرمز.

٤٠٤

[النسب إلى فعيلة وفعيلة وفعولة]

قال ابن مالك : (يقال في فعيلة فعليّ وفي فعيلة وفعولة فعليّ ما لم يضاعفن أو تعدم الشّهرة أو تعتلّ عين فعولة أو فعيلة صحيحة اللّام وقد يقال فعلّى وفعلّى في فعيل وفعيل صحيحي اللّام ولا يقاس عليه ، وفعولة المعتلّ اللّام كالصّحيحها لا كـ «فعول» خلافا للمبرّد في المسألتين).

______________________________________________________

وبقوله : أو صيغا على زنة واحد إلى قولهم : البعلبكّي والرّامهرمزي ، ومراده بقوله : أو شبّها (١) به ، أن المركبين شبها بما صنع على زنة واحدة فعوملا معاملته في إلحاق النسبة إليه ، ومثّل لذلك بقولهم : كنتيّ في كنت قال الشيخ : فهذا مشبه بالبعلبكّي ، وذلك أن بعلبك مدلوله مفرد فناسب إدخال ياء النسب عليه بخلاف قولهم : كنت كنت ، فإنه ليس مدلوله مفردا ولا هو علم على شيء ، وإنما هو قول من عجز من الكبر ، فيقول : كنت كذا كنت كذا ، قال فهو مراد به الجملة (٢) انتهى كلامه رحمه‌الله تعالى. والواقف عليه أن يتأمله.

قال ناظر الجيش : قد قلنا إن من جملة التغييرات اللاحقة لبعض الأسماء المنسوبة حذف حرف قبل الآخر ، وقد شرع المصنف في ذكر ذلك. وقبل الخوض فيه ينبغي أن يعلم أن الذي يحذف لأجل ياء النسب من الأحرف الواقعة قبل آخر الكلمة ستة أحدها : الياء المكسورة المدغم فيها كسيديّ في النسبة إلى سيّد ، ثانيها : فعيلة كجهني في النسبة إلى جهينة ، ثالثها : ياء فعيلة كحنفي في النسبة إلى : حنيفة ، رابعها : واو فعولة كشنئي في النسبة إلى شنوءة ، خامسها : ياء فعيل المعتل اللام كغنوي في النسبة إلى غني وعلوي في النسبة إلى عليّ ، سادسها : ياء فعيل المعتل اللام كقصوي في النسبة إلى قصي فالحرف الذي يحذف إما ياء ، وذلك في مواضع خمسة ، وإما واو [٦ / ٦٤] وذلك في موضع واحد ، ثم إن الياء المكسورة المدغم فيها قد ذكرها المصنف في الفصل الذي فرغ منه ، وقلنا : إنه لو أخر المسألة وذكرها هنا كان أولى ، وأما ياء فعيل وفعيل (المعتل) اللام كغنيّ وقصيّ فقد سبق الكلام ـ

__________________

(١) قال ابن عقيل في المساعد (٣ / ٣٦٥) (أي شبّه المركبان بما صيغ على زنة واحد ، كقولهم في كنت : كنتي نزلوا كنت للشيخ منزلة العلم لكثرة وقوع هذا اللفظ منه ، فنسبوا إلى لفظه كما ينسب إلى المفر (تشبيها له به).

(٢) التذييل (٥ / ٢٥٥) (أ).

٤٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فيهما ؛ لأنهما انتظما في ما الآخر فيه ياء مشددة ، والكلام على الياء المشددة التي قبلها حرفان ، وتكون الياء المشددة في تلك الكلمة ثالثة قد تقدم فوجب لذلك أن يتمحض هذا الفصل لذكر ما بقي ، وهو ثلاثة ياء فعيلة وياء فعيلة وواو فعولة (١) ، ومن ثم قصره المصنف على ذكرها خاصة دون ما شاركها في الحذف المذكور ولحذف الياء من فعيلة ، والواو من فعولة شرطان وهما نفي التضعيف وصحة العين ، فنفي التضعيف مشترط في الثلاثة. ولذلك قال المصنف بعد ذكرهن : ما لم يضاعفن وصحة العين مشترط في أوله مفتوح ولذلك قال : أو تعتل عين فعولة أو فعيلة ، ثم المقتضي لحذف الياء والواو من هذه الثلاثة طلب التخفيف ، ومن ثم كان الحذف مما فيه التاء دون ما لا تاء فيه ؛ لأن الكلمة بالتأنيث تثقل (٢) وكأنهم قصدوا إلى الفرق بين النسب إلى فعيلة وفعيل وفعولة وفعول. فإذا نسبوا إلى ما فيه التاء حذفوا الياء معها ، وإذا نسبوا إلى ما لا تاء فيه أثبتوا الياء ، فيقولون في طريفة :طرفي ، وفي طريف : طريفي ، وإنما أبقوا الياء والواو في المذكر إما ؛ لأنه الأصل فكان الحذف من الفرع ؛ لأنه الثاني ، وإما لاستثقالهم المؤنث ، كما تقدم ، وإنما اشترط نفي التضعيف ؛ لأنهم لو قالوا في النسب إلى مثل قليلة وشديدة وملولة :قللي وشددي ومللي ؛ لصاروا إلى ما يفرون منه من اجتماع المثلين من غير إدغام ، وإنما اشترط صحة العين في (فعيلة وفعولة) ؛ لأنهم لو قالوا في مثل طويلة وقووله :طولي وقولي بالحذف ؛ لأدى ذلك إلى وقوع الواو متحركة مفتوحا ما قبلها فيلزم حينئذ قلبها ألفا ، فيقال : طالي وقالي ، فتخرج الكلمة من صيغة إلى صيغة أخرى.

فمن ثم امتنع الحذف ، فقالوا : طويلي وقوولي ؛ ليكون سكون ما بعد الواو مانعا ـ

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٣ / ٣٣٩) ، والمقتضب (٣ / ١٣٤) ، والتكملة (ص ٥٦) ، والخصائص (١ / ١١٥) ، وابن يعيش (٥ / ١٤٦) ، والمقرب (٢ / ٦١ ، ٦٢) ، وابن جماعة (١ / ١٠٤) ، والهمع (٢ / ١٩٥) ، والتصريح (٢ / ٣٣١) ، والرضي (٢ / ٢٣) ، والأشموني (٤ / ١٨٦).

(٢) قال أبو علي الفارسي في التكملة (ص ٨٦): (أصل الأسماء التذكير ، والتأنيث ثان له) وقال ابن يعيش (٥ / ٨٨): (والدليل على أن المذكر أصل أمران : أحدهما : مجيئهم باسم مذكر يعم المذكر والمؤنث وهو شيء.

الثاني : أن المؤنث يفتقر إلى علامة ولو كان أصلا لم يفتقر إلى علامة) وانظر : الأشباه والنظائر (٢ / ١١٧) ، والهمع (٢ / ١٦٩) ، والصبان على الأشموني (٤ / ٩٥).

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

من انقلابها ألفا من أجل الفتحة التي قبلها ، ولما لم يكن هذا موجودا في (فعيلة) لم يشترط في حذف الياء منها صحة العين لكون ما قبلها مضموما ، فيقال في النسب إلى عيينة (١) وقويمة تصغير قامة ، أو قومة : عيني وقومي بالحذف ، كما يقال في جهينة (٢) مما هو صحيح العين جهني ، وإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى ألفاظ الكتاب ، فنقول : قوله : يقال في فعيلة : فعلى ظاهر ومثاله : جهني في المنسوب إلى جهينة : بثني في المنسوب إلى : بثينة (٣) و: ضبعي في المنسوب إلى : ضبيعة (٤) وشذ قولهم : رديني في المنسوب إلى : ردينة (٥) ، وقوله في : فعيلة وفعولة فعلي ظاهر أيضا ، ومثاله قولهم في المنسوب إلى حنيفة (٦) وربيعة (٧) : حنفي وربعي ؛ لأن حذف تاء التأنيث لا بد منه ثم بعد حذف الياء الزائدة آل وزن الكلمة إلى فعل بكسر العين ، وستعرف أن الكسرة في مثل هذ الوزن تبدل فتحة ، فيقال في النسب إلى نمر : نمري بفتح الميم فكذلك يجب أن يقال في النسب إلى حنيفة وربيعة : حنفي وربعي بفتح النون والياء اللتين كانتا مكسورتين ، وقد شذ من ذلك كلمات وردت عن العرب منها قولهم في عميرة كلب (٨) : عميري وفي السّليقة : سليقي وهو ـ

__________________

(١) اسم رجل كعيينة بن حصن الفزاري واسم موضع. ابن جماعة (١ / ١٠٥) اللسان (عين).

(٢) بالتصغير علم مرتجل في اسم أبي قبيلة من قضاعة من القحطانية ، وهو جهينة بن زيد بن ليث ينتهي نسبه إلى قضاعة ، كانت مساكنهم بين ينبع ويثرب ، كما سمي بجهينة قرية كبيرة من نواحي الموصل ، وقلعة حصينة بطبرستان. انظر : معجم القبائل (١ / ٢١٦) ، ومعجم البلدان (٢ / ١٩٤).

(٣) (تصغير بثنة) وهي الأرض السهلة اللينة ، وقيل : الرملة. وبها سميت المرأة بثنة وبتصغيرها سميت (بثينة) اللسان (بثن).

(٤) (ضبيعة : قبيلة : وهو أبو حي من بكر ، وهو ضبيعة بن قيس ثعلب بن عكاية بن صعب بن بكر بن وائل ، وهم رهط الأعشى ميمون بن قيس ، قال الأزهري : وضبيعة قبيلة في ربيعة) اللسان (ضبع).

(٥) قال ابن منظور في اللسان (ردن): (وردينة : اسم امرأة ، والرّماح الردينيّة منسوبة : إليها الجوهري : الفتاة الرّدينيّة والرمح الرديني زعموا أنه منسوب إلى امرأة).

(٦) (حنيفة : أبو حي من العرب وهو حنيفة ابن مجيم ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل) اللسان (حنف) ومعجم القبائل (١ / ٣١٢). أو لقب أثال ابن لخيم كما في ابن جماعة (١ / ١٠٤).

(٧) جاء في اللسان (ربع): (وربيعة اسم ، والربائع : بطون من تميم ، وقال الجوهري وفي تميم ربيعتان :الكبرى وهو ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وهو ربيعة الجوع ، والوسطى وهو ربيعة بن حنظلة بن مالك.

(٨) قال ابن منظور : (وعميرة : أبو بطن ، وزعمها سيبويه في كلب) اللسان (عمر) ومعجم القبائل (٣ / ٩٩١).

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الرجل الذي يتكلم بأصل طبعه ولغته (١) ، وفي سليمة (٢) : سليمي فلم يحذفوا من هذه الثلاث ، ولكنهم لم يغيروها عن لفظها الأصلي ، ومنها قولهم في بني عبيدة وهم حي من بني تميم (٣) وفي بني جذيمة (٤) عبدي وجذمي بحذف الياء وضم أول الكلمة ، وإنما ضموه فرقا بينه وبين عبيدة من قوم آخرين وبين جذيمة ؛ لأن في العرب جماعة اسمهم جذيمة ، ومنها قولهم في زبينة (٥) : زباني بفتح الباء وألف بعدها ، قال الشيخ : ولو سميت رجلا زبينة ، ونسبت إليه لم تقل : زباني ولكن : زبني على القياس نص على ذلك سيبويه رحمه‌الله تعالى ـ قال : وهو مطرد في كل ما شذت فيه العرب في النسب إذا سميت به فصار علما وأردت النسب إليه ، فإنما تنبّه على القياس لا على الشاذ الذي كان في النسب قبل أن يصير علما (٦) ثم إنه أعني الشيخ ... ذكر أن في فعولة ثلاثة مذاهب : أحدها مذهب سيبويه ، وهو أنك تحذف الواو وتفتح عين الكلمة ، فتقول في حمولة وركوبة : حملي وركبي ، والثاني :مذهب الأخفش والجرمي والمبرد ، وهو أنك تنسب إليه على لفظه ، فتقول : حمولي وركوبي وشنئي أزد شنوءة (٧) شاذ عندهم ؛ حتى قيل : لم يجئ الحذف في غيره ؛ لأنهم إنما حذفوا الياء ولم يحذفوا الواو إلا في هذا الحرف ، والثالث : مذهب ابن الطراوة ؛ وهو أنك تحذف الواو ، وتترك ما قبلها على الضم ، فتقول : حملي وركبي. ومستند سيبويه أن العرب ، قالت في النسبة إلى شنوءة : شنئي بحذف الواو. وفتح ما كان قبلها ، ولا يقال : إنه لم يسمع ذلك إلا في شنوءة فهو شاذ ؛ لأنه لم يرد عن العرب مما هو قد نسب إلى فعولة سوى : شنوءة فقط ، ولم يسمع ـ

__________________

(١) ينظر اللسان (سلن).

(٢) وبنو سليمة بطن من الأزد وبنو سليمة : من عبد القيس ، قال سيبويه : النسب إلى سليمة سليمي).

انظر اللسان (سلم) ، والكتاب (٢ / ٧١).

(٣) انظر اللسان (عبد) ، والرضي (٢ / ٢٨) ، والجاربردي (١ / ١٠٦).

(٤) جذيمة لحي من أسد ولحي من عبد القيس ، كما يقال لجذيمة بن رواحة ، وجذيمة بن سعد. انظر :اللسان (جذم) ، ومعجم القبائل (١ / ١٧٥) ، والكتاب (٢ / ٦٩).

(٥) وبنو زبينة ، كسفينة حي ، والنسبة إليه زباني. القاموس (٤ / ٢٣٣) ، واللسان (زين).

(٦) الكتاب (٣ / ٣٣٨).

(٧) حيّ من اليمين. انظر : معجم القبائل (٢ / ٦١٤) ، ومعجم البلدان (٣ / ٣٦٨).

٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

منهم نسبه إلى فعولة على غير هذه. الطريقة لأنهم إنما سمع منهم شنئي لا غير ؛ فصار أصلا يقاس عليه ما كان على وزنه ، وأما مستند الأخفش ومستند ابن الطراوة ، فتركت ذكرهما خشية الإطالة ، قالوا : والصحيح ما ذهب إليه سيبويه ؛ لأن السماع يعضده (١) وقوله : (ما لم يضاعفه) ظاهر ، وقد تقدم التمثيل لذلك (٢) وقول : أو تعدم الشهرة ، قال الشيخ فيه : هذا الذي ذكره المصنف لم يذكره أصحابنا ولم يفصلوا في ذلك ؛ بل يقولون : إن الياء تحذف من (فعيلة وفعيلة) والواو من فعولة مطلقا إلا إن ضوعفت العين أو اعتلت ، وهكذا ذكر سيبويه في كتابه (٣) ولم يذكر عدم الشهرة (٤) انتهى. وقوله : أو تعتل عين (فعولة أو فعيلة) قد تقدم الكلام فيه والتمثيل لذلك والمراد أن العين متى ضوعفت من الأوزان الثلاثة أو اعتلت من فعولة أو فعيلة امتنع حذف الياء ، وأما قوله صحيحة اللام ، فقال الشيخ : واحترز بذلك من معتلها ، فإنها إذا كانت معتلة اللام ، نحو : طويّة (٥) وحييّة (٦) فإنك تحذف ياء (فعيلة وفعيلة) فتقول : طووي وحيوي ، ثم [٦ / ٦٥] قال : وقوله :صحيحة اللام قيد فيما اعتلت عينه من هذه الأوزان الثلاثة (٧) ، انتهى ، واعلم أني لم أتحقق ما قاله الشيخ في هذا الموضع ، فإن مقتضى كلامه أن (فعيلة وفعيلة) إذا كانت واحدة منهما معتلة اللام تحذف الياء منهما ، وعلى ما قاله يتحد ما هو صحيح اللام منهما ، وما هو معتلها في الحذف المذكور ، وإذا كان كذلك التغت فائدة تقييد المصنف حينئذ ، بقوله : (صحيحة اللام) بعد قوله : (أو تعتل عين فعولة وفعيلة) ؛ لأن الياء الزائدة إذا كانت تحذف من هذين الوزنين مطلقا أعني صحيحي اللام كانا أو معتليهما فلا فائدة لقوله : صحيحة اللام. ثم الذي تعطيه عبارة المصنف أن صحة اللام شرط في حذف الياء من الوزنين المذكورين ومفهومها أن اللام إذا كانت معتلة ـ

__________________

(١) (فإن العرب حين نسبت إلى شنوءة ، قالوا : شنئي (بحذف الواو) فإن قيل : شنئي شاذ أجيب بأنه لو ورد نحوه مخالفا له صح ذلك ، ولكن لم يسمع في فعولة غيره ، ولم يسمع إلا كذلك فهو جميع المسموع منه فصار أصلا يقاس عليه). ابن جماعة (١ / ١٠٤٠) ، والهمع (٢ / ١٩٥) ، والتصريح :(٢ / ٣٣١) ، والرضي (٢ / ٢٣) ، والأشموني (٤ / ١٨٦).

(٢) مثل لذلك بقليلة وشديدة وملولة.

(٣) الكتاب (٣ / ٣٣٨ ـ ٣٤٢).

(٤) التذييل (٥ / ٢٥٦) (أ).

(٥) (الطويّة : الضمير). اللسان (طوى) ، ومختار الصحاح (ص ٤٠١).

(٦) (حييّة : اسم) انظر : اللسان (حيا).

(٧) التذييل (٥ / ٢٥٦) (أ).

٤٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يكون حذف ، ولا شك أن القول بعدم الحذف لمعتل اللام بعيد أو ممتنع (١) ؛ لأن حذف الياء إذا كان واجبا في المعتل اللام من (فعيل وفعيل) كان الحذف من (فعيلة وفعيلة) المعتلين أوجب ؛ لأن الياء من (فعيلة وفعيلة) الصحيحي اللام واجبة الحذف غير جائزة الحذف من (فعيل وفعيل) الصحيحي اللام ، فإذا كان الحذف مع صحة اللام واجبا في الوزنين المذكورين أعني (فعيلة وفعيلة) كيف لا يكون حذف في المعتل اللام منهما. وعلى هذا يشكل قول المصنف صحيحة اللام والذي ذكره الشيخ من أنك تحذف الياء منهما ، فنقول في : طويّة وحييّة :طووي وحيوي ، موافق لما قلناه لكن فيه حمل كلام المصنف على خلاف ما يفهم من ظاهره ، واعلم أن قول المصنف هنا : أن الياء تحذف حال النسب من فعيلة وفعيلة ، فيقال : فعلي وفعلي مع ما تقدم له قبل من أن ما آخره ياء مشددة قبلها حرفان تحذف الياء منه أيضا حال النسب (٢) كقولك علوي في علي وقصوي في قصي يعلم منه بطريق المفهوم أو بطريق عدم التعرض لذكره أن الياء من فعيل وفعيل الصحيحي اللام لا تحذف ، فيقال : إنه لمّا لم يذكره لزم بقاؤه على الأصل وهو عدم الحذف ، ولكن لمّا ورد عن العرب الحذف في كلمات قليلة نبّه المصنف على ذلك بقوله هنا : وقد يقال : (فعلي وفعلي في فعيل وفعيل صحيحي اللام) وذلك قولهم : ثقفي في النسبة إلى ثقيف (٣). ـ

__________________

(١) يقول المصنف في متن التسهيل : (يقال في فعيلة : فعلي ـ بالحذف ـ وفي فعيلة وفعولة : فعلي ـ بالحذف أيضا ـ ما لم يضاعفن ـ فلا حذف ـ نحو قولهم في النسب إلى شديدة وضرورة : شديدي وضروري ، بدون حذف الياء أو الواو ؛ لأن العين مضعفة ـ أو تعدم الشهرة ـ فلا حذف ولعله تحرز من قولهم في ردينة : رديني ـ أو تعتل عين فعولة أو فعيلة ـ حالة كونهما (فعولة وفعيلة) ـ صحيحي اللام. مثال ذلك طويلة وقؤولة فلا تحذف الياء أو الواو ؛ لأجل صحة اللام ، فيقال في النسب إليهما :طويلي وقؤولي. أما معتلة العين واللام فتحذف منها الياء ، نحو : طويّة وحييّة فنقول في النسب إليهما : طووي وحيوي وعلى ذلك فلا وجه لاعتراض الشارح. وانظر : الكتاب (٢ / ٧٣) ، والمقتضب (٣ / ١٤٠) ، وابن يعيش (٥ / ١٤٨) ، والمقرب (٢ / ٦٢) ، والهمع (٢ / ١٩٥) ، والأشموني (٤ / ١٨٧).

(٢) فتحذف الياء وتفتح العين المكسورة وتقلب الياء الأخيرة واوا كراهية اجتماع ياءات مع كسرتين.

وانظر : الرضي (٢ / ٢٢) ، والجاربردي (١ / ١٠٦ ، ١٠٧).

(٣) ثقيف : أبو قبيلة من هوازن واسمه قسي بن منبّه بن بكر بن هوازن وتنسب إليه قبيلة ثقيف ، وكان موطنها بالطائف ، وأسلمت سنه (٩ ه‍). معجم القبائل (١ / ١٤٨ ، ١٥٠) ، واللسان (هزن).

٤١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

قرشيّ في النسبة إلى قريش (١) ، ومثله هذلي (٢) وفقمي (٣) وملحي (٤) وكان القياس : ثقيفي وقريشي وهذيلي فقيمي ومليحي ، وقد جاء النسب إلى قريش على الأصل دون حذف ، قال الشاعر :

٤٢٢٣ ـ بكلّ قريشي عليه مهابة

سريع إلى داعي النّدى والتّكرّم (٥)

وأما قول المصنف : (وفعولة المعتل اللام كالصحيحها لا كفعول) فلا يخفى أنه قد تقدم أن الياء من (فعيلة وفعيلة) والواو من (فعولة) تحذفان مطلقا حال اتصال ياء النسب بها بالشرط الذي علم ، وكذا الياء من (فعيل وفعيل) المعتلّي اللام تحذف أيضا بخلاف الصحيح اللام منهما وعلم بالسكوت عن صيغة (فعول) أنها ينسب إليها على الأصل دون حذف صحيحة كانت لامها أو معتلة ، أما مع صحة اللام فكأختيهما اللتين هما فعيل ، وأما مع إعلال اللام ، فلأن الموجب للحذف في نحو : (فعيل وفعيل) إنما هو الثقل ؛ لاجتماع الياءات ، وأما نحو قولنا في النسب إلى عدوّ : عدوّي فلا ثقل فيه ، فلم يكن للحذف موجب ؛ إذ ذاك لكن قد عرفت أو الواو تحذف من (فعولة) في النسب كما تحذف الياء من (فعيلة وفعيلة) وذلك نحو قولك في النسب إلى عدوّة : عدوّي ، هذا قول سيبويه فجرى في الصيغة المؤنثة وهي فعولة على القاعدة وهي حذف الحرف الزائد (٦) ، وخالف المبرد في ذلك فنسب إلى عدوة ، كما ينسب إلى عدو فلم يحذف شيئا ، بل قال : عدوّي في ـ

__________________

(١) انظر : معجم القبائل (٣ / ٩٤٧ ـ ٩٥١).

(٢) في النسب إلى (هذيل) وهي قبيلة من قبائل الحجاز العظيمة. انظر : معجم القبائل (٣ / ١٢١٣).

(٣) في النسب إلى (فقيم) حي من كنانة. انظر : المرجع السابق (٣ / ٩٢٦) ، والرضي (٢ / ٢٩).

(٤) في النسب إلى (مليح) لحي من خزاعة. انظر : معجم القبائل (١ / ٣٣٨ ، ٣٣٩) ، (٣ / ١١٣٨) ، والرضي (٢ / ٢٩).

(٥) من الطويل وهو من شواهد سيبويه (٢ / ٧٠) ولم يعزه لأحد ولا عزاه صاحب معجم الشواهد.

ويروى :

بكلّ قرشي إذا ما لقيته

سريع إلى داعي النّدى والتّكرّم

والشاهد في قوله : (قريشي) بإثبات الياء على القياس ، لكنهم يغايرون ذلك ويعدلون عنه في قريش ، فيقولون : قريشي. انظر : الإنصاف (ص ٣٥٠) ، وابن يعيش (٦ / ١١) ، واللسان (قرش).

(٦) ينظر الكتاب (٣ / ٣٤٤) ، وابن يعيش (٥ / ١٤٨).

٤١١

[النّسب إلى الثلاثي المكسور العين]

قال ابن مالك : (وتفتح غالبا عين الثّلاثي المكسورة ، وقد يفعل ذلك نحو : تغلب ، وفي القياس عليه خلاف والمنسوب إلى إرمينية أرمني ، وفي معاملة دهليز ونحوه معاملته نظر ، ولا يغيّر ، نحو : جندل).

______________________________________________________

كلتا الكلمتين (١) ، وحاصل الأمر أنّ سيبويه يجري الحال مجرى فعول وفعولة في الصحيح ، فيثبت الحرف الزائد في صيغة فعول ويحذفه في صيغة فعولة ، وأما المبرد فأجراه على ما يقتضيه أصل النسب ولم يجره مجرى شنوءة ، وعلل ذلك بأنه أجرى الحرفين من أجل الإدغام مجرى الحرف الواحد ، قالوا : وسيبويه راعى بابه الذي هو أخص ، فأجراه مجرى فعولة في الصحيح ، فقال في عدوّة : عدوي ، كما قولوا في شنوءة : شنئي (٢) ولم يعتد بالإدغام قال الأئمة : وكلا القولين غير بعيد.

فإن سمع أحدهما أتبع وإلا فلا يعد في كل منهما ، لكن المصنف جرى في المسألة على مذهب سيبويه ، ولما كان المبرد قد خالف في هذه المسألة كما عرفت ، وأجاز القياس أيضا على ما شذ من قول العرب في فعيل وفعيل الصحيحي اللام فعلي وفعلي بالحذف ، وكأن قوله في القياس غير معمول به أشار المصنف إلى الأمرين بقوله : خلافا للمبرد في المثالين.

قال ناظر الجيش : يشير إلى أن أن نحو : نمر إذا نسب إليه فإنما يقال فيه : نمري بفتح الميم ، ويدخل تحت قوله : عين الثلاثي المكسورة ثلاث كلمات وهي فعل كنمر ، وفعل كإبل ، وفعل كدئل ففي النسب إلى الثلاث يجب فتح العين منها لما يلزم لو بقيت كسرة من توالي كسرتين في نحو : نمر ودئل أو ثلاث في نحو :إبل ، وياء مشددة مع حركة قبل ذلك ، وعلى هذا يقال : نمري وإبلي ودوئلي بجعل الكسرة فتحة ، وأما (غالبا) من قول المصنف ، فظاهره أن العين في مثل ذك قد تفتح وتبقى في النسب على كسرها ولا يخفى بعد ذلك ، قال الشيخ : ولا أعلم خلافا في وجوب فتح العين في نحو : نمر وإبل دئل إلا ما ذكره طاهر (القزويني) (٣) في ـ

__________________

(١) ينظر : المقتضب (٣ / ١٣٧) ، وابن يعيش (٥ / ١٤٨).

(٢) ينظر : ابن يعيش (٥ / ١٤٩) ، والرضي (٢ / ٢٣ ، ٢٤) ، وشرح الكافية (٤ / ١٩٤٦).

(٣) ما بين القوسين بياض في النسختين والإضافة من التذييل (٥ / ٢٥٧) (ب) وطاهر القزوين هو

٤١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مقدمة له أن ذلك على جهة الجواز (١). انتهى.

ولا شك أن المصنف لا يرى ذلك وكأنه إنما احترز بقوله : غالبا عن كلمة شذت ، فوردت بالكسر ، أما أنه يجيز ذلك فلا ، ويدل على ذلك أنه قال في شرح الكافية.

وشذّ قولهم في الصّعق : صعقي. والأصل : صعق فكسروا الفاء إتباعا لكسرة العين ، ثم ألحقوا ياء النسب واستصحبوا الكسرتين شذوذا (٢). ويفهم من تقييد هذا الحكم بالثلاثي أن الكسرتين والياء المشددة لو توالينا بعد حركة في كلمة زائدة على الثلاثة لا تغير الكسرة بفتحة كما نسب إلى جحمرش (٣) فإنك تقول : جحمرشي (٤) وقد علل ذلك بتعليل لم أتحققه (٥) ، ومن فروع هذه المسألة [٦ / ٦٦] أنك لو سميت بيعد ثم نسبت إليه فتحت العين وقلت : يعدي (٦) ؛ لأنهم إنما ينظرون إلى اللفظ لا إلى أصل الكلمة فلا يقال إن الأصل : يوعد فهو ، مثل : تغلب فيجوز فيه بقاء الكسرة ، ويدل على ذلك أنك لو سميت ، بنحو : يصنع منعته الصرف ؛ لأنه على وزن الفعل ولو صغرته صرفته لزوال وزن الفعل ولو نسبت إلى ، يزر اسم إنسان ، والأصل فيه :يزءر فخفف بنقل حركة الهمزة إلى ما قبلها ، جاز فيه وجهان أحدهما أن تجريه مجرى (نمر ، فتقول : يزري بالفتح ، والثاني أن تراعي المحذوف وهو الهمزة فيصير رباعيّا) فتجريه مجرى تغلب (٧) فيكون الأحسن فيه الكسر ، ذكر هذه المسألة الشيخ في شرحه ، ثم قال (٨) : فإن قيل أي فرق بين يعد ويزر ، وكلاهما على وزن الفعل ، أجيب بأن الكسرة في يعد أصل وهي في يزر عارضة ، فلذلك كان التحويل في يعد ـ

__________________

محمد بن أحمد تتلمذ على ابن مالك ، واشتهر بتدريسه لكتاب سيبويه ، وله تعليق عليه. راجع. بغية الوعاة (١ / ٢٨) وطبقات ابن الجزري (٢ / ٣٧٥). وانظر رأيه في : المساعد (٣ / ٣٦٨) ، والهمع (٢ / ١٩٥) ، وابن جماعة (١ / ١٠٣).

(١) التذييل (٥ / ٢٥٧) (ب).

(٢) شرح الكافية (٤ / ١٩٤٧).

(٣) (جحمرش : العجوز الكبيرة) اللسان (جحمرش).

(٤) ينظر المساعد (٣ / ٣٦٩).

(٥) قال ابن جماعة (١ / ١٠٣): (بأن كثرة الحروف غلبت على الكسرة ، وصارت كالمنسي معها أي قويت الكلمة بالزائد عن الثلاثة) ، وانظر ابن يعيش (٥ / ١٤٦).

(٦) هذا الرأي لأبي حيان. انظر التذييل (٥ / ٢٥٠) (أ) ، وابن جماعة (١ / ١٠٢).

(٧) اسم قبيلة. راجع : معجم القبائل (١ / ١٢٠).

(٨) التذييل (٥ / ٢٥٠) (أ).

٤١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ألزم منه في يزر ألا ترى أن الأصل في يعد : بوعد ، والأصل في يزر : يزءر ولا يكون الأصلي في النقل كالعار : انتهى. وعلى الناظر أن يتأمل ما ذكره ، وقول المصنف : وقد يفعل ذلك بنحو : تغلبيّ ، قال في شرح الكافية : والجيد في النسب إلى تغلب ونحوه من الرباعي الساكن المكسور الثالث بقاء الكسرة (١) ، والفتح عند أبي العباس مطرد وعند سيبويه مقصور على السماع (٢) ، ومن المقول بالفتح والكسر (تغلبي) ويحصبي (٣) ويثربي. وأما ما لم يسكن ثانية ، نحو : علبط (٤) فلا بد من كسر ثالثه في النسب ، فيقال علبطىّ (٥). انتهى وإلى وجوب بقاء الكسر في النسب إلى علبط أشار المصنف بقوله هنا ولا يغير نحو : جندل (٦) ، يعني أنه يقال فيه : جندليّ ، ومثل : جندل وعلبط وعجلط وعكلط (٧) ولك أن تقول مقتضى وجوب الفتح في نحو : نمري ؛ لكون ما قبل المكسور فيه محركا واختار بقاء الكسر في : تغلبي ونحوه ؛ لسكون ما قبل المكسور ، وأن يختار الفتح في نحو : (علبطي) لحركة ما قبل المكسور ، فالعجب من وجوب بقاء الكسر فيه ، وامتناع الفتح ، ولكنهم علّلوا بقاء الكسر في مثل ذلك ، بأن الحرف الأول والثاني إذا تحركا بغير الكسر قاوما ما بعدهما بين الحرفين المكسورين. انتهى.

ولا يخفى ضعف هذا التعليل. ولكون الفتح في نحو : (تغلب) مطردا عند أبي العباس مقصورا على السماع عند سيبويه (٨) أشار المصنف بعد ذكره أن الفتح يكون في نحو : تغلب إلى ذلك ، فقال : وفي القياس عليه خلاف (٩) ، وقوله والمنسوب إلى إرمينية : أرمني قال الشيخ : إرمينية هي بكسر الهمزة ، وسكون الراء ، ـ

__________________

(١) بقاء الكسرة في ذلك هو اختيار الخليل وسيبويه والفتح شاذ لا يقاس عليه عندهما. وهو قياس عند المبرد وابن السراج ومن وافقهما كالرصاني والفارسي والصيمري وجماعة ، وذهب أبو موسى الجزولي إلى توسط بين القولين وهو أن المختار أن لا يفتح. راجع تفصيل ذلك في : الكتاب (٣ / ٣٤٢ ـ ٣٤٥) وابن يعيش (٥ / ١٤٦) ، والرضي (٢ / ١٩) ، والأشموني (٤ / ١٨٢).

(٢) الكتاب (٣ / ٣٤٢).

(٣) (يحصبي : حي من اليمين) اللسان (حصب).

(٤) (العلبط : الغليظ من اللبن وغيره) اللسان (علبط).

(٥) شرح الشافية الكافية (٤ / ١٩٤٧) وما بعدها.

(٦) انظر : الكتاب (٣ / ٣٤٣).

(٧) (العجلط والعكلط) اللبن الخاثر الثخين. انظر اللسان (عجلط).

(٨) ينظر : الكتاب (٣ / ٣٤٢ ـ ٣٤٤) ، وابن يعيش (٥ / ١٤٦).

(٩) انظر الخلاف في هامش (١) من نفس الصفحة.

٤١٤

[النسب إلى الثنائي]

قال ابن مالك : (فصل لا يجبر في النّسب من المحذوف الفاء أو العين إلّا المعتلّ اللّام ، فأمّا المحذوفها فيجبر بردّها إن كان معتلّ العين ، وكذا الصّحيحها إن جبر بردّها في التّثنية والجمع بالألف والتّاء وإلّا فوجهان وتفتح عين المجبور غير المضاعف مطلقا خلافا للأخفش في تسكين ما أصله السّكون ، وإن جبر ما فيه همزة الوصل حذفت وإلّا فلا ، وإن كان حرف لين آخر الثّنائي الّذي لم يعلم له ثالث ضعّف وإن كان ألفا جعل ضعفها همزة).

______________________________________________________

وميم مكسورة بعدها ياء ساكنة يليها نون مكسورة تليها ياء خفيفة بعدها تاء التأنيث ، وقد ذكر المصنف أن النسب إليها : أرمني ؛ بحذف الياءين وفتح الميم ، وإنما فتحت الميم ولم تبق على كسرتها ؛ لئلا يكون معظم الاسم ، ثقيلا ألا ترى أن الهمزة مكسورة بعدها ساكن والساكن حاجز غير حصين ، ثم بعدها الميم مكسورة من كسر النون ؛ ليأتي النسب فصار حل الاسم تثقيلا ففتحت الميم ؛ لذلك كما فتحت العين في نمر ودئل. انتهى. وقول : وفي معاملة دهليز (١) ونحوه معاملته نظر أي أن الياء تحذف منه ويفتح ما قبل آخره ، فيقال : دهلزيّ ونحو دهليز : قنديل ومنديل ، قال الشيخ : وتردد نظره في هذا أنه إن أقرّ ياء : دهليز كان (معظم) الاسم ثقيلا وقد تجنبته العرب ، وإن حذفها فكذلك أيضا يبقى معظمه ثقيلا ، وكأنه توالت فيه كله كسرات مع ياء أو دونها مع ياءي النسب ؛ لأن الساكن حاجز غير حصين ، فهذا يقتضي إلحاقه به ويقال إنه لم تتوال كسرتاه ؛ إذ قد فصل بين كل منهما بساكن ، فقلّ الثقل ، فهذا يقتضي أن ينسب إليه على لفظه ، وهذا أرجح الوجهين عندي ؛ لأن مثل : أرمني لم يكثر كثرة تقتضي القياس (٢) ، انتهى ، وقول المصنف ولا يغير نحو : جندل قد تقدم الكلام عليه.

قال ناظر الجيش : قد تقدم الإعلام أن من التغييرات التي تعرض لبعض الأسماء المنسوب إليها رد حرف كان قد حذف من تلك الكلمة ، وتضعيف حرف منها أيضا. وها هو قد ضمن القسمين المذكورين ، أعني الرد والتضعيف هذا الفصل ، وأنا ـ

__________________

(١) (الدهليز : الدلّيج ، فارسي معرب) اللسان (دهلز).

(٢) التذييل (٥ / ٢٥٠) (ب).

٤١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أذكر أولا تقسيما يحصل به ضبط المسائل المذكورة فيه ، ثم أعود إلى لفظ الكتاب.

فأقول : إذا قصر النسب إلى كلمة ثنائية في اللفظ فإمّا أن تكون ثلاثية الوضع قد حذف منها أو ثنائية لم يحذف منها فمنهما نوعان ، النوع الأول بالنسبة إلى رد المحذوف ينقسم إلى ثلاثة أقسام واجب الرد ، ممتنعة ، جائزة ، أما وجوب الرد ففي مواضع ثلاثة : أحدها : إذا كان المحذوف غير اللام ، واللام معتلة ، نحو : شية (١) مما هو محذوف الفاء ومري اسم فاعل من أرى مما هو محذوف العين. ثانيها : إذا كان المحذوف اللام والعين معتلة ، نحو : ذو ، وشاه. ثالثها : إذا كان المحذوف غير اللام والعين صحيحة ، ولكن اللام ترد في التثنية والجمع بالألف والتاء ، نحو : أب وأخت ، وأما امتناع الرد ففي موضع واحد وهو إذا كان المحذوف غير اللام ، واللام صحيحة نحو : عدة في المحذوف الفاء وسه (٢) في المحذوف العين ، وأما جواز الأمرين أعني الرد وعدمه ففي موضعين : أحدهما : إذا كان المحذوف اللام والعين صحيحة ، ولكن لا ترد اللام حال التثنية والجمع ، نحو : دم وحر وست وغد وشفة (٣) ، وكذا : ثبة فإنّ سيبويه يذهب إلى : أن المحذوف اللام ، وأنها ياء لقولهم : ثبيت ، أي : جمعت والثّبة الجماعة (٤) قال تعالى : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً)(٥) أي : جماعة جماعة ، أو انفروا مجتمعين ، وقال الزجاج إن ـ

__________________

(١) وهي كل لون يخالف معظم اللون من جميع الجسد في البهائم وغيرها وأصلها وشية بكسر الواو ، فقلبت الكسرة إلى الشين ، ثم حذفت الواو وهي فاؤها وعوض منها تاء التأنيث. انظر : التصريح (٢ / ٣٣٥) ، والصحاح (٦ / ٢٥٢٤).

(٢) وأصلها سته. ينظر في النسب إليها : التكملة (٦٠) ، وابن يعيش (٦ / ٥) ، والتصريح (٢ / ٣٣٥) ، والأشموني (٤ / ١٩٧).

(٣) ينظر : الكتاب (٣ / ٣٥٧ ـ ٣٥٩) ، والمقتضب (١ / ٣٦٦) ، والمنصف (٢ / ١٤٨).

(٤) وأصلها ثبوة فعلة من ثبا يثبو إذا اجتمع وتضام ، وقيل للجماعة : ثبة ، لانضمام بعضها إلى بعض ، واستدل ابن جني على أن المحذوف الواو بأن أكثر ما حذفت لامه إنما هو من الواو ، نحو : أب ، وأخ ، وسنة ، وثبة الحوض وسطه ، جعلها الأخفش والزجاج مما حذفت عينه من ثاب الماء يثوب. بدليل تصغيرها على ثويبة ، قال ابن يعيش : والصواب أن يكون المحذوف منها اللام ، لكثرة ما حذفت لامه من الأسماء ، وقلة المحذوف منه العين ، فلم يأت مما حذفت عينه إلا كلمتان : مذ ، وسه. راجع : الكتاب (٣ / ٣٥٩) ، والمقتضب (١ / ٣٧٦) واللسان (ثبا) ، والخصائص (١ / ٢٢٦) ، وابن يعيش (٥ / ٤ ، ٥) ، وابن جماعة (١ / ١٣٦).

(٥) سورة النساء : ٧١.

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المحذوف من ثبة عين الكلمة ، وقول سيبويه هو المعتبر ؛ لأن حذف اللام أكثر من حذف العين. ثانيهما : إذا كان محذوف اللام ، ولكن عوّض بهمزة الوصل ، نحو : ابن ، إن حذفت همزة الوصل رددت المحذوف ، وإن أبقيتها لم ترده (١) ، وأما النوع الثاني وهو الكلمة الثنائية وضعا ، فإما أن يكون الثاني من [٦ / ٦٧] الحرفين صحيحا نحو : كم ومن فيجوز النسب إليه على لفظه ويجوز تضعيفه (٢) وإما أن يكون معتلّا فيجب التضعيف ، ويفعل في الكلمة بعد ذلك ما يقتضيه القياس فيقال في النسب إلى : كي ولو ولا : كيويّ ولوّيّ ولائيّ ، وإذ قد علم هذا فلنطبق عليه كلام المصنف ، فنقول قوله : لا يجبر في النسب من المحذوف الفاء أو العين إلّا المعتل اللام إشارة إلى أول المواضع الثلاثة التي يجب فيها الرد وهو المحذوف الفاء كشية ، أو العين كمري مع اعتلال اللام فيهما ، وقوله : فأما المحذوفها فيجبر بردها إن كان معتل العين إشارة إلى ثاني المواضع وهو المحذوفها اللام مع اعتلال العين منه ، نحو : ذو ، وشاه ، وقوله : وكذا الصحيحها إن جبر في التثنية والجمع بالألف والتاء إشارة إلى ثالث المواضع ، وهو نحو : أب وأخت ، وأما امتناع الرد ، فقد عرفت أنه في موضع واحد وهو إذا كان المحذوف غير اللّام ، واللام صحيحة كعدة في المحذوف الفاء ، وسه في المحذوف العين ، وهذا الموضع يفهم من قوله : لا يجبر في النسب من المحذوف الفاء أو العين إلّا المعتل اللام إذ مفهوم الحصر أنه إذا كان الاسم صحيح اللام ، وكان مع ذلك قد حذفت فاؤه كما في عدة ، أو عينه كما في : سه ، فإنه لا يجبر برد ، وأما جواز الأمرين وهما الردّ وعدمه ، فقد عرفت أنه في موضعين ، وهما إذا كان المحذوف اللام والعين صحيحة ، ولكن اللام لا ترد في التثنية ولا الجمع بالألف والتاء نحو : دم وحر وست وإذا كان المحذوف ـ

__________________

(١) تقول : ابني وبنويّ ، فيجوز الرد مع حذف الهمزة وعدمه مع إثباتها. راجع الكتاب (٢ / ٨١) ، والمقتضب (٣ / ١٥٤) ، والأشموني (٤ / ١٩٤).

(٢) قال الرضي (٢ / ٦٠): (اعلم أن الاسم الذي على حرفين على ضربين : ما لم يكن له ثالث أصلا ، وما كان له ذلك فحذف ، فالقسم الأول لا بد أن يكون في أصل الوضع مبنيّا ؛ لأن المعرب لا يكون على أقل من ثلاثة في أصل الوضع ، فإذا نسبت إليه ، فإما أن تنسب إليه بعد جعله علما للفظه ، أو تنسب إليه بعد جعله علما لغير لفظه ، كما تسمى شخصا بمن أو كم ففي الأول لا بد من تضعيف ثانيه سواء كان الثاني حرفا صحيحا أو لا ... فتقول في الصحيح : الكمّيّة واللمّيّة بتشديد الميمين ، وهو منسوب إلى ما.

٤١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

اللام ، ولكن حصل العوض بهمزة وصل ، نحو : ابن ، أما الموضع الأول فيستفاد من قوله : وإلا فوجهان لأن قوله : وإلا قسيم لقوله : إن جبر في التثنية والجمع فالمعنى وإن لا يجبر في التثنية والجمع فوجهان وهما الرد وعدمه ، وأما الموضع الآخر ، وهو ما كان محذوف اللام وعوض بهمزة الوصل ، فقد أشار إليه بقوله : وإذ جبر ذو همزة الوصل حذفت وإلّا فلا فيعرف منه أنه يقال في النسب إلى ابن : ابنيّ وفي النسب إليه دون همزة الوصل : بنويّ بالرد ، وعرف أيضا من قوله : وإن كان حرف لين آخر (الثنائي) إلى آخره ، أن آخر ما هو ثنائي الوضع إذا كان معتلّا يضعف ، لكن مفهومه أن الآخر منه إذا كان صحيحا لا يضعف وليس الأمر كذلك ؛ لأنه يجوز فيه الأمران وهما التضعيف وعدمه ، وليعلم أن قول المصنف : وإن كان ألفا جعل ضعفها همزة فيه شيء ، وهو أننا إذا ضعّفنا آخرا هو ألف ، إنما نأتي بألف ، ثم بعد اجتماع الألفين تبدل الثانية همزة على القاعدة المعروفة في مثل ذلك ، وإذا كان الأمر هكذا ، فالهمزة ناشئة عن الألف ، وقوله : جعل ضعفها همزة ينافي ذلك ، وقد ذكر المسألة في شرح الكافية ، فقال : وإذا نسب إلى ذي حرفين لا ثالث لهما ، ولم يكن الثاني حرف لين جاز تضعيفه وعدم تضعيفه ، فيقال في كم : كمّيّ وكميّ ، وإن كان الثاني حرف لين وجب تضعيفه وعومل ذو الياء معاملة حيّ وذوا الواو معاملة (ذوّ) (١) فيقال في النسب إلى في مسمى به : فيويّ وفي (المنسوب) إلى لو : (لوويّ) (٢) وإن كان حرف اللين ألفا ضوعفت وأبدلت الثانية همزة ، ثم أوليت ياء النسب ، كقولك في : (لا) مسمّى به (لائيّ) ويجوز قلب الهمزة واوا (٣). انتهى كلامه ـ رحمه‌الله تعالى ـ وأما قول المصنف وتفتح عين المجبور غير المضاف مطلقا خلافا للأخفش في تسكين ما أصله السكون فأشار به إلى أنك تقول في النسب إلى شية : وشويّ على مذهب سيبويه (٤) ، وأنك تقول فيه : وشييّ على مذهب الأخفش (٥) ، قال في شرح الكافية ، وقد ذكر نحو : شية وحر ـ

__________________

(١) في النسختين (ذو) وفي شرح الكافية (دوّ) والدو : الفلاة الواسعة والمستوى من الأرض. اللسان (دوا).

(٢) كذا في شرح الكافية وفي النسختين (لوى).

(٣) شرح الكافية (٤ / ١٩٥٦) وما بعدها.

(٤) الكتاب (٣ / ٣٦٩).

(٥) ينظر : ابن يعيش (٦ / ٤) ، بدر الدين على الألفية (٣١٩) ، والتصريح (٢ / ٣٣٥) ، والأشموني (٤ / ١٩٧).

٤١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فيما يجب جبره برد المحذوف : ومذهب سيبويه (١) ألا تردّ عين المجبور إلى السكون إن كان أصلها السكون بل تفتح ويعامل الاسم معاملة المقصور إن كان معتلّا ومعاملة : جمل وعنب وصرر إن كان صحيحا ، كقولك في شية وحر : وحرحيّ ، ومذهب الأخفش أن تردّ عين المجبور إلى سكونها إن كانت ساكنة في الأصل ، فيقال على مذهبه : وشييّ وحرحيّ (٢) انتهى. ومذهب سيبويه هو الأصح ؛ لأن الحرف الثاني كانت الحركة لازمة له للإعراب ، وإنما ردّوا الحرف الذاهب لقلة الحروف ، فإذا ردّوا ما لم تكن فيه من أجل الكثرة وجب أن يزيلوا ما هو فيه الحركة وهو تحريك الثاني ، والفتحة أخف الحركات ، قالوا : وكلام العرب على ما ذهب إليه سيبويه ، قالوا في غد : غدوىّ بفتح الدال (٣) ، وغد أصله غدو بسكون العين (٤) ، وأما الأخفش فإنه يسكن ؛ لأنه يقول إنما حرّك الحرف ؛ لأجل الإعراب المنتقل إليه من لام الكلمة المحذوفة التي كانت محل الإعراب ، فلما عادت اللام عادت العين إلى أصلها من السكون ، قالوا : وما ذهب إليه الأخفش قياس مصادم للنّص ، قالوا : وقد رجع الأخفش إلى مذهب سيبويه وذكر سماعا عن العرب (٥) ، وإنما عومل ، نحو : شية بعد الجبر معاملة المقصور ؛ لأنك لمّا رددت الواو التي هي فاء الكلمة وهي مكسورة والسين مستمرة على كسرها أيضا ، آل وزن الكلمة إلى فعله ، فوجب فتح عين الكلمة كما في نحو : إبل ، وإذا فتحت العين وجب قلب الياء التي هي لام الكلمة ألفا ، فيصير الاسم مقصورا ثلاثيّا ، فيعامل معاملته بقلب ألفه واوا ، وأما الأخفش فإنه ردّ عين الكلمة إلى أصلها من السكون ، ولما سكنت العين بقيت لام الكلمة التي هي الياء على حالها ؛ إذ لا موجب لتغييرها ، وكأن سيبويه يرى أن الواو والحاء إنما ردّا في (شية وحر) من أجل النسب فكانا في حكم العارض لا في حكم ما هو أصل ، فمن أجل ذلك استمرت الشين من شية ، والراء من حر بعد رد المحذوف على حركتيهما ، وأراد المصنف بقوله : مطلقا ما أصله السكون وما أصله ـ

__________________

(١) الكتاب (٣ / ٣٦٩).

(٢) شرح الكافية (٤ / ١٩٥٧) وما بعدها.

(٣) مع : غديّ. انظر شرح الكافية ـ ١٩٥٤ ، والرضي (٢ / ٦٤).

(٤) المصباح ـ (٤٤٣).

(٥) قال المرادي في شرحه للألفية (٥ / ١٤٥): (وحكي عن أبي الحسن أنه رجع في (الأوسط) إلى مذهب سيبويه ، وذكره سماعا عن العرب). وانظر : ابن جماعة (١ / ١١٩) ، والأشموني (٤ / ١٩٤).

٤١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الحركة ، وهذا واضح ، فإن قيل : ما الموجب لإيجاب الجبر برد المحذوف في بعض وامتناعه في بعضه ، وجواز الأمرين في موضع ، قلت : لم أر في كلام المصنف التعرض إلى ذكر ذلك ولا كلام الشيخ أيضا ، إلّا فيما ذكره عنه ، ويمكن أن يقال :أما وجوب الرد في نحو : شية ومري ، فلأن اعتلال اللام يذهب صورتها الأصلية ، فإذا انضم إلى ذلك كون فاء الكلمة أو عينها محذوفة أدى ذلك إلى اختلالها ، فلا جرم أنهم أوجبوا [٦ / ٦٨] الرد ، وأما وجوبه في نحو : ذو ، وشاة فلأن اللام قد حذفت واعتلال العين يذهب صورتها ، فكان الاختلال من (جهتين) كما في القسم الذي قبله ، وهو ما اعتلت لامه ، وكان المحذوف منه أحد الأصلين الآخرين اللذين هما الفاء والعين ، وأما وجوبه في نحو : أب وأخ فقد قال الشيخ أبو عمرو الحاجب ـ رحمه‌الله تعالى ـ أن العلة في ذلك أنهم لو لم يردّوا لأخلّوا بحذف لامه وبحذف حركة وسطه مع أن المحذوف لام وهو محل قابل للتغييرات ، فكان الرد والمحذوف لام أسهل ، فلو قالوا : أبيّ وأخيّ ؛ لكانوا قد حذفوا اللام وحركة العين ؛ لأن الحركة اللام الحركة إنما هي لأجل ياء النسب (١). وفي هذا التعليل نظر ؛ لأنه يلزم منه وجوب الرد في نحو : ست ؛ لأن لامه محذوفة وهو متحرك الوسط ولا شك أن الرد في : ست جائز لا واجب ، وعلّل الشيخ وجوب الرّد في نحو : شية بأنه لو لم يرد ؛ لأدى ذلك إلى بقاء الاسم بعد حذف تاء التأنيث منه على حرفين ثانيهما حرف علة ، وذلك لا يوجد في كلامهم (٢) ، وأقول هذا التعليل منقوض ، بنحو : مري فإن الرّد فيه واجب مع أن ثاني الحرفين لو لم يرد حرف صحيح ، لا حرف علة ، وأما امتناع الرد في نحو : عدة وسه ، وهو ما كان صحيح اللام وقد حذفت فاؤه أو عينه ، فلأن صحة اللام تنفي الاختلال لبقائها على أصلها دون تغيير فلم يحتج إلى الرد ، وأما جواز الأمرين في نحو : دم (وحر وست مما هو محذوف اللام) (٣) لم ينضم إلى حذفها شيء آخر حتى يحصل اختلال للكلمة ، فلم يجب الرّد كما في ذو وشاة ، ولم يمتنع الرّد كما في عدة ؛ لأن لام الكلمة محل قابل للتغيير من حيث هو آخر ، فمن ثم سهل ردّ اللام ، وإذ قد انقضى الكلام ـ

__________________

(١) انظر : ابن جماعة (١ / ١١٧ ـ ١١٨).

(٢) التذييل (٥ / ٢٥٩) (ب).

(٣) كذا في (أ) وفي (ب) (حي وست مما هو محذوف اللام والعين صحيحة واللام لا ترد في التثنية ولا الجمع بالألف والتاء ، فلأن اللام لم ينضم ...).

٤٢٠