شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٥

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الخامسة :

قال : لا تستعمل (كم) ـ يعني الخبرية ـ و (ربّ) إلّا في الماضي ، والمستقبل المتحقّق الوقوع ، تقول : كم غلام لقيته ، وربّ عالم لقيته ، ولا تقول : كم غلام ألقاه ، ولا : ربّ غلام سألقاه ، وقال تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(١) فـ «يودّ» مستقبل متحقّق الوقوع ، ثابت ، كما أنّ الماضي كذلك ، قال الشاعر :

١٩٧٤ ـ فإن أهلك فربّ فتى سيبكي

عليّ مهذّب رخص البنان (٢)

ولو وقعت (كم) هنا ـ فقيل : كم فتى سيبكي ـ لساغ ذلك (٣). اه.

السادسة :

قال : قول القائل ـ ويعزى إلى الحجّاج بن يوسف (٤) ـ : كم ترى الحروريّة رجلا (٥) ـ يحتمل أن تكون (كم) فيه استفهامية ، أو خبرية ، وكلاهما لأبي علي ، وتروى مبنية للمفعول ، فإنّ أعملت فالضمير المستكنّ فيها هو المفعول الأول ، ـ

__________________

(١) سورة الحجر : ٢.

(٢) البيت من الوافر ، وقائله : جحدر بن مالك من بني حنيفة من اليمامة ، وكان لصّا مبرزا فتاكا شجاعا ، وتنظر ترجمته في الخزانة (٧ / ٤٦٣) تحقيق الأستاذ / عبد السّلام هارون.

وروي (مخضب) بدل (مهذب) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٣٩٣) ، رخص : ناعم ، البنان : طرف الإصبع.

والشاهد : في قوله : «فرب فتى سيبكي» ؛ حيث جاز وقوع الفعل الدال على المستقبل بعد (رب) ولو وقعت (كم) بدل (رب) لساغ ذلك.

ينظر الشاهد أيضا في : أمالي القالي (١ / ٢٨٢) ، والتوطئة للشلوبين (ص ٢٢٨) ، والبحر المحيط (٥ / ٤٤٤) ، وشواهد التوضيح لابن مالك (ص ١٠٦).

(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٣٩٣).

(٤) هو الحجاج بن يوسف الثقفي المشهور ، وهو أبو محمد الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل ابن مسعود ، ينتهي نسبه إلى بني عوف بن ثقيف ، وقد أمر بقتل ابن الزبير رضي‌الله‌عنه وقد صلبه بمكة سنة (١٣ ه‍) فولاه عبد الملك بن مروان الحجاز ثلاث سنين ، ثم ولاه العراق فوليها عشرين سنة ، وقد ظلم أهلها ، توفي بواسط ، ودفن بها ، وقد عفى قبره ، وكان موته سنة (٩٥ ه‍).

تنظر ترجمته في : جمهرة الأنساب (ص ٢٦٧) ، ووفيات الأعيان (٢ / ٢٩ ، ٥٤) ، ترجمة (١٤٩).

(٥) في المقتصد في شرح الإيضاح قول أبي علي الفارسي : «وتقول : كم ترى الحرورية رجلا ، إذا أعملت (ترى) كأنك قلت : أعشرين رجلا ترى الحرورية؟ وإن شئت ألغيت فقلت : كم ترى الحرورية رجلا». اه.

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

و (كم) هي الثاني ، و (الحرورية) هو الثالث ، وإن ألغيت فـ (كم) في موضع رفع على الابتداء ، والحرورية خبر ، ويجوز العكس ، و (رجلا) في الحالين تمييز ، قد فصل بينه وبين (كم). والأحسن : كم رجلا ترى الحرورية؟ أو كم رجل ترى الحرورية ، والحرورية صنف من الخوارج ، ويقال : إن عليّا (١) أسماهم بذلك ، نسبة إلى (حروراء) قالوا فيها : حروريّ (٢) وهو من شاذ النسب (٣).

السابعة :

قال : تقول : بكم ثوبك مصبوغا؟ النصب على الحال ، وهو يسأل : كم يساوي الثوب في تلك الحال؟ و (ثوبك) مبتدأ و (بكم) خبره ، وإن قلت : بكم ثوبك مصبوغ؟ فالمعنى : بكم صبغ الثوب؟ فـ (ثوبك) مبتدأ و (مصبوغ) خبره ، و (بكم) متعلق بـ (مصبوغ) (٤). انتهى ، ثم قد بقي الكلام على مواضع (كم) من الإعراب ، بالنسبة إلى التراكيب الواقعة فيها (٥) : فاعلم أنّ (كم) إن تقدّمها حرف جرّ فهي مجرورة به ، وكذا إن تقدمها مضاف إليها وإلّا : فإن كانت كناية عن مصدر ، أو ظرف زمان ، أو ظرف مكان ، فهي منصوبة على المصدر ، أو الظرف ، وإلّا (٦) : فإن لم يلها فعل ، أو وليها فعل لازم ، أو مقدر رافع ضميرها ، أو مسببها فهي مبتدأ ، وإن وليها فعل متعدّ ، ولم يأخذ مفعوله ، فهي معمولة له. وإن أخذه فهي مبتدأ ، إلا أن يكون ضميرا يعود عليها ففيها الابتداء ، والنصب بفعل مضمر ، فتكون المسألة إذا من باب الاشتغال (٧). ثمّ حرف الجرّ الداخل على (كم) يتعلق بالعامل الذي بعد (كم) ، وأما المضاف إليها فحكمه في الإعراب حكم (كم) كما ذكرناه آنفا. ـ

__________________

(١) هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ، كرم الله وجهه ، تنظر ترجمته في : كتاب نسب قريش (ص ٣٩).

(٢) في القاموس مادة «حرر» : حروراء كجلولاء ، وقد تقصر ، قرية بالكوفة ، وهو حروري بين الحرورية».

(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٣٩٤).

(٤) ينظر : المرجع السابق الصفحة نفسها ، ودرة الغواص (ص ٢٦٤) ، مسألة رقم (٢٠٢).

(٥) في هذه المسألة التالية يتكلم الشيخ أبو حيان عن مواضع (كم) من الإعراب بالنسبة إلى التراكيب الواقعة فيها.

(٦) عبارة التذييل والتكميل (٤ / ٣٩٥) : وإن لم يكن كناية عن ذلك». اه.

(٧) هذه المسألة من كلام الشيخ أبي حيان نقلها العلامة ناظر الجيش هنا ، مع تصرف كثير في النقل ، ولذا يحسن الرجوع إليها في التذييل والتكميل (٤ / ٣٩٥).

٤٠٢

[«كأيّن» و «كذا» وأحكامهما]

[٣ / ٨٦] قال ابن مالك : (فصل : معنى «كأيّن» و «كذا» كمعنى «كم» الخبريّة ، ويقتضيان مميّزا منصوبا ، والأكثر جرّه بـ «من» بعد «كأيّن» وتنفرد من (كذا) بلزوم التصدير ، وأنّها قد يستفهم بها ، ويقال : كيء ، وكاء ، وكأي ، وقلّ ورود (كذا) مفردا ، أو مكررا بلا واو ، وكنى بعضهم بالمفرد المميز بجمع عن ثلاثة وبابه ، وبالمفرد المميز بمفرد ، عن مائة وبابه ، وبالمكرر دون عطف عن أحد عشر وبابه ، وبالمكرر مع عطف عن أحد وعشرين وبابه).

______________________________________________________

واعلم أنّ هذا الذي ذكرناه لا يختصّ بـ (كم) بل كلّ اسم له تصدّر الكلام ، كأسماء الشرط ، وأسماء الاستفهام ، فإنّ لها في الإعراب في مواضعها من الأحكام ما ذكر لـ (كم) غير أنّ أسماء الشرط لا يليها إلا الأفعال ، بخلاف (كم) وأسماء الاستفهام ، فلا فرق بين أسماء الشرط ، وغيرها ممّا له الصدر ، إلا هذا الذي ذكرناه. ثم إنّ الشيخ ختم الكلام على هذا الفصل بمسألة : وهي أنّ جواب (كم) الاستفهاميّة يجوز أن يكون مرفوعا ، وإن اختلف موضع كلّ من الرفع ، والنّصب والجرّ ، ويجوز أن يكون على حسب موضعها ، وهذا هو الأولى والأجود ، مثال ذلك : كم عبدا دخل في ملكك؟ وكم عبدا اشتريت؟ وبكم عبدا استعنت؟ ويجوز في جواب هذه كلّها أن تقول في المثال الأوّل : عشرون ، وفي الثاني : عشرين ، وفي الثالث : بعشرين ، وكذلك إذا كانت ممّا يسوغ فيها الاشتغال ، نحو : كم عبدا اشتريت؟ يكون الجواب مرفوعا إن اعتقدت أنّ (كم) مبتدأ ، وإن اعتقدت أنها منصوبة بإضمار فعل يكون في الجواب الرفع والنصب (١). انتهى.

وما ذكره واضح لو لم يذكره ؛ لأنّ جملة الجواب لا يجب مطابقتها لجملة السّؤال ، فتجاب الجملة الفعليّة بالاسمية ، كما تجاب بمثلها ، ومعلوم أنّ التوافق بينهما أولى من التخالف ، ولا شكّ أنّ هذا من المسائل المقرّرة المعروفة عند النحاة.

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٢) : قد تقدّم أنّ (كم) الخبرية اسم يقصد به الإخبار على سبيل التكثير ، وأنّها مفتقرة إلى مميز ، كمميز عشرة ومائة وكمميز مائة ـ

__________________

(١) ينظر : المرجع السابق الصفحة نفسها.

(٢) شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ٤٢٢).

٤٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أخرى ، وذكرت الآن أنّ معنى كأيّن وكذا كمعناها ، فكان حقّهما أن يضافا إلى مميزهما ، كما تضاف (كم) التي تساويها في المعنى إلى مميّزها.

لكن منع من إضافة (كأيّن) أنّها لو أضيفت لزم نزع تنوينها ، وهي مستحقة للحكاية ؛ لأنّها مركبة من كاف التشبيه وأيّ فكانت بمنزلة (يزيد) مسمّى به ، فإنّه يلزم أن يجرى مجرى الجملة المسمّى بها ، في لزوم الحكاية ، والمحافظة على كلّ جزء من أجزائها ، فيقال ـ فيمن اسمه (يزيد) ـ : هذا يزيد ، ورأيت يزيد ، ونظرت إلى يزيد ، وكذلك يقال في زيد لو سمّي به ، فلو جعل (من زيد) اسما لجاز فيه ما جاز في (يزيد) من الحكاية ، وجاز أيضا أن يحرّك منه نون (من) بحركات الإعراب ويضاف إلى (زيد) ، ولاستيفاء الكلام على هذا وشبهه موضع هو به أولى (١).

وأمّا (كذا) ففيها ما في (كأيّن) من التركيب الموجب للحكاية ، وفيها زيادة مانعة من الإضافة ، وذلك أنّ عجزها اسم لم يكن له قبل التركيب نصيب في الإضافة فأبقي على ما كان عليه ، والأكثر جرّ مميّز (كأيّن) بـ (من) كقوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢) ومن نصب مميّزها قول الشّاعر :

١٩٧٥ ـ اطرد اليأس بالرجا فكأيّن

آملا حمّ يسره بعد عسر (٣)

وأما (كذا) فلم يجئ مميزها إلّا منصوبا كقول الشاعر :

١٩٧٦ ـ عد النّفس نعمى بعد بؤساك ذاكرا

كذا وكذا لطفا به نسي الجهد (٤)

__________________

(١) في المساعد لابن عقيل (٢ / ١١٦) تحقيق د. بركات : «ولا يجوز أن يضافا ـ يعني : كأين وكذا ـ إلى المميز ، ولا إلى غيره ؛ لأن المركب محكي ، والإضافة تقتضي نزع التنوين ، فتفوت الحكاية». اه.

(٢) سورة يوسف : ١٠٥.

(٣) البيت من الخفيف ، ولم أهتد إلى قائله.

اللغة : اطرد : أمر من طرد يطرد كقتل يقتل ، واليأس : القنوط ، الرجاء : الأمل ، حمّ : قدّر ، والمعنى لا يقنط ، وترج حصول الفرج بعد الشدّة فكم من صاحب أمل قدر الله غناه بعد فقره ، ويروى البيت بمد الرجاء وكائن ، وقصرهما ، ويروى : فكأين وآلما ، وبالمد : اسم فاعل ، من : ألم يألم ، بمعنى : صاحب ألم.

والشاهد في البيت : قوله : «فكأين آملا» ؛ حيث استشهد به على نصب تمييز كأين ينظر الشاهد في الأشموني (٤ / ٨٥) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٤٠١) ، والمقاصد النحوية للعيني (٤ / ٤٩٥) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٨١) ، والهمع (١ / ٢٥٥) ، والدرر (١ / ٢١٢).

(٤) البيت من الطويل ، وهو غير منسوب لقائل.

٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وانفردت (كأين) بموافقة (كم) في لزوم التصدير ، فلا يعمل فيها ما قبلها بخلاف (كذا) فإنها يعمل فيها ما قبلها ، وما بعدها (١).

وانفردت (كأيّن) ـ أيضا (٢) ـ بأنّها قد يستفهم بها (٣) ؛ لقول أبيّ بن كعب (٤) لعبد الله (٥) ـ رضي الله تعالى عنهما ـ : كأيّن تقرأ سورة الأحزاب؟ أو : كأيّن تعدّ سورة الأحزاب؟فقال عبد الله : ثلاثا وسبعين ، فقال أبيّ : قطّ (٦) ، وأراد : ما كانت كذا قطّ (٧). ـ

__________________

اللغة : النفس : مفعول (عد) ، ونعمى : مفعول ثان ، وهو بضم النون النعمة ، وبؤس ـ بضم الباء الموحدة ـ : الشدة مثل البأساء ، والجهد : بفتح الجيم : الطاقة ، وبضمها : المشقة ، وقيل : لا فرق بينهما ، والأول أصح ، ونسي : من النسيان ، أو بمعنى الترك ، ولطفا : تمييز ، وقوله : «نسي الجهد» جملة في محل نصب ، صفة (لطفا) ، والمعنى : عد نفسك بالنعمة عند حصول المشقة ، حالة كونك ذاكرا لطف الله ، ورفقه بك ، فإذا ذكرت ذلك نسيت المشقة والجهد.

والشاهد : في قوله : «كذا وكذا لطفا» على أن مميز (كذا) لا يكون إلا مفردا منصوبا ، وشاهد آخر في قوله : «كذا وكذا» على أن (كذا) إذا كانت كناية عن عدد لا تستعمل إلا مكررة بالعطف.

ينظر الشاهد في : الأشباه والنظائر (٤ / ١٥٥) ، والهمع (١ / ٢٥٦) ، والأشموني (٤ / ٨٦) ، والعيني (٤ / ٤٩٧) ، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (٤ / ٣٣٧) ، والدرر (١ / ٢١٣).

(١) عبارة التذييل والتكميل (٤ / ٤٠٦): «وتنفرد ـ يعني (كأين) ـ من (كذا) بلزوم التصدير ، يعني أنّ (كأين) تلزم الصدر ، بخلاف (كذا) ، فإنه لا يلتزم فيه التصدير ، بل يجوز أن يتقدم عليها العوامل.

(٢) يعني : انفردت من (كذا).

(٣) في التذييل والتكميل (٤ / ٤٠٨): «الذي وقفنا عليه من كلام النحويين ينص على أن (كأين) استعملت في الخبر ، وهذا المصنف ذكر أنّها قد يستفهم بها». اه.

وينظر أيضا : توضيح المقاصد والمسالك (٤ / ٣٣٥) ، والمغني (١ / ١٨٦).

(٤) هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية أبو المنذر الأنصاري المدني ، سيد القراء ، بالاستحقاق ، وأقرأ هذه الأمة على الإطلاق ، قرأ على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرآن العظيم ، وقرأ عليه نفر من الصحابة منهم : ابن عباس ، وأبو هريرة توفي سنة (٢٣ ه‍).

تنظر ترجمته في : طبقات ابن سعد (٢ / ١٠٣) وغاية النهاية لابن الجزري (١ / ٣١) برقم (١٣١).

(٥) هو عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل أحد العشرة المبشرين بالجنة توفي سنة (٣٢ ه‍).

(٦) ينظر في مسند الإمام أحمد (٥ / ١٣٢) ، وقد ورد هكذا : «عن أبي ذر قال : قال لي أبي ابن كعب : كائن تقرأ سورة الأحزاب ، أو كائن تعدها؟ ، قال : قلت : ثلاثا وسبعين آية ، فقال :قط. وقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة».

وينظر أيضا في إعراب الحديث النبوي للعكبري (ص ٨) برقم (٨) ، وشرح الرضي (٢ / ٩٤) ، والمغني (١ / ١٨٦) والأشموني (٤ / ٨٥). والشاهد هنا : استعمال (كائن) للاستفهام.

(٧) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٤٢٣) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٤٠٨) وقد عقب على ذلك الشيخ

٤٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ويقال : كئي ، وأصله كيّء ، بتقديم الياء على الهمزة ، ثم عومل معاملة (ميت) فقيل : كيئ (١) ، ثم أبدلت ياؤه ألفا ، فقيل : كاء (٢) ، وبه قرأ ابن كثير (٣).

ثمّ حذفت ألفه فقيل : كإ (٤) وأما كأي فمقلوب كيء ، وبها قرأ ابن محيصن (٥) والأشهب (٦). اه.

ـ واستعمال (كذا) دون تكرار قليل وكذا استعماله مكررا بلا عطف ، وجعل بعضهم (كذا) مميز الجمع كناية عن ثلاثة ، أو إحدى أخواتها و (كذا) مميزا بمفرد كناية عن مائة ، فما فوقها و (كذا كذا) عن أحد عشر وأخواته و (كذا وكذا) عن أحد وعشرين ، وأخواته ، ومستند هذا التفصيل الرأي ، لا الرواية (٧).

انتهى كلامه رحمه‌الله تعالى ، ونتبعه بالإشارة إلى أمور :

الأول : أنّ القول بتركيب (كأيّن) من الكاف ، وأيّ (٨) وبتركيب (كذا) من ـ

__________________

أبو حيان بقوله : «ولم يذكر ـ يعني ابن مالك ـ دليلا على أنه يستفهم بها سوى هذا الخبر ، وقد تقدم لنا الكلام معه في أنه مخالف للنحاة في إثبات القواعد النحوية بما ورد في الآثار ، كذا الأثر وغيره ، وبينا العلة التي عدل النحويون لأجلها عن الاستشهاد بذلك». اه.

(١) قال في المساعد (٢ / ١١٧): «والأصل : كيّئ بتقديم الياء المشددة على الهمزة ، ثم خففت كـ (ميت)». اه.

(٢) هذه الكلمة بهذا الضبط في المساعد لابن عقيل (٢ / ١١٧).

فقال : «وكاء بالألف بعد الكاف ، وهمزة مكسورة منونة ، والألف بدل من الياء المخففة ، وبها قرأ ابن كثير». اه.

(٣) هو عبد الله بن كثير بن المطلب أبو معبد المكي الداري ، إمام أهل مكة في القراءة ، وكان فصيحا عليما بالعربية ، أخذ القراءة عرضا عن مجاهد بن جبير ودرياس مولى ابن عباس ، وأخذ عنه أبو عمرو بن العلاء ، توفي سنة (١٢٠ ه‍). تنظر ترجمته في : طبقات القراء لابن سعد (١ / ٤٤٣) ، وتنظر القراءة في تحبير التيسير لابن الجزري (ص ٩٩) ، والبحر المحيط (٣ / ٧٢) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص ١٧٩).

(٤) في البحر المحيط (٣ / ٧٢): «وقرأ ابن محيصن فيما حكاه الداني : كإعلى مثال : كع».

(٥) هو محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي ، مقرئ أهل مكة مع ابن كثير ، ثقة روى له مسلم ، قال ابن مجاهد : كان لابن محيصن اختيار في القراءة ، على مذهب العربية ، فخرج به عن إجماع أهل بلده ، فرغب الناس عن قراءته ، وأجمعوا على قراءة ابن كثير لاتباعه. توفي ابن محيصن سنة (١٢٣ ه‍).

ينظر في ترجمته : القراءات السبعة لابن مجاهد (ص ٦٥).

(٦) هو الأشهب العقيلي كما ذكر في البحر المحيط ، وغيره من الكتب التي وردت بها هذه القراءة ، ولعله هو أشهب صاحب الإمام مالك ، واسمه مسكين بن عبد العزيز بن داود الذي ترجم له في غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري (٢ / ٢٩٦).

(٧) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٤٢٤).

(٨) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٠٩ ، ٤١٠) ، والبحر المحيط (٣ / ٧٢) ، والمساعد لابن عقيل (١٣٤ / ب).

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الكاف وذا لعلّه إطباق من النحاة ، ولكنّ كلّا منهما قد صار بعد التركيب دالّا على معنى لم يكن لشيء من جزئيه قبل التركيب.

وقد نقل الشيخ عن بعضهم القول باحتمال بساطة (كأيّن) ، وجنح هو إلى ذلك قال : ويدلّ عليه تلاعب العرب بها ، ونطقهم فيها بلغات (١). ولا شكّ أنّ القول ببساطتها وبساطة (كذا) ، ممكن وربّما يكون أقرب من القول بتركيبها لكنّ النحاة كالمجمعين على القول بالتركيب ، فلا يسع في ذلك إلّا التسليم لما قالوه فإنّ مخالفة الإجماع لا تمكن.

الثاني : قد عرفت قول المصنف ـ مشيرا إلى تمييز (كأين) و (كذا) :«والأكثر جرّه بـ (من) بعد (كأيّن) وأنّ نصبه بعد (كأيّن) جائز ، لكنّه قليل ، وهذا هو الحقّ إلا ما ادّعاه ابن عصفور ، من لزوم جرّه ، فقد تقدم إنشاد البيت المتضمّن لقوله :

١٩٧٧ ـ ... فكأيّن

آملا حمّ يسره بعد عسر (٢)

قال الشيخ : ويقتضي الاستقراء أنّ تمييزها لا يكون جمعا ، فليست مثل (كم) الخبرية في التمييز ؛ إذ الصحيح المسموع في تمييز (كم) أن يكون جمعا (٣).

ومثله أيضا قول الآخر :

١٩٧٨ ـ وكائن لنا فضلا عليكم ونعمة

قديما ، ولا تدرون ما منّ منعم (٤)

__________________

(١) قال الأعلم الشنتمري على هامش الكتاب (١ / ٢٩٧): «وفيها لغات : كاء على لفظ فاع من المنقوص نحو : ثاء وجاء وكيء على وزن : كيع ، وكأين على وزن : كعين وكئن على وزن : كع ومعناها كلها معنى : كأي وهي بتأويل كم ورب وقد بينت أصلها وحكمها وعلّتها في كتاب النكت». اه.

وينظر المساعد لابن عقيل (٢ / ١٣٥) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٠ / أ) ، والدرر (١ / ٢١٣).

(٢) سبق تخريجه.

(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٠٠).

(٤) البيت من الطويل ولم ينسبه أحد في كتب النحو ، وقال في الدرر : «ولم أعثر على قائل هذا البيت» وهو في ديوان الأعشى قيس الشاعر المشهور من قصيدة يهجو بها عمير بن عبد الله بن المنذر بن عيدان ، ينظر ديوان الأعشى (ص ١٨٥).

والشاهد : في قوله : «وكائن لنا فضلا» ؛ حيث إنّ (فضلا) تمييز منصوب لـ «كائن» ينظر الشاهد في : مغني اللبيب (١ / ١٨٦) برقم (٣٠٩) وشرح شواهده (٢ / ٥١٣) برقم (٣٠٠) ، والعيني (٤ / ٣٩٥) ، والهمع (١ / ٢٥٥) ، والأشموني (٤ / ٨٥) ، والدرر (١ / ٢١٢).

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال سيبويه : وكأين رجلا [قد] رأيت ، زعم ذلك يونس ، وكأين قد أتاني رجلا ، إلّا أنّ أكثر العرب إنّما يتكلمون بها مع (من) (١). انتهى.

واعلم أنّه لما تعذّرت الإضافة إلى تمييز (كأيّن) لم يبق إلّا النصب وجرّه بـ (من) أكثر من استعماله منصوبا ؛ لأنّها بمنزلة (كم) الخبرية في المعنى ، وكم الخبرية يقلّ نصب تمييزها إذا لم يفصل (٢) بينها وبينه (٣).

ثمّ قال الشيخ : ولا يحفظ جرّ التمييز بعد (كأيّن) فإن جاء كان بإضمار (من) وهو مذهب الخليل (٤) ، والكسائي (٥) كأنّ الشيخ يعني أنّ هذين الإمامين يجيزان بقاء الكلمة مجرورة ، بعد حرف الجرّ ، وهي المسألة المشهورة المذكورة في باب تعدّي الفعل ، ولزومه ، قال : ولا يحمل ذلك على إضافة (كأيّن) كما ذهب إليه ابن كيسان (٦). يعني : لما علمت من أنّ إضافة (كأيّن) إلى ما بعدها لا يجوز. ومن ثمّ قال سيبويه : قال الخليل : إن جرّ أحد من العرب ، فعسى أن يجرّ بإضمار (من) (٧). وقال ابن خروف : يكون في مميزها النصب ، ويجوز الجرّ بـ (من) ، لكنّه قال : وبغير (من) ، بفصل ، وبغير فصل ، ومعناها التكثير ولها حكم الخبرية في جميع أحوالها (٨) ، وهذا من ابن خروف يدلّ على أنّ الجرّ بعدها يكون بالإضافة أيضا ، كما يكون بـ (من) مقدرة [٣ / ٨٧] والأكثر أن يكون مفردا.

الثالث : جوّز المبرد في : «كأين رجلا ضربت» أن يكون (رجلا) مفعول (ضربت) ويكون التمييز محذوفا ، التقدير : كأين مرة رجلا ضربت ، فيكون (رجلا) واحدا لفظا ومعنى ، وجوّز أن يكون (رجلا) تمييزا ، فيكون واحدا في ـ

__________________

(١) ينظر الكتاب (٢ / ١٧٠).

(٢) في التذييل والتكميل (٤ / ٤٠٢): «لم يحل» بدل «لم يفصل» هذه.

(٣) ينظر المرجع السابق الصفحة نفسها.

(٤ ، ٥) ينظر المرجع السابق الصفحة نفسها والكتاب (٢ / ١٧١) حيث قال سيبويه : «قال ـ أي الخليل ـ :إن جرها أحد من العرب فعسى أن يجرها بإضمار (من) كما جاز ذلك فيما ذكرنا في (كم)». اه.

(٦) ينظر رأي ابن كيسان في : التذييل والتكميل (٤ / ٤٠٤) ، وينظر في كتاب (ابن كيسان النحوي) (ص ١٦٩) للدكتور محمد البنا.

(٧) ينظر : الكتاب (٢ / ١٧١).

(٨) ينظر رأي ابن خروف في : التذييل والتكميل (٤ / ٤٠٤).

٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

معنى الجمع. لكن ذكر صاحب البسيط أنّ حذفه (ضعيف) (١). قال الشيخ : وقد تتبعت كثيرا ممّا ورد في الأشعار من (كأين) فلم أره محذوفا ، ولا في موضع (واحد) (٢).

الرابع : قد عرفت أنّ (كأين) انفردت عن (كذا) بلزوم التصدير ، فيكون حكمها في ذلك حكم (كم) وعلى هذا ينبغي أن تجرى في مجال الإعراب مجراه ، فتكون مبتدأة قال الله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)(٣). ولم تجئ في القرآن إلا مبتدأ. قال الشيخ : وقد استقرأت جملة ما وقعت فيه مبتدأة ، فوجدت الخبر لا يكون إلّا جملة فعلية ، مصدّرة بماض ، أو مضارع ، ولم يقف على كونه اسما مفردا ، ولا جملة اسمية ، ولا مصدرة بمستقبل ، ولا ظرفا ولا مجرورا ، فينبغي ألّا يقدّم على ذلك إلا بسماع من العرب (٤) ويكون مفعوله نحو قوله :

١٩٧٩ ـ وكائن رددنا عنكم من مدجّج

يجيء أمام القوم يردى مقنّعا (٥)

وأما كونها تكون في موضع نصب على المصدر ، أو على الظرف ، أو على خبر (كان) فلا يمنع منه مانع. ـ

__________________

(١) ما بين القوسين من الهامش ، ولبيان رأي صاحب البسيط ، ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٠٣) ، والهمع (١ / ٢٥٥) حيث قال : «واختلف في جواز حذفه فجوزه المبرد والأكثرون ، وقال صاحب البسيط : إنه ضعيف ، للزوم (من) ففيه حذف عامل ومعمول». اه.

(٢) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٠٣).

(٣) سورة آل عمران : ١٤٦.

(٤) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٠٧).

(٥) البيت من الطويل ، وقائله عمرو بن شأس من فحول الجاهليين والمخضرمين أدرك الإسلام شيخا. تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (١ / ٤٣٢) برقم (٧٣).

اللغة : المدجج : اللابس السلاح ، ومعنى يردى : يمشي الرديان ، وهو ضرب من المشي فيه تبختر ، المقنع : من تقنع بالسلاح كالبيضة.

والمعنى : يمنّ عمرو بن شأس على بني أسد بما فعله قومه ، من المدافعة وقتل الأبطال ، برغم ما هم فيه من سلاح.

والشاهد في البيت : قوله : «وكائن رددنا عنكم من مدجّج» ؛ حيث وقعت «كائن» مفعولة ومعناها معنى (كم).

ينظر الشاهد في : الكتاب (٢ / ١٧٠) ، ومعاني القرآن للزجاج (١ / ٤٨٩) ، وشرح السيرافي (٣ / ٥٣٨) ، والدرر (١ / ٢١٣).

٤٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد قال الشيخ : القياس يقتضيه ، كما كان ذلك في (كم) (١). وأما كونها مجرورة بحرف ، أو بإضافة إليها ، فالظاهر جواز ذلك ، كما أنّه جائز في (كم) ولا تخرج بالإضافة إليها عن التصدير ، ولا بدخول حرف الجرّ عليها ، قال : وقد أجاز ابن قتيبة (٢) ، وتبعه ابن عصفور دخول حرف الجرّ عليها (٣). انتهى.

وأقول : إن كان امتناع ذلك ؛ لأجل لزومها التصدير فقد عرفت فيما تقدّم أنّ ذلك لا يخرج الكلمة عن التصدير ، وإن كان امتناعه لغير هذا فذاك أمر آخر.

الخامس : يجوز الفصل بين (كأيّن) وبين تمييزها بالظرف ، والمجرور ، وبالجملة.

قال الشاعر :

١٩٨٠ ـ وكائن رددنا عنكم من مدجّج

 ...

البيت وقال الفرزدق :

١٩٨١ ـ وكائن إليكم قاد من رأس فتنة

جنودا وأمثال الجبال كتائبه (٤)

وقال آخر :

١٩٨٢ ـ وكائن حواها من رئيس سلاحه

إلى الرّدع صخر مائل الشّقّ أبكم (٥)

__________________

(١) التذييل والتكميل (٤ / ٤٠٧).

(٢) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، النحوي ، اللغوي ، الكاتب نسبة إلى الدينور من بلاد فارس لتوليه القضاء بها كان رأسا في العربية واللغة والأخبار ، وأيام الناس ، ثقة ، متديّنا فاضلا ، أقام ببغداد وسمع من الزيادي وغيره ، صنف مؤلفات كثيرة منها : إعراب القرآن ، والشعر والشعراء ، جامع النحو ، ومشكل القرآن ، ودلائل النبوة ، توفي سنة (٢٧٦ ه‍) وقيل : (٢٨٦ ه‍) وقيل : (٢٩٦ ه‍) تنظر ترجمته في طبقات النحويين للزبيدي (ص ١٨٣) ، وبغية الوعاة للسيوطي (٢ / ٦٣) برقم (١٤٤٤) ، (ص ١٥١).

(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٠٦).

(٤) البيت من الطويل ، وهو من قصيدة للفرزدق ، الشاعر المشهور يمدح هشام بن عبد الملك. ينظر ديوانه (١ / ٨٨).

والمعنى : لقد نصركم الله بجنوده ؛ لأنكم حزب الله الغالب ، وكثير من رؤوس الفتنة قد هزموا رغم أنهم قادوا جنودا وكتائب كثيفة كالجبال.

والشاهد فيه : الفصل بين (كائن) وتمييزها من رأس فتنة بقوله : «إليكم قاد» وهذا جائز وينظر البيت أيضا في : التذييل والتكميل (٤ / ٤١٨).

(٥) هو للسليك بن سلكة منسوب إلى أمه ، وأبوه عمرو بن يثربي بن سنان السعدي بن كعب بن سعد ابن مناة بن تميم ، أحد صعاليك العرب. تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (١ / ٣٧٢).

٤١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال ذو الرّمّة :

١٩٨٣ ـ وكائن ترى من رشدة في كريهة

ومن غيّة تلقى عليها الشّراشر (١)

وقال أيضا :

١٩٨٤ ـ وكائن ذعرنا من مهاة ورامح

بلاد العدا ليست له ببلاد (٢)

وقال الكميت :

١٩٨٥ ـ وكائن ترى فينا من ابن أخيذة

أبى العتق من خالاته أن يغيّرا (٣)

[وقال مسكين] :

١٩٨٦ ـ وكائن ترى فينا من ابن سبيئة

إذا لقي الأبطال يضربهم هبرا (٤)

__________________

والشاهد في البيت : الفصل بين (كائن) وتمييزها (من رئيس) بقوله : (حواها) والبيت من الطويل.

وهو من شواهد التذييل والتكميل (٤ / ٤١٨).

(١) البيت من الطويل وهو من قصيدة قالها ذو الرّمة في مدح بلال بن بردة ومطلعها :

لمية أطلال بحزوى دوائر

عفتها السوافي بعدنا والمواطر

اللغة : وكائن ترى : أكثر ما ترى ، رشدة : إصابة رشد ، في كريهة : ما جاءتك فكرهتها. من غية : اتباع غي ، تلقى عليها الشراشر : أي يلقي نفسه عليها من حبه ، والشراشر : المحبة.

والشاهد في البيت : الفصل بين (كائن) وتمييزه (من رشده) بقوله : (ترى) وهذا جائز.

ينظر الشاهد في : ديوان ذي الرمة (٢ / ١٠٣٧) ، واللسان «رشد» ، أساس البلاغة مادة «شرر» والمخصص (١٢ / ٢٤٥).

(٢) البيت من الطويل ، وقائله ذو الرمة. ينظر ديوانه (٢ / ٥٨٨).

اللغة : وكائن : أي : وكم ، مهاة : واحدة المها ، بقر الوحش ، رامح : ثور له قرن ، وسمّي (رامح) لأن قرنه بمنزلة الرمح ، فهو رامح ، الورى : الخلق وهي رواية الديوان ، والرواية هنا (العدى). يقول : كم أثرنا من بقرة وحشية وثور ذي قرن لا يقيم مع الإنس في مكان.

والشاهد فيه : كسابقه ، حيث فصل بين (كائن) ، وتمييزها (مهاة) بجملة (ذعرنا) ينظر الشاهد في :التذييل والتكميل (٤ / ٤١٩) ، والمخصص (٦ / ٢٨) ، واللسان «كين».

(٣) البيت من الطويل ، وهو للكميت بن زيد الأسدي المشهور ، وقد نسبه إليه أبو حيان في التذييل والتكميل (٤ / ٤١٩) ، ولكنه غير موجود في ديوانه ، ولا في الهاشميات. ولعل الشيخ أبا حيان اطلع على نسخة من الديوان لم نعثر عليها ، فيها هذا البيت للكميت.

اللغة : في أساس البلاغة «أخذ» : فلان أخيذ في يد العدو ، وفي اللسان «أخذ» الأخيذة : المرأة السبي ، والأخيذ : الأسير.

والشاهد في البيت : الفصل بين (كائن) وتمييزها (من ابن أخيذة) بقوله : (ترى فينا).

(٤) البيت من الطويل ، وهو للشاعر المشهور بـ (مسكين الدارمي) واسمه : ربيعة بن عامر. سبقت

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال آخر :

١٩٨٧ـ وكائن بالأباطح من صديق

يراني إن أصبت هو المصابا (١)

لكنّ الأفصح اتّصال تمييزها بها ، كما في القرآن العزيز.

السادس : ذكر الشيخ ـ في شرحه ـ أنّه كان ألّف كتابا في أحكام (كذا) سماه : كتاب الشّذا في أحكام كذا (٢) ، ثم قال : فأنا أسرد تلك الأحكام ، وأذكر ما اخترناه منها (٣). ثم إنه شرع في إيراد ذلك ، وأنا أذكر منه ما تيسّر ملخّصا ، قال : أمّا (كذا) فالكاف للتشبيه و (ذا) اسم إشارة ، وقد يبقى كلّ منهما على موضوعه الأصليّ ، وهو واضح ولا تركيب حينئذ ـ بل هما كلمتان مستقلتان بمعناهما ، وإن أخرجت الكلمتان عن موضوعهما الأصلي ، وركّبتا ، وصارتا كلمة واحدة ، فإنّ العرب استعملتهما كناية عن عدد ، وعن غير عدد (٤). فإن كانت ـ

__________________

ترجمته ورواية الديوان «يطعنهم شزرا» بدل «يضربهم هبرا».

اللغة : يضربهم هبرا : يقطع اللحم قطعا كبارا.

والشاهد في البيت : جواز الفصل بين (كائن) وتمييزها (من ابن سبيئة) بجملة (ترى فينا).

ينظر الشاهد بنصه في التذييل (٤ / ٤٢٠) ، وديوان مسكين الدارمي (ص ٤٦) طبعة بغداد سنة (١٣٨٩ ه‍ / ١٩٧٠ م) ، تحقيق : خليل إبراهيم العطية وعبد الله الجبوري.

(١) البيت من الوافر ، وهو لجرير الشاعر الأموي المشهور ، وهو من قصيدة بائية له في مدح الحجاج ابن يوسف ، مطلعها :

سئمت من المواصلة العتابا

وأمس الشيب قد ورث الشبابا

اللغة : الأباطح : جمع أبطح ، وهو المتسع من الأرض ، ويقصد هنا منشأه.

والشاهد في البيت : الفصل بين (كائن) وتمييزها (من صديق) بالجار والمجرور وهو قوله : (بالأباطح) وقد تناول النحاة هذا الشاهد في غير هذا الموضع ، في موضوع (ضمير الفصل) كما في الدرر (١ / ٤٦).

ينظر الشاهد في : التذييل والتكميل (٤ / ٤٢١) ، والمقتصد في شرح الإيضاح (٢ / ٧٥٠) برواية «لو أصبت» ، ومعاني القرآن للزجاج (١ / ٤٨٩) ، والدرر (٢ / ٩٢) ، والأشموني (٤ / ٨٧) ، وأمالي ابن الشجري (١ / ١٠٦).

(٢ ، ٣) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٢٣ ، ٤٢٤).

(٤) بين هذا الكلام وعبارة أبي حيان اختلاف كبير ، ولذا يحسن إيراد عبارة أبي حيان بنصّها ، قال في المرجع السابق (٤ / ٤٢٤): «أما الكاف فأصلها التشبيه ، وذا أصلها أنها اسم اشارة للمفرد المذكر ، فمتى أبقيت كل واحدة منهما على موضوعها الأصلي ، فلا تركيب فيها ، ولا يكون إذ ذاك كناية عن شيء وإن أخرجت عن موضوعها الأصلي فإنّ العرب استعملتها كناية عن عدد وعن غير عدد ، وفي كلتا الحالتين تكون مركبة ، ولذلك لا تثنى (ذا) ولا تجمع ولا تؤنث ، ولا تتبع بتابع ، لا نعت ولا عطف ،

٤١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كناية عن غير عدد كانت مفردة ، ومعطوفة. يقول العرب : مررت بدار كذا ونزل المطر بمكان كذا فمكان كذا ، وقالت العرب : أما بمكان كذا وكذا وجذ (١). وهو كناية عن معرفة.

ومن وقوعه على النكرة قوله :

١٩٨٨ ـ وأسلمنى الزّمان كذا

فلا طرب ولا أنس (٢)

أوقع (كذا) موقع الحال ، وهي نكرة ، وتقول العرب : مررت بدار (كذا) فتصف به النكرة ، فدل على أنه نكرة.

وإن كانت كناية عن عدد فمذهب البصريّين أن تمييزها يكون مفردا ، سواء أكانت مفردة أم معطوفة ، وأريد بها عدد قليل أو كثير ، فتقول : له عندي كذا درهما ، وله عندي كذا وكذا درهما (٣).

وقد نازع ابن خروف في إفرادها ، إذا كانت كناية عن العدد ، وزعم أنّه غير ـ

__________________

ولا تأكيد ولا بدل ، ولا تتعلق الكاف بشيء ، ولا تدل على تشبيه ؛ لأنهما بالتركيب حدث لهما معنى لم يكن قبل ولا تلزم الصدر ، ولا تكون مقصورة على إعراب خاص ، بل تستعمل في موضع رفع وفي موضع نصب ، وفي موضع جرّ بالإضافة ، وبالحرف». اه.

انظر : الهمع (٢ / ٢٧٦) ، وينظر : حاشية الصبان على الأشموني (٤ / ٨٦).

(١) في القاموس المحيط «وجذ» الوجذ : النقرة في الجبل ، تمسك الماء والحوض ، الجمع : وجذان ، ووجاذ ، بكسرهما». اه. وفي حاشية الأمير على مغني اللبيب (١ / ١٦٠) : أن عربيّا قال لآخر : أما بمكة أو بالمدينة مثلا وجذ؟ فقال له الآخر : بلى ، فيه وجاذ متعددة.

(٢) البيت من مجزوء الوافر ، ولم ينسب لقائل معين ولم أهتد إلى قائله.

اللغة : أسلمني : خذلني ، وأسلمني الزمان كذا ، أي كهذا الأسلوب ، والحال التي أنا عليها ، فلا طرب : المراد بالطرب هنا الفرح ، وإلا فهو من الأضداد ، يطلق على الحزن والفرح ، وفي حاشية الأمير (١ / ١٥٩) : «وبعضهم يقول : الطرب خفة تصيب الإنسان ، تسره أو تحزنه». اه. الأنس : ضد الوحشية.

والمعنى : خذلني الزمان ، فصيرني حزينا مستوحشا ، لا فرح عندي ولا أنس.

والشاهد : وقوع (كذا) موقع الحال ، في قوله : «وأسلمني الزمان كذا» ، والحال نكرة ، فدل أن (كذا) نكرة.

من مراجع الشاهد : الأشباه والنظائر (٤ / ١٥٢) ، والأشموني (٤ / ٨٨) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٤٢٥).

(٣) يراجع مذهب البصريين في كتاب سيبويه (٢ / ١٧٠ ، ١٧١) ، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (٤ / ٣٣٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٤٢٦) ، والأشباه والنظائر للسيوطي (٤ / ١٥٧).

٤١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مستعمل في كلام العرب (١) ومذهب الكوفيّين أنّها تفسر بما يفسر به العدد الذي هو كناية عنه فمن الثلاثة إلى العشرة بالجمع المخفوض ، نحو : له عندي كذا جوار ، وتكون هي مفردة ، وعن المركّب بالمفرد المنصوب ، وتركب هي ، تقول : له عندي كذا [كذا] درهما ، وعن العقود بالمفرد المنصوب ، وتفرد هي تقول : له عندي كذا درهما ، وعن المعطوف بالمفرد المنصوب ، وتكون هي معطوفة على مثلها ، تقول :له عندي كذا وكذا درهما ، وعن المائة والألف بالمفرد المجرور ، وتفرد هي ، نحو : له [عندي] كذا درهم (٢) وقد وافق الكوفيّين على هذا المذهب الأخفش (٣) ، والمبرد (٤) وابن الدّهان (٥) وابن معط (٦) وابن عصفور (٧) ، ونقل عن الأخفش أيضا موافقتهم ـ

__________________

(١) ينظر مذهب ابن خروف في : شرح التسهيل للمرادي (١٨٠ / ب) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٤٢٦) ، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (٤ / ٣٣٧).

(٢) نقل ناظر الجيش هذا الكلام بنصه عن أبي حيان. ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٢٦) ، وينظر مذهب الكوفيين هذا أيضا في : توضيح المقاصد والمسالك للمرادي (٤ / ٣٣٧ ، ٣٣٨).

(٣) ينظر ـ في موافقة الأخفش مذهب الكوفيين ـ توضيح المقاصد والمسالك للمرادي (٤ / ٣٣٨) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٠ / ب) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٤٢٧) ، وحاشية الأمير على مغني اللبيب (١ / ١٦٠).

(٤) في الكامل للمبرد (٢ / ١٩٢): «له كذا وكذا درهما إنما هي (ذا) دخلت عليها الكاف ، والمعنى : له كهذا العدد من الدراهم ، فإذا قال : له كذا كذا درهما فهو كناية عن أحد عشر درهما إلى تسعة عشر لأنه ضمّ العددين ، فإذا قال : كذا وكذا فهو كناية عن أحد وعشرين إلى ما جاز فيه العطف بعده». اه.

(٥) ابن الدهان : هو سعيد بن المبارك بن علي بن عبد الله الإمام ناصح الدين بن الدهان ، النحوي البغدادي ، وكان سيبويه عصره ، وسكن الموصل ، من تصانيفه : شرح الإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي ، المسمّى بالغرّة ، في نيف وأربعين مجلدا ، وشرح اللمع لابن جني ، والفصول في النحو ، توفي سنة (٥٦٩ ه‍) تنظر ترجمته في : وفيات الأعيان (٢ / ٣٧٨) ، وبغية الوعاة (١ / ٥٨٧) ، ونشأة النحو (ص ١٧٧).

وتنظر موافقة ابن الدهان لمذهب الكوفيين في توضيح المقاصد والمسالك للمرادي (٤ / ٣٣٨) والتذييل والتكميل (٤ / ٤٢٧) والمساعد لابن عقيل (١٣٥ / أ) ولا توجد الموافقة هذه في كتاب الغرة لابن الدهان المكون من جزءين بدار الكتب المصرية مخطوطين برقم (١٧١) نحو.

(٦) هو يحيى بن معط صاحب الألفية في النحو ، التي أشار إليها ابن مالك ، والفصول وشرح الجمل.

توفي سنة (٦٢٨ ه‍) وسبقت ترجمته.

وتنظر موافقة ابن معط للكوفيين في : شرح الفصول الخمسة لابن معط (٢ / ٥٣١) ، تحقيق د. أحمد مرسي الجمل «رسالة بكلية اللغة العربية» ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٠ / ب) حيث قال : «وهذا التفصيل مذهب الكوفيين ووافقهم الأخفش على ما نقله صاحب البسيط ، والمبرد والدهان وابن معط». اه.

(٧) ينظر رأي ابن عصفور في : المقرب (١ / ٣١٤) ، والشرح الكبير لابن عصفور (٢ / ٣٧) حيث

٤١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في المركب (١) والمعطوف وكذا ابن عصفور (٢) إلا أنّه قال ـ في الكناية عن الثلاثة إلى العشرة ، وعن المائة والألف ـ : له عندي كذا من الدراهم فردّ التمييز إلى الجمع معرفا بـ (أل) وزعم أنّه مذهب البصريّين (٣). واضطرب قول أبي عليّ ، فمرة يقول بمذهب البصريّين ومرة يقول (بمذهب) الكوفيّين (٤). ثمّ قال الشيخ : وتحصل لنا أنّ المذاهب ثلاثة :مذهب البصريين ـ غير من خالفهم (٥) ـ أنها كناية عن العدد ، مطلقا ، سواء كان مركبا ، أو معطوفا ، أم عقدا ، أم غير ذلك.

[٣ / ٨٨] ومذهب الكوفيّين ، ومن وافقهم من البصريّين : أنّها كناية عن العدد ، فتطابق هي في تفسيرها ما هي كناية عنه ، من إفراد وتفسير بجمع مجرور أو مركب ، وتفسير بمفرد منصوب ، أو إفراد وتفسير بمفرد منصوب ، أو عطف وتفسير بمفرد منصوب ، أو إفراد وتفسير بمفرد مجرور (٦).

ومذهب ثالث : وهو مركب من هذين المذهبين وهو موافقة الكوفيّين في المركّب والعقد والمعطوف ، ومخالفتهم في المضاف ، وهو الثلاثة إلى العشرة ، والمائة ـ

__________________

قال : «ومما جرى مجرى (كم) في أنه كناية عن العدد (كذا) فتقول ـ إذا كنيت عن الثلاثة إلى العشرة ـ : له كذا من الدراهم ، وإن كنيت عن أحد عشر إلى تسعة عشر قلت : له كذا كذا درهما فإن كنيت عن العقود من عشرين إلى تسعين قلت : له كذا درهما فإن كنيت عن المعطوفات من واحد وعشرين إلى تسعة وتسعين قلت له : كذا وكذا درهما ، وتكني عن المائة والألف كما تكني عن الثلاثة إلى العشرة.

(١ ، ٢) ينظر في موافقة الأخفش وابن عصفور للكوفيين : مغني اللبيب (١ / ١٨٨) ، وفي المساعد لابن عقيل (١٣٥ / أ): «هذا شيء ذكره الكوفيون ، ووافقهم فيه الأخفش» وفي الأشباه والنظائر (٤ / ١٥٧) :«وهذا قول المبرد والأخفش ... وابن عصفور». والتذييل والتكميل (٤ / ٤٢٨) ، والأشموني (٤ / ٨٧) والمقرب لابن عصفور (٤ / ٣١٤) والشرح الكبير لابن عصفور (٢ / ٥٢).

«وهذا قول المبرد والأخفش ... وابن عصفور». والتذييل والتكميل (٤ / ٤٢٨) ، والأشموني (٤ / ٨٧) والمقرب لابن عصفور (٤ / ٣١٤) والشرح الكبير لابن عصفور (٢ / ٥٢).

(٣) ينظر : المرجعان السابقان لابن عصفور ، الصفحات نفسها.

(٤) ينظر رأي أبي علي الفارسي في : الأشباه والنظائر (٤ / ١٥٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٤٣٠) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٠ / ب) ، والإيضاح (١ / ٢٢٤) ، والبغداديات (ص ٢٣٢).

(٥) عبارة التذييل والتكميل (٤ / ٤٢٩): «غير المبرد ومن وافقه».

(٦) أمثلة ذلك في شرح التسهيل للمرادي (١٨٠ / ب) ، حيث قال : «فعلى هذا إذا قيل : عندي كذا أعبد فهو كناية عن ثلاثة إلى عشرة ، وكذا عبيد ، من مائة فصاعدا ، وكذا كذا عبدا فهو كناية عن :أحد عشر إلى تسعة عشر ، وكذا وكذا عبدا كناية عن أحد وعشرين إلى تسعة وتسعين ، ثم قال :«وهذا التفصيل مذهب الكوفيين». اه. وينظر : شرح فصول ابن معط (٢ / ٥٣١ ـ ٥٣٣) رسالة.

٤١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والألف ، مفسّران (١) بجمع معرّف باللّام (٢) ، مجرور بـ (من) وهو اختيار ابن عصفور (٣) ، وقال : وينبغي الرجوع إلى السّماع والمسموع من لسان العرب أنّ (كذا) إذا كانت كناية عن غير عدد كانت مفردة ، أو معطوفة ، خاصة ولا يحفظ تركيبها ، وإذا كانت كناية عن عدد فلا يحفظ إلا كونها معطوفة ، ولا تحفظ مفردة ولا مركبة (٤) ، قال : ولذلك لم يمثل بها سيبويه والأخفش والفارسيّ في الأعداد ، إلا معطوفة (٥). ثم ذكر سيبويه أنّها كناية للعدد ، ولم يخصّ عددا دون عدد (٦). قال : وسائر التراكيب التي أجازها الكوفيون ليست من لسان العرب (٧). وقد قال ابن أبي الربيع عن قول الكوفيين (٨) : وهذا كلّه إنّما قالوه بنوع من القياس لم يرد به سماع. قال : فعلى هذا الذي تقرر ، لو قال : له عندي كذا وكذا درهما ، نزلناه على درهم واحد ، إلا إن قال : أردت عددا أكثر من ذلك ، فيرجع إلى تفسيره ، ولو قال : كذا وكذا درهما ، لم يجعله تركيبا ، بل يكون مما حذف منه حرف العطف ، على رأي من يجيز الحذف ، وأصله : كذا وكذا ، ولو قال : كذا درهما لم يجعله مفردا ، بل يكون مما حذف منه المعطوف ، وأصله : كذا وكذا. ـ

__________________

(١) عبارة التذييل والتكميل (٤ / ٤٣): «فيفسران». اه.

(٢) ينظر : المرجع السابق الصفحة نفسها «بالألف واللام». اه.

(٣) بعد ذلك في المرجع السابق الصفحة نفسها : «وزعم أنه مذهب البصريين». اه.

(٤) نقل كلام أبي حيان هذا ـ أيضا ـ المرادي في شرح التسهيل (١٨٠ / ب).

(٥) تنظر هذه الآراء في التذييل والتكميل (٤ / ٤٥٩) ، وينظر رأي سيبويه ـ أيضا ـ في الكتاب (٢ / ١٧٠) «هذا باب ما جرى مجرى (كم) في الاستفهام ، وذلك قولك : له كذا وكذا درهما». اه. وهكذا نجد أن سيبويه مثل للمعطوف ولم يمثل لغيره.

وقال الفارسي في البغداديات (ص ٢٣٢): «فأما قولهم : كذا وكذا فهو كناية عن العدد». اه.

وقال في الإيضاح (١ / ٢٢٤): «قولهم : لي عنده كذا وكذا درهما فكذا كناية عن العدد». اه.

(٦) في الكتاب (٢ / ١٧٠): «هذا باب ما جرى مجرى (كم) الاستفهامية ، وذلك قولك : له كذا وكذا درهما وهو مبهم في الأشياء ، بمنزلة (كم) ، وهو كناية للعدد». اه.

(٧) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٣٢) ، وتعليق الفرائد للدماميني (٢ / ٤٠٤) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٠ / ب).

(٨) عبارة التذييل والتكميل (٤ / ٢٣٢): «حين حكى مذهب الكوفيين».

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ قال : وأما تجويزهم بعد (كذا) الرفع فخطأ ؛ لأنّه لم يسمع من لسانهم (١).

وأما الخفض بعدها فلا يجوز لا على الإضافة ولا على البدل (٢). ثم قال : وقد اختلفت مذاهب الفقهاء في الإقرار بهذه الكنايات (٣). ثمّ قال : والعجب أنّه لم يقل أحد منهم بما يوافق اللغة (٤). انتهى كلام الشيخ. وجميع ما قاله قد أشار إليه المصنف ، واستفيد من كلامه ، أما قول الشّيخ : إنّ الكاف في (كذا) قد تبقى على معناها من التشبيه و (ذا) على معناها من الإشارة دون تركيب (٥) ؛ فهذا أمر ظاهر لا يحتاج إلى التنبيه عليه ، وأما قوله : إنّ (كذا) يكون كناية عن غير العدد (٦) ؛ فقد ذكر المصنف ذلك في باب العلم حيث قال : وكنوا (كذا) عن (كذا) .. إلى أن قال : وب (كيت) ، أو (كية) وب (ذيت) أو (ذيّة) أو (كذا) عن الحديث.

وأما قوله ـ في (كذا) التي هي كناية عن العدد ـ : إنّ مميزها لا يجوز فيه الرفع ولا الخفض (٧) ؛ فقد قال المصنف ـ مشيرا إلى (كأيّن) ، و (كذا) ـ : ويقتضيان مميزا منصوبا. وأما قوله : إن مذهب الكوفيّين ، وتفصيلهم ليس مسموعا من كلام العرب (٨) ؛ فقد قال المصنف ـ حين ذكر تفصيل هذا المذهب ـ : ومستند هذا الرأي لا الرواية (٩). فجميع ما ذكره الشيخ قد تضمنه كلام المصنف رحمه‌الله تعالى. ـ

__________________

(١) ينظر المرجع السابق (٤ / ٤٣٣) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٠ / ب) ، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (٤ / ٣٣٦).

(٢) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٣٤) ، وقد أجاز ذلك ابن قتيبة ، وينظر في ذلك : أدب الكاتب ، تحقيق المرحوم محمد محيي الدين عبد الحميد. طبعة السعادة .. (١٣٨٢ ه‍ / ١٩٦٣ م).

(٣) ينظر في ذلك : التذييل والتكميل (٤ / ٤٣٦) وقد أشار إلى هذا الاختلاف أبو البقاء العكبري ، حيث قال في اللباب ـ رسالة دكتوراه بجامعة القاهرة برقم (١٦٥٠) رسائل (ص ٢٥٧) ـ : «ومما ألحق بـ (كم) (كذا) كقولك : له عندي كذا درهما وكذا كذا درهما ، وقد فرع الفقهاء على هذا مسائل في الإقرار تحتاج إلى نظر». اه.

(٤) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٣٦) وشرح التسهيل للمرادي (١٨١ / أ).

(٥) ينظر : المرجع قبل السابق الصفحة نفسها.

(٦) ينظر : المرجع السابق.

(٧) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٣٣ ، ٤٣٤).

(٨) ينظر : المرجع قبل السابق (٤ / ٤٣٢).

(٩) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٤٢٤) ، وينظر : شرح التسهيل للمرادي (١٨٠ / ب) ، وتوضيح المقاصد للمرادي (٤ / ٣٣٦) ، وينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٣٣).

٤١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

السابع : قد عرفت من قول المصنّف ـ مشيرا إلى (كأيّن) ـ : وتنفرد من (كذا) بلزوم التصدير (١) أنّ (كذا) لا تلزم التصدير ، فيجوز أن يعمل فيها ما قبلها كقولك : قبضت كذا وكذا درهما ، وأنّها لا تكون مقصورة على إعراب خاصّ ، بل تستعمل في موضع رفع وفي موضع نصب ، وفي موضع جرّ بالإضافة ، وبالحرف. واعلم أنّ الشيخ لم يقصر (كذا) على التكثير ، فإنّه قال : وأما (كذا) فالذي يظهر أنّها لم توضع للتكثير بل هي مبهمة في العدد ، سواء كان كثيرا ، أم قليلا (٢). انتهى.

ويظهر أنّ الأمر كما قال.

__________________

(١ ، ٢) المرجع السابق (٤ / ٣٩٩ ، ٤٠٦).

٤١٨

الباب الثاني والثلاثون باب نعم وبئس

[فعلان أم اسمان والأدلة على كلّ]

قال ابن مالك : (وليسا باسمين فيليا عوامل الأسماء خلافا للفرّاء ، بل هما فعلان لا يتصرّفان ؛ للزومهما إنشاء المدح والذّمّ على سبيل المبالغة) (١).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٢) : يدلّ على فعليّة (نعم وبئس) اتصال تاء التأنيث السّاكنة بهما في كلّ اللغات ، واتصال ضمير الرفع البارز بهما في لغة ، حكاها الكسائيّ نحو : أخواك نعما رجلين وإخوتك نعموا رجالا ، والهندات نعمن نساء (٣).

وقال ابن برهان (٤) : الدليل على أنّ (نعم) فعل ماض ، رفعه الظاهر ، وتضمنه الضمير ، ودخول لام القسم ، وعطفه على الفعل الماضي والحكم بفعليتهما هو مذهب البصريين والكسائي وزعم الفراء وأكثر الكوفيّين (٥) أنهما اسمان ، واستدلوا على ذلك بدخول حرف الجرّ عليهما ، كقول بعض العرب ـ وقد قيل له في بنت ولدت له : نعم الولد ـ : والله ما هي بنعم الولد ، نصرها بكاء وبرّها سرقة (٦) ـ

__________________

(١) في التذييل والتكميل (٤ / ٤٣٨): «مناسبة هذا الباب لما قبله ـ يعني باب التمييز ـ هي أن (نعم وبئس) قد يكون معهما تمييز ، كما كان ذلك في الباب الذي قبله ، وقد ذكره بعض النحويين عقب باب الفاعل ، وهو مناسب ، وأفرد بالذكر ؛ لأن الفاعل فيهما جرى على طريقة لم تجز في غيرهما». اه.

(٢) انظر : شرح التسهيل لابن المالك (٣ / ٥) تحقيق د / عبد الرحمن السيد ود / محمد بدوي المختون.

(٣) انظر في هذه المسألة هذه المراجع : التذييل والتكميل (٤ / ٤٣٨) رسالة ، والإنصاف (١ / ٦٦) ، مسألة رقم (١٤) ، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (٣ / ٧٥) ، وشرح التسهيل للمرادي أيضا (١٨١ / أ) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٢٠) ، وشرح الألفية للشاطبي (٤ / ٤) رسالة دكتوراه بكلية اللغة العربية تحقيق د / بسيوني سعد لبن.

(٤) ابن برهان ـ بفتح الباء الموحدة هو عبد الواحد بن علي المتوفى سنة (٤٥٦ ه‍) ، سبقت ترجمته.

(٥) لمراجعة زعم الفراء وأكثر الكوفيين ، ينظر : منهج السالك لأبي حيان (ص ٣٨٧).

والمقرب (١ / ٦٥) والمراجع المذكورة قريبا.

(٦) حكاه ابن الأنباري عن ثعلب عن الفراء. ينظر : الإنصاف (١ / ٩٨) ، وشرح المرادي (٣ / ٧٥) ، وشرح الألفية للشاطبي (٤ / ٤) رسالة.

٤١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وكقول بعضهم : «نعم السير على بئس العير» (١) ، وكقول الآخر :

١٩٨٩ ـ صبّحك الله بخير باكر

بنعم طير وشباب فاخر (٢)

ولا حجّة في ذلك أمّا الأول والثاني فيعتذر عنهما بما اعتذر به عن قول الآخر :

١٩٩٠ ـ عمرك ما ليلي بنام صاحبه (٣)

فقيل : إنّه أراد : ما ليلي بمقول فيه : نام صاحبه ، فكذا يقال في «ما هي بنعم الولد» و «على بئس العير» : إنّ معناهما : ما هي بمقول فيها : نعم الولد ، ونعم السير على مقول فيه : بئس العير ، وأما قول الآخر : «بنعم طير» فيحمل على أنّه جعل (نعم) اسما أضيف إلى (طير) وحكى لفظه الذي كان عليه قبل عروض الاسمية كما قال الشاعر : ـ

__________________

(١) ينظر الإنصاف (١ / ٩٨) ، والمقرب (١ / ٦٥) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ١٨٢) ، وشرح الألفية للشاطبي (٤ / ٤) رسالة.

والعير : ـ بفتح العين وسكون الياء ـ الحمار ، وجمعه أعيار ، والأنثى : عيرة. ينظر اللسان مادة «عير».

(٢) هذا البيت من الرجز لم ينسب لقائل معين. قال العيني (٤ / ٢): «لم أقف على اسم راجزه».

اللغة : بخير باكر : أي مبكر سريع عاجل ، بنعم طير : بخير طائر ، أنزل (نعم) منزل خير ، وأضافها لـ (طير). والشاهد في البيت : «بنعم طير» ؛ حيث استشهد به على اسمية (نعم) فيه ، بدليل إضافتها إلى ما بعدها. وهذا عند الكوفيين ، واستشهد به الفراء على اسمية (نعم) لدخول حرف الجر عليها ، ورد هذا الاستشهاد الشيخ محمد الطنطاوي في نشأة النحو (ص ٢٣١) برواية اللسان «بنعم عين» وبذلك رد استشهاد الأشموني أيضا ، ينظر : نشأة النحو (ص ٢٤٩).

ينظر هذا البيت في : التذييل والتكميل (٤ / ٤٤١) رسالة ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ١٨٢) ، والأشموني (٣ / ٢٧) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٢) ، والهمع (٢ / ٨٤) ، والدرر (٢ / ١٠٨).

(٣) هذا صدر بيت من الرجز وعجزه :

ولا مخالط الليان جانبه

وقائله العناني ، كما في شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (٢ / ٣٥٣).

اللغة : الليان : الملاينة ، وبالفتح : مصدر (لان) بمعنى : اللين ، يقال : هو في ليان من العيش ، أي : في نعيم ، وسهولة ، ورخاء.

المعنى : يصف حاله بأنه طال سهره وجفا جنبه عن الفراش ، فكأنه نائم على شيء خشن لا لين فيه.

والشاهد في البيت قوله : «بنام صاحبه» ؛ حيث لا تدل الباء على اسمية (نعم) ؛ لأنه مؤول على التقدير الذي ذكره فالجار في الحقيقة دخل على المحذوف لا على الفعل وكذا دخوله على (نعم ، وبئس) في قولهم : «بنعم الولد» و «على بئس العير» ينظر الشاهد أيضا في : أمالي الشجري (٢ / ١٤٨) ، ومعجم الشواهد العربية (٢ / ٤٤٤) ، وشرح ابن الناظم (ص ١٨٢) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٤٤٣) رسالة.

٤٢٠