شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٥

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

 ـ ٢٠٠٧ ـ تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزّاد زاد أبيك زادا (١)

ومن ورود التمييز للتوكيد ، لا لرفع الإبهام قول أبي طالب (٢) :

٢٠٠٨ ـ ولقد علمت بأنّ دين محمّد

من خير أديان البريّة دينا (٣)

ومثله قول الآخر :

٢٠٠٩ ـ فأمّا التي خيرها يرتجى

فأجود جودا من اللّافظه (٤)

انتهى كلام المصنف رحمه‌الله تعالى (٥). أما ما يتعلق بمسائل الفصل فأبحاث :

الأول :

[٣ / ٩٧] أنّ النحاة بينهم اختلاف ، في اللام المصاحبة لفاعلي الفعلين هل هي جنسية ، أو عهديّة؟

فإذا كانت جنسية ، فهل المراد الجنس حقيقة ، أو الجنس مجازا ، وإذا كانت عهدية ، فهل العهد خارجيّ ، أو ذهنيّ ، فهذه أربعة أمور : ـ

__________________

(١) هذا البيت من الوافر ، وقائله : جرير بن عطية ، من قصيدة يمدح فيها عمر بن عبد العزيز رضي‌الله‌عنه.

اللغة : تزود : فعل أمر ، معناه : اتخذ زادا ، والمعنى هنا : اتخذ سلوكا حميدا ، وسيرة حسنة ، و (مثل) نصب على أنه صفة لمصدر محذوف أي : تزود زادا مثل زاد أبيك.

والشاهد في البيت : قوله : «فنعم الزاد زاد أبيك زادا» ؛ حيث جمع فيه بين الفاعل الظاهر ، والنكرة المفسرة تأكيدا. ينظر الشاهد في ديوان جرير (ص ١٤) ، والمقتضب (٢ / ١٤٨) ، واللسان «زود» ، وشرح الألفية للشاطبي (٤ / ١٧) رسالة.

(٢) هو أبو طالب ، عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تنظر ترجمته في : نسب قريش (ص ١٧).

(٣) البيت من الكامل ، وهو في ديوان أبي طالب.

اللغة : ولقد : اللام موطئة للقسم ، قد : حرف تحقيق ، والباء : ـ في (بأن) ـ زائدة للتوكيد.

الشاهد في البيت : قوله : «دينا» ؛ فهو تمييز منصوب مؤكد.

ينظر الشاهد في ديوان أبي طالب (ص ١٣) ، وتوضيح المقاصد (٣ / ٩٠) ، والشذور (ص ١٨) ، والعيني (٤ / ٨) ، والأشموني (٣ / ٣٤) ، وشرح الألفية للشاطبي (٤ / ١٨) رسالة.

(٤) هذا البيت من المتقارب ، وقد نسب في التصريح والعيني لطرفة بن العبد البكري.

اللغة : اللافظه : البحر ، والهاء فيه للمبالغة ، وفي المثل : «أسمح من لافظة : أي بحر.

الشاهد : «جودا» ؛ حيث نصب على التمييز بـ (أجود) وهو تمييز مؤكد.

ينظر الشاهد في : المقاصد النحوية للعيني (١ / ٥٧٢) ، والأشباه والنظائر (٤ / ٤٥).

(٥) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ١٦).

٤٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

أولها : أنها جنسيّة ، والمراد الجنس حقيقة (١) ، ودليله : أنهم التزموا في الفاعل ، أو فيما أضيف هو إليه اللّام (٢) ، أو كونه مضمرا ، مفسره اسم الجنس ، فلولا أنّ المراد الجنس حقيقة ما التزموا ذلك ، وأنهم يقولون ـ في فصيح الكلام ـ : نعم المرأة ، ولو لا إرادة الجنس ما ساغ إسناد الفعل إلى المؤنث الحقيقيّ (٣) دون فصل ، بغير تاء التأنيث ، فعلى هذا إذا قلت : نعم الرجل زيد ، فكأنّك قلت : نعم جنسه ، الذي هو الرجال فينجرّ لزيد الثناء معهم ، ثم تخصّه بالذكر ؛ تنبيها على أنه المقصود بالمدح ؛ لتحصل المبالغة في مدحه ، ويقوي ذلك أنّ نحو : «زيد نعم الرجل» لا رابط في الجملة الواقعة فيه خبرا ، يربطها بالمبتدأ ، إلا العموم المفهوم من الرّجل ، فلولا أنّ المراد الجنس لما حصل العموم ، وأورد على هذا الوجه قولهم : نعم الرجلان ، ونعم الرجال ، والجنس لا يثنّى ولا يجمع ، وأجيب عنه بأنّ كلّا من المثنّى والمجموع جعل جمع الجنس. وفيه نظر ، وقد ردّ كون المراد الجنس حقيقة بأمرين :

أحدهما : أنك إذا مدحت الجنس جعلت المقصود بالمدح تبعا فيصير المقصود غير مقصود (٤).

ثانيهما : أنّه يؤدي إلى التكاذب ، فيما إذا قلت : نعم الرجل زيد ، وبئس الرجل عمرو ، ووصفت بهاتين الجملتين معا ، وقد قال الله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ)(٥) لنبيّه أيّوب ، صلّى الله على نبيّنا وعليه وسلم ، وليس كلّ العبد ممدوحا.

ثانيها (٦) : أنها جنسية مجازا ، وذلك بأن يجعل الممدوح هو جميع الجنس كلّه مبالغة ، فإذا قلت : زيد نعم الرجل ، فكأنك قلت : زيد نعم الذي هو جنس الرجال ـ

__________________

(١) في التذييل والتكميل (٤ / ٤٦١) رسالة : «فقال قوم : هي جنسية حقيقة ، فإذا قلت : نعم الرجل زيد ، فالرجل عام ، والجنس كله هو الممدوح ، وزيد مندرج تحت الجنس ؛ لأنه فرد من أفراده». اه.

(٢) ينظر : منهج السالك (ص ٣٨٨) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٤٦١) وشرح التسهيل للمرادي (١٨٢ / ب).

(٣) في التذييل والتكميل (٤ / ٤٦٢): «والوجه الثاني : قول العرب في فصيح كلامها : نعم المرأة هند ، وبئس المرأة جمل ، فلا تلحقهما تاء التأنيث ، ولا يقولون : قام فلانة ، في فصيح الكلام ، فدل ذلك على أن (أل) للجنس ...». اه.

(٤) في التذييل والتكميل (٤ / ٤٦٣) ذكر الشيخ أبو حيان هذا الكلام ، وزاد عليه قوله : «ولأن ما ثبت للشيء على جهة الشركة فيه لا يكون مدحا يؤثر ميلا إلى الممدوح بخصوصيته ، والمراد بالمدح ذلك». اه.

(٥) سورة ص : ٤٤.

(٦) راجع إلى قوله : أربعة أمور.

٤٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولو لم تقصد غير مدح زيد بذلك.

والعرب قد تجعل المفرد بمنزلة الجنس كلّه ، مبالغة في المدح ، فمن كلامهم :«أكلت شاة كلّ شاة» فجعلوا الشاة المأكولة هي جميع الشياة مبالغة ، وهكذا يكون نظيره في الذمّ ، قالوا : وعلى هذا التقرير لا إشكال في التثنية والجمع ؛ لأنّ كلّا منهما يجعل الجنس مجازا فالجنس هو الرجلان ، أو الرجال ، مثلا ، وأورد على هذا الوجه أنّ ربط الخبر بالمبتدأ في نحو : زيد نعم الرجل يكون المعنى نظير قولنا :زيد قام أبو عمرو ، إذا كان أبو عمرو كنية لزيد ، وسيبويه لا يجيزه (١) ، وأجيب عن ذلك بأنّ المنع في نحو : زيد قام أبو عمرو إنما هو من أجل أنّ (أبا عمرو) لا يفهم منه أنّ المراد به زيد ، ولو فهم لجاز ، وأمّا نحو : زيد نعم الرجل ، فليس فيه ما يلتبس به زيد ؛ لأنّه الجنس كلّه ، والجنس لا ثاني له فيلتبس به.

ثالثها (٢) : أنّها عهدية والمراد العهد الخارجيّ (٣) ، فالمراد بالرجل في قولنا : «زيد نعم الرجل» الممدوح خاصة ، وكذا المراد المذموم خاصة في قولنا : «زيد بئس الرجل» حتّى كأنّك تريد : نعم هو وادّعى القائل بهذا الوجه (٤) جواز الرّبط بالمعنى ، متمسكا بمذهب الأخفش ، في إجازة ذلك (٥). أو يقول : إنّ سيبويه لا يمنع الربط بالمعنى على الإطلاق ، فإنّما منعه في نحو : زيد قام أبو عمرو لما تقدم وهو كلام لا يبعد أن يكون متوجها.

رابعها : أنّها عهدية والمراد العهد الذهني (٦) ، وهذا الوجه هو الذي عليه الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه‌الله ؛ فإنّه قال : وإنّما امتازت هذه الأفعال بأنّ فاعلها لا يكون إلا باللام ، أو مضمرا مفسرا بنكرة منصوبة من جهة أنهم قصدوا إبهام الممدوح أولا ، ثمّ تفسيره فلذلك أتوا به على هذه الصفة ، ووجه الإبهام فيما فيه ـ

__________________

(١) ينظر التذييل والتكميل (٤ / ٤٦٤) رسالة ، وتوضيح المقاصد للمرادي أيضا (٣ / ٨٤) وفي المقرب لابن عصفور (١ / ٦٧): «وكأنك جعلت الممدوح أو المذموم جميع الجنس على حد قولهم : «أكلت شاة كل شاة» لما أثنوا على قد الشاة بالسمنة جعلوها جميع الجنس». اه.

(٢) أي : الأمور الأربعة.

(٣) أي : العهد في الشخص الممدوح.

(٤) في التذييل والتكميل (٤ / ٤٦٦): «وإلى هذا ذهب الأستاذ أبو اسحاق بن ملكون ، من أصحابنا ، وأبو منصور الجواليقي اللغوي من أهل بغداد». اه.

(٥) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٦٦).

(٦) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٦٥) رسالة.

٤٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الألف واللام أنّه قصد إلى معهود في الذهن ، غير معيّن في الوجود ، كقولك :«ادخل السوق» وإن لم يكن بينك وبين مخاطبك سوق معهود في الوجود ، وهذا التعريف باللام نحو التعريف الذي ذكرناه في باب : (أسامة) وإن اختلفت جهات التّعريف ، وإذا كان كذلك ثبت فيه إبهام ، باعتبار الوجود ، ولهذا ظنّ بعض النحويّين أنّه موضوع للجنس بكماله ـ يعني المعرّف باللّام ـ كما ظنّ بعضهم أنّ أسامة موضوع للجنس بكامله ، وهو خطأ محض في البابين جميعا ، ألا ترى أنّك إذا قلت : نعم الرجل ، لم ترد جميع الرجال ، هذا مقطوع به في قصد المتكلم ولذلك وجب أن يكون المفسر له مطابقا ، ووجب إذا قصد التثنية أن يثنى ، ولو كان كما زعموا لوجب أن يطابق الجميع الجنس ، وأن لا يثنّى ولا يجمع ؛ لأنّ أسماء الأجناس لا تثنّى ولا تجمع ، إذا قصد المتكلم بها الجنس (١). فإن زعموا أنّ المخصوص بالمدح مرفوع على الابتداء في الأصل ، و «نعم الرجل» خبره ولا في الجملة الواقعة خبرا من ضمير ، أو ما يقوم مقامه ، فالجواب : أنّ هذه الشبهة لا تعارض الأمور القطعية ، وما ذكرناه مقطوع به ، وأيضا فما ذكرتموه إنّما هو أحد الاحتمالين في الإعراب ، فإن تعذر واحد منها تعين الآخر ، وما ذكرناه متعيّن وأيضا فإنّا متفقون على صحّة «نعم رجلا زيد» و (زيد) يحتمل أن يكون مبتدأ ـ كما زعمتم ـ وخبره (نعم) ، ولا يصحّ أن يقال : الضمير عائد على (زيد) ؛ لأنه يجب ألّا يكون عائدا على متقدم ، وإلّا ورد نحو : نعم رجلين الزيدان ، ونعم رجالا الزيدون ، وأيضا فإنّه [٣ / ٩٨] كان يفوت الإبهام الذي هو مقصود في غرض الباب.

ثمّ قال (٢) : والتحقيق في جواب شبهتهم أمران :

أحدهما : أنّ الأصل أن يكون الرجل لـ (زيد) المذكور مضمرا عائدا عليه فاستعمل تارة مضمرا وتارة مظهرا ، وحصل الإبهام بتأخير المفسر عنه ، والآخر :أنهم لما قصدوا إلى معهود في الذهن ، كان كاسم الجنس الذي له شمول في المعنى فكما يصحّ أن يقوم اسم الجنس مقام الضمير صحّ أن يقام الاسم باعتبار المعقول في الذهن مقام الضمير ؛ لأنّه يندرج تحت ما يقدر من إجازة في المعنى فإن قصدوا بقولهم : (اسم جنس) هذا المعنى فهو مستقيم ، وإن قصدوا تحقيق وصفه للجملة ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٦٧).

(٢) أي : قال ابن الحاجب.

٤٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

على التفضيل فهو مردود بما تقدم (١). هذا كلّه كلام ابن الحاجب ، ولا يخفى تجاذب الأدلّة ، في هذه (الأوجه) (٢) ، فعلى الناظر أن يتأمل ويرجح من الأربعة ما هو أقلّ خدشا من غيره ، والذي يظهر أنّها عهديّة إما تعهد ذهني ، أو تعهد خارجي ، والربط بالمعنى جائز إذا لم يحصل لبس ، كما تقدم فلا ينسب منعه إلى سيبويه.

البحث الثاني :

الذي ذكره المصنف في (ما) من نحو : «ما صنعت» ثلاثة أقوال للأئمة ، أشار إليها في متن الكتاب : أن تكون معرفة تامة ، وأن تكون موصولة يكتفى بها ، وبصلتها عن المخصوص ، وأن تكون نكرة منصوبة على التمييز ، وذكر في الشرح أنها تركب مع الفعل ، لكنّ ظاهر ما أورد أنّ التركيب ليس في نحو : «نعم ما صنعت» ، وإنّما هو في نحو : «بئسما تزويج ولا مهر» (٣) وذلك حيث وليها اسم.

وابن عصفور ذكر هذه الأقوال الأربعة ، وزاد قولين آخرين :

أحدهما : أن تكون نكرة غير موصوفة ، وهذا القول غير الذي ذكره المصنف ؛ لأنّ المصنف أراد بقوله : نكرة : النكرة المنصوبة على التمييز ، والنكرة التي أرادها ابن عصفور النكرة التي هي غير تمييز (٤) ؛ لأنه جعلها في الأصل قسيمة التي هي تمييز.

ثانيهما : أن تكون مصدريّة.

وما ذكره الشيخ في شرحه من أنّها تكون كافة أيضا (٥) ، ليس خارجا من هذه الأقسام ؛ لأنّ الكافة هي التي تركب مع الفعل ، فيصيران معا شيئا واحدا ، فليست قسما زائدا ، والذي تلخص من كلام الرجلين ـ أعني المصنف وابن عصفور : ـ أن (ما) إما في موضع نصب ، أو موضع رفع أو لا موضع لها. والتي في موضع رفع :إمّا تامة ، وإما نكرة ، وإمّا موصولة ، وإما مصدرية. فالتي في موضع نصب تمييز ـ

__________________

(١) ينظر : الفوائد الضيائية وشرح كافية ابن الحاجب تحقيق د / أسامة طه الرفاعي (٢ / ٣١٣) ، وشرح كافية ابن الحاجب للرضي (٢ / ٣١٤).

(٢) ما بين القوسين من الهامش.

(٣) في معاني الفراء (١ / ٥٧ ، ٥٨) جعلت (نعم) صلة لما ، بمنزلة قولك : كلما ، وإنما كانت بمنزلة حبذا فرفعت بها الأسماء ، ثم قال : «وسمعت العرب تقول في (نعم) المكتفية بما : بئسما تزويج ولا مهر ؛ فيرفعون التزويج بـ (بئسما)». اه. وينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٧٣ ، ٤٧٤ ، ٤٨٢).

(٤) ينظر : المقرب لابن عصفور (١ / ٦٦).

(٥) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٥٨٢).

٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لضمير مستتر ، ذلك الضمير هو الفاعل ، والتامة ، والنكرة ، والموصولة في موضع رفع بالفاعلية وكذا المصدرية ، لكنّ الموضع ليس لها وحدها ، بل لها مع الفعل الذي هي صلته ، والتي لا موضع لها هي المركبة مع الفعل ، وتسمّى الكافة أيضا إذا وليها فعل ، فهذه ستة أقوال (١) في (ما) ، لكنّ ابن عصفور خالف المصنف ، فرجّح كون (ما) تمييزا لا فاعلا (٢) ، وقال : إنّ ذلك هو مذهب البصريّين ، وهو عجيب ، فإنّ سيبويه قد قال بفاعليتها (٣) ، وهو إمام البصريّين.

وبعد ، فأنا أورد كلامه ؛ ليتحقّق الواقف عليه ما ذكرته : قال (٤) ـ بعد أن حكم بأن كونه تمييزا هو مذهب البصريين ـ : فإذا لم يكن بعدها فعل فهي نكرة ، غير موصوفة ، وإذا كان بعدها فعل فهي نكرة موصوفة و (ما) مفسرة للضمير المستتر في (نعم) و (بئس) ؛ لأنهما اسم مبهم يعمّ الأشياء كلّها ، وموضوع للشيء الذي يراد به الغاية ، ومن ذلك قولهم : دققته دقّا نعمّا ، أي : بلغت به غاية الدقّة ، فوضعت مع (نعم) ، و (بئس) لعموم المدح والذمّ فيهما ، فقيل ، نعم ما زيد ، وبئسما عمرو ، وذهب ابن كيسان إلى أنها اسم تامّ ، تقديره في الإعراب الرفع ؛ قال : وليس يمتنع أن يكون تقديره النصب ، يجريه مجرى النكرة ، مرّة ومجرى المعرفة أخرى (٥). قال : وقد قال قوم : إنّها ليست مع (نعم) و (بئس) كالشيء الواحد ، لا موضع لها من الإعراب ، وأنّ الاسم الواقع بعدها مرفوع بـ (نعم) ، و (بئس). قال : والذي أذهب إليه أنها غير مخرجة من الإعراب ؛ إذ الإعراب ممكن فيها ، لاستحقاق الإعراب. قال : وإذا قلت : نعم ما صنعت ، وبئس ما صنعت ، فجئت بعدها بالأفعال ، كان التقدير : نعم ما ما صنعت ، وبئس ما ما صنعت ، فتكون (ما) الأولى مبهمة والثانية مبهمة ، تفسيرها ما في صلتهما ، وكفت إحداهما عن الأخرى (٦).

قال : وقال بعض النحويّين ـ يعني الكسائي ـ : الثانية هي المحذوفة وقال بعضهم ـ يعني الفراء ـ : الأولى هي المحذوفة ، وقال قوم : ليس هنا حذف ، وإنمّا تأويله : بئس صنعك ، ولا يحسن ذلك في الكلام ، حتّى يقول : بئس الصنع صنعك وكما أنّك ـ

__________________

(١) في التذييل والتكميل (٤ / ٤٨٢) أنها سبعة أقوال.

(٢) ينظر : المقرب (١ / ٧٠).

(٣) ينظر : الكتاب (١ / ٣٧).

(٤) يعني : ابن عصفور.

(٥) ينظر : الكتاب (١ / ٧٣) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ١٨٣) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٤٧٩).

(٦) ينظر : المرجع السابق ـ الصفحة نفسها.

٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

تقول : أظنّ أن تقوم ، ولا يحسن : أظنّ قيامك ، وهو بمعناه.

قال : وأقول : إنك إذا قدّرت (ما) تقدير (الذي والتي) ؛ لا يجوز أن يلي (نعم) ، و (بئس) إلا وقبله ما تعتمد (نعم) ، و (بئس) عليه ، من المفسّر ومعناها فهناك ، (ما) محذوفة ، مكتفى عنها ، بالتي وصلت بالفعل وتقديرها ـ لو جيء بها ـ تقدير المنصوب. قال : وإن جعلت (ما) في معنى ما فيه الألف واللام اكتفيت بها عن التي في معنى (الذي وصارت كقول العرب : نعم الرجل عندك ، ونعم الرجل أكرمت ، هذا كلّه كلام ابن كيسان (١) ، نقله ابن عصفور في الكتاب المشار إليه (٢). ثمّ قال : والصحيح قول أهل البصرة ؛ لأنّها إذا حملت على ما ذهبوا إليه كان قوله تعالى : (فَنِعِمَّا هِيَ)(٣) بمنزلة قولك : نعم شيئا ، وقوله سبحانه وتعالى :(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ)(٤) بمنزلة قولك : بئس شيئا اشتروا به أنفسهم أن يكفروا.

وإذا لم يحمل على ما ذهب إليه أهل البصرة كان في ذلك إخراج (نعم) و (بئس) عمّا استقرّ لهما في الاستعمال ، ألا ترى أنّ جعل (ما) نكرة موصوفة ، أو غير موصوفة في موضع رفع بـ (نعم) و (بئس) مخرج لهما عمّا استقرّ لهما في الاستعمال ؛ لأنّ ارتفاع النكرة غير المضافة بهما ، على أنها [٣ / ٩٩] فاعل ، لا يحفظ من كلامهم (٥) وكذلك أيضا جعل (ما) في قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) اسما موصولا في موضع رفع بـ (بئس) لا يجوز ؛ لأنّ (ما) الموصولة لا تكون نكرة في حال ، وكلّ اسم ظاهر لا يكون نكرة ، لا يكون فاعلا لـ (نعم) و (بئس) (٦). ولذلك أيضا جعل (ما) المصدرية في قوله : بئسما ـ

__________________

(١) لمراجعة كلام ابن كيسان ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٥٩) ، ومنهج السالك (ص ٣٩٥) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١١٧) تحقيق بركات.

(٢) ينظر : شرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (٤٩).

(٣) سورة البقرة : ٢٧١.

(٤) سورة البقرة : ٩٠.

(٥) فوجب أن تكون تمييزا ، ويقدر الفاعل ضميرا ينظر الشاطبي (٤ / ٢٦).

(٦) لأنها حينئذ ليست جنسية ، بل معينة ولا يكون فاعل (نعم وبئس) الظاهر معرفة معينة ينظر : شرح الألفية للشاطبي (٤ / ٢٥).

٤٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

صنعت ، وأمثاله ـ سادّة مسدّ الفاعل كما سدّت (أن) مع الفعل المنصوب بها ، مسدّ مفعولي (ظننت) باطل ؛ لأنّ (ما) المصدرية لم يثبت لها أن تسدّ مسدّ اسمين ، ألا ترى أنها لا تسدّ مع الفعل الذي بعدها مسدّ مفعولي (ظننت) وأخواتهما ، وإنما استقرّ ذلك في (إنّ) و (أنّ) مع صلتهما لجريان ذكر الخبر ، والمخبر عنه في الصّلة التي لهما. وأما ما ذهب إليه الكسائيّ ، والفراء من الحذف ، فلا ينبغي أن يقال به ما وجدت عنه مندوحة ، وأيضا فإنّ حذف (ما) الثانية إن قدرت موصولة فاسد ؛ لأنّ حذف الموصول ، وإبقاء صلته لا يجوز ، وحذفها إن قدّرت نكرة موصوفة ضعيف ؛ لأنّ حذف الموصوف ، وإبقاء الجملة الواقعة صفة له إنما يجيء في شذوذ من الكلام يحفظ ، ولا يقاس عليه وأما ما ذهب إليه من جعلها زائدة لا موضع لها من الإعراب فباطل ؛ لما ذكره ابن كيسان ، ولأنّ ارتفاع زيد الواقع بعد (ما) وأمثاله ، من الأسماء الواقعة بعد (نعم) و (بئس) على أنه فاعل بهما لا يجوز ، انتهى كلام ابن عصفور (١). وقال الشيخ : إنّ في (ما) من نحو : «بئسما تزويج ولا مهر» ثلاثة أقوال (٢) : فاعل (٣) ، أو تمييز (٤) ، أو مركبة مع الفعل (بئس) ، و (تزويج) فاعل (٥) وأنّ فيهما من نحو : «نعم ما صنعت» عشرة أقوال (٦) هكذا قال ، والذي يظهر أنّ هذه العشرة التي ذكرها هي بالحقيقة ـ الستة التي تقدّم ذكرها ـ وإنمّا النكرة المنصوبة في الأصل لها ثلاث صور ، وهي : أن يكون الفعل صفة لمخصوص النكرة المنصوبة محذوف ، وأن يكون صفة لـ (ما) والمخصوص محذوف ، وأن يكون الفعل صفة لـ (ما) أخرى محذوفة وكذلك صوّروا للموصولة ثلاث صور أيضا : أن يكون الفعل صلتها ، والمخصوص محذوف ، وأن تكون هي المخصوص ، و (ما) أخرى تمييز محذوف ، التقدير : نعم شيئا الذي صنعته ، وأن لا يكون حذف ، بل اكتفى بها ، وبصلتها عن المخصوص ، فمن ثمّ صارت الأقوال عشرة. وبعد ، فالواجب ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٨٢) رسالة.

(٢) المراد أنه إذا جاء بعد (ما) اسم ، ففي إعراب (ما) ثلاثة أقوال.

(٣) أي (ما) فاعل (بئس) على أنها معرفة تامة.

(٤) أي (ما) تمييز ، وفاعل (بئس) مضمر مفسّر بلفظ (ما).

(٥) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٨٢) ، ومنهج السالك (ص ٣٩٥).

(٦) الذي ذكره الشيخ في : «نعم ما صنعت» سبعة أقوال فقط. ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٨٢) ، ومنهج السالك (ص ٣٩٥).

٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الإعراض عن أكثر هذه الأقوال والاستمساك بما يقوم الدليل على رجحانه.

وقد عرفت أنّ المصنف ذكر أنّ مذهب سيبويه : أنّ (ما) اسم تامّ ، مكنيّ به عن اسم معرّف باللام الجنسيّة مقدّر بحسب المعنى ، وأنّ ابن خروف والسيرافي قرّرا ذلك ، وعلى قول سيبويه والمبرد ، وابن السرّاج ، والفارسي في أحد قوليه ، والكسائيّ موافق لسيبويه (١) كما قال المصنف ، وكيف تكون (ما) تمييزا وهي مبهمة ، تحتاج إلى ما يميزها. وقد قال سيبويه : فأمّا (ما) فإنّها مبهمة ، تقع على كلّ شيء (٢). وقد قال بعض العلماء : زاد على من قال : إنّ (ما) في قوله تعالى : (فَنِعِمَّا هِيَ)(٣) في موضع نصب على التمييز و (ما) كالمضمر المجهول ، الذي في (نعم) لا يدرى ما يعنى به ، فكيف يفسر الشيء بما هو مثله في الإبهام ،؟ قال : وإنّما ينبغي أن تكون (ما) في الآية الشريفة فاعلة (نعم) ، أي فنعم الشيء هي.

والذي يظهر أنّ من ادّعى أنّ (ما) تمييز فإنّه يشترط أن توصف ، فعلى هذا لا تكون تمييزا في قوله تعالي : (فَنِعِمَّا هِيَ ؛) إذ لا توصف ، بل يتعين القول بفاعليتها فتكون اسما تامّا ، ويجوز أن تكون تمييزا في قوله تعالى : (نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)(٤) بأن تجعل الجملة بعدها صفة لها ، فحاصل الأمر : أنّ (ما) في قوله تعالى :(نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ،) وقوله تعالى : (فَنِعِمَّا هِيَ) تامة قائمة مقام اسم فيه الألف واللّام ، التقدير : نعم الشيء شيء يعظكم به ، ونعم الشيء شيء هو إبداؤها ، فحذف المخصوص في الآيتين الشريفتين وبقيت صفته ، ويجوز أن تكون موصولة في (نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) على رأي من يجيز أن يكون فاعل (نعم) اسما موصولا وأن يكون تمييزا على رأي من يرى ذلك ، لو جرّد الوصف. وأما في (فَنِعِمَّا هِيَ) فلا يظهر فيها أن تكون غير فاعلة ، وقد عرفت أنّ المصنف أبطل كون (ما) تمييزا بشيء آخر ، وهو أنّ المميز في هذا الباب ، لا يكون إلّا صالحا للألف واللّام ، و (ما) غير صالحة لذلك وقد طال الكلام في هذه المسألة ، والله سبحانه هو الهادي إلى الحقّ. ـ

__________________

(١) تراجع كل هذه الآراء في والتذييل والتكميل (٤ / ٤٧٣) ، والكسائي إمام الكوفيين ـ رسالة ماجستير (ص ٢٤٣).

(٢) ينظر : الكتاب (١ / ٧٣) ، ومنهج السالك (ص ٣٩٥) ، والأشموني (٣ / ٣٦).

(٣) سورة البقرة : ٢٧١.

(٤) سورة النساء : ٥٨.

٤٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

البحث الثالث :

تقدّم من المصنّف ـ مستدلّا على فاعلية (ما) ـ قوله : ويقوي تعريف (ما) بعد (نعم) كثرة الاقتصار عليها في نحو : غسلته غسلا نعمّا ، والنكرة التالية (نعم) لا يقتصر عليها إلا في نادر من القول كقول الراجز :

٢٠١٠ ـ ...

بئس امرؤ ، وإنّني بئس المره (١)

فقال الشيخ : وليس بنادر. كما قال ـ لقوله تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)(٢) ـ قال : فهذا كقوله : «بئس امرؤ ...» (٣). انتهى ، وأقول : الظاهر أنّ (امرأ) من الرجز ، ليس بمنصوب ، وإنما هو مرفوع ، على أنه فاعل (بئس) كما جاءت النكرة مرفوعة بعد (نعم) مقتصرا عليها في الأبيات المتقدمة الإنشاد ، وذلك قوله :

٢٠١١ ـ ورئد للنساء ونعم نيم (٤)

وإلّا فكيف يقول المصنف : إن ذلك لا يكون إلا في نادر من القول ، مع وروده في الكتاب العزيز ، وكثرته في كلام العرب ، نثرا ونظما. نعم : إن كانت الرواية بنصب (امرأ) قد أجمع عليها الرواة ، فالمؤاخذة متوجهة كما قال الشيخ (٥).

البحث الرابع :

قال ابن أبي الربيع : لا يجوز الفصل بين (نعم) وفاعلها بشيء لا تقول : نعم في الدار الرجل زيد ، وتقول : نعم الرجل في الدّار زيد (٦).

قال الشيخ : ووجدت في شعر العرب الفصل بين (بئس) ومرفوعها بـ (إذن) ، كقول الشاعر :

٢٠١٢ ـ أروح ولم أحدث لليلى زيارة

لبئس إذن راعي المودّة والوصل (٧)

__________________

(١) تقدم هذا الشاهد.

(٢) سورة الكهف : ٥٠.

(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٧٤ ، ٤٧٥) رسالة.

(٤) تقدم تخريج هذا الشاهد.

(٥) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٧٤ ، ٤٧٥).

(٦) في الملخص لابن أبي الربيع (ص ٤١٣) رسالة : «ولا يجوز أن يفصل بين (نعم) وفاعلها بشيء ، وإن كان ظرفا ، أو مجرورا ، تقول : نعم الرجل في الدار زيد ، ولا تقول : نعم في الدار الرجل زيد».

(٧) هذا البيت من الطويل ، وقائله غصين بن براق ، وهو أبو هلال الأحدب الأعرابي ، وفي المؤتلف والمختلف :«ذكره أبو علي دعبل الخزاعي في كتاب شعراء بغداد» تنظر ترجمته في المؤتلف والمختلف (ص ٨٩).

٤٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما الفصل بين (نعم) ومفسر الضمير فقيل : لا يجوز أيضا ، فلا يقال : نعم في الدار رجلا. والأصحّ الجواز ، بدليل قوله تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)(١).

البحث الخامس :

قد عرفت أنّ الفاعل في نحو قولنا : (نعم رجلا زيد) ضمير مستتر [٣ / ١٠٠] مفسر بالنكرة المذكورة ، وهذا هو مذهب البصريين ، وذكروا أنّ الضمير المذكور يراد به الجنس ، كما يراد به إذا كان اسما ظاهرا ، واستغنى بتثنية مفسره وبجمعه ، عن تثنيته وجمعه (٢). والمنقول عن الكسائيّ والفراء أنّ الاسم المرفوع بعد النكرة المنصوبة هو فاعل (نعم) ، ثمّ اختلفا في النكرة المنصوبة ؛ فقال الكسائيّ : إنّها حال (٣).

وقال الفراء : إنّها تمييز ، وهو عنده ، من قبيل التمييز المنقول ، والأصل عنده : رجل نعم الرجل زيد ، فحذف الموصوف ، وأقيمت صفته مقامه ، فقيل : نعم الرجل زيد ، ثم نقل الفعل إلى اسم الممدوح ، فقيل : نعم رجلا. وأقول : إنّ مذاهب الكوفيّين مبنية على أصول لهم لا يعتبرها البصريّون ، ولا يصادم قول هؤلاء ، بقول هؤلاء (٤).

ولكن قال ابن عصفور : والصحيح ما ذهب إليه البصريّون ، لثلاثة أوجه :

أحدها : قول العرب : نعم رجلا كان عبد الله ، فيعملون في الاسم المرفوع بعد الممكن ـ كان وأشباهها ، من نواسخ الابتداء ، ولو كان فاعلا بـ (نعم) لم يجز إعمال الناسخ فيه. ـ

__________________

اللغة : أروح : بحذف همزة الاستفهام الإنكاري ، واللام ـ من قوله : «لبئس» ـ : لام الابتداء والمذموم محذوف ؛ لأن المراد مفهوم ، وكان أهله استعجلوه عن زيارة ليلى ، حيث جاء بعده في حماسة أبي تمام ، والمؤتلف والمختلف :

تراب لأهلي لا ولا نعمة لهم

لشد إذن ما قد تعبدني أهلي

دعا على أهله ؛ فقد أرادوا منه ترك ليلى وجعله عبدا لهم ، كما قال التبريزي.

والشاهد : جواز الفصل بين (بئس) وفاعلها بـ (إذن).

ينظر الشاهد في حماسة أبي تمام ، بمختصر شرح التبريزي (٢ / ١٠٩) ، والمؤتلف والمختلف (ص ٩٠) ، والهمع (٢ / ٨٥) ، والدرر (٢ / ١١١) ، ومعجم شواهد العربية (١ / ٣٠٢).

(١) سورة الكهف : ٥٠.

(٢) ينظر : شرح الألفية للشاطبي (٤ / ١١).

(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٨٨).

(٤) نصب النكرة على التمييز للفاعل المضمر مذهب جمهور البصريين ، والكسائي على أن النكرة منصوبة على الحال ، والاسم المؤخر فاعل ، والفراء على أن النكرة منصوبة على التمييز ، والاسم المرفوع

٤٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانيها : قول العرب : إخوتك نعم رجالا ، فيقدمون اسم الممدوح على (نعم) ولا يضمرون فيها ضميرا عائدا عليه ، فكنت تقول : إخوتك نعموا رجالا ولو كان فاعلا حال تأخره لم يكن بدّ من تحمّل (نعم) ضميرا عائدا عليه وإذا انتفى كون الاسم المرفوع فاعلا تعين كون الفاعل ضميرا مستترا.

ثالثها : قول العرب : نعم رجلا أنت ، فيفصلون الضمير ، ولو كان فاعلا بـ (نعم) لزم اتصاله (١).

البحث السادس :

ذكر ابن عصفور أنّ النكرة التي يفسرها الضمير ـ في هذا الباب ـ يشترط فيها ثلاثة شروط :

أحدها : أن تكون مبنية للنوع ، الذي قصد فيه المدح أو الذمّ ، نحو : نعم رجلا زيد ، ونعم فارسا عمرو ، ولو قلت : نعم غيرك زيد ، لم يجز ؛ لأنّ (غير) لا تبيّن النوع الذي قصدت أن تمدح زيدا فيه.

ثانيها : أن تكون عامة ، فلو قلت : نعم شمسا هذه الشمس ، ونعم قمرا هذا القمر ، لم يجز ؛ لأنّ (شمسا) ، و (قمرا) ، مفردان في الوجود ، ولو قلت : نعم شمسا شمس هذا اليوم ونعم قمرا قمر هذه الليلة ؛ جاز ذلك.

ثالثها : ألّا يراد بتلك النكرة معنى المفاضلة ، نحو : أفضل من زيد ، وأفضل رجل ؛ لأن فيها معنى مدح معلوم مقداره ، فلو قلت : نعم أفضل من زيد أنت ، ونعم أفضل رجل أنت ، لم يزد فيه (نعم شيئا) لم يكن قبل دخولها. انتهى (٢).

أمّا امتناع كون النكرة المميزة لهذا الضمير المستتر تكون كلمة (غير) و (أفعل من) فقد نبّه المصنف عليه باشتراط قبولها (ال) ـ ، حيث ذكر الضمير فقال مفسرا بتمييز موجز ، مطابق ، قابل (ال). وقال في الشرح : ونبهت بذلك على ـ

__________________

هو الفاعل أيضا.

(١) انظر في هذه الأوجه الثلاثة : شرح المقرب لابن عصفور (١ / ٣٨١) (مرفوعات قسم أول) والتذييل والتكميل (٤ / ٤٧١) ، وشرح الألفية للشاطبي (٤ / ١٢).

(٢) ينظر : شرح الألفية للشاطبي (٤ / ١٣). وتنظر الشروط الثلاثة في شرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (٤٧).

٤٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أنه لا يجوز أن تكون بلفظ (مثل) ولا (غير) ولا (أي) ولا (أفعل من) وعلل ذلك بأنّه خلف عن فاعل ، مقرون بالألف واللام ، قال : فاشترط صلاحيته لها وكل ما ذكرته آنفا لا يصلح لها فلم يجز أن يخلف مقرونا بهما ، وأما امتناع نحو : نعم شمسا هذه الشمس فظاهر لا يحتاج إلى التنبيه عليه ؛ لأنّ الضمير الذي هو فاعل لا دلالة له على الجنس ، ومن شرط الفاعل في هذا ـ مظهرا أو مضمرا ـ أن يكون مرادا به الجنس كما تقدم (١).

البحث السابع :

قد تقدم قول المصنف عند ذكر المميز المفسر للضمير المستتر في (نعم) وقلت :غالبا ـ بعد التقييد بـ : لازم ـ احترازا من حذف المميز ، في قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت» (٢) أي : فبالسنة أتى ، ونعمت السنة سنة ، فأضمر الفاعل ، على شريطة التفسير ، وحذف المميز ، للعلم به ، وهو تقرير صحيح.

ولو أتمّ الكلام بأن قال : والمخصوص للعلم بهما ، بعد قوله : وحذف المميز ـ لكان أولى ؛ لأنّ الواقع كذلك ، ولما ذكر ابن عصفور المسألة قال : ومن كلامهم :إن فعلت كذا وكذا فبها ونعمت ، أي : فنعمت فعلة فعلتك ، بحذف التمييز ، واسم الممدوح (٣). انتهى ، وأشار إلى حذف المخصوص وقدم ـ في التفسير ـ ذكر المميز فكان كلامه أتمّ من كلام المصنف.

واعلم أنّ سيبويه قد نصّ على وجوب ذكر هذا التمييز ولزومه ، فبعد أن ذكر : نعم رجلا عبد الله ، وبعد أن قال : ومثله : ربّه رجلا ، قال : ولا يجوز لك أن تقول :نعم ، ولا : ربّه ، وتسكت ؛ لأنهم إنّما بدأوا بالإضمار على شريطة التفسير ، وإنما هو إضمار مقدم ، قبل الاسم ، والإضمار الذي يجوز السكوت عليه إضمار بعد ما ذكر الاسم مظهرا ، فالذي تقدّم من الإضمار لازم له التفسير حتى يبينه (٤). انتهى. ـ

__________________

(١) ينظر شرح الألفية للشاطبي (٤ / ١٣) والتذييل والتكميل (٤ / ٤٧٢).

(٢) وتتمة الحديث : «ومن اغتسل فالغسل أفضل» والحديث في صحيح البخاري كتاب الوضوء ، وصحيح مسلم كتاب الطهارة ، ومسند ابن حنبل (٥ / ٨).

(٣) المقرب (ص ٦٨) وشرح المقرب (١ / ٣٦٢) المرفوعات : قسم أول.

(٤) كتاب سيبويه (٢ / ١٧٦).

٤٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يرد على سيبويه بما ورد في الحديث ، فإنّه إنّما قال : على شريطة التفسير ، ولا شكّ أنّ الوارد في الحديث فيه الدلالة على المفسر ، فكان في حكم المذكور.

البحث الثامن :

إذا كان مفسّر الضمير المستتر ـ في هذا الباب ـ مؤنثا نحو قولك : نعم امرأة هند ، وبئس امرأة فلانة ـ اختلفت أقوال النحاة المتأخرين ، في لحاق الفعل تاء التأنيث ، فقال ابن أبي الربيع : إنها لا تلحق. قال : فلا يقال : نعمت امرأة هند ، وإنمّا يقال : نعم امرأة هند ، استغنوا بتأنيث المفسّر (١) وما ورد في الحديث الشريف ، من قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فبها ونعمت» يردّ ما قاله ، وكان منهم من أوجب لحاق التاء ، ومنهم من أجاز الأمرين ، وهذا هو الظاهر ، وتقدم تمثيل المصنف ـ عند ذكر مسألة الضمير ـ بنحو : نعمت امرأتين الهندان ، بإثبات التاء ، وكأنّ الشيخ فهم ـ من كونه مثّل بذلك ـ وجوب لحاق التاء ، وتبعد إرادة المصنف ذلك ، وبعد فقد ذكروا أنّ المراد بالضمير الجنس ، كما أنّ المراد بالفاعل الظاهر الجنس ، ولا شكّ أنّ اللحاق جائز مع الاسم الظاهر ، غير واجب فليكن حكم المضمر ـ حيث كان مرادا به الجنس ـ حكم الظاهر.

البحث التاسع :

قد عرفت أنّ مذهب أبي العبّاس جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر وأنّ المصنف صحّح مذهبه ، مستدلّا عليه بما تقدّم ذكره من الشّواهد (٢) ، ولا شكّ أنّه لا يعقل معنى التمييز ، في نحو : نعم الرجل رجلا ، إذا لم يكن في الكلام شيء مبهم مفتقر إلى تمييز. وأما قول المصنف : إنّ هذا الاعتبار يلزم منه التمييز في كلّ ما لا إبهام فيه ، كقولك : لي من الدراهم عشرون درهما ، ومثل هذا جائز بلا خلاف ، إلى آخر ما ذكره. ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٦٢ ، ٤٦٧ ، ٥٠٥) وفي الملخص لابن أبي الربيع (ص ٤١٤) رسالة : «لا تقول : نعمت امرأة هند إنما تقول : نعم امرأة هند استغنوا بتأنيث المفسر». وينظر : شرح الألفية للمرادي (٢ / ٨٧ ، ٨٨).

(٢) ينظر : المقتضب (٢ / ١٤٨) ، والأصول لابن السراج (١ / ١٣٨) ، وابن يعيش (٧ / ١٣٢).

٤٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فالجواب عنه أنّه يقال : نعم التمييز يمتنع في كلّ ما لا إبهام [٣ / ١٠١] فيه ولا دليل في الآيات الشريفة (١) على ما ذكره ؛ لأنّ أسماء العدد مبهمة في أصل وضعها ، فهي محتاجة إلى التمييز من الأصل ، فإذا انطوى الكلام الذي هي فيه على ما يدلّ على المراد بها ، ثم ذكر التمييز كان ذكره بعدها منصرفا إلى التأكيد ، لكنها لوضعها مبهمة ، واحتياجها إليه في الأصل لم يستنكر ذكره معها ؛ لأنّ استغناءها عن التمييز إنّما هو لأمر عارض ، فلا يمتنع ذكر ما يستحق بالأصالة ، من أجل ذلك العارض ، وقد وقفت في كلام الشيخ على شيء من هذا المعنى (٢) ، وكان ذلك قد وقع في خاطري قبل الوقوف عليه ، فمن أجل هذا لم أنسبه إلى الشيخ أولا ، وأمّا الأبيات التي استشهد بها المصنف فليس فيها دليل ، أمّا : «بئس الفحل فحلهم فحلا» (٣) و «نعم الزاد زاد أبيك زادا» (٤) ؛ فقال ابن عصفور (٥) :إنّ (فحلا) حال مؤكدة ، وساغ ذلك ؛ لأنّ (فحلا) فيه معنى الاشتقاق ، والعامل فيها (نعم) ولا ينكر إعمال (نعم) و (بئس) في الحال ، كما أنهما قد يعملان في المجرور ، ومن ذلك قوله تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)(٦). قال :و (زادا) معمول لـ (تزود) ، ويحتمل هذا التأويل بأمرين :

أحدهما : أن يكون مصدرا له ، على حذف الزوائد ، وقد حكى الفراء استعمال (الزّاد) مصدرا ، وعلى هذا تكون (مثل) مفعولا لـ (تزود).

الثاني : أن تكون مفعولا به لـ (تزود) ، ويكون (مثل) ـ إذ ذاك ـ منصوبا على الحال ، من (زاد) ؛ لأن صفة النكرة إذا قدّمت عليها انتصبت على الحال.

قال : ويحتمل أيضا وجهين آخرين :

أحدهما : أن يكون تمييزا ، فيكون من قبيل التمييز الآتي بعد تمام الاسم ، نحو : لي ـ

__________________

(١) هذه الآيات هي : قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً)[الأعراف : ١٥٥] ، وقوله تعالى :(فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)[الأعراف : ١٤٢] ، وقوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً)[التوبة : ٣٦].

(٢) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٥٠٧ ، ٥٠٨).

(٣ ، ٤) جزأن من بيتين شعريين سبق تحقيقهما قريبا.

(٥) ينظر : شرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (٤٧).

(٦) سورة الكهف : ٥٠.

٤٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مثله رجلا ، التقدير : تزود مثل زاد أبيك فينا زادا ، فيكون إذ ذاك مفسّرا لـ (مثل).

والثّاني : أن يكون مبدلا من (مثل) ويكون (مثل) في الوجهين مفعولا به ، لـ (تزود) إلّا أنّ التاويل الذي يكون فيه معمولا لـ (تزود) أولى من جهة أنّ قوله :«فنعم الزاد زاد أبيك» جملة اعتراض ، فإذا جعل (زاد) معمولا لـ (تزود) كان قد فصل بها من الفعل الذي هو (تزود) ومعموله ، الذي هو (زادا) وإذا جعل تفسيرا لـ (مثل) كانت قد فصل بها بين التمييز والاسم الناصب له ، وإذا جعل بدلا كانت قد فصل بها بين البدل والمبدل منه ، والوصل بجمل الاعتراض بين الفعل ومعموله أكثر من الفصل بها بين التمييز والاسم الناصب له ، وبين التابع والمتبوع.

انتهى كلام ابن عصفور (١) وكذا (فتاة) من قوله : «نعم الفتاة فتاة» ، جعلت حالا. قال الشيخ (٢) : وعندي تأويل غير ما ذكروه ، وهو أقرب ، وذلك أن يدعى أنّ في (نعم) و (بئس) ضميرا و (فحلا) و (فتاة) و (زادا) تمييز لذلك الضمير ، وتأخر عن المخصوص على جهة الندور ، كما روي نادرا : نعم زيد رجلا ، على نية التقديم ، أي : نعم رجلا زيد ، والفحل والزاد والفتاة ، هي المخصوص ، و (فحلهم) و (هند) و (زاد أبيك) أبدال من المرفوع قبلها ، قال : وهذا تأويل سائغ سهل. انتهى ، وفيه أنّه قد ورد على المصنف تقديم المخصوص على التمييز حيث قال في قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فبها ونعمت» : إنّ التقدير : ونعمت السنة سنة وقال : هذا ليس بجيد.

فكيف يقول هو بشيء ، ويستحسنه بعد أن أنكر نظيره على غيره ، بل قال في شرحه : وهذه المسألة فيها خلاف ، البصريون يوجبون تقديم التمييز على المخصوص ، فلا يجوزون : «نعم زيد رجلا» وقد منع ذلك سيبويه في كتابه ، وذهب الكوفيون إلى الجواز (٣) ، وقبّحه الفراء (٤). ثمّ إنّ هذا التخريج إنّما أخذه من كلام المصنف ، ـ

__________________

(١) ينظر : المقرب (١ / ٦٨) ، وشرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (٤٧) وتوضيح المقاصد للمرادي (٣ / ٩٤) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٥١٢).

(٢) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٥١٣).

(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٥٢١) ، وفي العبارة تصرف ، وينظر أيضا : شرح التسهيل للمرادي (١٨٥) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٣١) تحقيق بركات ، والكتاب (٢ / ١٧٦ ، ١٧٨).

(٤) لمراجعة رأي الفراء ينظر : تعليق الفرائد للدماميني (٢ / ٤٢٢). وشرح المرادي (١٨٥ / ب) والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٣٢) تحقيق بركات.

٤٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث خرج نحو : نعم زيد رجلا ؛ على أن أصله : نعم رجلا زيد كما تقدم تقرير ذلك ، حتّى قال المصنف بعد ذكره هذه الصور ونظيرها : وهذه توجيهات أعنت عليها ، ولم أسبق إليها ، واعلم أنّ ابن عصفور لم يمنع المسألة ، ولم يجوزها على الإطلاق ؛ بل ذكر فيها تفصيلا ، فقال (١) : إن أفاد التمييز معنى لا يفيده الفاعل جاز نحو : نعم الرجل رجلا فارسا زيد ، قيل : ومنه قول الشاعر :

٢٠١٣ ـ تخيّره ولم يعدل سواه

فنعم المرء من رجل تهام (٢)

قال (٣) : ولا يجوز دخول (من) على هذا التمييز إلّا في شذوذ من الكلام أو في ضرورة نحو قوله : وأنشد :

٢٠١٤ ـ فنعم المرء من رجل تهام

وعلل ذلك بأن قال : إنّ التمييز المنقول لا يجوز دخول (من) عليه كما لا يجوز دخولها عليه قبل نقله ، قال : والتمييز في باب (نعم) ، و (بئس) يشبه المنقول ، ألا ترى أنه كان فاعلا ، قبل الإضمار في (نعم) ، فلمّا أضمر فيها الفاعل صار منتصبا على التمييز لذلك الضمير ، وإنما جعلته شبيها بالمنقول ـ ولم ـ

__________________

(١) ينظر : المقرب (١ / ٦٩).

(٢) هذا البيت من الوافر وقد نسبه أبو حيان في التذييل والتكميل (٤ / ٥١٣) لأبي بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي ، وشعوب أم الأسود.

تنظر ترجمته في جمهرة أنساب العرب (ص ١٨٢) ، وهو من أبيات قالها في رثاء هشام بن المغيرة من أشراف قريش ، وقد نسب البيت لبحير بن عبد الله القشيري في الوحشيات لأبي تمام (٥٧) ، والمؤتلف والمختلف للآمدي (ص ٧٦) ، والعيني (٤ / ١٤) وروايته في التذييل والتكميل (٤ / ٥١٣).

 ...

فنعم الحي من حي تهام

اللغة : تخيره : اصطفاه ، لم يعدل سواه : لم يمل إلى غيره ، تهامي : منسوب إلى تهامة ، وهو اسم نزل عن نجد.

الشاهد في البيت : «فنعم المرء من رجل» ؛ حيث جمع بين فاعل (نعم) الظاهر ، وهو المرء والتمييز ، وهو رجل ، وأفاد التمييز معنى زائدا على الفاعل ، وهو كونه تهاميّا.

ينظر الشاهد في : الاشتقاق (ص ١٠١) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٥١٣) ، والكامل (١ / ٢٦٤) ، والأشموني (٣ / ٣٥) ، والتصريح (٢ / ٩٦) ، والهمع (٢ / ٨٦) ، والدرر (٢ / ١١٢) ، واللسان (١٤ / ٢٣٩) «تهم» ، وتوضيح المقاصد للمرادي (٣ / ٩٥) ، وتهذيب النحو (ص ٢٢٤) ، والمقرب (ص ٦٩) ، وشرح الألفية للشاطبي (٤ / ١٧).

(٣) أي : قال ابن عصفور.

٤٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أجعله منقولا ؛ لأنّ النقل فيه إنّما هو في اللفظ ، لا في المعنى ، ألا ترى أن الضمير الفاعل في (نعم) هو الاسم المنتصب على التمييز في المعنى ، وليس كذلك الفاعل في : تصبّب زيد عرقا ، و (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(١). قال : و (من) الداخلة عليه زائدة وليست للتبعيض ؛ لأنّ الضمير هو التمييز في المعنى ، ولكون (من) لا تزاد في الموجب ، بقياس ، لم تدخل عليه إلّا في ضرورة شعر ، كالبيت الذي تقدّم أو في شذوذ من الكلام ، كالوارد في الأثر : «نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا» (٢).

البحث العاشر :

قد تقدّم من كلام المصنف ما يفهم منه أنّ شرط الفاعل في هذا الباب ـ إذا كان معرفا باللّام ـ أن يجوز فيه نزع اللّام ، وجعله تفسيرا للضمير المستكن ، وكذا إذا كان الفاعل مضافا إلى ما فيه اللام ، بشرط ذلك أيضا ، فمن ثمّ جاز : نعم الرجل زيد ، ونعم غلام القوم عمرو ؛ لجواز أن يقال : نعم رجلا زيد ، ونعم غلام القوم عمرو ، وأمّا ما جاء من قولهم : «نعم العمر عمر بن الخطاب» (٣) فقالوا : هو من تنكير العلم كقولهم :

٢٠١٥ ـ لا هيثم اللّيلة للمطيّ (٤)

__________________

(١) سورة مريم : ٤.

(٢) ينظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري (٩ / ٩٤).

(٣) ينظر هذا القول في : التذييل والتكميل (٤ / ٥٢٥) وينظر مع تأويله في منهج السالك (ص ٣٩٢).

(٤) البيت من الرجز وهو بتمامه :

لا هيثم الليلة للمطيّ

ولا فتى مثل ابن خيبريّ

وهو من شواهد سيبويه التي لم يعرف قائلها ، ونسب لبعض بني دبير في الدرر (١ / ١٣٤) ، و (بني دبير) من بني أسد كما في الخزانة (٤ / ٩٥) اللغة : هيثم : اسم رجل ، كان حسن الحداء للإبل ، وقيل : جيد الرعية ، وقيل : هو هيثم بن الأشتر ، وكان مشهورا بين العرب بحسن الصوت في حدائه ، وابن خيبري : جميل صاحب بثينة المشهور ، نسب إلى أحد أجداده ، وكان شجاعا ، ذا نجدة ، يحمي الإبل ، وقيل : أراد بابن خيبريّ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وقيل : أراد الذي بارز عليّا يوم خيبر فقتله علي ، وكلاهما بعيد. اه. ينظر : شرح أبيات المفصل بهامش (ص ٧٦) والخزانة (٤ / ٥٨ ، ٥٩). ـ الشاهد في البيت قوله : «لا هيثم» ؛ حيث نصب (هيثم) بـ (لا) النافية للجنس وهو اسم علم ، وهي لا تعمل إلا في نكرة ، ولا تدخل على العلم ، ولذلك أول البيت ، إما بتقدير مضاف ، على أن (لا) نافية للجنس ، واسمها محذوف ، أي : مثل ، وإما بتأويل العلم ـ وهو هيثم ـ باسم الجنس.

ينظر الشاهد في : الكتاب (٢ / ٢٩٦) ، والمقتضب (٤ / ٣٦٢) ، وابن الشجري (١ / ٢٣٩) ، والأشموني (٢ / ٤) ، والهمع (١ / ٦٤٥).

٤٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فكأنّه قيل : نعم المسمّون بهذا الاسم.

وقد جاء في الشّعر [٣ / ١٠٢] :

٢٠١٦ ـ بئس قوم الله قوم طرقوا

فقروا جارهم لحما وحر (١)

مع أنّ نزع اللّام من الاسم المعظّم لا يجوز وأشدّ منه مجيء اسم الإشارة فاعلا لـ (بئس) قال الشاعر :

٢٠١٧ ـ بئس هذا الحيّ حيّا ناصرا

ليت أحياءهم فيمن هلك (٢)

وفي هذا البيت الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز ، ويحتمل أن يخرج البيت على ما خرج عليه «نعم عبد الله رجلا» ، التقدير : بئس حيّا ناصرا هذا الحيّ ، فلا يكون فيه إلا تقديم المخصوص على التمييز ، والكوفيون لا يمنعون ذلك ، والبصريون يجيزونه ، على قبح.

__________________

(١) هذا البيت من الرمل ، ولم أقف على اسم قائله.

اللغة : طرقوا : من الطرق ، وهو الإتيان ليلا ، فقروا : أطعموا من القرى ، وهو الضيافة ، وحر : بفتح الواو ، وكسر الحاء ـ : اللحم الذي دبت عليه الوحرة ، دابة صحراوية ، من نوع الوزغ ، صغيرة حمراء ، لها ذنب دقيق ، وحر : أصله : وحرا ، فأسكنت الراء للضرورة.

الشاهد في البيت : «بئس قوم الله» ؛ حيث ورد فيه فاعل (بئس) اسما مضافا إلى علم ، وهو لفظ الجلالة. ينظر الشاهد في : التذييل والتكميل (٤ / ٥٣٤) ، ومنهج السالك (ص ٣٩٢) ، والمخصص لابن سيده (١٦ / ١٣٢) ، وتوضيح المقاصد (٣ / ٨٢) ، والعيني (٤ / ١٩) ، والهمع (٢ / ٨٧) ، والأشموني (٣ / ٢٩) ، والدرر (٢ / ١١٤).

(٢) البيت من الرمل ، ولم أعرف قائله.

والشاهد فيه : «بئس هذا الحيّ» ؛ فقد استشهد به على شذوذ مجيء فاعل (نعم وبئس) اسم إشارة متبوعا بذي أل.

ينظر الشاهد في : التذييل والتكميل (٤ / ٥٢٥) ، ومنهج السالك (ص ٣٩٢) ، والهمع (٢ / ٨٦) ، والدرر (٢ / ١١٤).

٤٥٩

[أحوال وأحكام المخصوص بالمدح والذم]

قال ابن مالك : (ويدلّ على المخصوص ، بمفهومي «نعم» و «بئس» ، أو يذكر قبلهما ، معمولا للابتداء ، أو لبعض نواسخه ، أو بعد فاعلهما ، مبتدأ أو خبر مبتدأ ، لا يظهر أو أول معمولي فعل ناسخ ، ومن حقّه أن يختصّ ويصلح للإخبار به عن الفاعل ، موصوفا بالممدوح بعد «نعم» ، وبالمذموم بعد «بئس» فإن باينه أوّل ، وقد يحذف ، وتخلفه صفته اسما وفعلا وقد يغني متعلق بهما ، وإن كان المخصوص مؤنثا جاز أن يقال : نعمت وبئست ، مع تذكير الفاعل).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قال المصنّف (١) : المخصوص بمفهومي (نعم) و (بئس) هو للمقصود بالمدح ، بعد (نعم) ، وبالذّم بعد (بئس) ، كزيد ، وعمرو ، في قولك : نعم الرجل زيد ، وبئس القرين عمرو ، وإذا كان مذكورا هكذا (٢) فهو مبتدأ ، مخبر عنه ، بما قبله ، من الفعل والفاعل ، ولا يضرّ خلوّ الجملة من ضمير ، يعود على المبتدأ ؛ لأنّ الفاعل هو المبتدأ في المعنى ، فلم يحتج إلى رابط ؛ إذ هو مرتبط بنفسه ، كما لا يحتاج إلى رابط ، إذا كانت الجملة نفس المبتدأ ، في المعنى ، نحو : كلامي الله ربّنا (٣).

وأجاز سيبويه كون المخصوص خبر مبتدأ واجب الإضمار والأول أولى (٤) بل هو عندي متعين لصحّته في المعنى وسلامته من مخالفة أصله بخلاف الوجه الثّاني ، وهو كون المخصوص خبرا ، فإنّه يلزم منه أن ينصب لدخول (كان) ، إذا قيل : نعم الرجل كان زيد ؛ لأنّ خبر المبتدأ ـ بعد دخول كان ـ يلزم النصب ، ولم نجد العرب تعدل في مثل هذا إلى الرفع ، فعلم أنه ـ قبل دخول (كان) ـ لم يكن خبرا ، وإنّما كان مبتدأ ومن لوازم كونه خبرا قبل دخول (كان) أن يقال في «نعم الرجال الزيدون» : نعم الرجال كانوا الزيدين ، وفي «نعم النساء الهندات» : نعم النساء كنّ الهندات. ومن لوازم ذلك أيضا أن يقال إذا دخلت (ظننت) على «نعم الرجل زيد» : نعم الرجل ظننته زيدا ، وأن يقال إذا دخلت (وجد) على «نعم ـ

__________________

(١) شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ١٦).

(٢) أي كان ترتيب الجملة هكذا ، أي بتأخير المخصوص.

(٣) في الرابط بهذه الجملة أربعة مذاهب ، وهذا أحدها. ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٥٢٨ ـ ٥٣٢) ومنهج السالك (ص ٣٩٩) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٦ / أ).

(٤) كون المخصوص مبتدأ. ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٥٣٨) ، وشرح المصنف (٣ / ١٦).

٤٦٠