شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٩

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٩

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

.................................................................................................

______________________________________________________

النفي والسؤال عنه تصديق للنفي ، هكذا ذكروا ، ولم أتحقق أنها تكون بعد السؤال للتصديق ؛ لأن الذي يقبل التصديق إنما هو الخبر لا الإنشاء ، وقد قيل (١) : إن سيبويه كأنه رأى أنه إذا قيل : هل قام زيد؟ فقيل : نعم ، فهو لتصديق ما بعد الاستفهام ، ولم أتحقق هذا القول ، ولا شك أنها في مثل ذلك للإعلام ، فالحق ما ذكره المصنف أنها : إما لتصديق مخبر أو إعلام مستخبر أو وعد طالب.

وأما «بلى» فقد قال المصنف : إنها لإثبات نفي مجرد أو مقرون باستفهام ، فإذا قال القائل : ما قام زيد وأردت تصديقه قلت : نعم ، أو أردت تكذيبه قلت : بلى ، وكذلك أيضا تثبت النفي المقرون بأداة الاستفهام فإذا قال القائل : أليس زيد بعالم؟

وأردت تصديقه ، قلت : نعم ؛ أو أردت تكذيبه ، قلت : بلى ، ولو قال المصنف «وبلى لإثبات منفي» كان أولى من قوله : لإثبات نفي ؛ لأنه قد يفهم منه أن المراد :إثبات النفي نفسه وليس كذلك.

ثم إنهم قالوا : وسواء أردت الاستفهام عن حقيقة النفي ، أو أردت التقرير وإن كان معناه الإيجاب ، قالوا : لأن العرب تجريه في باب الجواب مجرى النفي المحض.

والدليل على ذلك قوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(٢) ومن ثمّ قال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما ولو قالوا : نعم في الجواب كفروا (٣).

ملخص ما ذكروه (٤) : أنه إذا قيل : قام زيد ، فتصديقه : نعم ، وتكذيبه : «لا» ، ويمتنع دخول «بلى» لأنها إنما يجاب بها بعد النفي ، وإذا قيل : ما قام زيد ، فتصديقه : نعم ، وتكذيبه : بلى ، قال الله تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى)(٥) ويمتنع دخول «لا» لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي ، وإذا قيل : أقام زيد؟ فهو مثل : قام زيد ، فتقول : نعم ، إن أثبتّ القيام ، وتقول : لا ، إن نفيته ، ويمتنع دخول «بلى» لما عرفت ، وإذا قيل : ألم يقم زيد؟ فهو مثل : لم يقم زيد ، فتقول : بلى إن أثبت القيام ، ويمتنع دخول «لا» ، وتقول : نعم إن نفيته.

فالحاصل : أن «بلى» لا تأتي إلا بعد نفي ، وأن «لا» لا تأتي إلا بعد إيجاب ، ـ

__________________

(١) انظر المغني (ص ٣٤٥).

(٢) سورة الأعراف : ١٧٢.

(٣) انظر شرح الجمل لابن عصفور (٢ / ٤٨٥) ، ودرة الغواص للحريري (ص ٢٦١).

(٤) انظر هذا الكلام في المغني (ص ٣٤٦).

(٥) سورة التغابن : ٧.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأن «نعم» تأتي بعدهما ، واعلم أن ابن عصفور قد أجاز وقوع «نعم» في جواب النفي المصاحب لأداة الاستفهام المراد به إيجاب النفي معللا ذلك بأن : التقرير إيجاب في المعنى ، وأنا أورد كلامه في ذلك بجملته ، قال في المقرب (١) : فنعم تكون عدة في جواب الاستفهام والأمر ، وتكون تصديقا للخبر نحو قولك لمن قال :قام زيد ، وما قام زيد : نعم ، تصدقه في إثبات القيام لزيد أو نفيه عنه ، وبلى تكون جوابا للنفي خاصة إلا أن معناها أبدا إيجاب المنفي مقرونا كان النفي بأداة الاستفهام أو غير مقرون بها ، نحو قولك في جواب من قال : ما قام زيد ، وألم يقم عمرو؟ :بلى قد قام ، ولو قلت : نعم ، كنت محققا للنفي كأنك قلت : نعم لم يقم ، وقد تقع نعم في جواب النفي المصاحب لأداة الاستفهام والمراد به إيجاب المنفي إذا أمن اللبس ، وذلك بالنظر إلى المعنى ؛ لأن التقرير في المعنى إيجاب ، ألا ترى أنك إذا قلت : ألم يقم زيد؟ فإنما تريد أن تثبت للمخاطب قيام زيد ، ومن ذلك قوله :

٤١٥٤ـ أليس اللّيل يجمع أمّ عمرو

وإيّانا فذاك بنا تداني

نعم وترى الهلال كما أراه

ويعلوها النّهار كما علاني (٢)

انتهى.

والذي ذكره من أن التقرير في المعنى إيجاب فيجوز أن يجاب الكلام الذي يتضمنه بكلمة «بلى» هو الظاهر ، ومما يدل على ذلك أيضا قول [٥ / ١٩٧] الأنصار للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد قال لهم : «ألستم ترون لهم ذلك؟» نعم (٣) ، غير أن قوله : إن نعم تكون عدة في جواب الاستفهام ، غير ظاهر.

وقد تكلم الشيخ بهاء الدين بن النحاس ـ رحمه‌الله تعالى ـ على هذا الموضع ، فقال (٤) : ـ

__________________

(١) انظر المقرب (١ / ٢٩٤ ، ٢٩٥).

(٢) البيتان من الوافر ، وهما لجحدر بن مالك اللص. والشاهد فيه : وقوع «نعم» في جواب النفي المصاحب لأداة الاستفهام والمراد به إيجاب المنفي ، فكأنه قيل : إن الليل يجمع أم عمرو وإيانا ، نعم ، فإن الهمزة إذا دخلت على النافي تكون لمحض التقرير. والبيتان في الشعر والشعراء (ص ٤٤٩) منسوبين للمعلوط ، وشرح الجمل لابن عصفور (رسالة) (٢ / ٤٨٥) ، والمغني (ص ٣٤٧) ، وشرح شواهده (ص ٤٠٨).

(٣) انظر المغني (ص ٣٤٧).

(٤) انظر التعليقة ورقة (١٢٥) وهي تعليقات ابن النحاس على مقرب ابن عصفور (مكتبة الأزهر).

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

«إن نعم في جواب الطلب عدة ، كقولك : نعم لمن قال : أعط زيدا درهما ، قال : وأما في الاستفهام ففي قول المصنف (١) : إنها عدة ، نظر ، فإنها في الاستفهام قد تكون عدة ، وقد تكون تصديقا ، فمثال كونها عدة قولك : نعم ، في جواب من قال : هل تعطيني درهما؟ فها هنا في عدة ، وأما إذا قال : هل قام زيد ، وألم يقم زيد؟ لا بمعنى التقرير فقلت في جوابه : نعم ، فهي هنا لتصديق ما قبلها من إيجاب أو نفي كحاله إذا لم تصحب الاستفهام» انتهى.

وما قاله ابن عصفور من أن نعم تكون عدة في جواب الاستفهام ، غير ظاهر ، وكذا تفصيل الشيخ بهاء الدين وجعله إياها عدة في جواب : هل تعطيني؟وتصديقا في جواب : هل قام زيد؟ غير ظاهر أيضا ، والذي يظهر أنها للإعلام في المثالين المذكورين.

والحاصل : أن الواقعة في جواب الاستفهام مطلقا تكون للإعلام ، هذا هو الظاهر.

ثم قال الشيخ بهاء الدين : «والفرق بينها وبين بلى ما ذكره المصنف ـ يعني ابن عصفور ـ من أن نعم تصديق للخبر إيجابا كان أو نفيا ، وبلى توجب النفي نحو قولك لمن قال : لم يقم زيد أو ألم يقم زيد؟ ولم ترد به التقرير إذا أردت أن القيام قد حصل». انتهى (٢) ، وقد أفهم كلامه أن بلى لا تكون جوابا لقولنا : ألم يقم زيد؟ إلا إذا لم يرد التقرير ، لكنه أردف كلامه المتقدم بأن قال : «ولذلك أجابوا قوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(٣) ، قال العلماء : لو قالوا عوض بلى :نعم كفروا من حيث كانوا مصدقين النفي». انتهى.

فلم يتطابق لي كلامه ثانيا مع كلامه أولا ؛ لأن التقرير مراد في الآية الشريفة قطعا ، وهو قد شرط أن «بلى» إنما تكون جوابا للنفي إذا لم ترد به التقرير ، لكنه قال (٤) بعد ذلك شارحا لقول ابن عصفور : «وقد تقع نعم في جواب النفي» إلى آخره : «حرف الاستفهام إذا دخل على النفي يدخل بأحد معنيين : إما أن يكون الاستفهام عن النفي هل وجد أو لا؟ فيبقى النفي على ما كان عليه ، أو للتقرير ـ

__________________

(١) يعني ابن عصفور.

(٢) أي كلام ابن عصفور.

(٣) سورة الأعراف : ١٧٢.

(٤) أي الشيخ بهاء الدين بن النحاس.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كقولك : ألم أحسن إليك؟ وكقوله تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى)(١) فإن كان بالمعنى الأول لم يجز دخول نعم في جوابه إذا أردت إيجابه ، بل تدخل حينئذ بلى ، وإن كان بالمعنى الثاني وهو التقرير ، فللكلام حينئذ لفظ ومعنى ، فلفظه نفي دخل عليه الاستفهام ومعناه الإثبات ، فبالنظر إلى لفظه يجيبه ببلى وبالنظر إلى معناه وهو كونه إثباتا يجيبه بنعم ، قال (٢) : وهذا مراد ابن عصفور بقوله : وذلك بالنظر إلى المعنى إذا أمن اللبس ، أي : إذا علم أن المراد بالكلام التقرير لا الاستفهام عن النفي ، قال : والذي يقرر عندك أن معنى التقرير الإثبات ، قول ابن السراج (٣) : فإذا أدخلت على ليس ألف الاستفهام كانت تقريرا ودخلها معنى الإيجاب فلم يجئ معها أحد ، لأن أحدا إنما يجيء مع حقيقة النفي ، لا تقول : أليس أحد في الدار؟لأن المعنى يؤول إلى قولك : أحد في الدار ، وأحد لا تستعمل في الواجب ، وكذلك لا يجوز أن تجيء إلا مع التقرير ، لا تقول : أليس زيد إلا فيها؟ لأن المعنى يؤول إلى قولك : زيد إلا فيها وذا لا يكون كلاما». انتهى (٤).

وهو كلام حسن وقد خلا الإشكال ، وحقق قوله أولا : وبلى يوجب النفي نحو قولك لمن قال : لم يقم زيد أو ألم يقم زيد؟ ولم ترد به التقرير إذا أردت أن القيام قد حصل. ولكن قد قال ابن عصفور في غير المقرّب» (٥) :«أجرت العرب التقرير في الجواب مجرى النفي المحض وإن كان إيجابا في المعنى ، فإذا قيل : ألم أعطك درهما؟ قيل في تصديقه : نعم ، وفي تكذيبه : بلى ، وذلك لأن المقرر قد يوافقك فيما تدعيه وقد يخالفك ، فإذا قال : نعم ، لم يعلم هل أراد : نعم لم يعطني على اللفظ ، أو نعم أعطيتني على المعنى. فلذلك أجابوا لى اللف ولم يلتفتوا إلى المعنى» انتهى.

لا يخفى ضعف هذا التعليل الذي ذكه ، وقد خالف كلمه هنا كلامه في «المقرّب» ولذي في «المقرب» هو الذي يقتضيه النظر ، وقد تقدمت الإشارة إلى أنه هو الظاهر. ـ

__________________

(١) سورة الضحى : ٦.

(٢) أي الشيخ بهاء الدين بن النحاس.

(٣) انظر أصول النحو لابن السراج (١ / ٤٩).

(٤) انظر تعليقات ابن النحاس على مقرب ابن عصفور ورقة (١٢٥) (مكتبة الأزهر ٤٩٤٧).

(٥) انظر شرح الجمل لابن عصفور (رسالة) (٢ / ٤٨٥) وقد نقله عنه بتصرف.

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقول المصنف : وقد توافقها نعم بعد المقرون ـ أي : وقد توافق بلى نعم ، أي : يؤتى بـ «نعم» في جواب النفي المقرون باستفهام ـ يعد ما ذكرته ، والقائلون بوجوب الإتيان بكلمة «بلى» في جواب النفي المقرون بالاستفهام ، يجيبون عن بيت جحدر (١) ، فيقولون (٢) : إن نعم فيه جواب لغير مذكور وهو ما قدره في اعتقاده من أن الليل يجمعه وأم عمرو ، قالوا (٣) : وجاز ذلك لأمن اللبس ؛ لأن كل أحد يعلم أن الليل يجمعه وأم عمرو ، قالوا (٤) : أو يكون جوابا لقوله : وترى الهلال ... البيت ، وقدمه عليه.

قال الشيخ (٥) : «والأولى عندي أن يكون جوابا لقوله : فذاك بنا تدان».

قالوا (٦) : وأما قول الأنصار : نعم فإنما جاز ذلك لزوال اللبس ، لأنه قد علم أنهم يريدون : نعم نعرف لهم ذلك.

ولا يخفى على صاحب النظر أن ما أجابوا به ليس بذاك ، والحق أن «نعم» قد تقع جوابا للنفى المقرون باستفهام إذا كان المراد من الكلام التقرير ؛ لأنه إيجاب في المعنى ، وعلى ذلك يحمل قول المصنف : وقد توافقها نعم بعد المقرون. ويدل [٥ / ١٩٨] على ما قلته قول سيبويه (٧) في باب «النعت» في مناظرة جرت بينه وبين بعض النحويين : «فيقال له : ألست تقول كذا ؛ فإنه لا يجد بدّا من أن يقول :نعم ، فيقال له : أفلست تجعل كذا؟ فإنه قائل : «نعم» فأتى بـ «نعم» في جواب :ألست ، لما كان المراد به التقرير».

وقد لحن ابن الطراوة (٨) سيبويه في إتيانه بكلمة «نعم» في موضع يستحق أن يؤتى فيه بكلمة «بلى». ولقد كان يقبح بابن الطراوة أن يقع في حق من شيّد الله قدره ، وأعلى محله ، وجعله إمام الأئمة في هذا العلم ، وينسب اللحن إلى كلامه ، لا جرم أن الله تعالى قد صرف الناس عن قبول أقواله ، وجعل كلامه مرفوضا ـ

__________________

(١) هو جحدر بن مالك. ويقال له : جحدر العكلي : شاعر من أهل اليمامة كان في أيام الحجاج بن يوسف يقطع الطريق وينهب الأموال ما بين حجر واليمامة ، وكان فتاكا شجاعا. انظر ترجمته في شرح شواهد المغني (ص ٤٠٨) ، والأعلام (٢ / ١١٣).

(٢) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٦.

(٣) المرجع السابق.

(٤) انظر الذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٦.

(٥ ، ٦) المرجع السابق.

(٧) انظر الكتاب (٢ / ١٩) (هارون) وقد نقله عنه بتصرف.

(٨) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٦.

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مدحوضا لا يلتفت إليه ، ولا يعوّل عليه ، وقد حقق لنا سيبويه ـ رحمه‌الله تعالى ـ بما قاله أن كلمة «نعم» يجاب بها النفي المقرون بالاستفهام إذا كان المراد به التقرير.

ولكن قد يشكل على ما قررناه قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لو قالوا نعم كفروا ، إن صح هذا النقل عنه رضي الله تعالى عنه ، والظاهر أن الذي قاله أنهم لو قالوا : نعم لم يكن كافيا في الإقرار بالربوبية ، لأن مراعاة اللفظ في مقام الاحتمال أولى من مراعاة المعنى ، كيف والمقام يقتضي الإتيان بحقيقة الاعتراف بالربوبية وإخلاص العبودية؟ وإذا كان كذلك ، وجب أن يعدل عن اللفظ المحتمل لغير المقصود ويؤتى باللفظ القاطع الذي لا يكون فيه احتمال.

ثم إن الشيخ ذكر هنا مسألة وهي (١) : أن سيبويه قال (٢) : وأما ألا فتنبيه ، تقول : ألا إنه ذاهب ألا بلى.

قال ابن خروف : ليس بجواب لما قبله.

قال الشيخ (٣) : يعني أن ما قبله من قوله : ألا إنه ذاهب ، جملة مثبتة فجوابها لا يكون بـ «بلى» قال (٤) : وقال أبو عمرو بن تقي : إنما هو تأكيد له ، أي : تقول : ألا إنه ذاهب أو ألا بلى فتجمعهما تأكيدا لأنهما سواء ، قال (٥) : وقال بعض أصحابنا : هذا موضع مشكل وتفسيره : إذا أردت أن تقول في جواب من قال : ليس زيد بذاهب : ألا إنه ذاهب ، قلت : عوض هذا : ألا بلى أي : ألا بلى هو ذاهب.

ثم ذكر (٦) مسألة أخرى وهي : أن النهي يجري مجرى النفي في الجواب ببلى ، فإذا قال القائل : لا تضرب زيدا قلت : بلى ، أي : اضربه ، قال : وإنما كان ذلك لأن النهي فيه معنى النفي والترك. انتهى.

وأما قول المصنف : وإي بمعناها ، إلى آخره ـ فأراد به أن «إي» بمعنى : نعم من كونها لتصديق مخبر أو إعلام مستخبر أو وعد طالب ، لكنها مختصة بالقسم بخلاف «نعم» فإنها تكون مع قسم وغير قسم ، قال الله تعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ

__________________

(١) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٧.

(٢) انظر الكتاب (٤ / ٢٣٥).

(٣) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٧.

(٤) أي الشيخ أبو حيان في التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٧.

(٥) أي الشيخ أبو حيان.

(٦) أي الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٧.

٢٠٦

[كلّا وحديث عنها]

قال ابن مالك : (فصل ، كلّا حرف ردع وزجر ، وقد تؤوّل بـ «حقّا» ، وتساوي «إي» معنى واستعمالا ، ولا تكون لمجرّد الاستفتاح ؛ خلافا لبعضهم).

______________________________________________________

قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ)(١) ، وإذا وليها حرف القسم فـ «الياء» ثابتة قطعا ، وإذا وليها الاسم المعظم جاز حذف «الياء» ؛ لالتقائها ساكنة مع لام «الله» فتقول :إالله ، وجاز فتحها كما فتحت نون «من» مع «لام» التعريف ، فتقول : إي الله وجاز إسكانها فتقول : إي الله لأنه يجوز الجمع بين الساكنين إذا كانا على شرطهما وهو أن يكون الأول حرف علة والثاني مشددا ، هكذا ذكروا (٢) ولكن الشرط أن يكون حرف العلة والساكن المدغم في كلمة ، وها هنا الساكن المدغم من كلمة أخرى غير الكلمة المتضمنة الساكن الأول.

وأما قوله : وأجل لتصديق الخبر فظاهر ، ومثاله : أن يقول القائل : قام زيد أو ما قام زيد أو يقوم زيد أو ما يقوم زيد ، فتقول : أجل ، فهي لتصديق الخبر سواء أكان ماضيا أم غير ماض وسواء أكان موجبا أم غير موجب ، كالأمثلة المذكورة.

قال الشيخ (٣) : «ولا تجيء بعد الاستفهام ، وحكي عن الأخفش (٤) أنها تكون فيهما إلا أنها في الخبر أحسن من نعم ، ونعم في الاستفهام أحسن منها» انتهى.

ومن حروف الجواب أيضا : «جير» و «إنّ» بمعنى نعم ، وقد ذكرهما المصنف.

أما «جير» ففي باب «القسم» ، وأما «إنّ» ففي باب «الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر».

قال ناظر الجيش : قال الشيخ (٥) : «كلّا حرف بسيط ، ودعوى ثعلب (٦) أنها مركبة من «كاف التشبيه» و «لا» التي للرد شددت «اللام» ـ لا دليل له عليها.

وهي حرف ردع وزجر عند الخليل وسيبويه (٧) والأخفش والمبرد وابن قتيبة وعامة ـ

__________________

(١) سورة يونس : ٥٣.

(٢) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٦.

(٣) المرجع السابق.

(٤) انظر المغني (ص ٢٠).

(٥) انظر التذييل وقد نقله عنه بتصرف.

(٦) انظر المغني (ص ١٨٨).

(٧) قال في الكتاب (٤ / ٢٣٥) «أما كلا فردع وزجر».

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

البصريين (١) ، وبمعنى «حقّا» عند الكسائي وابن الأنباري وجماعة (٢).

وتساوي «إي» معنى واستعمالا يعني أنها تكون حرف تصديق ، وأنها تستعمل مع القسم فتقول : كلا والله ، في معنى : إي والله ، وكونها بمعنى «نعم» هو مذهب النضر بن شميل (٣) ، وقال عبد الله بن محمد الباهلي : كلّا على وجهين :

أحدهما : أن تكون ردّا لكلام قبلها ، فيجوز الوقف عليها ، وما بعدها استئناف.

والآخر : أن تكون صلة للكلام فتكون بمنزلة «إي».

وقال محمد بن واصل (٤) : كلا بمعنى القسم في بعض المواضع ، قال الله تعالى :(كَلَّا لَيُنْبَذَنَ)(٥) ، وزعم أبو حاتم (٦) أن «كلا» تكون ردّا للكلام الأول وتكون بمعنى «ألا» الاستفتاحية.

و «كلا» لها معنى كثير في باب الاتعاظ.

وذهب الفراء (٧) إلى أن «كلا» بمنزلة «سوف» وهو غريب.

وذهب صاحب كتاب «الترشيد» (٨) أن كلا تكون بمنزلة «لا» ردّا لما قبلها ، ويبتدأ بما بعدها ، ويوقف عليها ، قال الله تعالى : (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلَّا)(٩) ، قال : «وعدتها أربعة عشر موضعا في القرآن العزيز ـ أي التي تكون ـ

__________________

(١ ، ٢) انظر المغني (ص ١٨٨).

(٣) المغني (ص ١٨٩) ، وأضاف ابن هشام «والفراء ومن وافقهما».

والنضر بن شميل بن خرشة بن يزيد المازني التميمي أبو الحسن ، أحد الأعلام بمعرفة أيام العرب ورواية الحديث وفقه اللغة ، ولد وتوفي بمرو (من بلاد خراسان) وكانت وفاته سنة (٢٠٣ ه‍). ومن كتبه : الصفات والمعاني والأنواء ، انظر ترجمته في البغية (٢ / ٣١٦).

(٤) هو محمد بن سالم بن نصر الله بن سالم بن واصل أبو عبد الله المازني التميمي الحموي ، جمال الدين ، مؤرخ عالم بالمنطق والهندسة ، من فقهاء الشافعية ، من مؤلفاته : شرح قصيدة ابن الحاجب في العروض ، توفي سنة (٦٩٧ ه‍). انظر البغية (١ / ١٠٨) والأعلام (٦ / ١٣٣).

(٥) سورة الهمزة : ٤.

(٦) انظر المغني (ص ١٨٩). وأبو حاتم : سهل بن محمد السجستاني ، من كبار العلماء باللغة والشعر ، من أهل البصرة ، من مؤلفاته : كتاب «المعمرين» و «ما تلحن فيه العامة» ، توفي سنة (٢٤٨ ه‍).

ترجمته في البغية (١ / ٦٠٦).

(٧) انظر الهمع (٢ / ٧٥).

(٨) لعله «الترشيح» لخطاب المادري وقد صحف.

(٩) سورة مريم : ٧٨ ، ٧٩.

٢٠٨

[أمّا وحديث عنها]

قال ابن مالك : (وأمّا حرف تفصيل مؤوّل بـ «مهما يكن من شيء» فلذا تلزم الفاء بعد ما يليها ، ولا يليها فعل بل معموله ، أو معمول ما أشبهه ، أو خبر ، أو مخبر عنه ، أو أداة شرط يغني عن جوابها جواب أمّا ، ولا تفصل الفاء بجملة [٥ / ١٩٩] تامّة ، ولا تحذف في السّعة إلّا مع قول يغني عنه محكيّه ؛ ولا يمتنع أن يلي «أمّا» معمول خبر «إنّ» خلافا للمازنيّ).

______________________________________________________

ردّا ويوقف عليها ـ قال : وهذا قول الأكثر من أهل الأداء والعربية وأهل المعاني والتفسير».

قال ناظر الجيش : يؤخذ من كلام المصنف أن «أمّا» حرف شرط كما أنها حرف تفصيل لقوله : مؤوّل بمهما يكن من شيء وقد صرح في شرح الكافية بأنها للأمرين ، وذكر الزمخشري (١) لها معنى آخر وهو التوكيد ، وأنا أورد كلام المصنف في شرح الكافية ثم أردفه بكلام غيره.

قال رحمه‌الله تعالى (٢) : «أمّا فيها معنى الشرط والتفصيل ، وتقدر بـ «مهما يكن من شيء» ولا يليها فعل لأنها قائمة مقام حرف شرط وفعل شرط ، فلو وليها فعل لتوهم أنه فعل الشرط ولم يعلم بقيامها مقامه ، فإذا وليها اسم بعده «الفاء» كان في ذلك تنبيه على ما قصد من كون ما وليها مع ما بعده جوابا ، والمقرون بـ «الفاء» بعد ما يليها إما مبتدأ نحو : أما قائم فزيد ، وإما خبر نحو : أما زيد فقائم ، وإما عامل فيما وليها أو مفسر عامل فيه نحو : أما زيدا فأكرم وأما عمرا فأعرض عنه ، وقد تليها «إن» فيغني جواب «أما» عن جوابها ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ)(٣) وقد تقدم (٤) أن الجواب لأول الشرطين المتواليين ، فإذا كان أول الشرطين «أما» كانت أحق بذلك من وجهين :

أحدهما : أن جوابها إذا انفردت لا يحذف أصلا ، وجواب غيرها إذا انفرد ـ

__________________

(١) ليس في المفصل. وانظر المغني (ص ٥٧).

(٢) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٦٤٦ ـ ١٦٤٨) وقد نقل عنه بتصرف.

(٣) سورة الواقعة : ٨٨ ، ٨٩.

(٤) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٦٤٧ ، ١٦٤٨).

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يحذف كثيرا لدليل ، وحذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد حذفه.

والثاني : أن أما قد التزم معها حذف فعل الشرط وقامت هي مقامه ، فلو حذف جوابها لكان ذلك إجحافا ، و «إن» ليست كذلك.

ويجوز حذف الفاء بعدها إذا كان المقرون بها قولا باقيا ما هو محكي به ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ)(١) الأصل : فيقال لهم : أكفرتم (٢) ولا تحذف غالبا دون مقارنة قول إلا في ضرورة كقول الشاعر :

٤١٥٥ ـ فأمّا القتال لا قتال لديكم

ولكنّ سيرا في عراض المواكب (٣)

انتهى.

وقد تضمن شرح غالب الفصل المذكور.

وقال الزمخشري (٤) : «فائدة «أما» في الكلام أن تعطيه فضل توكيد ، تقول : زيد ذاهب فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد الذهاب ، وأنه عزيمة ، قلت : أما زيد فذاهب ، ولذلك قال سيبويه (٥) في تفسيره : مهما يكن من شيء فزيد ذاهب ، وهذا التفسير مدل بفائدتين : بيان كونه توكيدا ، وأنه في معنى الشرط» انتهى ، ولنرجع إلى ألفاظ الكتاب وشرح ما لم يذكره في شرح الكافية ، فنقول : أما قوله وأمّا حرف تفصيل مؤوّل بمهما يكن من شيء ـ فقد ناقشه الشيخ فيه ، قال (٦) : لا ينبغي أن ينسب إلى ذلك ؛ لأن معنى التفصيل ليس بلازم لها ، بل قد يجيء حيث لا يفصل تقول : أما زيد فمنطلق ، قال : وأما التأويل بـ «مهما» فمن ـ

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٠٦.

(٢) انظر معاني الفراء (١ / ٢٢٨) ، (٣ / ٤٩).

(٣) البيت من الطويل وهو للحارث بن خالد المخزومي.

الشرح : قوله : «في عراض المواكب» العراض : الشق والناحية. وعراض المواكب : شقها وناحيتها ، و «المواكب» جمع موكب ، والموكب القوم الركوب على الإبل المزينة ، وكذلك جماعة الفرسان.

والشاهد فيه : حذف «الفاء» بعد «أما» دون مقارنة قول وذلك في قوله : «لا قتال لديكم» وهو ضرورة ، والبيت في المقتضب (٢ / ٦٩) ، والمنصف (٣ / ١١٨) ، وأمالي الشجري (١ / ٢٨٥ ، ٢٩٠) ، (٢ / ٣٤٨) ، وابن يعيش (٧ / ١٣٤) ، (٩ / ١٢).

(٤) ليس في المفصل وانظر المغني (ص ٥٧).

(٥) قال في الكتاب (٤ / ٢٣٥): «وأما «أما» ففيها معنى الجزاء كأنه يقول : عبد الله مهما يكن من أمره فمنطلق ، ألا ترى أن الفاء لازمة لها أبدا».

(٦) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٨ ، وقد نقله عنه بتصرف.

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث صلاحية التقدير ، لأن «أما» حرف فكيف يكون معناه معنى اسم شرط وفعل شرط؟ ولأن في «يكن» ضميرا يعود على «مهما» لأنها اسم شرط ، ولأن جملة الجواب إذا وقعت جوابا لفعل الشرط الكائن أداته اسما وجب أن يكون في جملة الجواب ضمير يعود على اسم الشرط وذلك منتف كلّه في أما» انتهى.

وأقول : أما قوله : «لا ينبغي أن ينسب إلى التفصيل ، لأنها قد تكون لغير تفصيل» ، فيقال فيه : لا شك أن التفصيل هو الغالب والأكثر في استعمالها ، ولعلها إنما جاءت في الكتاب العزيز للتفصيل ، وكونها في بعض الاستعمالات قد لا تكون للتفصيل لا ينفي عنها ذلك ، على أن لقائل أن يقول : لا يبعد أنها في مثل : أما زيد فمنطلق للتفصيل أيضا ، وذلك كأن قائل هذا الكلام يأتي به ردّا على من يقول : زيد منطلق ، وعمرو منطلق ؛ فإذا قال : أما زيد فمنطلق ، فالتقدير : أما عمرو فغير منطلق ، وهكذا يفهم من قولنا : أما زيد فعالم ، أن هذا القول كأنه ردّ على من ادّعى أن زيدا عالم وأن غيره عالم أيضا فيقول الرادّ : أما زيد فعالم فكأنه قال : وأما غير زيد فليس بعالم ، فلم تستعمل «أما» لغير تفصيل على هذا.

وأما قوله : «إن أما حرف فكيف يكون معناه معنى اسم شرط وفعل شرط؟» فيقال فيه : متى ادّعى المصنف ذلك حتى يناقش فيه؟ وإنما المراد أن الذي يفهم من قولنا : مهما يكن من شيء ، يفهم من «أما». ومن ثمّ قالوا : إنها قائمة مقام حرف شرط وفعل شرط ، واعلم أن بعض المغاربة يقول : لو كانت «أما» شرطا لكان ما بعدها متوقفا عليها ، وأنت تقول : أما عالما فعالم ، فهو عالم ذكرته أنت أو لم تذكره ؛ بخلاف إن قام زيد قام عمرو ، فقيام «عمرو» متوقف على قيام «زيد».

وأجيب عن ذلك بأنه قد يجيء الشرط على ما ظاهره عدم التوقف عليه ، كما قال :

٤١٥٦ ـ من يك ذا بتّ فهذا بتّي (١)

ـ

__________________

(١) هذا بيت من الرجز المشطور بعده :

مصيّف مقيّظ مشتي

وهو لرؤية في ملحقات ديوانه (ص ١٨٩). والبت هو الكساء الغليظ المربع ، وقيل : الطيلسان. وقال ابن السيرافي : «البت كساء يعمل من صوف وجمعه بتوت ، ويقال لبائع البتوت : بتّات».

واستشهد به على أنه قد يجيء الشرط على ما ظاهره عدم التوقف عليه ، لأن بته موجود كان لغيره بت أم لم يكن. وانظر الرجز في الكتاب (٢ / ٨٤) (هارون) وأمالي الشجري (٢ / ٢٥٥) والإنصاف

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وكقول الآخر :

٤١٥٧ ـ فمن يك أمسى بالمدينة رحله

فإني وقيّار بها لغريب (١)

وقول الآخر :

٤١٥٨ ـ فإن يك حقّا ما أتاني فإنّهم

كرام إذا ما النّائبات يترّب (٢)

ف «بتّه» موجود كان لغيره بتّ أو لم يكن ، وهو و «قيار» غريبان كان بالمدينة من أمسى رحله أو لم يكن بها ، وكذلك هم كرام كان ما أتاه حقّا أو لم يكن ، لكن يخرّج ذلك على إقامة السبب مقام المسبب ؛ لأن المعنى : من يك ذا بت فأنا لا أحسده ، وسبب ذلك أن لي بتّا ، وكذا إن يكن أحد من أهل المدينة فإني لا أغبطه لأني غريب ، وكذلك فإن يك حقّا ما أتاني فإنهم صبر لأنهم كرام ، وقولهم : أما عالما فعالم ، فالمعنى : مهما تذكره عالما فذكرك حق لأنه عالم.

ثم إن المصنف رتّب على كون «أما» مؤولة بأداة الشرط لزوم الإتيان بـ «فاء» بعدها بقوله فلذا تلزم الفاء. لكن لا بد أن يفصل بين «أما» و «الفاء» بجزء ؛ ومن ثمّ قال : بعد ما يليها. [٥ / ٢٠٠] ولا شك أنهم لما أنابوا «أما» مناب أداة الشرط ، وفعله ، وليت «الفاء» الواقعة في الجواب «أما» وأداة الجزاء لا تلي أداة الشرط ، فلزم أن يولوا «أما» شيئا من أجزاء الكلام الواقع جزاء ليكون بين أداة الشرط وما صدر به الجزاء فاصل يحصل به إصلاح اللغة.

قال الشيخ (٣) : «وهذه الفاء جاءت في اللفظ خارجة عن قيامها ، لأنها لم تجئ رابطة بين جملتين ولا عاطفة مفردا على مثله» انتهى.

والحق أن «الفاء» رابطة بين جملتين وهي جملة الشرط التي قامت «أما» مقامها ، والجملة الواقعة جزاء ، وإنما قدّم على «الفاء» جزء منها ؛ كي يزول القبح اللفظي لو لم يقدم شيء ، وهو أن يلي الجزاء أداة الشرط. ـ

__________________

(ص ٧٢٥) وابن يعيش (١ / ١٩٩).

(١) البيت من بحر الطويل قاله ضابئ البرجمي لما حبسه عثمان لهجائه بني نهشل. والشاهد فيه هنا : على أنه قد يجيء الشرط على ما ظاهره عدم التوقف عليه ، وهو في الإنصاف (ص ٩٤) والخزانة (٤ / ٨١).

(٢) البيت من الطويل ، واستشهد به على أنه قد يجيء الشرط على ما ظاهره عدم التوقف عليه.

(٣) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٨.

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم قال الشيخ (١) : «وتعليل المصنف للزوم الفاء بتأويلها بـ «مهما يكن» ليس بجيد ، لأن جواب «مهما يكن» لا يلزم الفاء إذا كان صالحا لأداة الشرط ، والفاء لازمة بعد «أما» كان ما دخلت عليه صالحا لأداة الشرط أو لم يكن ، ألا ترى أنه يجوز أن يقول : مهما يكن من شيء لم أبال به ويمتنع ذلك في «أما» ؛ بل يجب ذكر «الفاء» فتقول : أما كذا فلم أبال به ، فدلّ ذلك على أن دخول الفاء ووجوبها ليس بداخل إن أوّلت بمهما يكن» انتهى.

ولك أن تقول : الفاء هي التي دلت على أن «أما» مؤولة بـ «مهما يكن» إذ لو لا هي لم يعلم أن «أما» أريد بها ما يراد بـ «مهما يكن» ؛ لأن النحاة إنما دلّهم على أنها شرط لزوم «الفاء» بعدها ، وإذا كذلك كان ذكرها لازما ، فقول المصنف : فلذا تلزم الفاء ـ تعليل لكونها حرفا مؤولا بـ «مهما يكن» لا تعليل لكونها بمعنى «مهما يكن» فيلزمه ما ذكره الشيخ.

وأما قول المصنف : ولا يليها فعل ـ فقد تقدم قوله في شرح الكافية : «ولا يليها فعل لأنها قائمة مقام حرف شرط وفعل شرط ، فلو وليها فعل لتوهم أنه فعل شرط» إلى آخر ما ذكره.

وأما قوله : بل معموله أو معمول ما أشبهه أو خبر أو مخبر عنه أو أداة شرط ـ فإشارة إلى الجزء الذي يجب الفصل به بين «أما» وجوابها ، وقد ذكر خمسة أشياء ، وهي بالحقيقة أربعة ، فإن معمول ما أشبه الفعل لا فرق بينه وبين معمول الفعل إذ المعمول يشملهما ، فمثال معمول الفعل قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)(٢) إلى آخر الآيات الشريفة (٣) ، ومثال معمول ما أشبهه قول العرب : أما العسل فأنا شرّاب (٤) ، ومثال الخبر : أما في الدار فزيد ، ومثال المخبر عنه : أما زيد فمنطلق ، ومثال أداة الشرط قوله تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ)(٥) إلى آخر الآيات الشريفة (٦). ـ

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) سورة الضحى : ٩.

(٣) يعني الآية ١٠ ، والآية ١١ من سورة الضحى.

(٤) انظر الكتاب (١ / ١١١) (هارون).

(٥) سورة الواقعة : ٨٨ ، ٨٩.

(٦) يعني الآيات : ٩٠ ، ٩١ ، ٩٢ ، ٩٣ من سورة الواقعة.

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وليعلم أن قول المصنف : بل معموله ـ أراد به نحو : أما زيدا فاضرب ، كما تقدم (١) ، ويدخل تحت عبارته أمران آخران وهما : نحو : أما زيدا فاضربه ، وهو ما إذا كان الفاصل معمولا لفعل يفسره الفعل المذكور بعد الفاء ، ونحو : أما اليوم فزيد ذاهب وأما في الدار فزيد جالس ، وهو ما إذا كان المعمول ظرفا أو شبهه ، وإذا كان هذان الأمران تشملهما عبارته ، فلا حاجة إلى أن يفردا بالذكر ، وتجعل أقسام الفاصل الذي يجب الفصل به بين «أما» وجوابها ستة ، لكن العامل الذي في نحو : أما زيدا فاضربه ، أن ما يقدر بعد «الفاء» قبل الذي هي داخلة عليه ولا يقدر قبلها ؛ لأن «أما» نائبة عن الفعل ، فكان الفعل مذكورا ، وفعل لا يلي فعلا.

ثم ليعلم أن العامل في الظرف وشبهه في نحو : أما اليوم فزيد ذاهب وأما في الدار فزيد جالس ، يجوز أن يكون «أما» نفسها لما فيها من معنى الفعل الذي هي نائبة عنه ؛ لأن الظروف تعمل فيها روائح الأفعال ، ويجوز أن يكون العامل الفعل المحذوف الذي نابت «أما» عنه.

قال الشيخ (٢) : «وفي قول المصنف : إنها لا يليها إلا معمول فعل أو معمول ما أشبهه أو خبر أو مخبر عنه أو شرط ، دليل على أنه لا يليها غير ما ذكر ، وليس الأمر كذلك بل يليها الجار والمجرور والظرف والمفعول والحال ، وتكون هذه الأشياء معمولة لها بما تضمنته من فعل الشرط ويتعلق المجرور بها ، هذا مذهب سيبويه (٣) والمازني (٤) والزجاج وابن السراج والجماعة ، قال : وفي بعض شروح «الكتاب» أن ابن خروف أجاز أن يلي «أما» المفعول له وتكون عاملة فيه ، وذلك لا يجوز ، وما سوى الظرف والمجرور والحال لا تعمل فيه «أما» بما فيها من معنى الفعل لأن الأسماء الصريحة لا تعمل فيها المعاني ، وأجاز ذلك الكوفيون (٥) ، والصحيح عدم الجواز» انتهى.

وليس في كلام المصنف ما يدفع أن «أما» لا يليها الجار والمجرور والظرف والمفعول له والحال ؛ بل كلامه يتضمن أن كل ذلك يليها لأنها كلها داخلة تحت ـ

__________________

(١) أي من قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ).

(٢) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٩.

(٣) انظر الكتاب (١ / ٣٨٨) ، (٣ / ١٣٩) (هارون).

(٤) انظر المغني (٥٨).

(٥) انظر الهمع (٢ / ٦٨).

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله : «معمول فعل» ؛ لأنه أطلق المعمول ولم يقيده بالصراحة ، فشملت عبارته المعمولات كلها صريحة كانت أو غير صريحة ، ولكنه لم يذكر أن العامل فيها يجوز أن يكون «أما» لما فيها من معنى الفعل ، واقتصر على ذكر أن العامل هو الفعل الذي بعد «الفاء» أو شبهه ، والشيخ أفاد كلامه أن «أما» يجوز أن تكون هي العاملة في المذكورات أيضا ، وربما يستفاد ذلك من كلام المصنف أيضا حيث ذكر مسألة «أمّا علما فعالم» في باب «الحال».

وأما قوله ـ أعني المصنف ـ يغني عن جوابها جواب أمّا ـ فمراده بذلك : أن جواب «أمّا» أغنى عن جواب أداة الشرط ، وقد تقدم إيراد كلامه في شرح الكافية على المسألة المذكورة.

قال الشيخ (١) : «هذه المسألة فيها خلاف ، والصحيح أن أداة الشرط جوابها محذوف لدلالة جواب أمّا عليه ، ولذلك لزم أن يكون فعل الشرط بعد «إن» ماضيا ولا يلزم مضيّه إلا عند حذف الجواب ، قال : كأنه قيل : مهما يكن من شيء فروح وريحان إن [٥ / ٢٠١] كان من المقربين ، فالفاء جواب الشرط الذي تقدم وجواب «إن» محذوف. وهذا مذهب سيبويه (٢) ، وزعم الأخفش (٣) أن الجواب المذكور لأمّا والشرط معا ، فالأصل عنده : مهما يكن من شيء فإن كان من المقربين فروح ، ثم أنيبت «أما» مناب «مهما» والفعل الذي بعدها فصار : أما فإن كان من المقربين فروح ، ثم قدمت «إن» والفعل الذي بعدها ، فصار : أما إن كان من المقربين ففروح ، فالتقت الفاءان ، فأنيبت إحداهما عن الأخرى فصار : فروح ، قال (٤) : وهذه كلها تقادير عجيبة ومع ذلك هي باطلة ، وقد أبطل أبو علي ظاهر كلام الأخفش بأن «أما» بعد الفاء تكون جوابا لشيئين ، وتأوّل كلامه على أنها لما كانت جوابا لأحدهما وأنيبت عن الثاني صارت كأنها جوابا لهما ، قال (٥) : واضطرب فيها قول أبي علي (٦) ، فمرة قال : لا يفصل في أمّا إلا بمفرد ، فالفاء جواب إن وجواب أمّا ـ

__________________

(١) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٨ ، ١٩٩.

(٢) انظر الكتاب (٣ / ٧٩) ، شرح الكافية للرضي (٢ / ٣٩٦ ، ٣٩٧) والبحر المحيط (٨ / ٢١٦).

(٣) انظر البحر المحيط (٨ / ٢١٦).

(٤ ، ٥) أي الشيخ أو حيان.

(٦) انظر البحر المحيط (٨ / ٢١٦).

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

محذوف ، وهذا لا يصح ؛ لأنه متى اجتمع طالبا جواب كان الجواب للأول منهما ، ومرة قال بقول سيبويه ، وقال : الجملة إذا لم تستقل صارت بمنزلة مفرد.

قال الشيخ (١) : وهذا هو الصحيح ، فإذن في المسألة ثلاثة مذاهب : مذهب سيبويه ، ومذهب الأخفش ومذهب أبي علي في أحد قوليه» انتهى.

وأقول : إن الكلام قد تقدم على هذه المسألة عند الكلام على اجتماع الشرطين ، وتقدم ذكر أن من الناس من أخرج المسألة من هذا الباب ـ أعني اجتماع الشرطين ـ وذلك أن التقدير : مهما يكن من شيء فإن كان من المقربين فروح ، فتكون الجملة الشرطية وجوابها جواب «أما». وتقدم أيضا هناك بحث ، وهو أن «أما» إذا قرن بها أداة شرط فتجرد هي عن معنى الشرط وتتمحض لأن تكون للتفصيل لا غير ، وحاصل الأمر : أن ما تقدم فيه غنية فلا حاجة إلى التطويل بإعادته.

وأما قوله : ولا تفصل الفاء بجملة تامّة ، فقال الشيخ (٢) : «كان ينبغي أن يقيد هذا بأن لا تكون الجملة دعاء ، فإن كانت دعاء جاز ذلك بشرط أن يفصل بين «أما» وجملة الدعاء بمعمول «أما» نحو : أما اليوم رحمك الله فلأصنعن كذا ، أو بمعمول جوابها نحو : أما زيدا رحمك الله فاضرب ، فلو فصلت بجملة الدعاء بينها وبين فصلها اللازم ، نحو : أما رحمك الله زيدا فاضرب ، لم يجز». انتهى.

ولا يخفى أن جملة الدعاء من الجمل التي يعترض بها ، والفصل بجملة الاعتراض سائغ حتى بين الموصول وصلته التي هي من تمامه ، فكيف لا يجوز في غير ذلك؟وأما قوله : ولا تحذف في السّعة إلّا مع قول يغني عنه محكيّه ـ فقد تقدم الكلام فيه ، وهذه المسألة قد سبق ذكرها في آخر باب «المبتدأ» لما ذكر دخول «الفاء» على الخبر.

وأما قوله : ولا يمتنع أن يلي أمّا معمول خبر إنّ ؛ خلافا للمازني ـ فأشار به إلى ـ أن نحو قولك : أما زيدا فإني ضارب ـ جائز.

__________________

(١ ، ٢) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٩.

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

قال الشيخ (١) : «وهذه المسألة فيها خلاف كما ذكر ، فمذهب سيبويه وأبي عثمان (٢) أنك تعتبر ما يجوز من ذلك وما يمتنع بأن تسقط أما والفاء ، فحيث جاز تقديم المعمول قدمته ، وحيث امتنع ذلك منعته ، وهذه المسألة : لو طرحت أما والفاء ، فقلت : زيدا إني ضارب ، لم يجز ، فكذلك إذا ذكرتهما ، ولو قلت : أما زيدا فضربت ، وطرحت أما والفاء فقلت : زيدا ضربت لجاز ذلك ، فكذلك إذا أدخلتهما. فبهذا يعتبر سيبويه والمازني مسائل أما. ولذلك احتج سيبويه (٣) على تقديم معمول فعّال بقولهم : أما العسل فأنا شرّاب ، ورد على الخليل أن «لن» أصلها : لا أن ، بقولهم : أما زيدا فلن أضرب (٤).

وقال سيبويه (٥) : وسألته عن قولهم : أما حقّا فإنك ذاهب ، فقال : هذا جيد ، وهذا الموضع من مواضع إنّ ، ألا ترى أنك تقول : أما يوم الجمعة فإنك ذاهب ، وأما فيها فإنّك قائم ، ثم قال (٦) : وإنما جاز هذا في أما لأن فيها معنى مهما يكن من شيء يوم الجمعة فإنك ذاهب ، فهذا تفسير أنّ أمّا تعمل لما فيها من معنى الفعل ، ومعاني الأفعال تعمل في الظروف والحال والمفعول له ، كما قدمنا» انتهى.

وليعلم أن «حقّا» منصوب على الظرف (٧) ـ أعني ظرف الزمان ـ والتقدير :أما في حق فإنك ذاهب ، ولهذا قبح أن تعمل فيه «أما» لما فيها من معنى الفعل ، ويدلك على أنه ظرف تسوية الخليل (٨) بينها وبين : أما يوم الجمعة فإنك ذاهب وأما فيها فإنّك قائم.

ثم قال الشيخ (٩) : «وتخصيص المصنف منع : أما زيدا فإني ضارب بالمازني. وقد سبق إلى ذلك سيبويه إما جهل منه أن سيبويه منع ذلك ، وإما استحياء أن يخالف سيبويه ، قال (١٠) : وقد جهل كثيرا من مذاهبه ، ورد عليه مواضع على زعمه ، فهلا استحيا منه!! ـ

__________________

(١) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٩.

(٢) يعني المازني ، وانظر الهمع (٢ / ٦٨).

(٣) انظر الكتاب (١ / ١١١) (هارون).

(٤) انظر الكتاب (٣ / ٥).

(٥) انظر الكتاب (٣ / ١٣٧).

(٦) أي سيبويه.

(٧) انظر المغني (ص ٥٥).

(٨) انظر الكتاب (٣ / ١٣٧).

(٩) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ١٩٩ ، ٢٠٠.

(١٠) أي الشيخ أبو حيان.

٢١٧

[أحكام أخرى لأما]

قال ابن مالك : (وقد تبدل ميمها الأولى ياء ، وقد يليها مصدر متلوّ بما اشتمل على مثله أو مشتقّ منه ، فينصبه الحجازيّون مطلقا ويرفعه التّميميّون معرفة وينصبونه نكرة ، وقد يرفعونه ، والنّصب على تقدير : إذ ذكرت ، والرّفع على تقدير : إذ ذكر ، واستعمال العلم بالوجهين موضع هذا المصدر جائز على رأي).

______________________________________________________

وذهب المبرد وابن درستويه (١) إلى أن ما بعد «إنّ» يعمل فيما قبلها مع «أمّا» خاصّة وهو الذي اختاره المصنف ، واحتجّا بأنه لما لزم الفصل بين «أمّا» و «الفاء» أوقعوا الفصول بينهما ما لا يتقدم في غير هذا الموضع لضرورة الفصل ، كما أعملوا ما بعد الفاء فيما قبلها معها دون غيرها ، نحو : أما زيدا فضربت ، ولا يقولون : إن أقم زيدا فاضرب ، فكذلك يجوز : أما زيدا فإني ضارب؟

وذهب الفراء إلى إجازة ما أجازه المبرد وابن درستويه مع «إنّ» وزاد أن أجاز ذلك في : ليت ولعلّ ، وكل ما يدخل على المبتدأ نحو : أما زيدا فليتني ضارب ، وأما عمرا فلعلي ضارب ، واحتجّ على ذلك بأن باب الفاء للاستئناف ، فهي سوّغت الابتداء وهذه إنما دخلت على الابتداء فلم يعتدّ بها ، ولذلك أجاز الفراء النصب في نحو : أما زيدا فلأضربنّه (٢).

قال (٣) : والرفع في هذا كله الوجه والقياس ، وما ذهب إليه المبرد وابن درستويه والفراء غير صحيح ، ولم يرد به سماع ولا يقتضيه قياس صحيح ، بل القياس مذهب سيبويه [٥ / ٢٠٢] وقد رجع إليه المبرد فيما حكى ، قال : وقال الزجاج (٤) :رجوعه مكتوب عندي بخطه ، فصار المنع إجماعا من البصريين».

قال ناظر الجيش : قال الشيخ (٥) : «ثبت هذا الكلام بجملته في نسخة الشيخ بهاء الدين الرقي المقروءة على المصنف والتي عليها خطه ، وسقط من بعض النسخ ، ووجه سقوطه أنه قد ذكر أكثرها في باب «الحال» وشرح ذلك هناك شرحا شافيا ، ـ

__________________

(١) انظر المقتضب (٢ / ٣٥٢ ، ٣٥٣) والهمع (٢ / ٦٨).

(٢) انظر الهمع : (٢ / ٦٨).

(٣) أي الشيخ أبو حيان.

(٤) انظر الهمع (٢ / ٦٨).

(٥) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ٢٠٠.

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قال (١) : ونحن نشرح ما يجب هنا شرحا لطيفا ، فقوله : وقد تبدل ميمها الأولى ياء ، أي : يقال : أيما زيد فمنطلق وقال الشاعر :

٤١٥٩ ـ رأت رجلا أيما إذا الشّمس عارضت

فيضحى وأيما بالعشيّ فيخصر (٢)

وأنشد الفراء :

٤١٦٠ـ أيما وشاحها فيجزى وأي

ما العجز منّها فلا يجزى (٣)

وقوله : بما اشتمل عليه ، مثاله : أما علما فذو علم ، وقوله : أو مشتق منه ، مثاله : أما علما فعالم ، وقوله : فينصبه الحجازيون مطلقا ، مخالف لما ذكره في باب «الحال» ، فإنه ذكر عن الحجازيين في المعرف نحو رفع ونصب ، وذكر في الشرح عنهم أنهم يلتزمون نصب المنكر ، وقوله : ويرفعه التميميون معرفة وينصبونه نكرة ، وقد يرفعونه أي : النكرة ، وهذا موافق لما في باب «الحال» فإنه قال فيه (٤) : وترفع تميم المصدر التّالي أمّا في التّنكير جوازا مرجوحا وفي التّعريف وجوبا.

وقوله : والنصب على تقدير : إذ ذكرت ، والرفع على تقدير : إذ ذكر ، قد ذكر هو في باب «الحال» أن النصب عند سيبويه هو على أنه مفعول له ، وأنه مفعول مطلق عند الأخفش (٥) ، وذكر في الشرح هذين المذهبين ، وذكر هذا المذهب الثالث عن بعض النحويين ولم يسمه واختاره ورجّحه بما يوقف عليه من كلامه في الشرح ، وهذا الرأي هو رأي الكوفيين نقله عنهم ابن هشام الخضراوي ، يحملون الباب كله على تقدير فعل لا يظهر مع أما كما لا يظهر الفعل في قول العرب : أما ـ

__________________

(١) أي الشيخ أبو حيان.

(٢) البيت من الطويل وقائله عمر بن أبي ربيعة في ديوانه (ص ٦٤).

الشرح : قوله عارضت يروى بدله «أعرضت» ومعارضة الشمس : ارتفاعها حتى تصير في حيال الرأس ، وقيل : عارضت : صارت قبالة العيون في القبلة ، ويضحي يبرز ويخصر : يبرد ، يقال : خصر الرجل : إذا آلمه البرد في أطرافه. يقول : إن هذا الرجل يضحى وقت معارضة الشمس إياه ويخصر بالعشي فهو أخو سفر يصلى الحر والبرد بلا ساتر. والشاهد فيه قوله : «أيما» حيث أبدلت ميم «أما» الأولى ياء. والبيت في معاني الفراء (٢ / ١٩٤) والكامل (١ / ١٧٢) والمحتسب (١ / ٢٨٤) ، والمغني (ص ٥٦).

(٣) البيت من السريع. وقوله «العجز» رواية التذييل : العجن.

واستشهد به على إبدال ميم «أما» الأولى «ياء» في قوله : «أيما».

(٤) التسهيل (ص ١٠٩) وانظر باب الحال في هذا الكتاب.

(٥) التسهيل (ص ١٠٩).

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أنت منطلقا انطلقت معك ، يقولون في قول العرب : أما علما فعالم وأما سمنا فسمين ، كأنه قال : مهما تذكر علما أو سمنا» انتهى.

وقال بعض العلماء (١) : «وقد سمع : أما العبيد فذو عبيد بالنصب ، وأما قريشا فأنا أفضلها ، قال : وذلك يدل على أنه لا يلزم أن يقدر : مهما يكن من شيء بل يجوز أن يقدر غيره مما يليق بالمحل ، إذ التقدير هنا : مهما ذكرت ، وعلى ذلك يخرّج قولهم : أما العلم فعالم وأما علما فعالم ، قال : وهو أحسن مما قيل : إنه مفعول مطلق لما بعد الفاء (٢) أو مفعول لأجله إن كان معرفا (٣) ، أو حال إن كان منكرا (٤) ، وعلى أن «أما» ليست العاملة ؛ إذ لا يعمل الحرف في المفعول به ، وعلى أنه يجوز : أما زيدا فإني أكرم ، على تقدير العمل للمحذوف» انتهى.

وهذا الذي ذكره فيه جنوح إلى مذهب الكوفيين في مثل هذا التركيب.

وأما قول المصنف : واستعمال العلم بالوجهين موضع هذا المصدر جائز على رأي ، فقال الشيخ (٥) : «هذا رأي الكوفيين أجازوا أن يأتي بعد «أما» العلم وغيره من المعارف ، وحكوا من كلام العرب : أمّا البصرة فلا بصرة لك ، وأمّا أباك فلا أب لك ، ويجيزون : أما العبيد فلا عبيد لك يريد عبيدا بأعيانهم ، ولا يجوز النصب في شيء من هذا عند سيبويه (٦) ، فإن صح ما حكوا فالقول قولهم إن النصب بإضمار فعل ولم يسمعه سيبويه». انتهى.

وهذا الذي قاله الشيخ من أنه إن صحّ ما حكوا فالقول قولهم إن النصب بإضمار فعل ولم يسمعه سيبويه ، إنصاف وحقّ.

ثم إن الشيخ ذكر (٧) بعد ذلك عن صاحب «البسيط» كلاما في «أمّا» وأطال فيه ، فأضربت عن ذكره لأن الذي تقدّم فيه غنية.

__________________

(١) انظر المغني (٥٨ ، ٥٩).

(٢) هو مذهب الأخفش. انظر التسهيل (ص ١٠٩).

(٣) نسبه في التسهيل (ص ١٠٩) إلى سيبويه وانظر الكتاب (١ / ٣٨٥) (هارون).

(٤) هو مذهب الأخفش أيضا. انظر التسهيل (١٠٩).

(٥) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ٢٠٠.

(٦) انظر الكتاب (١ / ٣٨٧ ـ ٣٩٠) (هارون).

(٧) انظر التذييل (خ) ج ٥ ورقة ٢٠٠ ، ٢٠١.

٢٢٠